منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 شرح الحديث رقم (36)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

شرح الحديث رقم (36) Empty
مُساهمةموضوع: شرح الحديث رقم (36)   شرح الحديث رقم (36) Emptyالسبت 02 يوليو 2011, 4:07 am

[color=violet]ح36: حديث أبي هريرة:
(من نفس عن مؤمن كربة...) م
--------------------------
شرح الحديث رقم (36) Images11
36- عَن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ، عنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَومٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ , وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَه، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ)). رواه مسلِمٌ بهذا اللفظِ.
-------------------------
شرح فضيلة الشيخ:
محمد حياة السندي

-------------------------
الشرح :

عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ نَفَّسَ))مَنْ أَزالَ بطريقٍ مُبَاحٍ ((عَنْ مُؤْمِنٍ)) وكَذَا مُؤْمِنَةٌ ((كُرْبَةً)): شِدَّةً يَنْبَغِي إِزَالَتُهَا عَنْهُ، ((مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا)) وَكُرَبُهَا أَصْغَرُ وَأَحْقَرُ بالنِّسْبَةِ إلى كُرَبِ الآخرةِ،((نَفَّسَ)) أَزَالَ اللهُ عَنْهُ ((كُرْبَةً)) عَظِيمَةً ((مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ))، إنَّه أَمْرٌ جَزَاؤُهُ التَّنْفِيسُ بالتَّنْفِيسِ جَزَاءً وِفَاقًا.

((وَمَنْ يَسَّرَ)) سَهَّلَ ((عَلى مُعْسِرٍ)) بكلِّ وجهٍ مُبَاحٍ أَمْكَنَ ((يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ)).

((و مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا)) عَيْبَهُ الذي يَنْبَغِي، أَوْ عَوْرَتَهُ أَوْ بَدَنَهُ ((سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنْيا والآخِرةِ)).

((واللهُ)) القادرُ على كُلِّ شيءٍ ((في عَوْنِ)): إعانةِ العبدِ ((مَا كانَ)) مُدَّةَ كَوْنِ ((العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ)) في الإسلامِ، فَكُونُوا في عَوْنِ إِخْوَانِكُمْ لِيَكُونَ اللهُ في عَوْنِكُمْ، وَعَونُهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ، ومَنْ كانَ في عَوْنِهِ مَوْلاَهُ، كَفَاهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ.

((وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ)): يَطْلُبُ فيهِ ((عِلْمًا)) شَرْعِيًّا، لِيَنْفَعَ بِهِ نَفْسَهُ وعِبَادَ اللهِ تَعالَى ((سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَريقًا إلى الجَنَّةِ)) يومَ القيامةِ،فَيَدْخُلُهَا بِالسُّهُولَةِ، أو أَرْشَدَهُ في الدُّنْيَا إلى سبيلِ الهدايةِ والطَّاعةِ، المُوصِلَتَيْنِ إلى الجنَّةِ.((وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ))مُسْلِمُونَ مُخْلِصُونَ، ((في بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ)) كالمَسَاجِدِ، والمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَنَحْوِهَا، ((يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ)) الجليلِ حَقَّ تِلاَوَتِهِ تَقَرُّبًا إليهِ، ((وَيَتَدَارَسُونَهُ)) وَيَتَذَاكَرُونَ عُلُومَهُ أَوْ يَقْرَأُونَهُ بالمُنَاوَبَةِ ((بيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ)) مَخْلُوقٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللهِ، يَنْزِلُ عَلَى الذَّاكِرِينَ، يَحْصُلُ بِهِ فِي قُلُوبِهِم السُّكُونُ وَالاطْمِئْنَانُ والحُضُورُ، ((وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ)) الرَّبَّانِيَّةُ، ((وَحَفَّتْهُمْ)) أَحَاطَتْ بِهِمُ ((الْمَلاَئِكَةُ)) المُكَرَّمُونَ تَعْظِيمًا، وَنِعْمَ الإِحَاطَةُ إِحَاطَتُهُم، ((وَذَكَرَهُمُ اللهُ)) الجَلِيلُ ((فِيمَنْ عِنْدَهُ)) مِنَ الملائِكَةِ الكِرَامِ، بِأَحْسَنِ المَحَامِدِ، ونِعْمَ الذَاكِرُ وَنِعْمَ المَذْكُورُ، وَلَوْ لَم يَكنْ لِلذَّاكِرينَ جَزَاءٌ إلاَّ هذَا لَكَفَاهُم شَرَفًا، وكيفَ ولهُمْ مَا تَقَرُّ بِهِ العيونُ.

((ومنِ بَطَّأَ)): قَصَّرَ ((بِهِ عَمَلُهُ)) فتساهَلَ عَنِ الحسنَاتِ، وانهمَكَ في السَّيئاتِ عَن الوصولِ إلى الدرجاتِ التي لا تُنَالُ إلاَّ بالأعمالِ ((لمْ يُسْرِعْ بِهِ)) ويوصِلْهُ ((نَسَبُهُ)) الجليلُ إليها؛ لأَنَّها مراتبُ لا تُحَصَّلُ بالأسبابِ، وإنَّما تُنَالُ باجتهادٍ في طَاعةِ ربِّ الأربابِ، والعاقلُ مَنْ سابقَ إليهَا بالأعمالِ، والأحمقُ مَنْ أرادَ وصُولَهُ بمجردِ الآمالِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُم تَعْمَلُونَ} [سورة الزخرفِ: 72].
-------------------------
المنن الربانية لفضيلة الشيخ:
سعد بن سعيد الحجري

--------------------------
الحديثُ السادسُ وَالثلاثونَ

عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً سَهَّلَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ)).
رَوَاهُ مُسْلِمٌ بهذا اللَّفْظِ.

موضوعُ الحديثِ:
فَضْلُ قَضَاءِ حوائجِ المسلمينَ.


المُفْرَدَاتُ:

(1) ((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً)): التَّنْفِيسُ: هوَ الإِزالةُ وَالتخفيفُ عَن النفسِ، مَأْخُوذٌ مِنْ تَنْفِيسِ الخِنَاقِ، كأنَّهُ يُرْخِي لهُ الخِنَاقَ حتَّى يَأْخُذَ نَفَساً.

((عَنْ مُؤْمِنٍ)): أيْ عَنْ صاحبِ إِيمانٍ بِأَرْكَانِ الإِسلامِ وَالإِيمانِ، وَقائِمٍ بالدِّينِ كُلِّهِ. ((كُرْبَةً))؛ أيْ: شِدَّةً عَظِيمَةً تُوقِعُ صَاحِبَهَا في كَرْبٍ، كَأَنْ يكونَ مَهْمُوماً أَوْ مَغْمُوماً مِنْ أَمْرٍ فَيُنَفِّسُهُ عَلَيْهِ. وَفي هذا: الجزاءُ مِنْ جِنْسِ العملِ.

((نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ)): أيْ أَزَالَ عنهُ شِدَّةً مِنْ شَدَائِدِ يومِ القيامةِ العظيمةِ؛ كَتَخْفِيفِ التَّضْيِيقِ في القبرِ أَوْ تَخْفِيفِ الحسابِ عَلَيْهِ أَوْ غيرِ ذلكَ.

وَقالَ: ((مِنْ كُرَبِ يومِ القيامةِ)): وَلمْ يَقُلْ: مِنْ كُرَبِ الدُّنيا وَالآخرةِ؛ لأنَّ الكُرَبَ هيَ الشدائدُ، وَأَغْلَبُ ما تَكُونُ في الآخرةِ، وَقدْ لا تَكُونُ في الدُّنيا على جميعِ الناسِ، بلْ لَرُبَّمَا على البعضِ. وَكُرَبُ الدُّنْيَا للآخرةِ كَلا شَيْءٍ، فَادُّخِرَتْ لهُ.

(2) ((ومَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ)): يَسَّرَ بِمَعْنَى مَدَّ لهُ في الأَجَلِ، أَوْ عَفَا عنهُ، أَوْ قَضَى دَيْنَهُ، أَوْ طَلَبَ مِنْ غَرِيمِهِ مُسَامَحَتَهُ.

وَالمُعْسِرُ: هوَ الذي تَعَسَّرَتْ أَحْوَالُهُ حتَّى أَصْبَحَ في عُسْرٍ؛ كَقَلِيلِ ذاتِ اليدِ كَثِيرِ الدُّيُونِ، فهوَ في ذُلٍّ في النهارِ وَهَمٍّ في الليلِ.

قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسِرَةٍ} ة: 280.

وَفي الحديثِ: ((مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ)).

وَهذا التيسيرُ في الدُّنيا لِتَعَسُّرِ بعضِ أُمُورِ الدُّنيا، وَفي الآخرةِ؛ لأنَّ يومَ القيامةِ سُمِّيَ يَوْماً عَسِيراً.

(3) ((ومَنْ سَتَرَ مُسْلِماً)): أيْ غَطَّى عُيُوبَهُ وَدَافَعَ عنهُ لعلمِهِ أنَّ كلَّ إِنسانٍ بِعُيُوبٍ، وَأَنَّ سَتْرَ العَوْرَاتِ وَاجِبٌ، فَجَزَاؤُهُ سَتْرُ اللَّهِ لهُ في الدُّنيا بعدَ اطِّلاعِ الناسِ على عُيُوبِهِ، وَفي الآخرةِ بالعَفْوِ عنهُ وَمَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِ.

وَالناسُ في السترِ قِسْمَانِ:

1-مَنْ كانَ مَسْتُوراً لا يُعْرَفُ بشيءٍ مِن المَعَاصِي، فإِذا وَقَعَتْ منهُ هَفْوَةٌ أَوْ زَلَّةٌ فإِنَّهُ لا يَجُوزُ كَشْفُهَا وَلا هَتْكُهَا مِنْ بابِ (إِقَالَةِ ذَوِي الهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ).

2- مَنْ كانَ مُشْتَهِراً بالمَعَاصِي مُجَاهِراً بها، فلا يُسْتَرُ بلْ يُحَذَّرُ مِنْ شَرِّهِ.

((واللَّهُ في عَوْنِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عونِ أَخِيهِ)): أيْ إِعَانَتِهِ وَتَسْدِيدِهِ لقضاءِ شُؤُونِهِ النافعةِ. فاللَّهُ يُعِينُ العبدَ الذي يَسْعَى في إِعانةِ إِخوانِهِ وَيُعَوِّضُهُ عَمَّا أَنْفَقَ.

وَقدْ كانَ أبو بكرٍ يَجْلِسُ إِلى امرأةٍ عَجُوزٍ يَخْدُمُهَا، وَعُمَرُ يَتَفَقَّدُ أحوالَ الناسِ، وَأبو الحارسِ الأُولاسِيُّ خَدَمَ فَقِيراً فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ.
وَقالَ عامِرٌ التَّمِيمِيُّ لأَصْحَابِهِ: (أُسَافِرُ مَعَكُمْ لِخِدْمَتِكُمْ).

(3) ((ومَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فيهِ عِلْماً)): (سَلَكَ)؛ أيْ: مَشَى أَوْ أَخَذَ بالأسبابِ، ((يَلْتَمِسُ))؛ أيْ: يَطْلُبُ. وَفي هذا الحثُّ على مُدَاوَمَةِ التَّرَدُّدِ على مجالسِ العلمِ وَالمَشْيِ إِليها وَالرغبةِ فيها. وَيَدْخُلُ في ذلكَ المَشْيُ على الأقدامِ وَالحفظُ لها وَالمذاكرةُ وَالكتابةُ وَنحوُ ذلكَ مِن الطُّرُقِ المعنويَّةِ.

((سَهَّلَ اللَّهُ لهُ بهِ طَرِيقاً الى الجنَّةِ)): أيْ أَوْصَلَهُ بهذا العلمِ النافعِ إِلى الجنَّةِ، وَذلكَ لِسَعْيِهِ إِلى رِضْوانِ اللَّهِ، وَحِفْظِ وَقْتِهِ وَحَيَاتِهِ، وَدعوةِ الناسِ وَدلالتِهِم على الخيرِ، وَهدايتِهِم إِلى الصراطِ الذي يُوصِلُ للجنَّةِ، وَلأنَّهُ لا يُذْكَرُ في مجالسِ العلمِ إِلاَّ الآخرةُ.

(5) ((وما اجْتَمَعَ قَوْمٌ...)): هذهِ كَرَامَاتُ أَهْلِ الذِّكْرِ الذينَ يَحْرِصُونَ عَلَيْهِ وَيَبْذُلُونَ لهُ النَّفْسَ وَالوقتَ وَالمالَ، يُكْرَمُونَ بِكَرَامَاتٍ، الواحدةُ منها خَيْرٌ مِن الدُّنيا وَما عَلَيْهَا. فالرحمةُ لِمَنْعِ العذابِ وَالسلامةِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، وَالسكينةُ للثباتِ وَالسلامةِ مِن الانحرافِ، وَحُفُوفُ الملائكةِ للولايَةِ في الدُّنيا وَالآخرةِ، وَالتكريمُ وَالذِّكْرُ عندَ اللَّهِ تَعَالَى لِرَفْعِ الدرجاتِ وَمَغْفِرَةِ الذَّنْبِ؛ لأنَّ مَجَالِسَهُم مِنْ أَجْلِ ذلكَ.

(6) ((وَمَنْ بَطَّأَ بهِ عَمَلُهُ لمْ يُسْرِعْ بهِ نَسَبُهُ)): مَعْنَاهُ أنَّ العملَ هوَ الذي يَبْلُغُ بالعبدِ دَرَجَاتِ الآخرةِ وَليسَ النَّسَبَ، قَالَ تَعَالَى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الأنعام: 132].

فَالمَوَازِينُ بالتَّقْوَى وَليستْ بالنَّسَبِ.
وَرَجُلٌ انْتَسَبَ إِلى تسعةٍ وَهوَ عَاشِرُهُمْ دَخَلَ النارَ، وَرَجُلٌ انْتَسَبَ إِلى وَاحدٍ وَإِلى الإِسلامِ دَخَلَ الجنَّةَ.

وَصَدَقَ القائلُ:

لَعَمْرُكَ مَا الإِنْسَانُ إِلاَّ بِدِينِه
فَلا تَتْرُكِ التَّقْوَى اتِّكَالاً عَلَى النَّسَبِ
َقَدْ رَفَعَ الإِسلامُ سَلْمَانَ فَارِسٍ
وَقدْ وَضَعَ الشِّْركُ الشَّقِيَّ أَبَا لَهَبِ


الفوائــِدُ:

1- الرِّضَا بالقضاءِ.
2- الحثُّ على تَنْفِيسِ كُرُبَاتِ المؤمنِ.
3- بَذْلُ الأسبابِ مَطْلُوبٌ.
4- الإِخلاصُ في العملِ.
5- الجزاءُ مِنْ جنسِ العملِ.
6- رحمةُ اللَّهِ بالعبادِ.
7- الإِيمانُ بيَوْمِ القيامةِ.
8- ثوابُ الآخرةِ أَعْظَمُ مِنْ ثوابِ الدُّنيا.
9- وُجُوبُ التيسيرِ على المُعْسِرِ.
10- رحمةُ الناسِ رحمةٌ في الدُّنْيا وَالآخرةِ.
11- أَرْحَمُ الناسِ أهلُ القلوبِ الرحيمةِ.
12- مشروعيَّةُ سَتْرِ المسلمِ التائِبِ.
13- تحريمُ الغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ.
14- التحذيرُ مِنْ أهلِ السَّوْءِ.
15- عَوْنُ اللَّهِ لِمَنْ أَعَانَ مُسْلِماً.
16- الحثُّ على طلبِ العلمِ.
17- فَضْلُ أهلِ العلمِ.
18- طريقُ العلمِ هوَ طريقُ الجنَّةِ.
19- أَقْرَبُ الطريقِ إِلى اللَّهِ طريقُ العلمِ.
20- العلمُ سَبَبٌ مِنْ أسبابِ دخولِ الجنَّةِ.
21- فضلُ العلمِ على العبادةِ.
22- فضلُ مجالسِ الذِّكْرِ.
23- الحثُّ على مُصاحبةِ العلماءِ.
24- أَرْبَحُ المجالسِ مجالسُ العلمِ.
25- تَنْزِيهُ المساجدِ عَمَّا لا يَلِيقُ بها.
26- عِظَمُ ثوابِ قراءةِ القرآنِ.
27- ترتيبُ الآياتِ وَالكلماتِ في القرآنِ تَوْقِيفِيٌّ.
28- وُجُوبُ العملِ بالقرآنِ.
29- كَرَامَاتُ أهلِ الذِّكْرِ عندَ اللَّهِ تَعَالَى.
30- ترغيبُ الناسِ في الرحمةِ لِيَتَرَاحَمُوا.
31- مَجَالِسُ الذِّكْرِ رَحْمَةٌ.
32- مِنْ أسبابِ الثَّبَاتِ مجالسُ العلمِ.
33- صُحْبَةُ الملائكةِ لأهلِ مَجَالسِ العِلْمِ.
34- حِفْظُ أهلِ الذِّكْرِ في مَجَالِسِهِم.
35- ذِكْرُ أهلِ القرآنِ عندَ اللَّهِ تَعَالَى.
36- رِفْعَةُ دَرَجَةِ أَهْلِ الذِّكْرِ.
37- مَقَايِيسُ الناسِ بالأعمالِ لا بالأَنْسَابِ.
38- إِبْطَالُ الإِسلامِ لِمَوَازِينِ الجَاهِلِيَّةِ.
39- تَسْمِيَةُ المساجدِ بُيُوتَ اللَّهِ.
40- فَضْلُ التَّحَلُّقِ للعِلْمِ.
-----------------------
شرح فضيلة الشيخ : ناظم سلطان المسباح
----------------------
(1) مَنْزِلَةُ الحديثِ:

قالَ النَّوويُّ: (وهو حديثٌ عظيمٌ، جامعٌ لأنواعٍ مِن العلومِ والقواعدِ والأدبِ) اهـ.

فرغَّبَ في حقوقِ أخوَّةِ الإِسلامِ، وفي طلبِ العلمِ، وفي الاهتمامِ بدُستورِ السَّماءِ، مِن حيثُ: قراءَتُهُ، وفهمُهُ، والعملُ به، وتبليغُهُ للنَّاسِ.

فضلُ تَنفيسِ الكُرَبِ:

(2) قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ نَفـَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ)).

(نفَّسَ) وروايَةُ (الصَّحيحينِ) (فَرَّجَ)، والمعنَى:
أزالـَها وخَففها عنه، مأخوذٌ مِن تنفيسِ خِناقِ الثَّوبِ وإرخائِهِ حتَّى يَأخذَ نَفَسًا، والتَّفريجُ أعظمُ مِن ذلك، وهو أن يُزيلَ كربَهُ، فتُفرَّجَ عنه كربتُهُ، ويَزولُ همُّهُ وغمُّهُ.

والكربةُ: هي الشِّدَّةُ العظيمةُ الَّتي تُوقِعُ صاحبَهَا في الْحُزنِ والغمِّ الَّذي يَأْخذُ بالنَّفْسِ، قالَ تعالَى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ}، يرَى ابنُ جريرٍ (أنَّ المرادَ بالآيَة الْمُكابَدةُ في الأمورِ ومشاقُّهَا) اهـ.

فالإنسانُ يَتعرَّضُ في هذه الحياةِ لما يُهِمُّهُ ويُغُمُّهُ ويُحْزِنُهُ في بدنِهِ وولدِهِ وأهلِهِ ومالِهِ ودينِهِ، فيَنْبَغِي علَى إخوانِهِ في العقيدةِ أن يَسْعَوْا لتخليصِهِ مِن هذا، وتخفيفِ آلامِهِ وأحزانِهِ قدرَ الْمُستطاعِ، وقد يُظْلَمُ المسلمُ، والظُّلمُ مِن شيَمِ نفوسِ البَشَرِ كما قالَ المتنبِّي:

والظُّلمُ مِن شيمِ النُّفوسِ فإن
تجدْ ذا عفَّةٍ فلِعَلَّةٍ لا يظلمُ


وهنا لا يحلُّ تركُهُ - مع الاستطاعةِ - في الظُّلمِ، قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا)) قيل: أفرأيْتَ إذا كانَ ظالمًا، كيف أَنصرُهُ؟ قالَ: ((تَحْجُزُهُ - أَوْ تَمْنَعُهُ - مِنَ الظُّلْمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ)).

وقد يُظلمُ المسلمُ بسببِ تَمَسُّكِهِ بدينِهِ، ويلاقي مما يَهمُّهُ ويَغمُّهُ مِن البلاءِ ما لا تَتَحَمَّلُهُ الجبالُ الرواسي، مِن طغاةٍ وعتاةٍ وجبابرةِ الأرضِ الخاسرينَ، وهنا علينا تَنفيسُ كربتِهِ بأنفسِنَا وأموالِنَا وألسنتِنَا وأقلامِنَا، قالَ تَعالَى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}.

إنْ فعلْنَا ذلك، وسعَيْنَا في تفريجِ كربِ المسلمينَ المعنويَّةِ والماديَّةِ، فيكونُ الجزاءُ مِن جنسِ العملِ، كما يقولُونَ، فسوفَ يحفظُنَا اللهُ ويزيلُ عنَّا كربَ يومِ القيامةِ أعظَمَهَا وأشدَّهَا، يقولُ عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ}.

وعن عائشةَ رَضِي اللهُ عَنْهُا، أنَّها سمعَتْ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((يـُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً))، قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضِهِمْ؟!! قالَ: ((يَا عَائِشَةُ، الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ)).
ومعنَى غُرْلاً: جَمْعُ أَغْرَلَ، وهو الَّذي لم يُخْتَنْ وبَقِيَتْ معه غرْلَتُهُ، وهي الْجِلْدَةُ الَّتي تُقطَعُ في الْخِتانِ.

التيسيرُ علَى الْمُعْسِرِ:

(3) قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَنْ يَسـَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ))، الْمُعْسـِرُ: هو مَن كثرَتْ ديونُهُ وأَثْقَلَتْهُ، بحيثُ لا يَستطيعُ سدادَهَا.

ويكونُ التَّيسيرُ عليهِ: إمَّا بإنظارِهِ إلَى مَيْسَرَةٍ، حتَّى يَخرجَ مِن عسرِهِ ويُوسِّعَ اللهُ عليهِ، قالَ تَعالَى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}، وإمَّا بالوضعِ عنه إن كانَ غريمًا، أو بإعطائِهِ ما يزولُ به إعسارُهُ.

ففي (الصَّحيحينِ) عن أبي هُريرةَ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ عَنْهُ)).
وقالَ تعالَى:{وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.

وقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ))، ممـَّا لا شكَّ فيهِ ولا ريبَ نحنَ مقبلونَ علَى يومٍ شديدٍ هولُهُ، عسيرٌ علَى مَن انحرفَ عن صراطِ اللهِ المستقيمِ، قالَ تَعالَى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا}.
وقالَ تَعالَى:{فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ}.

وأمَّا مَن آمَنَ به، وأدَّى حقوقَهُ، وأدَّى حقوقَ عبادِ اللهِ عليهِ، وأعانَهُمْ، ويسَّرَ عليهم يسَّرَ اللهُ عليهِ أمورَهُ، وسهَّلَهَا له، وكذلكَ سهَّلَ اللهُ عليهِ كلَّ عسرٍ يومَ القيامةِ، وأعانَهُ وثبَّتَهُ، وهذا جزاءُ صنيعِهِ في الدُّنيا مع إخوانِهِ.

سَتْرُ عَوراتِ المسلمينَ:

(4) قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ الله فِي الدُّنْيَاوَالآخِرَةِ))، الأصلُ أنَّ المسلمَ السَّويَّ يحبُّ لأخيهِ ما يحبُّ لنفسِهِ، فإذا رأَى عيبًا أو تقصيرًا في أخيهِ المسلمِ أنْ يدعوَ له بالاستقامةِ والصَّلاحِ، وأن ينصَحَهُ بالسِّرِّ، فهذا أحرَى لقبولِ النَّصيحةِ، كما قالَ الشَّافعيُّ:

تعمّدْنِي بنصحِكَ في انفرادِي
وجـَنِّبْنِي النَّصيحةَ في الجماعهْ
إنَّالـنُّصحَ بينَ النَّاسِ نوعٌ
مِن التَّوبيخِ لا أرضَى استماعَهْ


لا أنْ يَفرحَ ويسعدَ بزَلَّةِ أخيهِ وسقطاتِهِ، ويجعلَ منها حديثًا يَتلذَّذُ به في المجالسِ، فيَفضَحَ أخاهُ بذلكَ، ويخالفَ أمرَ ربِّهِ ورسولِهِ.

عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضي عنهما قالَ: صَعِدَ رسولُ اللهِ المنبرَ فنادَى بصوتٍ رفيعٍ فقالَ: ((يَا مَعْشَرَ مَنْ قَدْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ، وَلاَ تَتَبَّعُوا عَوْرَاتِهِم، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعْ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَتَهُ يَفْضَحُهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ)).

فالحديثُ يَدلُّ علَى أنَّ تتبُّعَ عوراتِ المسلمينَ وفضحَهُم هذا يصدرُ مِن المنافقينَ وضعفاءِ الإِيماِن، الَّذينَ لم يتغلغلِ الإِيمانُ إلَى قلوبِهِم.

ولكنْ ممَّا يَنْبَغِي أن يُعْلَمَ هنا أنَّ النَّاسَ في هذه القضيَّةِ ضربانِ:

1 - مَن كانَ مستورَ الحالِ معروفًا بينَ النَّاسِ بطاعتِهِ وصلاحِهِ، مثلُ هذا إذا وقعَتْ منه هفوةٌ أو زلَّةٌ وجبَ علَى مَن رآهُ أن يسترَ عليهِ، وإفشاءُ حالِ مثلِ هذا يقعُ تحتَ الغيبةِ الَّتِي حرَّمَها اللهُ عزَّ وجلَّ، كما أنَّ فيهِ إشاعةً للفاحشةِ في الَّذين آمنُوا، قالَ تعالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}.

قالَ العلماءُ: المرادُ بإشاعةِ الفاحشةِ علَى المؤمنِ فيما وقعَ منه، أو اتُّهِمَ به ممَّا هو بريءٌ منه.
2 - مَن كانَ معروفًا بمعاصِيهِ، مجاهرًا بها، لا يُبالي بها، ولا بما قيلَ، مثلُ هذا الضَّربِ مِن النَّاسِ لا غيبةَ لهُ، بل لا بدَّ مِن بيانِ حالِهِ للنَّاسِ حتَّى يحذرُوا مِن شرِّهِ، وإذا لم ينتَهِ فلا بدَّ مِن رفعِ حالِهِ لولاةِ الأمرِ لتأديبِهِ، وتقويمِ سلوكِهِ؛ وذلك بإقامةِ الحدِّ أو التَّعزيرِ.

سَتْرُ المسلمِ نفسَهُ:

أمَّا بالنِّسبةِ لفاعلِ المعصيَةِ نفسِهِ فيَنْبَغِي أن يسترَ علَى نفسِهِ، وأن يتوبَ إلَى ربِّهِ تباركَ وتَعالَى.

عن زيدِ بنِ أسلمَ: أنَّ رجلاً اعترفَ علَى نفسِهِ بالزِّنَا علَى عهدِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعَا له رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسوطٍ، فأُتِيَ بسوطٍ مكسورٍ، فقالَ: ((فَوْقَ هَذَا))، فأُتِيَ بسوطٍ جديدٍ لم تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ، فقالَ: ((دُونَ هَذَا))، فأُتِيَ بسوطٍ قد ركِبَ به ولانَ، فأَمَرَ به رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجُلِدَ، ثمَّ قالَ: ((أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا، فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللهِ)).

وعن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ: (جاءَ رجلٌ إلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالَ: يا رسولَ اللهِ، إني عالجْتُ امرأةً في أقصَى المدينةِ، وإنِّي أصبْتُ منها دونَ أن أمسَّهَا، فأنا هذا، فاقضِ فيَّ ما شئتَ، فقالَ له عمرُ: لقد سَتَرَكَ اللهُ لو سَتَرْتَ علَى نفسِكَ).

الترغيبُ بالتعاوُنِ بكلِّ وُجوهِ الخيرِ:

(5) قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((واللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ))، التـَّعاونُ علَى الخيرِ يُعطِي المجتمعَ قوَّةً وتَماسكًا وصَلابةً، ولا يَستطيعُ أحدٌ أن يَقهرَهُ أو يَنالَ منه، لذلك حثَّ القرآنُ الكريمُ عليهِ، قالَ تَعالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.

كما نَهَى عن التَّعاونِ علَى الشَّرِّ وفيما يُغضبُ اللهَ ورسولَهُ، كما أنَّ التَّعاونَ علَى البِرِّ مِن الصَّدقاتِ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ)).
كما أنَّ للتَّعاونِ مِن الأجرِ والثَّوابِ كما للصِّيامِ والصَّلاةِ وباقي العباداتِ.

عن أنسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: (كُنَّا مع رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفرٍ، فصامَ بعضٌ وأَفْطَرَ بعضٌ، فتحزَّمَ المفطرونَ وعملوا في زاويَةٍ: فضربُوا الأبنيَةَ، وسقَوا الرِّكابَ، وضَعُفَ الصُّوَّامُ عن بعضِ العملِ) قالَ: فقالَ في ذلك: ((ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ))، والمرادُ بأنَّ لهم أجرًا وثوابًا كما للصَّائمينَ.

الشفاعةُ لذوي الحاجاتِ مِن التعاونِ:

قالَ تَعالَى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا}،
قالَ ابنُ كثيرٍ: (مَن سَعَى في أمرٍ فتَرَتَّبَ عليهِ خيرٌ كانَ له نصيبٌ مِن ذلك)اهـ.

وقالَ مجاهِدٌ: (نزلَتْ هذه الآيَةُ في شفاعاتِ النَّاسِ بعضِهِمْ لبعضٍ، فالشَّافعُ لأخيهِ إذا اسْتُجِيبَتْ شفاعتُهُ كانَ له أجرانِ: أجرٌ عن الخيرِ الذي ساقَهُ إلَى أخيهِ، وأجرٌ آخرُ هو مثلُ أجرِ المشفوعِ إليهِ في فعلِهِ مِن الخير).

عن أبي بُرْدَةَ بنِ أبي بُرْدَةَ قالَ: أَخْبَرَنِي جدِّي أبو بُرْدَةَ، عن أبيهِ أبي موسَى، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا))ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.
وكانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالسًا إذ جاءَ رجلٌ يسألُ أو طالبُ حاجةٍ، أقبلَ علينا بوجهِهِ فقالَ: ((اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا يَشَاءُ)).

والمعنَى: إذا عرضَ الرَّجلُ حاجتَهُ عليَّ فاشفعُوا له إليَّ، فإنَّ لكم ثوابًا في ذلك، ويُجْرِي اللهُ علَى لسانِ نبيِّهِ ما شاءَ مِن موجباتِ قضاءِ الحاجةِ أو عدمِهَا، فإنَّ ذلك بقضائِهِ سبحانَهُ وقدَرِهِ.

قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ: (وفي الحديثِ الحضُّ علَى الخيرِ بالفعلِ، والتَّسبُّبُ إليهِ بكلِّ وجهٍ، والشَّفاعةُ إلَى الكبيرِ في كشفِ كربِ ومعونةِ الضعيفِ، إذ ليسَ كلُّ أحدٍ يَقدرُ علَى الوصولِ إلَى الرئيسِ، ولا التَّمكُّنِ منه ليَلِجَ عليهِ، أو يُوَضِّحَ له مُرادَهُ ليعرفَ حالَهُ علَى وَجْهِها، ولهذا فقدْ كانَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَحْتَجِبُ).

الشَّفاعةُ المحرَّمَةُ:

هي ما كانَ فيها تعدٍّ علَى حقوقِ اللهِ أو عِبادهِ، فهذه شفاعةٌ مَذمومةٌ نَهَى اللهُ عنها، ويكونُ للشَّافعِ وِزرٌ في ذلك الأمرِ الَّذي يَترتَّبُ بسببِ سعيِهِ، قالَ تَباركَ وتعالَى: {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا}.

ومنها كذلك الشَّفاعةُ في الحدودِ عندما تصلُ إلَى الإمامِ، ويشهدُ لذلك حديثُ أسامةَ المشهورُ، عندَما شفعَ للمرأةِ المخزوميَّةِ الَّتي سرقَتْ، قالَ له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟!))، أمـَّا قبلَ انتهائِهَا إلَى الإمامِ فهي حَسنةٌ جميلةٌ، كما قالَ ابنُ عبدِ البرِّ.

أثرُ الحديثِ في حياةِ السَّلفِ: الَّذي يَطَّلِعُ علَى سيرةِ سلفِ الأمَّةِ يجدُ تعاليمَ الإسلامِ السَّاميَةَ ظاهرةً وواضحةً في فعلِهِم وقولِهِم، فهم قدوةٌ صالحةٌ لغيرِهِمْ، ربطُوا العلمَ بالعملِ، فاهتدَى بسببِهِمْ خلقٌ كثيرٌ إلَى الإسلامِ، أمَّا واقعُ الأمَّةِ اليومَ - إلاَّ ما رحمَ ربُّكَ - فقد تحوَّلَتْ تعاليمُ السَّماءِ فيها إلَى مِدادٍ علَى ورقٍ، وكلامٍ مسجَّلٍ علَى أشرطةِ الكسيت، ومحاضراتٍ وخطبٍ أثرُهَا في الواقعِ ضئيلٌ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلاَّ باللهِ.

أخرجَ ابنُ سعدٍ، عن أنيسةَ قالَتْ: كنَّ - جواري الحيِّ - يأتينَ بغنمِهِنَّ إلَى أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِي اللهُ عَنْهُ فيقولُ لهنَّ: أتُحِبُّونَ أحلبُ لكُنَّ حلبَ ابنِ عفراءَ - وكان رجلاً تاجرًا - فكانَ يغدُو كلَّ يومٍ للسُّوقِ فيبيعُ ويَبتاعُ، وكانت له قُطعةُ غنمٍ تَروحُ عليهِ وربَّما خَرَجَ هو بنفسِهِ فيها، وربَّمَا كُفِيَها فرُعِيَتْ له، وكانَ يَحْلِبُ للحيِّ أغنامَهُم لَمَّا بويعَ له بالخلافةِ، فقالَتْ جاريَةٌ مِن الحيِّ: الآنَ لا تُحْلَبُ لنا مَنَائِحُ دارِنَا، فسَمِعَهَا أبو بكرٍ فقالَ: بلَى، لعَمْرِي لأحلِبَنَّها لكم، وإنِّي لأرجو أن لا يُغيِّرَنِي ما دخلتُ فيهِ عن خُلُقٍ كنْتُ عليهِ، فكانَ يَحْلِبُ لهُمْ.

عن الأوزاعيِّ، أنَّ عمرَ خرجَ في سوادِ الليلِ فرآهُ طلحةُ رَضِي اللهُ عَنْهُ، فذهبَ عمرُ فدخلَ بيتًا، ثمَّ دخلَ بيتًا آخرَ، فلمَّا أصبحَ طلحةُ ذهبَ إلَى ذلك البيتِ، وإذا بعجوزٍ عمياءَ مقعدةٍ فقالَ لها: ما بالُ هذا الرَّجلِ يأتيكِ؟! قالَتْ: إنَّهُ يَتعاهدُنِي منذُ كذا وكذا؛ يأتِيني بما يُصلِحُني ويُخرجُ عنِّي الأذَى، فقالَ طلحةُ: ثكلَتْكَ أمُّكَ يا طلحةُ، أعثراتُ عمرَ تتَبَّعُ؟.

وقالَ مجاهِدٌ رحمَهُ اللهُ تعالَى: صحبْتُ ابنَ عمرَ رَضِي اللهُ عَنْهُ في السَّفَرِ لأَخْدُمَهُ فكانَ يَخْدُمُنِي.

علمُ الدِّينِ الطَّريقُ الْمُوصِلُ إلَى دارِ السَّلامِ:

(6) قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ))، قدْ يكونُ المرادُ السُّلوكُ الحقيقيُّ للطَّريقِ، وهو المشيُ بما هيَّأَ اللهُ لنا مِن وسائلَ إلَى مجالسِ العلماءِ، وقدْ يكونُ سلوكُ الطَّريقِ المعنويِّ المؤدِّي لحصولِ العلمِ، مثلُ: حفظِهِ، ومدارسَتِهِ، ومذاكرتِهِ، ومطالعتِهِ، وكتابتِهِ، والتَّفهُّمِ له، ونحوِ ذلك مِن الطُّرقِ، أمَّا قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((سَهـَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ))، فقد يـُرادُ به تسهيلُ حصولِهِ علَى العلمِ الَّذِي هو طريقُ الجنَّةِ، أو يُسَهـِّلُ له - إذا ابتغَى بهِ وجهَ اللهِ - الانتفاعَ بهِ والعملَ بمقتضاهُ، فيكونُ العلمُ سببًا لهدايتِهِ ولدخولِهِ الجنَّةَ، أو يسهِّلُ اللهُ له طريقَ الجنَّةِ يومَ القيامةِ، مِن اجتيازِ الصِّراطِ، وما بعدَهُ مِن الأهوالِ، وما قبلَهُ، واللهُ أعلمُ.

فالعلمُ النَّافعُ هو طريقُ معرفةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، والوصولِ إلَى رضوانِهِ والفوزِ بقربِهِ، قالَ تعالَى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}.
أفضلُ العلمِ:

قالَ الإِمامُ الشَّافعيُّ رحمهُ اللهُ:

كلـُّب العلومِ سوَى القرآنِ مَشْغَلـَةٌ
إلاَّ الحديثَ وعلمَ الفقهِ في الـدِّينِ
العلمُ ما كانَ فيهِ: قالَ حدَّثَنـَا
وما سوَى ذاكَ وَسواسُ الشَّياطينِ


وقالَ رحمَهُ اللهُ كذلك:

إذا رأيْتُ رجلاً مِن أصحابِ الحديثِ فكأنَّمَا رأيتُ رجلاً مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جزاهُمُ اللهُ خيرًا، حَفِظُوا لنا الأصلَ فلهُمْ علينا الفضلُ، قالَ تعالَى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.

فالواجبُ علَى طالبِ العلمِ تُجاهَ كتابِ اللهِ الآتي:

1 - أن يَجتهدَ علَى إتقانِ قراءتِهِ علَى أيدي العلماءِ حتَّى لا يقعَ في اللحنِ وحتَّى يُراعيَ قواعدَ التَّجويدِ أثناءَ قراءتِهِ.

2 - أن يحفظَ ما يستطيعُ منه، فإنَّ لحفظِ كتابِ اللهِ منزلةً عظيمةً عندَ اللهِ.

3 - أن يبذلَ ما في وسعِهِ لفهمِ معانيهِ وأن يهتديَ في ذلك بطريقِ سلفِ الأمَّةِ.

قالَ أبو عبدِ الرَّحمنِ السَّلميُّ: حدَّثنا الَّذينَ كانُوا يُقِرْئونَنَا القرآنَ: كعثمانَ بنِ عفَّانَ، وعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، وغيرِهِما، أنَّهُم كانوا إذا تعلَّمُوا مِن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشرَ آياتٍ لم يجاوزُوهَا حتَّى يتعلَّمُوا ما فيها مِن العلمِ والعملِ، قالُوا: فتعلَّمْنَا القرآنَ والعلمَ والعملَ جميعًا.

4 - أن يراعيَ الأصولَ والضَّوابطَ الآتيَةَ أثناءَ دراستِهِ لفهمِ القرآنِ، هذه الضَّوابطُ والأصولُ بيَّنَها شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ في رسالتِهِ القيِّمةِ الَّتي أنصحُ كلَّ طالبِ علمٍ بدراسَتِها (مقدِّمةٌ في أصولِ التَّفسيرِ).

أ - تفسيرُ القرآنِ بالقرآنِ.
ب - تفسيرُ القرآنِ بالسُّنَّةِ.
ج - تفسيرُ القرآنِ بأقوالِ الصَّحابةِ.
د - تفسيرُ القرآنِ بأقوالِ التَّابعينَ.


وأن يَبتعدَ عن التَّفسيرِ بالرَّأي المجرَّدِ، فإنَّ جمهورَ العلماءِ ذهبُوا إلَى تحريمِ ذلك.

قالَ أبو بكرٍ: (أيُّ أرضٍ تقلُّنِي، وأيُّ سماءٍ تُظِلُّنِي، إذا قلْتُ في كتابِ اللهِ ما لم أعلمْ).

وقالَ عمرُ: (اتـَّبِعـُوا ما بَيـِّنَ لكم مِن هذا الكتابِ فاعملُوا عليهِ، وما لم تعرفُوهُ فكلُوهُ إلَى ربِّهِ) وما سببُ الضَّلالِ الَّذي غزا المسلمينَ في عقائدِهِم وأخلاقِهِم ومعاملاتِهِم وعبادتِهِم، وفرَّقَهُم إلَى شيعٍ وأحزابٍ إلاَّ لبعدِهِمْ عن الأصولِ السَّليمةِ لفهمِ القرآنِ، فيأتي بعضُ المتصوِّفَةِ علَى الآيَةِ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}، فيَستدلُّ بها علَى سقوطِ التَّكاليفِ اتِّباعًا لرأيهِ الممسوخِ، ألا يعلمُ هذا بأنَّ الصَّحابةَ عبدُوا ربَّهُم وحافظُوا علَى الجُمَعِ والجماعاتِ حتَّى توفَّاهُمُ اللهُ.

ويأتي الرَّافضيُّ إلَى الآيَةِ: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}، فيقولُ: المقصودُ بها عائشةُ رَضِي اللهُ عَنْهُا. الصِّدِّيقةُ بنتُ الصِّدِّيقِ، المبرَّأةُ مِن السَّماءِ، حبيبةُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّتي بَشَّرهَا بالجنَّةِ!!!.

ويأتي المفْتُونُ بضلالاتِ علماءِ الكلامِ فبدلَ أن يقفَ أمامَ الذِّكرِ الحكيمِ فقيرًا ذليلا ضعيفًا يلتمسُ منه الهَدَى والرَّشادَ، يقفُ موقفَ الأستاذِ المعلِّمِ فيلوي أعناقَ الآياتِ كي توافقَ أصولَهُ وقواعدَهُ، الَّتي أصَّلَها أساتذتُهُ مِن علماءِ الكلامِ بناءً علَى عقولِهِمُ الضَّعيفةِ القاصرةِ، فيأتي علَى الآيَةِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، فيقولُ: استولَى ويُخَالِفُ بذلك ما عليهِ سلَفُ الأمَّةِ.

ممَّا يَجبُ علَى طالبِ العلمِ تُجاهَ السُّنَّةِ:

1 - أن يَجتهدَ لتحرِّي ما صحَّ عن رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنْ كانَ ممَّنْ له باعٌ في علمِ الحديثِ، أو يتبعَ العلماءَ المشهودَ لهم في هذا الميدانِ، وألا يكونَ حاطبَ ليلٍ، يجمعُ ما هبَّ ودبَّ، فهذا داءٌ يُبتلَى به كثيرٌ مِن طلبةِ العلمِ، ويظنُّونَ أنَّ هذا الفعلَ هيِّنٌ، قالَ تعالَى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ}.

2 - أن يحفظَ ما يستطيعُ حفظَهُ مِن (الصَّحيحينِ) فإنَّهُما أصحُّ ما ثبتَ عن رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

3 - أن يسعَى لفهمِ فقهِ الأحاديثِ، وأن يتتلمذَ علَى مَن سبقَهُ في هذا الميدانِ مِن العلماءِ الأعلامِ المشهودِ لهم بالاستقامةِ والفهمِ السَّليمِ، والمتَّبِعُونَ لما عليهِ سلفُ الأمَّةِ، وألاَّ يقدِّمَ فهمَهُ علَى أفهامِهِم، وألاَّ يقولَ بفهمٍ لم يسبقْ له دونَ بيِّنَةٍ.

4 - علَى طالبِ العلمِ أن يعملَ بما في السُّنَّةِ مِن واجباتٍ، وأن ينتهيَ عمَّا نهتْ عنه، فإنَّ اللهَ يمقُتُ الَّذِي لا يعملُ بما يعلمُ، وحتَّى لا تكونَ حجَّةً عليهِ يومَ الجزاءِ، وحتَّى يكونَ قدوةً طيِّبةً صالحةً لغيرِهِ، كما أنَّ عليهِ أن يعملَ بما فيها مِن مستحبَّاتٍ علَى قدرِ استطاعتِهِ، وأن يتنزَّهَ عن المكروهاتِ.
يتبع إن شاء الله...


شرح الحديث رقم (36) 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

شرح الحديث رقم (36) Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح الحديث رقم (36)   شرح الحديث رقم (36) Emptyالسبت 02 يوليو 2011, 4:21 am

حكمُ طلبِ العلمِ:
شرح الحديث رقم (36) Alrawd10
أثنَى اللهُ علَى العلماءِ، وفضَّلَهُم علَى غيرِهِم:

{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}، ووعدَهُمْ برفعِ درجاتِهِم يومَ الجزاءِ: {يَرْفَعُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمِ دَرَجَاتٍ}، كما رغَّبَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طلبِهِ، كما في هذا الحديثِ وغيرِهِ، وممَّا يَنْبَغِي أن يعلمَ أنَّ هناك مِن العلمِ ما طلبُهُ:

1 - واجبٌ علَى كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ، قالَ صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ: ((طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ))، وهذا العلمُ هو الَّذي لا بدَّ مِن معرفتِهِ، كمعرفةِ اللهِ بأسمائِهِ وصفاتِهِ، وما له مِن حقوقٍ علينَا.

قالَ تَعالَى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ}، كذلكَ علمُ كيفيَّةِ أداءِ ما افترضَ اللهُ علينا مِن فرائضَ، كالطَّهارةِ والصَّلاةِ والصِّيامِ وغيرِهَا مِن الفرائضِ، وكذلك علمُ ما به تُؤَدَّى حقوقُ العبادِ الواجبةُ.

2 - فرضُ كفايَةٍ إذا قامَ به جماعةٌ مِن المسلمينَ سقطَ عن الباقينَ: كتعلُّمِ علمِ الفرائضِ، وعلمِ الحديثِ الَّذي يُمَيِّزُ به الطَّالبُ بينَ صحيحِ الرِّوايَةِ وسقيمِهَا.

3 - مستحَبٌّ: وهي جميعُ علومِ الدِّينِ، فعلَى طالبِ العلمِ أن ينهلَ منها ما يستطيعُ، قالَ تَعالَى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، وقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)).

التَّرغيبُ في نشرِ العلمِ: العلمُ نورٌ والجهلُ ظلماتٌ، فعلَى العلماءِ أن ينشرُوا هذا النُّورَ الَّذي أودعَهُ اللهُ في صدورهِمْ للعامَّةِ حتَّى يختفيَ الجهلُ، ويعمَّ النُّورُ، فيعرفُ النَّاسُ حقوقَ ربِّهِمْ فيؤدُّونَهَا، وحقوقَ بعضِهِمْ علَى بعضٍ فيؤَدُّونَهَا، وبهذا يحيا النَّاسُ حياةً طيِّبةً.

لذلك قالَ صلواتُ اللهِ وسلاُمُهُ عليهِ: ((بَلـِّغُوا عَنـِّي وَلَوْ آيَةً))، ودعا للمبلـِّغينَ بالنَّضارةِ، قالَ عليهِ السَّلامُ: ((نَضـَّرَ اللهُ امْرأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ))، وكذلك للمبلِّغِ مثلُ أجورِ مَن اتَّبعَهُ، قالَ عليهِ السَّلامُ: ((مَن دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا)).
وكذلك ممـَّا يَنفعُ المبلِّغَ بعدَ مماتِهِ ما نشرَ مِن العلمِ بينَ النَّاسِ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِن عَمَلِهِ وَحَسَناتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمٌ عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ)).

فضلُ الاجتماعِ علَى تلاوةِ القرآنِ:

(7) قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ))، يُستدلُّ بالحديثِ علَى استحبابِ الجلوسِ في المساجدِ، والاجتماعِ علَى تِلاوةِ كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فإنْ حُمِلَ الحديثُ علَى تَعَلُّمِ القرآنِ وتعليمِهِ فلا خِلافَ في استحبابِهِ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)).

وإنْ حُمِلَ علَى ما هو أعمُّ مِن ذلك، كالاجتماعِ في المساجدِ علَى دراسةِ القرآنِ مطلقًا فهذا كذلك مستحَبٌّ، كانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطلبُ مِن بعضِ أصحابِهِ أن يقرأَ عليهِ.

عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اقرأْ عليَّ))، قلْتُ: يا رسولَ اللهِ، أقرأُ عليكَ وعليكَ أُنْزِلَ؟، قالَ: ((نعَمْ))، فقرأْتُ سورةَ النِّساءِ حتَّى أتيتُ إلَى هذه الآيَةِ.. {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا}، قالَ: ((حَسْبُكَ الآنَ))، فالتفتُّ إليهِ فإذا عيناهُ تذرفانِ.

ولكنْ يَنْبَغِي الاجتماعُ علَى قراءةِ القرآنِ، أن يقرأَ أحدُهُم ويستمعَ له الآخرونَ، ثمَّ يقرأُ الآخرُ وينصتونَ له، حتَّى يفرغُوا، أمَّا أن يقرأَ المجتمعونَ كلُّهمْ بصوتٍ واحدٍ، هذا ما أنكرَهُ مالكٌ علَى أهلِ الشَّامِ.

جزاءُ المجتهِدِ علَى تلاوةِ كتابِ اللهِ في بيتِهِ:

1 - نزولُ السَّكينةِ: هي الطُّمأنينةُ والوَقارُ، قالَ تَعالَى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}.

قالَ ابنُ عباسٍ: (جعلَ الطُّمأنينةَ).

وقالَ قتادةُ: (الوقارَ في قلوبِ المؤمنينَ، وهم الصَّحابةُ يومَ الحديبيَّةِ، الَّذينَ استجابُوا للهِ ولرسولِهِ، وانقادُوا لحكمِ اللهِ ورسولِهِ، فلمَّا اطمأنَّتْ قلوبُهُم بذلكَ واستقرَّتْ، زادَهُمْ إيمانًا مع إيمانِهِم).

2 - غَشَيَانُ الرَّحمةِ، والرَّحمةُ هي: الرّقَّةُ والتّعطُّفُ والمغفرةُ - وهي الإحسانُ مِن اللهِ جلَّ جلالُهُ - والرِّضوانُ، ونزولُ الرَّحمةِ علَى مُتَدَارِسِي القرآنِ في بيتِ اللهِ علامةُ الإيمانِ، قالَ تَعالَى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}، وعلامةُ الإحسانِ كذلكَ قالَ تَعالَى: {إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}، ومعنَى غَشِيَتْهُم: عَمَّتْهُم وغَطَّتْهُم.

3 -الملائكةُ تَحفُّهُم: وهذا يعني أنَّ المجتمعينَ علَى مُدَارَسةِ كتابِ اللهِ في أمْنٍ وسلامةٍ، وحفظٍ مِن كلِّ أذًى ومكروهٍ، وأنَّ هؤلاء الملائكةَ يدعُونَ لهم بالمغفرةِ، كما أنَّ هناك ثمرةً مِن مُجالَسَةِ الملائكةِ يَعْلَمُهَا اللهُ عزَّ وجلَّ، كما أنَّ لمجالسةِ الأخيارِ ثمرةً.

4 - ذكرُ اللهِ جلَّ جلالُهُ لهم فيمَنْ عندَهُ.

قالَ تعالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}.

وقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديثِ القدسِيِّ: ((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ)).

ذكرُ اللهِ لعبدِهِ، يعني رحمتَهُ وشفقتَهُ ومغفرتَهُ له، كما أنَّ مجرَّدَ الذِّكرِ شرفٌ ورِفعةٌ للعبدِ، كم يَفرحُ ويُسَرُّ العبدُ عندَما يَسمعُ أنَّ ملوكَ الأرضِ وسلاطينَهَا ذكرُوهُ في مجالِسِهِمْ وأثنَوا عليهِ خيرًا، وكم يَرجُو ويَطمعُ في هذا الذِّكرِ مِن الإِحسانِ، فكيفَ لا يَطمعُ ويرغبُ في ذكرِ الغنيِّ المطَّلعِ علَى جميعِ ما يَرجُوهُ ويحتاجُهُ العبدُ.
الجزاءُ علَى الأعمالِ لا علَى الأنسابِ:

(8) قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ)).

قالَ النَّوويُّ رحمةُ اللهِ عليهِ: مَن كانَ عملُهُ ناقصًا لم يُلْحِقْهُ بِمَرْتَبَةِ أصحابِ الأعمالِ فيَنْبَغِي ألا يَتَّكلَ علَى شَرَفِ النَّسبِ وفضيلةِ الآباءِ، ويُقَصِّرَ في العملِ.

ويَشهدُ لذلك قولُهُ جلَّ وعلا: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا}.
قالَ تَعالَى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ}.

وفي (الصَّحيحينِ) عن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينَ أُنْزِلَ عليهِ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}: ((يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شيئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتِ، لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا)).

فمَنْزِلةُ الإنسانِ يومَ القيامةِ علَى قَدْرِ إيمانِهِ وعَمَلِهِ، وسواءٌ أكانَ ذا نَسَبٍ رفيعٍ أو ضعيفٍ، وحولَ هذا المعنَى قالَ بعضُهُم:

لعمرُكَ ما الإنسـانُ إلاَّ بدينـِهِ
فلا تَتْرُكِ التَّقوَى اتِّكالاً علَى النَّسبْ
لقدْرفعَ الإسلامُ سلمانَ فارسٍ
وقـدْ وضعَ الشِّركُ النَّسيبَ أبا لهبْ


فوائدُ الحديثِ:

1 - فيهِ أنَّ الجزاءَ مِن جنسِ العملِ.
2 - كما فيهِ التَّرغيبُ في الإحسانِ إلَى العبادِ.
3 - كما فيهِ الحثُّ علَى المسارعةِ للتَّوبةِ مِن الذُّنوبِ والخطايَا.
4 - كما فيهِ الحثُّ علَى الاهتمامِ بكتابِ اللهِ تَعالَى.
5 - كما فيهِ فضلُ الجلوسِ في بيوتِ اللهِ لمدارسَةِ العلمِ.
------------------------------
جامع العلوم والحكم للحافظ:
عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي

-------------------------------
(1) هذا الحديثُ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ منْ روايَةِ الأعمشِ عنْ أبي صالحٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ، واعْتَرَضَ عليهِ غيرُ واحدٍ مِنَ الحُفَّاظِ في تَخْرِيجِهِ؛ منهم أبو الفضلِ الْهَرَوِيُّ والدَّارَقُطْنِيُّ؛ فإنَّ أَسْبَاطَ بنَ مُحَمَّدٍ رَوَاهُ عن الأعمَشِ قالَ: حُدِّثْتُ عنْ أبي صالحٍ؛ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الأعمشَ لمْ يَسْمَعْهُ منْ أبي صالحٍ، ولم يَذْكُرْ مَنْ حَدَّثَهُ بهِ عنهُ.

وَرَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ هذهِ الروايَةَ، وَزَادَ بعضُ أصحابِ الأعمشِ في مَتْنِ الحديثِ: ((وَمَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).

وَخَرَّجَا في (الصَّحِيحَيْنِ) منْ حديثِ ابنِ عُمَرَ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، وَلا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).

وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ منْ حديثِ كعبِ بنِ عُجْرَةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِهِ نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُؤْمِنٍ عَوْرَتَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَتَهُ)).

وَخَرَّجَ الإِمامُ أحمدُ منْ حديثِ مَسْلَمَةَ بنِ مُخَلَّدٍ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا فِي الدُّنْيَا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ نَجَّى مَكْرُوبًا فَكَّ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ)).

(2) فَقَولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنيا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ)).
هذا يَرْجِعُ إلى أنَّ الجزاءَ منْ جنسِ العملِ.

وقدْ تَكَاثَرَت النُّصوصُ بهذا المَعْنَى، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ))، وَقَولِهِ: ((إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا)).

وَالْكُرْبَةُ: هيَ الشِّدَّةُ العظيمةُ التي تُوقِعُ صَاحِبَهَا في الكَرْبِ، وَتَنْفِيسُهَا أَنْ يُخَفَّفَ عنهُ منها، مَأْخُودٌ مِنْ تَنْفِيسِ الْخِنَاقِ، كأَنَّهُ يُرْخَى لهُ الخِنَاقُ حتَّى يَأْخُذَ نَفَسًا، والتَّفْرِيجُ أَعْظَمُ منْ ذلكَ، وهوَ أنْ يُزِيلَ عنهُ الْكُرْبَةَ، فَتَنْفَرِجُ عنهُ كُرْبَتُهُ، وَيَزُولُ هَمُّهُ وَغَمُّهُ.

فَجَزَاءُ التَّنْفِيسِ التَّنْفِيسُ، وَجَزَاءُ التَّفْرِيجِ التَّفْرِيجُ، كما في حديثِ ابنِ عُمَرَ وقدْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا في حديثِ كعبِ بنِ عُجْرَةَ.

وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ منْ حديثِ أبي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا: ((أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَأٍ سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِنًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ)).

وَخَرَّجَهُ الإِمامُ أحمدُ بالشَّكِّ في رَفْعِهِ.

وقيلَ: إنَّ الصحيحَ وَقْفُهُ.

وَرَوَى ابنُ أبي الدُّنْيَا بإسنادِهِ عن ابنِ مسعودٍ قالَ: "يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْرَى مَا كَانُوا قَطُّ، وَأَجْوَعَ مَا كَانُوا قَطُّ، وَأَظْمَأَ مَا كَانُوا قَطُّ، وَأَنْصَبَ مَا كَانُوا قَطُّ، فَمَنْ كَسَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَسَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَطْعَمَ لِلَّهِ عزَّ وَجَلَّ أَطْعَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ سَقَى لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَقَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ عَفَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَعْفَاهُ اللَّهُ".

وَخَرَّجَ الْبَيْهَقِيُّ منْ حديثِ أنسٍ مَرْفُوعًا: ((أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يُشْرِفُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَهْلِ النَّارِ، فَيُنَادِيهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ: يَا فُلانُ، هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: لا وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُكَ، مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا الَّذِي مَرَرْتَ بِي فِي دَارِ الدُّنْيَا، فَاسْتَسْقَيْتَنِي شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ فَسَقَيْتُكَ، قَالَ: قَدْ عَرَفْتُ، قَالَ: فَاشْفَعْ لِي بِهَا عِنْدَ رَبِّكَ. قَالَ: فَيَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَقُولُ: شَفِّعْنِي فِيهِ. فَيَأْمُرُ بِهِ، فَيُخْرِجُهُ مِنَ النَّارِ)).

وقولُهُ: ((كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ))، ولمْ يَقُلْ: (مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)، كما قالَ في التَّيْسِيرِ والسَّتْرِ.

وقدْ قِيلَ في مُنَاسَبَةِ ذلكَ: إنَّ الكُرَبَ هيَ الشَّدائدُ العظيمةُ، وليسَ كلُّ أَحَدٍ يَحْصُلُ لهُ ذلكَ في الدُّنيا، بخلافِ الإِعْسَارِ والعَوْرَاتِ المُحْتَاجَةِ إلى السَّتْرِ؛ فَإِنَّ أَحَدًا لا يَكَادُ يَخْلُو في الدُّنْيَا منْ ذلكَ، ولوْ بِتَعَسُّرِ بعضِ الحاجاتِ المُهِمَّةِ.

وَقِيلَ: لأنَّ كُرَبَ الدُّنيا بالنِّسبةِ إلى كُرَبِ الآخرةِ كَلا شَيْءٍ، فَادَّخَرَ اللَّهُ جزاءَ تَنْفِيسِ الكُرَبِ عِنْدَهُ؛ لِيُنَفِّسَ بهِ كُرَبَ الآخرةِ.

وَيَدُلُّ على ذلكَ قولُ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((يَجْمَعُ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ مِنْهُمْ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لا يُطِيقُونَ وَلا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟ أَلا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟)) وذَكَرَ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ، خَرَّجَاهُ بِمَعْنَاهُ منْ حديثِ أبي هُرَيْرَةَ.

وَخَرَّجَا منْ حديثِ عائشةَ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً)). قالَتْ: فَقُلْتُ: يا رسولَ اللَّهِ، الرِّجالُ وَالنِّساءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ؟ قالَ: ((الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَلِكَ)).

وخَرَّجَا منْ حديثِ ابنِ عُمَرَ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في قَوْلِهِ: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المُطَفِّفِينَ: 6]، قالَ:((يَقُومُ أَحَدُهُمْ فِي الرَّشْحِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ)).

وَخَرَّجَا منْ حديثِ أبي هريرةَ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا، وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ)). وَلَفْظُهُ للبُخَارِيِّ.
ولفظُ مُسْلِمٍ: ((إِنَّ الْعَرَقَ لَيَذْهَبُ فِي الأَرْضِ سَبْعِينَ بَاعًا، وَإِنَّهُ لَيَبْلُغُ إِلَى أَفْوَاهِ النَّاسِ، أَوْ إِلَى آذَانِهِمْ)).

وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ منْ حديثِ المِقْدَادِ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((تَدْنُو الشَّمْسُ مِنَ الْعِبَادِ حَتَّى تَكُونَ قَدْرَ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ، فَتَصْهَرُهُمُ الشَّمْسُ، فَيَكُونُونَ فِي الْعَرَقِ كَقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى عَقِبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ إِلْجَامًا)).

وقالَ ابنُ مسعودٍ: (الأرضُ كُلُّها يومَ القيامةِ نَارٌ، والجنَّةُ مِنْ وَرَائِهَا، تُرَى أَكْوَابُهَا وَكَوَاعِبُهَا، فَيَعْرَقُ الرَّجلُ حتَّى يَرْشَحَ عَرَقُهُ في الأرضِ قَدْرَ قَامَةٍ، ثمَّ يَرْتَفِعُ حتَى يَبْلُغَ أَنْفَهُ، وما مَسَّهُ الْحِسَابُ).
قالَ: فَمِمَّ ذَاكَ يا أبا عبدِ الرحمنِ؟ قالَ: مِمَّا يَرَى النَّاسُ يُصْنَعُ بِهِم.

وقالَ أبو موسى: (الشَّمسُ فَوْقَ رُءُوسِ النَّاسِ يومَ القيامةِ، وَأَعْمَالُهُمْ تُظِلُّهُم أوْ تُضْحِيهِم).

وفي (المُسْنَدِ) منْ حديثِ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا: ((كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ)).

(3) قولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)). هذا أَيْضًا يَدُلُّ على أنَّ الإِعسارَ قدْ يَحْصُلُ في الآخرةِ، وقدْ وَصَفَ اللَّهُ يومَ القيامةِ بأنَّهُ يَوْمٌ عَسِيرٌ، وأنَّهُ على الكافرينَ غَيْرُ يَسِيرٍ، فَدَلَّ على أنَّهُ يَسِيرٌ على غَيْرِهِمْ، وَقَالَ: {وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} [الفرقان: 26].

والتَّيْسِيرُ على المُعْسِرِ في الدُّنْيَا منْ جِهَةِ المالِ يكونُ بأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا بِإِنْظَارِهِ إلى المَيْسَرَةِ، وذلكَ وَاجِبٌ كما قالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280].

وتارةً بالوضعِ عنهُ إنْ كانَ غَرِيمًا، وَإِلا فَبِإِعْطَائِهِ ما يَزُولُ بهِ إِعْسَارُهُ، وَكِلاهُمَا لهُ فَضْلٌ عظيمٌ.

وفي (الصَّحِيحَيْنِ): عنْ أبي هُريرةَ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِصِبْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ؛ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا. فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ)).

وفيهِمَا: عنْ حُذيفةَ وأبي مسعودٍ الأَنْصَارِيِّ سَمِعَا النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((مَاتَ رَجُلٌ فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: كُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ، فَأَتَجَاوَزُ عَنِ الْمُوسِرِ، وَأُخَفِّفُ عَنِ الْمُعْسِرِ)).

وفي روايَةٍ: ((قَالَ: كُنْتُ أُنْظِرُ الْمُعْسِرَ، وَأَتَجَوَّزُ فِي السِّكَّةِ -أَوْ قَالَ- فِي النَّقْدِ. فَغُفِرَ لَهُ)).

وَخَرَّجَهُ مسلمٌ منْ حديثِ أبي مسعودٍ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وفي حديثِهِ: ((فَقَالَ اللَّهُ: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ)).

وَخَرَّجَ أيضًا منْ حديثِ أبي قَتَادَةَ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ)).

وَخَرَّجَ أيضًا منْ حديثِ أبي الْيَسَرِ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ)).

وفِي (المُسْنَدِ): عن ابنِ عُمَرَ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ أَرَادَ أَنْ تُسْتَجَابَ دَعْوَتُهُ، وَتُكْشَفَ كُرْبَتُهُ، فَلْيُفَرِّجْ عَنْ مُعْسِرٍ)).

وقولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)) هذا مِمَّا تَكَاثَرَت النُّصوصُ بِمَعْنَاهُ.

وَخَرَّجَ ابنُ مَاجَهْ منْ حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ)).

وَخَرَّجَ الإِمامُ أحمدُ منْ حديثِ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، سَمِعَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يقولُ:((مَنْ سَتَرَ مُؤْمِنًا فِي الدُّنْيَا عَلَى عَوْرَةٍ سَتَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).

وقدْ رُوِيَ عنْ بعضِ السَّلفِ أنَّهُ قالَ: (َأدْرَكْتُ قَوْمًا لمْ يكُنْ لهمْ عُيُوبٌ، فَذَكَرُوا عُيُوبَ الناسِ، فَذَكَرَ الناسُ لهم عُيُوبًا. وأَدْرَكْتُ أَقْوَامًا كانتْ لهمْ عُيُوبٌ، فَكَفُّوا عنْ عُيوبِ الناسِ، فَنُسِيَتْ عُيُوبُهُم) أوْ كما قالَ.

وشاهدُ هذا حديثُ أبي بَرْزَةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قالَ: ((يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ، لا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْراتِهِمْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ)). خَرَّجَهُ الإِمامُ أحمدُ وأبو داودَ، وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ مَعْنَاهُ منْ حديثِ ابنِ عُمَرَ.

وَاعْلَمْ أنَّ النَّاسَ على ضَرْبَيْنِ:

أحدُهُمَا: مَنْ كانَ مَسْتُورًا لا يُعْرَفُ بشيءٍ مِن المعاصِي، فإذا وَقَعَتْ منهُ هَفْوَةٌ أوْ زَلَّةٌ، فإنَّهُ لا يَجُوزُ كَشْفُها، ولا هَتْكُها، ولا التَّحَدُّثُ بها؛ لأنَّ ذلكَ غِيبَةٌ مُحَرَّمَةٌ.

وهذا هوَ الذي وَرَدَتْ فيهِ النُّصوصُ، وفي ذلكَ قدْ قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ في الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [النور: 19].

والمرادُ: إِشَاعَةُ الفَاحِشَةِ على المُؤْمِنِ المُسْتَتِرِ فِيمَا وَقَعَ منهُ، أو اتُّهِمَ بهِ، وهوَ بَرِيءٌ منهُ، كما في قِصَّةِ الإِفْكِ.

قالَ بعضُ الوُزَرَاءِ الصالحِينَ لِبَعْضِ مَنْ يَأْمُرُ بالمعروفِ: اجْتَهِدْ أنْ تَسْتُرَ الْعُصَاةَ؛ فإنَّ ظُهُورَ مَعَاصِيهِمْ عَيْبٌ في أهلِ الإسلامِ، وَأَوْلَى الأُمُورِ سَتْرُ العيوبِ، ومثلُ هذا لوْ جَاءَ تَائِبًا نَادِمًا، وَأَقَرَّ بِحَدٍّ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ، لم يُسْتَفْسَرْ، بلْ يُؤْمَرْ بأنْ يَرْجِعَ وَيَسْتُرَ نَفْسَهُ، كما أَمَرَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ، وكما لمْ يَسْتَفْسِر الَّذِي قالَ: أَصَبْتُ حَدًّا، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ.

ومثلُ هذا لوْ أُخِذَ بِجَرِيمَتِهِ، ولمْ يَبْلُغ الإِمامَ، فإنَّهُ يُشْفَعُ لهُ حتَّى لا يَبْلُغَ الإمامَ.
وفي مِثْلِهِ جاءَ الحديثُ عَن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ)).خَرَّجَهُ أبو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حديثِ عائشةَ.

والثاني: مَنْ كانَ مُشْتَهِرًا بالمَعَاصِي مُعْلِنًا بها، لا يُبَالِي بما ارْتَكَبَ منها، ولا بِمَا قِيلَ لهُ، فهذا هوَ الفاجِرُ المُعْلِنُ، وليسَ لهُ غِيبَةٌ، كما نَصَّ على ذلكَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ.

ومثلُ هذا لا بَأْسَ بالبَحْثِ عنْ أمْرِهِ لِتُقَامَ عليهِ الحُدُودُ.

صَرَّحَ بذلكَ بعضُ أَصْحَابِنَا، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا)).

وَمِثْلُ هذا لا يُشْفَعُ لهُ إذا أُخِذَ ولوْ لمْ يَبْلُغ السُّلطانَ، بلْ يُتْرَكُ حتَّى يُقَامَ عليهِ الحدُّ لَيَنْكَفَّ شَرُّهُ، وَيَرْتَدِعَ بهِ أَمْثَالُهُ.

قالَ مَالِكٌ: (مَنْ لمْ يُعْرَفْ منهُ أَذًى للنَّاسِ، وإنَّمَا كَانَتْ منهُ زَلَّةٌ، فَلا بَأْسَ أنْ يُشْفَعَ لهُ ما لمْ يَبْلُغ الإِمامَ، وأمَّا مَنْ عُرِفَ بِشَرٍّ أوْ فَسَادٍ فلا أُحِبُّ أنْ يَشْفَعَ لَهُ أحدٌ، ولكنْ يُتْرَكُ حتَّى يُقَامَ عليهِ الحَدُّ).
حَكَاهُ ابنُ المُنْذِرِ وَغَيْرُهُ.

وكَرِهَ الإِمامُ أحمدُ رَفْعَ الفُسَّاقِ إلى السلطانِ بكلِّ حالٍ.
وإنَّما كَرِهَهُ؛ لأِنَّهُم غَالِبًا لا يُقِيمُونَ الحدودَ على وَجْهِهَا؛ ولهذا قالَ: إنْ عَلِمْتَ أنَّهُ يُقِيمُ عليهِ الحدَّ فَارْفَعْهُ، ثمَّ ذَكَرَ أنَّهُم ضَرَبُوا رجلاً فَمَاتَ، يَعْنِي: لَمْ يَكُنْ قَتْلُهُ جَائِزًا.

ولوْ تَابَ أحدٌ مِن الضَّرْبِ الأوَّلِ، كانَ الأفضلُ لهُ أنْ يَتُوبَ فيما بَيْنَهُ وبينَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَسْتُرُ على نَفْسِهِ.

وأمَّا الضَّرْبُ الثاني، فَقِيلَ: إنَّهُ كذلكَ، وقيلَ: بل الأَوْلَى لهُ أنْ يَأْتِيَ الإِمامَ، وَيُقِرَّ على نفسِهِ بما يُوجِبُ الحَدَّ حتَّى يُطَهِّرَهُ.

(4) قولُهُ: ((وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ)).
وفي حديثِ ابنِ عمرَ: ((وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ)).

وقدْ سَبَقَ في شرحِ الحديثِ الخامسِ والعشرينَ والسادسِ والعشرينَ فَضْلُ قضاءِ الحوائجِ والسَّعْيِ فيها.

وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ منْ حديثِ عمرَ مَرْفُوعًا: ((أَفْضَلُ الأَعْمَالِ إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ: كَسَوْتَ عَوْرَتَهُ، أَوْ أَشْبَعْتَ جَوْعَتَهُ، أَوْ قَضَيْتَ لَهُ حَاجَةً)).

وبَعَثَ الحسنُ البَصْرِيُّ قَوْمًا منْ أصحابِهِ في قضاءِ حاجةٍ لرجلٍ وقالَ لهم: مُرُّوا بِثَابِتٍ البُنَانِيِّ، فَخُذُوهُ مَعَكُمْ.

فَأَتَوْا ثَابِتًا، فَقَالَ: أَنَا مُعْتَكِفٌ.

فَرَجَعُوا إِلَى الْحَسَنِ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: قُولُوا لَهُ: يَا أَعْمَشُ، أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ مَشْيَكَ فِي حَاجَةِ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حَجَّةٍ بَعْدَ حَجَّةٍ؟ فَرَجَعُوا إلَى ثَابِتٍ، فَتَرَكَ اعْتِكَافَهُ وَذَهَبَ مَعَهُمْ.

وَخَرَّجَ الإمامُ أحمدُ منْ حديثِ ابْنَةٍ لِخَبَّابِ بنِ الأَرَتِّ، قالَتْ: خَرَجَ خَبَّابٌ في سَرِيَّةٍ، فكانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَتَعَاهَدُنَا حتَّى يَحْلِبَ عَنْزَةً لَنَا في جَفْنَةٍ لَنَا، فَتَمْتَلِئُ حتَّى تَفِيضَ.
فَلَمَّا قَدِمَ خَبَّابٌ حَلَبَها، فَعَادَ حِلابُهَا إلى ما كانَ.

وكانَ أبو بكرٍ الصدِّيقُ يَحْلِبُ لِلْحَيِّ أَغْنَامَهُم.

فلمَّا اسْتُخْلِفَ قالَتْ جاريَةٌ منهم: الآنَ لا يَحْلِبُهَا، فقالَ أبو بكرٍ: (بلَى، وَإِنِّي لأَرجو أنْ لا يُغَيِّرَنِي مَا دَخَلْتُ فيهِ عنْ شيءٍ كُنْتُ أَفْعَلُهُ) أوْ كما قالَ.

وإنَّمَا كَانُوا يَقُومُونَ بالحِلابِ؛ لأنَّ العربَ كانتْ لا تَحْلِبُ النِّسَاءُ منهم، وَكَانُوا يَسْتَقْبِحُونَ ذلكَ، فكانَ الرجالُ إذا غَابُوا احْتَاجَ النساءُ إلى مَنْ يَحْلِبُ لَهُنَّ.

وقدْ رُوِيَ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قالَ لقَوْمٍ: ((لا تَسْقُونِي حَلَبَ امْرَأَةٍ)).
وكانَ عُمَرُ يَتَعَاهَدُ الأراملَ فَيَسْتَقِي لَهُنَّ الماءَ باللَّيْلِ، وَرَآهُ طَلْحَةُ باللَّيْلِ يَدْخُلُ بيتَ امْرَأَةٍ، فَدَخَلَ إليها طَلْحَةُ نَهَارًا، فإذا هيَ عجوزٌ عَمْيَاءُ مُقْعَدَةٌ، فَسَأَلَهَا: مَا يَصْنَعُ هذا الرَّجلُ عِنْدَكِ؟ قالَتْ: هذا لهُ مُنْذُ كذا وكذا، يَتَعَاهَدُنِي يَأْتِينِي بِمَا يُصْلِحُنِي، وَيُخْرِجُ عَنِّي الأَذَى، فَقَالَ طَلْحَةُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ طَلْحَةُ، عَثَرَاتِ عُمَرَ تَتَّبِعُ؟!

وكانَ أبو وائلٍ يَطُوفُ على نساءِ الحيِّ وَعَجَائِزِهِم كُلَّ يومٍ، فَيَشْتَرِي لهُنَّ حَوَائِجَهُنَّ وما يُصْلِحُهُنَّ.

وقالَ مجاهدٌ: صَحِبْتُ ابنَ عمرَ في السفرِ لأَِخْدُمَهُ، فكانَ يَخْدُمُنِي.

وكانَ كثيرٌ من الصَّالِحينَ يَشْتَرِطُ على أصحابِهِ في السفرِ أنْ يَخْدُمَهُم.
وصَحِبَ رَجُلٌ قومًا في الجهادِ، فَاشْتَرَطَ عليهم أنْ يَخْدُمَهُم، فكانَ إذا أَرَادَ أحدٌ منهُم أنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ أوْ ثوبَهُ قالَ: هذا مِنْ شَرْطِي، فَيَفْعَلُهُ.
فَمَاتَ، فَجَرَّدُوهُ للغُسْلِ، فَرَأَوْا على يدِهِ مَكْتُوبًا: منْ أَهْلِ الجنَّةِ، فَنَظَرُوا، فإذا هيَ كتابةٌ بينَ الجلدِ واللَّحْمِ.

وفِي (الصَّحِيحَيْنِ): عنْ أنسٍ قالَ: (كُنَّا مَعَ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ، فَمِنَّا الصَّائِمُ، وَمِنَّا المُفْطِرُ، قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فِي يَوْمٍ حَارٍّ، أَكْثَرُنَا ظِلاًّ صَاحِبُ الْكِسَاءِ، وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ، قالَ: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ، وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ وَضَرَبُوا الأَبْنِيَةَ، وَسَقَوا الرِّكَابَ) فقالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ)).

ويُرْوَى عنْ رَجُلٍ منْ أَسْلَمَ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِطَعَامٍ في بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَأَكَلَ مِنْهُ وَأَكَلَ أَصْحابُهُ، وَقَبَضَ الأَسْلَمِيُّ يَدَهُ، فقالَ لهُ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : ((مَا لَكَ؟)) قالَ: إِنِّي صَائِمٌ، قالَ: ((فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟))قالَ: مَعِي ابْنَايَ يَرْحَلانِ لِي وَيَخْدُمَانِي، فَقَالَ: ((مَا زَالَ لَهُمُ الْفَضْلُ عَلَيْكَ بَعْدُ)).

وفي (مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُدَ): عنْ أبي قِلابَةَ، أَنَّ ناسًا منْ أصحابِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَدِمُوا يُثْنُونَ على صاحبٍ لهم خَيْرًا، قَالُوا: ما رَأَيْنَا مِثْلَ فلانٍ قطُّ، ما كانَ في مَسِيرٍ إلا كَانَ فِي قِرَاءَةٍ، وَلا نَزَلْنَا مَنْزِلاً إلا كانَ في صلاةٍ، قالَ: ((فَمَنْ كَانَ يَكْفِيهِ ضَيْعَتَهُ؟))، حتَّى ذَكَرَ: ((وَمَنْ كَانَ يَعْلِفُ جَمَلَهُ أَوْ دَابَّتَهُ؟)) قالُوا: نحنُ، قالَ: ((فَكُلُّكُمْ خَيْرٌ مِنْهُ)).

(5) قولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)).
وقدْ رَوَى هذا المعنَى أَيْضًا أبو الدَّرْدَاءِ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.

وَسُلُوكُ الطَّريقِ لالْتِمَاسِ العلمِ يَدْخُلُ فيهِ سلوكُ الطَّريقِ الحَقِيقِيِّ، وَهوَ المَشْيُ بالأقدامِ إلى مجالسِ العلماءِ، وَيَدْخُلُ فيهِ سلوكُ الطُّرُقِ المَعْنَوِيَّةِ المُؤَدِّيَةِ إلى حُصولِ العلمِ، مثلَ حِفْظِهِ، وَدِرَاسَتِهِ، وَمُذَاكَرَتِهِ، وَمُطَالَعَتِهِ، وَكِتَابَتِهِ، والتَّفَهُّمِ لهُ، ونحوِ ذلكَ مِن الطُّرُقِ المعنويَّةِ التي يُتَوَصَّلُ بها إلى العلمِ.

وقولُهُ: ((سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)).

قدْ يُرَادُ بذلكَ أنَّ اللَّهَ يُسَهِّلُ لهُ العلمَ الذي طَلَبَهُ وَسَلَكَ طريقَهُ، وَيُيَسِّرُهُ عليهِ؛ فَإِنَّ العلمَ طَرِيقٌ مُوصِلٌ إلى الجنَّةِ، وهذا كقولِهِ تَعَالَى: {ولَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17].
قالَ بعضُ السَّلَفِ: هَلْ مِنْ طالبِ عِلْمٍ فَيُعَانَ عليهِ؟
وقدْ يُرَادُ أَيْضًا: أنَّ اللَّهَ يُيَسِّرُ لطالبِ العلمِ إذا قَصَدَ بِطَلَبِهِ وَجْهَ اللَّهِ الانْتِفَاعَ بهِ والعملَ بِمُقْتَضَاهُ، فيكونُ سَبَبًا لِهِدَايَتِهِ ولدخولِ الجنَّةِ بذلكَ.

وقدْ يُيَسِّرُ اللَّهُ لطالبِ العلمِ عُلُومًا أُخَرَ يَنْتَفِعُ بها، وتكونُ مُوصِلَةً لَهُ إلى الجنَّةِ، كما قِيلَ: مَنْ عَمِلَ بما عَلِمَ أَوْرَثَهُ اللَّهُ عِلْمَ ما لمْ يَعْلَمْ، وكَمَا قِيلَ: ثوابُ الْحَسَنَةِ الحَسَنَةُ بَعْدَهَا.
وقدْ دَلَّ على ذلكَ قولُهُ تَعَالَى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مَرْيَم: 76]، وقولُهُ: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [مُحَمَّد: 17].

وقدْ يَدْخُلُ في ذلكَ أيضًا تَسْهِيلُ طريقِ الجنَّةِ الحِسِّيِّ يومَ القيامةِ -وهوَ الصِّراطُ- وما قَبْلَهُ وما بَعْدَهُ من الأهوالِ، فَيُيَسِّرُ ذلكَ على طالبِ العلمِ للانتفاعِ بهِ؛ فإنَّ العِلْمَ يَدُلُّ على اللَّهِ مِنْ أقْرَبِ الطرقِ إليهِ.

فَمَنْ سَلَكَ طريقَهُ، ولمْ يُعَرِّجْ عنْهُ، وَصَلَ إلى اللَّهِ وإلى الجنَّةِ مِنْ أقربِ الطُّرقِ وَأَسْهَلِهَا، فَسَهُلَتْ عليهِ الطُّرُقُ المُوَصِّلَةُ إلى الجنَّةِ كُلُّهَا في الدُّنْيَا والآخرةِ.

فلا طَرِيقَ إلى معرفةِ اللَّهِ، وإلى الوصولِ إلى رِضْوَانِهِ، والفَوْزِ بِقُرْبِهِ، وَمُجَاوَرَتِهِ في الآخرةِ إلا بالعلمِ النَّافعِ الذي بَعَثَ اللَّهُ بهِ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ بهِ كُتُبَهُ، فهوَ الدَّليلُ عليهِ، وبهِ يُهْتَدَى في ظُلُمَاتِ الجهلِ والشُّبَهِ والشُّكُوكِ.

ولهذا سَمَّى اللَّهُ كِتَابَهُ نُورًا؛ لأنَّهُ يُهْتَدَى بهِ في الظُّلُمَاتِ، قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة:15ـ 16].

وَمَثَّلَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَمَلَةَ العلمِ الذي جَاءَ بهِ بِالنُّجومِ التي يُهْتَدَى بها في الظُّلُمَاتِ، فَفِي (المُسْنَدِ): عنْ أنسٍ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ مَثَلَ الْعُلَمَاءِ فِي الأَرْضِ كَمَثَلِ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ، يُهْتَدَى بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فَإِذَا انْطَمَسَتِ النُّجُومُ أَوْشَكَ أَنْ تَضِلَّ الْهُدَاةُ)).

وما دَامَ الْعِلْمُ بَاقِيًا في الأرضِ فالنَّاسُ في هُدًى، وَبَقَاءُ العلمِ بَقَاءُ حَمَلَتِهِ، فإذا ذَهَبَ حَمَلَتُهُ وَمَنْ يَقُومُ بهِ وَقَعَ النَّاسُ في الضلالِ، كما في (الصَّحِيحَيْنِ): عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ صُدُورِ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُهُ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)).

وذَكَرَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا رَفْعَ العلمِ، فقيلَ لهُ: كَيْفَ يَذْهَبُ العِلْمُ وَقَدْ قَرَأْنَا القُرْآنَ وَأَقْرَأْنَاهُ نِساءَنا وَأَبناءَنا؟

فقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ:

((هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ؟))
فَسُئِلَ عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ عنْ هذا الحديثِ، فقالَ: لوْ شِئْتُ لأَخبرتك بأوَّلِ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِن النَّاسِ: الخُشُوعُ.

وإنَّمَا قالَ عُبَادَةُ هذا؛ لأنَّ العلمَ قِسْمَانِ:

أحدُهما: ما كانَ ثَمَرَتُهُ في قلبِ الإِنسانِ، وهوَ العلمُ باللَّهِ تَعَالَى، وأسمائِهِ، وصفاتِهِ، وأفعالِهِ المُقْتَضِيَةِ لِخَشْيَتِهِ، وَمَهَابَتِهِ، وَإِجْلالِهِ، والخضوعِ لهُ، وَلِمَحَبَّتِهِ، وَرَجَائِهِ، ودُعَائِهِ، والتَّوَكُّلِ عليهِ، ونحوِ ذلكَ.

فهذا هوَ العلمُ النافعُ، كما قالَ ابنُ مسعودٍ: (نَّ أَقْوَامًا يَقْرَءُونَ القرآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، ولكنْ إذا وَقَعَ في القلبِ فَرَسَخَ فيهِ نَفَعَ)
وقالَ الحَسَنُ: (العلمُ عِلْمَانِ: عِلْمٌ على اللسانِ، فذاكَ حُجَّةُ اللَّهِ على ابنِ آدمَ، وعِلْمٌ في القلبِ، فذاكَ العلمُ النافعُ)

والقسمُ الثاني: العلمُ الذي على اللِّسانِ، وهوَ حُجَّةُ اللَّهِ كما في الحديثِ: ((الْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ)).

فأوَّلُ ما يُرْفَعُ مِن العلمِ: العلمُ النَّافِعُ، وهوَ العلمُ الباطنُ الَّذي يُخالِطُ القلوبَ ويُصْلِحُهَا.

وَيَبْقَى عِلْمُ اللِّسانِ حُجَّةً، فَيَتَهَاوَنُ الناسُ بهِ، ولا يَعْمَلُونَ بِمُقْتَضَاهُ، لا حَمَلَتُهُ ولا غيرُهُم.

ثمَّ يَذْهَبُ هذا العلمُ بِذَهَابِ حَمَلَتِهِ، فلا يَبْقَى إلا القرآنُ في المصاحفِ، وليسَ ثَمَّ مَنْ يَعْلَمُ مَعَانِيَهُ، ولا حُدُودَهُ، ولا أحْكَامَهُ.

ثمَّ يُسْرَى بهِ في آخِرِ الزمانِ، فلا يَبْقَى في المصاحفِ ولا في القُلوبِ منهُ شيءٌ بِالْكُلِّيَّةِ، وبعدَ ذلكَ تَقُومُ السَّاعةُ، كما قالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ))، وقالَ: ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ وَفِي الأَرْضِ أَحَدٌ يَقُولُ: اللَّهُ اللَّهُ)).

قولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَا جَلَسَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ)).

هذا يَدُلُّ على اسْتِحْبَابِ الجلوسِ في المساجدِ؛ لتلاوةِ القرآنِ وَمُدَارَسَتِهِ.

وهذا إنْ حُمِلَ على تَعَلُّمِ القرآنِ وَتَعْلِيمِهِ فلا خِلافَ في اسْتِحْبَابِهِ.

وفي (صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ): عنْ عُثْمَانَ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)).
قالَ أبو عبدِ الرحمنِ السُّلَمِيُّ: فذاكَ الذي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هذا.

وكانَ قدْ عَلَّمَ القرآنَ في زمنِ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ حتَّى بَلَغَ الحَجَّاجَ بنَ يُوسُفَ.

وإنْ حُمِلَ على ما هوَ أَعَمُّ مِنْ ذلكَ دَخَلَ فيهِ الاجتماعُ في المساجدِ على دراسةِ القرآنِ مُطْلَقًا.

وقدْ كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أحْيَانًا يَأْمُرُ مَنْ يَقْرَأُ القرآنَ لِيَسْتَمِعَ قِرَاءَتَهُ، كما أَمَرَ ابنَ مسعودٍ أنْ يَقْرَأَ عليهِ وقالَ: ((إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي)).

وكانَ عُمَرُ يَأْمُرُ مَنْ يَقْرَأُ عليهِ وعلى أصحابِهِ وهُمْ يَسْمَعُونَ، فَتَارَةً يَأْمُرُ أَبَا مُوسَى، وَتَارَةً يَأْمُرُ عُقْبَةَ بنَ عَامِرٍ.
يتبع إن شاء الله...


شرح الحديث رقم (36) 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

شرح الحديث رقم (36) Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح الحديث رقم (36)   شرح الحديث رقم (36) Emptyالسبت 02 يوليو 2011, 4:35 am

وَسُئِلَ ابنُ عَبَّاسٍ: أيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قالَ: ذِكْرُ اللَّهِ، وَمَا جَلَسَ قَوْمٌ في بيتٍ منْ بيوتِ اللَّهِ يَتَعَاطَوْنَ فيهِ كتابَ اللَّهِ فيما بَيْنَهُمْ وَيَتَدَارَسُونَهُ، إلا أَظَلَّتْهُم الملائكةُ بِأَجْنِحَتِهَا، وكانوا أَضْيَافَ اللَّهِ ما دَامُوا على ذلكَ، حتَّى يُفِيضُوا في حديثٍ غَيْرِهِ.

شرح الحديث رقم (36) Dhq3hz14

ورُوِيَ مَرْفُوعًا، والموقوفُ أَصَحُّ.

ورَوَى يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ عنْ أنسٍ قالَ: كانُوا إذا صَلَّوا الغداةَ قَعَدُوا حِلَقًا حِلَقًا، يَقْرَءُونَ القرآنَ، وَيَتَعَلَّمُونَ الفرائضَ وَالسُّنَنَ، وَيَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.

ورَوَى عَطِيَّةُ عنْ أبي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَا مِنْ قَوْمٍ صَلَّوْا صَلاةَ الْغَدَاةِ، ثُمَّ قَعَدُوا في مُصَلاهُمْ يَتَعَاطَوْنَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ، إِلا وَكَّلَ اللَّهُ بِهِم مَلائِكَةً يَسْتَغْفِرُونَ لَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)).

وهذا يَدُلُّ على اسْتِحْبَابِ الاجتماعِ بعدَ صلاةِ الغداةِ لِمُدَارَسَةِ القرآنِ. ولكنْ عَطِيَّةُ فيهِ ضَعْفٌ.

وقدْ رَوَى حَرْبٌ الكِرْمَانِيُّ بإسنادِهِ عن الأَوْزَاعِيِّ، أنَّهُ سُئِلَ عن الدِّراسةِ بعدَ صلاةِ الصُّبحِ، فقالَ: أَخْبَرَنِي حَسَّانُ بنُ عَطِيَّةَ، أنَّ أوَّلَ مَنْ أَحْدَثَهَا في مسجدِ دِمَشْقَ هِشَامُ بنُ إِسْمَاعِيلَ المَخْزُومِيُّ في خلافةِ عبدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ.

وبإسنادِهِ عنْ سعيدِ بنِ عبدِ العزيزِ وإبراهيمَ بنِ سُلَيْمَانَ، أنَّهُمَا كَانَا يَدْرُسَانِ القرآنَ بعدَ صلاةِ الصبحِ بِبَيْرُوتَ، وَالأَوْزَاعِيُّ في المسجدِ لا يُغَيِّرُ عَلَيْهِم.

وذَكَرَ حَرْبٌ أنَّهُ رَأَى أهلَ دمشقَ، وأهلَ حِمْصَ، وأهلَ مَكَّةَ، وَأَهْلَ البصرةِ يَجْتَمِعُونَ على القراءةِ بعدَ صلاةِ الصُّبحِ، لكنَّ أَهْلَ الشامِ يَقْرَءُونَ القرآنَ كُلُّهُمْ جُمْلَةً مِنْ سُورَةٍ واحدةٍ بأصواتٍ عاليَةٍ، وأهلَ مَكَّةَ وأهلَ البَصْرَةِ يَجْتَمِعُونَ، فَيَقْرَأُ أَحَدُهُم عَشْرَ آياتٍ، والنَّاسُ يُنْصِتُونَ، ثمَّ يَقْرَأُ آخَرُ عَشْرًا، حتَّى يَفْرُغُوا.

قالَ حَرْبٌ: وكُلُّ ذلكَ حَسَنٌ جميلٌ.
وقدْ أَنْكَرَ ذلكَ مَالِكٌ على أهلِ الشامِ.

قالَ زيدُ بنُ عُبَيْدٍ الدِّمَشْقِيُّ: قالَ لي مالِكُ بنُ أنسٍ: بَلَغَنِي أنَّكُمْ تَجْلِسُونَ حِلَقًا تَقْرَءُونَ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا كَانَ يَفْعَلُ أَصْحَابُنَا، فَقَالَ مَالِكٌ: عِنْدَنا كانَ المُهَاجِرُونَ والأنصارُ ما نَعْرِفُ هذا.

قالَ: فَقُلْتُ: هذا طَرِيفٌ؟ قالَ: وَطَرِيفٌ رَجُلٌ يَقْرَأُ وَيَجْتَمِعُ الناسُ حَوْلَهُ، فقالَ: هذا عَنْ غَيْرِ رَأْيِنَا.

قالَ أبو مُصْعَبٍ وإسحاقُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَرْوِيُّ: سَمِعْنَا مالكَ بنَ أَنَسٍ يَقُولُ: الاجتماعُ بُكْرَةً بعدَ صلاةِ الفَجْرِ لقراءةِ القرآنِ بِدْعَةٌ، ما كانَ أصحابُ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ولا العلماءُ بَعْدَهُم على هذا، كانُوا إذا صَلَّوْا يَخْلُو كلٌّ بنفسِهِ وَيَقْرَأُ، وَيَذْكُرُ اللَّهَ عزَّ وجلَّ، ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ منْ غيرِ أنْ يُكَلِّمَ بَعْضُهُم بَعْضًا؛ اشْتِغَالاً بِذِكْرِ اللَّهِ، فهذهِ كُلُّهَا مُحْدَثَةٌ.

وقالَ ابنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكًا يقولُ: لمْ تَكُن القراءةُ في المسجدِ مِنْ أمْرِ النَّاسِ القديمِ، وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ ذلكَ في المسجدِ الحَجَّاجُ بنُ يُوسُفَ.
قالَ مالكٌ: (وأنَا أَكْرَهُ ذَلِكَ الذي يَقْرَأُ في المسجدِ في المصحفِ).
وقدْ رَوَى هذا كُلَّهُ أبو بكرٍ النَّيْسَابُورِيُّ في كتابِ (مَنَاقِبِ مَالِكٍ)رَحِمَهُ اللَّهُ.
واسْتَدَلَّ الأَكْثَرُونَ على استحبابِ الاجتماعِ لمُدَارسةِ القرآنِ في الجُملةِ بالأحاديثِ الدَّالَّةِ على استحبابِ الاجتماعِ للذِّكْرِ، والقرآنُ أَفْضَلُ أنواعِ الذِّكْرِ، ففي (الصَّحِيحَيْنِ)، عنْ أبي هريرةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ، يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ.

فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قَالَ: يَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ، وَيُكَبِّرُونَكَ، وَيَحْمَدُونَكَ، وَيُمَجِّدُونَكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟ فَيَقُولُونَ: لا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ، فَيَقُولُ: كَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا، فَيَقولُ: فَمَا يَسْأَلُونِي؟ قَالُوا: يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ، مَا رَأَوْهَا، فَيَقُولُ: كَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا، وَأَشَدَّ فِيهَا رَغْبَةً، قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ فَيَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ. قالَ: يَقُولُ: فَهَلْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ، مَا رَأَوْهَا، فَيَقُولُ: كَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْها فِرَارًا، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. فَيَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ: فِيهِمْ فُلانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَتِهِ. قَالَ: هُمُ الْجُلَسَاءُ لا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ)).

وفي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ): عنْ مُعاويَةَ، أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فقالَ: ((مَا يُجْلِسُكُمْ))؟ قالُوا: جَلَسْنا نَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَنَحْمَدُهُ لِمَا هَدَانَا لِلإِسْلامِ وَمَنَّ عَلَيْنَا بِهِ، فقالَ: ((آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلا ذَلِكَ؟)) قالُوا: آللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلا ذَلِكَ، قالَ: ((أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ لِتُهْمَةٍ لَكُمْ، إِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلائِكَةَ)).

وَخَرَّجَ الحَاكِمُ منْ حديثِ معاويَةَ قالَ: كُنْتُ مَعَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَدَخَلَ المَسْجِدَ، فَإِذا هُوَ بِقَوْمٍ فِي المسْجِدِ قُعودٍ، فقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((مَا أَقْعَدَكُمْ؟)) فقالُوا: صَلَّيْنَا الصَّلاةَ الْمَكْتُوبَةَ، ثُمَّ قَعَدْنَا نَتَذَاكَرُ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللَّهَ إِذَا ذَكَرَ شَيْئًا تَعَاظَمَ ذِكْرُهُ)).
وفي المَعْنَى أَحَادِيثُ أُخَرُ مُتَعَدِّدَةٌ.

وقدْ أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنَّ جزاءَ الذينَ يَجْلِسُونَ في بيتِ اللَّهِ يَتَدَارَسُونَ كتابَ اللَّهِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ:
أحدُها: تَنَزُّلُ السَّكِينَةِ عليهم، وفي (الصَّحِيحَيْنِ): عن البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ قالَ: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سورةَ الكَهْفِ وِعِنْدَهُ فَرَسٌ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدُورُ وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ مِنْهَا.

فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فقالَ: ((تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ)).

وفيهما أَيْضًا: عنْ أبي سعيدٍ، أنَّ أُسَيْدَ بنَ حُضَيْرٍ بَيْنَمَا هوَ لَيْلَةً يَقْرَأُ فِي مِرْبَدِهِ، إذْ جَالَتْ فَرَسُهُ، فَقَرَأَ، ثمَّ جَالَتْ أُخْرَى، فَقَرَأَ، ثمَّ جَالَتْ أَيْضًا.

فقالَ أُسَيْدٌ: فَخَشِيتُ أنْ تَطَأَ يَحْيَى -يَعْنِي: ابْنَهُ- قالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهَا، فإذا مِثْلُ الظُّلَّةِ فَوْقَ رَأْسِي فيها أمْثَالُ السُّرُجِ، عَرَجَتْ في الجَوِّ حتَّى ما أَرَاهَا، قالَ: فَغَدَا على النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذلكَ لهُ، فقالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((تِلْكَ الْمَلائِكَةُ كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لأَصبحت يَرَاهَا النَّاسُ مَا تَسْتَتِرُ مِنْهُمْ)). واللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ فيهما.

ورَوَى ابنُ الْمُبَارَكِ عنْ يحيى بنِ أَيُّوبَ، عنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ زَحْرٍ، عنْ سعدِ بنِ مَسْعُودٍ، أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كانَ فِي مَجْلِسٍ، فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلى السَّماءِ، ثُمَّ طَأْطَأَ بَصَرَهُ، ثُمَّ رَفَعَهُ، فَسُئِلَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَن ذَلِكَ، فَقَالَ: ((إِنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ كَانُوا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى -يَعْنِي: أَهْلَ مَجْلِسٍ أَمَامَهُ- فَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ تَحْمِلُهَا الْمَلائِكَةُ كَالْقُبَّةِ، فَلَمَّا دَنَتْ مِنْهُمْ تَكَلَّمَ رَجُلٌ مِنْهُمْ بِبَاطِلٍ، فَرُفِعَتْ عَنْهُمْ)). وهذا مُرْسَلٌ.

والثاني: غِشْيَانُ الرَّحمةِ، قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56].

وَخَرَّجَ الحاكمُ منْ حديثِ سَلْمَانَ، أنَّهُ كانَ في عِصابةٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى، فَمَرَّ بهم رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فقالَ: ((مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ عَلَيْكُمْ، فَأَرَدْتُ أَنْ أُشَارِكَكُمْ فِيهَا)).

وَخَرَّجَ البَزَّارُ منْ حديثِ أنسٍ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ لِلَّهِ سَيَّارَةً مِنَ الْمَلائِكَةِ، يَطْلُبُونَ حِلَقَ الذِّكْرِ، فَإِذَا أَتَوْا عَلَيْهِمْ حَفُّوا بِهِمْ، ثُمَّ بَعَثُوا رَائِدَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ إِلَى رَبِّ الْعِزَّةِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَتَيْنَا عَلَى عِبَادٍ مِنْ عِبَادِكَ يُعَظِّمُونَ آلاءَكَ، وَيَتْلُونَ كِتَابَكَ، وَيُصَلُّونَ عَلَى نَبِيِّكَ، وَيَسْأَلُونَكَ لِآخِرَتِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، فَيَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: غَشُّوهُمْ بِرَحْمَتِي، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا، إِنَّ فِيهِمْ فُلانًا الْخَطَّاءَ، إِنَّمَا اعْتَنَقَهُمُ اعْتِنَاقًا، فَيَقُولُ تَعَالَى: غَشُّوهُمْ بِرَحْمَتِي؛ [فَهُمُ الْجُلَسَاءُ لا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ])).

والثالثُ: أنَّ الملائكةَ تَحُفُّ بهم.

وهذا مَذْكُورٌ في هذهِ الأحاديثِ التي ذَكَرْنَاهَا، وفي حديثِ أبي هُريرةَ المُتَقَدِّمِ: ((فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا)).

وفي روايَةٍ للإِمامِ أحمدَ: ((عَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ حَتَّى يَبْلُغُوا الْعَرْشَ)).

وقالَ خالدُ بنُ مَعْدَانَ، يَرْفَعُ الحديثَ: ((إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً فِي الْهَوَاءِ، يَسِيحُونَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، يَلْتَمِسُونَ الذِّكْرَ، فَإِذَا سَمِعُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى قَالُوا: رُوَيْدًا، زَادَكُمُ اللَّهُ. فَيَنْشُرُونَ أَجْنِحَتَهُمْ حَوْلَهُمْ حَتَّى يَصْعَدَ كَلامُهُمْ إِلَى الْعَرْشِ)).
خَرَّجَهُ الخَلالُ في كتابِ (السُّنَّةِ).

الرابعُ: أنَّ اللَّهَ يَذْكُرُهُمْ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وفي (الصَّحِيحَيْنِ): عنْ أبي هريرةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأَ ذكرته في مَلأَ خَيْرٍ مِنْهُمْ)).

وهذهِ الخِصَالُ الأربعُ لِكُلِّ مُجْتَمِعِينَ على ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، كما في (صَحِيحِ مُسْلِمٍ): عنْ أبي هريرةَ وأبي سعيدٍ، كلاهُمَا عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ لأِهل ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَرْبَعًا: تَنْزِلُ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَتَغْشَاهُمُ الرَّحْمَةُ، وَتَحُفُّ بِهِمُ الْمَلائِكَةُ، وَيَذْكُرُهُمُ الرَّبُّ فِيمَنْ عِنْدَهُ)).

وَقَدْ قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152].
وذِكْرُ اللَّهِ لعبدِهِ: هُوَ ثَنَاؤُهُ عليهِ في المَلأَ الأَعْلَى بينَ مَلائِكَتِهِ، وَمُبَاهَاتُهُمْ بهِ، وَتَنْوِيهُهُ بِذِكْرِهِ.

قالَ الرَّبِيعُ بنُ أَنَسٍ: إنَّ اللَّهَ ذَاكِرٌ مَنْ ذَكَرَهُ، وَزَائِدٌ مَنْ شَكَرَهُ، وَمُعَذِّبٌ مَنْ كَفَرَهُ. وقالَ عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الأحزاب: 41 - 43].

وصلاةُ اللَّهِ على عَبْدِهِ: هوَ ثناؤُهُ عليهِ بينَ ملائكتِهِ، وتَنْوِيهُهُ بِذِكْرِهِ.

كذا قالَ أبو العَالِيَةِ، ذَكَرَهُ البُخَارِيُّ في (صَحِيحِهِ).
وقالَ رجلٌ لأِبي أُمَامَةَ: رَأَيْتُ في المَنَامِ كأنَّ المَلائِكَةَ تُصَلِّي عَلَيْكَ كُلَّما دَخَلْتَ وكُلَّمَا خَرَجْتَ، وَكُلَّما قُمْتَ وكُلَّما جَلَسْتَ.

فقالَ أبو أُمَامَةَ: وَأَنْتُم لوْ شِئْتُمْ صَلَّتْ عليكمُ الملائكةُ، ثمَّ قرأَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ومَلائِكَتُهُ}. خَرَّجَهُ الحَاكِمُ.

(6) قولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ))، مَعْنَاهُ أنَّ العملَ هوَ الذي يَبْلُغُ بالعبدِ درجاتِ الآخرةِ، كَمَا قالَ تَعَالَى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الأنعام: 132]. فَمَنْ أَبْطَأَ بهِ عَمَلُهُ أنْ يَبْلُغَ بهِ المَنَازِلَ العاليَةَ عندَ اللَّهِ تَعَالَى، لم يُسْرِعْ بهِ نَسَبُهُ، فَيُبَلِّغُهُ تلكَ الدَّرجاتِ؛ فإنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَتَّبَ الْجَزَاءَ على الأعمالِ، لا على الأنسابِ، كما قالَ تَعَالَى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المُؤْمِنُونَ: 101].

وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بالمسارعةِ إلى مغفرتِهِ ورحمتِهِ بالأعمالِ، كما قالَ: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عِمْرَانَ: 133 - 134] الآيتَيْنِ، وقالَ: {إنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنونَ: 57 - 61].

قالَ ابنُ مَسْعُودٍ: (يَأْمُرُ اللَّهُ بِالصِّرَاطِ فَيُضْرَبُ على جَهَنَّمَ، فَيَمُرُّ النَّاسُ على قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ زُمَرًا زُمَرًا، أَوَائِلُهُم كَلَمْحِ البَرْقِ، ثمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ، ثمَّ كَمَرِّ البَهَائِمِ، حتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ سَعْيًا، وَحَتَّى يَمُرَّ الرجلُ مَشْيًا، حتَّى يَمُرَّ آخِرُهُم يَتَلَبَّطُ على بَطْنِهِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، لِمَ بَطَّأْتَ بِي؟ فيقولُ: إنِّي لمْ أُبَطِّئْ بِكَ، إِنَّما بَطَّأَ بِكَ عَمَلُكَ).

وفي (الصَّحِيحَيْنِ): عنْ أبي هريرةَ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حينَ أُنْزِلَ عليهِ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقرَبِينَ} [الشعراء: 214]: ((يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللَّهِ، لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ، لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا،يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي مَا شِئْتِ، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا)).

وفي روايَةٍ خارجَ (الصَّحِيحَيْنِ): ((إِنَّ أَوْلِيَائِي مِنْكُمُ الْمُتَّقُونَ، لا يَأْتِي النَّاسُ بِالأَعْمَالِ وَتَأْتُونِي بِالدُّنْيَا تَحْمِلُونَهَا عَلَى رِقَابِكُمْ، فَتَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، فَأَقُولُ: قَدْ بَلَّغْتُ)).

وَخَرَّجَ ابنُ أبي الدُّنيا منْ حديثِ أبي هريرةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ كَانَ نَسَبٌ أَقْرَبَ مِنْ نَسَبٍ، يَأْتِي النَّاسُ بِالأَعْمَالِ وَتَأْتُونَ بِالدُّنْيَا تَحْمِلُونَهَا عَلَى رِقَابِكُمْ تَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ، فَأَقُولُ هَكَذَا وَهَكَذَا))، وَأَعْرَضَ فِي كِلا عِطْفَيْهِ.

وَخَرَّجَ البَزَّارُ منْ حديثِ رفاعةَ بنِ رافعٍ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ لِعُمَرَ: ((اجْمَعْ لِي قَوْمَكَ)) -يَعْنِي قُرَيْشًا- فَجَمَعَهُمْ، فَقَالَ: ((إِنَّ أَوْلِيَائِي مِنْكُمُ الْمُتَّقُونَ، فَإِنْ كُنْتُمْ أُولَئِكَ فَذَاكَ، وَإِلا فَانْظُرُوا، لا يَأْتِي النَّاسُ بِالأَعْمَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَأْتُونَ بِالأَثْقَالِ، فَيُعْرَضَ عَنْكُمْ)). وَخَرَّجَهُ الحاكمُ مُخْتَصَرًا وَصَحَّحَهُ.

وفي (المُسْنَدِ)، عنْ مُعَاذِ بنِ جبلٍ، أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَهُ إلى اليمنِ، خَرَجَ مَعَهُ يُوصِيهِ، ثمَّ الْتَفَتَ فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ إلى المدينةِ فقالَ: ((إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِيَ الْمُتَّقُونَ، مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا)).

وَخَرَّجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وزادَ فيهِ: ((إِنَّ أَهْلَ بَيْتِي هَؤُلاءِ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِي، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إِنَّ أَوْلِيَائِي مِنْكُمُ الْمُتَّقُونَ، مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا)).

وَيَشْهَدُ لهذا كُلِّهِ ما في (الصَّحِيحَيْنِ): عنْ عمرِو بنِ العَاصِ، أنَّهُ سَمِعَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((إِنَّ آلَ أَبِي فُلانٍ لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ، وَإِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ)).
يُشِيرُ إلى أنَّ ولايتَهُ لا تُنَالُ بالنسبِ وإنْ قَرُبَ، وَإنَّمَا تُنَالُ بالإِيمانِ والعملِ الصالحِ، فمَنْ كانَ أَكْمَلَ إِيمَانًا وَعَمَلاً فهوَ أَعْظَمُ وَلايَةً لهُ، سواءٌ كَانَ لهُ منهُ نَسَبٌ قريبٌ، أوْ لَمْ يَكُنْ. وفي هذا المعنَى يَقُولُ بعضُهُم:

لَعَمرُكَ مَا الإِنْسَانُ إِلَّا بِدِينِهِ
فَلا تَتْرُك التَّقْوَى اتِّكَالاً عَلَى النَّسَبِ
لَقَدْ رَفَعَ الإِسْلامُ سَلْمَانَ فَارِسٍ
وَقَدْ وَضَعَ الشِّرْكُ الشَّقِيَّ أَبَا لَهَبِ

----------------------------
شرح معالي الشيخ:
صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ (مفرغ)

---------------------------
القارئ:

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نفس عن مؤمنٍ كُرْبةً من كُرب الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كُرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مؤمناً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)) رواه مسلم.

الشيخ:

قال عليه الصلاة والسلام: ((من نفَّسَ عن مؤمنٍ كربةً من كُرب الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كُرب يوم القيامة))، (الكُربَة): ما يكون معه الضيق والضَّنك والشدة على المسلم: ولهذا ناسَب معها التنفيس لأنها تستحكم من جميع الجوانب؛ من جهة نفس المؤمن وقلبه وما يجول فيه، ومن جهة يده، ومن جهة ما حوله، فتستحكم عليه حتى تضيق به الأرض الواسعة، فهنا إذا نُفس عنه فبقدر ذلك التنفيس يكون الثواب.

قال -عليه الصلاة والسلام-: ((من نَفَّس عن مؤمن كُرْبةً)) وهذا فيه إطلاق، يعني: أي كربة من كُرَبِ الدُّنيا، فيدخُل في ذلك الكُرب النفسية، والكرب العملية، وما يدخل في تَنفيسه في الكلمة الطيبة، وما يدخل تَنفيسه في المال، وما يدخل تَنفيسه في بذل الجاه، إلى آخره.. فتنفيسُ الكُربة عامٌ، والكُرَب هنا أيضاً عامة، فمن نفس عن مؤمن كربة بأن يَسَّر له السبيل إلى التخلص منها، أو خفَّف عليه من وْطأةِ الكُرْبة والشدَّة والضيق الذي أصابه؛ كان جزاؤهُ عند الله -جلّ وعلا- من جنس عمله، لكن في يومٍ هو أحوج إلى هذا التنفيس من الدنيا، ولهذا كان الثواب في الآخرة فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((نفَّس الله عنه كربةً من كُرب يوم القيامة))

قال: (ومن يَسَّر على معسِر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة) :
المعْسِر: هو الذي عليه حق لغيره لا يستطيع أداءهُ.
والتيسير على المعسر يكون بأشياء منها: أن يُعطيه مالاً ليفُك به إعسارهُ، أو أن يكون الحقُ له فيضعهُ عن المعسر فيخفف عنه، وقد قال جل وعلا: {وإن كان ذو عُسْرةٍ فنظرَةٌ إلى ميسرة} فالتيسير على المعْسِر من الأمور المستحبة ومن فضائل الأعمال ومن الصدقات العظيمة.

قال هنا -عليه الصلاة والسلام-: ((ومن يَسَّر على معسِر)) يعني: خفَّف عنه شأن إعساره بإعطائه مالاً، أو بإسقاط بعض المال الذي عليه، أو بإسقاط المال كله، أو السعي له في التخلص من الإعسار، يَسَّر الله عليه جزاءً وفاقاً على ما يسَّر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، وهذا من الثواب الذي جُعل في الدنيا والآخرة، فلا بأْس من أن يقصده المسلم؛ في أن ييسر على إخوانه رغبةً فيما عند الله جل وعلا، ورغبةً في أن ييسر عليه في الدنيا والآخرة؛ لأنَّ هذا -كما ذكرنا في شرح حديث إنما الأعمال بالنيات- لا يُنافي الإخلاص فإن العمل إذا رُتِّب عليه الثواب في الدنيا، أو في الدنيا والآخرة، وجاءت الشريعة بذلك فإن قصده مع ابتغاء وجه الله جل وعلا والإخلاص له لا حَرَج فيهِ.

قال: ((ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)) : من ستر مسلماً: (مسلم) هُنا أيضاً تَعم جميع المسلمين، سواءً أكانوا مطيعين صالحين، أم كانوا فسقة، فإنَّ الستر على المسلم من فضائل الأعمال، بل جعلهُ طائفة من أهل العلم واجباً، فإنَّ المسلم الذي ليس له ولاية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب عليه أن يَسترَ أَخاهُ المسلم أو يتأكد عليه أن يستر، فإذا عَلِم منه معصية كتمها، وإذا عَلِم منه قَبيحاً كتمه، وسعى في مناصحته وتخليصه منه.

وأمَّا أهل الحسْبَة؛ أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنَّهُم يجوز لهم أن يعلموا هذا فيما بينهم، لكن لا يجوز لهم أن يتحدثوا بما قد يقترفه بعض المسلمين من الذنوب والآثام والقاذورات والمعاصي لأنَّ هذا أيضاً داخلٌ في عموم السَّتْر، ((من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والأخرة))، لكن الحاجة إلى تأْديبه قائمة، فهؤلاء لهم أن يتداولوا أمره بحسب الحاجة الشرعية.

وهذا ينبغي التنبيه عليه كثيراً فيمن يلي مثل هذه الأمور؛ في أنهم قد يتوسّعون في الحديث عن أهل العصيان وعن من يقبضون عليه ممن يرتكب جرماً أو يرتكب ذنباً أو معصية؛ لتأديبه رحمةً به فمثْلُ هؤلاء ينبغي لهم أن يكتموا القضايا التي يتداولونها فيما بينهم، وألا يذكروا شيئاً منها إلا لمحتاج إلى ذلك الحاجة الشرعية.

قال -عليه الصلاة والسلام-: ((والله في عون العبد ما كان العبد في عونِ أخيه)):
هذا فيه حث على أن يعين المرءُ أخاهُ بأعظم حثٍّ، حيث جَعل أن العبد إذا أعان أخاه فإنّ الله في عونه، فإذا كنت في حاجة أخيك كان الله في حاجتك، وإذا أعنت إخوانك المسلمين واحتجت إلى الإعانة فإن الله يعينك، وهذا من أعظم الفضل والثواب.

قال:((ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنَّة)): وهذا فيه الحثُّ والترغيب على سلوك طريق العلم والرَّغَب فيه، فأيُّ طريق من طُرق العلم سلكته فإنّ الله جل وعلا يسهل لك به طريقاً إلى الجنة، بشرط إخلاصك في طلب العلم؛ لأنَّ العلم بابٌ من أبواب الجنة، والجنَّةُ لا تصلح إلا لِمَن علم حقَّ الله -جل وعلا- فمن طَلبَ العلمَ ورغب فيه مخلصاً لله جل وعلا سهل الله له به طريقاً إلى الجنَّة.

قال: ((وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة..)) الحديث، قوله: (وما اجتمع قومٌ) استُدِل به على أنَّ هذا لا يُخص به قوم من قوم، فيصلُح أن يكون هؤلاء المجتمعون من العلماء، أو من طلبة العلم، أو من العامَّة، أو من العُبَّاد، أو من غيرهم، فالمساجد تصْلُح للاجتماع فيها لتلاوة كتاب الله ولتدارسه، فإذا اجتمع أي قومٍ؛ أي فئةٍ، لأجلِ تلاوةِ كتابِ الله وتدارسه فإنهم يتعرَّضُون لهذا الفضْل العظيم.

قال: ((وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله)) والمراد بذلك المسجد، والمسجد -بيتُ الله- إضافة تشريف للمسجد؛ لأنهُ بيتُ يُطْلبُ فيه رضا الله -جل جلاله.

قال: ((يتلون كتاب الله)) هذا حال أولئك؛ والمقصود بذلك أن يتلو واحدٌ منهم والبقية يسْمَعون كما كان عليه هدْي السَّلف؛ أمَّا التلاوة الجماعية فهي محدثة ولا تُقَرُّ، وإنما الذي كان عليه عمل الصحابة فمن بعدهم أنهم يجعلون قارئاً يقرأُ القرآن ثم يستمعُ البَقية، وقد يتناوبون القراءة فيما بينهم، ويتدارسون كلام الله -جل وعلا-.

قال: ((إلا نزلت عليهم السَّكينة)): والسَّكينة هذه هي الطمأْنينة والرَّوح والرَّحمة التي تكون من الله جل وعلا، (نزلت عليهم السكينة) نفهم من ذلك أنها من عند الله -جل وعلا- لأنَّه قال: (نزلت عليهم السكنية)، وهذا فيه تعظِيمٌ لها.

قال: ((وغشيتهم الرَّحمة)) وقوله غشيتهم الرحمة: أنَّ الرَّحمة صارت لهم غشاءً، يعني أنَّها اكتنفت هؤلاء من جميع جهاتهم، فلا يتسلطُ عليهم شيطان -يعني وهم على تلك الحال- بل الرحمة اكتنفتهم من جميع الجهات، فصارت عليهم كالغشاء، وهذا من فَضل الله -العَظِيم- عليهم، حيثُ تعرضوا للرحمة فصارت غشاءً عليهم لا ينفذُ إليهم غيرها.

قال: ((وحفتهم الملائكة)): وأيضا كلمة حفتهم الملائكة يعني: أحْدقت بهم بتراصٍّ، حيثُ لا ينفذ إليهم من الخارج، وهذا كما قال جل وعلا: {وترى الملائكة حافين من حوْل العرْش يُسبِّحون بحمد ربِّهم}، فَحفُّ الملائكة بالعرش أو بهؤلاء الذين يتلون يعني: أنهم أحدقوا بهم من جميع الجهات، وتراصوا بحيثُ كانوا حافين بهم وهذا يدل على أن هؤلاء تعرضوا لفضل عظيم، لا يتسلَّطُ عليهم وهم إذ ذاك شيطان، إلا ما كان من هوى أنفسهم والقرين.

قال: ((وذكرهم الله فيمن عنده)): والذِّكر هنا معناهُ الثناء، يعني: أثنى الله عليهم فيمن عندهُ، ومن عنده هم الملائكة المُقرَّبون، كما قال جل وعلا: {لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون} فالملائكة المقربون هم الذين عند الله -جل وعلا-:
{والذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون}.

وقال بعده: ((ومن بطأ به عمله لم يُسْرع به نسبُه)): فيه أنَّ التفاخر بالأنساب، والظن أنه لأجل النَّسب يكون المرءُ محبوباً عند الله -جل وعلا-، هذا جاءت الشريعةُ بإبطاله، والأمرُ على التقوى والعمل: {إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} فالتقوى هي مدارُ التفضيلُ ومدار التفاضل بين الناس.
-------------------------
العناصر
-------------------------
حديث أبي هريرة رضي الله عنه -مرفوعاً-:
(من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا...)
تخريج الحديث
موضوع الحديث
منزلة الحديث
المعنى الإجمالي للحديث
ذكر بعض الأحاديث في معنى هذا الحديث
شرح قوله صلى الله عليه وسلم:
(من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا...)
بيان معنى (الكربة)
بيان معنى (التنفيس)
ذكر بعض كربات يوم القيامة
ما قيل في سبب جعل ثواب (التنفيس)
في الحديث أخروي بخلاف (التيسير) و(الستر)
شرح قوله صلى الله عليه وسلم:
(ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)
تعريف (المعسر)
صور التيسير على المعسر
شرح قوله صلى الله عليه وسلم:
(ومن ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة)
فضل ستر عورات المسلمين
وعيد من كشف عورة أخيه المسلم
أقسام الناس في وجوب الستر عليهم
شرح قوله صلى الله عليه وسلم:
(والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)
معنى (العون)
ذكر بعض صور (العون)
فضل السعي في عون المسلم
فضل خدمة الإخوان ومن هم بحاجة إلى خدمة
هدي السلف في خدمة المحتاجين
هدي السلف في خدمة إخوانهم
ذم الاستخدام لغير حاجة
شرح قوله صلى الله عليه وسلم:
(ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً...)

معنيان لسلوك الطريق في طلب العلم:

أقسام العلم
الترغيب في طلب العلم
الترغيب في نشر العلم
واجب طالب العلم تجاه كتاب الله تعالى
واجب طالب العلم تجاه السنة النبوية
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)
ما قيل في معنى جواب الشرط
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (وما جلس قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله...)
دلالة الحديث على اسْتِحْبَابِ الجلوسِ في المساجدِ
استحباب الاجتماعِ لمُدَارسةِ القرآن
هدي الصحابة في القراءة بعد الفجر
حكم قراءة الجماعة للقرآن بصوت واحد
فضل حلق الذكر

في الحديث أربعة أنواع من الثواب لمدارسة كتاب الله تعالى في المساجد:

1- تَنَزُّلُ السَّكِينَةِ عليهم
2- غِشْيَانُ الرَّحمةِ لهم
3- حف الملائكة بهم
4- ذكر الله تعالى لهم فيمن عنده
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)
أهمية العمل
من فوائد حديث أبي هريرة رضي الله عنه
--------------------------------
الأسئلة
-------------------------------
س1: اذكر بعض الأحاديث الواردة في معنى هذا الحديث.
س2: ما فائدة التنكير في سياق الشرط؟
س3: اشرح باختصار قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا).
س4: ما حكمة جعل ثواب تنفيس الكرب أخروي بخلاف (التيسير) و (الستر)؟
س5: من هو المعسر لغة وشرعاً.
س6: اذكر بعض صور التيسير على المعسر.
س7: ما وعيد من كشف عورة الأخ المسلم.
س8: ما حكم الستر على من كان مشتهراً بالمعاصي معلناً لها؟
س9: تحدث بإيجاز عن فضائل ستر عورات المسلمين وعدم تتبعها.
س10: ما معنى كون الله في عون العبد، واذكر بعض صور هذا (العون).
س11: تحدث بإيجاز عن فضل خدمة الإخوان وإعانتهم على قضاء حوائجهم.
س12: هل الطريق الذي يلتمس فيه العلم حسي أو معنوي؟
س13: بين باختصار واجب طالب العلم تجاه كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.
س14: اذكر ما قيل في معنى جواب الشرط: (سهل الله له به طريقاً إلى الجنة).
س15: استدل من الحديث على استحباب الجلوس في المساجد لتلاوة القرآن وتدارسه.
س16: ما الفرق بين التلاوة والمدارسة؟
س17: ما حكم قراءة الجماعة للقرآن بصوت واحد؟
س18: ما هي المرغبات التي ذكرها الحديث لتالي كتاب الله في المسجد ودارسه؟
س19: اشرح باختصار قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).
س20: عدد بإيجاز بعض الفوائد من هذا الحديث.


شرح الحديث رقم (36) 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
شرح الحديث رقم (36)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مشكل علم مصطلح الحديث في العصر الحديث
» شرح الحديث رقم (41)
» الحديث رقم (16)
» الحديث رقم (32)
» شرح الحديث رقم (40)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـحــــديث الـنبــوي الـشـريف :: شروح الأربعون النووية :: شرح مجموعة من العلماء-
انتقل الى: