أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: شرح الحديث رقم (41) الأحد 26 يونيو 2011, 12:06 am | |
| 41- عَنْ أَبي مُحَمّدٍ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ رَضِي اللهُ عَنْهُما قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَواهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ)). حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ، رُوِّينَاهُ في كتابِ الْحُجَّةِ بإسنادٍ صحيحٍ. ------------------------------ شرح فضيلة الشيخ : محمد حياة السندي. ------------------------------ (1) التعريف براوي الحديث :
عبدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ العَاصِ بنِ وَائلٍ السَّهْمِيُّ القُرَشِيُّ، الزَّاهِدُ العَابِدُ المُكْثِرُ مِنَ الحديثِ، الجامِعُ بينَ العِلْمِ بالتَّوْرَاةِ والقُرْآنِ وغيرِهِما، وَأَحَدُ العَبَادِلَةِ الفُقَهَاءِ، مَاتَ بِمِصْرَ، وَقِيلَ: بِمَكَّةَ، وقيلَ: بالطَّائِفِ، وقيلَ: بِفِلَسْطِينَ، وَرَجَّحَ ابنُ حَجَرٍ أَنَّهُ مَاتَ بالطَّائِفِ في ذِي الحِجَّةِ لَيَالِي الحَرَّةِ عَلى الأَصَحِّ عَنِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ سَنَةً.
الشرح: عَنْ أبي مُحَمَّدٍ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ))، يَا أَيُّهَا المُكَلَّفُونَ بالإِيمَانِ ((حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ)) مِنَ اللهِ تَعَالى.
وهذا يكونُ على ثلاثِ مَرَاتِبَ:
(الأُولَى): أَنْ يَعْتَقِدَ المُكلَّفُ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَقٌّ وَخَيْرٌ مَحْضٌ، وَهَذِهِ مَرْتَبَةٌ لاَ يَصِحُّ الإيمانُ إلاَّ بِهَا، ولكِنْ لا يَحْفَظُ نَفْسَهُ عَن التَّقْصِيرِ في الطَّاعَةِ، والوقوعِ في المَعْصِيَةِ، وهذَا حَالُ غَالِبِ أَهْلِ الإيمانِ.
(والثَّانيةُ): أَنْ يَعْتَقِدَ مَا تَقَدَّمَ، وَيَحْفَظَ نَفْسَهُ عَنِ المُخَالَفَةِ، مَعَ مُنَازَعَتِهَا إليهَا، وأهلُ هذهِ المَرْتَبَةِ قَلِيلٌ.
(الثَّالثةُ): أَنْ يَعْتَقِدَ مَا مَرَّ، وَتَصْبِرَ نَفْسُهُ مطاوَعَةً لِمَا جَاءَ بهِ، غيرَ نَازِعَةٍ إلى الخلافِ، ولا تَجِدَ حَرَجًا ولا ثِقَلاً مِمَّا جَاءَ بهِ، على خلافِ هَواهَا، بَلْ يَصِيرُ هَوَاهَا مُوَافِقًا لِمَا جاءَ بِهِ، ومَثلُ هذَا أَعَزُّ مِنَ الكِبْرِيتِ الأحمرِ.
وهذا هُوَ المُحَمَّدِيُّ الذي إذا ثَبَتَ عِنْدَهُ قولُ حَبِيبِهِ أَوْ فِعْلُهُ المُحْكَمَانِ انْشَرَحَ بهمَا صَدْرُهُ، وَأَخَذَ بهمَا بِأَعْظَمِ الرِّضَا والسرورِ، واخْتَلَطَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ وَقَالبِهِ، فلَوِ اجْتَمَعَ مَنْ بَيْنَ أقطارِ الأرضِ عَلى أَنْ يَصُدُّوهُ عَنْ قولِ مَحْبُوبِهِ وَفِعْلِهِ لَمَا تَرَكَهُمَا، ولمْ يُبَالِ بِخِلاَفِ أَحدٍ كَائِنًا مَنْ كانَ.
آهٍ أَينَ هؤلاءِ المُحَمَّدِيُّونَ في زَمَانِنَا هذَا؟!!
(حديثٌ صحيحٌ، رُوِّينَاهُ) عَلى بِنَاءِ المفعولِ، (في كتابِ الحُجَّةِ في اتِّبَاعِ المَحَجَّةِ في عَقِيدَةِ أَهلِ السُّنَّة)ِ، تَأْلِيفُ أَبي القَاسِمِ إِسْمَاعِيلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ فَضْلٍ، التَّيْمِيِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى (بإسنادٍ صحيحٍ).
-------------------------------- المنن الربانية لفضيلة الشيخ : سعد بن سعيد الحجري ---------------------------------
الحديثُ الحادِي والأربعونَ
عنْ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعاً لِمَا جِئْتُ بِهِ))، حديثٌ ضعيفٌ.
موضوعُ الحديثِ: العملُ بالسُّنَّةِ.
المفرداتُ:
(1) ((لا يُؤْمِنُ)): (لا) نافيَةٌ، وَالمرادُ نفيُ الإِيمانِ الحقيقيِّ وَالإِيمانِ الصادقِ؛ أيْ: لا يَتَحَقَّقُ الإِيمانُ.
(2) ((أَحَدُكُمْ)): أيْ أحدُ أُمَّةِ الإِجابةِ، فهوَ خطابٌ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بالخِطَابِ، وَتذكيرٌ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بالتذكيرِ.
((هَوَاهُ)): هُوَ ما تَهْوَاهُ النفسُ وَتَمِيلُ لهُ.
والهَوَى بغيرِ الشرعِ مَذْمُومٌ؛ لأنَّ الميزانَ يَخِفُّ بهِ، وَيَهْوِي بالإِنسانِ على الهاويَةِ، وَيَضِلُّ بهِ عَنْ سبيلِ اللهِ، وَيَتَّبِعُ الشيطانَ، وَهوَ الذي يَسُدُّ منافذَ الخيرِ، وَيَفْتَحُ منافذَ الشرِّ، وَعواقبُهُ وَخِيمةٌ.
وَقدْ حَذَّرَ اللهُ مِن اتِّبَاعِ الهوَى، وَيقولُ تَعَالَى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ} [ص:26].
وَبَيَّنَ تَعَالَى عَوَاقِبَهُ فَقَالَ: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}[الجاثيَة:23].
وَرَفَعَ مكانةَ مَنْ خَالَفَ هواهُ وَجعلَ مَصِيرَهُ الجنَّةَ، قَالَ تَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40،41].
(3) ((لِمَا جِئْتُ بِهِ)): أيْ ما أُرْسِلْتُ بهِ مِن القرآنِ وَالسُّنَّةِ، فهما المَرْجِعُ وَإِليهما الاحْتِكَامُ؛ لأنَّهُما مَصْدَرَا الشريعةِ؛ لأنَّهُما شَمِلا الدينَ وَشَمِلا مصالحَ العبادِ.
قَالَ تَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65]. وَيقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كُلُّكُمْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ أَبَى))، قَالُوا: وَمَنْ يَأْبَى دُخُولَ الجنَّةِ؟ قَالَ: ((مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فقدْ أَبَى)).
الفوائدُ:
1- وُجُوبُ تحقيقِ الإِيمانِ. 2- وجوبُ الاحْتِكَامِ إِلى الكتابِ وَالسُّنَّةِ. 3- التحذيرُ مِن اتِّبَاعِ الهَوَى. 4- الإِيمانُ برسالةِ الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 5- الانْقِيَادُ وَالاسْتِسْلامُ للهِ تَعَالَى. 6- الدينُ بالتَّقْوَى لا بالهَوَى. 7- كمالُ الشريعةِ. 8- الردُّ على أهلِ البِدَعِ. 9- نَسْخُ جميعِ الأديانِ السابقةِ بدينِ الإِسلامِ. 10- السُّنَّةُ مَصْدَرٌ مِنْ مصادرِ الشريعةِ.
------------------------------ شرح فضيلة الشيخ : ناضم سلطان المسباح -------------------------------
(1) هذا الحديثُ ضعيفٌ لا يَصِحُّ، وإليكَ كلامَ الألبانيِّ عليهِ، وكلامَ الحافظِ ابنِ رجبٍ الحنبليِّ.
قالَ الألبانيُّ في (الْمِشْكَاةِ) :
هذا وَهْمٌ، فالسَّندُ ضعيفٌ فيهِ نعيمُ بنُ حمَّادٍ وهو ضعيفٌ، وأعلَّهُ الحافظُ ابنُ رجبٍ بغيرِ هذه العلَّةِ متعقِّبًا علَى النَّوويِّ تصحيحَهُ إيَّاهُ، فانظرْ كتابَهُ (جامعُ العلومِ والحكمِ).
ثم إنَّ عزوَهُ إلَى المذكورينَ يُوهِمُ أنَّهُ لم يخرِّجْهُ مَن هو أعلَى طبقةً منهُمَا، وليسَ كذلك، فقدْ أخرجَهُ الحسنُ بنُ سفيانَ في (الأربعين) له (ق65|1)، وهو مِن الآخذينَ عن أحمدَ وابنِ مَعِينٍ (تُوُفِّيَ 303)، ورواهُ القاسمُ ابنُ عساكِرَ في (أربعينَهُ) وقالَ: (حديثٌ غريبٌ).
وقالَ الحافظُ ابنُ رجبٍ: (تصحيحُ هذا الحديثِ بعيدٌ جدًّا مِن وجوهٍ: منها: أنَّهُ حديثٌ ينفردُ به نعيمُ بنُ حَمَّادٍ الْمَرْوَزِيُّ، ونعيمٌ هذا - وإن كانَ وَثَّقَهُ جماعةٌ مِن الأئمَّةِ، وخرَّجَ له البخاريُّ - فإنَّ أئمَّةَ الحديثِ كانوا يُحْسِنُونَ به الظَّنَّ لصلابتِهِ في السُّنَّةِ، وتشدُّدِهِ في الردِّ علَى أهلِ الأهواءِ، وكانوا يَنسبونَهُ إلَى أنَّهُ يُتَّهَمُ ويشتَبِهُ عليهِ في بعضِ الأحاديثِ، فلمَّا كثُرَ عثورُهُم علَى مَناكيرِهِ حَكَمُوا عليهِ بالضَّعْفِ، فروَى صالحُ بنُ محمَّدٍ الحافظُ عن ابنِ مَعِينٍ أنَّهُ سُئلَ عنه فقالَ: ليسَ بشيءٍ، إنَّما هو صاحبُ سُنَّةٍ، قالَ صالحٌ: وكانَ يُحَدِّثُ مِن حفظِهِ، وعندَهُ مناكيرُ كثيرةٌ لا يُتَّبَعُ عليها).
وقالَ أبو داودَ: (عندَ نُعيمٍ نحوُ عشرينَ حديثًا عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليسَ لَهَا أصلٌ). وقالَ النَّسَائِيُّ: (ضعيفٌ). وقالَ مَرَّةً: (ليسَ بثِقةٍ). وقالَ مرَّةً: (قد كَثُرَ تَفرُّدُهُ علَى الأئمَّةِ المعروفينَ في أحاديثَ كثيرةٍ، فصارَ في حدِّ مَن لا يُحْتَجُّ بهِ). وقالَ أبو زُرعةَ الدِّمشقيُّ: (يصلُ أحاديثَ يوقِفُهَا النَّاسُ، يعني أنَّهُ يرفعُ الموقوفاتِ).
وقالَ أبو عَروبةَ الخوافيُّ: (هو مُظْلِمُ الأمرِ). وقالَ أبو سعيدِ بنُ يونسَ: (روَى أحاديثَ مناكيرَ عن الثِّقاتِ، ونسبَهُ آخرونُ إلَى أنَّهُ كانَ يضعُ الحديثَ، وأينَ كانَ أصحابُ عبدِ الوهَّابِ الثَّقفيِّ وأصحابُ ابنِ سيرينَ عن هذا الحديثِ حتَّى يَنفردَ به نعيمٌ؟). ومنها: أنَّهُ قد اخْتُلِفَ علَى نعيمٍ في إسنادِهِ، فرُوِيَ عنه، عن الثَّقفِيِّ، عن هِشامٍ.
ورُوِيَ عنه، عن الثَّقفيِّ: حدَّثَنَا بعضُ مَشيخَتِنَا، حدَّثَنا هشامٌ أو غيرُهُ، وعلَى هذه الرِّوايَةِ يكونُ الشَّيخُ الثَّقفيُّ غيرَ معروفٍ عنهُ.
ورُوِيَ عن الثَّقفيِّ: حدَّثَنا بعضُ مَشيختِنَا، حدَّثَنا هشامٌ أو غيرُهُ، فعلَى هذه الرِّوايَةِ. فالثَّقفيُّ رواهُ عن شيخٍ مجهولٍ، وشيخُهُ رواهُ عن غيرِ معيَّنٍ، فتزدادُ الجهالةُ في إسنادِهِ.
ومنها: أنَّ في إسنادِهِ عقبةَ بنَ أوسٍ السَّدوسِيَّ البصريَّ، ويُقالُ فيهِ يعقوبُ بنُ أوسٍ أيضًا.
وقد خرَّجَ له أبو داودَ والنَّسائيُّ وابنُ ماجهْ حَديثًا عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو، ويُقالُ: عبدُ اللهِ بنُ عمرَ، وقد اضطربَ في إسنادِهِ، وقد وثَّقَهُ العِجْلِيُّ، وابنُ سعدٍ، وابنُ حِبَّانَ.
وقالَ ابنُ خُزيمةَ: (روَى عنه ابنُ سيرينَ مع جَلالتِهِ).
وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ: (هو مجهولٌ). وقالَ الغَلابيُّ في (تاريخِهِ): يزعمُونَ أنَّهُ لم يسمعْ مِن عبدِ اللهِ بنِ عمرو، وإنَّما يقولُ: قالَ عبدُ اللهِ بنُ عمرَ. فعلَى هذا تكونُ رواياتُهُ عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو منقطِعةً، واللهُ أعلمُ.
------------------------------------- جامع العلوم والحكم للحافظ: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي ---------------------------------------
(1) يُرِيدُ بِصَاحِبِ كِتَابِ (الحُجَّةِ) الشيخَ أبا الفتحِ نصرَ بنَ إبراهيمَ المَقْدِسِيَّ الشَّافِعِيَّ الفَقِيهَ الزاهدَ نزيلَ دِمَشْقَ.
وَكِتَابُهُ هذا هوَ كتابُ (الحُجَّةُ عَلَى تَارِكِ الْمَحَجَّةِ)، يَتَضَمَّنُ ذِكْرَ أُصُولِ الدينِ على قواعدِ أهلِ الحديثِ والسُّنَّةِ. وقدْ خَرَّجَ هذا الحديثَ الحافظُ أبو نُعَيْمٍ في كتابِ (الأَرْبَعِينَ)، وَشَرَطَ في أوَّلِهَا أنْ تَكُونَ منْ صِحَاحِ الأخبارِ وجِيَادِ الآثارِ مِمَّا أَجْمَعَ النَّاقِلُونَ على عَدَالَةِ نَاقِلِيهِ.
وَخَرَّجَتْهُ الأَئِمَّةُ في مَسَانِيدِهِمْ.
ثمَّ خَرَّجَهُ عن الطَّبَرَانِيِّ: حَدَّثَنَا أبو زَيْدٍ عبدُ الرحمنِ بنُ حَاتِمٍ المُرَادِيُّ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عنْ هشامِ بنِ حَسَّانَ، عنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ، عنْ عُقبةَ بنِ أَوْسٍ، عنْ عبدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ لا يَزِيغُ عَنْهُ)). وَرَوَاهُ الحَافِظُ أبو بَكْرِ بنُ عَاصِمٍ الأَصْبَهَانِيُّ عن ابنِ وَارَةَ، عنْ نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا عبدُ الوهَّابِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا بعضُ مَشْيَخَتِنَا هِشَامٌ أوْ غَيْرُهُ، عن ابنِ سِيرِينَ، فَذَكَرَهُ.
وليسَ عِنْدَهُ: ((لا يَزِيغُ عَنْهُ)). قالَ الحافظُ أبو موسَى المَدِينِيُّ: هذا الحديثُ مُخْتَلَفٌ فيهِ على نُعَيْمٍ، وقيلَ فيهِ: حَدَّثَنَا بَعْضُ مَشْيَخَتِنَا، حَدَّثَنَا هشامٌ أوْ غيرُهُ.
قُلْتُ: تَصْحِيحُ هذا الحديثِ بَعِيدٌ جِدًّا مِنْ وُجُوهٍ؛ منها: أنَّهُ حَدِيثٌ يَتَفَرَّدُ بهِ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ المَرْوَزِيُّ، وَنُعَيْمٌ هذا وإنْ كانَ وَثَّقَهُ جماعةٌ مِن الأَئِمَّةِ، وَخَرَّجَ لهُ البُخَارِيُّ؛ فَإِنَّ أَئِمَّةَ الحَدِيثِ كَانُوا يُحْسِنُونَ بهِ الظَّنَّ، لِصَلابَتِهِ في السُّنَّةِ، وَتَشَدُّدِهِ في الرَّدِّ على أهلِ الأهواءِ، وكانُوا يَنْسِبُونَهُ إلى أنَّهُ يَهِمُ وَيُشَبَّهُ عليهِ في بعضِ الأحاديثِ، فَلَمَّا كَثُرَ عُثُورُهُم على مَنَاكِيرِهِ حَكَمُوا عليهِ بالضَّعْفِ.
فَرَوَى صالحُ بنُ محمَّدٍ الحافظُ عن ابنِ مَعِينٍ أنَّهُ سُئِلَ عنهُ، فقالَ: ليسَ بشَيْءٍ، ولكنَّهُ صَاحِبُ سُنَّةٍ. قالَ صالحٌ: (وكانَ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ، وعندَهُ مَنَاكِيرُ كَثِيرَةٌ لا يُتَابَعُ عليها).
وقالَ أبو داودَ: (عندَ نُعَيْمٍ نَحْوُ عشرينَ حَدِيثًا عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليسَ لها أصْلٌ).
وقالَ النَّسَائِيُّ: (ضَعِيفٌ، وقالَ مَرَّةً: ليسَ بِثِقَةٍ، وقالَ مَرَّةً: قَدْ كَثُرَ تَفَرُّدُهُ عن الأَئِمَّةِ المَعْرُوفِينَ في أحاديثَ كثيرةٍ، فَصَارَ في حدِّ مَنْ لا يُحْتَجُّ بِهِ).
وقالَ أبو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: (يَصِلُ أحاديثَ يُوقِفُهَا النَّاسُ، يَعْنِي أنَّهُ يَرْفَعُ المَوْقُوفَاتِ). وقالَ أبو عَرُوبَةَ الحَرَّانِيُّ: (هوَ مُظْلِمُ الأمْرِ).
وقالَ أبو سعيدِ بنُ يُونُسَ: (رَوَى أحاديثَ مَنَاكِيرَ عن الثقاتِ، وَنَسَبَهُ آخَرُونَ إلى أنَّهُ كَانَ يَضَعُ الحَدِيثَ).
وأينَ كانَ أَصْحَابُ عبدِ الوهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وأصحابُ هشامِ بنِ حَسَّانَ، وأصحابُ ابنِ سِيرِينَ عنْ هذا الحديثِ حتَّى يَتَفَرَّدَ بهِ نُعَيْمٌ؟! ومنها: أنَّهُ قد اخْتُلِفَ على نُعَيْمٍ في إسنادِهِ، فَرُوِيَ عنهُ عن الثَّقَفِيِّ عنْ هشامٍ.
وَرُوِيَ عنهُ عن الثَّقَفِيِّ، حَدَّثَنَا بَعْضُ مَشْيَخَتِنَا هِشَامٌ أوْ غيرُهُ. وَعَلَى هذهِ الروايَةِ فيكونُ شَيْخُ الثَّقَفِيِّ غَيْرَ مَعْرُوفٍ عَيْنُهُ.
وَرُوِيَ عنهُ عن الثَّقَفِيِّ، حَدَّثَنَا بَعْضُ مَشْيَخَتِنَا، حَدَّثَنَا هشامٌ أوْ غيرُهُ.
فَعَلَى هذهِ الروايَةِ، فالثَّقَفِيُّ رَوَاهُ عنْ شَيْخٍ مجهولٍ، وَشَيْخُهُ رَوَاهُ عنْ غيرِ مُعَيَّنٍ، فَتَزْدَادُ الجَهَالَةُ في إسنادِهِ. ومنها: أنَّ فِي إِسْنَادِهِ عُقْبَةَ بنَ أَوْسٍ السَّدُوسِيَّ البَصْرِيَّ، وَيُقَالُ فيهِ: يَعْقُوبُ بنُ أَوْسٍ أَيْضًا.
وقدْ خَرَّجَ لهُ أبو داودَ والنَّسَائِيُّ وابنُ مَاجَهْ حَدِيثًا عَنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو، وَيُقَالُ: عبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ. وقد اضْطَرَبَ في إسنادِهِ.
وَقَدْ وَثَّقَهُ العِجْلِيُّ، وابنُ سَعْدٍ، وابنُ حِبَّانَ.
وقالَ ابنُ خُزَيْمَةَ: (رَوَى عنهُ ابنُ سِيرِينَ معَ جَلالتِهِ). وقالَ ابنُ عبدِ البَرِّ: (هوَ مَجْهُولٌ). وقالَ الغَلابِيُّ في (تاريخِهِ): (يَزْعُمُونَ أنَّهُ لمْ يَسْمَعْ منْ عبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو، وإنَّمَا يَقُولُ: قالَ عبدُ اللَّهِ بنُ عَمْرٍو).
فَعَلَى هذا تكونُ رِوَايَاتُهُ عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو مُنْقَطِعَةً، واللَّهُ أَعْلَمُ. وأمَّا مَعْنَى الحديثِ ، فهوَ أنَّ الإِنسانَ لا يَكُونُ مُؤْمِنًا كَامِلَ الإيمانِ الواجبِ حتَّى تكونَ مَحَبَّتُهُ تَابِعَةً لِمَا جَاءَ بهِ الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأوامرِ والنَّوَاهِي وَغَيْرِهَا، فَيُحِبُّ ما أَمَرَ بهِ، ويَكْرَهُ ما نَهَى عنهُ.
وقدْ وَرَدَ القرآنُ بِمِثْلِ هذا في غيرِ موضعٍ، قالَ تَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]. وقالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36].
وَذَمَّ سُبْحَانَهُ مَنْ كَرِهَ ما أَحَبَّهُ اللَّهُ، أوْ أَحَبَّ ما كَرِهَهُ اللَّهُ، قالَ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}[مُحَمَّد: 9].
وقالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [مُحَمَّد:28].
فالواجبُ على كلِّ مؤمنٍ:
- أنْ يُحِبَّ ما أَحَبَّهُ اللَّهُ مَحَبَّةً تُوجِبُ لهُ الإتيانَ بما وَجَبَ عليهِ مِنْهُ، فَإِنْ زَادَت المَحَبَّةُ حتَّى أَتَى بما نُدِبَ إليهِ منهُ كانَ ذلكَ فَضْلاً.
- وأنْ يَكْرَهَ مَا كَرِهَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَرَاهَةً تُوجِبُ لهُ الكَفَّ عَمَّا حَرَّمَ عليهِ مِنْهُ، فَإِنْ زَادَت الكَرَاهَةُ حتَّى أَوْجَبَت الكَفَّ عَمَّا كَرِهَهُ تَنْزِيهًا كانَ ذلكَ فَضْلاً.
وَقَدْ ثَبَتَ في (الصَّحِيحَيْنِ) عنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنَّهُ قالَ: ((لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَأَهْلِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)).
فلا يكونُ المؤمنُ مُؤْمِنًا حتَّى يُقَدِّمَ مَحَبَّةَ الرسولِ على مَحَبَّةِ جميعِ الخلقِ، ومَحَبَّةُ الرسولِ تابِعَةٌ لمَحَبَّةِ مُرْسِلِهِ.
والمَحَبَّةُ الصحيحةُ تَقْتَضِي: المتابعَةَ والمُوَافَقَةَ في حُبِّ المَحْبُوبَاتِ وبُغْضِ المَكْرُوهَاتِ، قَالَ عزَّ وَجَلَّ: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [التَّوْبَة:24].
وقالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمرانَ:31]. قالَ الحسنُ: (قالَ أصحَابُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا رسولَ اللَّهِ، إِنَّا نُحِبُّ رَبَّنَا حُبًّا شَدِيدًا فَأَحَبَّ اللَّهُ أنْ يَجْعَلَ لِحُبِّهِ عَلَمًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هذهِ الآيَةَ).
وفي (الصَّحِيحَيْنِ): عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ)).
فَمَنْ أَحَبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مَحَبَّةً صادقةً منْ قَلْبِهِ أَوْجَبَ لهُ ذلكَ أنْ يُحِبَّ بِقَلْبِهِ ما يُحِبُّهُ اللَّهُ ورسولُهُ، وَيَكْرَهَ ما يَكْرَهُهُ اللَّهُ ورسولُهُ، وَيَرْضَى بما يُرْضِي اللَّهَ ورسولَهُ، وَيَسْخَطَ ما يَسْخَطُهُ اللَّهُ ورسولُهُ، وأنْ يَعْمَلَ بجوارحِهِ بِمُقْتَضَى هذا الحبِّ والبُغْضِ.
فإنْ عَمِلَ بِجَوَارِحِهِ شَيْئًا يُخَالِفُ ذلكَ، فإن ارْتَكَبَ بَعْضَ مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ ورسولُهُ، أوْ تَرَكَ بعضَ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ ورسولُهُ معَ وُجُوبِهِ والقُدْرَةِ عليهِ، دَلَّ ذلكَ على نَقْصِ مَحَبَّتِهِ الواجبةِ، فَعَلَيْهِ أنْ يَتُوبَ منْ ذلكَ وَيَرْجِعَ إلى تَكْمِيلِ المَحَبَّةِ الواجِبَةِ.
قالَ أبو يعقوبَ النَّهْرُجُورِيُّ: (كُلُّ مَن ادَّعَى مَحَبَّةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ولمْ يُوَافِق اللَّهَ في أمْرِهِ، فَدَعْوَاهُ باطلةٌ).
وَكُلُّ مُحِبٍّ لَيْسَ يخَافُ اللَّهَ فهوَ مَغْرُورٌ. وقالَ يَحْيَى بنُ مُعَاذٍ: (ليسَ بِصَادِقٍ مَن ادَّعَى مَحَبَّةَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ ولمْ يَحْفَظْ حُدُودَهُ). وَسُئِلَ رُوَيْمٌ عن المَحَبَّةِ، فقالَ: (المُوَافَقَةُ في جميعِ الأحوالِ). وَأَنْشَدَ:
ولوْ قُلْتَ لي: مُتْ، مُتُّ سَمْعًا وَطَاعَةً وَقُلْتُ لِدَاعِي الْمَوْتِ أَهْلًا وَمَرْحَبَا
ولبعضِ المُتَقَدِّمِينَ:
تَعْصِي الإِلَهَ وَأَنْتَ تَزْعُمُ حُبَّهُ هَذَا لَعَمْرِي فِي الْقِيَاسِ شَنِيعُ لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقًا لأَطعته إِنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ
فَجَمِيعُ المَعَاصِي تَنْشَأُ مِنْ تَقْدِيمِ هَوَى النُّفُوسِ على مَحَبَّةِ اللَّهِ ورسولِهِ.
وقدْ وَصَفَ اللَّهُ المُشْرِكِينَ بِاتَّبَاعِ الهَوَى في مواضعَ منْ كتابِهِ، وقالَ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتبَّعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القَصَص:50].
وكذلكَ البِدَعُ، إنَّمَا تَنْشَأُ منْ تَقْدِيمِ الهَوَى على الشَّرعِ؛ ولهذا يُسَمَّى أَهْلُهَا أَهْلَ الأَهْوَاءِ. وكذلكَ المَعَاصِي، إنَّما تَقَعُ منْ تقديمِ الهَوَى على مَحَبَّةِ اللَّهِ وَمَحَبَّةِ مَا يُحِبُّهُ. وكذلكَ حُبُّ الأشخاصِ، الواجبُ فيهِ أنْ يكونَ تَبَعًا لِمَا جَاءَ بهِ الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَيَجِبُ على المُؤْمِنِ مَحَبَّةُ اللَّهِ وَمَحَبَّةُ مَنْ يُحِبُّهُ اللَّهُ من الملائكةِ والرُّسُلِ والأنبياءِ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ والصالحينَ عُمُومًا؛ ولِهَذَا كانَ مِنْ عَلامَاتِ وُجُودِ حلاوةِ الإيمانِ أنْ يُحِبَّ المرءَ لا يُحِبُّهُ إلا للَّهِ، وَيُحَرِّمَ مُوَالاةَ أعداءِ اللَّهِ ومَنْ يَكْرَهُهُ اللَّهُ عُمُومًا، وقدْ سَبَقَ ذلكَ في مَوْضِعٍ آخَرَ، وبهذا يكونُ الدِّينُ كُلُّهُ للَّهِ، و((مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ)).
ومنْ كانَ حُبُّهُ وَبُغْضُهُ وَعَطَاؤُهُ وَمَنْعُهُ لِهَوَى نَفْسِهِ، كانَ ذلكَ نَقْصًا فِي إِيمَانِهِ الواجبِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّوبةُ منْ ذلكَ، والرُّجوعُ إلى اتِّبَاعِ ما جاءَ بهِ الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منْ تَقْدِيمِ مَحَبَّةِ اللَّهِ ورسولِهِ وما فيهِ رِضَا اللَّهِ ورسولِهِ على هَوَى النُّفُوسِ وَمُرَادَاتِهَا كُلِّهَا.
قالَ وُهَيْبُ بنُ الوَرْدِ: (بَلَغَنَا -واللَّهُ أَعْلَمُ- أنَّ مُوسَى عليهِ السلامُ قالَ: يا رَبِّ أَوْصِنِي؟ قالَ: أُوصِيكَ بِي، قَالَهَا ثَلاثًا، حتَّى قالَ في الآخِرَةِ: أُوصِيكَ بِي أنْ لا يَعْرِضَ لكَ أَمْرٌ إلا آثَرْتَ فيهِ مَحَبَّتِي على مَا سِوَاهَا، فَمَنْ لمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَمْ أُزَكِّهِ وَلَمْ أَرْحَمْهُ).
والمعروفُ في استعمالِ الهَوَى عندَ الإِطلاقِ: أنَّهُ المَيْلُ إلى خلافِ الحقِّ. كَمَا في قولِهِ عزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26].
وقالَ: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النَّازِعَات:40،41]. وقدْ يُطْلَقُ الْهَوَى بِمَعْنَى المَحَبَّةِ والمَيْلِ مُطْلَقًا، فَيَدْخُلُ فيهِ المَيْلُ إلى الحقِّ وغيْرِهِ.
وَرُبَّمَا اسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى مَحَبَّةِ الحقِّ خاصَّةً وَالانْقِيَادِ إليهِ. وسُئِلَ صَفْوَانُ بنُ عَسَّالٍ: (هلْ سَمِعْتَ من النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْهَوَى؟ فَقَالَ: سَأَلَهُ أَعْرَابِيٌّ عن الرَّجُلِ يُحِبُّ القَوْمَ وَلَمْ يَلْحَقْ بِهم، فقالَ: ((الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ))). وَلَمَّا نَزَلَ قولُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب:51]، قَالَتْ عَائِشَةُ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا أَرَى رَبَّكَ إِلا يُسَارِعُ في هَوَاكَ).
وقالَ عُمَرُ في قِصَّةِ المُشَاوَرَةِ في أُسَارَى بَدْرٍ: فَهَوِيَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قالَ أبو بكرٍ، ولمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ. وهذا الحديثُ مِمَّا جَاءَ اسْتِعْمَالُ الهَوَى فيهِ بِمَعْنَى المَحَبَّةِ المحمودةِ.
وقدْ وَقَعَ مِثْلُ ذلكَ في الآثارِ الإسْرَائِيلِيَّةِ كَثِيرًا. وَكَلامُ مَشَايِخِ القومِ وَإِشَارَاتُهُم نَظْمًا وَنَثْرًا يَكْثُرُ فيها هذا الاستعمالُ. وَمِمَّا يُنَاسِبُ مَعْنَى الحَدِيثِ مِنْ ذلكَ قَوْلُ بَعْضِهِم:
إِنَّ هوَاكَ الَّذي بِقَلْبِي صَيَّرَنِي سَامِعاً مُطِيعَا أَخَذْتَ قَلْبِي وَغَمْضَ عَيْنِي سَلَبْتَني النَّوْمَ وَالْهُجُوعَا فـَذَر ْفُؤَادِي وَخُذْ رُقَادِي فَقَالَ:لَا، بَلْ هُمَا جَمِيعَا
--------------------------- شرح معالي الشيخ : صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ (مفرغ) ---------------------------
القارئ:
وعن أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواهُ تبعاً لما جئتُ به)) حديث حسن صحيح روِّيناه في (كتاب الحجة) بإسناد صحيح.
الشيخ:
هذا الحديث حديث مشهور؛ وذلك لكونه في كتاب التوحيد.
قال عليه الصلاة والسلام:((لايؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به))وهذا حديث حسن كما حسنه -هنا- النووي بل قال: حديث حسنٌ صحيح، وسببُ تحسينه أنهُ في معنى الآية وهي قوله -جل وعلا-: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممَّا قَضيت ويُسلِّموا تسليماً} وتحسين الحديث لمجيء آية فيها معناه؛ مذهب كثير من المتقدمين من أهل العلم كابن جرير الطبري وجماعة من حُذَّاق الأئمة والمحدثين.
قوله هنا: ((لايؤمن أحدُكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)) يعني الإيمان الكامل لا يكون حتى يكون هوى المرء ورغبة المرء تبعاً لما جاء به المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يعني: أن يجعل مراد الرسول -صلى الله عليه وسلم- مَقدَّماً على مُرادهِ وأن يكون شرع النبي -صلى الله عليه وسلم- مقدَّماً على هواه وهكذا، فإذا تعارض رَغَبُهُ وما جاءت به السُنة؛ فإنه يُقدّم ما جاءت به السنَّة، وهذا جاء بيانُه في آيات كثيرة، وفي أحاديث -أيضاً- كثيرة؛ كقول الله -جل وعلا-: {قُلْ إن كان آباؤكم وأبناؤكم…} الآية؛ من سورة براءة إلى أن قال: {أحب إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربَّصوا حتى يأتي الله بأمرهِ}، فالواجب أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه ممَّا سِواهُما، وإذا كان كذلك فسيكون هوى المرء تبعاً لما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم. |
|