منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 شرح الحديث رقم (37)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48361
العمر : 71

شرح الحديث رقم (37) Empty
مُساهمةموضوع: شرح الحديث رقم (37)   شرح الحديث رقم (37) Emptyالسبت 02 يوليو 2011, 2:03 am

ح37: حديث ابن عباس:
(إن الله كتب الحسنات والسيئات...) خ م

شرح الحديث رقم (37) Dhq3hz13

------------------------
37- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُما، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيما يَرْويهِ عَنْ ربِّهِ تَبَارَكَ وتَعالى قالَ: ((إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ؛ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً)). رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحيهما بهذهِ الحروفِ.
---------------------------
شرح فضيلة الشيخ : محمد حياة السندي
--------------------------
الشرح :

(عَن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، عَنْ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمَا يَرْويهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ) مِنَ الأَحَاديثِ القُدُسِيَّةِ، قَالَ: ((إِنَّ اللهَ)) الْعَلِيمَ ((كَتَبَ الحَسَنَاتِ والسَّيِّئَاتِ)) قَرَّرَهُمَا وَقَدَّرَهُمَا، وَقَرَّرَ جَزَاءَهُمَا ((ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ)) الذي كَتَبَهُ ((فَمَنْ هَمَّ بِحَسنَةٍ)) هَمًّا جَازِمًا صَادِقًا ((فَلَمْ يَعْمَلْهَا)) بِعُذْرٍ مِنَ الأعذَارِ ((كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ حَسَنةً كامِلةً)) مِنْ غيرِ مُضَاعَفَةٍ؛ لأنَّ الجَزْمَ على الخيرِ طاعةٌ قَلْبِيَّةٌ، وَكَأَنَّ هذَا مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}.

وقولُهُ: ((عِندَهُ)) إشارةٌ إلى الاعتناءِ بِهَا، وَقَوْلُهُ:((كَامِلَةً)) للتوكيدِ وَشِدَّةِ الاعْتِنَاءِ.
((وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا)) كَتَبَهَا اللهُ((عِنْدَهُ)) اعْتِنَاءً بِصَاحِبِهَا وَتَشْرِيفًا لَهُ ((عَشْرَ حَسَناتٍ إلى سَبْعِمائةِ ضِعْفٍ، إلى أَضْعافٍ كَثيرةٍ)) كَمَا نَصَّ على ذلكَ في القرآنِ.

((وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ، فَلَمْ يَعْمَلْهَا)) خَوْفًا وَحَيَاءً مِنَ اللهِ تَعَالَى، مَعَ القُدْرَةِ عَلَيْهَا، ((كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً)) أَكَّدَ بِـ (كامِلَةً) دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ السيِّئَةَ كَيْفَ تُكْتَبُ حَسَنةً، ثمَّ إنَّ السيِّئَةَ تَرْكُهَا مِنْ خَوفِ اللهِ لا قَصْدُهَا. ((وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً)) مِنْ غيرِ زيادةٍ.

فمَا أَكْرَمَ هذَا الكريمَ، يُجَازِي عَلى الحَسَنَةِ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ، وعلى السيِّئَةِ بالقِصَاصِ، أوْ يُعَامِلُ مُعَامَلَةَ المُسَامَحَةِ.
-----------------------------
المنن الربانية لفضيلة الشيخ:
سعد بن سعيد الحجري

-----------------------------
الحديثُ السابعُ وَالثلاثونَ

عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ. فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ. وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً)). رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

موضوعُ الحديثِ: أهَمِّيَّةُ الحسناتِ وَمَكَانَتُهَا.

المفرداتُ:

((فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ)): هذا حديثٌ قُدُسِيٌّ، وَقدْ مَضَى تَعْرِيفُهُ وَالفَرْقُ بينَهُ وَبينَ القرآنِ.

(1) ((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ)): الكِتَابَةُ بِمَعْنَى التَّدْوِينِ وَالإِحصاءِ، وَالمرادُ أنَّها مَكْتُوبَةٌ على العبدِ في الأَزَلِ، وَمُدَوَّنَةٌ عَلَيْهِ مِن العملِ يَكْتُبُهَا الملائكةُ عندَ فِعْلِهَا بِأَمْرِ رَبِّهِمْ تَعَالَى. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ} [الانفطار: 10، 11]، وَقَالَ تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].

وَ ((الْحَسَنَاتُ)): جَمْعُ حَسَنَةٍ، وَهيَ كلُّ طاعةٍ تُرْضِي اللَّهَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا، فهيَ حسنةٌ في ذَاتِهَا وَحَسَنَةٌ في فِعْلِهَا، يَكْتَسِبُ صَاحِبُهَا الحُسْنَ وَالجمالَ وَالبهاءَ بها.

وَلذا يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: (ِإنَ لِلْحَسَنَةِ ضِيَاءً فِي الْوَجْهِ...) بلْ وَأَهْلُ الجنَّةِ يَدْخُلُونَهَا على صُورَةِ القمرِ ليلةَ البدرِ. وَللحسناتِ مَلَكٌ مِنْ على اليمينِ يَكْتُبُهَا.

وَ ((السَّيِّئَاتُ)): جمعُ سَيِّئَةٍ، وَهيَ كلُّ مَعْصِيَةٍ تُغْضِبُ الربَّ وَيُعَاقِبُ عليها، فهيَ سَيِّئَةٌ في ذَاتِهَا وَسيِّئةٌ في فِعْلِهَا، يَكْتَسِبُ بها صَاحِبُهَا السُّوءَ وَالظُّلْمَةَ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (َإِنَّ لِلسَّيِّئَةِ سَوَاداً في الوَجْهِ...) وَللسَّيِّئَاتِ مَلَكٌ مِنْ على الشمالِ يَكْتُبُهَا. وَمَلَكُ اليمينِ أَمِيرٌ عَلَيْهِ يَنْتَظِرُ سِتَّ سَاعَاتٍ ثمَّ يَكْتُبُهَا.

((ثُمَ بَيَّنَ ذَلِكَ)): أيْ بَيَّنَ كيفيَّةَ الكتابةِ لهذهِ الأعمالِ الحسنةِ وَالسيِّئَةِ.

(2) ((فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عندَهُ حَسَنَةً كاملةً)): شَرَعَ في بيانِ الكتابةِ.

والهمُّ : هوَ الإِرادةُ وَالقصدُ وَتَرْجِيحُ الفعلِ، وَهوَ فوقَ الخاطرِ وَالهَاجِسِ.وَيَدْخُلُ فيهِ حديثُ النفسِ، وَهوَ ما يَتَرَدَّدُ فيها.

وَقدْ قِيلَ بأنَّ أَفْعَالَ القلوبِ أَرْبَعَةٌ: الهاجِسُ، وَالخاطِرُ، وَلا يُعَاقَبُ الإِنسانُ عَلَيْهِ وَلا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ.

وَحَدِيثُ النفسِ: وَهوَ ما يَدُورُ في الصدرِ مِنْ غيرِ عَمَلٍ، وَيَدْخُلُ فيهِ الهَمُّ، بلْ قدْ يَكُونُ هوَ الهَمَّ بِذَاتِهِ، وَهذا يُثَابُ عَلَيْهِ وَلا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ، وَالعَزْمُ وَالتَّصْمِيمُ وَهذا يُثَابُ على فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ كذلكَ، وَهوَ مِن الهَمِّ الجَازِمِ، وَحديثُ النفسِ مِن الهَمِّ المُتَرَدِّدِ.

((فَلَمْ يَعْمَلْهَا)): أيْ مَنَعَهُ مِنْ عَمَلِهَا صَارِفٌ مِن الصَّوَارِفِ أَوْ عَارِضٌ مِن العوارضِ؛ كَمَنْ هَمَّ بِصَدَقَةٍ فَلَمْ يَجِدْ مَعَهُ دَرَاهِمَ وَكَانَ يَظُنُّ وُجُودَهَا، وَكَمَنْ هَمَّ بالذَّهابِ إِلى مجالسِ ذِكْرٍ، فَمَرِضَ أَحَدُ أَهْلِهِ فَذَهَبَ بهم إِلى المُسْتَشْفَى، وَكَمَنْ عَزَمَ على قيامِ الليلِ، ثمَّ غَفَلَ عَنْ ذلكَ.

((كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ)): أيْ دُوِّنَتْ عندَ اللَّهِ في المَلأِ الأَعْلَى؛ لأنَّ كتابَ الأبرارِ في عِلِّيِّينَ.
((حَسَنَةً كَامِلَةً)): لا نَقْصَ فيها. وَقدْ كَرَّمَ اللَّهُ صَاحِبَ الحسنةِ بِكَرَامَتَيْنِ: كونُهَا كَامِلَةً، وَعندَ اللَّهِ تَعَالَى.
(3) ((وإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ)): أيْ إِذا عَزَمَ وَصَمَّمَ على فِعْلِهَا، ثمَّ عَمِلَهَا على الوجهِ المشروعِ كَتَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى لهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ.

وَذلكَ لقولِهِ تَعَالَى: {مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]. فَفِي عَمَلِ الحسنةِ مُضَاعَفَةُ الأجرِ الى عَشْرٍ، وَرَفْعُهَا إِلى اللَّهِ تَعَالَى إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ؛ أيْ: تُضَاعَفُ إِلى سبعِمائةِ ضِعْفٍ، وَالضِّعْفُ هوَ المِثْلُ، قَالَ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ...} الآيَةَ [البقرة: 261]. وَ(سَبْعِمِائَةِ) المُرَادُ العَدَدُ المَعْرُوفُ.

وَ(الضِّعْفُ)؛ أي: المِثْلُ؛ أيْ: أَنَّهُ مِثْلُ سَبْعِمِائَةٍ... وَإِلى زِيَادَةٍ يَعْلَمُهَا اللَّهُ تَعَالَى. وَأَكْثَرُ الأعمالِ ضِعْفاً الصدقةُ بِالآيَةِ وَحديثِ الناقَةِ المَخْطُومَةِ، وَأمَّا الصيامُ فلا يَعْلَمُ ثَوَابَهُ إِلاَّ اللَّهُ تَعَالَى، وَالصبرُ ثَوَابُهُ بِغَيْرِ حِسَابٍ.
(4) ((وإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً)): أيْ وَإِنْ أَرَادَ فِعْلَ السيِّئَةِ وَمَنَعَهُ منها خَوْفُ اللَّهِ وَمُرَاقَبَتُهُ قَلَبَهَا اللَّهُ لهُ حسنةً كاملةً؛ لأنَّ هَمَّ السَّيِّئَةِ انْقَلَبَ إِلى حسنةٍ.

وَفي بعضِ الرواياتِ: ((إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي، أَوْ مِنْ جَرَّائِي)). مِثْلُ قِصَّةِ الذي هَمَّ بِابْنَةِ عَمِّهِ بِسُوءٍ فَتَرَكَهَا للَّهِ، فَأَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ وَفَرَّجَ هَمَّهُ، فَانْفَرَجَت الصَّخْرَةُ.

(5) ((وإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً)): أيْ إِنْ وَقَعَ في الإِثمِ وَعَمِلَهُ فَعَلَيْهِ سَيِّئَةٌ وَاحدةٌ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا} [الأنعام: 160].

والسيِّئَاتُ لا تُضَاعَفُ، وَلَكِنَّهَا تَعْظُمُ في البلدِ الحرامِ، وَهذا مِنْ رحمةِ اللَّهِ بِعِبَادِهِ وَلُطْفِهِ بهم، فَلَهُ الحمدُ وَالمِنَّةُ. وَالسَّيِّئَةُ لا تُرْفَعُ وَلا تُكْتَبُ كاملةً.

وأَسْبَابُ مُضَاعَفَةِ الأجرِ كَثِيرَةٌ، منها:
1 - شَرَفُ الزمانِ.
2 - شَرَفُ المكانِ.
3 - شَرَفُ العاملِ (كالصَّحَابَةِ وَهذهِ الأُمَّةِ).
4 - بِحَسَبِ الكَيْفِيَّةِ؛ كالخُشُوعِ.
5 - بِحَسَبِ الإِخلاصِ.
6 - شَرَفُ العملِ (فَرِيضَةٌ أَوْ نَافِلَةٌ).
7 - بِحَسَبِ الحالِ (حَالُ الغَفْلَةِ مِن الناسِ ليسَ كَحَالِ الإِقبالِ).

والأعمالُ أربعةُ أَقْسَامٍ:

1- عَمَلُ الحَسَنَاتِ، وَهذهِ مُضَاعفةٌ إِلى سَبْعِمائةِ ضِعْفٍ إِلى أَضْعَافٍ كثيرةٍ.
2- عَمَلُ السَّيِّئَاتِ، وَهذهِ تُكْتَبُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً غَيْرَ مُضَاعَفَةٍ.
3- الهَمُّ بالحسنةِ، فَتُكْتَبُ حَسَنَةً كاملةً وَإِنْ لمْ يَفْعَلْهَا.
4- الهَمُّ بالسَّيِّئَةِ، وَلمْ يَعْمَلْهَا، فَتُكْتَبُ لهُ حَسَنَةً وَاحدةً.

الفوائـــــدُ:

1- الإِيمانُ باللَّوْحِ المحفوظِ.
2- إِحصاءُ الحسناتِ وَالسيِّئَاتِ على الإِنسانِ.
3- وُجُوبُ تقديمِ الحسناتِ وَتَرْكِ السيِّئَاتِ.
4- أنَّ العملَ يَظْهَرُ على صَاحِبِهِ.
5- فَضْلُ حُسْنِ النِّيَّةِ.
6- كِتَابَةُ أَعْمَالِ القلوبِ المقصودةِ.
7- سَعَةُ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَمَالُ عَدْلِهِ.
8- رِفْعَةُ أَعْمَالِ الصَّالِحِينَ.
9- كَمَالُ الأعمالِ الصالحةِ.
10- مُضَاعَفَةُ الحسناتِ أَضْعَافاً كَثِيرةً.
11- وُجُوبُ مُرَاقَبَةِ اللَّهِ وَالخَوْفِ منهُ.
12- زَجْرُ النفسِ عَن المعاصِي.
13- عَفْوُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَغْفِرَتُهُ.
14- الحثُّ على التَّوْبَةِ.
15- مُخَالَفَةُ الشَّيْطَانِ.
16- العاقِلُ لا تَغْلِبُ آحَادُهُ عَشَرَاتِهِ.
17- رِبْحُ الحسناتِ أَكْثَرُ مِنْ رِبْحِ الأموالِ.
18- أَعْظَمُ التجارةِ العملُ الصالحُ.
19- ضَيَاعُ الأعمارِ أَشَدُّ مِنْ ضياعِ الأموالِ.
20- كَمَالُ الإِنسانِ بالطَّاعَاتِ.
----------------------------
شرح فضيلة الشيخ:
ناضم سلطان المسباح

-----------------------------
قالَ النَّوويُّ: (فانظرْ يا أخي وفَّقَنَا اللهُ وإيَّاكَ إلَى عظيمِ لطفِ اللهِ تعالَى، وتأمَّلْ هذه الألفاظَ).
وقولُهُ ((عندَهُ)) إشارةٌ إلَى الاعتناءِ بها.

وقولُهُ ((كاملةٌ)) للتـَّأكيدِ وشدَّةِ الاعتناءِ بها، وقالَ: في السَّيِّئةِ الَّتي همَّ بها ثمَّ تركَهَا: كتبهَا اللهُ عندَهُ حسنةً كاملةً، فأكَّدَهَا بكاملةٍ، وإنْ عملَهَا كتبَهَا سيِّئةً واحدةً، فأكَّدَ تقليلَهَا بواحدةٍ ولم يؤكِّدْهَا بكاملةٍ، فللَّهِ الحمدُ والمنَّةُ، سبحانَهُ لا نُحْصِي ثناءً عليهِ. وباللهِ التَّوفيقُ.

(1) مَنْزِلَةُ الحديثِ:

قالَ الشُّرَّاحُ لهذا الحديثِ:

هذا حديثٌ شريفٌ عظيمٌ، بيَّنَ فيهِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِقدارَ تَفَضُّلِ اللهِ عزَّ وجلَّ علَى خلقِهِ.

وفيهِ مِن التَّرغيبِ العظيمِ في فضلِ اللهِ العميمِ ورحمتِهِ الواسعةِ الَّتِي وَسِعَتْ كلَّ شيءٍ، كما أنَّهُ يبعثُ في نفوسِ المكلَّفينَ الأملَ المشرقَ، ويدفعُهَا للعملِ الصَّالحِ وكسبِ الثَّوابِ الَّذي فيهِ النَّجاةُ في الآخرةِ والسَّعادةُ في الدُّنيَا، فما أجودَهُ مِن حديثٍ لترغيبِ القانطينَ مِن رحمةِ اللهِ.

(2) كتابةُ الحسناتِ والسَّيِّئاتِ:

قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ)).
قالَ: الطُّوفِيُّ: أيْ أَمَرَ الحفَظَةَ أن تَكتبَ، أو المرادُ: قدَّرَ ذلكَ في عِلْمِهِ علَى وَفقِ الواقعِ منها.

وقالَ غيرُهُ: المرادُ: قدَّرَ ذلك وعرَّفَ الكتبَةَ مِن الملائكةِ ذلك التَّقديرَ، فلا يَحتاجُ إلَى استفسارٍ في كلِّ وقتٍ عن كيفيَّةِ الكتابةِ لكونِهِ أمرًا مَفروغًا منهُ.

(3) الهمُّ بالحسنةِ: إذا هَمَّ المسلمُ بعملِ حسنةٍ ولم يعمَلْهَا كتبَهَا اللهُ له حسنةً كاملةً دونَ أن يُضاعفَهَا له، قالَ الطُّوفِيُّ: إنَّما كُتِبَتِ الحسنةُ بمجرَّدِ الإرادةِ؛ لأنَّ إرادةَ الخيرِ سببٌ إلَى العملِ، وإرادةَ الخيرِ خيرٌ؛ لأنَّ إرادةَ الخيرِ عملُ القلبِ.

والمقصودُ بالهمِّ: العزمُ المصمِّمُ الَّذي يوجدُ معه الحرصُ علَى العملِ، لا مجرَّدَ الخاطرةِ العابرةِ، وممَّا يَشهدُ مِن القرآنِ علَى ذلِكَ قولُهُ تَعالَى:

{لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.

والمقصودُ بأهلِ الضَّررِ هم: أهلُ الأعذارِ ولكنْ عندَهُمْ نيَّةٌ صادقةٌ في الخروجِ، فأثابَهُمُ اللهُ علَى هذه النِّيَّةِ الصَّادقةِ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ أَقْوَامًا خَلْفَنَا بِالْمَدِينَةِ مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلاَ وَادِيًا إِلاَّ وَهُمْ مَعَنَا، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ))، فهؤلاءِ يُعطَوْنَ مِن الأَجْرِ، ولكنْ مِن غيرِ تضعيفٍ، فيفضُلُهُ الغازي بالتَّضعيفِ لِمُبَاشَرةِ الجهادِ.

عملُ الحسنةِ: إذا عملَ العبدُ حسنةً يضاعفهَا اللهُ عزَّ وجلَّ بعشرِ أمثالِهَا، وهذا في كلِّ عملٍ، قالَ تَعالَى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}.

ولكنْ هناكَ أعمالٌ جاءَتْ نصوصٌ تدلُّ علَى مضاعفتِهَا أكثرَ مِن ذلِكَ منها:

- النَّفقةُ في سبيلِ اللهِ، قالَ تعالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
دلَّتْ هذه الآيَةُ الكريمةُ أنَّ النَّفقةَ تُضَاعفُ بسَبْعِمائَةِ ضعفٍ.

- هناكَ أعمالٌ لا يعلمُ مضاعفةَ أجرِهَا إلاَّ اللهُ عزَّ وجلَّ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِلاَّ الصـَّوْمَ فَإِنـَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)).
- دعاءُ السُّوقِ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَن دَخَلَ السُّوقَ فقالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كَتَبَ اللهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفَ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفَ سَيِّئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفَ دَرَجَةٍ، وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)).

وتكونُ مضاعفةُ الحسناتِ بحسبِ حُسْنِ إسلامِ العبدِ وإخلاصِهِ، وبحسَبِ فضلِ العملِ وزمنِ إيقاعِهِ.

(4) الْهَمُّ بالسَّيِّئَةِ: إذا هَمَّ العبدُ بفعلِ سيِّئَةٍ ثمَّ تَرَكَهَا مِن أَجْلِ اللهِ عزَّ وجلَّ فإنَّهَا تُكتَبُ له حسنةً كاملةً، وتُكْتَبُ له بشرطِ أن يَتْرُكَهَا خوفًا مِن اللهِ، كمَا قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنـَّمَا تَرَكَها مِنْ جَرَّايَ))، أمـَّا إذا تركـَها خوفـًا مِن العبادِ ففي هذه الحالةِ يأثمُ؛ لأنَّهُ قدَّمَ خوفَ العبادِ علَى اللهِ عزَّ وجلَّ.

وكذلك إذا تركَهَا رياءً ففي هذه الحالةِ كذلك يأثمُ؛ لأنَّ الرِّياءَ حرامٌ.

- وإذا همَّ بالمعصيَةِ وسعَى لها وحالَ دونَهَا القدرُ، ذكرَ جماعةٌ مِن أهلِ العلمِ أنَّهُ يُعاقَبُ، واستدلُّوا بقولِهِ عليهِ السَّلامُ: ((إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ))قلْتُ: يا رسولَ اللهِ، هذا القاتلُ فما بالُ المقتولِ؟! قالَ: ((إنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ)).

- أن يكونَ الهمُّ بالمعصيَةِ خاطرًا خطرَ لهُ ولم يَستقرَّ في القلبِ بل كَرِهَهَا القلبُ ونَفَرَ منها، مِثلُ الوَساوسِ الرَّديئةِ الَّتي سُئِلَ عنها صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ، فقالَ: ((ذَلِكَ مَحْضُ الإِيمَانِ))، ظنَّ الصَّحابةُ أنَّ هذه الخواطرَ يحاسَبُ عليها المرءُ، وشقَّ عليهِمْ ذلك عندمَا نَزَلَ قولُهُ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}، فنزلَ قولُهُ تَعالَى بعدَهَا: {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ}، فَبَيَّنَتِ الآياتُ أنَّ ما لا طاقةَ للعبدِ به غيرُ محاسَبٍ عليهِ، ومنها خواطرُ النَّفسِ العابرةُ.
- العزائمُ المصمِّمَةُ الَّتِي استقرَّتْ في نفسِ المكلَّفِ، وهذه ضربانِ:

1 - ما كانَ منها مِن أعمالِ القلوبِ، مثلُ الشَّكِّ في الوحدانيَّةِ، أو الرسالةِ، أو القيامةِ، وهذا لا شكَّ في معاقبَتِهِ ومؤاخذَتِهِ؛ لأنَّ مَن استقرَّ في قلبِهِ ذلك يكونُ كافرًا أو منافقًا.

2 - ما لم يكنْ مِن أعمالِ القلوبِ، بلْ مِن أعمالِ الجوارحِ مثلُ الزِّنَا والسَّرقةِ والخمرِ والقتلِ، فإذا أصرَّ المكلَّفُ علَى إرادةِ ذلك ولم يباشِرِ العملَ فهذا في مؤاخذتِهِ قولانِ: فمنهم مَن قالَ يُؤَاخَذُ.
قالَ ابنُ المباركِ: سألتُ سفيانَ الثَّوريَّ: أيُؤَاخَذُ العبدُ بالهمِّ؟ فقالَ: (إِذَا كَانَتْ عَزْمًا أُوخِذَ).

وذهبَ إلَى هذا القولِ كثيرٌ مِن علماءِ الحنابلةِ، واستدلُّوا بقولِهِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ}.

وقولِهِ: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}.
وحَمَلُوا قولَهُ عليهِ السَّلامُ: ((إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ))علَى خَطراتِ النَّفسِ، وقالُوا: ما أكنَّهَ العبدُ وعقدَ عليهِ قلبَهُ فهو مِن كسبِهِ وعملِهِ؛ فلا يكونُ معفُوًّا عنهُ.

وقالَ المازريُّ: ذهبَ ابنُ الباقلانيُّ - يعني ومَن تَبِعَهُ - إلَى أنَّ مَن عَزَمَ علَى المعصيَةِ بقلبِهِ ووطَّنَ عليها نفسَهُ أنَّهُ يأثَمُ.

وهذا ما يَميلُ إليهِ الحافظُ في (الفتحِ)، قالَ رحمَهُ اللهُ: والَّذِي يَظهرُ أنَّهُ مِن هذا الجنسِ وهو يعاقَبُ علَى عزمِهِ بمقدارِ ما يستحقُّهُ، ولا يعاقَبُ عقابَ مَن باشرَ القتلَ حسًّا، وكلامُهُ هذا تعقيبٌ علَى الحديثِ: ((إِذَا الْتَقـَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ))قِيلَ: هذا القاتلُ، فما بالُ المقتولِ؟! قالَ: ((إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ))
(5) عملُ السَّيِّئَةِ: إذا عملَ العبدُ سيِّئةً تُكْتَبُ بمثلِهَا دونَ مضاعَفَةٍ، قالَ تَعالَى: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}.

وهذهِ الآيَةُ تَشهدُ للحديثِ: ((وَإِنْ عَمِلَهَا كَتَبَهَا سَيِّئَةً وَاحِدَةً))، ولكنَّ السَّيِّئَةَ تَعْظُمُ أحيانًا بسببِ:

- شرَفِ الزَّمانِ، قالَ تَعالَى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}، نَهَى عن ظُلْمِ النَّفسِ فيهنَّ، ثمَّ اخْتَصَّ منهنَّ الأشهرَ الحرمَ وهي: محرَّمٌ، ورجبٌ، وذو القعدةِ، وذو الحجَّةِ، فجعلَ الذَّنبَ فيهنَّ أعظمَ، والعملَ والأجرَ أعظمَ، قالَ قتادةُ: إنَّ الظُّلمَ في الأشهرِ الحرُمِ أَعظمُ خَطيئةً ووِزْرًا.

-شرفِ المكانِ، قالَ تعالَى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ في الحجِّ}.
قالَ ابنُ عمرَ: (الفُسوقُ: إتيانُ معاصِي اللهِ في الحرمِ).
وقالَ عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو: (الخطيئةُ فيهِ أَعظمُ).
وقالَ ابنُ عمرَ: (لأَنْ أخطِئَ سبعينَ خطيئةً - يعني بغيرِ مكَّةَ - أحبُّ إليَّ مِن أن أخطِئَ خطيئةً واحدةً بمكَّةَ).

وقالَ مجاهِدٌ: تُضَاعفُ السَّيِّئاتُ بمكَّةَ كما تُضاعَفُ الحسناتُ، وكذلك قالَ أحمدُ.

ويشهدُ لذلِكَ: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.

- مكانةِ المرءِ، قالَ تَعالَى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ}.

فوائدُ مِن الحديثِ:

1 - أسلوبُ التَّرغيبِ والتَّرهيبِ مِن أفضلِ أساليبِ التَّربيَةِ.

2 - قالَ ابنُ بَطَّالٍ: (في الحديثِ بيانُ فضلِ اللهِ العظيمِ علَى هذه الأمَّةِ؛ لأنَّهُ لولا ذلك كانَ لا يدخلُ أحدٌ الجنَّةَ؛ لأنَّ عملَ العبادِ للسَّيِّئاتِ أكثرُ مِن عملِهِم الحسناتِ).

3 - كما فيهِ ما يترَتَّبُ مِن ثوابٍ عميمٍ للعبدِ علَى هجرانِهِ للذَّاتِهِ، وتركِ شهواتِهِ وحظوظِ نفسِهِ، مِن أجلِ مولاهُ سبحانَهُ؛ رغبةً فيما عندَهُ مِن ثوابٍ، ورهبةً مِن عقابِ يومِ الدِّينِ.

4 - قالَ الحافظُ: (واسْتُدلَّ به علَى أنَّ الحفَظَةَ لا تكتُبُ المباحَ للتَّقيُّدِ بالحسناتِ والسَّيِّئاتِ).

5 - كما فيهِ أنَّ اللهَ بفضلِهِ ومَنِّهِ وكرمِهِ جعلَ العدلَ في السَّيِّئةِ بل أضافَ فيها إلَى العدلِ الفضلَ، فجعلَهَا بينَ العقوبةِ والعفوِ بقولِهِ: ((وَمَحَاهـَا اللهُ، وَلاَ يَهْلِكُ عَلَى اللهِ إِلاَّ هَالِكٌ)) وبقولـِهِ: ((فجزاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا، أِوْ أَغْفِرُ)).

وجعلَ الفضلَ في الحسنةِ إلَى أضعافٍ كثيرةٍ ولم يَجْعَلْهُ في السَّيِّئةِ.

6 - قالَ الحافظُ: وفي هذا الحديثِ ردٌّ علَى الكعبيِّ في زعمِهِ أنْ ليسَ في الشَّرعِ مُباحٌ علَى الفاعلِ: إمَّا عاصٍ، وإمَّا مُثَابٌ.

7 - كما فيهِ دليلٌ علَى أنَّ المَلَكَ يطَّلِعُ علَى قلبِ الإنسانِ بالطَّريقةِ الَّتِي مكَّنَهُ اللهُ سبحانَهُ بهَا.
----------------------------
جامع العلوم والحكم للحافظ:
عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي

-----------------------------
(1) هذا الحديثُ خَرَّجَاهُ منْ روايَةِ الجَعْدِ أبي عُثْمَانَ، حدَّثَنَا أبو رَجَاءٍ العُطَارِدِيُّ، عن ابنِ عبَّاسٍ.

وفي روايَةٍ لِمُسْلِمٍ زيادةٌ في آخِرِ الحديثِ، وهيَ: ((أَوْ مَحَاهَا اللَّهُ، وَلا يَهْلِكُ عَلَى اللَّهِ إِلا هَالِكٌ)).
وفي هذا المعنَى أَحَادِيثُ مُتَعَدِّدَةٌ.

فَخَرَّجَا في (الصَّحِيحَيْنِ) منْ حديثِ أبي هُرَيْرَةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((يَقُولُ اللَّهُ: إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً. وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ)). وهذا لفظُ البُخَارِيِّ.

وفي روايَةٍ لمسلمٍ: ((قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةً مَا لَمْ يَعْمَلْ، فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا. وَإِذَا تَحَدَّثَ بِأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَهُ مَا لَمْ يَعْمَلْهَا، فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِمِثْلِهَا)).

وقالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((قَالَتِ الْمَلائِكَةُ: رَبِّ، ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً -وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ- قَالَ: ارْقُبُوهُ، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ)).

قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلامَهُ، فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِمِثْلِهَا حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ)).

وفي (الصَّحِيحَيْنِ): عنْ أبي هُريرةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلا الصِّيَامَ؛ فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي))، وفي روايَةٍ بعدَ قولِهِ: ((إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ)): ((إِلَى مَا يَشَاءُ اللَّهُ)).

وفي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ): عنْ أبي ذَرٍّ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((يَقُولُ اللَّهُ: مَنْ عَمِلَ حَسَنَةً فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا أَوْ أَزِيدُ، وَمَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَجَزَاؤُهَا مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ)).

وفيهِ أيضًا: عنْ أنسٍ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا. وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً وَاحِدَةً)).

وفي (الْمُسْنَدِ): عنْ خُرَيْمِ بنِ فَاتِكٍ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا، فَعَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ قَدْ أَشْعَرَهَا قَلْبَهُ وَحَرَصَ عَلَيْهَا، كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً. وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، وَمَنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ وَاحِدَةً وَلَمْ تُضَاعَفْ عَلَيْهِ. وَمَنْ عَمِلَ حَسَنَةً كَانَتْ لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا. وَمَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَتْ لَهُ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ)). وفي المَعْنَى أحاديثُ أُخَرُ مُتَعَدِّدَةٌ.

فَتَضَمَّنَتْ هذهِ النُّصوصُ كِتَابَةَ الحَسَنَاتِ وَالسيِّئَاتِ وَالهَمِّ بِالحَسَنَةِ والسَّيِّئَةِ.

فهذهِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ:

النوعُ الأَوَّلُ: عَمَلُ الحَسَنَاتِ. فَتُضَاعَفُ الحسنةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلى أضْعَافٍ كثيرةٍ.

فمُضَاعَفَةُ الحسنةِ بعشْرِ أَمْثَالِهَا لازمٌ لكلِّ الحَسَنَاتِ. وقدْ دَلَّ عليهِ قولُهُ تَعَالَى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160].

وأمَّا زيادةُ المُضَاعَفَةِ على العشْرِ لِمَنْ شاءَ اللَّهُ أنْ يُضَاعِفَ لهُ، فَدَلَّ عليهِ قولُهُ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261]. فَدَلَّتْ هذهِ الآيَةُ على أنَّ النفقةَ في سبيلِ اللَّهِ تُضَاعَفُ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ.

وفي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ): عنْ أبي مسعودٍ قالَ: جَاءَ رَجُلٌ بنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ فَقَالَ: يا رسولَ اللَّهِ، هذهِ في سبيلِ اللَّهِ، فقالَ: ((لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُمِائَةِ نَاقَةٍ)).

وفي (المُسْنَدِ) بإسنادٍ فيهِ نَظَرٌ: عنْ أبي عُبَيْدَةَ بنِ الْجَرَّاحِ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فَاضِلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبِسَبْعِمِائَةٍ. وَمَنْ أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ، أَوْ عَادَ مَرِيضًا، أَوْ مَازَ أَذًى، فَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا)).

- وَخَرَّجَ أبو داودَ منْ حديثِ سَهْلِ بنِ مُعَاذٍ عنْ أبيهِ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ الصَّلاةَ وَالصِّيَامَ وَالذِّكْرَ يُضَاعَفُ عَلَى النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ)).

- ورَوَى ابنُ أبي حاتمٍ بإسنادِهِ عن الحسنِ، عنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ أَرْسَلَ نَفَقَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَقَامَ فِي بَيْتِهِ، فَلَهُ بِكُلِّ دِرْهَمٍ سَبْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَمَنْ غَزَا بِنَفْسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُ بِكُلِّ دِرْهَمٍ سَبْعُمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ))، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261].

- وَخَرَّجَ ابنُ حِبَّانَ في (صَحِيحِهِ) منْ حديثِ عِيسَى بنِ المُسَيِّبِ، عنْ نافعٍ، عن ابنِ عُمَرَ قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذهِ الآيَةُ: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} [البقرة: 261]، قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((رَبِّ، زِدْ أُمَّتِي))، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: 245]، فقالَ: ((رَبِّ، زِدْ أُمَّتِي))، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزُّمَر: 10].

- وَخَرَّجَ الإِمامُ أحمدُ منْ حديثِ عَلِيِّ بنِ زيدِ بنِ جُدْعَانَ، عنْ أبي عُثمانَ النَّهْدِيِّ، عنْ أبي هريرةَ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ اللَّهَ لَيُضَاعِفُ الْحَسَنَةَ أَلْفَيْ أَلْفِ حَسَنَةٍ))، ثمَّ تَلا أبو هريرةَ: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40] وقالَ: ((إِذَا قَالَ اللَّهُ: أَجْرًا عَظِيمًا، فَمَنْ يَقْدِرُ قَدْرَهُ؟))وَرُوِيَ عنْ أبي هُريرةَ مَوْقُوفًا.

- وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ منْ حديثِ ابنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: ((مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فَقَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ)).

- ومن حديثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ مَرْفُوعًا: ((مَنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، إِلَهًا وَاحِدًا أَحَدًا صَمَدًا، لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، عَشْرَ مَرَّاتٍ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَرْبَعِينَ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ)). وفي كِلا الإِسْنَادَيْنِ ضَعْفٌ.

- وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ بإسنادٍ ضعيفٍ عن ابنِ عمرَ مرفوعًا: ((مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِائَةَ أَلْفِ حَسَنَةٍ وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ حَسَنَةٍ)).

وقولُهُ في حديثِ أبي هريرةَ: ((إِلا الصِّيَامَ؛ فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ))، يَدُلُّ على أنَّ الصِّيامَ لا يَعْلَمُ قَدْرَ مُضَاعَفَةِ ثَوَابِهِ إلا اللَّهُ عزَّ وَجَلَّ؛ لأنَّهُ أَفْضَلُ أنواعِ الصَّبْرِ، وَ{إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزُّمَر: 10].
وقدْ رُوِيَ هذا المعنَى عنْ طائفةٍ مِن السَّلَفِ؛ منهم كَعْبٌ وغيرُهُ.

وقدْ ذَكَرْنَا فيما سَبَقَ في شَرْحِ حديثِ: ((مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ))، أنَّ مُضَاعَفَةَ الحسناتِ زيادةً على العشرِ تكونُ بِحَسَبِ حُسْنِ الإِسلامِ، كما جاءَ ذلكَ مُصَرَّحًا بهِ في حديثِ أبي هريرةَ وَغَيْرِهِ.

وتكونُ بِحَسَبِ كَمَالِ الإِخْلاصِ، وَبِحَسَبِ فَضْلِ ذلكَ العملِ في نَفْسِهِ، وَبِحَسَبِ الحَاجَةِ إليهِ.
وَذَكَرْنَا منْ حديثِ ابنِ عُمَرَ أنَّ قولهُ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]، نَزَلَتْ في الأَعْرَابِ.
وأنَّ قولهُ: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40]، نَزَلَتْ في المُهَاجِرِينَ.
النوعُ الثاني: عَمَلُ السَّيِّئَاتِ.

فَتُكْتَبُ السَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا مِنْ غيرِ مُضَاعَفَةٍ، كما قالَ تَعَالَى: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الأنعام: 160].

(2) وقولهُ: ((كُتِبَتْ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً))، إشارةٌ إلى أنَّهَا غيرُ مُضَاعَفَةٍ، ما صَرَّحَ بهِ في حديثٍ آخرَ، لكنَّ السَّيِّئةَ تَعْظُمُ أَحْيَانًا بِشَرَفِ الزَّمانِ أو المكانِ، كما قالَ تَعَالَى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36].
قالَ عَلِيُّ بنُ أبي طلحةَ: عن ابنِ عَبَّاسٍ في هذهِ الآيَةِ: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} : في كُلِّهِنَّ، ثُمَّ اخْتَصَّ مِنْ ذلكَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَجَعَلَهُنَّ حُرُمًا، وَعَظَّمَ حُرمَاتِهِنَّ، وَجَعَلَ الذَّنْبَ فيهنَّ أَعْظَمَ، والعملَ الصالحَ والأجرَ أَعْظَمَ.

وقال قَتَادَةُ في هذهِ الآيَةِ: اعْلَمُوا أنَّ الظُّلْمَ في الأَشْهُرِ الحُرُمِ أَعْظَمُ خَطِيئَةً وَوِزْرًا فيما سِوَى ذلكَ، وإنْ كانَ الظُّلمُ في كلِّ حالٍ غيرَ طَائِلٍ، ولكنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَظِّمُ مِنْ أَمْرِهِ ما يَشَاءُ تَعَالَى رَبُّنَا.
يتبع إن شاء الله...


شرح الحديث رقم (37) 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48361
العمر : 71

شرح الحديث رقم (37) Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح الحديث رقم (37)   شرح الحديث رقم (37) Emptyالسبت 02 يوليو 2011, 2:11 am

وَقَدْ رُوِيَ في حَدِيثَيْنِ مَرْفُوعَيْنِ أَنَّ السَّيِّئَاتِ تُضَاعَفُ في رمضانَ، ولكنَّ إِسْنَادَهُمَا لا يَصِحُّ.
وقالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197].
قالَ ابنُ عُمَرَ: الفُسُوقُ: (مَا أُصِيبَ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ صَيْدًا كانَ أوْ غيرَهُ).
وعنهُ قالَ: (الفسوقُ إِتْيَانُ مَعَاصِي اللَّهِ في الحَرَمِ).
وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحجِّ: 25].
وكانَ جماعةٌ من الصحابةِ يَتَّقُونَ سُكْنَى الْحَرَمِ؛ خَشْيَةَ ارْتِكَابِ الذُّنوبِ فيهِ؛ مِنْهُم ابنُ عَبَّاسٍ، وعبدُ اللَّهِ بنُ عمرِو بنِ العاصِ.
وكذلكَ كانَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ يَفْعَلُ، وكانَ عبدُ اللَّهِ بنُ عَمْرِو بنِ العَاصِ يَقُولُ: الْخَطِيئَةُ فِيهِ أَعْظَمُ.
وَرُوِيَ عنْ عمرَ بنِ الخَطَّابِ قالَ: (لأََنْ أُخْطِئَ سَبْعِينَ خَطِيئَةً -يَعْنِي بِغَيْرِ مَكَّةَ- أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أنْ أُخْطِئَ خَطِيئَةً وَاحِدَةً بِمَكَّةَ).
وعنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: (تُضَاعَفُ السَّيِّئَاتُ بِمَكَّةَ كَمَا تُضَاعَفُ الحَسَنَاتُ).
وقالَ ابنُ جُرَيْجٍ: (بَلَغَنِي أَنَّ الْخَطِيئَةَ بِمَكَّةَ بِمِائَةِ خَطِيئَةٍ، وَالْحَسَنَةَ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ).
وقالَ إسحاقُ بنُ منصورٍ: قُلْتُ لأَِحْمَدَ: في شَيْءٍ من الحديثِ أنَّ السَّيِّئَةَ تُكْتَبُ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ؟ قالَ: لا، ما سَمِعْنَا إِلا بِمَكَّةَ لِتَعْظِيمِ البَلَدِ، (َلَوْ أَنَّ رَجُلاً بِعَدَنِ أَبْيَنَ هَمَّ)
وقالَ إسحاقُ بنُ رَاهَوَيْهِ كَمَا قالَ أَحْمَدُ.
وقولُهُ: ولوْ أنَّ رَجُلاً بِعَدَنِ أَبيَنَ هَمَّ، هوَ منْ قولِ ابنِ مَسْعُودٍ، وَسَنَذْكُرُهُ فِيمَا بعدُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وقدْ تُضَاعَفُ السَّيِّئاتُ بِشَرَفِ فَاعِلِهَا، وَقُوَّةِ مَعْرِفَتِهِ باللَّهِ، وَقُرْبِهِ منهُ.
فإنَّ مَنْ عَصَى السُلطانَ على بِسَاطِهِ أَعْظَمُ جُرْمًا مِمَّنْ عصَاهُ عَلَى بُعْدٍ؛ ولهذا تَوَعَّدَ اللَّهُ خَاصَّةَ عِبَادِهِ على المعَصيَةِ بِمُضَاعَفَةِ الجزاءِ، وإنْ كانَ قدْ عَصَمَهُمْ مِنها؛ لِيُبَيِّنَ لهم فَضْلَهُ عَلَيْهِم بعِصْمَتِهم مِنْ ذلكَ، كما قالَ تَعَالَى: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً إِذًا لأََذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} [الإِسراء: 74 - 75].
وقالَ تَعَالَى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: 30 - 31].

وكانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ يَتَأَوَّلُ في آلِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ مِثْلَ ذلكَ؛ لِقُرْبِهِمْ مِن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.
النوعُ الثالثُ: الهَمُّ بالحَسَنَاتِ.

فَتُكْتَبُ حسنةً كَامِلَةً وإنْ لمْ يَعْمَلْهَا، كما في حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ وغيرِهِ، وفي حديثِ أبي هريرةَ الذي خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ كما تَقَدَّمَ: ((إِذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةً)). والظَّاهِرُ أنَّ المرادَ بالتَّحَدُّثِ: حديثُ النفسِ، وهوَ الْهَمُّ.

وفي حديثِ خُرَيْمِ بنِ فَاتِكٍ: ((مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا، فَعَلِمَ اللَّهُ أنَّهُ قَدْ أَشْعَرَهَا قَلْبَهُ وَحَرَصَ عَلَيْهَا، كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً)).

وهذا يَدُلُّ على أنَّ المرادَ بالهَمِّ هنا: هوَ العَزْمُ المُصَمِّمُ الذي يُوجَدُ مَعَهُ الحِرْصُ على العملِ، لا مُجَرَّدُ الْخَطْرَةِ التي تَخْطرُ ثمَّ تَنْفَسِخُ منْ غيرِ عَزْمٍ ولا تَصْمِيمٍ.
قالَ أبو الدَّرْدَاءِ: مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وهوَ يَنْوِي أَنْ يُصَلِّيَ مِن اللَّيلِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ حَتَّى يُصْبِحَ، كُتِبَ لهُ ما نَوَى.

وَرُوِيَ عنهُ مَرْفُوعًا، وَخَرَّجَهُ ابنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا.
قالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: المَحْفُوظُ الموقوفُ، وَرُوِيَ معناهُ منْ حديثِ عائشةَ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.

ورُوِيَ عنْ سعيدِ بنِ المُسَيِّبِ قالَ: (مَنْ هَمَّ بِصَلاةٍ، أوْ صِيَامٍ، أوْ حَجٍّ، أوْ عُمْرَةٍ، أوْ غَزْوٍ، فَحِيلَ بينَهُ وبينَ ذلكَ، بَلَّغَهُ اللَّهُ تَعَالَى ما نَوَى)
وقالَ أبو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ: (يُنَادَى المَلَكُ: اكْتُبْ لِفُلانٍ كذا وكذا، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، إنَّهُ لَمْ يَعْمَلْهُ، فَيَقُولُ: إِنَّهُ نَوَاهُ).

قالَ زيدُ بنُ أَسْلَمَ: كانَ رَجُلٌ يَطُوفُ على العُلَمَاءِ يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى عَمَلٍ لا أَزَالُ منهُ لِلَّهِ عَامِلاً؛ فَإِنِّي لا أُحِبُّ أنْ تَأْتِيَ عَلَيَّ ساعةٌ مِن اللَّيلِ والنَّهارِ إلا وَأَنَا عَامِلٌ للَّهِ تَعَالَى، فقيلَ لهُ: قدْ وَجَدْتَ حَاجَتَكَ، فَاعْمَلِ الخَيْرَ ما اسْتَطَعْتَ، فإذا فَتَرْتَ أوْ تَرَكْتَهُ فَهُمَّ بِعَمَلِهِ؛ فإنَّ الْهَامَّ بِعَمَلِ الخيرِ كَفَاعِلِهِ.

وَمَتَى اقْتَرَنَ بِالنِّيَّةِ قَوْلٌ أوْ سَعْيٌ تَأَكَّدَ الْجَزَاءُ، وَالْتَحَقَ صَاحِبُهُ بالعاملِ، كما رَوَى أبو كَبْشَةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَِرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ بِهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ. وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ. وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً، وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا يَخْبِطُ في مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، لا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بَأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ. وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالاً وَلا عِلْمًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ)). خَرَّجَهُ الإِمامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَهَذَا لَفْظُهُ، وَابْنُ مَاجَهْ.

وقدْ حُمِلَ قولُهُ: ((فَهُمَا فِي الأَجْرِ سَوَاءٌ))، على استوائِهِمَا في أصْلِ أجْرِ العملِ دُونَ مُضَاعَفَتِهِ، فَالمُضَاعَفَةُ يَخْتَصُّ بها مَنْ عَمِلَ العملَ دونَ مَنْ نَوَاهُ فَلَمْ يَعْمَلْهُ؛ فإنَّهُمَا لو اسْتَوَيَا مِنْ كلِّ وَجْهٍ لَكُتِبَ لِمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ ولمْ يَعْمَلْهَا عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وهوَ خِلافُ النُّصوصِ كُلِّهَا.
وَيَدُلُّ على ذلكَ قولُهُ تَعَالَى: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ} [النساء: 95 - 96].

قالَ ابنُ عَبَّاسٍ وغيرُهُ: القَاعِدُونَ المُفَضَّلُ عَلَيْهِم المُجَاهِدُونَ دَرَجَةً همُ القَاعِدُونَ منْ أهْلِ الأَعْذَارِ، والقاعدونَ المُفَضَّلُ عليهم المُجَاهِدُونَ دَرَجَاتٍ هم القَاعِدُونَ منْ غيرِ أهلِ الأَعْذَارِ.

النوعُ الرابعُ: الهَمُّ بالسَّيِّئَاتِ منْ غيرِ عَمَلٍ لَهَا.

فَفِي حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ: أنَّها تُكْتَبُ لهُ حَسَنَةً كَامِلَةً.

وكذلكَ في حديثِ أبي هريرةَ وَأَنَسٍ وغيرِهِمَا: أنَّها تُكْتَبُ حَسَنَةً.

وفي حديثِ أبي هريرةَ قالَ: ((إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ))، يَعْنِي: مِنْ أَجْلِي.
وهذا يَدُلُّ على أنَّ المُرَادَ: مَنْ قَدَرَ على ما هَمَّ بهِ مِن المعصيَةِ فَتَرَكَهُ لِلَّهِ تَعَالَى، وهذا لا رَيْبَ في أنَّهُ يُكْتَبُ لهُ بذلكَ حَسَنَةٌ؛ لأنَّ تَرْكَهُ لِلْمَعْصِيَةِ بِهَذَا القَصْدِ عَمَلٌ صَالِحٌ.
فأمَّا إنْ هَمَّ بِمَعْصِيَةٍ ثُمَّ تَرَكَ عَمَلَهَا خَوْفًا مِن المَخْلُوقِينَ، أوْ مُرَاءَاةً لهم، فقدْ قِيلَ: إنَّهُ يُعَاقَبُ على تَرْكِهَا بهذهِ النِّيَّةِ؛ لأنَّ تَقْدِيمَ خَوْفِ المَخْلُوقِينَ على خوفِ اللَّهِ مُحَرَّمٌ.
وكذلكَ قَصْدُ الرِّيَاءِ للمَخْلُوقِينَ مُحَرَّمٌ، فإذا اقْتَرَنَ بهِ تَرْكُ المَعْصِيَةِ لأِجله عُوقِبَ على هذا التَّرْكِ.

وقدْ خَرَّجَ أبو نُعَيْمٍ بإسنادٍ ضعيفٍ عن ابنِ عَبَّاسٍ قالَ: يَا صَاحِبَ الذَّنْبِ، لا تَأْمَنَنَّ سُوءَ عَاقِبَتِهِ، وَلَمَا يَتْبَعُ الذَّنْبَ أَعْظَمُ مِن الذَّنْبِ إِذَا عَمِلْتَهُ.
وَذَكَرَ كَلامًا وقالَ: وَخَوْفُكَ من الريحِ إذا حَرَّكَتْ سِتْرَ بَابِكَ وأنتَ على الذَّنْبِ، ولا يَضْطَرِبُ فُؤَادُكَ مِنْ نَظَرِ اللَّهِ إِلَيْكَ، أَعْظَمُ مِن الذَّنْبِ إذا عَمِلْتَهُ.
وقالَ الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ: (كانوا يَقُولُونَ: تَرْكُ العَمَلِ للناسِ رِيَاءٌ، والعملُ لَهُمْ شِرْك)ٌ.
وأمَّا إنْ سَعَى في حُصُولِهَا بِمَا أَمْكَنَهُ، ثُمَّ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا القَدَرُ، فقدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ أنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا حينئذٍ؛ لقولِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأِمتي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ)).

ومَنْ سَعَى في حُصُولِ المَعْصِيَةِ جَهْدَهُ، ثمَّ عَجَزَ عنها، فقدْ عَمِلَ، وكذلكَ قولُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ))، قالُوا: يا رسولَ اللَّهِ، هذا القاتلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟! قالَ: ((إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ)).
وقولُهُ: ((مَا لَمْ تَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ))، يَدُلُّ على أنَّ الهَامَّ بالمعصيَةِ إذا تَكَلَّمَ بما هَمَّ بهِ بلسانِهِ أنَّهُ يُعَاقَبُ على الهَمِّ حينئذٍ؛ لأنَّهُ قدْ عَمِلَ بِجَوَارِحِهِ مَعْصِيَةً، وهوَ التَّكلُّمُ باللِّسانِ.
وَيَدُلُّ على ذلكَ حديثُ الذي قالَ: ((لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ مَا عَمِلَ فُلانٌ))، يَعْنِي: الذي يَعْصِي اللَّهَ في مالِه. قالَ: ((فَهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ)).

ومِن المُتَأَخِّرِينَ مَنْ قالَ: لا يُعَاقَبُ على التَّكَلُّمِ بما هَمَّ بهِ ما لمْ تكُن المَعْصِيَةُ التِي هَمَّ بها قَوْلاً مُحَرَّمًا، كالقَذْفِ والغِيبَةِ والكَذِبِ.

فأمَّا ما كانَ مُتَعَلَّقُهَا العَمَلَ بالجوارحِ، فلا يَأْثَمُ بِمُجَرَّدِ التَّكَلُّمِ بِمَا هَمَّ بهِ. وهذا قدْ يُسْتَدَلُّ بهِ على حديثِ أبي هريرةَ المُتَقَدِّمِ: ((وَإِذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَهُ مَا لَمْ يَعْمَلْهَا)). ولكنَّ المرادَ بالحديثِ هنا حديثُ النفسِ؛ جَمْعًا بَيْنَهُ وبينَ قولِهِ: ((مَا لَمْ تَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ)).
وحديثُ أبي كَبْشَةَ يَدُلُّ على ذلكَ صَرِيحًا؛ فإنَّ قولَ القائلِ بلسانِهِ: (لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِالْمَعَاصِي كَمَا عَمِلَ فُلانٌ)، ليسَ هوَ العملَ بالمعصيَةِ التي هَمَّ بها، وإنَّمَا أَخْبَرَ عَمَّا هَمَّ بهِ فقطْ ممَّا مُتَعَلَّقُهُ إِنْفَاقُ المالِ في المعاصِي، وليسَ لهُ مَالٌ بالكُلِّيَّةِ، وأيضًا فالكلامُ بذلكَ مُحَرَّمٌ، فكيفَ يكونُ مَعْفُوًّا عنهُ غيرَ مُعاقَبٍ عليهِ؟

وأمَّا إن انْفَسَخَتْ نِيَّتُهُ، وَفَتَرَتْ عَزِيمَتُهُ منْ غيرِ سببٍ منهُ، فَهَلْ يُعَاقَبُ على ما هَمَّ بهِ مِن المعصيَةِ أمْ لا؟

هذا على قِسْمَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أنْ يَكُونَ الهَمُّ بالمَعْصِيَةِ خَاطِرًا خَطَرَ، ولمْ يُسَاكِنْهُ صَاحِبُهُ، ولم يَعْقِدْ قَلْبَهُ عليهِ، بلْ كَرِهَهُ وَنَفَرَ منهُ، فهذا مَعْفُوٌّ عنهُ، وهوَ كَالْوَسَاوِسِ الرَّديئَةِ التي سُئِلَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عنها، فقالَ: ((ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ)).

ولمَّا نَزَلَ قولُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 284]، شَقَّ ذلكَ على المُسْلِمِينَ، وظَنُّوا دُخولَ هذهِ الخواطرِ فيهِ، فَنَزَلَت الآيَةُ التي بَعْدَهَا، وفيها قولُهُ: {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286]، فَبَيَّنَتْ أنَّ ما لا طاقةَ لهم بهِ فهوَ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بهِ، ولا مُكَلَّفٍ بهِ.
وَقَدْ سَمَّى ابنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ ذلكَ نَسْخًا، وَمُرَادُهُم أنَّ هذهِ الآيَةَ أَزَالَت الإِيهامَ الواقعَ في النُّفوسِ من الآيَةِ الأُولَى، وَبَيَّنَتْ أنَّ المُرَادَ بالآيَةِ الأُولَى العزائمُ المُصَمَّمُ عليها، ومثلُ هذا كانَ السلفُ يُسَمُّونَهُ نَسْخًا.

القسمُ الثاني: العزائمُ المُصَمَّمَةُ التي تَقَعُ في النفوسِ وَتَدُومُ، وَيُسَاكِنُهَا صَاحِبُهَا.
فَهَذا أيضًا نَوْعَانِ:

أحدُهُمَا: ما كانَ عَمَلاً مُسْتَقِلاًّ بنفسِهِ منْ أعمالِ القلوبِ، كالشَّكِّ في الوَحْدَانيَّةِ، أو النُّبُوَّةِ، أو البَعْثِ، أوْ غيرِ ذلكَ مِن الكُفْرِ والنِّفَاقِ، أو اعْتِقَادِ تكذيبِ ذلكَ.
فهذا كُلُّهُ يُعَاقَبُ عليهِ العَبْدُ، وَيَصِيرُ بذلكَ كافرًا وَمُنَافِقًا. وقدْ رُوِيَ عن ابنِ عَبَّاسٍ، أنَّهُ حَمَلَ قولهُ تَعَالَى:{وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284]، على مِثْلِ هذا.

وَرُوِيَ عنهُ حَمْلُهَا على كِتْمَانِ الشَّهادةِ لِقوله ِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283].

وَيَلْحَقُ بهذا القسمِ سَائِرُ المَعَاصِي المُتَعَلِّقَةِ بالقلوبِ، كَمَحَبَّةِ ما يُبْغِضُهُ اللَّهُ، وبُغْضِ ما يُحِبُّهُ اللَّهُ، والكِبْرِ، والعُجْبِ، والحَسَدِ، وسُوءِ الظَّنِّ بالمسلمِ منْ غيرِ مُوجِبٍ، معَ أنَّهُ قدْ رُوِيَ عنْ سُفْيَانَ أنَّهُ قالَ في سُوءِ الظَّنِّ: إذا لمْ يَتَرَتَّبْ عليهِ قولٌ أوْ فعلٌ فهوَ مَعْفُوٌّ عنهُ.
وكذلكَ رُوِيَ عن الحسنِ أنَّهُ قالَ في الحسدِ.

(ولَعَلَّ هذا محمولٌ منْ قَوْلِهِمَا على ما يَجِدُهُ الإنسانُ ولا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ، فهوَ يَكْرَهُهُ وَيَدْفَعُهُ عنْ نفسِهِ، فلا يَنْدَفِعُ إلا على ما يُسَاكِنُهُ وَيَسْتَرْوِحُ إليهِ، ويُعِيدُ حَدِيثَ نَفْسِهِ بهِ وَيُبْدِيهِ).
والنوعُ الثاني: ما لمْ يكُنْ مِنْ أعمالِ القلوبِ، بلْ كانَ منْ أعمالِ الجوارحِ؛ كالزِّنَى، والسرقةِ، وشُرْبِ الخمرِ، والقتلِ، والقذفِ، ونحوِ ذلكَ.

إذا أَصَرَّ العبدُ على إرادةِ ذلكَ، والعزمِ عليهِ، ولم يَظْهَرْ لهُ أَثَرٌ في الخارجِ أصلاً، فهذا في المؤاخذةِ بهِ قَوْلانِ مشهورانِ للعلماءِ: أحدُهُمَا: يُؤَاخَذُ بهِ.
قالَ ابنُ المُبَارَكِ: سَأَلْتُ سفيانَ الثَّوْرِيَّ: أيُؤَاخَذُ العبدُ بِالهَمَّةِ؟ فقالَ: إذا كانَتْ عَزْمًا أُوخِذَ.

ورجَّحَ هذا القولَ كَثِيرٌ من الفُقهاءِ والمُحَدِّثِينَ والمُتَكَلِّمِينَ منْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، وَاسْتَدَلُّوا لهُ بِنَحْوِ قولِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة: 235].

وقولِهِ: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225].
وبنَحْوِ قولِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((الإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ)).

وَحَمَلُوا قولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأِمتي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ))، على الخَطَرَاتِ، وَقَالُوا: ما سَاكَنَهُ العَبْدُ، وعَقَدَ قَلْبَهُ عليهِ، فهوَ مِنْ كَسْبِهِ وَعَمَلِهِ، فَلا يَكُونُ مَعْفُوًّا عنهُ.

ومِنْ هؤلاءِ مَنْ قالَ: إنَّهُ يُعَاقَبُ عليهِ في الدُّنيا بالهمومِ والغمومِ.

رُوِيَ ذلكَ عنْ عائشةَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، وفي صِحَّتِهِ نَظَرٌ.

وقِيلَ: بَلْ يُحَاسَبُ الْعَبْدُ بِهِ يومَ القيامةِ، فَيَقِفُهُ اللَّهُ عليهِ، ثمَّ يَعْفُو عنهُ ولا يُعَاقِبُهُ بهِ، فَتَكُونُ عُقُوبَتُهُ المُحَاسَبَةَ. وهذا مَرْوِيٌّ عن ابنِ عَبَّاسٍ والربيعِ بنِ أَنَسٍ.

وهوَ اخْتِيَارُ ابنِ جَرِيرٍ، وَاحْتَجَّ لهُ بحديثِ ابنِ عُمَرَ في النَّجْوَى، وذاكَ ليسَ فيهِ عُمُومٌ، وأيضًا فَإِنَّهُ وَارِدٌ في الذنوبِ المَسْتُورَةِ في الدُّنيا، لا في وَسَاوِسِ الصُّدورِ.

والقولُ الثاني: لا يُؤَاخَذُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مُطْلَقًا.
ونُسِبَ ذلكَ إلى نَصِّ الشافعيِّ، وهوَ قولُ ابنِ حَامِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَمَلاً بالعُمُومَاتِ.

وَرَوَى العَوْفِيُّ عن ابنِ عَبَّاسٍ ما يَدُلُّ على مثلِ هذا القولِ.

وفيهِ قولٌ ثالثٌ: أنَّهُ لا يُؤَاخَذُ بالهَمِّ بالمَعْصِيَةِ إلا بأنْ يَهِمَّ بارْتِكَابِهَا في الحَرَمِ.
كما رَوَى السُّدِّيُّ، عنْ مُرَّةَ، عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ قالَ: ما مِنْ عَبْدٍ يَهِمُّ بخطيئةٍ فلم يَعْمَلْهَا فَتُكْتَبَ عليهِ، ولوْ هَمَّ بقَتْلِ إنسانٍ عندَ البيتِ وهوَ بِعَدَنِ أَبْيَنَ أَذَاقَهُ اللَّهُ منْ عذابٍ أليمٍ، وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحجِّ: 25].
خَرَّجَهُ الإمامُ أحمدُ وَغَيْرُهُ.
وقدْ رَوَاهُ عن السُّدِّيِّ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ، فَرَفَعَهُ شُعْبَةُ وَوَقَفَهُ سُفْيَانُ، والقولُ قولُ سُفْيَانَ في وَقْفِهِ.
وقالَ الضَّحَّاكُ: إنَّ الرجلَ لَيَهِمُّ بالخطيئةِ بِمَكَّةَ، وهوَ بأرضٍ أُخْرَى، فَتُكْتَبُ عليهِ ولم يَعْمَلْهَا.
وقدْ تَقَدَّمَ عنْ أحمدَ وإسحاقَ ما يَدُلُّ على مثلِ هذا القولِ، وكذا حَكَاهُ القاضِي أبو يَعْلَى عنْ أحمدَ.
وَرَوَى أحمدُ في روايَةِ المَرَّوذِيِّ حَدِيثَ ابنِ مسعودٍ هذا، ثُمَّ قالَ أحمدُ: يقُولُ: مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ، قالَ أحمدُ: لوَ أنَّ رَجُلاً بِعَدَنِ أَبْيَنَ هَمَّ بقَتْلِ رَجُلٍ في الحَرَمِ، هذا قولُ اللَّهِ سبحانَهُ: {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.

هكذا قالَ ابنُ مسعودٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وقدْ رَدَّ بَعْضُهُمْ هَذَا إلى ما تَقَدَّمَ مِن المعاصِي التي مُتَعَلَّقُهَا القلبُ، وقالَ: الحَرَمُ يَجِبُ احْتِرَامُهُ وَتَعْظِيمُهُ بالقلوبِ، فالعقوبةُ على تَرْكِ هذا الواجبِ.
وهذا لا يَصِحُّ؛ فإنَّ حُرْمَةَ الحَرَمِ لَيْسَتْ بِأَعْظَمَ منْ حُرْمَةِ مُحَرِّمِهِ سُبْحَانَهُ، والعَزْمُ على معصيَةِ اللَّهِ عَزْمٌ على انْتِهَاكِ مَحَارِمِهِ، ولكنْ لوْ عَزَمَ على ذلكَ قَصْدًا لانْتِهَاكِ حُرْمَةِ الحَرَمِ، وَاسْتِخْفَافًا بِحُرْمَتِهِ، فهذا كما لوْ عَزَمَ على فعلِ معصيَةٍ لقصدِ الاستخفافِ بحُرْمَةِ الخالقِ عزَّ وجلَّ، فَيَكْفُرُ بذلكَ، وإنَّما يَنْتَفِي الكفرُ عنهُ إذا كانَ هَمُّهُ بالمعصيَةِ لِمُجَرَّدِ نَيْلِ شَهْوَتِهِ وغَرَضِ نفسِهِ، معَ ذُهُولِهِ عنْ قَصْدِ مُخَالَفَةِ اللَّهِ، والاستخفافِ بِهَيْبَتِهِ وَبِنَظَرِهِ.

وَمَتَى اقْتَرَنَ العملُ بالهَمِّ فإنَّهُ يُعَاقَبُ عليهِ، سَوَاءٌ كانَ الفِعْلُ مُتَأَخِّرًا أوْ مُتَقَدِّمًا، فمَنْ فَعَلَ مُحَرَّمًا مَرَّةً ثمَّ عَزَمَ على فِعْلِهِ متَى قَدَرَ عليهِ، فهوَ مُصِرٌّ على المعصيَةِ، وَمُعَاقَبٌ على هذهِ النِّيَّةِ، وإنْ لمْ يَعُدْ إلى عَمَلِهِ إِلا بَعْدَ سِنِينَ عَدِيدَةٍ.

وبذلكَ فَسَّرَ ابنُ المُبَارَكِ وَغَيْرُهُ الإِصرارَ على المعصيَةِ.
وبِكُلِّ حَالٍ، فالمعصيَةُ إنَّما تُكْتَبُ بِمِثْلِهَا منْ غيرِ مُضَاعفةٍ، فتكونُ العقوبةُ على المعصيَةِ، ولا يَنْضَمُّ إليها الهَمُّ بها، إذْ لوْ ضُمَّ إلى المعصيَةِ الهَمُّ بها لَعُوقِبَ على عملِ المعصيَةِ عُقُوبَتَيْنِ، ولا يُقَالُ: فهذا يَلْزَمُ مِثْلُهُ في عملِ الحسنةِ؛ فإنَّهُ إذا عَمِلَهَا بَعْدَ الهَمِّ بها أُثِيبَ على الحسنةِ دُونَ الهَمِّ بها؛ لأَِنَّا نقولُ: هذا مَمْنُوعٌ؛ فإنَّ مَنْ عَمِلَ حسنةً كُتِبَتْ لهُ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَيَجُوزُ أنْ يكونَ بَعْضُ هذهِ الأمثالِ جزاءً لِلْهَمِّ بالحسنةِ، واللَّهُ أَعْلَمُ.

وقولُهُ في حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ في روايَةِ مُسْلِمٍ: ((أَوْ مَحَاهَا اللَّهُ))، يَعْنِي: أنَّ عَمَلَ السَّيِّئَةِ إمَّا أنْ تُكْتَبَ لِعَامِلِهَا سَيِّئَةً وَاحِدَةً، أوْ يَمْحُوَهَا اللَّهُ بما شَاءَ مِن الأسبابِ، كالتَّوْبَةِ والاستغفارِ وعملِ الحسناتِ.

وقدْ سَبَقَ الكلامُ على ما تُمْحَى بِهِ السَّيِّئاتُ في شرحِ حديثِ أبي ذرٍّ: ((اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا)).

وقولُهُ بعدَ ذلكَ: ((وَلا يَهْلِكُ عَلَى اللَّهِ إِلا هَالِكٌ))، يَعْنِي: بعدَ هذا الفضلِ العظيمِ من اللَّهِ، والرحمةِ الواسعةِ منهُ بِمُضَاعَفَةِ الحسناتِ والتَّجَاوُزِ عن السَّيِّئاتِ، لا يَهْلِكُ على اللَّهِ إلا مَنْ هَلَكَ وأَلْقَى بِيَدَيْهِ إلى التَّهْلُكَةِ، وَتَجَرَّأَ على السَّيِّئَاتِ، وَرَغِبَ عن الحسناتِ وَأَعْرَضَ عنها.
ولهذا قالَ ابنُ مسعودٍ: وَيْلٌ لِمَنْ غَلَبَ وُحْدَانُهُ عَشَرَاتِهِ.

وَرَوَى الكَلْبِيُّ عنْ أبي صالحٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: ((هَلَكَ مَنْ غَلَبَ وَاحِدُهُ عَشْرًا)).

وَخَرَّجَ الإِمامُ أحمدُ وأبو داودَ والنَّسَائِيُّ والتِّرْمِذِيُّ منْ حديثِ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((خَلَّتَانِ لا يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَهُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ: تُسَبِّحُ اللَّهَ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ عَشْرًا، وَتَحْمَدُهُ عَشْرًا، وَتُكَبِّرُهُ عَشْرًا، قَالَ: فَتِلْكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ. وَإِذا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ تُسَبِّحُهُ وَتُكَبِّرُهُ وَتَحْمَدُهُ مِائَةً، فَتِلْكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ. فَأَيُّكُمْ يَعْمَلُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةِ سَيِّئَةٍ؟!)).

وفي (المُسْنَدِ): عنْ أبي الدَّرْدَاءِ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لا يَدَعْ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنْ يَعْمَلَ لِلَّهِ أَلْفَ حَسَنَةٍ، حِينَ يُصْبِحُ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ؛ فَإِنَّهَا أَلْفُ حَسَنَةٍ، فَإِنَّهُ لَنْ يَعْمَلَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلَ ذَلِكَ فِي يَوْمِهِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَيَكُونُ مَا عَمِلَ مِنْ خَيْرٍ سِوَى ذَلِكَ وَافِرًا)).
------------------------
شرح معالي الشيخ:
صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ (مفرغ)

------------------------
القارئ:

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: ((إنّ الله عز وجل كتب الحسنات والسيئات، ثم بيَّن ذلك، فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن همّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن همّ بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة)) رواه البخاري ومسلم بهذه الحروف.

الشيخ:

قوله هنا: ((فيما يرويه عن ربه تبارك تعالى))يعني: أنَّ هذا حديث قُدسي.
قال: ((إن الله كتب الحسنات والسيئات؛ ثم بيَّن ذلك)): يعني كتبها عنده، فبيَّنها في القرآن، بيَّن العمل الذي يُكْتبُ للمرء به حسنة، وبيَّن العمل الذي يُكتبُ للمرْء به سيئة.

قال: ((فمن همَّ بحسنة فلم يعملها..)) إلخ، استُدِل به على أنَّ المَلكين اللذين يكتبان ما يصدرُ عن العبد يعلمان ما يجولُ في قلبه فالهمُّ معلومٌ للمَلك وهذا بإقدارِ الله جل وعلا لهم وإطلاعهِ إيّاهُم وإذنه بذلك، وقد كان بعض الأنبياء يعلمُ ما في نفس الذي أمامه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر رجلاً بما في نفسه، وهكذا حَصل من عدَدٍ من الأنبياء فهذا من أنواع الغيب الذي يُطلعُ الله جل وعلا إياهُ من شاء من عباده، فالملائكة أطلعهم الله جل وعلا على ذلك كما قال سبحانه: {عالم الغيب فلا يُظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول} والرسول هنا يدخل فيه الرسول الملكي والرسول البشري.

قال: ((فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة..))؛ لأنَّ الهم نوع من الإرادة، وإرادته للحسنة طاعة، فيكتُبُها الله جل وعلا له من رحمته ومنّه وكرمه يكتبها له حسنة.

(3) قال: ((فإن همَّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف)) يعني: أنّه إنْ همَّ بالحسنة فعمل، فأقَلُّ ما يُكتب له عشر حسنات، وقد يَصلُ ذلك إلى سبعمائة ضِعْف بحسب الحال. -وقد ذكرنا لكم تفاصيل ذلك في أوائل هذا الشرح- فإنّ المسلمين يتفاوتون في ثواب الحسنة:

منهم: من إذا عملها كُتبت له عشر أضعاف.
ومنهم: من إذا عملها كُتِبت له مائة ضعف.
ومنهم: مائتا ضِعْف.

ومنهم: من تُكتب له أكثر من ذلك إلى سبعمائة ضِعف، بل إلى أضعافٍ كثيرة، وهذا يختلف -كما ذكرنا- باختلاف العلم وتوقير الله جل وعلا والرَّغَب في الآخرة ولهذا كان الصحابةُ -رضوان الله عليهم- أَعظَمَ هذه الأمة أجوراً، وكانوا أعظمَ هذه الأمة منزلة.
وقد ثبت عنه-عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((والذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه)) يعني: أنهم مع قلة ما ينفقون وما عملوا فإنهم أعظم مما لو أنفق أحدكم، وهؤلاء في متأخري الإسلام؛ فكيف فيمن بعدهم لو أنفقوا مثل أحد ذهباً! وهذا يختلف باختلاف حسن الإسلام وحسن اليقين...

قال: ((وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة)): (إن همّ بسيئة) يعني: أراد سيئةً فلم يعملها، فهذا فيه تفصيل:

إن تركها من جرّاء الله -جل وعلا- يعني: خشيةً لله ورغباً في ما عنده؛ فإنه تكتب له حسنة، كما ذُكر في هذا الحديث، وقد جاء في حديث آخر أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: ((فإنّما تركها من جَرَّائي))، فإذا ترك السيئة -همّ بها فتركها- يعني: فلم لأنَّ إخلاصه قَلَبَ تلك الإرادة السيئة إلى إرادة حسنة، والإرادة الحسنة والهم بالحسن يكتب له به حسنة.

والحال الثانية: أن يَهمَّ بالسيئة فلا يعملها؛ لأجْل عدمِ تمكنِه مِنْها، والنفس باقية في رغبتها بِعَملِ السيئة، فهذا وإن لم يَعمل فإنه لا تُكتبُ له حسنة بذلك، بل إن سعى في أسباب المعصية فإنه تُكتبُ عليه سيئة، كما جاء في الحديث: ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قالوا: يا سول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟! قال: إنهُ كان حريصاً على قتل صاحبه)).

قال العلماء: إذا تمكن المرءُ من أسباب المعصية وصرفه صارفٌ عنها خارجٌ عن إرادته؛ فإنَّهُ يُجزى على همِّه بالسيئة سيئةً، ويكون مؤاخذاً بها بدلالة حديث القاتل والمقتول في النار.

(4) قال: ((وإن هَمَّ بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة)): وهذا من عظيم رحمة الله -جل وعلا- بعباده المؤمنين؛ أنهم إذا عملوا سيئة لا تُضاعَفُ عليهم، بل إنمَّا يَكتُبُها الله -جل وعلا- عليهم سيئة واحدة.

وأمّا الحسنات فتضاعَفُ عليهم، ولهذا: لا يَهْلكُ على الله يوم القيامة إلا هالك؛ لا ترجُحُ سيئات أحد على حسناته إلا هالك؛ لأن الحسنات تضاعف بأضعاف كثيرة، وحتى الهم بالسيئة إذا تركه تقلب له حسنة، والسيئة تكتب بمثلها، فلا يظهر بذلك أن يزيد ميزان السيئات لعبد على ميزان الحسنات إلا وهو خاسر، وقد سعى في كثيرٍ من السيئات، وابتعد عن الحسنات، لهذا نشكر الله جل وعلا، ونحمدك ربي على إحسانك وفضلك ونعمتك على هذا الكرم وعلى هذه النعمة العظيمة، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
---------------------------
العناصر
----------------------------
حديث ابن عباس رضي الله عنهما -مرفوعاً-:
(إن الله كتب الحسنات والسيئات)
تخريج حديث ابن عباس
موضوع الحديث
منزلة حديث ابن عباس
المعنى الإجمالي لحديث ابن عباس
ذكر بعض الأحاديث في معنى حديث ابن عباس رضي الله عنهما
معنى قوله: (فيما يرويه عن ربه)
شرح قوله: (إن الله كتب الحسنات والسيئات)
معنى قوله: (كتب)
المراد بالحسنات في الحديث
المراد بالسيئات في الحديث
أنواع الكتابات التي تضمنها الحديث:
النوع الأول: كتابة الحسنات المعمولة
النوع الثاني: كتابة السيئات المقترفة
النوع الثالث: كتابة الهم بالحسنات
المرادُ بالهَمِّ هنا: العَزْمُ المُصَمِّمُ الذي يُوجَدُ مَعَهُ الحِرْصُ على العملِ
فضل الهم بالحسنات
شرح حديث: (...فهما في الأجر سواء)
النوع الرابع: كتابة الهم بالسيئات
حكم من هم بسيئة فتركها خوفاً من المخلوقين
حكم مَنْ سَعَى في المَعْصِيَةِ ثمَّ عَجَزَ عنها
من هم بمعصية ففترت عزيمته وانْفَسَخَتْ نِيَّتُهُ منْ غيرِ سببٍ منهُ
ذكر بعض اللطائف في قوله: (وإن هَمَّ بِحَسَنةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً)
أَسْبَابُ مُضَاعَفَةِ الأجرِ
مسألة: الهم بالمعصية في مكة
الترغيب في الاستكثار من الحسنات
من فوائد حديث ابن عباس رضي الله عنهما
--------------------------------------
الأسئلة
س1: اذكر بعض الأحاديث الواردة في معنى حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
س2: ما معنى (فيما يرويه عنه ربه) وما فائدتها؟
س3: ما المراد بالحسنات والسيئات في الحديث؟
س4: تضمن الحديث أربعة أنواع من الكتابة فما هي.
س5: متى تضاعف السيئة ومتى تَعْظُم؟
س6: ما المراد بالهم الذي يحاسب عليه المرء؟
س7: اشرح باختصار قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الدنيا لأربعة نفر....) الحديث.
س8: من الذي يؤجر على ترك السيئة؟
س9: من ترك المعصية خوفاً من المخلوقين هل يعاقب على نية الرياء؟
س10: اذكر ستّاً من أحوال وأسباب مضاعفة الحسنة.
س11: عدد بإيجاز بعض الفوائد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما؟


شرح الحديث رقم (37) 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
شرح الحديث رقم (37)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مشكل علم مصطلح الحديث في العصر الحديث
» شرح الحديث رقم (38)
» شرح الحديث رقم (28)
» الحديث رقم (02)
» الحديث رقم (18)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الــحــــديث الـنبــــوي الـشــــريف :: شروح الأربعون النووية :: شرح مجموعة من العلماء-
انتقل الى: