منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 شرح الحديث رقم (42)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

شرح الحديث رقم (42) Empty
مُساهمةموضوع: شرح الحديث رقم (42)   شرح الحديث رقم (42) Emptyالأربعاء 08 يونيو 2011, 6:56 pm

ح 42: حديث أنس - القدسي-: (يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي...) ت

-----------------------

42- عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقولُ: ((قَالَ اللهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ , إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ , لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، يَا ابْنَ آدَمَ , إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتيتك بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً)).
رواهُ التِّرْمِذيُّ , وقالَ: حديثٌ حَسَنٌ.

------------------------
شرح فضيلة الشيخ:
محمد حياة السنيدي

-----------------------

(2) كانَ المُصَنِّفُ قَدْ زَادَ حَدِيثَيْنِ عَلَى الأَرْبَعِينَ زِيَادةً للْخَيْرِ؛ إذْ زِيَادَتُهُ مَطْلُوبَةٌ.

(عنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ):
((قَالَ اللهُ تَعَالَى)) الكريمُ الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ: ((يَا ابْنَ آدَمَ)) مَا أَلَذَّ هَذَا النِّدَاءَ، ((إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي))أنْ أَغْفِرَ ذَنْبَكَ، ((وَرَجَوْتَنِي)) في غُفْرَانِ عِصْيَانِكَ((غَفَرْتُ لَكَ)) ذُنُوبَكَ
، لأَني أجيب دَعْوَةَ الدَّاعِي ولا أُخَيِّبُ الرَّاجِيَ، فِيمَا ((كَانَ مِنْكَ)) مِنَ الذُّنُوبِ((وَلاَ أُبَالِي)) بِمَغْفِرَتِهَا وَلاَ بِكَثْرَتِهَا؛ لأَنني لا أَتَضَرَّرُ بالمَعْصِيَةِ،وَلاَ أنْتَفِعُ بالطَّاعَةِ، وَأَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وَوَسِعَتْ رَحْمَتِي كُلَّ شَيْءٍ.

((يَا ابْنَ آدَمَ)) الخَطَّاءَ ((لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ)) بِفَتْحِ العَيْنِ: مَا ظَهَرَ لَكَ مِنَ السَّماءِ، أَيْ: لو قُدِّرَتْ ذُنُوبُكَ أَجْسَامًا فَمَلأَتِ الأرضَ وَالفَضَاءَ، وَوَصَلَتِ السَّماءَ، ((ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي)) بالنَّدَمِ والإِقْلاَعِ، والقضاءِ فِيمَا يُقْضَى، وَرَدِّ المَظَالِمِ إلى أَهْلِهَا، ((غَفَرْتُ لَكَ)) ذُنُوبَكَ.

((يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا)) بِضَمِّ القَافِ وَكَسْرِهَا، والضَّمُّ أَشْهَرُ: مَا يُقَارِبُ مِلأَهَا- وَقِيلَ: ما يَمْلَؤُهَا- وَهُوَ أَشْبَهُ؛ لأَن الكلامَ فِي سياقِ المُبَالَغَةِ ((ثمَّ أَتَيْتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا)) لأنِّي لاَ أَغْفِرُ الكُفْرَ أَبَدًا ((لأَتيتك بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً))؛ لأنَّ المَغْفِرَةَ عَلَى قَدْرِ المَعْصِيَةِ.

فَمَا أَكْرَمَ رَبَّنَا الْكَرِيمَ، وَهُوَ إلهٌ عَظِيمٌ كَبيرٌ جَليلٌ، يَعْصِيهِ عبدٌ خَسِيسٌ حَقِيرٌ ذَلِيلٌ، فَيُنَادِيهِ إلى جَنَابِهِ، يَدْعُوهُ إِلَى بَابِهِ، وَيُرَغِّبُهُ في الرُّجُوعِ إليهِ، فإذَا تَابَ إليهِ تَوْبَةً نَصُوحًا غَفَرَ ذَنْبَهُ، وَطَهَّرَ عَنْ أَقْذَارِهِ قَلْبَهُ، وَإِنْ مَاتَ مُسْلِمًا غيرَ تَائِبٍ، فَإِنْ فُتِحَ لَهُ بابُ الفَضْلِ عَفَا عنهُ وَجَازَاهُ جَزَاءً جَمِيلاً، وإنْ عَامَلَهُ مُعَامَلَةَ الْعَدْلِ، عَاقَبَهُ بقَدْرِ ذَنْبِهِ، ثمَّ أَدْخَلَهُ دَارَ كَرَامَتِهِ، وَأَفَاضَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَتِهِ.

رَبَّنَا اغْفِرْ ذُنُوبَنَا، وَطَهِّرْ عَمَّا سِوَاكَ قُلُوبَنَا، وَارْضَ عَنَّا فَإِنَّهُ مَطْلُوبُنَا.
--------------------
المنن الربانية لفضيلة الشيخ:
سعد بن سعيد الحجري

--------------------
الحديثُ الثاني وَالأربعونَ

عنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((قَالَ اللهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِي. يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي، غَفَرْتُ لَكَ. يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشْرِكُ بي شَيْئاً، لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً))، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقالَ: حديثٌ حَسَنٌ.

موضوعُ الحديثِ: أسبابُ المغفرةِ.

المفرداتُ: ((يا ابنَ آدمَ)) : المرادُ بهِ الإِنسانُ المُطْلَقُ، الذي يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى.

وَخَصَّ الذَّكَرَ مِنْ بابِ التغليبِ، وَإِلاَّ فإِنَّهُ يَشْمَلُ النساءَ وَالجِنَّ، وَآدَمُ هوَ أبو البشرِ، سُمِّيَ آدَمَ؛ لأنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ الأرضِ.

(1) ((إِنَّكَ ما دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ)): هذا السببُ الأوَّلُ مِنْ أسبابِ المغفرةِ: وَهوَ الدعاءُ، وَقدْ قَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60].

وَللدَّاعِي إِحْدَى ثلاثٍ:

إِمَّا الإِجابةُ في الحالِ.
وَإِمَّا الادِّخَارُ ليومِ القيامةِ.
وَإِمَّا دَفْعُ ضُرٍّ بِسَبَبِهَا.
وَيَجِبُ مُرَاعَاةُ أسبابِ الإِجابةِ وَالحَذَرُ مِن الموانعِ.
وَقدْ سَبَقَ بَيَانُهَا في الحديثِ العاشرِ.
((لوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السماءِ)): هذا السببُ الثاني: وَهوَ الاستغفارُ.

وَ(عَنَانُ السماءِ): أي: السَّحابُ.

وَالاستغفارُ: طَلَبُ المغفرةِ، قَالَ تَعَالَى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:199].
ولا يَهْلَكُ معَ الاستغفارِ أَحَدٌ.
وَالاستغفارُ أَمْنٌ لهذهِ الأمَّةِ مِن العذابِ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33].

وهوَ خيرُ ما تُخْتَمُ بهِ الأعمالُ، وَخيرُ ما تُخْتَمُ بهِ الأعمارُ، وَخيرُ ما تُخْتَمُ بهِ المجالسُ. أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بهِ، وَأَمَرَ بهِ رسولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكانَ يَسْتَغْفِرُ في اليومِ أكثرَ مِنْ مِائةِ مَرَّةٍ، وَيَعُدُّ لَهُ الصحابةُ في المجلسِ الواحدِ مِن الاستغفارِ سَبْعِينَ مَرَّةً، وَالاستغفارُ دَوَاءٌ للفقرِ وَللعُقْمِ وَللجَرَبِ، قالَ تَعَالَى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح:10-12].

وَفي الحديثِ القُدُسِيِّ يَقُولُ تَعَالَى: ((يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً؛ فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ...)).
وفوائدُ الاستغفارِ تَفُوقُ الحصرَ.
((يا ابنَ آدمَ، لَوْ أتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرضِ....)): القُرَابُ: أيْ مِلْءُ الأرضِ ذُنُوباً.

وَهذا السببُ الثالثُ، وَهوَ التوحيدُ الذي يَقْتَضِي صَرْفَ العبادةِ للهِ خالصةً، وَالاقْتِدَاءَ بالرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالسلامةَ مِن الشركِ، وَالتصديقَ الجازمَ بوجودِ اللهِ وَبِرُبُوبِيَّتِهِ وَبِأُلُوهِيَّتِهِ وَبِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَأنَّهُ الواحِدُ الذي لا شَرِيكَ لهُ.

الفوائـدُ:

1- أنَّ البشرَ أَبْنَاءُ آدمَ.

2-تَذْكِيرُ الإِنسانِ بِصَلاحِ الأبِ.

3-أنَّ الدعاءَ مِنْ أسبابِ المغفرةِ.

4- قَبُولُ الدعاءِ مُرْتَبِطٌ بتحقيقِ شروطِهِ وَانتفاءِ مَوَانِعِهِ.

5- أنَّ الاستغفارَ مِنْ أسبابِ المغفرةِ.

6- كثرةُ ذنوبِ الإِنسانِ.

7-تحقيقُ التوحيدِ يُوجِبُ المغفرةَ.

8- سَعَةُ مَغْفِرَةِ اللهِ تَعَالَى.

9- وُجُوبُ بَذْلِ الأسبابِ.
-------------------------
شرح فضيلة الشيخ:
ناضم سلطان المسباح

-------------------------
(1) مَنْزِلَةُ الحديثِ:

الحديثُ عظيمُ الشَّأنِ؛ لأنَّهُ دلَّ علَى عظمِ شأنِ التَّوحيدِ، وعظمِ الأجرِ الَّذي أعدَّهُ اللهُ للموحِّدِينَ، كما دلَّ علَى سعةِ مغفرةِ اللهِ لعبادِهِ.
كما فيهِ ترغيبٌ عظيمٌ بالاستغفارِ والتَّوبةِ، والإنابةِ إليهِ سبحانَهُ وتَعالَى.

نبذةٌ عن آدمَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ:

قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((قالَ اللهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ))، آدمُ:
هو أبو البشرِ، سببُ تسميتِهِ بهذا الاسمِ، كما قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ: وآدمُ اسمٌ سُريانيٌّ، وهو عندَ أهلِ الكتابِ: آدامُ، بإشباعِ فتحةِ الدَّالِ بوزنِ: خاتامَ، ووزنُهُ: فاعالُ، امتنعَ صرفُهُ للعُجْمَةِ والعلميَّةِ.
وقالَ الثَّعلبيُّ: (التُّرابُ بالعبرانيَّةِ: آدامُ، فسُمِّيَ آدمُ بهِ وحُذِفَتِ الألفُ الثَّانيَةُ).

وقيلَ: هو عربيٌّ، جزمَ به الجوهريُّ والجواليقيُّ.
وقيلَ:هو بوزنِ: أفعلَ، مِن الأدَمَةِ.
وقيلَ: مِنالأديمِ؛ لأنَّهُ خُلِقَ مِن أديمِ الأرضِ، وهذا عن ابنِ عبَّاسٍ، ووجَّهُوهُ بأنَّهُ يكونُ: كأعين، ومُنِعَ الصَّرفَ للوزنِ والعلميَّةِ.
وقيلَ: هو مِن: أَدَمْتُ بينَ الشَّيئينِ، إذا خلطْتُ بينهما لأنَّهُ ماءٌ وطينٌ فخُلِطَا جميعًا.

وآدمُ نبيٌّ كريمٌ اصطفاهُ اللهُ عزَّ وجلَّ، قالَ تعالَى: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، خلقَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ بيدِهِ، ونفَخَ فيهِ مِن روحِهِ، وأمرَ الملائكةَ فسَجَدُوا لهُ.

ثبَتَ ذلك في الكتابِ والسُّنَّةِ، كما في حديثِ الشَّفاعةِ الطَّويلِ: ((فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ))، وعلـَّمهُ أسماءَ كلِّ شيءٍ، قالَ تعالَى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}

ذكَرَ لنا ربُّنَا تَبارَكَ وتعالَى قصَّتَهُ مع إبليسَ، وكيف وَسْوَسَ له الشَّيطانُ وأوقعَهُ في مَعصيَةِ اللهِ، فجاءَهُ بأسلوبٍ فيهِ لينٌ وترغيبٌ: {وَقالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}، أَقْسمَ لهُمَا علَى صدقِهِ بنصحِهِ لهُمَا.

وقالَ تعالَى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَ يَبْلَى}، هذهِ أساليبُ إبليسَ بدعوتِهِ النَّاسَ إلَى الضَّلالِ، والبُعدِ عن مَنهجِ اللهِ، يُرغِّبُ مدعوِّيهِ ويدخُلُ عليهم مِن أبوابِ الضَّعفِ فيهم، حتَّى يوقعَهُمْ بمعصيَةِ مولاهم سبحانَهُ وتَعالَى، فإذا أوقعَهُمْ تبرَّأَ منهُمْ: {وَقالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. هذا هو موقفُهُ يومَ الدِّينِ.

فعلَى العبدِ أن يحذرَ مِن أساليبِهِ وطُرُقِهِ، فاللهُ تَبارَكَ وتعالَى ما ذكرَ لنا ذلك إلاَّ للعِبرةِ والعِظَةِ والحذرِ منهُ، وإذا حدثَ أنْ وقعَ العبدُ بالمعصيَةِ، فعليهِ أن يُبادِرَ بالتَّوبةِ والرُّجوعِ إلَى اللهِ، فاللهُ سبحانَهُ واسعُ المغفرةِ كما في هذا الحديثِ.

لذلك رَجَعَ آدمُ عليهِ السَّلامُ إلَى ربِّهِ وتابَ، فتابَ اللهُ عليهِ، قالَ تَعالَى: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
وقالَ تعالَى: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ}.
ولعلَّ النُّكتةَ في قولِ الرَّسولِ في هذا الحديثِ: ((يَا ابْنَ آدَمَ)) وهو يدعو ويُرَغـِّبُ في التَّوبةِ والاستغفارِ والإنابةِ هذا.

أسبابُ المغفرةِ:

في الحديثِ بيانُ أسبابِ مغفرةِ اللهِ لعبادِهِ، وهي كالآتي:
1 -الدُّعاءُ: قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا دَعَوْتَنِي..)) قالَ العلماءُ: ما: مصدريَّةٌ ظرفيَّةٌ، أي ما دُمْتَ تَدعونِي وتَرجُونِي، يعني مُدَّةَ دُعائِكَ ورَجائِكَ.. غفرْتُ لكَ ولا أبالي: أيْ والحالُ أنِّي لا أتعظَّمُ مغفرتَكَ.

ورَدَتْ كلمةُ الدُّعاءِ في القرآنِ لمعانٍ مُتعدِّدةٍ منها:
السُّؤالُ،كما قالَ تَبارَكَ وتعالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.
والدُّعاءُ في المعنَى الشَّرعيِّ كما يُعرِّفُهُ البعضُ:
الابتهالُ إلَى اللهِ تعالَى بالسُّؤالِ والرَّغبةِ فيما عِنْدَهُ مِن الخيرِ، والتَّضَرُّعُ إليهِ في تحقيقِ المطلوبِ وإدراكِ المأمولِ.
أ -أمرُنَا بالدُّعاءِ:أَمَرَنَا اللهُ عزَّ وجلَّ بدُعائِهِ وسؤالِهِ، قالَ تعالَى:
{وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}.
فالدُّعاءُ عِبادةٌ وقُربةٌ.

بَيَّنَ صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ بأنَّ اللهَ يَغْضَبُ عَلَى مَنْ لاَ يَسْأَلُ: ((مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ)).
ب -التَّرغيبُ في الدُّعاءِ: كما رَغَّبَنَا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدُّعاءِ: ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلاَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلاَّ أَعْطَاهُ اللهُ إِحْدَى ثَلاَثٍ: إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا)) قَالُوا: إِذَنْ نُكِثِرُ؟! قالَ: ((اللهُ أَكْثَرُ)).

وقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحِي أَنْ يَبْسُطَ الْعَبْدُ يَدَيْهِ إِلَيْهِ فَيَرُدَّهَا صِفْرًا)).

2- من أحكامِ الدُّعاءِ:

والدُّعاءُ يكونُ سببًا لمغفرةِ ذنوبِ العبدِ إذا راعَى شروطَهُ وابتعدَ عن مَوانِعِهِ؛ لذلك يَنْبَغِي أثناءَ الدُّعاءِ بالمغفرةِ أن يكونَ القلبُ حاضرًا يَعِي ما يقولُ ومَن يُخاطِبُ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ادْعُوا اللهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ)).

وكذلك أن يَرْجُوَ الإجابةَ وأن يعزمَ بالمسألةِ، ولا يقولَ: اللهمَّ اغفرْ لي إن شئْتَ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمْ فِي الدُّعَاءِ وَلاَ يَقُل: اللهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِ، فَإِنَّ اللهَ لاَ مُسْتَكْرِهَ لَهُ)).
لذلك يَنْبَغِي الإلحاحُ بشدَّةٍ في الدُّعاءِ وإظهارُ الفقرِ له سبحانَهُ، فإنَّهُ لا مَلْجَأَ ولا مَنْجَى منه إلاَّ إليهِ، وأن لا يَرجوَ مغفرةَ ذُنوبِهِ مِن غيرِ ربِّهِ سبحانَهُ، قالَ سبحانَهُ: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ}.

الرَّجاءُ والخوفُ: قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((وَرَجَوْتَنِي))، الرَّجاءُ كما يَقولُ الحافظُ في (الفتحِ): (إنَّ مَن وَقَعَ منه تَقصيرٌ فلْيُحْسِنْ ظَنَّهُ باللهِ، ويَرْجُو أنْ يَمْحُوَ عنه ذُنوبَهُ، وكذا مَن وَقَعَ منه طاعةٌ يَرْجُو قَبولَهَا، وأَمَّا مَن انْهَمَكَ في المعصيَةِ راجيًا عَدَمَ المؤاخَذَةِ بغيرِ نَدَمٍ ولا إقلاعٍ فهذا في غرورٍ).

عن أَنَسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ، (أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخلَ علَى شابٍّ وهو في الموتِ فقالَ لهُ: كيف تَجِدُكَ؟ فقالَ: أَرْجو اللهَ وأَخافُ ذُنُوبِي) فقالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللهُ مَا يَرْجُو، وَأَمَّنَهُ مِمَّا يَخَافُ)).

لذلكَ وَرَدَتْ أحاديثُ كثيرةٌ تَشتملُ علَى الوعدِ والوعيدِ الْمُقْتَضِيَيْنِ الخوفَ والرَّجاءَ: عن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: سمعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((إِنَّ اللهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللهِ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنِ النَّارَ))...

قالَ الحافظُ رحمَهُ اللهُ: (… فمَن علمَ أنَّ مِن صفاتِ اللهِ تعالَى الرَّحمةَ لِمَن أرادَ أن يَرحمَهُ، والانتقامَ ممَّنْ أرادَ أن يَنتقمَ منه لا يَأمنُ انتقامَهُ مَن يَرْجُو رحمتَهُ، ولا يَيأسُ مِن رحمتِهِ مَن يَخافُ انتقامَهُ، وذلك باعثٌ علَى مُجَانَبَةِ السَّيِّئَةِ ولو كانت صغيرةً، ومُلازَمةِ الطَّاعةِ ولو كانتْ قليلةً).

فيَنْبَغِي للمسلمِ أن يكونَ بينَ جَنَاحيِ الرَّجاءِ والخوفِ، كما قالَ تَعالَى:{وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}.

أ -القُنوطُ مِن الكبائرِ:

في هذا الحديثِ القدسيِّ، يَفتحُ اللهُ عزَّ وجلَّ أبوابَ مغفرتِهِ علَى مِصْرَاعَيْهَا للمذنِبينَ، الَّذين أَسْرَفُوا بارتكابِ الذُّنوبِ والمعاصي والتَّقصيرِ في أداءِ الواجباتِ حتَّى لا يَقنطُوا ولا يَيْأَسُوا مِن رحمتِهِ ومغفرتِهِ سبحانَهُ؛ لأنَّ القنوطَ مِن رحمتِهِ مِن الكبائرِ، قالَ اللهُ جلَّ جلالُهُ:
{وَلاَ تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}.

قالَ القرطبيُّ معَقِّبًا علَى هذِهِ الآيَةِ: دليلٌ علَى أنَّ القنوطَ مِن الكبائرِ وهو اليأسُ.
قالَ تعالَى: مُخْبِرًا عن إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ}
وقالَ تَعالَى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ففي الآيَةِ نَهْيٌ عن القنوطِ، والنَّهيُ يَقتضي التَّحريمَ إذا لم يصرفْهُ صارفٌ للكراهةِ، وهذه الآيَةُ نزلَتْ -كما قالَ ابنُ عبَّاسٍ- في أناسٍ مِن أهلِ الشِّركِ (كانُوا قد قَتلُوا وأكثرُوا وزنَوا وأكثرُوا، فأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالُوا: إنَّ الَّذي تقولُ وتَدعو إليهِ لحسنٌ، وهو يُخبرُنَا بأنَّ لِمَا عَمِلْنَا كفَّارةً) فنزلَ: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ}، ونزَلَ {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا..}.

ب -معنَى {استيأسَ الرُّسلُ} الآيَةَ:

وهنا لا بدَّ مِن بيانِ معنَى الآيَةِ قالَ اللهُ: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}، حتَّى لا يَلتبسَ الأمرُ، ويُظَنَّ أنَّ فيهِ تعارضًا بينَ ما قدَّمْتُ وهذه الآيَةِ.

فمعنَى الآيَةِ: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ}، قالَ القرطبيُّ: (أي يَئِسُوا مِن إيمانِ قومِهِم).
وعن ابنِ عبَّاسٍ في قولِهِ: {قَدْ كُذِبُوا}، قالَ: (استيأسَ الرُّسلُ مِن إيمانِ قومِهِم وظَنَّ قومُهُم أنَّ الرُّسلَ قد كَذَبُوهُمْ).

فليكنْ هو الْمُعْتَمَدُ في تأويلِ ما جاءَ عن ابنِ عبَّاسٍ في ذلك، وهو أعلمُ بمرادِ نفسِهِ مِن غيرِهِ.

وقالَتْ عائشةُ رَضِي اللهُ عَنْهُا في تفسيرِهَا: (هم أتباعُ الرُّسلِ الَّذينَ آمَنُوا بربِّهِم وصَدَّقُوهُمْ، فطالَ عليهم البلاءُ واستأخرَ عنهم النَّصرُ، حتَّى إذا استيأسَ الرُّسلُ مَن كَذَبَهُم مِن قومِهِم، وظنَّتِ الرُّسلُ أنَّ أَتْبَاعَهُمْ قد كَذَبُوهُم جاءَهُمْ نصرُ اللهِ عندَ ذلكَ).
فالرُّسلُ عليهم السَّلامُ مَعصومونَ ومنَّزهُونَ مِن أن يَيْأَسُوا مِن رحمةِ اللهِ، أو يَظُنُّوا باللهِ عزَّ وجلَّ غيرَ الحقِّ.

هذا شرحٌ موجَزٌ للآيَةِ، ومَن أرادَ التَّوسُّعَ فليرجِعْ إلَى (فتحِ الباري)، فقدْ بسطَ الحافظُ القولَ في هذه القضيَّةِ في كتابِ التَّفسيرِ.
فهذا الحديثُ فيهِ: أنَّ العبدَ مهمَا كثرَتْ ذنوبُهُ وازدادَتْ، كما قالَ: ((لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ))، أي: لو وصلتْ ذنوبُكَ مِن كثرتِهَا إلَى السَّحابِ، وقيلَ: ما انتهَى إليهِ البصرُ منها، ثمَّ استغفرْتَ تجدِ اللهَ غفورًا رحيمًا.

وكذلك في قصَّةِ الرَّجلِ الَّذِي قتلَ مِائَةَ نفسٍ شاهدٌ علَى سَعةِ مغفرةِ اللهِ لعبادِهِ، لذلك لا يَحِلُّ للمسلمِ أن يَيأسَ مِن رحمةِ اللهِ سبحانَهُ وتَعالَى.

3 -الاستغفارُ وإن عَظُمَتِ الذُّنوبُ:

قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي))الاستغفارُ كما يُعَرِّفُهُ العلماءُ: استفعالٌ، مِن الغفرانِ، وأصلُهُ: الغفرُ؛ وهو إلباسُ الشَّيءِ ما يصونُهُ عمَّا يدنِّسُهُ، وتدنيسُ كلِّ شيءٍ بحسبِهِ، والغفرانُ مِن اللهِ للعبدِ أن يصونَهُ مِن العذابِ.

وقيلَ: الاستغفارُ هو/ طلبُ المغفرةِ مِن اللهِ، وسترِ الذُّنوبِ والتَّجاوزِ عنها، ووِقايَةِ شرِّهَا.
وجوبُ الاستغفارِ مِن الذُّنوبِ أَمَرَ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى بالاستغفارِ مِن الذُّنوبِ بآياتٍ كثيرةٍ، قالَ تَعالَى:{وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
وقالَ تَعالَى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}، فيَجِبُ علَى العبدِ إذا أَذْنَبَ أن يَستغفرَ ربَّهُ عزَّ وجلَّ حتَّى يَغْفِرَ لهُ.
فضلُ الاستغفارِ مِن الذُّنوبِ: أثنَى ربُّنَا تَباركَ وتعالَى علَى المستغفِرِ: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ}.
كما يُبيِّنُ سبحانَهُ بأنَّهُ لا يعذِّبُ المستغفرينَ، قالَ تَعالَى: {وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.

والاستغفارُ مِن أسبابِ نزولِ المطرِ، وزيادةِ القوَّةِ وكثرةِ البنينَ، ونزولِ الخيراتِ والأرزاقِ، قالَ تعالَى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}.
وقالَ تَعالَى: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا}.
قالَ العلاَّمَةُ القرطبيُّ: (في هاتين الآيتينِ دليلٌ علَى أنَّ الاستغفارَ يُستنزَلُ بهِ الرِّزقُ والأمطارُ).

مِن صِيَغِ الاستغفارِ, ثبتَ في السُّنَّةِ صيغٌ للاستغفارِ يَنْبَغِي للمسلمِ أن يَحْرِصَ عليها، وذلك لما لَها مِن ثوابٍ عظيمٍ، ولِمَا فيها مِن اتِّباعٍ لرسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حيثُ هو خيرُ مَن استغفرَ ربَّهُ عزَّ وجلَّ وأنابَ إليهِ.

عن شدَّادِ بنِ أوسٍ، عنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((سيِّدُ الاستغفارِ: اللهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ))، إذا قالَهَا حينَ يُمْسِي فماتَ دخلَ الجنَّةَ، أو كانَ مِن أهلِ الجنَّةِ، وإذا قالَهَا حينَ يصبحُ فماتَ مِن يومِهِ، مثلُهُ.

قالَ الطِّيبيُّ: (لمَّا كانَ هذا الدُّعاءُ جامعًا لمعاني التَّوبةِ كلِّهَا، استُعِيرَ له اسمُ السَّيِّدِ، وهو في الأصلِ الرَّئيسُ الَّذي يُقصَدُ في الحوائجِ، ويُرْجَعُ إليهِ في الأمورِ).

وعن بلالِ بنِ يَسَارِ بنِ زيدٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: حدَّثَنِي أبي، عن جدِّي، أنَّهُ سمعَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ، وَإِنْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ))، وهذا يَدُلُّ علَى أنَّ بعضَ الكبائرِ تُغفَرُ ببعضِ الأعمالِ الصَّالحةِ؛ لأنَّ التَّوَلِّيَ مِن الكبائرِ، ولكنَّ الكبائرَ الَّتي لا تُوجِبُ علَى صاحبِهَا حُكْمًا في نفسٍ ولا مالٍ.

وعن عائشةَ رَضِي اللهُ عَنْهُا قالَتْ: كانَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكثرُ أن يقولَ قبلَ أن يَموتَ: ((سُبْحَانـَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ)).
وعن ابنِ عمرَ رَضِي اللهُ عَنْهُما قالَ: كنَّا نَعُدُّ لرسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المجلِسِ الواحدِ مائةَ مرَّةٍ: ((رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)).

اقترانُ الاستغفارِ مع التَّوبةِ:

التَّوبةُ يعرِّفُهَا القرطبيُّ: هي اختيارُ تركِ ذنبٍ سبقَ حقيقةً أو تقديرًا لأجْلِ اللهِ.

والتَّوبةُ:

الرُّجوعُ عن الذُّنوبِ، فكثيرًا ما تَأْتِي مُقْتَرِنَةً معه، قالَ تَعالَى: {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ}.

والتَّوبةُ لها شروطٌ إليكَ بيانَهَا:

-الإقلاعُ عن المعصيَةِ، لقولِهِ جلَّ وعلا: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
قالَ الحافظُ عليهِ سحائبُ الرَّحمةِ: (فيهِ إشارةٌ إلَى أنَّ مِن شروطِ قَبولِ الاستغفارِ أنْ يقلعَ المستغفرُ عن الذَّنبِ، وإلا فالاستغفارُ باللسانِ مع التَّلبُّسِ بالذَّنبِ كالتَّلاعبِ، وإذا كانتِ التَّوبةُ مُتَعَلِّقةً بحقِّ اللهِ يكفي فيها التَّركُ، وأداءُ الكفَّارةِ أو القضاءُ إن وُجِدَتَا).

-الإخلاصُ بتَرْكِ الذَّنبِ للهِ عزَّ وجلَّ؛ لأنَّ تركَ الذَّنبِ خشيَةَ أن يُعَيِّرَهُ النَّاسُ أو لغيرِهِ، لا يكونُ تائبًا اتِّفاقًا، والْحُجَّةُ في ذلك {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، والحديثُ المشهورُ: ((إِنـَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)).

-أن يَبْرَأَ مِن حقِّ صاحبِهَا، إذا كانت المعصيَةُ تَتعلَّقُ بحقوقِ العِبادِ، وذلك لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَحد مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ، أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ، أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ)).

-أن يُعَجِّلَ بالتَّوبةِ قبلَ وصولِ الرُّوحِ الحلقومَ، فإنَّها في هذه الحالةِ لا تُقْبَلُ لقولِهِ صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ: ((إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ))، وقالَ تعالَى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ}
-أن تكونَ التَّوبةُ قبلَ طلوعِ الشَّمسِ مِن مغربِهَا، لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللهُ عَلَيْهِ)).

-أن يَنْدَمَ علَى فِعْلِ المعصيَةِ، ويَعْزِمَ أن لا يعودَ إليها أبدًا قالَ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا}.
قالَ قتادةُ: (والتَّوبةُ النَّصوحُ: الصَّادقةُ).
وقالَ الكلبيُّ: (التَّوبةُ النَّصوحُ: النَّدَمُ بالقلبِ، والاستغفارُ باللسانِ، والإقلاعُ عن الذَّنبِ، والاطمئنانُ علَى أنَّهُ لا يعودُ).

4 -التَّوحيدُ:

قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((إِنـَّكَ لَوْ أَتَيْتـَنِي بِقِرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا، لأَتَيْتُكَ بِقِرَابِهَا مَغْفِرَةً))، لو لَقِيَ العبدُ ربَّهُ جلَّ وعلا بِمِلْءِ الأرضِ ذُنوبًا وخطايا لا يُشْرِكُ بعبادتِهِ أحدًا، غَفَرَ اللهُ ذنوبَهُ وتَجَاوَزَ عنها.

فالتَّوحيدُ مِن أعظمِ أسبابِ مَغفرةِ اللهِ لعَبدِهِ جلَّ وعَلاَ، والشِّرْكُ هو أن يَصْرِفَ العبدُ العِبادةَ الَّتي اخْتَصَّ اللهُ بها نفسَهُ لغيرِهِ، لوليٍّ، أو لرسولٍ، أو مَلَكٍ، أو غيرِ ذلك، فمثلاً الدُّعاءُ مِن العِباداتِ الَّتي لا تُصْرَفُ لغيرِ اللهِ، فمَن دعَا غيرَ اللهِ في كَشْفِ ضُرٍّ فيهِ أو غيرِ ذلك وَقَعَ في الشِّركِ.

كما قالَ بعضُهُمْ:

ياسيِّدي يا حبيبَ اللهِ جئتُ إلَى أعتابِ **
بابِكَ أشكو البرحَ مِن سقمِي
يا سيِّدي قد تَمَادَى السَّقمُ في جَسَدِي **
مِن شدَّةِالسُّقْمِ لم أعقلْ ولم أنمِ
قد عشْتُ دهرًا مديدًا كلُّهُ عملٌ **
واليومَ لا شيءَ غيرُ القولِ والقلمِ
ياسيِّدي طالَ شوقي للجهادِ فهلْ **
تدعو ليَ اللهَ عودًا عاليَ العلم

فهو يدعُو رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واللهُ عزَّ وجلَّ يقولُ: ((وَمَن أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)).
وكذلك نَقرأُ لقطبٍ آخرَ يُبرِّرُ ويترضَّى علَى ما يقعُ فيهِ ملايينُ مِنَ المسلمينَ مِن شركِ
الأولياءِ، واللجوءِ إليهِمْ في قبورِهِمُ الطَّاهرةِ، والدُّعاءِ فيها عندَ الشَّدائدِ.

ويقولُ كذلك: (فما لنا وللحملةِ علَى أولياءِ اللهِ وزوَّارِهِمْ والدَّاعينَ عندَ قبورِهِم ومَقاماتِهِم)
ويقولُ كذلك: (وأقولُ للمتشدِّدينَ في الإنكارِ: هونًا فما في الأمرِ مِن شركٍ، ولا وثنيَّةٍ، ولا إلحادٍ)، فهذا هو الشـِّركُ الَّذي حذَّرَ منه خليلُ ربِّ العالمينَ أمَّتَهُ يبرِّرُهُ أهلُ الجببِ الإسلاميَّةِ للمسلمينَ علَى أنَّهُ دينٌ وقُربةٌ، فإنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجعُونَ.
يتبع إن شاء الله...


شرح الحديث رقم (42) 2013_110


عدل سابقا من قبل ahmad_laban في السبت 25 يونيو 2011, 10:34 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

شرح الحديث رقم (42) Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح الحديث رقم (42)   شرح الحديث رقم (42) Emptyالأربعاء 08 يونيو 2011, 7:01 pm

التَّرهيبُ مِن الشِّركِ:

- الشِّركُ مِن أعظمِ الظُّلمِ وأَعظمِ ما عُصِيَ به ربُّ العالمينَ، قالَ تعالَى: {وَإِذْ قالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، وعاقبةُ الظُّلمِ وَخيمةٌ في الدُّنيا: الذُّلُّ والهوانُ والشَّقاءُ، وفي الآخِرةِ: عذابُ الْهُونِ.

- حرَّمَ اللهُ عزَّ وجلَّ الجنَّةَ علَى مَن أشركَ بعبادتِهِ أحدًا: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}.
-لا يغفرُ اللهُ عزَّ وجلَّ لمَن أشركَ بهِ، قالَ تَعالَى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}

-الشِّركُ سببٌ في بُطلانِ الأعمالِ، قالَ تعالَى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
وهذه الآيَةُ كقولِهِ جلَّ وعلا: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، فالشَّرطُ لقبولِ العملِ الصَّالحِ أن يكونَ صاحبُ العملِ موحِّدًا، فالصَّدقةُ والبذلُ مِن المشرِكِ لا قيمةَ له عندَ اللهِ، ولا ينتفعُ بهِ صاحبُهُ يومَ الدِّينِ.

عن عائشةَ قالَتْ: يا رسولَ اللهِ، ابنُ جدعانَ كانَ في الجاهليَّةِ يصلُ الرَّحمَ، ويطعمُ المسكينَ، فهل ذاك نافعُهُ؟! قالَ: ((لا ينفعُهُ إنَّهُ لم يقلْ يومًا: ربِّ اغفرْ لي خطيئَتِي يومَ الدِّينِ)).

حتَّى نصرةُ الدِّينِ وقولُ كلمةِ الحقِّ لا تنجِّي صاحبَهَا مِن نارِ جهنَّمَ إن كانَ مشركًا، لقد نصرَ أبو طالبٍ محمَّدًا، ودافعَ عنهُ حتَّى يقولَ:
واللهِ لن يصلُوا إليكَ بجمعِهِم **
حتَّى أوسَّدَ في التُّرابِ دفينا
فاصدعْ بأمرِكَ ما عليكَ غضاضةٌ **
وابشرْ بذاكَ وقرَّ منه عيونا
ولقد علمْتُ بأنَّ دينَ محمَّدٍ **
مِن خيرِأديانِ البريَّةِ دينا
ودعوتَني وزعمتُ أنَّكَ ناصحٌ **
ولقد صدقْت َوكنْتَ ثمَّ أمينَا
لولاالملامةُ أو حذارُ مسبَّةٍ **
لوجدَتَني سمحاً بذاك مبينا

ولكنَّهُ لم يَنْجُ مِن النَّارِ، تُوضَعُ تحتَ أَخْمُصِ قدميهِ جمرتانِ يَغْلِي منهما دِماغُهُ في نارِ جَهنَّمَ، فيَجبُ علَى العبدِ أن يَحْذَرَ مِن الشِّركِ حتَّى يَنْجُوَ يومَ لا يَنفعُ مالٌ ولا بَنونَ، وأن يَعملَ بأخذِ أسبابِ المغفرةِ الَّتِي بيَّنَها رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا الحديثِ حتَّى يغفرَ اللهُ له ذنوبَهُ.
---------------------------
جامع العلوم والحكم للحافظ:
عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي

---------------------------
(1) هذا الحديثُ تَفَرَّدَ بهِ التِّرْمِذِيُّ، خَرَّجَهُ منْ طريقِ كَثِيرِ بنِ فَائِدٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بنُ عُبَيْدٍ، سَمِعْتُ بَكْرَ بنَ عبدِ اللَّهِ المُزَنِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ، فَذَكَرَهُ.

وقالَ: (حَسَنٌ غَرِيبٌ، لا نَعْرِفُهُ إلا مِنْ هذا الوجهِ انْتَهَى) وَإِسْنَادُهُ لا بَأْسَ بهِ،وَسَعِيدُ بنُ عُبَيْدٍ هوَ الْهُنَائِيُّ.
قالَ أبو حاتمٍ: شَيْخٌ.
وذَكَرَهُ ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقَاتِ).
ومَنْ زَعَمَ أنَّهُ غيرُ الهُنَائِيِّ فقدْ وَهِمَ.

وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: (تَفَرَّدَ بهِ كَثِيرُ بنُ فَائِدٍ عنْ سعيدٍ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ عنْ سعيدِ بنِ عُبَيْدٍ، فَوَقَفَهُ على أَنَسٍ).

قُلْتُ: قدْ رُوِيَ عنهُ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، وَتَابَعَهُ على رَفْعِهِ أيضًا أبو سعيدٍ مَوْلَى بني هَاشِمٍ، فَرَوَاهُ عنْ سعيدِ بنِ عُبَيْدٍ مَرْفُوعًا أيضًا.
وقدْ رُوِيَ أيضًا منْ حديثِ ثابتٍ عنْ أنسٍ مَرْفُوعًا، ولكنْ قالَ أبو حاتمٍ: هوَ مُنْكَرٌ.

وَقَدْ رُوِيَ أيضًا منْ حديثِ أبي ذَرٍّ، خَرَّجَهُ الإِمامُ أحمدُ منْ روايَةِ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عنْ مَعْدِ يكَرِبَ، عنْ أبي ذَرٍّ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْوِيهِ عنْ رَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ، فَذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ.
وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ شَهْرٍ، عنْ عبدِ الرحمنِ بنِ غَنْمٍ، عنْ أبي ذرٍّ.
وقيلَ: عنْ شَهْرٍ، عنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عنْ أبي الدَّرْدَاءِ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا يَصِحُّ هذا القولُ.
ورُوِيَ منْ حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ، خَرَّجَهُ الطَّبَرَانِيُّ منْ روايَةِ قَيْسِ بنِ الربيعِ، عنْ حبيبِ بنِ أبي ثابتٍ، عنْ سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ورُوِيَ بَعْضُهُ منْ وُجُوهٍ أُخَرَ.
فَخَرَّجَ مسلمٌ في (صحيحِهِ) منْ حديثِ المَعْرُورِ بنِ سُوَيْدٍ، عنْ أبي ذرٍّ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً لا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً)).

وَخَرَّجَ الإمامُ أحمدُ منْ روايَةِ أَخْشَنَ السَّدُوسِيِّ قالَ: دَخَلْتُ على أنسٍ فقالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَخْطَأْتُمْ حَتَّى تَمْلأََ خَطَايَاكُمْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتُمُ اللَّهَ، لَغَفَرَ لَكُمْ)).
فقدْ تَضَمَّنَ حَدِيثُ أَنَسٍ المبدوءُ بِذِكْرِهِ أنَّ هذهِ الأسبابَ الثَّلاثَةَ يَحْصُلُ بها المَغْفِرَةُ: أحدُهَا: الدُّعَاءُ معَ الرَّجَاءِ؛ فإنَّ الدعاءَ مَأْمُورٌ بهِ، وَمَوْعُودٌ عليهِ بالإِجابةِ، كما قالَ تَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60].

وفي (السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ): عن النعمانِ بنِ بَشِيرٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ))، ثمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ.
وفي حديثٍ آخَرَ خَرَّجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا: ((مَنْ أُعْطِيَ الدُّعَاءَ أُعْطِيَ الإِجَابَةَ؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} )).
وفي حديثٍ آخَرَ: ((مَا كَانَ اللَّهُ لِيَفْتَحَ عَلَى عَبْدٍ بَابَ الدُّعَاءِ وَيُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الإِجَابَةِ)).

لكنَّ الدعاءَ سَبَبٌ مُقْتَضٍ للإجابةِ معَ استكمالِ شَرَائِطِهِ، وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ. وَقَدْ تَتَخَلَّفُ إِجَابَتُهُ لانْتِفَاءِ بعضِ شُرُوطِهِ، أوْ وُجُودِ بعضِ موانعِهِ.
وقدْ سَبَقَ ذِكْرُ بَعْضِ شرائطِهِ وموانعِهِ وَآدَابِهِ في شرحِ الحديثِ العاشرِ.
ومِنْ أَعْظَمِ شَرَائِطِهِ: حُضُورُ القلبِ، وَرَجَاءُ الإِجابةِ من اللَّهِ تَعَالَى.

كما خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ منْ حديثِ أبي هريرةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ)).

وفي (الْمُسْنَدِ): عنْ عبدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ، فَبَعْضُهَا أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ لِعَبْدٍ دُعَاءً مِنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَافِلٍ)).

ولهذا نُهِيَ العبدُ أنْ يَقولَ في دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي إنْ شِئْتَ، وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ؛ فإنَّ اللَّهَ لا مُكْرِهَ لَهُ.
ونُهِيَ أنْ يَسْتَعْجِلَ وَيَتْرُكَ الدُّعاءَ لاسْتِبْطَاءِ الإجابةِ ، وَجُعِلَ ذلكَ منْ موانعِ الإِجابةِ، حتَّى لا يَقْطَعَ العبدُ رَجَاءَهُ منْ إجابةِ دُعائِهِ ولوْ طالَت المُدَّةُ؛ فإنَّهُ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ المُلِحِّينَ في الدعاءِ.

وجاءَ في الآثارِ: (إنَّ العبدَ إذا دَعَا رَبَّهُ وهوَ يُحِبُّهُ، قالَ: يَا جِبْرِيلُ، لا تَعْجَلْ بقضاءِ حاجةِ عَبْدِي؛ فإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ صَوْتَهُ).
وقالَ تَعَالَى: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56].

فَمَا دَامَ الْعَبْدُ يُلِحُّ في الدُّعاءِ، ويَطْمَعُ في الإِجابةِ منْ غيرِ قَطْعِ الرَّجاءِ، فهوَ قريبٌ من الإجابةِ. ومَنْ أَدْمَنَ قَرْعَ البابِ يُوشِكُ أنْ يُفْتَحَ لهُ.
وفي (صَحِيحِ الحَاكِمِ): عنْ أنسٍ مَرْفُوعًا: ((لا تَعْجِزُوا عَنِ الدُّعَاءِ؛ فَإِنَّهُ لَنْ يَهْلِكَ مَعَ الدُّعَاءِ أَحَدٌ)).

ومِنْ أَهَمِّ ما يَسْأَلُ العبدُ رَبَّهُ: مَغْفِرَةُ ذُنُوبِهِ، أوْ ما يَسْتَلْزِمُ ذلكَ؛ كالنَّجَاةِ من النارِ، ودُخُولِ الجنَّةِ، وقدْ قالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ))، يَعْنِي: حَوْلَ سُؤَالِ الجنَّةِ والنَّجَاةِ من النارِ.
قالَ أبو مسلمٍ الخَوْلانِيُّ: (ما عَرَضَتْ لي دَعْوَةٌ فَذَكَرْتُ النَّارَ إلا صَرَفْتُهَا إلى الاستعاذةِ منها).

ومن رحمةِ اللَّهِ تَعَالَى بعَبْدِهِ أنَّ العبدَ يَدْعُوهُ بِحَاجَةٍ من الدُّنْيا، فَيَصْرِفُهَا عَنْهُ، وَيُعَوِّضُهُ خيرًا منها، إمَّا أنْ يَصْرِفَ عنهُ بذلكَ سُوءًا، أوْ أنْ يَدَّخِرَهَا لهُ في الآخرةِ، أوْ يَغْفِرَ لهُ بها ذَنْبًا.

كما في (المُسْنَدِ) و(التِّرْمِذِيِّ) منْ حديثِ جابرٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو بِدُعَاءٍ إِلا آتَاهُ اللَّهُ مَا سَأَلَ، أَوْ كَفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهُ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ)).

وفي (المُسْنَدِ) و(صحيحِ الحاكمِ): عنْ أبي سعيدٍ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ أَوْ قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاثٍ: إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا))، قالُوا: إذًا نُكْثِرُ؟ قَالَ: ((اللَّهُ أَكْثَرُ)).

وَخَرَّجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وعندَهُ: ((أَوْ يَغْفِرَ لَهُ بِهَا ذَنْبًا قَدْ سَلَفَ))بَدَلَ قولِهِ: ((أَوْ يَكْشِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا)).
وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ منْ حديثِ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا نحوَ حديثِ أبي سعيدٍ أيضًا.

وبكُلِّ حالٍ، فالإلحاحُ بالدُّعَاءِ بالمغفرةِ معَ رَجَاءِ اللَّهِ تَعَالَى مُوجِبٌ للمغفرةِ.
واللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ)).
وفي روايَةٍ:((فَلا تَظُنُّوا بِاللَّهِ إِلا خَيْرًا)).
وَيُرْوَى منْ حديثِ سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عن ابنِ عمرَ مَرْفُوعًا: ((يَأْتِي اللَّهُ تَعَالَى بِالْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَرِّبُهُ حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي حِجَابِهِ مِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ، فَيَقُولُ لَهُ: اقْرَأْ (صَحِيفَتَكَ). فَيُعَرِّفُهُ ذَنْبًا ذَنْبًا: أَتَعْرِفُ، أَتَعْرِفُ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، نَعَمْ. ثُمَّ يَلْتَفِتُ الْعَبْدُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: لا بَأْسَ عَلَيْكَ يَا عَبْدِي، أَنْتَ فِي سِتْرِي مِنْ جَمِيعِ خَلْقِي، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ الْيَوْمَ أَحَدٌ يَطَّلِعُ عَلَى ذُنُوبِكَ غَيْرِي، اذْهَبْ فَقَدْ غَفَرْتُهَا لَكَ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ مِنْ جَمِيعِ مَا أَتَيْتَنِي بِهِ، قالَ: مَا هُوَ يَا رَبِّ؟ قَالَ: كُنْتَ لا تَرْجُو الْعَفْوَ مِنْ أَحَدٍ غَيْرِي)).

فَمِنْ أَعْظَمِ أسبابِ المغفرةِ أنَّ العبدَ إذا أَذْنَبَ ذَنْبًا لمْ يَرْجُ مَغْفِرَتَهُ منْ غيرِ رَبِّهِ، وَيَعْلَمُ أنَّهُ لا يَغْفِرُ الذنوبَ ويَأَخْذُ بها غَيْرُهُ.
وقدْ سَبَقَ ذِكْرُ ذلكَ في شرحِ حديثِ أبي ذرٍّ: ((يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي))الحديثَ.
(2)وقولُهُ: ((إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِي))، يَعْنِي: عَلَى كَثْرَةِ ذُنُوبِكَ وَخَطَايَاكَ، وَلا يَتَعَاظَمُنِي ذلكَ، وَلا أَسْتَكْثِرُهُ.

وفي (الصحيحِ): عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيُعْظِمِ الرَّغْبَةَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ)).
فَذُنُوبُ العبادِ وإنْ عَظُمَتْ فإنَّ عَفْوَ اللَّهِ وَمَغْفِرَتَهُ أَعْظَمُ منها وأَعْظَمُ، فهيَ صغيرةٌ في جَنْبِ عَفْوِ اللَّهِ ومغفرتِهِ.

وفي (صحيحِ الحاكمِ): عنْ جابرٍ، أنَّ رجلاً جاءَ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: (وَاذُنُوبَاهُ! وَاذُنُوبَاهُ! مَرَّتَيْنِ أوْ ثلاثًا، فقالَ لهُ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((قُلِ: اللَّهُمَّ مَغْفِرَتُكَ أَوْسَعُ مِنْ ذُنُوبِي، وَرَحْمَتُكَ أَرْجَى عِنْدِي مِنْ عَمَلِي)). فَقَالَهَا. ثمَّ قَالَ لهُ: ((عُدْ))، فَعَادَ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: ((عُدْ))، فَعَادَ. فقالَ لهُ: ((قُمْ؛ فَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ))).

وفي هذا يقولُ بعضُهُم:
يَاكبِيرَ الذَّنْبِ عَفْوُ اللَّهِ ** مـنْ ذَنْبِكَ أَكْبَرُ
أَعْظَمُ الأَشْيَاءِ فِي جَنْبِ ** عَفْوِاللَّهِ يَصْغُرُ

وقالَ آخَرُ:
يارَبِّ إنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِيَ كَثْرَةً ** فَلَقَدْ عَلِمْتُ بأنَّ عَفْوَكَ أَعْظَمُ
إنْ كَانَ لا يَرْجُوكَ إلاَّ مُحْسِنٌ ** فمَن الَّذِي يَرْجُو وَيَدْعُو المُجْرِمُ
مَالي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ إِلاَّ الرَّجَا ** وَجَمِيلُ عَفْوِكَ ثمَّ أَنِّي مُسْلِمُ

السببُ الثاني للمغفرةِ:

الاستغفارُ ولوْ عَظُمَت الذنوبُ، وبَلَغَت الكَثْرَةُ عَنانَ السماءِ، وهوَ السحابُ، وقيلَ: ما انْتَهى إليه البصرُ منها.
وفي الروايَةِ الأُخْرَى: ((لَوْ أَخْطَأْتُمْ حَتَّى بَلَغَتْ خَطَايَاكُمْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتُمُ اللَّهَ، لَغَفَرَ لَكُمْ)).
والاستغفارُ: طلبُ المغفرةِ، والمَغْفِرَةُ: هيَ وِقَايَةُ شَرِّ الذنوبِ معَ سَتْرِهَا.

وقدْ كَثُرَ في القرآنِ ذِكْرُ الاستغفارِ، فَتَارَةً يُؤْمَرُ بهِ، كقولِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:199].
وقولِهِ: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هُود:3].
وَتَارَةً يَمْدَحُ أَهْلَهُ، كَقَوْلِهِ: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمرانَ:17].

وقولِهِ: {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذَّارِيَات:18].

وقولِهِ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ} [آل عمرانَ:135].
وَتَارَةً يَذْكُرُ أنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِمَن اسْتَغْفَرَهُ، كقولِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفورًا رَحِيمًا} [النساء:110].

وَكَثِيرًا ما يُقْرَنُ الاستغفارُ بِذِكْرِ التَّوْبَةِ، فيكونُ الاستغفارُ حِينَئِذٍ عبارةً عنْ طلبِ المغفرةِ باللِّسَانِ، والتوبةُ عبارةً عن الإِقلاعِ عن الذنوبِ بالقلوبِ والجوارحِ.

وتارَةً يُفْرَدُ الاستغفارُ، ويُرَتَّبُ عليهِ المغفرةُ، كَمَا ذُكِرَ في هذا الحديثِ وما أَشْبَهَهُ.
فقدْ قِيلَ: إنَّهُ أُرِيدَ بهِ الاستغفارُ المُقْتَرِنُ بالتَّوْبَةِ.
وقيلَ: إنَّ نُصُوصَ الاستغفارِ المُفْرَدَةَ كُلَّهَا مُطْلَقَةٌ تُقَيَّدُ بما يُذْكَرُ في آيَةِ (آلِ عِمْرَانَ) منْ عَدَمِ الإصرارِ؛ فإنَّ اللَّهَ وَعَدَ فيها المغفرةَ لِمَن اسْتَغْفَرَهُ منْ ذُنُوبِهِ ولمْ يُصِرَّ على فِعْلِهِ، فَتُحْمَلُ النُّصوصُ المُطْلَقَةُ في الاستغفارِ كُلُّهَا على هذا المُقَيَّدِ.

وَمُجَرَّدُ قولِ القائلِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، طَلَبٌ منهُ للمغفرةِ وَدُعَاءٌ بها، فيكونُ حُكْمُهُ حُكْمَ سَائرِ الدُّعَاءِ، فإنْ شاءَ اللَّهُ أَجَابَهُ وَغَفَرَ لِصَاحِبِهِ، لا سِيَّمَا إذا خَرَجَ عنْ قَلْبٍ مُنْكَسِرٍ بالذَّنْبِ، أوْ صَادَفَ ساعةً منْ ساعاتِ الإجابةِ؛ كالأسحارِ وأَدْبَارِ الصلواتِ.

ويُرْوَى عنْ لُقْمَانَ عليهِ السلامُ أنَّهُ قالَ لابنِهِ: يا بُنَيَّ، عَوِّدْ لِسَانَكَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي؛ فإنَّ لِلَّهِ سَاعَاتٍ لا يَرُدُّ فيها سائلاً.
وقالَ الحسنُ: (أَكْثِرُوا من الاستغفارِ في بُيُوتِكُمْ، وعلى مَوَائِدِكُم، وفي طُرُقِكُم، وفي أَسْوَاقِكُم، وفي مَجَالِسِكُم أَيْنَمَا كُنْتُمْ؛ فَإِنَّكُمْ مَا تَدْرُونَ مَتَى تَنْزِلُ المَغْفِرَةُ).

وَخَرَّجَ ابنُ أبي الدُّنْيا في كتابِ (حُسْنِ الظَّنِّ) منْ حديثِ أبي هُريرةَ مَرْفُوعًا: ((بَيْنَما رَجُلٌ مُسْتَلْقٍ إِذْ نَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ وَإِلَى النُّجُومِ فَقَالَ: إِنِّي لأََعْلَمُ أَنَّ لَكِ رَبًّا خَالِقًا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي. فَغُفِرَ لَهُ)).
وعنْ مُوَرِّقٍ قالَ: (كانَ رَجُلٌ يَعْمَلُ السَّيِّئَاتِ، فَخَرَجَ إلى البَرِّيَّةِ، فَجَمَعَ تُرَابًا فَاضْطَجَعَ عليهِ مُسْتَلْقِيًا، فقالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، فَقَالَ: إنَّ هذا لَيَعْرِفُ أنَّ لهُ رَبًّا يَغْفِرُ وَيُعَذِّبُ، فَغَفَرَ لهُ).

وعنْ مُغِيثِ بنِ سُمَيٍّ قالَ: (بَيْنَمَا رَجُلٌ خَبِيثٌ، فَتَذَكَّرَ يَوْمًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ غُفْرَانَكَ، اللَّهُمَّ غُفْرَانَكَ، اللَّهُمَّ غُفْرَانَكَ، ثمَّ ماتَ، فَغُفِرَ له)ُ.
وَيَشْهَدُ لهذا ما في (الصَّحِيحَيْنِ): عنْ أبي هريرةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنَّ عَبْدًا أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْ لِي، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِهِ، غَفَرْتُ لِعَبْدِي. ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ، فَذَكَرَ مِثْلَ الأَوَّلِ مَرَّتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ)).

وفى روايَةٍ لمسلمٍ، أنَّهُ قالَ في الثالثةِ: ((قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ)).
والمَعْنَى: مَا دَامَ على هذهِ الحالِ كُلَّمَا أَذْنَبَ اسْتَغْفَرَ.
والظاهرُ أنَّ مُرَادَهُ الاستغفارُ المَقْرُونُ بعَدَمِ الإِصرارِ؛ ولهذا في حديثِ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ، وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً))، خَرَّجَهُ أبو داودَ والتِّرْمِذِيُّ.
وأمَّا استغفارُ اللسانِ معَ إصرارِ القلبِ على الذَّنْبِ فهوَ دُعاءٌ مُجَرَّدٌ، إنْ شاءَ اللَّهُ أَجَابَهُ، وإنْ شَاءَ رَدَّهُ.

وقدْ يَكُونُ الإصرارُ مَانِعًا من الإجابةِ.

وفي (المُسْنَدِ) منْ حديثِ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو مَرْفُوعًا: ((وَيْلٌ لِلَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)).
وَخَرَّجَ ابنُ أبي الدُّنْيَا منْ حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: ((التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ، وَالْمُسْتَغْفِرُ مِنْ ذَنْبٍ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِرَبِّهِ)).

وَرَفْعُهُ مُنْكَرٌ، وَلَعَلَّهُ مَوْقُوفٌ.
قالَ الضَّحَّاكُ: (ثلاثةٌ لا يُسْتَجَابُ لهم، فذَكَرَ منهم: رَجُلٌ مُقِيمٌ على امرأةِ زِنَى، كُلَّمَا قَضَى شَهْوَتَهُ قالَ: ربِّ اغْفِرْ لِي ما أَصَبْتُ منْ فُلانَةٍ، فَيَقُولُ الرَّبُّ: تَحَوَّلْ عَنْهَا وَأَغْفِرَ لكَ، فَأَمَّا مَا دُمْتَ مُقِيمًا علَيْهَا فَإِنِّي لا أَغْفِرُ لكَ، وَرَجُلٌ عندَهُ مَالُ قَوْمٍ، يَرَى أَهْلَهُ فيقولُ: ربِّ اغْفِرْ لِي ما آكُلُ منْ مالِ فُلانٍ، فيقولُ تَعَالَى: رُدَّ إِلَيْهِمْ مَالَهُم وَأَغْفِرَ لكَ، وأمَّا ما لمْ تَرُدَّ إليهِم فلا أَغْفِرُ لكَ).
وقولُ القائلِ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، مَعْنَاهُ: أَطْلُبُ مَغْفِرَتَهُ، فهوَ كقولِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي.

فالاستغفارُ التَّامُّ المُوجِبُ للمغفرةِ:
هوَ ما قَارَنَ عَدَمَ الإصرارِ، كَمَا مَدَحَ اللَّهُ أَهْلَهُ وَوَعَدَهُم المَغْفِرَةَ.

قالَ بعضُ العارفِينَ: مَنْ لمْ يَكُنْ ثَمَرَةُ اسْتِغْفَارِهِ تَصْحِيحَ تَوْبَتِهِ، فهوَ كاذبٌ في استغفارِهِ. وكانَ بَعْضُهم يقولُ: اسْتِغْفَارُنَا هذا يَحْتَاجُ إلى استغفارٍ كثيرٍ.
وفي ذلكَ يقولُ بَعْضُهُم:

أَسْتَغْفِرُاللَّهَ مِنْ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ **
لَفْظةٍبَدَرَتْ خَالَفْتُ مَعْنَاهَا
وَكَيْفَ أَرْجُو إِجَابَاتِ الدُّعَاءِ وقدْ **
سَدَدْتُ بالذَّنْبِ عندَ اللَّهِ مَجْرَاهَا
فأفضلُ الاستغفارِ ما اقْتَرَنَ بهِ تَرْكُ الإِصرارِ، وهوَ حينئذٍ تَوْبَةٌ نَصُوحٌ.
وإنْ قالَ بلسانِهِ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وهوَ غيرُ مُقْلِعٍ بِقَلْبِهِ، فهوَ داعٍ للَّهِ بالمغفرةِ، كما يقولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وهوَ حَسَنٌ، وقدْ يُرْجَى لهُ الإِجابةُ.

وأمَّا مَنْ قالَ: تَوْبَةُ الكَذَّابِينَ، فَمُرَادُهُ أنَّهُ ليسَ بِتَوْبَةٍ كما يَعْتَقِدُهُ بَعْضُ الناسِ، وهذا حقٌّ؛ فإنَّ التَّوبةَ لا تكونُ مَعَ الإِصرارِ.
وإنْ قالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إليهِ، فَلَهُ حَالَتَانِ:
إحدَاهُمَا: أنْ يَكُونَ مُصِرًّا بقَلْبِهِ على المعصيَةِ، فهذا كاذبٌ في قولِهِ: وَأَتُوبُ إليهِ؛ لأنَّهُ غيرُ تَائِبٍ، فلا يَجُوزُ لهُ أنْ يُخْبِرَ عنْ نفسِهِ بأنَّهُ تَائِبٌ وهوَ غيرُ تائبٍ.

والثانيَةُ: أنْ يكونَ مُقْلِعًا عن المعصيَةِ بِقَلْبِهِ، فَاخْتَلَفَ الناسُ في جوازِ قولِهِ: وَأَتُوبُ إليهِ، فَكَرِهَهُ طائفةٌ من السَّلفِ، وهوَ قولُ أصحابِ أبي حنيفةَ حَكَاهُ عنهم الطَّحَاوِيُّ.
يتبع إن شاء الله...


شرح الحديث رقم (42) 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

شرح الحديث رقم (42) Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح الحديث رقم (42)   شرح الحديث رقم (42) Emptyالأربعاء 08 يونيو 2011, 7:06 pm

وقالَ الربيعُ بنُ خُثَيْمٍ: يكونُ قولُهُ: وَأَتُوبُ إليهِ، كِذْبَةً وَذَنْبًا، ولكنْ لِيَقُل: اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيَّ، أوْ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ فَتُبْ عَلَيَّ.
وهذا قدْ يُحْمَلُ على مَنْ لمْ يُقْلِعْ بِقَلْبِهِ وهوَ بِحَالِهِ أَشْبَهُ.
وكانَ مُحَمَّدُ بنُ سُوقَةَ يَقُولُ في اسْتِغْفَارِهِ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ العظيمَ، الذي لا إلهَ إلا هوَ، الحيَّ القيُّومَ، وَأَسْأَلُهُ تَوْبَةً نَصُوحًا.

ورُوِيَ عنْ حُذَيْفَةَ أنَّهُ قالَ: (بِحَسْبِ المَرْءِ من الكذبِ أنْ يَقُولَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، ثمَّ يَعُودُ).

وَسَمِعَ مُطَرِّفٌ رَجُلاً يقولُ: (أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إليهِ، فَتَغَيَّظَ عليهِ وقالَ: لَعَلَّكَ لا تَفْعَلُ).
وهذا ظَاهِرُهُ يَدُلُّ على أنَّهُ إنَّمَا كَرِهَ أنْ يَقُولَ: وَأَتُوبُ إليهِ؛ لأنَّ التوبةَ النَّصُوحَ أنْ لا يَعُودَ إلى الذَّنْبِ أَبَدًا، فَمَتَى عَادَ إليهِ كانَ كَاذِبًا في قولِهِ: أَتُوبُ إليهِ.

وكذلكَ سُئِلَ مُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ عمَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ أنْ لا يَعُودَ إلى معصيَةٍ أبدًا، فقالَ: مَنْ أَعْظَمُ منهُ إِثْمًا؟ يَتَأَلَّى عَلَى اللَّهِ أنْ لا يَنْفُذَ فيهِ قضاؤُهُ.
وَرَجَّحَ قولَهُ في هذا أبو الفرجِ بنُ الجَوْزِيِّ، وَرُوِيَ عنْ سُفيانَ بنِ عُيَيْنَةَ نحوُ ذلكَ.

وجمهورُ العلماءِ على جوازِ أنْ يَقُولَ التائبُ: أَتُوبُ إلى اللَّهِ، وأنْ يُعَاهِدَ العبدُ رَبَّهُ على أنْ لا يعودَ إلى المعصيَةِ؛ فإنَّ العَزْمَ على ذلكَ واجبٌ عليهِ، فهوَ مُخْبِرٌ بما عَزَمَ عليهِ في الحالِ؛ ولهذا قالَ: ((مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ، وَلَوْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً))، وقالَ في المُعَاوِدِ للذَّنْبِ: ((قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ)).
وفي حديثِ كَفَّارَةِ المَجْلِسِ: ((أَسْتَغْفِرُكَ اللَّهُمَّ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ)).
وَقَطَعَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَارِقًا، ثمَّ قالَ لهُ:

((اسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ))، فقالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، فقالَ: ((اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ))، خَرَّجَهُ أبو داودَ.
وَاسْتَحَبَّ جماعةٌ من السلفِ الزيادةَ على قولِهِ: (أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ).

فَرُوِيَ عنْ عُمَرَ أنَّهُ سَمِعَ رجلاً يقولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إليهِ، فقالَ لهُ: (يَا حُمَيْقُ، قُلْ: تَوْبَةَ مَنْ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضَرًّا ولا نَفْعًا، ولا مَوْتًا ولا حياةً ولا نُشُورًا).
وَسُئِلَ الأَوْزَاعِيُّ عن الاستغفارِ: أَيَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إليهِ؟ فقالَ: (إنَّ هذا لَحَسَنٌ، ولكنْ يَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي؛ حتَّى يُتِمَّ الاستغفارَ).

وأفضلُ أنواعِ الاستغفارِ:

أنْ يَبْدَأَ العَبْدُ بالثَّنَاءِ على رَبِّهِ، ثُمَّ يُثَنِّيَ بالاعترافِ بِذَنْبِهِ، ثمَّ يَسْأَلَ اللَّهَ المغفرةَ، كما في حديثِ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ))، خَرَّجَهُ البخاريُّ.
وفي (الصَّحِيحَيْنِ): عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو، أنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: يا رسولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بهِ في صَلاتِي، قالَ: ((قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي؛ إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)).

ومن أنواعِ الاستغفارِ، أنْ يَقُولَ العَبْدُ:

((أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيَّ القَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ)).
وقدْ رُوِيَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ مَنْ قَالَهُ غُفِرَ لهُ وإنْ كانَ فَرَّ من الزَّحْفِ، خَرَّجَهُ أبو دَاوُدَ والتِّرْمِذِيُّ.
وفي كتابِ (اليومِ واللَّيْلةِ) للنَّسَائِيِّ: عنْ خَبَّابِ بنِ الأَرَتِّ قَالَ: (قُلْتُ: يَا رسولَ اللَّهِ، كَيْفَ نَسْتَغْفِرُ؟) قالَ: ((قُلِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا، وَارْحَمْنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا؛ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)).

وفيهِ: عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي (السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ): عن ابنِ عُمَرَ قالَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المَجْلِسِ الوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ يَقُولُ: (رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ؛ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ).

وفي (صحيحِ البخاريِّ): عنْ أبي هريرةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((وَاللَّهِ، إِنِّي لأََسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً)).
وفي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ): عن الأَغَرِّ المُزَنِيِّ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لأََسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ)).

وفي (المُسْنَدِ): عنْ حُذيفةَ قالَ: (قُلْتُ: يا رسولَ اللَّهِ، إنِّي ذَرِبُ اللِّسَانِ، وإنَّ عَامَّةَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِي) فقالَ: ((أَيْنَ أَنْتَ مِنَ الاسْتِغْفارِ؟
إِنِّي لأََسْتَغْفِرُ اللَّهَ في الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِائَةَ مَرَّةٍ)).
وفِي (سُنَنِ أبي داودَ): عن ابنِ عَبَّاسٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ أَكْثَرَ مِنَ الاسْتِغْفَارِ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)).
قالَ أبو هُريرةَ: (إنِّي لأََسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إليهِ
كُلَّ يومٍ ألْفَ مَرَّةٍ، وذلكَ على قَدْرِ دِيَتِي).

وقالَتْ عائشةُ: (طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ في صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كثيرًا).
قالَ أبو المِنْهَالِ: (ما جَاوَرَ عَبْدٌ في قَبْرِهِ مِنْ جَارٍ أَحَبَّ إليهِ من اسْتِغْفَارٍ كثيرٍ).
وبالجُمْلَةِ، فَدَوَاءُ الذنوبِ الاستغفارُ.

وَرُوِّينَا منْ حديثِ أبي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: ((إِنَّ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، وَإِنَّ دَوَاءَ الذُّنُوبِ الاسْتِغْفَارُ)).

قالَ قتادةُ: (إنَّ هذا القرآنَ يَدُلُّكُمْ على دَائِكُمْ وَدَوَائِكُمْ، فَأَمَّا دَاؤُكُم: فالذُّنوبُ، وأمَّا دَوَاؤُكُم: فالاستغفارُ).

قالَ بَعْضُهم: إنَّمَا مُعَوَّلُ المُذْنِبِينَ البُكَاءُ والاستغفارُ، فَمَنْ أَهَمَّتْهُ ذُنُوبُهُ أَكْثَرَ لها من الاستغفارِ.
قالَ رِيَاحٌ القَيْسِيُّ: (لي نَيِّفٌ وَأَرْبَعُونَ ذَنْبًا، قَد اسْتَغْفَرْتُ اللَّهَ لكُلِّ ذَنْبٍ مِائَةَ أَلْفِ مَرَّةٍ).
وَحَاسَبَ بَعْضُهُم نَفْسَهُ منْ وَقْتِ بُلُوغِهِ، فَإِذَا زَلاتُهُ لا تُجَاوِزُ سِتًّا وَثَلاثِينَ زَلَّةً، فَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ لِكُلِّ زَلَّةٍ مِائَةَ أَلْفِ مَرَّةٍ، وصلَّى لكُلِّ زَلَّةٍ أَلْفَ رَكْعَةٍ، خَتَمَ في كُلِّ ركعةٍ منها خَتْمَةً، قالَ: ومعَ ذلكَ فَإِنِّي غَيْرُ آمِنٍ سَطْوَةَ رَبِّي أنْ يَأْخُذَنِي بِهَا، وَأَنَا على خَطَرٍ منْ قَبُولِ التوبةِ.

وَمَنْ زَادَ اهْتِمَامُهُ بِذُنُوبِهِ فَرُبَّمَا تَعَلَّقَ بأَذْيَالِ مَنْ قَلَّتْ ذُنُوبُهُ، فالْتَمَسَ منهُ الاستغفارَ.

وكانَ عُمَرُ يَطْلُبُ من الصِّبْيَانِ الاستغفارَ ويقولُ: إنَّكُم لمْ تُذْنِبُوا.
وكانَ أبو هُرَيْرَةَ يقولُ لغِلْمَانِ الكُتَّابِ: قُولُوا: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَِبِي هُرَيْرَةَ،
فَيُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِهِم.
قالَ بَكْرٌ المُزَنِيُّ: (لوْ كانَ رَجُلٌ يَطُوفُ على الأبوابِ كما يطوفُ المِسْكِينُ يقولُ: اسْتَغْفِرُوا لِي، لكانَ نَوْلُهُ أنْ يُفْعَلَ).

ومَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ وَسَيِّئَاتُهُ حتَّى فَاتَت العدَّ والإحصاءَ، فلْيَسْتَغْفِر اللَّهَ مِمَّا عَلِمَ اللَّهُ؛ فإنَّ اللَّهَ قدْ عَلِمَ كلَّ شَيْءٍ وأحصَاهُ، كما قالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المُجَادَلَة:6].
وفي حديثِ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ؛ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ)).
وفي هذا يَقُولُ بَعْضُهُم:

أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِمَّا يَعْلَمُ اللَّهُ **
إنَّ الشَّقِيَّ لمَنْ لَا يَرْحَمُ اللَّهُ
مَاأَحْلَمَ اللَّهَ عَمَّنْ لَا يُرَاقِبُهُ **
كَل مُسِيءٌ وَلَكِنْ يَحْلُمُ اللَّهُ
فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ مِمَّا كَانَ مِنْ زَلَلٍ **
طُوبَى لِمَنْ كَفَّ عَمَّا يَكْرَهُ اللَّهُ
طُوبَى لِمَنْ حَسُنَتْ فِيهِ سَرِيرَتُهُ **
طُوبَى لِمَنْ يَنْتَهِي عَمَّا نَهَى اللَّهُ

السببُ الثالثُ منْ أسبابِ المغفرةِ:

التَّوْحِيدُ، وهوَ السببُ الأعظمُ، فَمَنْ فَقَدَهُ فقَدَ المَغْفِرَةَ، ومَنْ جَاءَ بهِ فَقَدْ أَتَى بِأَعْظَمِ أسبابِ المغفرةِ، قالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء:48].
فمَنْ جَاءَ معَ التوحيدِ بقُرَابِ الأرضِ -وهوَ مِلْؤُهَا أوْ ما يُقَارِبُ مِلأَهَا- خَطَايَا، لَقِيَهُ اللَّهُ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً.

لَكِنَّ هذا معَ مَشِيئَةِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، فإنْ شَاءَ غَفَرَ لهُ، وإنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِذُنُوبِهِ، ثُمَّ كانَ عَاقِبَتُهُ أنْ لا يُخَلَّدَ في النارِ، بلْ يَخْرُجُ منها ثمَّ يَدْخُلُ الجنَّةَ.

قالَ بعضُهُم: (المُوَحِّدُ لا يُلْقَى في النارِ كَمَا يُلْقَى الكُفَّارُ، ولا يَلْقَى فيها ما يَلْقَى الكُفَّارُ، ولا يَبْقَى فيها كما يَبْقَى الكُفَّارُ، فإنْ كَمُلَ تَوْحِيدُ العبدِ وإخلاصُهُ للَّهِ فيهِ، وقامَ بِشُرُوطِهِ كُلِّها بقلبِهِ ولسانِهِ وجوارحِهِ، أوْ بِقَلْبِهِ ولسانِهِ عندَ الموتِ، أَوْجَبَ ذلكَ مَغْفِرَةَ ما سَلَفَ من الذنوبِ كُلِّها، وَمَنَعَهُ منْ دُخُولِ النَّارِ بالكُلِّيَّةِ).

فمَنْ تَحَقَّقَ بكلمةِ التوحيدِ قَلبُهُ، أَخْرَجَتْ منهُ كلَّ ما سِوَى اللَّهِ مَحَبَّةً وَتَعْظِيمًا وَإِجْلالاً وَمَهَابَةً وَخَشْيَةً وَرَجَاءً وَتَوَكُّلاً، وحينئذٍ تُحْرَقُ ذُنُوبُهُ وخطاياهُ كُلُّها، وَلَوْ كانتْ مِثلَ زَبَدِ البَحْرِ، وَرُبَّمَا قَلَبَتْهَا حَسَنَاتٍ، كما سَبَقَ ذِكْرُهُ في تبديلِ السَّيِّئَاتِ حسناتٍ.

فإنَّ هذا التوحيدَ هوَ الإِكْسِيرُ الأعظمُ، فَلَوْ وُضِعَ ذَرَّةٌ منهُ على جبالِ الذنوبِ والخطايَا لَقَلَبَهَا حسناتٍ، كما في (المُسْنَدِ) وغيرِهِ: عنْ أُمِّ هَانِئٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ لا تَتْرُكُ ذَنْبًا، وَلا يَسْبِقُهَا عَمَلٌ)).

وفِي (المُسْنَدِ): عنْ شدَّادِ بنِ أَوْسٍ، وَعُبَادَةَ بنِ الصامتِ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ لأصحابِهِ: ((ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ وَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ)).

فَرَفَعْنَا أَيْدِيَنَا سَاعَةً، ثمَّ وَضَعَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، ثُمَّ قالَ:
((الْحَمْدُ لِلَّهِ، اللَّهُمَّ بَعَثْتَنِي بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَأَمَرْتَنِي بِهَا، وَوَعَدْتَنِي الْجَنَّةَ عَلَيْهَا، وَإِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ))، ثمَّ قالَ: ((أَبْشِرُوا؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ)).
قالَ الشِّبْلِيُّ: (مَنْ رَكَنَ إلى الدُّنْيا أَحْرَقَتْهُ بِنَارِهَا، فصارَ رَمَادًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ).

ومَنْ رَكَنَ إلى الآخِرَةِ أَحْرَقَتْهُ بِنُورِهَا، فَصَارَ ذَهَبًا أَحْمَرَ يُنْتَفَعُ بهِ.
ومَنْ رَكَنَ إلى اللَّهِ أَحْرَقَهُ نُورُ التوحيدِ، فصارَ جَوْهَرًا لا قِيمَةَ لهُ.
إذا عَلِقَتْ نَارُ المَحَبَّةِ بالقلبِ أَحْرَقَتْ منهُ كُلَّ ما سِوَى الربِّ عزَّ وجلَّ، فَطَهُرَ القلبُ حِينَئِذٍ من الأَغْيَارِ، وَصَلُحَ عَرْشًا للتَّوْحيدِ: ((مَا وَسِعَنِي سَمَائِي وَلا أَرْضِي، وَلَكِنْ وَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ)).
غَصَّني الشَّوْقُ إِلَيْهِمْ بِرِيقِي **
فَوَا حَرِيقِي في الْهَوَى وَاحَرِيقِي
قَدْ رَمَانِي الْحُبُّ فِي لُجِّ بَحْرٍ **
فَخُذُوا بِاللَّهِ كَفَّ الْغَرِيقِ
حَلَّ عِنْدِي حُبُّكُمْ فِي شَغَافِي **
حَلَّ مِنِّي كُلَّ عَقْدٍ وَثِيقِ

فهذا آخِرُ ما ذَكَرَهُ الشيخُ رَحِمَهُ اللَّهُ من الأحاديثِ في هذا الكتابِ.
وَنَحْنُ بِعَوْنِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ نَذْكُرُ تَتِمَّةَ الخمسينَ حَدِيثًا من الأحاديثِ الجامعةِ لأنواعِ العُلُومِ والحِكَمِ والآدابِ المَوْعُودِ بها في أوَّلِ الكتابِ، واللَّهُ المُوَفِّقُ للصَّوَابِ.
------------------------
شرح معالي الشيخ :
صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ (مفرغ)

------------------------
القارئ:

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال الله تعالى: ((يابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أُبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة)) رواه الترمذي وقال: حديث حسن .

الشيخ:

عن أنس -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: قال الله تعالى: ((يابن آدم إنك...)) المقصود بابن آدم هنا: المسلم الذي اتَّبع رسالة الرسول الذي أُرسل إليه؛ فمن اتَّبع رسالة موسى -عليه السلام- في زمنه كان مناداً بهذا النداء، ومن اتبع رِسالة عيسى في زمنه كان مناداً بهذا النداء، وبعد بعثةِ محمد -صلى الله عليه وسلم- يحظى على هذا الأجْر والثواب من اتَّبع المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وأقر له بختم الرسالة، وشهد له بالنبوة والرِّسالة.

قال - جل وعلا-: ((يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي)) وهذه الجملة في معنى قول الله -جل وعلا-: {قُل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذُّنوب جميعاً} فالعبد إذا أذنب وسارع إلى التوبة ودعا الله -جل وعلا- أن يغفر له، ورجا ما عند الله -جل وعلا- فإنهُ يُغفَر لهُ على ما كان منهُ من الذنوب؛ مهما كانت بالتوبة؛ التوبة تجبُّ ما قبلها.

وقولهُ جل وعلا هنا: ((إنَّكَ ما دعوتني ورجوتني)) فيه أن الدُّعاء مع الرجاء موجبان لمغفرة الله -جل وعلا-، وهُناك من يدعو وهو ضعيف الظَّن بربه، لا يُحسن الظَّن بربّه، وقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنَّه قال: قال الله تعالى: ((أنا عند ظن عبدي بي؛ فليظُن بي ما يشاء)) والعبد إذا دعا الله -جل وعلا- مستغفراً لذنبه؛ يدعو مستغفراً ومستحضراً أنَّ فَضل الله عظيم، وأنه يرجو الله أن يغفر، وأنَّ الله سيغفرُ لهُ، فإذا عظم الرَّجاء بالله، وأيقن أن الله -جلّ وعلا- سيغفرُ لهُ، وعظُم ذلك في قلبه؛ حصل له مطلوبه؛ لأنّ في ذلك إحسانُ الظن بالله، وإعظَام الرَّغب بالله -جلّ وعلا-.

وهناك عباداتٌ قلبية كثيرة تجتمع علىالعبد المُذنب حين طلبه المغفرة وقبول التوبة؛ توجب مغفرة الذنوب فضلاً من الله -جلّ وعلا- وتكرماً.
قال: ((غَفرتُ لكَ)) والمغفرة: سَتْر الذَّنب وستر أثر الذنب في الدنيا والآخرة.

والمغفرة غيرُ التوبة؛ لأنَّ المغفرة ستر، غَفَرَ الشيء بمعنى سَترَه، والمَقصود من ستر الذَّنب: أن يستر الله -جل وعلا- أَثره في الدنيا والآخرة، وأثرُ الذنب في الدنيا: العقوبة عليه، وأثر الذنب في الآخرة، العقوبة عليه، فمن استغفر الله -جلّ وعلا- غفر الله له يعني: من طلب ستر الله عليه في أثر ذنبه في الدنيا والآخرة؛ سترَ الله عليه؛ فمحى أثر الذَّنب بحجب العُقوبة من الدُّنيا والآخرة.

قال: ((يا ابن آدم لو بلغت ذُنوبك عنان السماء)) يعني: من كثرتها، (بلغت عنان السماء): السَّحاب العالي من كثرتها وتراكُمها.

قال: ((ثم استغفرتني غفرتُ لك)) وهذا مما يجعل العبد المنيب يحب ربه -جلّ وعلا- أعظم محبَّة؛ لأن الله -العظيم-، الذي له صِفات الجلال والجمال والكمال، والذي له هذا الملكوتُ كله، وهو الذي على كُل شيء قدير، وعلى كل شيء وكيل، وهو الذي من صفاته كذا وكذا من عظيم الصفات، وجليل النعوت، والأسماء، يتودَّدُ إلى عبده بهذا التودد! لا شك أن هذا يجعَل القلب مُحبّاً لِربهِ -جلّ وعلا- متذللاً بين يديه، مُؤْثراً مرضات الله على مراضي غيره سبحانه وتعالى.

قال الله -جل وعلا-: ((يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرتُ لك)) وهذا فيه الحَث على طلب المغفرة، فإذا أذنبت فاستغفر، فإنه ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرَّة كما جاء في الأثر، فمع الاستغفار والندم يمحو الله -جل وعلا- الخطايا.

(4) قال: ((يا ابن أدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة)) يعني لو جاء ابن آدم بملئ الأرض خطايا ثم لقي الله -جل وعلا- مخلصاً له الدين لا يشرك به شيئاً لا جليل الشرك ولا صغيره ولا خفيه، بل قَلبهُ مخلص لله -جل وعلا- لَيسَ فيه سوى الله -جل وعلا- ولَيسَ فيه رَغب إلا إلى الله -جل وعلا- وليس فيه رجاء إلا رجاء الله -جل وعلا- لا يشرك به شيئاً بأي نوع من أنواع الشرك فإن الله -جل وعلا- يغفر الذنوب جميعا.

قال سبحانه: ((ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بِقُرابها مغفرة)) يعني بملئ الأرض مغفرة، وهذا من عظيم رحمة الله -جل جلاله- بعباده وإحسانه لهم.

اللهم لك الحمدُ على أسمائك وصفاتك، اللهم لك الحمدُ على ما أنعمت به علينا من شريعة الإسلام، اللهم لك الحمدُ على ما أنعمت به علينا من بعثةِ نبيكَ محمد- عليه الصلاة والسلام- اللهم لك الحمد على ما مننت به علينا من سلوك طريق سَلَفِنا الصَّالح، اللهم لك الحمد على ما مننت به علينا من مغفرة للذنوب ومن كْتبٍ للحسنات ومن محْو للسيئات، اللهم لك الحمد على آلائك العظيمة، اللهم لك الحمد وأنت للحمد أهل، لك الحمد ملئ السماوات وملئ الأرض وملئ ما بينهما وملئ ما شئت من شيء بعد، أنتَ ربنا؛ عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير، اللهم فاغفر لنا ذنوبنا جميعاً، اللهم أبدل سيئاتنا حسنات، واجعلنا ممن رحمتهم في الدنيا والآخرة، ويسرتهم إلى طريق الحق والخير، اللهم رسِّخ العلم في قلوبنا وارزقنا بعده علما نتقربُ به إليك، اللهم بعد العلم النافع فارزقنا العمل الصالح، اللهم اجعل قلوبنا خاشعة، واجعل دعائنا مسموعاً، نعوذُ بك اللهم من الحور بعد الكور، ونعوذُ بك اللهم من الضلال بعد الهدى، اللهم نسألك لنا ولإخواننا جميعاً ولمن نُحبُ ولأهلينا ولذوينا نسألك لنا جميعاً أن تجعلنا ممَّن ختمت له بخاتمةِ السَّعادة وغفرت ذنبه وألهمته رُشدهُ، وجعلت يوم لقاك خير أيامه، اللهم لك الحمد كله، ولك الفضل كله، وإليك يرجع الأمر كله، لك الفضل على الإسلام، ولك الفضل والحمد على الإيمان، ولك الحمد والفضل على العلم، ولك الحمد والفضل على ما نرفل به من نعم عظيمة، وآلاء جسيمة، اللهم فتقبل ذلك منا، واغفر لنا ذنوبنا وحوبنا وخطايانا، أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، وصلى الله وسلم وبارك عن نبينا محمد.
--------------------------

الأسئلة

س1: بين باختصار منـزلة حديث أنس رضي الله عنه؟
س2: هل خطاب ذكور بني آدم يعم إناثهم؟
س3: هل خطاب الإنس يعم الجن؟
س4: ما معنى كلمة (آدم) ولم سمي بهذا الاسم؟
س5: ما معنى الدعاء لغة وشرعاً؟
س6: اذكر بعض الآداب التي ينبغي مراعاتها عند الدعاء؟
س7: هل يلزم من عدم إعطاء السائل مسألته عدم إجابة دعوته؟
س8: ما حكم تعليق الدعاء بالمشيئة؟
س9: اذكر بعض موانع إجابة الدعوة؟
س10: بين باختصار سبب أهمية الجمع بين الرجاء والخوف والمحبة في العبادة؟
س11: اذكر بعض مكفرات الذنوب وجالبات المغفرة؟
س12: اذكر بعض موانع المغفرة؟
س13: تحدث باختصار عن فضل الاستغفار؟
س14: اذكر بعض صيغ الاستغفار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم؟
س15: بين الفرق بين الاستغفار والتوبة؟
س16: ما حكم قول: (استغفر الله وأتوب إليه) وبين سبب كراهية بعض السلف قول: (وأتوب إليه)؟
س17: عدد شروط التوبة من الذنوب؟
س18: ما حكم طلب الاستغفار من الصالحين والأولياء؟
س19: ما حكم طلب الاستغفار من الصبيان؟
س20: ما حكم طلب الاستغفار من الأموات؟
س21: بين معنى قوله تعالى: (على ما كان منك ولا أبالي)؟
س22: ما معنى (عنان السماء)؟
س23: بين ما يفيده تكرار النداء بقوله: (يابن آدم)؟
س24: استدل من الحديث بثبوت اللقاء بالله تعالى؟
س25: ما أعظم أسباب المغفرة التي دل عليها الحديث؟
س26: هل يدخل الشرك الأصغر في قوله تعالى: (لا تشرك بي شيئاً)؟
س27: عدد بعض فوائد حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.


شرح الحديث رقم (42) 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
شرح الحديث رقم (42)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مشكل علم مصطلح الحديث في العصر الحديث
» شرح الحديث رقم (50)
» شرح الحديث رقم (34)
» الحديث رقم (07)
» الحديث رقم (23)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـحــــديث الـنبــوي الـشـريف :: شروح الأربعون النووية :: شرح مجموعة من العلماء-
انتقل الى: