منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الفصل الثاني: مثيرو الفتنة وبدؤها

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفصل الثاني: مثيرو الفتنة وبدؤها Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الثاني: مثيرو الفتنة وبدؤها   الفصل الثاني: مثيرو الفتنة وبدؤها Emptyالخميس 04 أغسطس 2022, 10:11 pm

الفصل الثاني: مثيرو الفتنة وبدؤها
المبحث الأول: مثيرو الفتنة:
أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بوقوع الفتنة1 وإخباره حق وصدق {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى} 2وإخباره هذا من الأمور الغيبية التي أطلعه الله عليها؛ فوقوعها محقق.
وقد حدد -صلى الله عليه وسلم- وقتها، وأنها ستكون في سنة من ثلاث، إما الخامسة، أو السادسة، أو السابعة بعد الثلاثين من الهجرة3.
فترى متى وقعت؟ ومن باء بإثم إشعالها؟ وكيف بدأت؟ وماذا كان موقف عثمان -رضي الله عنه- منها؟
قبل الحديث عن ذلك كله، أود أن أشير إلى أن ثمة روايات ضعيفة الإسناد تتهم بعض الصحابة رضوان الله عليهم بالتحريض على عثمان -رضي الله عنه-.
ومعلوم كما تقدم أن علاقة المسلم بصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أمور العقيدة التي لا تقبل فيها إلا الروايات الصحيحة.
هذه الروايات التي تتهمهم لا تخلو أسانيدها من علة، إن لم تجتمع
----------------------------
1 قد تقدم التفصيل في ذلك في التمهيد.
2 سورة النجم، الآية (3- 4).
3 كما في الحديث الصحيح الذي تقدم.
----------------------------

في الإسناد الواحد منها عدة علل، ونجد في الغالب في أسانيدها من هو متهم بالرفض، أو رافضي جلد.
وهؤلاء الصحابة المتهمون -باطلاً وزوراً- بالتأليب على عثمان -رضي الله عنه- وقتله، قد عدَّلهم الله -جل وعلا- في مواضع عديدة من كتابه العزيز.
بل رضي عنهم، وشهد لهم بأنهم قد رضوا عنه، -وهذه منقبة عظيمة لهم- وذلك في قوله: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ -رضي الله عنهم- وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 1.
"والرضى من الله صفة قديمة، فلا يرضى إلا عن عبد علم أنه يوافيه على موجبات الرضى، ومن -رضي الله عنه- لم يسخط عليه أبداً"2.
والأدلة على تعديل الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- للصحابة -رضي الله عنهم- متضافرة متواترة، تحيط شخصيتهم بالإجلال والاحترام، وتحجز المؤمن عن النيل منهم والخوض فيما شجر بينهم -إن ثبت شيء من ذلك- فضلاًُ عن أن يعتمد في ذلك شيئاً لم يثبت له إسناد، ولا متن.
----------------------------
1 سورة التوبة، الآية (100).
2 ابن تيمية (حكم سب الصحابة 36- 37).
----------------------------

فمن هذه الأدلة قوله جل وعلا: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً...} 1.
ومما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضلهم قوله: "لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه"2.
إلى غير ذلك من النصوص المستفيضة الدالة على فضلهم، وعدالتهم3فلا يحق لأحد أن يتهمهم بعد تعديل الله لهم، وثناء الرسول عليهم، ومعرفة الأمة لقدرهم في حمل الإسلام والجهاد في سبيل الله، لإقامة صرح دولته وبناء حضارته.
----------------------------
1 سورة الفتح، الآية (29).
2 رواه البخاري، الجامع الصحيح، فتح الباري (7/ 21)، ومسلم، الجامع الصحيح، باب تحريم سب الصحابة -رضي الله عنهم- (4/ 1967)، وأبو داود، والترمذي، وأحمد بن حنبل: كلهم من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-؛ ومسلم وابن ماجه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
3 انظر في ذلك الآية (29) من سورة الفتح، والآية (59) من سورة النمل، و(صحابة رسول الله للكبيسي، و(النهي عن سب الأصحاب للمقدسي، و(حكم سب الصحابة) و(منهاج السنة النبوية 6/ 206- 241) كلاهما لابن تيمية، و(الكفاية للخطيب البغدادي)، و(الرياض النضرة 1/1- 60) للمحب الطبري، و(شرح السنة للبغوي (14/ 86)، و(جامع البيان في تفسير القرآن للطبري (19/2)، (والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (1/ 9- 12)، و(تنبيه ذوي النجابة إلى عدالة الصحابة لقرشي بن عمر بن أحمد)، و(الإسلام والصحابة الكرام بين السنة والشيعة لمحمد بهجة البيطار، و(منزلة الصحابة في القرآن لمحمد صلاح محمد الصاوي).
----------------------------

ومن هذه التهم الباطلة الملفقة؛ ما رُوي في اتهام عمار بن ياسر -رضي الله عنهما- بالتأليب على عثمان -رضي الله عنه-1.
فإن أسانيد الروايات التي تتضمن هذه التهمة الباطلة؛ ضعيفة لا تخلو من علة، كما أن في متونها نكارة، فإنها تُثبت أن عماراً -رضي الله عنه- كان عاتباً على عثمان -رضي الله عنه-، ثم أرسله عثمان إلى مصر إلى أناس قد استمرحوا واستعلى أمرهم وبغيهم، ليعتبهم من كل ما عتبوا، ولأن يقول بالمعروف، وينشر الحسنى، ليصلح الله به فساداً.
فهل يتوقع أن يرسله عثمان إلى أناس بهذا الوصف، ليعتبهم، وهو عاتب عليه! ألم يجد غيره ممن هم راضون عنه؟
ولم يثبت في الروايات الصحيحة أن عماراً -رضي الله عنه- عتب على عثمان -رضي الله عنه- ولا أنه أرسله إلى مصر.
والذي تصوره أحداث هذه الفتنة أن إشعالها تم من خلال تخطيط دقيق منظم، مما يؤكد أن وراءها جماعة منظمة، تهدف إلى إشعالها، تحقيقاً لمصالحها الدنيئة، وإضعافاً لقوة المسلمين، فمن المبالغة عزو ذلك كله إلى فرد واحد.
----------------------------
1 روى ذلك ابن شبة في تاريخ المدينة (3/ 1122- 1123)، بإسناد ضعيف، من رواية محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن عثمان -رضي الله عنه-، وروايته عنه مرسلة، يقول أبو زرعة: "محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن عثمان: مرسل" (انظر جامع التحصيل للعلائي 326).
----------------------------

ولا شك أن لهذه الجماعة السرية ممثلين ووجهاء، كان من أبرزهم عبد الله بن سبأ اليهودي، تلك الشخصية التي دار حول إثبات حقيقتها، ودورها في الفتنة نقاش وجدال وخصام بين كثير من الدارسين والباحثين.
والذي أكسب هذه الشخصية هذا الاهتمام هو أثرها الفعال في إشعال الفتنة، في خلافتي عثمان وعلي -رضي الله عنهما- وفي إنشاء عقيدة الرافضة في الرجعة والوصية1 وسب الصحابة رضوان الله عليهم.
ونجد أن أقدم وأبرز النافين لحقيقة هذه الشخصية -التي اعتمد الرافضة ما ابتدعته- هم أبناء هذه العقيدة الضالة2 سوى قلة قليلة من غيرهم منخدعة بأقوالهم ومغترة بها.
وهذا النفي عبارة عن محاولة فاشلة منهم لستر حقيقة ارتباط الرافضة باليهود وأنها مستمدة منهم، وليس هذا هو الدليل اليتيم في ذلك، فإن جل عقائد الرافضة تدل على هذا الارتباط، يعرف ذلك من يقارن بينها، وبين عقائد اليهود أدنى مقارنة3وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية نقلاً عن الشعبي، عدداً من الصفات التي يلتقي فيها الروافض مع أسلافهم
----------------------------
1 انظر الفَرْق بين الفِرَق لعبد القاهر بن طاهر البغدادي الإسفرائيني (المتوفى سنة 429هـ (ص: 16).
2 من هؤلاء مرتضى العسكري، فقد ألف عن ابن سبأ كتاباً مستقلاً، حشره بالمغالطات وجانب فيه المنهج العلمي في البحث والتأليف.
3 انظر: بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود لعبد الله الجميلي.
----------------------------

من اليهود1.
ومال بعض المستشرقين2 إلى هذه الفكرة التي تساعد الرافضة على التملص من هذا الالتقاء، وذلك ضمن سلسلة محاولاتهم التي تهدف إلى هدم الإسلام وتشجيع ومعاونة كل ما من شأنه إضعاف هذا الدين القويم.
وتابعهم عدد من الكتاب المسلمين، وكان عمدة من نفى ثبوت شخصية عبد الله بن سبأ، أن سيف بن عمر التميمي، قد انفرد بإثبات هذه الشخصية، وأن سيفاً هذا ضعيف طعن فيه جمع من العلماء.
وتناقل بعض مثقفي العصر هذه المعلومات مسلَّمة، واقتنع بها بعضهم دون تحقق من صحتها، حتى إن أحد الباحثين3 ألف في تأكيد ذلك دراسة مستقلة؛ لم تَعْدُ نتائجها التي توصل إليها من دراسته تلك
----------------------------
1 انظر منهاج السنة النبوية (1/ 22- 42).
2 منهم: الدكتور اليهودي الإنكليزي/ برنارد لويس، واليهودي الألماني/ فلهوزن، والأمريكي/ فرييدلاندر، والإيطالي/ كايتاني، (انظر ابن سبأ حقيقة لا خيال للدكتور/ سعدي الهاشمي).
3 انظر (عبد الله بن سبأ: دراسة للروايات التاريخية عن دوره في الفتنة)، رسالة نشرتها جامعة الكويت في حوليات كلية الآداب 1407هـ ، وتقع الرسالة في تسعين صفحة، الحولية الثامنة، الرسالة الخامسة والأربعون، وقد نشرت نبذة عنها مجلة عالم الكتب، المجلد الثامن، العدد الرابع، ربيع الآخر 1408هـ ، الصفحات المخصصة للكتب الحديثة.
----------------------------

النتائج السابقة؛ ففي ملخص هذه الرسالة الذي صُدر ب-: "وقد خلص الباحث إلى أن روايات سيف بن عمر، وروايات كتب الفرق والأدب عن ابن سبأ غير صحيحة، وأن ابن سبأ شخصية وهمية، وأن الدور المنسوب إليه في خلق وتسيير أحداث الفتنة دور مزعوم"1.
والمنهج الذي سلكه الباحث، منهج ضعيف في إثبات الحقائق ونفي الأساطير، فقد اعتمد فيه مؤلفه مصادر محدودة، ونفى ما لم تذكره تلك المصادر، متوهماً وموهماً أنه قد حصر روايات التاريخ الإسلامي كلها، ومن ثم نفى هذه الشخصية لعدم وجودها في روايات موثوقة فيما اطلع عليه من مصادر، وهذا منهج ضعيف، والنتيجة المبنية عليه نتيجة غير صحيحة حيث إنّ هناك روايات موثوقة تثبت هذه الشخصية، بل وتزودنا ببعض التفاصيل عنها، وسيأتي ذكرها.
وقد تنبه بعض الباحثين إلى خطأ هذه النتائج النافية لشخصية ابن سبأ، وكتبوا في إثباتها صفحات علمية قوية.
منهم: الدكتور/ سليمان العودة، في رسالته، عبد الله بن سبأ ودوره في إشعال الفتنة...؛ حيث توصل فيها إلى إثبات هذه الشخصية، وإثبات دورها في إشعال وإذكاء الفتنة التي أدت إلى قتل عثمان -رضي الله عنه- ومن ثم موقعة الجمل.
ومنهم: الدكتور/ سعدي الهاشمي، في محاضرته التي طبعت تحت
----------------------------
1 (ص: 9) من الرسالة نفسها.
----------------------------

عنوان (عبد الله بن سبأ حقيقة لا خيال)، فقد أثبت فيها أن ابن سبأ حقيقة؛ من كتب أهل السنة والشيعة معاً، عازياً كل معلومة إلى مصادرها من كتبهم1.
ومساهمة مع هذين الأستاذين الفاضلين أذكر بعضاً من الروايات المسندة الصحيحة، والحسنة، والضعيفة، التي وردتنا من غير طريق سيف بن عمر التميمي، تثبت شخصية ابن سبأ، فمنها:
1- ما رواه أبو إسحاق الفزاري بإسناد صحيح إلى سويد بن غفلة2"أنه دخل على عليّ -رضي الله عنه- في إمارته، فقال: إني مررت بنفر، يذكرون أبا بكر وعمر، يرون أنك تضمر لهما مثل ذلك، منهم عبد الله بن سبأ، وكان عبد الله بن سبأ أول من أظهر ذلك، فقال عليّ: ما لي ولهذا الخبيث الأسود، ثم قال: معاذ الله أن أضمر لهما إلا الحسن الجميل، ثم أرسل إلى عبد الله بن سبأ، فسيَّره إلى المدائن، وقال: لا يساكنني في بلدة أبداً، ثم نهض إلى المنبر، حتى اجتمع الناس، فذكر القصة في ثنائه عليهما3 بطوله: ألا ولا يبلغني عن أحد يفضلني عليهما، إلا جلدته حد
----------------------------
1 طبعت هذه المحاضرة في عام 1406هـ ونشرتها مكتبة الدار في المدينة النبوية.
2 ترجم له.
3 أي: أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما-.
----------------------------

المفتري"1.
وهذه الرواية ليست من روايات سيف بن عمر التميمي، كما أنها صحيحة الإسناد، فإن رجالها كلهم ثقات، ولو لم يُرو غيرها لأغنت في هدم الأساس الذي بنى عليه من وهّم وسطّر شخصية ابن سبأ.
2- ما رواه ابن عساكر من حديث جابر، قال: لما بويع علي خطب الناس، فقام عليه عبد الله بن سبأ، فقال له: أنت دابة الأرض2. قال: فقال له: أنت الملك، فقال له: اتق الله. فقال له: أنت خلقت الخلق، وبسطت الرزق، فأمر بقتله. فاجتمعت الرافضة؛ فقالت: دعه، وانفه إلى ساباط المدائن، فإنك إن قتلته بالمدينة خرجت أصحابه علينا وشيعته، فنفاه إلى ساباط المدائن، فَثَمّ القرامطة والرافضة، قال: ثم قامت له طائفة وهم السبئية، وكانوا أحد عشر رجلاً. فقال: ارجعوا، فإني علي بن أبي طالب، أبي مشهور وأمي مشهورة، وأنا ابن عم محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: لا نرجع، دع داعيك، فأحرَقَهم بالنار، وقبورهم في الصحراء، أحد عشر مشهورة. فقال من بقي ممن لم يكشف رأسه منهم: علمنا أنه إله؛ واحتجوا بقول ابن عباس: لا يعذب بالنار إلا خالقها.
----------------------------
1 ذكره عنه الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (3/ 290)، والإسناد صحيح؛ رجاله كلهم ثقات، انظر الملحق الروايتين رقم: [390، 394]، وابن عساكر، تاريخ دمشق (جزء: عبد الله بن سالم - عبد الله بن أبي عائشة ص: 5.
2 ابن عساكر، تاريخ دمشق، الموضع السابق.
----------------------------

قال ثعلب: وقد عذب بالنار قبل علي أبوبكر الصديق، شيخ الإسلام -رضي الله عنه- وذاك أنه رفع إليه رجل يقال له الفجاءة؛ وقالوا: إنه شتم النبي -صلى الله عليه وسلم-، بعد وفاته، فأخرجه إلى الصحراء فأحرقه بالنار.
قال: فقال ابن عباس: قد عذب أبوبكر بالنار فاعبدوه أيضاً1.
3- وما رواه ابن عساكر أيضاً من طريق: سماك، قال: بلغ علياً أن ابن السوداء ينتقص أبا بكر وعمر، فدعا به، ودعا بالسيف -أو قال: فهمَّ بقتله- فكُلِّم فيه، فقال: لا يساكنني ببلد أنا فيه. قال: فسيره إلى المدائن2.
4- وما رواه ابن عساكر من طريق: أبي الطفيل، أنه قال: رأيت المسيب بن نجبة أتى ملببة -يعني: ابن السوداء- وعليُّ على المنبر فقال علي: ما شأنه؟ فقال: يكذب على الله ورسوله3.
5- ما رواه ابن عساكر من طريق: زيد بن وهب وأبي الزعراء عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: ما لي وما لهذا الحميت4 الأسود؟5.
----------------------------
1 المصدر السابق، وانظر الملحق الرواية رقم: [398].
2 ابن عساكر، تاريخ دمشق (جزء عبد الله بن سالم - عبد الله بن أبي عائشة ص: 7) وانظر الملحق الرواية رقم: [396].
3 ابن عساكر، تاريخ دمشق (جزء عبد الله بن سالم - عبد الله بن أبي عائشة ص: 5 انظر الملحق الرواية رقم: [395].
4 الحِمِّيْت: هو الزق (ابن منظور، لسان العرب 2/ 25).
5 ابن عساكر، تاريخ دمشق (جزء عبد الله بن سالم - عبد الله بن أبي عائشة ص: 5) انظر الملحق الرواية رقم: [8].
----------------------------

وفي رواية: "ما لي ولهذا الحميت الأسود؟ يعني: عبد الله بن سبأ وكان يقع في أبي بكر وعمر"1.
6- ما حسنّه الحافظ ابن حجر من رواية أبي طاهر المخلص من طريق شريك العامري أنه قال: قيل لعلي:
إن هنا قوماً على باب المسجد يدّعون أنك ربهم، فدعاهم، فقال لهم: ويلكم ما تقولون؟ قالوا: أنت ربنا، وخالقنا، ورازقنا، فقال: ويلكم إنما أنا عبد مثلكم آكل الطعام كما تأكلون، وأشرب كما تشربون، إن أطعت الله أثابني إن شاء، وإن عصيته خشيت أن يعذبني، فاتقوا الله وارجعوا، فأبوا.
فلما كان الغد غدوا عليه، فجاء قنبر2فقال: قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام، فقال: أدخلهم، فقالوا: كذلك، فلما كان الثالث قال: لئن قلتم ذلك لأقتلنّكم بأخبث قتلة، فأبوا إلاّ ذلك، فقال: يا قنبر ائتني بفعلة معهم مرورهم فخدَّ لهم أخدوداً بين باب المسجد والقصر وقال: احفروا فأبعدوا في الأرض، وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود.
وقال: إني طارحكم فيها، أو ترجعوا، فأبوا أن يرجعوا فقذف بهم فيها حتى احترقوا قال:
----------------------------
1 ابن عساكر، تاريخ دمشق (جزء عبد الله بن سالم - عبد الله بن أبي عائشة ص: 5)
2 قنبر: خادم علي بن أبي طالب (ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل 7/ 146).
----------------------------

إني إذا رأيت أمراً منكراً    أوقدت ناري ودعوت قنبراً1
7- ما رواه ابن سعد من طريق: أبي المنجاب: أن رجلاً كان يأتي إبراهيم النخعي فيتعلم منه فيسمع قوماً يذكرون أمر علي وعثمان فقال: أنا أتعلم من هذا الرجل، وأرى الناس مختلفين في أمر علي وعثمان، فسأل إبراهيم النخعي عن ذلك فقال: (ما أنا بِسَبَلِيّ ولا مرجئ2.
8- ما رواه ابن عساكر، من طريق حجية بن عبدي الكندي، قال: رأيت علياً -كرم الله وجهه- وهو على المنبر وهو يقول: من يعذرني من هذا الحميت الأسود؛ الذي يكذب على الله وعلى رسوله؟ -يعني: ابن الأسود- لولا أن لا يزال يخرج عليَّ عصابة تنعى عليَّ دمه كما ادُّعِيت عليَّ دماء أهل النهر لجعلت منهم ركاماً3.
ولإحراقهم شاهد رواه البخاري في صحيحه عن عكرمة قال: أتي علي -رضي الله عنه- بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس -رضي الله عنه-، فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لنهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "لا تعذبوا بعذاب الله", ولقتلتهم لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من بدَّل دينه فاقتلوه" 4.
----------------------------
1 ابن حجر، فتتح الباري (12/ 270).
2 ابن سعد، الطبقات (6/ 275) انظر الملحق الرواية رقم: [393].
3 ابن عساكر، تاريخ دمشق (جزء عبد الله بن سالم - عبد الله بن أبي عائشة ص: 6) انظر الملحق الرواية رقم: [391].
4 فتح الباري (6/149، 12/267).
----------------------------

9- ما رواه ابن عساكر بإسناد حسن عن الشعبي أنه قال: "أول من كذب عبد الله بن سبأ"1.
والشعبي ولد سنة عشرين من الهجرة –تقريبا- وتوفي بعد المائة بقليل؛ أي قبل ولادة سيف بن عمر التميمي تقريباً، وهذا دليل قاطع على أن ابن سبأ كان معروفاً قبل نهاية القرن الأول.
إلى غير هذه الروايات2 التي رواها غير سيف بن عمر، ونجد أنها تتفق على إثبات شخصية عبد الله بن سبأ، بل تُبرز شيئاً من عقيدته، ودوره في نشرها بين الروافض، وعن بعض دوره في إشعال الفتنة.
فتُرى ماذا سيكون موقف من يوهم شخصية ابن سبأ منها؟ مع اعتماده في توهيمه إياها على أن سيفاً قد انفرد في إثباتها.
وبهذا يتبين بطلان ما ذهب إليه من وهم شخصية ابن سبأ وجعلها شخصية خيالية، مدعياً تفرد سيف بن عمر بإثباتها، بل جعلها من نسج الخيال.
المحب الطبري المتوفى سنة 694هـ1 وردا على هذه الفرية.
وعاب عثمان -رضي الله عنه- بذلك ابن المطهر الحلي الرافضي المتوفى سنة 726هـ بل زاد أن عثمان -رضي الله عنه- ضرب أبا ذر ضرباً وجيعاً2.
ورد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية، رداً جامعاً قوياً3.
وكان سلف هذه الأمة يعلمون هذه الحقيقة، فإنه لما قيل للحسن البصري: عثمان أخرج أبا ذر؟ قال: لا، معاذ الله4.
وكان ابن سيرين إذا ذُكر له أن عثمان -رضي الله عنه- سيَّر أبا ذر، أخذه أمر عظيم، ويقول: هو خرج من قبل نفسه، ولم يسيره عثمان5.
وكما تقدم في رواية صحيحة الإسناد: أن أبا ذر -رضي الله عنه- لما رأى كثرة الناس عليه خشي الفتنة، فذكر ذلك لعثمان كأنه يستأذنه في الخروج، فقال له عثمان -رضي الله عنه-: "إن شئت تنحيت فكنت قريباً".
----------------------------
1 الرياض النضرة (3/ 83، والرد في (3/ 94).
2 ابن تيمية، منهاج السنة النبوية (6/ 183).
3 المصدر السابق: (6/ 271، 355).
4 ابن شبة، تاريخ المدينة (1037)، وإسناده صحيح. انظر الملحق الرواية رقم: [179].
5 ابن شبة، تاريخ المدينة (1037)، وإسناده صحيح، انظر الملحق الرواية رقم: [178].
1 رواه ابن عساكر، تاريخ دمشق (جزء عبد الله بن سالم - عبد الله بن أبي عائشة ص: 4). وانظر الملحق الرواية رقم: [389].
2 انظر هذه الروايات مجموعة مع تخريجها والتعريف برجالها في الملحق الروايات رقم: [389- 398].
----------------------------



الفصل الثاني: مثيرو الفتنة وبدؤها 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفصل الثاني: مثيرو الفتنة وبدؤها Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: مثيرو الفتنة وبدؤها   الفصل الثاني: مثيرو الفتنة وبدؤها Emptyالخميس 04 أغسطس 2022, 10:17 pm

المبحث الثاني: قدوم أهل الأمصار.
بعد أن حرّض البغاة أهل الأمصار على الخليفة -رضي الله عنه- اتجهوا إلى المدينة، فقدم أهل مصر، وأهل العراق، والتقوا بعثمان -رضي الله عنه- وتفاوضوا معه.
ولمَّا علم الناس بمسير المصريين إلى عثمان -رضي الله عنه- أتى بعض الناس إلى حذيفة، فقالوا له: إن هؤلاء ساروا إلى هذا الرجل فما تقول؟ قال: يقتلونه والله، فقالوا له: أين هو؟ فقال في الجنة والله، فقالوا: فأين قتلته؟ فقال: في النار والله1.
خرج القوم من مصر قاصدين المدينة، وبلغ خبر قدومهم عثمان -رضي الله عنه- قبل وصولهم وكان في قرية خارج المدينة –لم تحددها الروايات- فلما سمعوا بوجوده فيها، اتجهوا إليه فاستقبلهم فيها2 ويحدد المدائني تاريخ قدومهم بأنه كان في ليلة الأربعاء هلال ذي القعدة3.
----------------------------
1 رواه ابن أبي شيبة، المصنف ( 15/206) ويعقوب بن سفيان، المعرفة والتاريخ، وصححه (2/762، 768) وابن عساكر، تاريخ دمشق، ترجمة عثمان (388-389)، وذكره المحب الطبري، في الرياض النضرة (3/80) وإسناده صحيح، انظر الملحق الرواية رقم: [114]
2 ابن أبي شيبة، المصنف ( (15/215-220) وانظر الملحق الرواية رقم: [64]
3 خليفة بن خياط، (التاريخ 168) ومن طريقه ابن عساكر، تاريخ دمشق، ترجمة عثمان -رضي الله عنه-.
----------------------------

التقى القوم بعثمان -رضي الله عنه- في هذه القرية فقالوا: ادع بالمصحف فدعا به، فقالوا: افتح السابعة، وكان يسمون سورة يونس السابعة فقرأ حتى أتى هذه الآية: {قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} 1.
فقالوا له: قف. أرأيت ما حميت من الحمى؟ آلله أذن لك أم على الله تفتري؟ فقال: امضه، نزلت في كذا وكذا، فأما الحمى فإن عمر حماه قبلي لإبل الصدقة، فلما وليت زادت إبل الصدقة فزدت في الحمى لِما زاد من إبل الصدقة، امضه، قال: فجعلوا يأخذونه بالآية، فيقول: امضه، نزلت في كذا فما يزيدون، فأخذوا ميثاقه، وكتبوا عليه شرطاً، وأخذ عليهم ألا يشقوا عصا، ولا يفارقوا جماعة، ما أقام لهم شرطهم، ثم رجعوا راضين2.
وبذلك يتبين ضعف ما رُوي من أن عثمان -رضي الله عنه- أرسل خمسين راكباً أميرهم محمد بن مسلمة وفيهم جابر -رضي الله عنه- إلى وفد المصريين في ذي خشب، وأنهم وجدوا رجلاً من القوم معلقاً المصحف في
----------------------------
1 سورة يونس ، الآية 59.
2 رواه خليفة وغيره من رواية أبي سعيد مولى أبي أسيد، وإسناده حسن، انظر الملحق الرواية رقم: [64].
----------------------------

عنقه، تذرف عيناه دموعاً، وبيده السيف، وهو يقول: إلا إن هذا -يعني المصحف- يأمرنا أن نضرب بهذا -يعني السيف على ما في هذا- يعني المصحف - وأن محمدا بن مسلمة قال له: اجلس، فقد ضربنا بهذا على ما في هذا قبلك، فجلس، وأنه لم يزل يكلمهم حتى رجعوا1.
ونزل القوم في ذي المروة، قبل مقتله بما يقارب شهراً ونصف2.
فأرسل عثمان إليهم علياً -رضي الله عنه- ورجلاً آخر لم تسمه الروايات.
والتقى بهم علي -رضي الله عنه- فقال لهم: تعطون كتاب الله وتعتبون من كلّ ما سخطتم، فوافقوا على ذلك3.
وفي رواية أنهم شادّوه، وشادّهم مرتين أو ثلاثاً، ثم قالوا: ابن عمّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورسول أمير المؤمنين، يعرض عليكم كتاب الله فقبلوا4.
فاصطلحوا على خمس: على أن المنفي يقلب، والمحروم يعطى، ويوفر
----------------------------
1 رواه ابن عساكر، تاريخ دمشق، ترجمة عثمان (321) من رواية جابر -رضي الله عنه- ، ثم روى نحوه من رواية ابن سعد عن الواقدي، انظر الملحق الرواية رقم: [328].
2 انظر تخريج كتابه إلى أهل العراق.
3 رواه ابن عساكر، تاريخ دمشق، ترجمة عثمان (ص: 328) من طريق خليفة وغيره، وخليفة بن خياط، التاريخ (169-170) مختصراً، كلاهما من طريق ابن سيرين، والإسناد إليه صحيح، إلا أنه لم يدرك الفتنة، فقد ولد سنة 33هـ والفتنة كانت سنة 35هـ ، ولبعضه شواهد، انظر الملحق الرواية رقم: [150].
4 جاء ذلك في رواية ابن عساكر المتقدمة التي من غير طريق خليفة.
----------------------------

الفيء، ويعدل في القسم، ويستعمل ذو الأمانة والقوة، وكتبوا ذلك في كتاب.
وأن يُردّ ابنُ عامر على البصرة، وأبو موسى الأشعري على الكوفة وأن يؤدى إلى كل ذي حقّ حقّه، ولم يكتبوا هذه، ثم انصرفوا راجعين إلى الكوفة1.
هكذا اصطلح عثمان -رضي الله عنه- مع وفد كلّ مصرٍ على حده، ثم انصرف الوفدان إلى ديارهم راضين.
وفي رواية أن عثمان اجتمع مع أهل الأمصار جميعاً، وأنه قال لهم: ليقم أهل كل مصر يسألوني صاحبهم، الذي يحبونه فأستعمله عليهم، وأعزل عنهم الذي يكرهون، فقال أهل البصرة: رضينا بعبد الله بن عامر، فأقره علينا، وقال: أهل الكوفة: اعزل سعيداً واستعمل علينا أبا موسى ففعل، وقال أهل الشام قد رضينا بمعاوية فأقرّه علينا، وقال أهل مصر: اعزل عنا ابن أبي سرح، واستعمل علينا عمرو بن العاص، ففعل، فما جاءوا بشيء إلا خرج منه، فانصرفوا راضين2.
----------------------------
1 رواه ابن عساكر، تاريخ دمشق، ترجمة عثمان (ص: 328) من طريق خليفة وغيره، وخليفة بن خياط، التاريخ (169-170) مختصراً، كلاهما من طريق ابن سيرين، والإسناد إليه صحيح، إلا أنه لم يدرك الفتنة، فقد ولد سنة 33هـ والفتنة كانت سنة 35هـ ، ولبعضه شواهد، انظر الملحق الرواية رقم: [150].
2 رواه ابن أبي شيبة (المصنف: 15/ 220- 222)، وإسناده ضعيف؛ ففيه حسين بن نمير اختلط والراوي عنه ابن نمير وهو ممن روى عنه بعد الاختلاط، كما أن فيه نصباً، وفي الإسناد أيضاً: جهيم الفهري الذي لم يوثقه غير ابن حبان (انظر الملحق الرواية رقم: [218]، وتشهد لبعضه الرواية السابقة.
----------------------------

وبعد عقد الصلح، كتب عثمان -رضي الله عنه- كتاباً إلى أهل العراق، يقول فيه: "إن جيش ذي المروة نزلوا بنا فكان مما صالحناهم عليه: أن يؤدى إلى كل ذي حقٍّ حقه، فمن كان له قِبَلنا حق فليركب إليه، فإن أبطأ أو تثاقل فليتصدق فإن الله يجزي المتصدقين"1.
وبعد هذا الصلح العظيم وعودة أهل الأمصار جميعاً راضين، تبين لمشعلي الفتنة أن خطتهم قد فشلت، وأهدافهم الدنيئة لم تتحقق، لذا خططوا تخطيطاً آخر، يُذكي الفتنة ويحييها، ويدمر ما جرى من صلح بين أهل الأمصار وعثمان -رضي الله عنه- وبرز ذلك فيما يأتي:
في أثناء طريق عودة أهل مصر، رأوا راكباً على جمل يتعرض لهم، ويفارقهم -يظهر أنه هارب منهم- فكأنه يقول: خذوني، فقبضوا عليه، وقالوا له: ما لك؟ فقال: أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر، ففتشوه فإذا هم بالكتاب على لسان عثمان -رضي الله عنه- وعليه خاتمه إلى عامل مصر، فتحوا الكتاب فإذا فيه أمر بصلبهم أو قتلهم أو تقطيع أيديهم وأرجلهم، فرجعوا إلى المدينة حتى وصلوها2.
----------------------------
1 رواه ابن عساكر بإسناد حسن (تاريخ دمشق، ترجمة عثمان -رضي الله عنه- 362، 487- 488) انظر الملحق الرواية رقم: [75].
2 رواه خليفة وغيره من رواية أبي سعيد مولى أبي أسيد، وإسناده حسن، انظر الملحق الرواية رقم: [64] وأحمد في فضائل الصحابة (471، وابن شبة (3/ 133).
----------------------------

وقبل أن نخوض في محاولات لكشف شخصية كاتب هذا الكتاب، هناك دلائل تشكك في صحة ما أشاعه أهل الأمصار من وجود هذا الرجل الذي يحمل هذا الكتاب، فلماذا لا يكونون قد ألفوا كتاباً في أثناء الطريق وعادوا به مظهرين أنهم وجدوه مع رجل على جمل؟
ومما يقوي ذلك، أنه لم تنقل المصادر أنهم انتقموا من هذا الرجل الذي يحمل هذا الكتاب الذي فيه هلاكهم، خاصة وأنهم قوم لم يتورعوا عن دم خليفتهم وأميرهم، فمن باب أولى أنهم لا يتورعون عن دم هذا الرسول.
ولو افترضنا صحة هذا الزعم، فلِم يسلك هذا الرسول طريقهم؟ أليس هناك طرق إلى مصر غير طريقهم؟ وإذا لم يكن هناك طرق أخرى ألا يستطيع أن ينحرف عن الطريق عند اقترابه منهم، ثم يعود إلى الطريق نفسه؟.
ولِم يتَعرض لهم ويفارقهم، ثم يرجع إليهم ثم يفارقهم، فلِمَ هذه التصرفات التي تدعوهم إلى القبض عليه؟.
وإذا كان مرسله عثمان -رضي الله عنه- أو أحد ممن هم حوله، ألا يرشدونه إلى هذه التعليمات التي تعينه على التملص من أهل مصر، وينبهونه إلى أن يتستر ويخفي مضمون هذا الكتاب؟! بلى، هذا هو المتحتم من خلال هذا الموقف.
ولكن انظر إلى هذا الرسول -المزعوم- عندما قبض عليه، قالوا له: مالك؟ قال: أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر.
ففتشوه فإذا هم -كما في الرواية- بالكتاب على لسان عثمان -رضي الله عنه- عليه خاتمه إلى عامل مصر أن يصلبهم أو يقتلهم أو يقطع أيديهم وأرجلهم.
ومن الذي يؤكد لنا أن الخاتم خاتم عثمان -رضي الله عنه-؟ فلم تنقل لنا المصادر أن أحداً من الصحابة -رضي الله عنهم- قد رأى هذا الخاتم وأقر أنه خاتمه.
عاد القوم بعد ذهابهم يحملون هذه الأخبار، التي لا يستبعد إطلاقاً أن تكون ممثلة ملفقة، وقدموا المدينة.
وتفصل بعض الروايات الضعيفة في ذهابهم إلى بعض الصحابة وعرض الكتاب عليهم، إلا أنه لم يصح في ذلك شيء من الروايات.
ونفى عثمان -رضي الله عنه- أن يكون كتب هذا الكتاب، وقال لهم: إنهما اثنتان: أن تقيموا رجلين من المسلمين، أو يميني بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت ولا أمللت، ولا علمت، وقد يُكتب الكتاب على لسان الرجل ويُنقش الخاتم، فلم يصدقوه.
ولا نشك نحن في صدق عثمان -رضي الله عنه- كما أنهم لا يشكون في ذلك، ولكنهم لم يعبؤوا بهذا الحلف منه؛ لأنهم -ربما- يعرفون مسبقاً أنه ليس بكاتب الكتاب، وإنما هي حيلة لنقض العهد الذي أسفوا على إبرامه، أو أسف واغتاظ مشعلوا الفتنة على وقوعه.
إذا فرضنا أنهم وجدوا كتاباً فعلاً بخط كاتب عثمان -رضي الله عنه- وعليه خاتمه، فمن ذا الذي يكون قد باء بإثم تزويره؟!
يتهم بعضهم مروان بن الحكم في ذلك، وأنه افتأت1على عثمان -رضي الله عنه- بكتابته، وأستبعد ذلك جداً، لما تقدم من أن تفاصيل خطة إرسال هذا الكتاب تدل على أن مرسله لم يكن يريد إيصاله إلى مصر، وإنما يهدف إلى إطلاع وفد أهل مصر عليه، كما أنه لا مصلحة لمروان في افتآت مروان بكتابة هذا الكتاب.
والذي يبدو -والله أعلم- أن الذي زيف هذا الكتاب هو: عبد الله بن سبأ، أو أحدُ أعوانه، فهذه من عاداته القبيحة التي استخدمها في إشعال الفتنة، فليس هذا الكتاب هو الكتاب الوحيد المزور في هذه الفتنة؛ بل زُوّر غيره على ألسنة بعض الصحابة رضوان الله عليهم كعائشة، وعلي -رضي الله عنهما-.
بعد عودتهم هذه حاصروا الدار، وقاموا بأبشع المعاملة مع الخليفة عثمان -رضي الله عنه-، وتصرفوا أقبح التصرفات. وفي الباب الآتي تفصيل ما جرى أثناء الحصار.
----------------------------
1 افتأت: أي اختلق (ابن منظور، لسان العرب 2/64).
----------------------------



الفصل الثاني: مثيرو الفتنة وبدؤها 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الفصل الثاني: مثيرو الفتنة وبدؤها
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الفصل الثالث: متفرقات عن الفتنة
» الباب الثاني: الفصل الثاني دور مؤسسات المجتمع
» الفصل الثاني
» الفصل الثاني عشر
» الفصل الثاني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــافـــــــــة والإعـــــــــلام :: فتنة قتل أمير المؤمنين-
انتقل الى: