غزوة بني النضير
قال ابن هشام: وذلك في شهر ربيع الأول فحاصرهم ست ليال ونزل تحريم الخمر.
حصار الرسول لهم
قال ابن إسحاق: فتحصنوا منه في الحصون، فأمر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بقطع النخيل والتحريق فيها، فنادوه: أن يا مُحَمَّد، قد كنت تنهي عن الفساد، وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخيل وتحريقها؟
الرهط الذي شجع بني النضير ثم طلبهم الصلح وهجرتهم
وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج، منهم عدو الله عبدالله بن أبي سلول ووديعة ومالك بن أبي قوقل، وسويد وداعس، قد بعثوا إلى بني النضير: أن اثبتوا وتمنعوا، فإنا لن نسلمكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم، فتربصوا ذلك من نصرهم، فلم يفعلوا، وقذف الله في قلوبهم الرعب، وسألوا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أن يجليهم ويكف عن دمائهم، على أَّن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة.
ففعل.
فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به، فخرجوا إلى خيبر ومنهم من سار إلى الشام.
من هاجر منهم إلى خيبر
فكان أشرافهم من سار منهم إلى خيبر: سلام من أبي الحقيق، وكنانة بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب.
فلما نزلوها دان لهم أهلها.
قال ابن إسحاق: فحدثني عبدالله بن أبي بكر أنه حدث: أنهم استقلوا بالنساء والأموال، معهم الدفوف والمزامير، والقيان يعزفن خلفهم، وإن فيهم لأم عمرو صاحبة عروة بن الورد العبسي، التي ابتاعوا منه، وكانت إحدى نساء بني غفار، بزهاء وفخر وما رئي مثله من حي من الناس في زمانهم.
الرسول يقسم أموال بني النضير بين المهاجرين
وخلوا الأموال لرسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، فكانت لرسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- خاصة، يضعها حيث يشاء، فيقسمها رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- على المهاجرين الأولين دون الأنصار، إلا أن سهل ابن حنيف وأبا دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقرا، فأعطاهما رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-.
من أسلم من بني النضير
ولم يسلم من بني النضير إلا رجلاًن يامين بن عمير، أبو كعب بن عمرو بن جحاش؛ وأبو سعد بن وهب، أسلما على أموالهما فأحرزاها.
تحريض يامين على قتل ابن جحاش
قال ابن إسحاق: -وقد حدثني بعض آل يامين: أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- قال ليامين: ألم تر ما لقيت من ابن عمك، وما هم به من شأني؟ فجعل يامين بن عمير لرجل جعلاً على أن يقتل له عمرو بن جحاش، فقلته فيما يزعمون.
ما نزل في بني النضير من القرآن
ونزل في بني النضير سورة الحشر بأسرها، يذكر فهيا ما أصابهم الله به من نقمته، وما سلط عليهم به رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، وما عمل به فيهم، فقال تعالى:
"هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، وقذف في قلوبهم الرعب، يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين":
وذلك لهدمهم بيوتهم عن نجف أبوابهم إذا احتملوها.
"فاعتبروا يا أولي الأبصار، ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء"
وكان لهم من الله نقمة:
"لعذبهم في الدنيا":
أي بالسيف:
"ولهم في الآخرة عذاب النار" مع ذلك.
"ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها".
واللينة: ما خالف العجوة من النخل:
"فبإذن الله":
أي فبأمر الله قطعت، لم يكن فسادا، ولكن كان نقمة من الله:
"وليخزي الفاسقين".
تفسير ابن هشام لبعض الغريب
قال ابن هشام: اللينة: من الألوان، وهي ما لم تكن برنية ولا عجوة من النخل، فيما حدثنا أبو عبيدة.
قال ذو الرمة:
كأن قتودي فوقها عش طائر على لينة سوقاء تهفو جنوبهـا
وهذا البيت في قصيدة له.
"وما أفاء الله على رسوله منهم":
-قال ابن إسحاق: يعني من بني النضير:
"فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب، ولكن الله يسلط رسله على من يشاء، والله على كل شيء قدير":
أي له خاصة.
تفسير ابن هشام لبعض الغريب
قال ابن هشام: أوجفتم: حركتم وأتعبتم في السير.
قال تميم بن أبي بن مقبل أحد بني عامر بن صعصعة:
مذاويد بالبيض الحديث صقالـهـا عن الركب أحيانا إذا الركب أوجفوا.
وهذا البيت في قصيدة له، وهو الوجيف.
وقال أبو زيد الطائي، واسمه حرملة بن المنذر:
مسنفات كأنهن قنا الهنـد لطول الوجيف جدب المرود
وهذا البيت في قصيدة له.
قال ابن هشام: السناف: البطان.
والوجيف: وجيف القلب والكبد، وهو الضربان.
قال قيس بن الخطيم الظفري:
إنا وإن قدموا التي علموا أكبادنا من ورائهم تـجـف
وهذا البيت في قصيدة له.
"ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فللّه وللرسول"
-قال ابن إسحاق: ما يوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب، وفتح بالحرب عنوة فلِلّه وللرسول-:
"ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم، وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا".
يقول: هذا قسم آخر فيما أصيب بالحرب بين المسلمين، على ما وضعه الله عليه.
ثم قال تعالى:
"ألم تر إلى الذين نافقوا":
يعني عبدالله بن أبي وأصحابه، ومن كان على مثل أمرهم:
"يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب":
يعني بني النضير، إلى قوله:
"كمثل الذين من قبلهم قريبًا ذاقوا وبال أمرهم، ولهم عذابٌ أليمٌ":
يعني بني قينقاع.
ثم القصة إلى قوله:
"كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلمَّا كفر قال إني برئٌ منك، إني أخاف اللهَ رَبَّ العالمين، فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها، وذلك جزاء الظالمين".
ما قاله ابن لقيم العبسي من شعر في بني النضير
وكان مما قيل في بني النضير من الشعر قول ابن لقيم العبسي، ويُقال: قاله قيس بن بحر بن طريف.
قال ابن هشام: قيس بن بحر الأشجعي، فقال:
أهلي فداء لامرىء غير هالـك أحل اليهود بالحسـي الـمـزنـم
يقيلون في جمر الغضاة وبدلـوا أهيضب عودي بالودي المـكـمـم
فإن يك ظني صادقا بمُحَمَّد تروا خيله بين الـصـلا ويرمـرم
يؤم بها عمرو بن بهـثة إنـهـم عدو وما حي صديق كـمـجـرم
عليهن أبطال مساعير في الوغى يهزون أطراف الوشيج المـقـوم
وكل رقيق الشفرتين مـهـنـد توورثن من أزمان عاد وجـرهـم
فمن مبلغ عني قريشـا رسـالة فهل بعدهم في المجد من متكـرم
بأن أخاكم فاعلمـن مُحَمَّداً تليد الندى بين الحـجـون وزمـزم
فدينوا له بالحق تجسم أموركـم وتسموا من الدنيا إلى كل معـظـم
نبي تلاقته مـن الـلـه رحـمة ولا تسألوه أمـر غـيب مـرجـم
فقد كان في بدر لعمري عبـرة لكم يا قريشا والقلب الـمـلـمـم
غداة أتى في الخزرجية عامـدا إليكم مطيعا للعظـيم الـمـكـرم
معانا بروح القدس ينكى عـدوه رسولا من الرحمن حقا بمـعـلـم
رسولا من الرحمن يتلو كتابـه فلما أنار الحـق لـم يتـلـعـثـم
أرى أمره يزداد في كل موطن علوا لأمر حمه اللـه مـحـكـم
قال ابن هشام: عمرو بن بهثة، من غطفان.
وقوله: " بالحسي المزنم " عن غير ابن إسحاق.
ما يُنسب من الشعر لعلي في قصة بني النضير
قال ابن إسحاق: وقال علي بن أبي طالب: يذكر إجلاء بني النضير وقتل كعب بن الأشرف.