ما قاله كعب في يوم ذي قرد
وقال كعب بن مالك في يوم ذي قرد للفوارس:
أتحسب أولاد اللـقـيطة أنـنـا على الخيل لسنا مثلهم في الفوارس
وإنا أناس لا نرى القـتـل سـبة ولا ننثني عند الرماح المـداعـس
وإنا لنقري الضيف من قمع الذرا ونضرب رأس الأبلخ المتـشـاوس
نردّ كماة المعلمين إذا انتـخـوا بضرب يسلِّي نخوة المتـقـاعـس
بكل فتى حامي الحقيقة مـاجـد كريم كسرحان الغضاة مـخـالـس
يذودون عن أحسابهم وتـلادهـم ببيض تقد الهام تحت الـقـوانـس
فسائل بني بدر إذا ما لقـيتـهـم بما فعل الإخوان يوم الـتـمـارس
إذا ما خرجتم فاصدقوا من لقيتـم ولا تكتموا أخباركم في المجـالـس
وقولوا زللنا عن مخالب خـادر به وَحَر في الصدر ما لم يمـارس
قال ابن هشام: أنشدني بيته: (وإنا لنقري الضيف) أبو زيد.
شعر شداد الجشمي لعيينة
قال ابن إسحاق: وقال شداد بن عارض الجشمي، في يوم ذي قرد: لعيينة بن حصن، وكان عيينة بن حصن يكنى بأبي مالك:
فهلا كررت أبا مـالـك وخيلك مـدبـرة تـقـتـل
ذكرت الإياب إلى عسجر وهيهات قد بعد المـقـفـل
وطمنت نفسـك ذا مـيعة مِسحّ الفـضـاء إذا يرسـل
إذا قبَّضتْه إليك الـشـمـا ل جاش كما اضطرم المرجل
فلما عرفتـم عـبـاد الإل ه لـم ينـظـر الآخـر الأول
عرفتم فوارس قد عـودوا طراد الكماة إذا أسـهـلـوا
إذا طردوا الخيل تشقى بهم فضاحا وإن يُطردوا ينزلـوا
فيعتصموا في سواء المُقا مِ بالبيض أخلصها الصيقـل
غزوة بني المصطلق في شعبان سنة ست
وقتها
قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بالمدينة بعض جمادى الآخرة ورجبا، ثم غزا بني المصطلق من خزاعة، في شعبان سنة ست.
استعمال أبي ذر على المدينة
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري؛ ويُقال: نميلة ابن عبدالله الليثي.
سبب غزو الرسول لهم
قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبدالله بن أبي بكر، ومُحَمَّد بن يحيى بن حبان، كل قد حدثني بعض حديث بني المصطلق، قالوا: بلغ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أن بني المصطلق يجمعون له، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية بنت الحارث، زوج رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-؛ فلما سمع رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بهم خرج إليهم، حتى لقيهم على ماء لهم، يُقال له: المريسيع، من ناحية قديد إلى الساحل، فتزاحف الناس واقتتلوا، فهزم الله بني المصطلق، وقتل من قتل منهم، ونفَّل رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أبناءهم ونساءهم وأموالهم، فأفاءهم عليه.
استشهاد ابن صبابة خطأ وقد أصيب رجل من المسلمين من بني كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر، يُقال له: هشام بن صبابة، أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت، وهو يرى أنه من العدو، فقتله خطأ.
ما وقع من الفتنة بين المهاجرين والأنصار
فبينا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- على ذلك الماء، وردت واردة الناس، ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار، يُقال له: جهجاه بن مسعود يقود فرسه، فازدحم جهجاه وسنان بن وبر الجهني، حليف بني عوف بن الخزرج على الماء، فاقتتلا، فصرخ الجهني: يا معشر الأنصار، وصرخ جهجاه: يا معشر المهاجرين؛ فغضب عبدالله بن أبي بن سلول، وعنده رهط من قومه فيهم: زيد بن أرقم، غلام حدث، فقال: أوقد فعلوها، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما أعدنا وجلابيب قريش إلا كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلا المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.
ثم أقبل على من حضره من قومه، فقال لهم: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمستكم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم.
فسمع ذلك زيد بن أرقم، فمشى به إلى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، وذلك عند فراغ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- من عدوه، فأخبره الخبر، وعنده عمر بن الخطاب، فقال: مُرْ به عباد بن بشر فليقتله؛ فقال له رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن مُحَمَّداً يقتل أصحابه! لا ولكن أذن بالرحيل، وذلك في ساعة لم يكن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- يرتحل فيها، فارتحل الناس.
نفاق ابن أبي
وقد مشى عبدالله بن أبي بن سلول إلى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلَّغه ما سمع منه، فحلف بالله: ما قلتُ ما قال، ولا تكلّمْتُ به -وكان في قومه شريفاً عظيماً-، فقال مَنْ حضر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- من الأنصار من أصحابه: يا رسول الله، عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه، ولم يحفظ ما قال الرجل، حدباً على ابن أبي سلول، ودفعا عنه.
من أسباب نفاق ابن أبي
قال ابن إسحاق: فلما استقل رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وسار، لقيه أسيد بن حضير، فحياه بتحية النبوة وسلم عليه، ثم قال: يا نبي الله، والله لقد رحت في ساعة منكرة، ما كنت تروح في مثلها؛ فقال له رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: أوما بلغك ما قال صاحبكم؟
قال: وأي صاحب يا رسول الله؟ قال: عبدالله بن أبي؛ قال: وما قال؟ قال: زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قال: فأنت يا رسول الله والله تخرجه منها إن شئت، وهو والله الذليل وأنت العزيز؛ ثم قال: يا رسول الله، ارفق به، فو الله لقد جاءنا الله بك، وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه، فإنه ليرى أنك قد استلبته مُلكاً.
انشغال الناس عن الفتنة
ثم مشى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس، فلم يلبثوا أن وجدوا مسّ الأرض فوقعوا نياما، وإنما فعل ذلك رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس، من حديث عبدالله بن أبي.
تنبؤ الرسول بموت رفاعة بن زيد
ثم راح رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بالناس، وسلك الحجاز حتى نزل عل ماء بالجحاز فويق النقيع؛ يُقال له: بقعاء.
فلمَّا راح رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- هبَّت على الناس ريح شديدة آذتهم وتخوَّفُوها؛ فقال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: لا تخافوها، فإنما هبَّت لموت عظيم من عظماء الكفار.
فلمَّا قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت، أحد بني قينقاع، وكان عظيماً من عظماء يهود، وكهفاً للمنافقين، مات في ذلك اليوم.
ما نزل في ابن أبي من القرآن
ونزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين في ابن أبي ومن كان على مثل أمره، فلما نزلت أخذ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بأذن زيد بن أرقم، ثم قال: هذا الذي أوفى الله بأذنه.
وبلغ عبدالله بن عبدالله بن أبي الذي كان من أمر أبيه.
موقف عبدالله الابن من أبيه
قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن عبدالله أتى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، فقال: يا رسول الله، إنه بلغني أنك تريد قتل عبدالله بن أبي فيما بلغك عنه، فإن كنت لا بد فاعلا فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فو الله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبرّ بوالده مني، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبدالله بن أبي يمشي في الناس، فأقتله فأقتل رجلاً مؤمناً بكافر، فأدخل النار؛ فقال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: بل نترفق به، ونُحسن صحبته ما بقي معنا.
تولي قوم ابن أبي مُجازاته
وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه؛ فقال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- لعمر بن الخطاب، حين بلغه ذلك من شأنهم: كيف ترى يا عمر؛ أما والله لو قتلته يوم قلت لي اقتله، لأُرعدت له آنف، لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته؛ قال عمر: قد والله علمت لأمر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أعظم بركة من أمري.
مخادعة مقيس بن صبابة في الأخذ بثأر أخيه وشعره في ذلك
قال ابن إسحاق: وقدم مقيس بن صبابة من مكة مسلما، فيما يُظهر، فقال: يا رسول الله، جئتك مسلماً، وجئتك أطلب ديَّة أخي، قتل خطأ.
فأمر له رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بدية أخيه هشام بن صبابة؛ فأقام عند رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- غير كثير، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله، ثم خرج إلى مكة مُرْتَدًّا.
فقال في شعر يقوله:
شفى النفس أن قد مات بالقاع مسندا تضـرج ثـوبـيه دمـاء الأخــادع
وكانت هموم النفس من قبل قتلـه تُلمّ فتحميني وطـاء الـمـضـاجـع
حللت به وتري وأدركت ثـؤرتـي وكنـت إلـى الأوثـان أول راجـع
ثأرت به فهرا وحملت عـقـلـه سراة بني النـجـار أربـاب فـارع
وقال مقيس بن صبابة أيضاً:
جلَّلته ضربة باءت لها وشل من ناقع الجوف يعلوه وينصرم
فقلت والموت تغشاه أسرّته لا تأمنن بني بكر إذا ظلـمـوا
شعار المسلمين
قال ابن هشام: وكان شعار المسلمين يوم بني المصطلق: يا منصور، أمِتْ أمت.
قتلى بني المصطلق
قال ابن إسحاق: وأصيب من بني المصطلق يومئذ ناس، وقتل علي ابن أبي طالب منهم رجلين، مالكا وابنه، وقتل عبدالرحمن بن عوف رجلاً من فرسانهم، يُقال له: أحمر، أو أحيمر.