الرسولُ يَرُدُّ زينبَ إلى أبي العاص
قال ابن إسحاق: وحدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: رَدَّ عليه رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- زينب على النِّكَاح الأول لم يحُدث شيئاً بعد ست سنين.
مَثَلٌ من أمانة أبي العاص زوج زينب ابنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-
قال ابن هشام: وحدثني أبو عبيدة: أن أبا العاص بن الربيع لَمَّا قَدِمَ من الشام ومعه أموال المُشركين، قيل له: هل لك أن تُسْلِمَ وتأخذ هذه الأموال، فإنها أموال المُشركين؟ فقال أبو العاص: بئس ما أبدأ به إسلامي أن أخون أمانتي.
قال ابن هشام:
وحدثني عبدالوارث بن سعيد التنوري، عن داود بن أبي هند، عن عامر الشعبي، بنحو من حديث أبي عبيدة، عن أبي العاص.
الذين أط~لِقُوا من غير فداء
قال ابن إسحاق: فكان مِمَّنْ سُمِّي لنا من الأسارى مَمَّنْ مُنَّ عليه بغير فداء:
من بني عبد شمس بن عبد مناف:
أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، منَّ عليه رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بعد أن بعثت زينب بنت رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بفدائه.
ومن بني مخزوم بن يقظة:
المطلب بن حنطب بن الحارث بن عبيدة بن عمر بن مخزوم، كان لبعض بني الحارث بن الخزرج، فَتُرك في أيديهم حتى خلوا سبيله.
فلحق بقومه.
قال ابن هشام: أسره خالد بن زيد، أبو أيوب الأنصاري، أخو بني النجار.
قال ابن إسحاق: وصيفي بن أبي رفاعة بن عابد بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، تُرك في أيدي أصحابه، فلما لم يأت أحد في فدائه أخذوا عليه ليبعثن إليهم بفدائه، فخلوا سبيله، فلم يف لهم بشيءٍ.
فقال حسَّان بن ثابت في ذلك:
وما كان صيفي لِيُوفي ذمة قفا ثعلب أعيا ببعض الموارد
قال ابن هشام: وهذا البيت في أبيات له.
قال ابن إسحاق:
وأبو عزة، عمرو بن عبدالله بن عثمان بن أهيب بن حذافة بن جمح، كان محتاجاً ذا بنات، فكلّم رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، فقال: يا رسول الله، لقد عرفت ما لي من مال، وإني لذو حاجةٍ، وذو عيالٍ، فامْنُنْ عليَّ؛ فمَنَّ عليه رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، وأخذ عليه ألا يظاهر أحداً.
ما مدح به أبو عزة الرسول عندما أطلقه بغير فداء
فقال أبو عزة في ذلك، يمدح رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، ويذكر فضله في قومه:
من مبلغ عني الرسول مُحَمَّداً بأنـك حـق والـمـلـيك حـمـيدُ
وأنت امرؤ تدعو إلى الحق والهدى عليك من اللـه الـعـظـيم شـهـيد
وأنت امرؤ بُوِّئْتَ فـينـا مَـبـاءة له درجـات سـهـلة وصـعــود
فإنك من حاربتـه لـمـحـارب شقي ومن سـالـمـتـه لـسـعـيد
ولكن إذا ذُكِّرتُ بـدرا وأهـلـه تأوَّب ما بـي: حـسـرة وقـعـود
مقدار الفداء للأسير
قال ابن هشام: كان فداء المشركين يومئذ أربعة آلاف درهم للرجل، إلى ألف ردهم، إلا مَنْ لا شيءَ لَهُ، فَمَنَّ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- عليه.
إسلام عمير بن وهب بعد تحريض صفوان له على قتل الرسول
صفوان يحرضه على قتل الرسول
قال ابن إسحاق: وحدثني مُحَمَّد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، قال: جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر من قريش في الحجر بيسير، وكان عمير بن وهب شيطاناً من شياطين قريش، ومِمَّنْ كان يُؤذي رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وأصحابه، ويَلْقَوْنَ منه عناءً وهو بمكة، وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى بدر.
قال ابن هشام:
أسره رفاعة بن رافع أحد بني زريق.
قال ابن إسحاق:
حدثني مُحَمَّد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، قال: فذكر أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان: والله إن في العيش بعدهم خير؛ قال له عمير: صدقت والله، أما والله لولا دين علي ليس له عندي قضاء وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي، لركبت إلى مُحَمَّد حتى أقتله، فإن لي قبلهم علة: ابني أسير في أيديهم؛ قال: فاغتنمها صفوان وقال: علي دينك، أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أُواسيهم ما بقوا، لا يسعني شيء ويعجز عنهم؛ فقال له عمير: فاكتم شأني وشأنك؛ قال: أفعل.
رؤية عمر له وإخباره الرسول بأمره
قال: ثم أمر عمير بسيفه، فشُحذ له وسُمَّ، ثم انطلق حتى قدم المدينة؛ فبينا عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم الله به، وما أراهم من عدوهم، إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحاً السيف، فقال: هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب، والله ما جاء إلا لشر، وهو الذي حَرَّشَ بيننا، وحَزَرَنَا للقوم يوم بدر.
ثم دخل عمر على رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فقال:
يا نبي الله، هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحا سيفه؛ قال: فأدخله علي، قال: فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلبَّبه بها، وقال لرجال مِمَّنْ كانوا معه من الأنصار: ادخلوا على رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فاجلسوا عنده، واحذروا عليه من هذا الخبيث، فإنه غير مأمون؛ ثم دخل به على رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-.