| ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الأربعاء 18 أغسطس 2021, 6:10 pm | |
|
ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) إعداد: أبو إسلام أحمد بن علي غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين أجمعين
حقوق المؤلف حقوق الترجمة لأي لغة عالمية وكذلك حقوق الطبع والنشر والنسخ والنقل والتوزيع مكفولة للجميع, ولجميع كتبي المنشورة من قبل والتي ستنشر إن شاء الله تعالى مستقبلاً إن أحيانا الله تعالى, بشرط عدم التبديل والتغيير في الكتب ولا في أي جزء منها من أول الغلاف إلى آخر صفحة منها. (نسأل الله تعالى حُسْنَ النِّيَّة وقبولها كعلم يُنتفع به بعد مماتنا... آمين). عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له). تحقيق الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 793 في صحيح الجامع. ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, المؤلف طبيب بيطري/ أحمد علي محمد علي مرسي الشهير ب- / أبو إسلام أحمد بن علي جمهورية مصر العربية الإسكندرية ahmedaly240@hotmail.com ahmedaly2407@gmail.com
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
وبعد: فحبيبنا وشفيعنا وسيدنا النبي الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- هو النموذج الأعظم في الابتلاء, ليس فقط للمسلمين ولكن للعالم أجمع, فلو استعرضنا حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ ولادته وحتى وفاته -صلى الله عليه وسلم- نراه قد مرَّت به جميع الابتلاءات التي قد يتعرَّض لها بشر.
قال الله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) البقرة: 155.
فقد مرَّت بالنبي -صلى الله عليه وسلم- جميع هذه الابتلاءات: ** الابتلاء بالخوف ** الابتلاء بالجوع ** الابتلاء بنقص الأموال ** الابتلاء بموت الأحباب ** الابتلاء بنقص ثمرات الأرض... وغيرها كثيراً من الابتلاءات.
وأكثر ابتلاءات الله تعالى تكون في الصالحين, يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يُبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) صحيح الجامع – صححه الألباني.
نبتهل إلى الله تعالى أن يتقبل عملنا هذا خالصاً لوجهه الكريم, عسى أن ينفع به وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأن نعي ونتأسى ونتبع سنة النبي الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- فإنها خير الطريق إلى جنة الخلد بإذن الله تعالى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. تأليف أبو إسلام أحمد بن علي
الفهرس حقوق المؤلف 2 مقدمة 3 (1) ابتلاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بكونه ولد يتيم الأب 6 (2) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بعد ولادته بإعراض المراضع عنه 7 (3) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بواقعة شق صدره 9 (4) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بموت أولاده 12 (5) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بنزول الوحي 15 (6) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بانقطاع الوحي عنه 16 (7) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بكيفية نزول الوحي 17 (8) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بالخوف من إفشاء دعوته 19 (9) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- عند الجهر بالدعوة 19 (10) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بقول الكفار فيه بأنه كاهن أو مجنون أو شاعر أو 23 (11) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بسخرية وتحقير واستهزاء وتكذيب وضحك الكفار منه 26 (12) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بإثارة الشبهات حوله وتكثيف الدعايات الكاذبة 28 (13) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- باضطهاد من آمن برسالته 32 (14) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بقدوم أشراف قريش لعمه أبوطالب لإثنائه عن دعوته للإسلام 37 (15) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- باعتداء كفار مكة عليه 38 (16) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بحصار الكفار لبني هاشم وبني عبد المطلب في شعب أبي طالب 45 (17) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بموت عمه أبو طالب وزوجه خديجة رضي الله عنها 48 (18) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بإيذاء أهل الطائف وقذفه بالحجارة عند دعوتهم للإسلام 50 (19) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بمؤامرة قتله وخروجه من مكة مهاجراً إلى المدينة 53 (20) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بالمنافقين وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول 60 (21) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بالغزوات التي غزاها لنشر الدعوة الإسلامية 63 (22) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بمؤامرة لاغتياله 65 (23) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بكسر رباعيته وشق شفته وجرح وجنته في موقعة أحد 67 (24) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بمقتل عمه حمزة بن عبد المطلب 71 (25) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بقتل أصحابه في بئر معونة 74 (26) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بحصار الكفار واليهود للمدينة المنورة في غزوة الأحزاب 76 (27) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- لهدم العقائد الفاسدة السائدة في المجتمع 89 (28) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بحديث الإفك 93 (29) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- في صلح الحديبية 96 (30) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بوضع السم في طعامه 105 (31) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بوضع السيف على رقبته لقتله 106 (32) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بفتح مكة 107 (33) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- في غزوة حنين 110 (34) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- عند تقسيم غنائم غزوة حنين 114 (35) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- مع أزواجه 116 (36) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- وهو في مرض الموت 125 المراجع 132 -------------------------------------------------------
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الأربعاء 18 أغسطس 2021, 6:12 pm | |
| ابتلاءات النبي -صلى الله عليه وسلم- هيا بنا نستعرض الابتلاءات التي مَرَّ بها حبيبنا وسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- من ولادته وحتى وفاته -صلى الله عليه وسلم-.
(1) ابتلاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بكونه وُلِدَ يتيم الأب وُلِدَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يتيم الأب, فقد مات أبوه عبد الله بن عبد المطلب قبل ولادته -صلى الله عليه وسلم-, وهذا من أعظم الابتلاءات لمن يفتح عينيه على الحياة ويشب وينظر حوله فلم يجد له أب يعينه على مصاعب الحياة, ويخفف عنه ما يلقاه من شرور, ويقف بجانبه ويحميه من مكائد الكائدين, ويصبر على تربيته وتعليمه ولكنها حكمة الله تعالى الذي رباه وعلمه وكلأه وحماه ورعاه, فلم تكن رعاية وتعليم بشر ولكنها رعاية وحماية الله تعالى له.
** فحين حملت به أمه به توفي أبوه عبدالله وهو حمل في بطنها على المشهور.
قال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر -وهو الواقدي- حدثنا موسى بن عبيدة اليزيدي وحدثنا سعيد بن أبي زيد عن أيوب بن عبدالرحمن بن أبي صعصعة قال: خرج عبدالله بن عبدالمطلب إلى الشام إلى غزة في عير من عيران قريش يحملونه تجارات، ففرغوا من تجاراتهم ثم انصرفوا فمروا بالمدينة وعبدالله بن عبدالمطلب يومئذ مريض، فقال: أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار، فأقام عندهم مريضاً شهراً ومضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبدالمطلب عن ابنه عبدالله؟ فقالوا: خلفناه عند أخواله بني عدي بن النجار وهو مريض فبعث إليه عبدالمطلب أكبر ولده الحارث فوجده قد توفي ودفن في دار النابغة فرجع إلى أبيه فأخبره، فوجد عليه عبدالمطلب وأخوته وأخواته وجداً شديداً، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومئذ حمل ولعبدالله بن عبدالمطلب يوم توفي خمس وعشرون سنة.
قال الواقدي: هذا هو أثبت الأقاويل في وفاة عبدالله وسنه عندنا.
قال الواقدي: وحدثني معمر عن الزهري: أن عبدالمطلب بعث عبدالله إلى المدينة يجمع لهم تمراً فمات.
قال محمد بن سعد: وقد أنبأنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه وعن عوانة بن الحكم قالا: توفي عبدالله بن عبد المطلب بعد ما أتى على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثمانية وعشرون شهراً، قيل: سبعة أشهر.
وقال محمد بن سعد: والأول أثبت: أنه توفي ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حمل.
وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن حسن عن عبدالسلام عن ابن خربوذ قال: توفي عبدالله ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابن شهرين، وماتت أمُّه وهو ابن أربع سنين ومات جده وهو ابن ثماني سنين، فأوصى به إلى عمه أبي طالب.
والذي رجحه الواقدي وكاتبه الحافظ محمد بن سعد: أنه عليه الصلاة والسلام توفي أبوه وهو جنين في بطن أمِّهِ وهذا أبلغ اليُتم وأعلى مراتبه. ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الأربعاء 18 أغسطس 2021, 6:13 pm | |
| (2) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بعد ولادته بإعراض المراضع عنه توفي والد النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عبد المطلب وهو ابن شهرين وقيل وهو حَمْلٌ وقيل غير ذلك، ثم أرضعته حليمة فكان من قصة رضاعه من حليمة ما يلي قالت حليمة: خرجت في نسوة من بني سعد بن بكر نلتمس الرُّضَعَاء بمكة على أتان لي قَمْرَاء في سنةٍ شَهْبَاء لم تبق شيئًا، ومعي زوجي ومعنا شارف لنا، والله إن تَبِضّ لنا بقطرة من لبن، ومعي صبي لي لا ننام ليلتنا من بكائه ما في ثديي ما يغنيه، فلما قدمنا مكة لم يبق منا امرأة إلا عُرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه، وإنما كنا نرجو كرامة الرضاعة من والد المولود، وكان يتيمًا، وكنا نقول يتيمًا ما عسى أن تصنع أمه به، حتى لم يبق من صواحبي امرأة إلا أخذت صبيًّا غيري، فكرهت أن أرجع ولم آخذ شيئًا وقد أخذ صواحبي، فقلت لزوجي: والله لأَرجِعَنَّ إلى ذلك اليتيم فلآخذنه، قالت: فأتيته فأخذته ورجعت إلى رحلي، فقال زوجي: قد أخذتيه؟ فقلت: نعم والله، وذلك أني لم أجد غيره، فقال: أصبت فعسى الله أن يجعل فيه خيرًا، فقلت: فوالله ما هو إلا أن جعلته في حِجري فأقبل عليه ثديي بما شاء الله من اللبن فشرب حتى رَوِي وشرب أخوه -تعني ابنها- حتى رَوِيَ، وقام زوجي يلي شارفنا من الليل فإذا بها حافل فحلبنا من اللبن ما شئنا وشرب حتى روي، وشربت حتى رويت، وبتنا ليلتنا تلك شباعًا رواءً وقد نام صبياننا. قالت: قال أبوه "تعني زوجها": والله يا حليمة ما أراك إلا قد أصبحت نَسَمَةً مباركة قد نام صبياننا.
قالت: ثم خرجنا قالت: والله لَخرجت أتاني أمام الركب إنهم ليقولون: ويحكِ كُفّي عنا، أليست هذه بأتانك التي خرجت عليها؟ فأقول: بلى والله، وهي قِدَّامُنَا حتى قدمنا منازلنا من حاضر بني سعد بن بكر فقدمنا على أجدب أرض، والذي نفس حليمة بيده إن كانوا ليُسْرِحونَ أغنامهم إذا أصبحوا، ويُسرّح راعيّ غنمي فتروح بِطانًا لُبَّنًا حُفَّلاً، وتروح أغنامهم جياعًا ما بها من لبن.
قالت: فنشرب ما شئنا من اللَّبن وما في الحاضر أحد يحلب قطرة ولا يجدها فيقولون لرعائهم: ويلكم ألا تُسَرّحُون حيث يُسرح راعي حليمة؟ فيُسَرّحون في الشّعب الذي نُسرح فتروح أغنامهم جياعًا ما بها من لبن، وتروح غنمي لُبَّنا حُفَّلاً.
وكان صلى الله عليه وسلم يشب في اليوم شباب الصبي في الشهر، ويشب في الشهر شباب الصبي في سنة، فبلغ سنة وهو غلام جَفر، قالت: فقدمنا على أمه فقلت لها أو قال لها أبوه: رُدي علينا ابني فلنرجع به فإنا نخشى عليه وباء مكة، قالت: ونحن أضنُّ شيء به مما رأينا من بركته. قالت: فلم نَزَلْ حتى قالت: ارجعا به، فرجعنا به فمكث عندنا شهرين. ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الأربعاء 18 أغسطس 2021, 6:16 pm | |
| (3) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بواقعة شق صدره اتفق الشيخان على حديث قتادة، عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة في حديث المعراج في شق بطن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- واستخراج ما أخرج منه، وقد أتى به ثابت البناني، عن أنس دون ذكر مالك بن صعصعة خارج المعراج بزيادات ألفاظ كما حدثناه علي بن حمشاذ العدل، ثنا أبو مسلم، ومحمد بن يحيى القزاز، قالا: ثنا حجاج بن المنهال، ثنا حماد بن سلمة، أنبأ ثابت البناني، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، أتاه جبريل وهو يلعب مع الصبيان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، قال: فغسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لامه ثم أعاده في مكانه، قال: وجاء الغلمان يسعون إلى أمه -يعني ظئره- فقالوا: إن محمداً قد قتل، فأقبلت ظئره تريده فاستقبلها راجعاً وهو منتقع اللون قال أنس: وقد كنا نرى أثر المخيط في صدره (صحيح الإسناد ولم يخرجاه - المستدرك على الصحيحين).
وفي صحيح ابن حبان في قصة مرضعته حليمة السعدية قالت: فبينا هو وأخوه يومًا خلف البيوت يرعيان بَهْمًا لنا إذ جاء أخوه يشتد فقال لي ولأبيه: أدركا أخي القرشي فقد جاءه رجلان فأضجعاه وشقا بطنه، فخرجنا نشتد فانتهينا إليه وهو قائم منتقع اللون، فاعتنقه أبوه واعتنقته ثم قلنا: أيْ بنيّ، قال: أتاني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني ثم شقا بطني، فوالله ما أدري ما صنعا.
قالت: فاحتملناه ورجعنا به، يقول أبوه: يا حليمة ما أرى هذا الغلام إلا قد أصيب، فانطلقي فلنرده إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوف عليه قالت: فرجعنا به، قالت أمه: فما يردُّكما به وقد كنتما حريصين عليه، قالت: فقلت: لا والله إلا أنَّا قد كفلناه وأدينا الحق الذي يجب علينا فيه ثم تخوفنا الأحداث عليه، فقلنا يكون في أهله، قالت أمه: والله ما ذاك بكما فأخبراني خبركما وخبره، قالت: فوالله ما زالت بنا حتى أخبرناها خبره، قالت: فتخوفتما عليه؟ كلا والله إن لابني هذا شأنًا ألا أخبركما عنه؟ إني حملت به فلم أحمِل حملاً قط كان أخف عليّ ولا أعظم بركة منه ثم رأيت نورًا كأنه شِهاب خرج مني حين وضعته أضاءت له أعناق الإبل ببُصرى ثم وضعته فما وقع كما تقع الصبيان، وقع واضعًا يديه بالأرض رافعًا رأسه إلى السماء، دعاه والحَقا شأنكما.
وفي السلسلة الصحيحة: أخبرنا نعيم بن حماد حدثنا بقية عن بحير عن خالد بن معدان حدثنا عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن عتبة بن عبد السلمي أنه حدثهم وكان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له رجل كيف كان أول شأنك يا رسول الله قال كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر فانطلقت أنا وابن لها في بهم لنا ولم نأخذ معنا زادا فقلت يا أخي اذهب فأتنا بزاد من عند أمنا فانطلق أخي ومكثت عند البهم فأقبل طائران أبيضان كأنهما نسران فقال أحدهما لصاحبه أهو هو قال الآخر نعم فأقبلا يبتدراني فأخذاني فبطحاني للقفا فشقا بطني ثم استخرجا قلبي فشقاه فأخرجا منه علقتين سوداوين فقال أحدهما لصاحبه ائتني بماء ثلج فغسل به جوفي ثم قال ائتني بماء برد فغسل به قلبي ثم قال ائتني بالسكينة فذره في قلبي ثم قال أحدهما لصاحبه حصه فحاصه وختم عليه بخاتم النبوة ثم قال أحدهما لصاحبه اجعله في كفة واجعل ألفا من أمته في كفة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا أنا أنظر إلى الألف فوقي أشفق أن يخر علي بعضهم فقال لو أن أمته وزنت به لمال بهم ثم انطلقا وتركاني قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفرقت فرقا شديدا ثم انطلقت إلى أمي فأخبرتها بالذي لقيت فأشفقت أن يكون قد التبس بي فقالت أعيذك بالله فرحلت بعيرا لها فجعلتني على الرحل وركبت خلفي حتى بلغتنا إلى أمي فقالت أديت أمانتي وذمتي وحدثتها بالذي لقيت فلم يرعها ذلك وقالت إني رأيت حين خرج مني يعني نورا أضاءت منه قصور الشام.
شق صدر الرسول قبل رحلة الإسراء والمعراج: مهد الله تعالى لرحلة الإسراء والمعراج العظيمة بشقِّ صدر النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال أنس بن مالكٍ عن مالك بن صعصعة -رضي الله عنهما- أنَّ نبيَّ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قال: "بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ -وَرُبَّمَا قَالَ: فِي الْحِجْرِ- مُضْطَجِعًا، إِذْ أَتَانِي آتٍ فَقَدَّ -قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَشَقَّ- مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ -فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهْوَ إِلَى جَنْبِي: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مِنْ قَصِّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ- فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي ثُمَّ حُشِيَ(البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب المعراج).
وفي شَقِّ صدره -صلى الله عليه وسلم- يقول ابن حجر: وقد استنكر بعضهم وقوعَ شَقِّ الصدر ليلة الإسراء، وقال: إنما كان ذلك وهو صغير في بني سعد، ولا إنكار في ذلك، فقد تواردت الروايات به.
وثبت شقُّ الصدر أيضًا عند البعثة كما أخرجه أبو نعيم في "الدلائل"، ولكل منها حكمة؛ فالأوَّل وقع فيه من الزيادة كما عند مسلم من حديث أنس: "فأخرج علقةً، فقال: هذا حظُّ الشيطانِ منك".
وكان هذا في زمن الطفولة، فنشأ على أكمل الأحوال من العصمة من الشيطان، ثم وقع شقُّ الصدر عند البعث زيادة في إكرامه ليتلقَّى ما يُوحَى إليه بقلب قويٍّ في أكمل الأحوال من التطهير، ثم وقع شقُّ الصدر عند إرادة العروج إلى السماء ليتأهَّب للمناجاة، ويُحْتَمَل أن تكون الحكمة في هذا الغسل لتقع المبالغة في الإسباغ بحصول المرَّة الثالثة كما تقرَّر في شرعه -صلى الله عليه وسلم-، ويُحتمل أن تكون الحكمة في انفراج سقف بيته الإشارة إلى ما سيقع من شقِّ صدره، وأنه سيلتئم بغير معالجة يتضرَّر بها.
وجميع ما ورد من شقِّ الصدر واستخراج القلب، وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة ممَّا يجب التسليم له دون التعرُّض لصرفه عن حقيقته لصلاحية القدرة فلا يستحيل شيء من ذلك، قال القرطبي في (المفهم): لا يُلْتَفَتْ لإنكار الشقِّ ليلة الإسراء؛ لأن رواته ثقات مشاهير. ثم ذكر نحو ما تقدم (فتح الباري). |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الأربعاء 18 أغسطس 2021, 6:19 pm | |
| (4) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بموت أولاده من أعظم الابتلاءات التي يبتليها الله تعالى لعباده هو موت الأولاد في أثناء حياة الآباء, وهذا الابتلاء العظيم مر به النبي -صلى الله عليه وسلم- ستة مرات, فقد مات له -صلى الله عليه وسلم- أثناء حياته ستة من الأبناء, ثلاثة من الذكور وثلاثة من الإناث, فمن يطيق من البشر هذا الابتلاء العظيم إلا حبيبنا -صلى الله عليه وسلم-, فعلى قدر الابتلاء يعطي الله تعالى الدرجة.
وأبناء الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذين توفاهم الله تعالى في حياته هم: القاسم: وهو أول أولاده من زوجته خديجة بنت خويلد, ولد له قبل النبوة ومات بعد أن بلغ سنًا تمكنه من المشي.
غير أن رضاعته لم تكن قد اكتملت. ويُقال أنه توفي سنة 605م قبل أن يتم عامه الثاني.
إبراهيم: وتوفي بعد سبعين يوماً من مولده.
عبد الله: ويلقب بالطيب والطاهر، وقد مات صغيراً.
وأمَّا بناته -صلى الله عليه وسلم- الذين توفاهن الله تعالى في حياته فهن: زينب: وهي أكبر بناته، أدركت الإسلام وأسلمت ثم أسلم زوجها وهو ابن خالتها أبو العاص لقيط الربيع.
رقيّة: وزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنهما.
أم كلثوم: تزوجها عثمان أيضاً بعد وفاة أختها رقية.
أمَّا فاطمة الزهراء: وزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنهما, فهي الوحيدة من أولاده -صلى الله عليه وسلم- التي ماتت بعده بستة أشهر.
وكل أولاده -صلى الله عليه وسلم- من خديجة رضي الله عنها، إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية.
وأولاده كلهم ولدوا قبل النبوة، إلا فاطمة فبعد النبوة بسنة، وإلا إبراهيم، فإنه ولد في السنة الثامنة من الهجرة.
وقد يسأل سائل لماذا لم يعش لرسول -صلى الله عليه وسلم- ذكوراً بعد وفاته؟ والسبب هو: إن ابن النبي لا بد وان يكون نبياً ولو عاش ولدٌ من أبنائه -صلى الله عليه وسلم- لكان نبياً بعده ولو كان نبياً بعده ما كان هو -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء والمُرسلين إنها حكمة الرَّبِّ سبحانه وتعالى البالغة ودقته عز ثناؤه المتناهية في العظمة وسمو الرفعة في التقدير ولذا قرر القرآن العظيم هذه الحكمة وأجاب على المستفسرين وردع الشامتين بقول الحق عز وجل: (إنا أعطيناك الكوثر، فصل لربك وانحر، إن شانئك هو الأبتر) صدق الله العظيم.
والمعنى: أي كيف تكون الأبتر وقد رفع الله تعالى لك ذكرك يا رسول الله في الأذان والإقامة والصلاة؟ وكيف أبتر وقد أعطيتك الكوثر؟ وهو نهر في الجنة والقرآن وهو معجزتك الخالدة؟ لا يا رسول الله أنت خاتم الأنبياء والمرسلين، وقد بيَّن القرآن العظيم هذه الحكمة البالغة أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يوجد ليكون أباً لأحَدٍ من الرجال وإنما ليكون خاتم النبيين.
قال تعالى: (ما كان محمدٌ أبا أحَدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) سورة الأحزاب: 40.
إن الأبتر الحقيقي هو الذي يضايقك بهذا القول لأنه لن ينفعه أولاده ولا أمواله وليس له بعد موته إلا الخلود في العذاب الأليم: (إن شانئك هو الأبتر) إن الذي يغضبك بهذا القول هو المقطوع الذكرى حيث لا عمل صالح له ولا قيمة ولا رجاء ومصيره جهنم وبئس المهاد. ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الأربعاء 18 أغسطس 2021, 6:20 pm | |
| (5) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بنزول الوحي ولَمَّا تكامل للنبي -صلى الله عليه وسلم- أربعون سنة -وهي رأس الكمال، وقيل: ولها تبعث الرسل- بدأت طلائع النبوة تلوح وتلمع، فمن ذلك أن حجرًا بمكة كان يسلم عليه، ومنها أنه كان يرى الرؤيا الصادقة؛ فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، حتى مضت على ذلك ستة أشهر -ومدة النبوة ثلاث وعشرون سنة، فهذه الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة- فلما كان رمضان من السنة الثالثة من عزلته -صلى الله عليه وسلم- بغار حراء شاء الله أن يفيض من رحمته على أهل الأرض، فأكرمه بالنبوة، وأنزل إليه جبريل بآيات من القرآن. ولنستمع إلى عائشة الصديقة رضي الله عنها تروى لنا قصة هذه الوقعة التي كانت نقطة بداية النبوة، وأخذت تفتح دياجير ظلمات الكفر والضلال حتى غيرت مجرى الحياة، وعدلت خط التاريخ، قالت عائشة رضي الله عنها.
أول ما بدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فَلَق الصبح، ثم حُبِّبَ إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيَتَحَنَّث فيه -وهو التعبد- الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ: قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) (العلق: 1: 3)، فرجع بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: (زَمِّلُونى زملونى)، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة: ما لي؟ فأخبرها الخبر،لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا، والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل ابن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة -وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي- فقالت له خديجة: يابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خبر ما رأي، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزله الله على موسى، ياليتني فيها جَذَعا، ليتني أكون حيًا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أو مخرجيّ هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا، ثم لم يَنْشَبْ ورقة أن توفي، وفَتَر الوحي. ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الأربعاء 18 أغسطس 2021, 6:20 pm | |
| (6) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بانقطاع الوحي عنه فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما في قصة بدء الوحي وذهاب النبي -صلى الله عليه وسلم- مع خديجة رضي الله عنها إلى ورقة بن نوفل أن الوحي فتر مدة ثم تتابع، قال -صلى الله عليه وسلم- وهو يحدث عن فترة الوحي: بينما أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه، فرجعت فقلت: زملوني زملوني، فأنزل الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (المدثر: 1) إلى قوله: (والرجز فاهجر) فحمي الوحي وتتابع.
وقال الزهري -كما في صحيح البخاري-: وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي -صلى الله عليه وسلم-، -فيما بلغنا- حزنا غدا منه مراراً كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى له جبريل، فقال: يا محمد، إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك.
ونقل عن الإسماعيلي قوله: ثم كان من مقدمات تأسيس النبوة فترة الوحي، ليتدرج فيه ويمرن عليه، فشق عليه فتوره، إذ لم يكن خوطب عن الله بعدُ أنك رسول الله، ومبعوث إلى عباده، فأشفق أن يكون ذلك أمر بُدئ به، ثم لم يُرَد استتمامه فحزن لذلك، حتى إذا تدرج على احتمال أعباء النبوة والصبر على ثقل ما يرد عليه فتح الله له من أمره بما فتح.
والحكمة في فترة الوحي ليذهب عنه ما كان يجده -صلى الله عليه وسلم- من الرَّوع، وليحصل له التشوُّق إلى العَوْد. كما قال الصالحي في سبل الهدى والرشاد. ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الأربعاء 18 أغسطس 2021, 6:22 pm | |
| (7) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بكيفية نزول الوحي كيفية نزول الوحي: 1- الرؤيا الصادقة، وكانت مبدأ وحيه -صلى الله عليه وسلم-.
2- ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته).
3- إنه -صلى الله عليه وسلم- كان يتمثل له الملك رجلًا فيخاطبه حتى يعي عنه ما يقول له، وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحيانًا.
4- أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس: وكان أشده عليه، فيلتبس به الملك، حتى أن جبينه ليتَفَصَّد عرقًا في اليوم الشديد البرد، وحتى أن راحلته لتبرك به إلى الأرض إذا كان راكبها، ولقد جاء الوحي مرة كذلك وفخذه على فخذ زيد بن ثابت، فثقلت عليه حتى كادت ترضها.
5- إنه يرى الملك في صورته التي خلق عليها: فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه، وهذا وقع له مرتين كما ذكر الله ذلك في سورة النجم.
6- ما أوحاه الله إليه، وهو فوق السموات ليلة المعراج من فرض الصلاة وغيرها.
7- كلام الله له منه إليه بلا واسطة ملك: كما كلم الله موسى بن عمران، وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعًا بنص القرآن. وثبوتها لنبينا -صلى الله عليه وسلم- هو في حديث الإسراء.
8- وقد زاد بعضهم مرتبة ثامنة؛ وهي: تكليم الله له كفاحًا من غير حجاب، وهي مسألة خلاف بين السلف والخلف. ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الأربعاء 18 أغسطس 2021, 6:23 pm | |
| (8) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بالخوف من إفشاء دعوته وقد ذكر ابن هشام أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه كانوا إذا حضرت الصلاة ذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم، وقد رأي أبو طالب النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليّا يصليان مرة، فكلمهما في ذلك، ولَمَّا عرف جلية الأمر أمرهما بالثبات.
تلك هي العبادة التي أمر بها المؤمنون، ولا تعرف لهم عبادات وأوامر ونواه أخرى غير ما يتعلق بالصلاة، وإنما كان الوحي يبين لهم جوانب شتى من التوحيد، ويرغبهم في تزكية النفوس، ويحثهم على مكارم الأخلاق، ويصف لهم الجنة والنار كأنهما رأي عين، ويعظهم بمواعظ بليغة تشرح الصدور وتغذى الأرواح، وتحدو بهم إلى جو آخر غير الذي كان فيه المجتمع البشرى آنذاك.
وهكذا مرت ثلاثة أعوام، والدعوة لم تزل مقصورة على الأفراد، ولم يجهر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- في المجامع والنوادي،إلا أنها عرفت لدى قريش، وفشا ذكر الإسلام بمكة، وتحدث به الناس، وقد تنكر له بعضهم أحيانًا، واعتدوا على بعض المؤمنين، إلا أنهم لم يهتموا به كثيرًا حيث لم يتعرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لدينهم، ولم يتكلم في آلهتهم. ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الأربعاء 18 أغسطس 2021, 6:24 pm | |
| (9) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- عند الجهر بالدعوة عندما تكونت جماعة من المؤمنين تقوم على الأخوة والتعاون، وتتحمل عبء تبليغ الرسالة وتمكينها من مقامها نزل الوحي يكلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإعلان الدعوة، ومجابهة الباطل بالحسنى.
وأول ما نزل بهذا الصدد قوله تعالى: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (الشعراء: 214).
ودعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشيرته بني هاشم بعد نزول هذه الآية، فجاءوا ومعهم نفر من بني المطلب بن عبد مناف، فكانوا نحو خمسة وأربعين رجلًا.
فلما أراد أن يتكلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بادره أبو لهب وقال: هؤلاء عمومتك وبنو عمك فتكلم، ودع الصبأة، واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة، وأنا أحق من أخذك، فحسبك بنو أبيك، وإن أقمت على ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش، وتمدهم العرب، فما رأيت أحدًا جاء على بني أبيه بشر مما جئت به، فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يتكلم في ذلك المجلس.
ثم دعاهم ثانية وقال: الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأومن به، وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ثم قال: إن الرائد لا يكذب أهله، والله الذي لا إله إلا هو، إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وإنها الجنة أبدًا أو النار أبدًا.
فقال أبو طالب: ما أحب إلينا معاونتك، وأقبلنا لنصيحتك، وأشد تصديقًا لحديثك، وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وإنما أنا أحدهم، غير أني أسرعهم إلى ما تُحب، فامض لِمَا أمرت به، فوالله، لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب.
فقال أبو لهب: هذه والله السوأة، خذوا على يديه قبل أن يأخذ غيركم.
فقال أبو طالب: والله لنمنعه ما بقينا.
وبعد تأكد النبي -صلى الله عليه وسلم- من تعهد أبي طالب بحمايته وهو يبلغ عن ربه، صعد النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم على الصفا، فعلا أعلاها حجرًا، ثم هتف: (يا صباحاه) وكانت كلمة إنذار تخبر عن هجوم جيش أو وقوع أمر عظيم.
ثم جعل ينادى بطون قريش، ويدعوهم قبائل قبائل: يا بني فهر، يا بني عدى، يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني عبد مناف، يا بني عبد المطلب. فلما سمعوا قالوا: من هذا الذي يهتف؟
قالوا: محمد، فأسرع الناس إليه، حتى إن الرجل إذا لم يستطع أن يخرج إليه أرسل رسولًا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش.
فلما اجتمعوا قال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادي بسَفْح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم أكنتم مُصَدِّقِي؟.
قالوا: نعم، ما جربنا عليك كذبًا، ما جربنا عليك إلا صدقًاً.
قال: (إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأي العَدُوّ فانطلق يَرْبَأ أهله- أي يتطلع وينظر لهم من مكان مرتفع لئلا يدهمهم العدو-خشي أن يسبقوه فجعل ينادى: يا صباحاه.
ثم دعاهم إلى الحق، وأنذرهم من عذاب الله، فخص وعم فقال: يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من الله، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم من الله ضرًا ولا نفعًا، ولا أغنى عنكم من الله شيئًا.
يا بني كعب بن لؤي، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًا.
يا بني مرة بن كعب، أنقذوا أنفسكم من النار.
يا معشر بني قصي، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًا.
يا معشر بني عبد مناف، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم من الله ضرًا ولا نفعًا، ولا أغنى عنكم من الله شيئًا.
يا بني عبد شمس، أنقذوا أنفسكم من النار.
يا بني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار.
يا معشر بني عبد المطلب، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًا، ولا أغنى عنكم من الله شيئًا، سلوني من مالي ماشئتم، لا أملك لكم من الله شيئًا.
يا عباس بن عبد المطلب، لا أغنى عنك من الله شيئًا.
يا صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله، لا أغنى عنك من الله شيئًا.
يا فاطمة بنت محمد رسول الله، سليني ما شئت من مالي، أنقذى نفسك من النار، فإني لا أملك لك ضرًا ولا نفعًا، ولا أغنى عنك من الله شيئًا.
غير أن لكم رحمًا سأبُلُّها بِبلاَلها- أي أصلها حسب حقها.
ولما تم هذا الإنذار انفض الناس وتفرقوا، ولا يذكر عنهم أي ردة فعل، سوى أن أبا لهب واجه النبي -صلى الله عليه وسلم- بالسوء.
وقال: تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) (سورة المسد: 1). كانت هذه الصيحة العالية هي غاية البلاغ، فقد أوضح الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأقرب الناس إليه أن التصديق بهذه الرسالة هو حياة الصلات بينه وبينهم، وأن عصبة القرابة التي يقوم عليها العرب ذابت في حرارة هذا الإنذار الآتي من عند الله.
ولم يزل هذا الصوت يرتج دويه في أرجاء مكة حتى نزل قوله تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر: 94)، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجهر بالدعوة إلى الإسلام في مجامع المشركين ونواديهم، يتلو عليهم كتاب الله، ويقول لهم ما قالته الرسل لأقوامهم: (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ الله مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) (الأعراف: 59)، وبدء يعبد الله تعالى أمام أعينهم، فكان يصلى بفناء الكعبة نهارًا جهارًا وعلى رءوس الأشهاد.
وقد نالت دعوته مزيدًا من القبول، ودخل الناس في دين الله واحدًا بعد واحد. وحصل بينهم وبين من لم يسلم من أهل بيتهم تباغض وتباعد وعناد واشمأزت قريش من كل ذلك، وساءهم ما كانوا يبصرون. ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الأربعاء 18 أغسطس 2021, 6:26 pm | |
| (10) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بقول الكفار فيه بأنه كاهن أو مجنون أو شاعر أو ساحر أو كذاب عندما جاء موعد الحج, وكان الجهر بالدعوة لم يمض عليه إلا أيام أو أشهر معدودة، وعرفت قريش أن وفود العرب ستقدم عليهم، فرأت أنه لابد من كلمة يقولونها للعرب، في شأن محمد -صلى الله عليه وسلم- حتى لا يكون لدعوته أثر في نفوس العرب، فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة يتداولون في تلك الكلمة...
فقال لهم الوليد: أجمعوا فيه رأيا واحدًا، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضًا، ويرد قولكم بعضه بعضًا، قالوا: فأنت فقل، وأقم لنا رأيًا نقول به.
قال: بل أنتم فقولوا أسمع.
قالوا: نقول: كاهن.
قال: لا والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان فما هو بزَمْزَمَة الكاهن ولا سجعه.
قالوا: فنقول: مجنون.
قال: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، ما هو بخَنْقِه ولا تَخَالُجِه ولا وسوسته.
قالوا: فنقول: شاعر.
قال: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله رَجَزَه وهَزَجَه وقَرِيضَه ومَقْبُوضه ومَبْسُوطه، فما هو بالشعر.
قالوا: فنقول: ساحر.
قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السحار وسحرهم، فما هو بنَفْثِهِم ولا عقْدِهِم.
قالوا: فما نقول؟
قال: والله إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة وإن أصله لعَذَق، وإن فَرْعَه لجَنَاة، وما أنتم بقائلين من هذا شيئًا إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا: ساحر.
جاء بقول هو سحر، يفرق به بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته، فتفرقوا عنه بذلك.
وتفيد بعض الروايات أن الوليد لَمَّا رَدَّ عليهم كل ما عرضوا له.
قالوا: أرنا رأيك الذي لا غضاضة فيه.
فقال لهم: أمهلوني حتى أفكر في ذلك، فظل الوليد يفكر ويفكر حتى أبدى لهم رأيه الذي ذكر آنفًا.
وفي الوليد أنزل الله تعالى ست عشرة آية من سورة المدثر: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ).
وفي خلالها صور كيفية تفكيره، فقال: (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ).
وبعد أن اتفق المجلس على هذا القرار أخذوا في تنفيذه، فجلسوا بسبل الناس حين قدموا للموسم، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه وذكروا لهم أمره.
أمَّا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخرج يتبع الناس في منازلهم وفي عُكَاظ ومَجَنَّة وذي المَجَاز، يدعوهم إلى الله، وأبو لهب وراءه يقول: لا تطيعوه فإنه صابئ كذاب.
وأدى ذلك إلى أن صدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وانتشر ذكره في بلاد العرب كلها. ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الأربعاء 18 أغسطس 2021, 10:14 pm | |
| (11) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بسخرية وتحقير واستهزاء وتكذيب وضحك الكفار منه ولَمَّا فرغت قريش من الحج فكَّرت في أساليب تقضى بها على هذه الدعوة في مهدها.
وتتلخص هذه الأساليب فيما يلي: قصدوا بها تخذيل المسلمين، وتوهين قواهم المعنوية، فرموا النبي -صلى الله عليه وسلم- بتهم هازلة، وشتائم سفيهة فكانوا ينادونه بالمجنون: (وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) (الحجر: 6).
ويصمونه بالسحر والكذب: (وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) (ص: 4). وكانوا يشيعونه ويستقبلونه بنظرات ملتهمة ناقمة، وعواطف منفعلة هائجة: (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) (القلم: 51).
وكان إذا جلس وحوله المستضعفون من أصحابه استهزأوا بهم وقالوا: هؤلاء جلساؤه (مَنَّ الله ُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا) (الأنعام: 53)، قال تعالى: (أَلَيْسَ الله ُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (الأنعام: 53).
وكانوا كما قص الله علينا: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ) (المطففين: 29: 33).
وقد أكثروا من السخرية والاستهزاء وزادوا من الطعن والتضحيك شيئًا فشيئًا حتى أثر ذلك في نفس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما قال الله تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ) (الحجر: 97).
ثم ثبته الله وأمره بما يذهب بهذا الضيق فقال: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر: 98، 99).
وقد أخبره من قبل أنه يكفيه هؤلاء المستهزئين حيث قال: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ الله ِ إِل-هًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْمَلُونَ) (الحجر: 95، 96).
وأخبره أن فعلهم هذا سوف ينقلب وبالًا عليهم فقال: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ) (الأنعام: 10). ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الأربعاء 18 أغسطس 2021, 10:28 pm | |
| (12) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بإثارة الشبهات حوله وتكثيف الدعايات الكاذبة وقد أكثروا من ذلك وتفنَّنُوا فيه بحيث لا يبقى لعامَّة الناس مجال للتدبُّر في دعوته والتفكير فيها، فكانوا يقولون عن القرآن: (أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ) (الأنبياء: 5) يراها محمد بالليل ويتلوها بالنهار.
ويقولون: (بَلِ افْتَرَاهُ) من عند نفسه.
ويقولون: (إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ).
وقالوا: (إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) (الفرقان: 4) أي اشترك هو وزملاؤه في اختلاقه.
(وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) (الفرقان: 5).
وأحياناً قالوا: إن له جنًا أو شيطانًا يتنزل عليه كما ينزل الجن والشياطين على الكهان.
قال تعالى ردًا عليهم: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) (الشعراء: 221، 222)، أي إنها تنزل على الكذاب الفاجر المتلطخ بالذنوب، وما جرّبتم علىّ كذبًا، وما وجدتم في فسقًا، فكيف تجعلون القرآن من تنزيل الشيطان؟
وأحيانًا قالوا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: إنه مصاب بنوع من الجنون، فهو يتخيل المعاني، ثم يصوغها في كلمات بديعة رائعة كما يصوغ الشعراء، فهو شاعر وكلامه شعر.
قال تعالى ردًا عليهم: (وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ) (الشعراء: 225: 226) فهذه ثلاث خصائص يتصف بها الشعراء ليست واحدة منها في النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالذين اتبعوه هداة مهتدون، متقون صالحون في دينهم وخلقهم وأعمالهم وتصرفاتهم، وليست عليهم مسحة من الغواية في أي شأن من شئونهم، ثم النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يهيم في كل واد كما يهيم الشعراء، بل هو يدعو إلى رب واحد، ودين واحد، وصراط واحد، وهو لا يقول إلا ما يفعل، ولا يفعل إلا ما يقول، فأين هو من الشعر والشعراء؟ وأين الشعر والشعراء منه.
هكذا كان يرد عليهم بجواب مقنع حول كل شبهة كانوا يثيرونها ضد النبي -صلى الله عليه وسلم- والقرآن والإسلام.
ومعظم شبهتهم كانت تدور حول التوحيد، ثم رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-، ثم بعث الأموات ونشرهم وحشرهم يوم القيامة، وقد رد القرآن على كل شبهة من شبهاتهم حول التوحيد، بل زاد عليها زيادات أوضح بها هذه القضية من كل ناحية، وبين عجز آلهتهم عجزًا لا مزيد عليه، ولعل هذا كان مثار غضبهم واستنكارهم الذي أدى إلى ما أدى إليه.
أما شبهاتهم في رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم-: فإنهم مع اعترافهم بصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمانته وغاية صلاحه وتقواه، كانوا يعتقدون أن منصب النبوة والرسالة أجل وأعظم من أن يعطى لبشر، فالبشر لا يكون رسولًا، والرسول لا يكون بشرًا حسب عقيدتهم. فلما أعلن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نبوته، ودعا إلى الإيمان به تحيروا وقالوا: (مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ) (الفرقان: 7).
وقالوا: إن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بشر،و (مَا أَنزَلَ الله ُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ) (الأنعام: 19).
فقال تعالى ردًا عليهم: (قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ)، وكانوا يعرفون ويعترفون بأن موسى بشر.
ورد عليهم أيضًا بأن كل قوم قالوا لرسلهم إنكارًا على رسالتهم: (إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا) (إبراهيم: 10)، (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ الله يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ) (إبراهيم: 11).
فالأنبياء والرسل لا يكونون إلا بشرًا، ولا منافاة بين البشرية والرسالة.
وحيث إنهم كانوا يعترفون بأن إبراهيم و إسماعيل وموسى -عليهم السلام- كانوا رسلًا وكانوا بشرًا، فإنهم لم يجدوا مجالًا للإصرار على شبهتهم هذه.
فقالوا: ألم يجد الله لحمل رسالته إلا هذا اليتيم المسكين، ما كان الله ليترك كبار أهل مكة والطائف ويتخذ هذا المسكين رسولًا: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف: 31).
قال تعالى ردًا عليهم: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ) (الزخرف: 32)، يعنى أن الوحي والرسالة رحمة من الله و: (الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) (الأنعام: 124).
وانتقلوا بعد ذلك إلى شبهة أخرى، قالوا: إن رسل ملوك الدنيا يمشون في موكب من الخدم والحشم، ويتمتعون بالأبهة والجلال، ويوفر لهم كل أسباب الحياة، فما بال محمد يدفع في الأسواق للقمة عيش وهو يدعى أنه رسول الله؟
(وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا) (الفرقان: 7: 8).
ورد على شبهتهم هذه بأن محمدًا رسول: يعنى أن مهمته هو إبلاغ رسالة الله إلى كل صغير وكبير، وضعيف وقوى، وشريف ووضيع، وحر وعبد، فلو لبث في الأبهة والجلال والخدم والحشم والحرس والمواكبين مثل رسل الملوك، لم يكن يصل إليه ضعفاء الناس وصغارهم حتى يستفيدوا به، وهم جمهور البشر، وإذن فاتت مصلحة الرسالة، ولم تعد لها فائدة تذكر.
أمَّا إنكارهم البعث بعد الموت فلم يكن عندهم في ذلك إلا التعجب والاستغراب والاستبعاد العقلي. فكانوا يقولون: (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ) (الصافات: 16، 17).
وكانوا يقولون: (ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) (ق: 3) وكانوا يقولون على سبيل الاستغراب: (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرَى عَلَى الله ِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ) (سبأ: 7، 8).
وقد رَدَّ عليهم بتبصيرهم ما يجرى في الدنيا، فالظالم يموت دون أن يلقى جزاء ظلمه، والمظلوم يموت دون أن يأخذ حقه من ظالمه، والمُحسن الصالح يموت قبل أن يلقى جزاء إحسانه وصلاحه، والفاجر المُسِيء يموت قبل أن يُعاقب على سوء عمله، فإن لم يكن بعث ولا حياة ولا جزاء بعد الموت لاستوى الفريقان، بل لكان الظالم والفاجر أسعد من المظلوم والصالح، وهذا غير معقول إطلاقاً.
ولا يُتَصَوَّرُ من الله أن يبني نظام خلقه على مثل هذا الفساد. قال تعالى: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (القلم: 35، 36).
وقال تعالى: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (ص: 28).
وقال تعالى: (أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) (الجاثية: 21).
وأمَّا الاستبعاد العقلي فقال تعالى ردًا عليه: (أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا) (النازعات: 27).
وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأحقاف: 33).
وقال تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ) (الواقعة: 62)، وبَيَّنَ ما هو معروف عقلًا وعرفًا، وهو أن الإعادة: (أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (الروم: 27).
وقال تعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ) (الأنبياء: 104).
وقال تعالى: (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) (ق: 15).
وهكذا رَدَّ على كل ما أثاروا من الشبهات رَدًّا مُفحمًا يُقنع كل ذي عقل ولُبٍ، ولكنهم كانوا مشاغبين مستكبرين يريدون عُلواً في الأرض وفرض رأيهم على الخلق، فبقوا في طغيانهم يعمهون. ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الأربعاء 18 أغسطس 2021, 10:40 pm | |
| (13) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- باضطهاد من آمن برسالته أعمل المشركون أساليبهم شيئًا فشيئًا لإحباط الدعوة بعد ظهورها في بداية السنة الرابعة من النبوة، ومضت على ذلك أسابيع وشهور وهم مقتصرون على هذه الأساليب لا يتجاوزونها إلى طريق الاضطهاد والتعذيب، ولكنهم لما رأوا أن هذه الأساليب لم تجد نفعًا في إحباط الدعوة الإسلامية استشاروا فيما بينهم، فقرروا القيام بتعذيب المسلمين وفتنتهم عن دينهم، فأخذ كل رئيس يعذب من دان من قبيلته بالإسلام، وانقض كل سيد على من اختار من عبيده طريق الإيمان. وكان من الطبيعي أن يهرول الأذناب والأوباش خلف ساداتهم وكبرائهم، ويتحركوا حسب مرضاتهم وأهوائهم، فجروا على المسلمين -ولاسيما الضعفاء منهم- ويلات تقشعر منها الجلود، وأخذوهم بنقمات تتفطر لسماعها القلوب.
كان أبو جهل إذا سمع برجل قد أسلم له شرف ومنعة أنبه وأخزاه، وأوعده بإبلاغ الخسارة الفادحة في المال، والجاه، وإن كان ضعيفًا ضربه وأغرى به.
وكان عم عثمان بن عفان يلفه في حصير من ورق النخيل ثم يدخنه من تحته.
ولَمَّا علمت أم مصعب بن عمير بإسلامه منعته الطعام والشراب، وأخرجته من بيته، وكان من أنعم الناس عيشًا، فتَخَشَّفَ جلده تخشف الحية.
وكان صهيب بن سنان الرومي يُعذَّب حتى يفقد وعيه ولا يدرى ما يقول.
وكان بلال مولى أمية بن خلف الجمحي، فكان أمية يضع في عنقه حبلًا، ثم يسلمه إلى الصبيان، يطوفون به في جبال مكة، ويجرونه حتى كان الحبل يؤثر في عنقه، وهو يقول: أحَدٌ أحَدٌ، وكان أمية يشده شدًا ثم يضربه بالعصا، ويُلجئه إلى الجلوس في حَرِّ الشمس، كما كان يُكرهه على الجوع.
وأشَدَّ من ذلك كله أنه كان يُخرجه إذا حميت الظهيرة، فيطرحه على ظهره في الرمضاء في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول: لا والله لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد، وتعبد اللات والعزى، فيقول وهو في ذلك: أحَدٌ، أحَدٌ، ويقول: لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها.
ومَرَّ به أبو بكر يوماً وهم يصنعون ذلك به فاشتراه بغلام أسود، وقيل: بسبع أواق أو بخمس من الفضة، وأعتقه.
وكان عمَّار بن ياسر -رضي الله عنه- مولى لبني مخزوم، أسلم هو وأبوه وأمه، فكان المشركون -وعلى رأسهم أبو جهل- يخرجونهم إلى الأبطح إذا حميت الرمضاء فيعذبونهم بحرها.
ومَرَّ بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم يعذبون فقال: (صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة)، فمات ياسر في العذاب، وطعن أبو جهل سمية -أم عمار- في قبلها بحربة فماتت، وهي أول شهيدة في الإسلام، وهي سمية بنت خياط مولاة أبي حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكانت عجوزًا كبيرة ضعيفة.
وشَدَّدُوا العذاب على عمَّار بالحر تارة، وبوضع الصخر الأحمر على صدره أخرى، وبغطه في الماء حتى كان يفقد وعيه.
وقالوا له: لا نتركك حتى تَسُبَّ مُحَمَّدًا، أو تقول في اللات والعزى خيرًا، فوافقهم على ذلك مُكْرَهًا، وجاء باكيًا مُعتذرًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فأنزل الله: (مَن كَفَرَ بِالله مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ...) الآية (النحل: 106).
وكان أبو فُكَيْهَةَ -واسمه أفلح- مولى لبني عبد الدار، وكان من الأزد، فكانوا يخرجونه في نصف النهار في حر شديد، وفي رجليه قيد من حديد، فيجردونه من الثياب، ويبطحونه في الرمضاء، ثم يضعون على ظهره صخرة حتى لا يتحرك، فكان يبقى كذلك حتى لا يعقل، فلم يزل يُعَذَّبْ كذلك حتى هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وكانوا مرة قد ربطوا رجله بحبل، ثم جروه وألقوه في الرمضاء وخنقوه حتى ظنوا أنه قد مات، فمر به أبو بكر فاشتراه وأعتقه لله.
وكان خباب بن الأرت مولى لأم أنمار بنت سِباع الخزاعية، وكان حدادًا، فلما أسلم عذبته مولاته بالنار، كانت تأتى بالحديدة المحماة فتجعلها على ظهره أو رأسه، ليكفر بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، فلم يكن يزيده ذلك إلا إيمانًا وتسليمًا، وكان المشركون أيضًا يعذبونه فيلوون عنقه، ويجذبون شعره، وقد ألقوه على النار، ثم سحبوه عليها، فما أطفأها إلا وَدَكَ ظهره.
وكانت زِنِّيرَةُ أمَةً رومية قد أسلمت فعذبت في الله، وأصيبت في بصرها حتى عميت، فقيل لها: أصابتك اللات و العزى، فقالت: لا والله ما أصابتني، وهذا من الله، وإن شاء كشفه، فأصبحت من الغد وقد رَدَّ اللهُ بصرها، فقالت قريش: هذا بعض سحر محمد.
وأسلمت أم عُبَيْس، جارية لبني زهرة، فكان يعذبها المشركون، وبخاصة مولاها الأسود بن عبد يغوث، وكان من أشد أعداء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن المستهزئين به.
وأسلمت جارية عمر بن مؤمل من بني عدى، فكان عمر بن الخطاب يعذبها -وهو يومئذ على الشرك- فكان يضربها حتى يفتر، ثم يدعها ويقول: والله ما أدعك إلا سآمة، فتقول: كذلك يفعل بك ربك.
ومِمَّنْ أسلمن وعُذِّبْنَ من الجواري: النهدية وابنتها، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار.
ومِمَّنْ عُذِّبَ من العبيد: عامر بن فُهَيْرَة، كان يُعَذَّبُ حتى يفقد وعيه ولا يدرى ما يقول.
وطيء أبو بكر بن أبي قحافة يومًا بمكة، وضرب ضربًا شديدًا، دنا منه عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفين ويحرفهما لوجهه، ونزا على بطن أبي بكر، حتى ما يعرف وجهه من أنفه، وحملت بنو تيم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله، ولا يشكون في موته، فتكلم آخر النهار فقال: ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فمسوا منه بألسنتهم وعذلوه، ثم قاموا وقالوا لأمه أم الخير: انظري أن تطعميه شيئًا أو تسقيه إياه، فلما خلت به ألحت عليه، وجعل يقول: ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقالت: والله لا علم لي بصاحبك، فقال: اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه، فخرجت حتى جاءت أم جميل فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله، قالت: ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله، وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك ذهبت، قالت: نعم، فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعًا دنفًا، فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح، وقالت: والله إن قومًا نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم، قال: فما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قالت: هذه أمك تسمع، قال: فلا شيء عليك منها، قالت: سالم صالح، فقال: أين هو؟ قالت: في دار ابن الأرقم، قال: فإن لله على ألا أذوق طعامًا ولا أشرب شرابًا أو آتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأمهلتا حتى إذا هدأت الرِّجْل، وسكن الناس خرجتا به، يتكئ عليهما، حتى أدخلتاه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وأوذي أبو بكر الصديق رضي الله عنه أيضًا: فقد أخذه نوفل بن خويلد العدوى، وأخذ معه طلحة بن عبيد الله فشدهما في حبل واحد، ليمنعهما عن الصلاة وعن الدين فلم يجيباه، فلم يروعاه إلا وهما مطلقان يصليان؛ ولذلك سُمِّيَا بالقرينين، وقيل: إنما فعل ذلك عثمان بن عبيد الله أخو طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه.
والحاصل أنهم لم يعلموا بأحَدٍ دخل في الإسلام إلا وتصدُّوا له بالأذى والنَّكال، وكان ذلك سهلًا ميسورًا بالنسبة لضعفاء المسلمين، ولاسيما العبيد والإماء منهم، فلم يكن من يغضب لهم ويحميهم، بل كانت السادة والرؤساء هم أنفسهم يقومون بالتعذيب ويغرون الأوباش، ولكن بالنسبة لمن أسلم من الكبار والأشراف كان ذلك صعبًا جدًا؛ إذ كانوا في عز ومنعة من قومهم، ولذلك قلّما كان يجترئ عليهم إلا أشراف قومهم، مع شيء كبير من الحيطة والحذر. ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الأربعاء 18 أغسطس 2021, 10:43 pm | |
| (14) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بقدوم أشراف قريش لعمه أبوطالب لإثنائه عن دعوته للإسلام جاءت سادات قريش إلى أبي طالب فقالوا له: يا أبا طالب، إن لك سنًا وشرفًا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين.
عَظُم على أبي طالب هذا الوعيد والتهديد الشديد، فبعث إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال له: يا بن أخي، إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا، فأبق عليَّ وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق، فظن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن عمه خاذله، وأنه ضعُف عن نصرته، فقال: (يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر -حتى يظهره الله أو أهلك فيه- ما تركته).
ثم استعبر وبكى، وقام، فلما ولى ناداه أبو طالب، فلما أقبل قال له: اذهب يا بن أخي، فقل ما أحببت، فو الله لا أُسْلِمُك لشيء أبدًا وأنشد: والله لــن يصــلـوا إلـيـك بجَمْعهِم ** حتى أُوَسَّدَ في التراب دفينًا فاصدع بأمرك ما عليك غَضَاضَة ** وابْشِرْ وقَرَّ بذاك منك عيونًا
ولَمَّا رأت قريش أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ماض في عمله عرفت أن أبا طالب قد أبي خذلان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه مجمع لفراقهم وعداوتهم في ذلك، فذهبوا إليه بعمارة ابن الوليد بن المغيرة وقالوا له: يا أبا طالب، إن هذا الفتى أنْهَدَ فتى في قريش وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره، واتخذه ولدًا فهو لك، وأسْلِمْ إلينا ابن أخيك هذا الذي خالف دينك ودين آبائك، وفرق جماعة قومك، وسفه أحلامهم، فنقتله، فإنما هو رجل برجل، فقال: والله لبئس ما تسومونني، أتعطونني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه؟ هذا والله ما لا يكون أبدًا.
فقال المطعم بن عدى بن نوفل ابن عبد مناف: والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك، وجهدوا على التخلص مما تكره، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئًا، فقال: والله ما أنصفتموني، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علىّ، فاصنع ما بدا لك.
ولَمَّا فشلت قريش في هذه المفاوضات، ولم توفق في إقناع أبي طالب بمنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكفه عن الدعوة إلى الله، قررت أن يختار سبيلا قد حاولت تجنبه والابتعاد منه مخافة مغبته وما يؤول إليه، وهو سبيل الاعتداء على ذات الرسول -صلى الله عليه وسلم-. ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الأربعاء 18 أغسطس 2021, 11:03 pm | |
| (15) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- باعتداء كفار مكة عليه كانت امرأة أبي لهب -أم جميل أروى بنت حرب بن أمية، أخت أبي سفيان- لا تقل عن زوجها في عداوة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد كانت تحمل الشوك، وتضعه في طريق النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى بابه ليلًا، وكانت امرأة سليطة تبسط فيه لسانها، وتطيل عليه الافتراء والدَّس، وتؤجج نار الفتنة، وتثير حربًا شعواء على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ولذلك وصفها القرآن بحمالة الحطب.
ولَمَّا سمعت ما نزل فيها وفي زوجها من القرآن أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو جالس في المسجد عند الكعبة، ومعه أبو بكر الصديق وفي يدها فِهْرٌ: (أي بمقدار ملء الكف) من حجارة، فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلا ترى إلا أبا بكر، فقالت: يا أبا بكر، أين صاحبك؟ قد بلغني أنه يهجوني، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه، أما والله إني لشاعرة.
ثم قالت: مُذَمَّما عصينا * وأمره أبينا * ودينه قَلَيْنا.
ثم انصرفت، فقال أبو بكر: يا رسول الله، أما تراها رأتك؟
فقال -صلى الله عليه وسلم-: (ما رأتني، لقد أخذ اللهُ ببصرها عني).
كان أبو لهب يفعل كل ذلك وهو عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجاره، كان بيته مُلصقاً ببيته، كما كان غيره من جيران رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يؤذونه.
قال ابن إسحاق: كان النَّفر الذين يؤذون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيته أبا لهب، والحكم بن أبي العاص بن أمية، وعقبة بن أبي معيط، وعدى بن حمراء الثقفي، وابن الأصداء الهذلي -وكانوا جيرانه- لم يسلم منهم أحَدٌ إلا الحكم بن أبي العاص، فكان أحدهم يطرح عليه -صلى الله عليه وسلم- رحم الشاة وهو يُصَلِّى، وكان أحدهم يطرحها في برمته إذا نصبت له، حتى اتخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجرًا ليستتر به منهم إذا صلى فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا طرحوا عليه ذلك الأذى يخرج به على العود، فيقف به على بابه، ثم يقول: (يا بني عبد مناف، أي جوار هذا؟) ثم يلقيه في الطريق.
- وازداد عقبة بن أبي مُعَيْط في شقاوته وخبثه، فقد روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلى عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس؛ إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجيء بسَلاَ جَزُور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم وهو عقبة بن أبي معيط فجاء به فنظر، حتى إذا سجد النبي وضع على ظهره بين كتفيه، وأنا أنظر، لا أغنى شيئًا، لو كانت لي منعة، قال: فجعلوا يضحكون، ويحيل بعضهم على بعضهم أي يتمايل بعضهم على بعض مرحًا وبطرًا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساجد، لا يرفع رأسه، حتى جاءته فاطمة، فطرحته عن ظهره، فرفع رأسه، ثم قال: اللهم عليك بقريش ثلاث مرات، فشق ذلك عليهم إذ دعا عليهم، قال: وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مُستجابة، ثم سمَّى: اللهم عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط -وعَدَّ السابع فلم نحفظه- فوالذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عدّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صرعى في القَلِيب، قليب بدر.
وكان أمية بن خلف إذا رأي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- همزه ولمزه، وفيه نزل: (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ) (سورة الهمزة: 1) قال ابن هشام: الهمزة: الذي يشتم الرجل علانية، ويكسر عينيه، ويغمز به، واللمزة: الذي يعيب الناس سرًا، ويؤذيهم. أمَّا أخوه أبي بن خلف فكان هو وعقبة بن أبي معيط متصافيين، وجلس عقبة مرة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وسمع منه، فلمَّا بلغ ذلك أبيًا أنبه وعاتبه، وطلب منه أن يتفل في وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففعل، وأبي بن خلف نفسه فت عظمًا رميمًا ثم نفخه في الريح نحو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وكان الأخنس بن شَرِيق الثقفي ممن ينال من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد وصفه القرآن بتسع صفات تدل على ما كان عليه، وهي في قوله تعالى: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) (القلم: 10: 13).
وكان أبو جهل يجيء أحيانًا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمع منه القرآن، ثم يذهب عنه فلا يؤمن ولا يطيع، ولا يتأدَّب ولا يخشى، ويؤذى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقول، ويصد عن سبيل الله، ثم يذهب مختالًاً بما فعل، فخورًا بما ارتكب من الشر، كأن ما فعل شيئًا يذكر، وفيه نزل: (فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى) (القيامة: 31).
وكان يمنع النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة منذ أول يوم رآه يصلى في الحرم، ومرة مَرَّ به وهو يصلى عند المقام فقال: يا محمد، ألم أنهك عن هذا، وتوعده، فأغلظ له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وانتهره، فقال: يا محمد، بأي شيء تهددني؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي ناديًا.
فأنزل الله تعالى: (فَلْيَدْعُ نَادِيَه سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ) (العلق: 17، 18)، وفي رواية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ بخناقه وهزه، وهو يقول له: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) (القيامة: 34، 35)، فقال عدو الله: أتوعدني يا محمد؟ والله لا تستطيع أنت ولا ربك شيئًا، وإني لأعز من مشى بين جبليها.
ولم يكن أبو جهل ليفيق من غباوته بعد هذا الانتهار، بل ازداد شقاوة فيما بعد.
أخرج مسلم عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل: يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى، لئن رأيته لأطأن على رقبته، ولأعفرن وجهه، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلى، زعم ليطأ رقبته، فما جاءهم إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقى بيديه، فقالوا: ما لك يا أبا الحكم؟ قال: إن بيني وبينه لخندقًا من نار وهولًا وأجنحةً، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لو دنا منى لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا).
وقد أتى عتيبة بن أبي لهب يومًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أنا أكفر بـ: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) (النجم: 1) وبالذي (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى) (النجم: 8) ثم تسلط عليه بالأذى، وشق قميصه، وتفل في وجهه -صلى الله عليه وسلم-، إلا أن البزاق لم يقع عليه، وحينئذ دعا عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: (اللهم سلِّط عليه كلبًا من كلابك)، وقد استجيب دعاؤه -صلى الله عليه وسلم-، فقد خرج عتيبة إثر ذلك في نفر من قريش، فلما نزلوا بالزرقاء من الشام طاف بهم الأسد تلك الليلة، فجعل عتيبة يقول: يا ويل أخي هو والله آكلي كما دعا محمد علىّ، قتلني وهو بمكة، وأنا بالشام، ثم جعلوه بينهم، وناموا من حوله، ولكن جاء الأسد وتخطاهم إليه، فضغم رأسه.
ومنها: ما ذكر أن عقبة بن أبي مُعَيْط وطئ على رقبته الشريفة وهو ساجد حتى كادت عيناه تبرزان.
ومما يدل على أن طغاتهم كانوا يريدون قتله -صلى الله عليه وسلم- ما رواه ابن إسحاق عن عبد الله ابن عمرو بن العاص قال: حضرتهم وقد اجتمعوا في الحِجْر، فذكروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل، لقد صبرنا منه على أمر عظيم، فبينا هم كذلك إذ طلع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأقبل يمشى حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفًا بالبيت فغمزوه ببعض القول، فعرفت ذلك في وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما مَرَّ بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرفت ذلك في وجهه، ثم مَرَّ بهم الثالثة فغمزوه بمثلها.
فوقف ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: (أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بالذبح)، فأخذت القوم كلمته، حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع، حتى إن أشدهم فيه ليرفؤه بأحسن ما يجد، ويقول: انصرف يا أبا القاسم، فو الله ما كنت جهولًا.
فلَمَّا كان الغد اجتمعوا كذلك يذكرون أمره إذ طلع عليهم، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به، فلقد رأيت رجلًا منهم أخذ بمجمع ردائه، وقام أبو بكر دونه، وهو يبكى ويقول: أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله؟ ثم انصرفوا عنه، قال ابن عمرو: فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشًا نالوا منه قط.
وفي رواية البخاري عن عروة بن الزبير قال: سألت ابن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: بينا النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فوضع ثوبه في عنقه، فخنقه خنقًا شديدًا؛ فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه، ودفعه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال: أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله؟
مَرَّ أبو جهل برسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا عند الصفا فآذاه ونال منه، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساكت لا يكلمه، ثم ضربه أبو جهل بحجر في رأسه فَشَجَّهُ حتى نزف منه الدم، ثم انصرف عنه إلى نادى قريش عند الكعبة، فجلس معهم، وكانت مولاة لعبد الله بن جُدْعَان في مسكن لها على الصفا ترى ذلك، وأقبل حمزة من القَنَص مُتَوَشِّحًا قوسه، فأخبرته المولاة بما رأت من أبي جهل، فغضب حمزة -وكان أعز فتى في قريش وأشده شكيمة- فخرج يسعى، لم يقف لأحد؛ مُعدًا لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به، فلما دخل المسجد قام على رأسه، وقال له: يا مُصَفِّرَ اسْتَه، تشتم ابن أخي وأنا على دينه؟ ثم ضربه بالقوس فشجه شجة منكرة، فثار رجال من بني مخزوم -حي أبي جهل- وثار بنو هاشم -حي حمزة- فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة، فإني سببتُ ابن أخيه سبًا قبيحًا.
قال أبو جهل لقومه: يا معشر قريش، إن محمدًا قد أبي إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وشتم آلهتنا، وأني أعاهد الله لأجلسن له بحجر ما أطيق حمله، فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه، فأسلموني عند ذلك أو امنعوني، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم.
قالوا: والله لا نُسلمك لشيءٍ أبدًا، فامض لِمَا تريد.
فلَمَّا أصبح أبو جهل، أخذ حجرًا كما وصف، ثم جلس لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينتظره، وغدا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما كان يغدو، فقام يصلي، وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل، فلمَّا سجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- احتمل أبو جهل الحجر، ثم أقبل نحوه، حتى إذا دنا منه رجع منهزمًا ممتقعًا لونه، مرعوبًا قد يبست يداه على حجره، حتى قذف الحجر من يده، وقامت إليه رجال قريش.
فقالوا له: ما لك يا أبا الحكم؟ قال: قمتُ إليه لأفعل به ما قلتُ لكم البارحة، فلما دنوت منه عرض لي دونه فَحْلٌ من الإبل، لا والله ما رأيت مثل هَامَتِه، ولا مثل قَصَرَتِه ولا أنيابه لفحل قط، فَهَمَّ بى أن يأكلني.
قال ابن إسحاق: فذكر لي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ذلك جبريل عليه السلام لو دنا لأخذه).
هذه صورة مصغرة جدًا لِمَا كان يتلقَّاهُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون من الظلم والخسف والجور على أيدي طغاة المشركين، الذين كانوا يزعمون أنهم أهل الله وسكان حرمه. ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الأربعاء 18 أغسطس 2021, 11:10 pm | |
| (16) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بحصار الكفار لبني هاشم وبني عبد المطلب في شعب أبي طالب زادت حيرة المشركين إذ نفدت بهم الحيل، ووجدوا بني هاشم وبني المطلب مصممين على حفظ نبي الله -صلى الله عليه وسلم- والقيام دونه، كائنًا ما كان، فاجتمعوا في خيف بني كنانة من وادي المُحَصَّبِ فتحالفوا على بني هاشم وبني المطلب ألا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، ولا يجالسوهم، ولا يخالطوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يكلموهم، حتى يسلموا إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للقتل، وكتبوا بذلك صحيفة فيها عهود ومواثيق: (ألا يقبلوا من بني هاشم صلحًا أبدًا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل).
قال ابن القيم: يُقال: كتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم، ويُقال: نضر بن الحارث، والصحيح أنه بَغِيض بن عامر بن هاشم، فدعا عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَشُلَّتْ يده.
تم هذا الميثاق وعلقت الصحيفة في جوف الكعبة، فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب، مؤمنهم وكافرهم -إلا أبا لهب- وحبسوا في شعب أبي طالب، وذلك فيما يقال: ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة. وقد قيل غير ذلك.
واشتد الحصار، وقطعت عنهم الميرة والمادة، فلم يكن المشركون يتركون طعامًا يدخل مكة ولا بيعًا إلا بادروه فاشتروه، حتى بلغهم الجهد، والتجئوا إلى أكل الأوراق والجلود، وحتى كان يسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضاغون من الجوع، وكان لا يصل إليهم شيء إلا سرًا، وكانوا لا يخرجون من الشعب لاشتراء الحوائج إلا في الأشهر الحرم، وكانوا يشترون من العير التي ترد مكة من خارجها، ولكن أهل مكة كانوا يزيدون عليهم في السلعة قيمتها حتى لا يستطيعون شراءها.
وكان حكيم بن حزام ربما يحمل قمحًا إلى عمَّته خديجة رضي الله عنها وقد تعرَّض له مرة أبو جهل فتعلق به ليمنعه، فتدخل بينهما أبو البخترى، ومكنه من حمل القمح إلى عمته.
وكان أبو طالب يخاف على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكان إذا أخذ الناس مضاجعهم يأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يضطجع على فراشه، حتى يرى ذلك من أراد اغتياله، فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوانه أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأمره أن يأتي بعض فرشهم.
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون يخرجون في أيام الموسم، فيلقون الناس، ويدعونهم إلى الإسلام، وقد أسلفنا ما كان يأتي به أبو لهب.
ومَرَّ عامان أو ثلاثة أعوام والأمر على ذلك، وفي المحرم سنة عشر من النبوة نقضت الصحيفة وفك الحصار؛ وذلك أن قريشًا كانوا بين راض بهذا الميثاق وكاره له، فسعى في نقض الصحيفة من كان كارهًا لها.
وكان القائم بذلك هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي -وكان يصل بني هاشم في الشعب مستخفيًا بالليل بالطعام- فإنه ذهب إلى زهير بن أبي أمية المخزومي -وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب- وقال: يا زهير، أرضيت أن تأكل الطعام، وتشرب الشراب، وأخوالك بحيث تعلم؟
فقال: ويحك، فما أصنع وأنا رجل واحد؟
أمَا والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها.
قال: قد وجدت رجلًا.
قال: فمن هو؟
قال: أنا.
قال له زهير: ابغنا رجلًا ثالثًا.
فذهب إلى المطعم بن عدى، فذكره أرحام بني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف، ولامه على موافقته لقريش على هذا الظلم.
فقال المطعم: ويحك، ماذا أصنع؟ إنما أنا رجل واحد.
قال: قد وجدت ثانيًا.
قال: مَنْ هو؟
قال: أنا.
قال: ابغنا ثالثًا.
قال: قد فعلت.
قال: من هو؟
قال: زهير بن أبي أمية.
قال: ابغنا رابعًا.
فذهب إلى أبي البخترى بن هشام، فقال له نحوًا مما قال للمطعم.
فقال: وهل من أحَدٍ يُعين على هذا؟
قال: نعم.
قال: من هو؟
قال زهير بن أبي أمية..
والمطعم بن عدى..
وأنا معك.
قال: ابغنا خامسًا.
فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد، فكلّمه وذكر له قرابتهم وحقهم.
فقال له: وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحَدٍ؟
قال: نعم، ثم سَمَّى له القوم.
فاجتمعوا عند الحَجُون، وتعاقدوا على القيام بنقض الصحيفة.
وقال زهير: أنا أبدأكم فأكون أول مَنْ يتكلّم.
فلَمَّا أصبحوا غدوا إلى أنديتهم، وغدا زهير عليه حُلَّةٌ، فطاف بالبيت سبعًا، ثم أقبل على الناس، فقال: يا أهل مكة، أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى، لا يباع ولا يبتاع منهم؟ والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة.
قال أبو جهل - وكان في ناحية المسجد: كذبت، والله لا تشق.
فقال زمعة بن الأسود: أنت والله أكذب، ما رضينا كتابتها حيث كتبت.
قال أبو البخترى: صدق زمعة، لا نرضى ما كتب فيها، ولا نقر به.
قال المطعم بن عدى: صدقتما، وكذب مَنْ قال غير ذلك، نبرأ إلى الله منها ومما كُتِبَ فيها.
وقال هشام بن عمرو نحوًا من ذلك.
فقال أبو جهل: هذا أمر قضى بليل، وتُشُووِر فيه بغير هذا المكان.
وأبو طالب جالس في ناحية المسجد، إنما جاءهم لأن الله كان قد أطلع رسوله -صلى الله عليه وسلم- على أمر الصحيفة، وأنه أرسل عليها الأرضة، فأكلت جميع ما فيها من جور وقطيعة وظلم إلا ذكر الله عز وجل، فأخبر بذلك عمه، فخرج إلى قريش فأخبرهم أن ابن أخيه قد قال كذا وكذا، فإن كان كاذبًا خلينا بينكم وبينه، وإن كان صادقًا رجعتم عن قطيعتنا وظلمنا، قالوا: قد أنصفت.
وبعد أن دار الكلام بين القوم وبين أبي جهل، قام المطعم إلى الصحيفة ليشقها، فوجد الأرضة قد أكلتها إلا: (باسمك اللهم)، وما كان فيها من اسم الله فإنها لم تأكله.
ثم نقض الصحيفة وخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومَنْ معه من الشعب، وقد رأي المشركون آية عظيمة من آيات نبوته، ولكنهم -كما أخبر الله عنهم: (وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ) (القمر: 2)- أعرضوا عن هذه الآية وازدادوا كفرًا إلى كفرهم. ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الأربعاء 18 أغسطس 2021, 11:13 pm | |
| (17) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بموت عمه أبو طالب وزوجه خديجة (رضي الله عنها) ازداد المرض بأبي طالب، فلم يلبث أن وافته المنية، وكانت وفاته في رجب سنة عشر من النبوة، بعد الخروج من الشعب بستة أشهر.
وقيل: توفي في رمضان قبل وفاة خديجة رضي الله عنها بثلاثة أيام.
وفي الصحيح عن المسيب: أن أبا طالب لَمَّا حضرته الوفاة دخل عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وعنده أبو جهل، فقال: (أي عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله) فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، ترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلماه حتى قال آخر شيء كلمهم به: على ملة عبد المطلب، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لأستغفرن لك ما لم أنه عنه)، فنزلت: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (التوبة: 113) ونزلت: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) (القصص: 56).
ولا حاجة إلى بيان ما كان عليه أبو طالب من الحياطة والمنع، فقد كان الحصن الذي احتمت به الدعوة الإسلامية من هجمات الكبراء والسفهاء، ولكنه بقى على ملة الأشياخ من أجداده، فلم يفلح كل الفلاح.
ففي الصحيح عن العباس بن عبد المطلب، قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ما أغنيت عن عمك، فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: (هو في ضَحْضَاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار).
وعن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم-، -وذكر عنده عمه- فقال: (لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النار تبلغ كعبيه).
وبعد وفاة أبي طالب بنحو شهرين أو بثلاثة أيام -على اختلاف القولين- توفيت أم المؤمنين خديجة الكبرى -رضي الله عنها- وكانت وفاتها في شهر رمضان في السنة العاشرة من النبوة، ولها خمس وستون سنة على أشهر الأقوال، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ ذاك في الخمسين من عمره.
إن خديجة كانت من نِعَمِ الله الجليلة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بقيت معه ربع قرن تحن عليه ساعة قلقه، وتؤازره في أحرج أوقاته، وتعينه على إبلاغ رسالته، وتشاركه في مغارم الجهاد المر،وتواسيه بنفسها ومالها، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (آمنت بي حين كفر بي الناس، وصدقتني حين كذبني الناس، وأشركتني في مالها حين حرمني الناس، ورزقني الله ولدها وحرم ولد غيرها).
وفي الصحيح عن أبي هريرة قال: أتى جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت، معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها، وبشّرها ببيتٍ في الجنة من قَصَبٍ لا صَخَبَ فيه ولا نَصَبَ.
وقعت هاتان الحادثتان المؤلمتان خلال أيام معدودة، فاهتزت مشاعر الحزن والألم في قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم لم تزل تتوالى عليه المصائب من قومه.
فإنهم تجرأوا عليه وكاشفوه بالنكال والأذى بعد موت أبي طالب، فازداد غمًا على غم، حتى يئس منهم، وخرج إلى الطائف رجاء أن يستجيبوا لدعوته، أو يؤووه وينصروه على قومه. ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الأربعاء 18 أغسطس 2021, 11:24 pm | |
| (18) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بإيذاء أهل الطائف وقذفه بالحجارة عند دعوتهم للإسلام تكالبت الأحزان على النبي -صلى الله عليه وسلم- وزادت عليه همومه وتضاعفت بوفاة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وعمه أبي طالب في عام واحد، فخديجة كانت خير ناصر ومعين له -بعد الله تعالى-، وعمه كان يحوطه ويحميه، ويحبه أشد الحب، وضاعف من حزنه -صلى الله عليه وسلم- أنه مات كافراً.
وتستغل قريش غياب أبي طالب فتزيد من إيذائها للنبي -صلى الله عليه وسلم- وتضيَّق عليه، وكان أبو لهب من أكثر الناس كراهية للدعوة وصاحبها -صلى الله عليه وسلم-، حتى إنه كان يلاحق النبي -صلى الله عليه وسلم- في موسم الحج، وفي الأسواق يرميه بالحجارة ويقول: "إنه صابئ كذاب"، ويحذر الناس من إتباعه، فضاقت مكة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واشتد به الحال، حتى فكر في أن يتخذ أسلوبا آخر في دعوته بتغيير المكان، علَّه أن يجد قبولاً، فاختار الخروج للطائف، التي كانت تمثل مركزاً مهماً لسادات قريش وأهلها، ومكانا استراتيجيا لهم، حيث كانوا يملكون فيها الأراضي والدور، وكانت راحة لهم في الصيف.
فعزم على الخروج إليها راجياً ومؤملاً أن تكون أحسن حالاً من مكة، وأن يجد من أهلها نصرة، فخرج على أقدامه حتى لا تظن قريش أنه ينوي الخروج من مكة، وكان في صحبته زيد وهو ابن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالتبني، وكان بمثابة الحامي والحارس لرسول الله. ففي شوال سنة عشر من النبوة (في أواخر مايو أو أوائل يونيو سنة 619 م) خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف، وهي تبعد عن مكة نحو ستين ميلًا، سارها ماشيًا على قدميه جيئة وذهوبًا، ومعه مولاه زيد بن حارثة، وكان كلما مر على قبيلة في الطريق دعاهم إلى الإسلام، فلم تجب إليه واحدة منها.
فلَمَّا انتهي إلى الطائف عمد ثلاثة إخوة من رؤساء ثقيف، وهم عبد ياليل ومسعود وحبيب أبناء عمرو بن عمير الثقفي، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله، وإلى نصرة الإسلام. فقال أحدهم: هو يَمْرُط ثياب الكعبة (أي يمزقها) إن كان الله أرسلك.
وقال الآخر: أما وَجَدَ الله أحدًا غيرك؟.
وقال الثالث: والله لا أكلمك أبدًا، إن كنت رسولًا لأنت أعظم خطرًا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي أن أكلمك.
فقام عنهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال لهم: (إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني).
وأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أهل الطائف عشرة أيام، لا يدع أحدًا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه، فقالوا: اخرج من بلادنا.
وأغروا به سفهاءهم، فلما أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس، فوقفوا له سِمَاطَيْن (أي صفين) وجعلوا يرمونه بالحجارة، وبكلمات من السَّفه، ورجموا عراقيبه، حتى اختضب نعلاه بالدماء.
وكان زيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شِجَاج في رأسه، ولم يزل به السفهاء كذلك حتى ألجئوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة على ثلاثة أميال من الطائف، فلما التجأ إليه رجعوا عنه، وأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حُبْلَة من عنب فجلس تحت ظلها إلى جدار.
فلما جلس إليه واطمأن، دعا بالدعاء المشهور الذي يدل على امتلاء قلبه كآبة وحزنًا مما لقى من الشدة، وأسفًا على أنه لم يؤمن به أحد، قال: (اللهم إليك أشكو ضَعْف قُوَّتِى، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سَخَطُك، لك العُتْبَى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك).
فلما رآه ابنا ربيعة تحركت له رحمهما، فدعوا غلامًا لهما نصرانيًا يقال له: عَدَّاس، وقالا له: خذ قطفًا من هذا العنب، واذهب به إلى هذا الرجل.
فلما وضعه بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مد يده إليه قائلًا: (باسم الله) ثم أكل.
فقال عدَّاس: إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد.
فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من أي البلاد أنت؟ وما دينك؟
قال عدَّاس: أنا نصراني من أهل نِينَوَى.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من قرية الرجل الصالح يونس بن مَتَّى).
قال له عدَّاس: وما يُدريك ما يونس ابن متى؟
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ذاك أخي، كان نبيًا وأنا نبي).
فأكَبَّ عدَّاس على رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويديه ورجليه يقبلها.
فقال ابنا ربيعة أحدهما للآخر: أمَّا غلامك فقد أفسده عليك.
فلما جاء عدَّاس قالا له: ويحك ما هذا؟
قال عدَّاس: يا سيدي، ما في الأرض شيء خيرٌ من هذا الرجل، لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي.
قالا له: ويحك يا عداس، لا يصرفنك عن دينك، فإن دينك خير من دينه.
ورجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طريق مكة بعد خروجه من الحائط كئيبًا محزونًا كسير القلب، فلما بلغ قرن المنازل بعث الله إليه جبريل ومعه ملك الجبال، يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة.
وقد روى البخاري تفصيل القصة -بسنده- عن عروة بن الزبير: أن عائشة رضي الله عنها حدثته أنها قالت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ قال: (لقيتُ من قومكِ ما لقيتُ، وكان أشَدُّ ما لقيتُ منهم يوم العقبة، إذ عَرَضْتُ نفسي على ابن عبد يالِيل بن عبد كُلاَل، فلم يُجبني إلى ما أردتُ، فانطلقتُ -وأنا مهموم- على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقَرْنِ الثَّعالب -وهو المُسَمَّى بقَرْنِ المنازل- فرفعتُ رأسي فإذا أنا بسحابةٍ قد أظلتني، فنظرتُ فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إن اللهَ قد سَمِعَ قول قومك لك، وما رَدُّوا عليك، وقد بعث اللهُ إليك مَلَكَ الجبال لتأمرهً بما شِئْتَ فيهم.
فناداني مَلَكُ الجبال، فسلّم عَلَيَّ ثم قال: يا مُحَمَّدْ، ذلك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين -أي لفعلت، والأخشبان: هما جبلا مكة: أبو قُبَيْس والذي يقابله، وهو قُعَيْقِعَان-.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: بل أرجو أن يُخرج اللهُ عَزَّ وجَلَّ من أصلابهم مَنْ يَعْبُدَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وحده لا يُشرك به شيئاً).
وفي هذا الجواب الذي أدلى به الرسول -صلى الله عليه وسلم- تتجلّى شخصيته الفذَّة، وما كان عليه من الخُلُق العظيم لا يُدْرَكُ غَوْرُهُ. ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الأربعاء 18 أغسطس 2021, 11:35 pm | |
| (19) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بمؤامرة قتله وخروجه من مكة مهاجراً إلى المدينة عقد برلمان مكة المُسَمَّى بدار الندوة أخطر اجتماع له في تاريخه، وتوافد إلى هذا الاجتماع جميع نواب القبائل القرشية؛ ليتدارسوا خطة حاسمة تكفل القضاء سريعًا على حامل لواء الدعوة الإسلامية؛ وتقطع تيار نورها عن الوجود نهائيًا.
وبعد التشاور في هذا الموضوع تقدم كبير مجرمى مكة أبو جهل بن هشام. وقال أبو جهل: والله إن لي فيه رأيًا ما أراكم وقعتم عليه بعد.
قالوا: وما هو يا أبا الحكم؟
قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابًا جليدًا نَسِيبا وَسِيطًا فينا، ثم نعطى كل فتى منهم سيفًا صارمًا، ثم يعمدوا إليه، فيضربوه بها ضربة رجل واحد، فيقتلوه، فنستريح منه، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعًا، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعًا، فرضوا منا بالعَقْل، فعقلناه لهم.
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين, فقد نزل جبريل عليه السلام إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بوحي من ربه تبارك وتعالى فأخبره بمؤامرة قريش، وأن الله قد أذن له في الخروج، وحدد له وقت الهجرة، وبين له خطة الرد على قريش فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه.
وذهب النبي -صلى الله عليه وسلم- في الهاجرة -حين يستريح الناس في بيوتهم- إلى أبي بكر رضي الله عنه ليبرم معه مراحل الهجرة، قالت عائشة رضي الله عنها: بينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متقنعًا، في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر.
قالت: فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاستأذن، فأذن له فدخل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر: (أخرج مَنْ عندك).
فقال أبو بكر: إنما هم أهلك، بأبي أنت يا رسول الله.
قال: (فأني قد أذن لي في الخروج).
فقال أبو بكر: الصُّحبة بأبي أنت يا رسول الله؟
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (نعم).
ثم أبرم معه خطة الهجرة، ورجع إلى بيته ينتظر مجيء الليل.
وقد استمر في أعماله اليومية حسب المعتاد حتى لم يشعر أحد بأنه يستعد للهجرة، أو لأي أمر آخر اتقاء مما قررته قريش.
أمَّا أكابر مجرمي قريش فقضوا نهارهم في الإعداد سراً لتنفيذ الخطة المرسومة التي أبرمها برلمان مكة (دار الندوة) صباحًا.
وكان من عادة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ينام في أوائل الليل بعد صلاة العشاء، ويخرج بعد نصف الليل إلى المسجد الحرام، يصلي فيه قيام الليل، فأمر عليًا رضي الله عنه تلك الليلة أن يضطجع على فراشه، ويتسجى ببرده الحضرمي الأخضر، وأخبره أنه لا يصيبه مكروه.
فلَمَّا كانت عتمة من الليل وساد الهدوء، ونام عامة الناس جاء المذكورون إلى بيته -صلى الله عليه وسلم- سرًا، واجتمعوا على بابه يرصدونه، وهم يظنونه نائمًا حتى إذا قام وخرج وثبوا عليه، ونفَّذُوا ما قرَّرُوا فيه.
وكانوا على ثقة ويقين جازم من نجاح هذه المؤامرة الدنية، حتى وقف أبو جهل وقفة الزهو والخيلاء، وقال مخاطبًا لأصحابه المطوقين في سخرية واستهزاء: إن محمدًا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم جنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح، ثم بعثتم من بعد موتكم، ثم جعلت لكم نار تحرقون فيها.
وقد كان ميعاد تنفيذ تلك المؤامرة بعد منتصف الليل في وقت خروجه -صلى الله عليه وسلم- من البيت، فباتوا متيقظين ينتظرون ساعة الصفر، ولكن الله غالبٌ على أمره، بيده ملكوت السموات والأرض، يفعل ما يشاء، وهو يُجير ولا يُجار عليه، فقد فعل ما خاطب به الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما بعد: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال: 30).
وقد فشلت قريش في خطتها فشلًا ذريعًا مع غاية التيقظ والتنبه؛ إذ خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من البيت، واخترق صفوفهم، وأخذ حفنة من البطحاء فجعل يذره على رءوسهم، وقد أخذ الله أبصارهم عنه فلا يرونه، وهو يتلو: (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ) (يس: 9).
فلم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابًا، ومضى إلى بيت أبي بكر، فخرجا من خوخة في دار أبي بكر ليلًا حتى لحقا بغار ثَوْر في اتجاه اليمن.
وبقى المحاصرون ينتظرون حلول ساعة الصفر، وقبيل حلولها تجلت لهم الخيبة والفشل.
فقد جاءهم رجل مِمَّنْ لم يكن معهم، ورآهم ببابه.. فقال: ما تنتظرون؟
قالوا: محمدًا.
قال: خبتم وخسرتم، قد والله مر بكم، وذر على رءوسكم التراب، وانطلق لحاجته.
قالوا: والله ما أبصرناه، وقاموا ينفضون التراب عن رءوسهم.
ولكنهم تطلعوا من صير الباب فرأوا عليًا.
فقالوا: والله إن هذا لمحمد نائمًا، عليه برده، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا.
وقام علىٌّ عن الفراش، فسقط في أيديهم، وسألوه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: لا علم لي به.
غادر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيته وأتى إلى دار رفيقه -وأمنّ الناس عليه في صحبته وماله- أبي بكر رضي الله عنه.
ثم غادر منزل الأخير من باب خلفي؛ ليخرجا من مكة على عجل وقبل أن يطلع الفجر.
ولمَّا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم أن قريشًا سَتَجِدُّ في الطلب، وأن الطريق الذي ستتجه إليه الأنظار لأول وهلة هو طريق المدينة الرئيسي المتجه شمالًا، فسلك الطريق الذي يضاده تمامًا، وهو الطريق الواقع جنوب مكة، والمتجه نحو اليمن، سلك هذا الطريق نحو خمسة أميال حتى بلغ إلى جبل يعرف بجبل ثَوْر وهو جبل شامخ، وَعِر الطريق، صعب المرتقى، ذو أحجار كثيرة، فحفيت قدما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقيل: بل كان يمشى في الطريق على أطراف قدميه كي يخفي أثره فحفيت قدماه، وأيا ما كان فقد حمله أبو بكر حين بلغ إلى الجبل، وطفق يشتد به حتى انتهي به إلى غار في قمة الجبل عرف في التاريخ بغار ثور.
ولَمَّا انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: والله لا تدخله حتى أدخل قبلك، فإن كان فيه شيء أصابني دونك، فدخل فكسحه، ووجد في جانبه ثقبًا فشق إزاره وسدها به، وبقى منها اثنان فألقمهما رجليه، ثم قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ادخل، فدخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ووضع رأسه في حجره ونام، فلدغ أبو بكر في رجله من الجحر، ولم يتحرَّك مخافة أن ينتبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسقطت دموعه على وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: (ما لك يا أبا بكر؟) قال: لُدِغْتُ، فداك أبي وأمي، فتفل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فذهب ما يجده.
وكَمُنَا في الغار ثلاث ليال، ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الأحد.
وكان عبد الله بن أبي بكر يبيت عندهما.
قالت عائشة: وهو غلام شاب ثَقِف لَقِن، فيُدْلِج من عندهما بسَحَرٍ، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمرًا يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، و (كان) يرعى عليهما عامر بن فُهَيْرَة مولى أبي بكر مِنْحَة من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رِسْل -وهو لبن مِنْحَتِهما ورَضيفِهما- حتى يَنْعِق بها عامر بن فُهَيْرَة بغَلَس، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث، وكان عامر بن فهيرة يتبع بغنمه أثر عبد الله بن أبي بكر بعد ذهابه إلى مكة ليُعَفي عليه.
أمَّا قريش فقد جُنَّ جنونها حينما تأكد لديها إفلات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صباح ليلة تنفيذ المؤامرة.
فأول ما فعلوا بهذا الصدد أنهم ضربوا عليًا، وسحبوه إلى الكعبة، وحبسوه ساعة، علهم يظفرون بخبرهما.
ولمَّا لم يحصلوا من عليّ على جدوى جاءوا إلى بيت أبي بكر وقرعوا بابه، فخرجت إليهم أسماء بنت أبي بكر، فقالوا لها: أين أبوك؟ قالت: لا أدرى والله أين أبي؟ فرفع أبو جهل يده -وكان فاحشًا خبيثًا- فلطم خدها لطمة طرح منها قرطها.
وقَرَّرَتْ قريش في جلسة طارئة مستعجلة استخدام جميع الوسائل التي يمكن بها القبض على الرجلين، فوضعت جميع الطرق النافذة من مكة (في جميع الجهات) تحت المراقبة المسلحة الشديدة، كما قررت إعطاء مكافأة ضخمة قدرها مائة ناقة بدل كل واحد منهما لمن يعيدهما إلى قريش حيين أو ميتين، كائنًا من كان.
وحينئذ جَدَّتْ الفرسان والمُشَاةُ وقُصَّاصُ الأثر في الطلب، وانتشروا في الجبال والوديان، والوهاد والهضاب، لكن من دون جدوى وبغير عائدة.
وقد وصل المطاردون إلى باب الغار، ولكن اللهَ غالبٌ على أمره.
روى البخاري عن أنس عن أبي بكر قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الغار، فرفعتُ رأسي فإذا أنا بأقدام القوم، فقلت: يا نبي الله، لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا.
قال: (اسكت يا أبا بكر، اثنان، اللهُ ثالثهُمَا).
وفي لفظ: (ما ظنُّك يا أبا بكر باثنين اللهُ ثالثهُمَا)؟.
وقد كانت معجزة أكرم الله بها نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فقد رجع المطاردون حين لم يبق بينه وبينهم إلا خطوات معدودة.
وحين خمدت نار الطلب، وتوقفت أعمال دوريات التفتيش، وهدأت ثائرات قريش بعد استمرار المطاردة الحثيثة ثلاثة أيام بدون جدوى، تهيأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه للخروج إلى المدينة.
وكانا قد استأجرا عبد الله بن أُرَيْقِط الليثي، وكان هاديًا خِرِّيتًا -ماهرًا بالطريق- وكان على دين كفار قريش، وأمَّناه على ذلك، وسلّما إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثَوْر بعد ثلاث ليال براحلتيهما، فلمَّا كانت ليلة الاثنين -غرة ربيع الأول سنة 1هـ / 16 سبتمبر سنة 622م- جاءهما عبد الله بن أريقط بالراحلتين، وكان قد قال أبو بكر للنبي -صلى الله عليه وسلم- عند مشاورته في البيت: بأبي أنت يا رسول الله، خذ إحدى راحلتي هاتين، وقرب إليه أفضلهما، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالثمن.
وأتتهما أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها بسُفْرَتِهما، ونسيت أن تجعل لها عِصَامًا، فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة، فإذا ليس لها عصام، فشقَّت نطاقها باثنين، فعلّقت السفرة بواحد، وانتطقت بالآخر فسميت: ذات النطاقين.
ثم ارتحل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر رضي الله عنه وارتحل معهما عامر بن فُهَيْرة، وأخذ بهم الدليل -عبد الله بن أريقط- على طريق السواحل.
وأول ما سلك بهم بعد الخروج من الغار أنه أمعن في اتجاه الجنوب نحو اليمن، ثم اتجه غربًا نحو الساحل، حتى إذا وصل إلى طريق لم يألفه الناس، اتجه شمالًا على مقربة من شاطئ البحر الأحمر، وسلك طريقًا لم يكن يسلكه أحَدٌ إلا نادرًا.
وقد ذكر ابن إسحاق المواضع التي مَرَّ بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الطريق، قال: لَمَّا خرج بهما الدليل سلك بهما أسفل مكة، ثم مضى بهما على الساحل حتى عارض الطريق أسفل من عُسْفَان، ثم سلك بهما على أسفل أمَج، ثم استجاز بهما حتى عارض بهما الطريق بعد أن أجاز قُدَيْدًا، ثم أجاز بهما من مكانه ذلك فسلك بهما الْخَرَّار، ثم سلك بهما ثَنَّية الْمَرَّة، ثم سلك بهما لِقْفًا، ثم أجاز بهما مَدْلَجَة لِقْف، ثم استبطن بهما مَدْلَجة مِجَاج، ثم سلك بهما مَرْجِح مِجَاح، ثم تبطن بهما مَرْجِح من ذي الغُضْوَيْن، ثم بطن ذي كَشْر، ثم أخذ بهما على الْجَدَاجِد، ثم على الأجرد، ثم سلك بهما ذا سلم من بطن أعدا مَدْلَجَة تِعْهِنَ، ثم على العَبَابيد، ثم أجاز بهما الفَاجَة، ثم هبط بهما الْعَرْج، ثم سلك بهما ثنية العَائِر -عن يمين رَكُوبة- حتى هبط بهما بطن رِئْم، ثم قدم بهما على قُباء. ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الأربعاء 18 أغسطس 2021, 11:42 pm | |
| (20) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بالمنافقين وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول عبد الله بن أبي بن سلول، يلقبه المسلمون بكبير المنافقين, كان على وشك أن يكون سيد المدينة قبل أن يصلها الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
كانت البداية قبل هجرة النبي، يوم كانت المدينة تعيش قتالاً شرساً بين الأوس والخزرج ما إن تهدأ ثائرتها قليلاً حتى تعود للاشتعال مرّة أخرى، وانتهى الصراع على اتفاقٍ بين الفريقين يقضي بنبذ الخلاف وتنصيب ابن سلول حاكماً على المدينة.
ووئدت هذه الفكرة بدخول الإسلام إلى أرض يثرب، وورود الناس حياض الشريعة، واجتماعهم حول راية النبي، فصارت نظرة ابن سلول لهذا الدين تقوم على أساس أنه قد حرمه من الملك والسلطان، وبذلك كانت مصالحه الذاتية وأهواؤه الشخصيّة وراء امتناعه عن الإخلاص في إيمانه والصدق في إسلامه.
خاض ابن سلول صراعاً مريراً علنياً في قليل من الأحيان وسرياً في أحايين كثيرة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأتباعه للسيطرة على مقاليد الأمور في المدينة, وينسب له المؤرخون المسلمين الكثير من المواقف المُعادية للإسلام منها موقفه في غزوة أحُدٍ فقد تمرَّدَ عبدُ اللهِ بن أُبي، فانسحب بنحو ثلث العسكر -ثلاثمائة مقاتل- قائِلاً: ما ندري علام نقتلُ أنفسَنَا؟ ومُتظَاهِرَاً بالاحتجاجِ بأنَّ رسول الله تَرَكَ رأيه، وأطاعَ غيرَهُ.
ينقل عنه قوله عندما رجع الرسول -صلى الله عليه وسلم- وجيشه من غزوة بني المصطلق: "والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعزُّ منها الأذلُّ"، وكان ابن سلول يقصد الرسول ولَمَّا علم ابنه عبد الله بما قال ذهب إلى الرسول وقال: "يا رسول الله قد علمت المدينة أنه لا يوجد أحَدٌ أبَرُّ من أبيه مني فإن تريد قتله فأمرني أنا فإني لا أصبر على قاتل أبي".
وعندما دخل الجيش المدينة بعد العودة من غزوة بنو المصطلق تقدَّم عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول الجيش ووقف بسيفه على مدخل المدينة والكلُ مُستغربٌ من عمله حتى إذا قدم أبوه داخلاً المدينة أشهر السيف في وجه أبيه وقال والله لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله.
وقال بن سلول أيضاً: (لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا)، أي: امنعوا الأموال عنه وعن أصحابه، لا تعطوه زكاة ولا غيرها، فيضطر الناس للانفضاض عنه، والأعراب الذين لا يأتون للمال لا يأتون، فلما سمع بذلك عمر رضي الله عنه، قال: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: دعه.. لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه.
وبموت عبد الله بن أبي بن سلول انحسرت حركة النفاق بشكل كبير، وتراجع بعض أفرادها عن ضلالهم، في حين اختار البعض الآخر البقاء على الكفر الذي يضمرونه، والنفاق الذي يظهرونه.
وكان هؤلاء المنافقون يحضرون المسجد فيستمعون أحاديث المسلمين، ويسخرون ويستهزئون بدينهم، فاجتمع يوماً في المسجد منهم ناس، فرآهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتحدَّثُون بينهم، خافضي أصواتهم، قد لصق بعضهم ببعض، فأمر بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأُخْرِجُوا من المسجد إخراجاً عنيفاً، فقام أبو أيوب، خالد بن زيد بن كليب، إلى عمر بن قيس، أحد بني غنم بن مالك بن النجار -كان صاحب آلهتهم في الجاهلية- فأخذ برجله فسحبه، حتى أخرجه من المسجد، وهو يقول: أتخرجني يا أبا أيوب من مربد بني ثعلبة.
ثم أقبل أبو أيوب أيضاً إلى رافع بن وديعة، أحد بني النجار فلبَّبه بردائه ثم نطره نطراً شديداً، ولطم وجهه، ثم أخرجه من المسجد، وأبو أيوب يقول له: أفٍّ لك مُنافقاً خبيثاً: أدراجَك يا منافق من مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال ابن هشام: أي ارجع من الطريق التي جئت منها. وقام عمارة بن حزم إلى زيد بن عمرو، وكان رجلاً طويل اللحية، فأخذ بلحيته فقاده بها قوداً عنيفاً حتى أخرجه من المسجد، ثم جمع عمارة يديه فلدمه بهما في صدره لدمة خَرَّ منها. يقول: خدشتني يا عمارة؛ قال: أبْعَدَكَ اللهُ يا مُنافق، فما أعَدَّ اللهُ لك من العذاب أشَدُّ من ذلك، فلا تقربنَّ مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال ابن إسحاق: وقام أبو محمد، رجل من بني النجار، كان بدرياً، وأبو محمد، مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم ابن مالك بن النجار إلى قيس بن عمرو بن سهل، وكان قيس غلاماً شاباً، وكان لا يُعلم في المنافقين شابٌ غيره، فجعل يدفع في قفاه حتى أخرجه من المسجد.
وقام رجل من بَلْخُدرة بن الخزرج، رهط أبي سعيد الخدري، يُقَالُ له: عبدالله بن الحارث، حين أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإخراج المنافقين من المسجد إلى رجل يُقال له: الحارث بن عمرو، وكان ذا جمَّة، فأخذ بجمَّته فسحبه بها سحباً عنيفاً، على ما مَرَّ به من الأرض، حتى أخرجه من المسجد.
قال: يقول المنافق: لقد أغلظت يا ابن الحارث؛ فقال: إنك أهلٌ لذلك، أي عدو الله لما أنزل الله فيك، فلا تقربنَّ مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإنك نجس. َ وقام رجل من بني عمرو بن عوف إلى أخيه زُوَيّ بن الحارث، فأخرجه من المسجد إخراجاً عنيفاً، وأفَّف منه، وقال: غلب عليك الشيطان وأمره.
فهؤلاء مَنْ حَضَرَ المسجد يومئذ من المنافقين، وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإخراجهم. ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الأربعاء 18 أغسطس 2021, 11:59 pm | |
| (21) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بالغزوات التي غزاها لنشر الدعوة الإسلامية بلغ عدد الغزوات التي قادها الرسول 28 غزوة، كان من ضمنها 9 غزوات دار فيها قتال والباقي حقق أهدافه دون قتال.
من ضمن هذه الغزوات خرج الرسول إلى 7 غزوات علم مسبقاً أن العدو فيها قد دبر عدواناً على المسلمين.
استمرت الغزوات 8 سنوات (من 2 هجري إلى 9 هجري).
في السنة الثانية للهجرة حدث أكبر عدد من الغزوات حيث بلغت 8 غزوات.
بلغ عدد البعوث والسرايا 38 ما بين بعثة وسرية.
غزوات الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالترتيب هي: جدول توزيع غزوات الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- على سنوات الجهاد: 1 غزوة الأبواء (ودان) 2 هجري ودان 2 غزوة بواط 2 هجري بواط 3 غزوة العشيرة 2 هجري العشيرة 4 غزوة بدر الأولى 2 هجري وادي سفوان 5 غزوة بدر الكبرى 2 رمضان هجري بدر 6 غزوة بني سليم 2 هجري قرقرة الكدر 7 غزوة بني قينقاع 2 هجري المدينة المنورة 8 غزوة السويق 2 هجري قرقرة الكدر 9 غزوة ذي أمر 3 هجري ذو أمر 10 غزوة بحران 3 هجري بحران 11 غزوة أحد 3 هجري جبل أحد 12 غزوة حمراء الأسد 3 هجري حمراء الأسد 13 غزوة بني النضير 3 هجري ضواحي المدينة المنورة 14 غزوة ذات الرقاع 3 هجري ذات الرقاع 15 غزوة بدر الآخرة 4 هجري بدر 16 غزوة دومة الجندل 5 هجري دومة الجندل 17 غزوة بني المصطلق 5 هجري المريسيغ 18 غزوة الخندق 5 هجري المدينة المنورة 19 غزوة بني قريظة 5 هجري ضواحي المدينة المنورة 20 غزوة بني لحيان 6 هجري غران 21 غزوة ذي قرد 7 هجري ذو قرد 22 غزوة الحديبية 7 هجري الحديبية 23 غزوة خيبر 7 هجري خيبر 24 غزوة عمرة القضاء 7 هجري مكة المكرمة 25 غزوة مؤتة 8 هجري مؤتة 26 فتح مكة 8 هجري مكة المكرمة 27 غزوة حنين 8 هجري وادي حنين 28 غزوة الطائف 8 هجري الطائف 29 غزوة تبوك 9 هجري تبوك ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الخميس 19 أغسطس 2021, 12:07 am | |
| (22) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بمؤامرة لاغتياله كان من أثر هزيمة المشركين في وقعة بدر أن استشاطوا غضباً، وجعلت مكة تغلي كالمِرْجَل ضد النبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى تآمر بطلان من أبطالها أن يقضوا على مبدأ هذا الخلاف والشقاق ومثار هذا الذل والهوان في زعمهم، وهو النبي -صلى الله عليه وسلم-.
جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية في الحِجْر بعد وقعة بدر بيسير ـ وكان عمير من شياطين قريش ممن كان يؤذي النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وهم بمكة ـ وكان ابنه وهب بن عمير في أساري بدر، فذكر أصحاب القَلِيب ومصابهم، فقال صفوان: والله إن في العيش بعدهم خير.
قال له عمير: صدقت والله، أما والله لولا دَيْن على ليس له عندي قضاء، وعيال أخشي عليهم الضَّيْعةَ بعدي لركبتُ إلى محمد حتى أقتله، فإن لي قِبَلَهُمْ عِلَّةً، ابني أسير في أيديهم.
فاغتنمها صفوان وقال: على دينك، أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي، أواسيهم ما بقوا، لا يسعني شيء ويعجز عنهم.
فقال له عمير: فاكتم عني شأني وشأنك. قال: أفعل.
ثم أمر عمير بسيفه فشُحِذَ له وسُمَّ، ثم انطلق حتى قدم به المدينة، فبينما هو على باب المسجد ينيخ راحلته رآه عمر بن الخطاب -وهو في نفر من المسلمين يتحدثون ما أكرمهم الله به يوم بدر- فقال عمر: هذا الكلب عدو الله عمير ما جاء إلا لشر.
ثم دخل على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا نبي الله، هذا عدو الله عمير قد جاء متوشحاً سيفه، قال: (فأدخله علي)، فأقبل إلى عمير فلَبَّبَهُ بحَمَالة سيفه، وقال لرجال من الأنصار: ادخلوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث، فإنه غير مأمون، ثم دخل به، فلَمَّا رآهُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعمر آخِذٌ بحمَّالة سيفه في عُنُقِهِ، قال: (أرسله يا عمر، ادن يا عمير)، فدنا وقال: أنْعِمُوا صباحاً، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام تحية أهل الجنة).
ثم قال: (ما جاء بك يا عمير؟).
قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم، فأحسنوا فيه.
قال: (فما بال السيف في عنقك؟).
قال: قبَّحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا شيئاً؟
قال: (أصدقني، ما الذي جئت له؟).
قال: ما جئت إلا لذلك.
قال: بل قعدتَ أنت وصفوان بن أمية في الحِجْر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دَيْنٌ عليَّ وعيالٌ عندي لخرجت حتى أقتل مُحَمَّداً، فتحمَّل صفوان بِدَيْنِكَ وعيالك على أن تقتلني، واللهُ حائلٌ بينك وبين ذلك.
قال عمير: أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمْرٌ لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمدُ لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المَسَاق، ثم تَشَهَّدَ شهادة الحق.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فقِّهوا أخاكم في دِينِهِ، وأقرئُوه القرآن، وأطلقوا له أسيره.
وأمَّا صفوان فكان يقول: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام تُنسيكم وقعة بدر.
وكان يسأل الرُّكبان عن عمير، حتى أخبره راكب عن إسلامه فحلف صفوان ألا يكلمه أبدًا، ولا ينفعه بنفع أبدًاًًًً.
ورجع عمير إلى مكة وأقام بها يدعو إلى الإسلام، فأسلم على يديه ناس كثير. ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الخميس 19 أغسطس 2021, 12:20 am | |
| (23) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بكسر رباعيته وشق شفته وجرح وجنته في موقعة أحد بعد أن انتصر المسلمون انتصاراً كبيراً في معركة بدر على المشركين وأوقعوا فيهم الكثير من القتلى، عاد من بقي من الكفار إلى مكة حين كانت مكة تحت سلطة المشركين يجرون وراءهم أذيال الخيبة، ووجدوا أن قافلة أبي سفيان قد رجعت بأمان، فاتفقوا فيما بينهم أن يبيعوا بضائعها والربح الذي سيجنونه يجهزوا به جيشاً لمقاتلة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وأخذ الثأر لمقتل آبائهم وإخوتهم وأبنائهم الذين حاربوا النبي عليه السلام والصحابة، وأرادوا القضاء على الإسلام في بدر.
اجتمعت قريش لقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأرسلت مبعوثين إلى بعض القبائل الحليفة طلبا للمقاتلين، فاجتمع ثلاثة آلاف مشرك مع دروعهم وأسلحتهم، وكان معهم مائتا فرس وخمس عشرة ناقة عليها ركب الهوادج وهي البيوت الصغيرة التي توضع على ظهور الجمال وجلست فيهن بعض النساء المشركات ليشجعن المشركين على القتال، وتذكيرهم بالهزيمة في بدر.
وفي أثناء استعداداتهم طلب أبو سفيان من العباس بن عبد المطلب عم رسول الله الخروج معه لقتال المسلمين ولكنه لم يقبل بذلك، وأرسل العباس سراً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يحذره من الخطر المحدق، فوصل الخبر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني قد رأيت والله خيراً -أي في المنام– رأيت بقراً تُذبح، ورأيت في ذباب سيفي (حد سيفي) ثلماً (كسراً) ورأيت إني أدخلت يدي في درع حصينة، فأوَّلتها المدينة"، وكان معنى هذا المنام الذي رآه الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن البقر ناس يُقتلون، وأمَّا الثلم في السيف فهو رجل من أهل بيت النبي يُقتل.
خرج كفار قريش بجيشهم حتى وصلوا إلى ضواحي المدينة المنورة قرب جبل أحد حيث كان النبي الأعظم -صلى الله عليه وسلم- قد صلى صلاة الجمعة بالناس وحثهم على الجهاد والثبات، وخرج بسبعمائة مقاتل شجاع من الصحابة الكرام بعد أن رجع بعض المنافقين خوفاً من القتال.
وكانت خطة الحرب التي وضعها النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يجعل المدينة المنورة في وجهه ويضع خلفه جبل أحد وحمى ظهره بخمسين من الرُّماة المهرة صعدوا على هضبة عالية مشرفة على أرض المعركة، وجعل قائدهم صحابياً كريماً هو عبد الله بن جبير وأمرهم النبي أن يبقوا في أماكنهم وأن لا يتركوها حتى يأذن لهم وقال لهم: "ادفعوا الخيل عنا بالنبال" وقسم الحبيب المصطفى جيش المسلمين إلى عدة أقسام، جعل قائداً لكل منها وتسلم هو قيادة المقدمة.
ونهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- الناس عن الأخذ في القتال حتى يأمرهم، وظاهر بين درعين، وحرض أصحابه على القتال، وحضهم على المصابرة والجلاد عند اللقاء، وأخذ ينفث روح الحماسة والبسالة في أصحابه حتى جرَّد سيفاً باتراً ونادي أصحابه: (مَنْ يأخذ هذا السيف بحقه؟)، فقام إليه رجال ليأخذوه -منهم على بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وعمر بن الخطاب- حتى قام إليه أبو دُجَانة سِمَاك بن خَرَشَة، فقال: وما حَقُّهُ يا رسول الله؟ قال: (أن تضرب به وجوه العدو حتى ينحني).
قال: أنا آخذه بحقه يا رسول الله، فأعطاه إيَّاه.
وكان أبو دجانة رجلاً شجاعاً يختالُ عند الحرب، وكانت له عصابة حمراء إذا اعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل حتى الموت.
فلمَّا أخذ السيف عصب رأسه بتلك العصابة، وجعل يتبختر بين الصفين، وحينئذ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن).
وبدأت المعركة فأقبل المشركون فاستقبلتهم سيوف المسلمين البتارة بقوة، وأخرج أبو دجانة عصابة الموت..
فخرج وهو يقول: أنا الذي عــاهـدني خليلي ** ونحن بالسَّـفْـح لدى النَّخِيل ألا أقوم الدَّهْرَ في الكَيول ** أضْرِبْ بسَيف الله والرسول
وانطلق أبو دجانة, ثم شهر سيفه لا يقف شيء أمامه إلا حطمه وأوقعه أرضاً، وكان رجل من المشركين لا يدع جريحاً مسلماً إلا قتله، فلحق به أبو دجانة ليُريحَ الناس من شره، حتى التقيا فضرب المُشرك أبا دجانة ضربة تلقاها الأخير بكل عزم وثبات ثم بادله بضربة قوية من سيفه فقتله.
واقتتل الناس قتالاً شديداً وفعل الرماة المسلمون فعلتهم، إذ كانوا من أحد أسباب تراجع الكفار وفرارهم، وكانت الهزيمة على المشركين.
ولكن حصلت حادثة أليمة غيِّرت من مسار نهاية المعركة، إذ إن الرماة الذين أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بحماية ظهور المسلمين وعدم ترك أماكنهم حتى يأذن لهم، ترك الكثير منهم مكانه ظنا أن المعركة حسم أمرها وأنه لم يبق أثر للمشركين، ونزلوا ليأخذوا من الغنائم، وبقي أقل من عشرة رماة أبوا أن يلحقوا بهم وقالوا: "نطيع رسول الله ونثبت مكاننا"، فنظر خالد بن الوليد وكان ما زال مُشْرِكاً إلى مَنْ بقي من الرماة فتوجَّه بمجموعة من المشركين، وتسللوا ففاجأوا الرماة القليلين من الخلف وقتلوهم بما فيهم قائدهم عبد الله بن جبير.
عندها تعالت صيحات المشركين وفوجئ المسلمون بأنهم قد أصبحوا مُحاصرين، فقتل من قتل منهم واشتد الأمر عليهم، عندها عاد من هرب من المشركين وهجموا على المسلمين هجمة شرسة، ورفعوا عن الأرض رايتهم المتسخة.
وكان عدد من الكفار قد اتفقوا فيما بينهم على مهاجمة النبي دفعة واحدة فاستغلوا فرصة ابتعاد بعض الصحابة عن النبي أثناء المعركة وانقضوا عليه، فمنهم مَنْ ضربه بالسيف فأصاب جبهته الشريفة، ومنهم مَنْ رماه بحجارة فكسرت رباعيته اليمنى وهي أحد أسنانه الأمامية، وشُقَّتْ شفته الشريفة، وهجم آخر فجرح وجنة النبي أي أعلى خده الشريف بالسيف ورفعه فرَدَّهُ النبي ولكنه سقط فجرحت ركبته الشريفة وسال دمه على الأرض، وأقبل مشرك اسمه أبي بن خلف حاملاً حربته ووجهها إلى رسول الله فأخذها النبي منه وقتله بها.
ولَمَّا جرح النبي الأعظم -صلى الله عليه وسلم-، صار الدم يسيل على وجهه الشريف وأقبل لحمايته خمسة من الأنصار، فقُتِلُوا جميعاً ورَكَضَ أبو دجانة وجعل من ظهره ترساً لرسول الله فكانت السهام تنال عليه وهو منحن يحمي ببدنه وروحه أعظم الكائنات سيدنا محمداً -صلى الله عليه وسلم-.
وازدادت المصائب إذ قد جاء عبد حبشي مشرك ماهر بالرماية اسمه وحشي أمره سيده بقتل سيدنا حمزة ووعده بأن يجعله حرا إن قتله، وبقي طيلة المعركة يتحين الفرصة حتى وجد نفسه وجها لوجه أمامه، فرفع حربته وهزها ثم رماها فاخترقت جسد سيدنا حمزة رضي الله عنه الذي وقع شهيداً في سبيل الله.
وانتهت المعركة بانسحاب المشركين الذين ظنوا أنهم انتصروا، ولا يُقَالُ إن رسول الله خسر بل إن الذين خالفوا أوامره خابوا وسبَّبُوا الخسارة لأنفسهم.
ودفن المسلمون شهداءهم في أحد حيث استشهدوا، ولما عاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة في جو حزين، جاءت إحدى نساء الأنصار قد قتل أباها وأخاها شهيدين.
فلما أخبرت قالت: "ماذا حل برسول الله؟"
فقالوا لها: "هو بحمد الله كما تحبين".
قالت: "أرونيه".
فلَمَّا نظرت إليه دمعت عيناها فرحا بسلامته وقالت: "كل مصيبة بعدك هينة يا رسول الله لا توازي مصيبتنا بفقدك".
وهكذا انتهت معركة أحد التي كانت درسا تعلم منه المسلمون أهمية الالتزام بأوامر النبي وتعاليمه الشريفة، وأن أوامره كلها فيها الخير والفلاح. ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) الخميس 19 أغسطس 2021, 12:32 am | |
| (24) ابتلاؤه -صلى الله عليه وسلم- بمقتل عمه حمزة بن عبد المطلب يقول قاتل حمزة وحْشِي بن حرب: كنت غلاماً لجبير بن مُطْعِم، وكان عمه طُعَيمَة بن عدي قد أصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلى أحد قال لي جبير: إنك إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق.
قال: فخرجت مع الناس ـ وكنت رجلاً حبشياً أقذف بالحربة قذف الحبشة، قلما أخطئ بها شيئاً ـ فلما التقي الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأوْرَق، يهُدُّ الناس هدّا ما يقوم له شيء.
فوالله إني لأتهيأ له أريده، فأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سِبَاع بن عبد العزي، فلما رآه حمزة قال له: هلم إلى يابن مُقَطِّعَة البُظُور -وكانت أمه ختانة- قال: فضربه ضربة كأنما أخطأ رأسه.
قال: وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها إليه، فوقعت في ثُنَّتِه –أحشائه- حتى خرجت من بين رجليه، وذهب لينوء نحوي فَغُلِبَ، وتركته وإيَّاها حتى مات، ثم أتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت إلى العسكر فقعدت فيه، ولم يكن لي بغيره حاجة، وإنما قتلته لأعتق، فلمَّا قدمت مكة عُتِقْتُ.
وكان تشويه الشهداء آخر هجوم قام به المشركون ضد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولما لم يكونوا يعرفون من مصيره شيئاً -بل كانوا على شبه اليقين من قتله- رجعوا إلى مقرهم، وأخذوا يتهيئون للرجوع إلى مكة، واشتغل من اشتغل منهم -وكذا اشتغلت نساؤهم- بقتلي المسلمين، يمثلون بهم، ويقطعون الآذان والأنوف والفروج، ويبقرون البطون.
وبقرت هند بنت عتبة كبد حمزة فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها، واتخذت من الآذان والأنوف خَدَماً ـخلاخيل- وقلائد.
ولمَّا تكامل تهيؤ المشركين للانـصراف أشـرف أبو سفـيان على الجبل، فـنادي أفيكم محمد؟ فلم يجيبوه.
فقال: أفيكم ابن أبي قحافة؟ فلم يجيبوه.
فقال: أفيكم عمر بن الخطاب؟ فلم يجيبوه -وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- منعهم من الإجابة- ولم يسأل إلا عن هؤلاء الثلاثة لعلمه وعلم قومه أن قيام الإسلام بهم.
فقال: أمَّا هؤلاء فقد كفيتموهم، فلم يملك عمر نفسه أن قال: يا عدو الله، إن الذين ذكرتهم أحياء، وقد أبقي الله ما يسوءك.
فقال: قد كان فيكم مثله لم آمر بها ولم تسؤني.
ثم قال: أعْلِ هُبَل.
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ألا تجيبونه؟)
فقالوا: فما نقول؟
قال: (قولوا: الله أعلى وأجل).
ثم قال: لنا العُزَّى ولا عزى لكم.
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ألا تجيبونه؟)
قالوا: ما نقول؟ قال: (قولوا:الله مولانا، ولا مولي لكم).
ثم قال أبو سفيان: أنْعَمْتَ فَعَال، يوم بيوم بدر، والحرب سِجَال.
فأجابه عمر، وقال: لا سواء، قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار. ثم قال أبو سفيان: هلم إلى يا عمر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ائته فانظر ما شأنه؟) فجاءه، فقال له أبو سفيان: أنشدك الله يا عمر، أقتلنا محمداً؟
قال عمر: اللهم لا.
وإنه ليستمع كلامك الآن.
قال: أنت أصدق عندي من ابن قَمِئَة وأبر.
وأشرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الشهداء فقال: (أنا شهيد على هؤلاء، إنه ما من جريح يُجْرَح في الله إلا والله يبعثه يوم القيامة، يَدْمَي جُرْحُه، اللون لون الدم، والريح ريح المِسْك).
وكان أناس من الصحابة قد نقلوا قتلاهم إلى المدينة فأمر أن يردوهم، فيدفنوهم في مضاجعهم وألا يغسلوا، وأن يدفنوا كما هم بثيابهم بعد نزع الحديد والجلود.
وكان يدفن الاثنين والثلاثة في القبر الواحد، ويجمع بين الرجلين في ثوب واحد، ويقول: (أيهم أكثر أَخْذًا للقرآن؟) فإذا أشاروا إلى الرجل قدَّمَهُ في اللحد، وقال: (أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة).
ودفن عبد الله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح في قبر واحد لما كان بينهما من المحبة. وفقدوا نعش حنظلة، فتفقدوه فوجدوه في ناحية فوق الأرض يقطر منه الماء، فأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه أن الملائكة تُغَسِّلُه، ثم قال: (سلوا أهله ما شأنه؟) فسألوا امرأته، فأخبرتهم الخبر.
ومن هنا سمي حنظلة: غسيل الملائكة.
ولَمَّا رأى ما بحمزة -عمه وأخيه من الرضاعة- اشتد حُزنه، وجاءت عمته صفية تريد أن تنظر أخاها حمزة، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابنها الزبير أن يصرفها، لا تري ما بأخيها، فقالت: ولم؟ وقد بلغني أن قد مُثِّلَ بأخي، وذلك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك، لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله، فأتته فنظرت إليه، فصلت عليه -دعت له- واسترجعت واستغفرت له.
ثم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدفنه مع عبد الله بن جحش -وكان ابن أخته، وأخاه من الرضاعة-.
قال ابن مسعود: ما رأينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باكياً قط أشد من بكائه على حمزة بن عبد المطلب.
وضعه في القبلة، ثم وقف على جنازته وانتحب حتى نَشَع من البكاء ـ والنشع: الشهيق.
وكان منظر الشهداء مُريعاً جداً يفتت الأكباد.
قال خباب: إن حمزة لم يوجد له كفن إلا بردة مَلْحَاء، إذا جعلت على رأسه قَلَصَت عن قدميه، وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه، حتى مدت على رأسه، وجعل على قدميه الإِذْخَر. وقال عبد الرحمن بن عوف: قُتِلَ مُصعب بن عمير وهو خير مني، كفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه، وروي مثل ذلك عن خباب، وفيه: فقال لنا النبي -صلى الله عليه وسلم-: (غطوا بها رأسه، واجعلوا على رجليه الإذخر). ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ |
|
| |
| ابتلاءات النبي (صلى الله عليه وسلم) | |
|