قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب):"لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين)فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُمِصْرَعلى سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض،والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحيفيلسوف العمارة ومهندس الفقراء:هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية،وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول،اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن،ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كوروناغير المتوقعة للبشريةأنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباءفيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض..فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي"رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي(رحمه الله)قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني،وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.
موضوع: رد: صلاح الدين الأيوبي الخميس 08 أبريل 2021, 1:06 am
تحرير القدس قال ابن شداد: لَمَّا تسلّم صلاح الدين عسقلان والأماكن المُحيطة بالقدس شمَّر عن ساق الجِدِّ والاجتهاد في قصد القدس المبارك واجتمعت إليه العساكر التي كانت متفرقة في الساحل فسار نحوه معتمداً على الله تعالى مُفوضاً أمره إليه مُنتهزاً الفرصة في فتح باب الخير الذي حَثَّ على انتهازه بقوله مَنْ فُتِحَ له بابُ خير فلينتهزه فإنه لا يعلم متى يُغلق دونه وكان نزوله عليه في يوم الأحد الخامس عشر من رجب سنة 583هـ وكان نزوله بالجانب الغربي وكان معه مَنْ كان مشحوناً بالمُقاتلة من الخيَّالة والرَّجَّالة وحزر أهل الخبرة مِمَّنْ كان معه مَنْ كان فيه من المُقاتلة فكانوا يزيدون على ستين ألفاً خارجاً عن النساء والصبيان ثم انتقل لمصلحة رآها إلى الجانب الشمالي في يوم الجمعة العشرين من رجب ونصب المناجيق وضايق البلد بالزحف والقتال حتى أخذ النقب في السور مِمَّا يلي وادي جهنم.
ولَمَّا رأى أعداء الله الصليبيون ما نزل بهم من الأمر الذي لا مدفع له عنهم وظهرت لهم إمارات فتح المدينة وظهور المسلمين عليهم وكان قد اشتد روعهم لِمَا جرى على أبطالهم وحماتهم من القتل والأسر وعلى حصونهم من التخريب والهدم وتحقّقوا أنهم صائرون إلى ما صار أولئك إليه فاستكانوا وأخلدوا إلى طلب الأمان واستقرَّت الأمور بالمراسلة من الطائفتين وكان تسلّمه في يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب وليلته كانت ليلة المعراج المنصوص عليها في القرآن الكريم فانظر إلى هذا الاتفاق العجيب كيف يَسَّرَ اللهُ تعالى عوده إلى المسلمين في مثل زمان الإسراء بنبيهم وهذه علامة قبول هذه الطاعة من الله تعالى وكان فتحه عظيماً شهده من أهل العلم خلق ومن أرباب الخرق والزهد عالم وذلك أن الناس لَمَّا بلغهم ما يَسَّرَهُ اللهُ تعالى على يده من فتوح الساحل وقصده القدس قصده العلماء من مصر والشام بحيث لم يتخلّف أحَدٌ منهم وارتفعت الأصوات بالضجيج بالدعاء والتهليل والتكبير وصليت فيه الجمعة يوم فتحه وخطب القاضي محيي الدين محمد بن علي المعروف بابن الزكي.
وقد كتب عماد الدين الأصبهاني رسالة في فتح القدس، وجمع كتاباً سَمَّاهُ الفتح القسي في الفتح القدسي وهو في مجلدين ذكر فيه جميع ما جرى في هذه الواقعة.
وكان قد حضر الرشيد أبو محمد عبد الرحمن بن بدر بن الحسن بن مفرج النابلسي الشاعر المشهور هذا الفتح.
فأنشد السلطان صلاح الدين قصيدته التي أولها: هذا الذي كانت الآمال تنتظر*****فليوف لله أقوام بما نذروا
وهي طويلة تزيد على مائة بيت يمدحه ويهنيه بالفتح.
يقول بهاء الدين بن شداد في السيرة الصلاحية: نكس الصليب الذي كان على قبة الصخرة وكان شكلاً عظيماً ونصر اللهُ الإسلام على يده نصراً عزيزاً، وكان الإفرنج قد استولوا على القدس سنة 492هـ ولم يزل بأيديهم حتى استنقذه منهم صلاح الدين، وكانت قاعدة الصلح أنهم قطعوا على أنفسهم عن كل رجل عشرين ديناراً وعن كل امرأة خمسة دنانير صورية وعن كل صغير ذكر أو أنثى ديناراً واحداً فمَنْ أحضر قطيعته نجا بنفسه وإلا أخذ أسيراً وأفرج عَمَّنْ كان بالقدس من أسرى المسلمين وكانوا خلقاً عظيماً وأقام به يجمع الأموال ويفرقها على الأمراء والرجال ويحبو بها الفقهاء والعلماء والزهاد والوافدين عليه وتقدم بإيصال مَنْ قام بقطيعته إلى مأمنه وهي مدينة صور ولم يرحل عنه ومعه من المال الذي جبي له شيء وكان يقارب مائتي ألف دينار وعشرين ألفاً وكان رحيله عنه يوم الجمعة الخامس والعشرين من شعبان من سنة 583هـ.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
موضوع: رد: صلاح الدين الأيوبي الخميس 08 أبريل 2021, 1:27 am
منبر نور الدين ذكر الفتح بن علي البنداري في (سنا البرق الشامي؛ 314-315) وهو اختصار (البرق الشامي) للعماد الأصفهاني: وكان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي في عهده عرف بنور فراسته فتح البيت المقدس من بعده فأمر في حلب باتخاذ منبر للقدس تعب فيه النجارون والصناع والمهندسون فيه سنين، وأبدعوا في تركيبه الإحكام والتزيين، وبقي ذلك المنبر بجامع حلب منصوباً سيفاً في صوان الحفظ مقروباً حتى أمر السلطان في هذا الوقت بالوفاء بالنذر النوري ونقل المنبر إلى موضعه القدسي، فعرف بذلك كرامات نور الدين التي أشرف سناها بعده بسنين، وكان من المُحسنين الذين قال الله فيهم: "واللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ".
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
موضوع: رد: صلاح الدين الأيوبي الخميس 08 أبريل 2021, 1:36 am
حصار صور
يقول بن شداد: لَمَّا فتح صلاح الدين القدس حَسُنَ عنده قصد صور وعلم أنه إن أخَّرَ أمرها ربما عسر عليه فسار نحوها حتى أتى عكا فنزل عليها ونظر في أمورها ثم رحل عنها متوجهاً إلى صور في يوم الجمعة خامس شهر رمضان من السنة (583) فنزل قريباً منها وسيَّر لإحضار آلات وَلَمَّا تكاملت عنده نزل عليها في ثاني عشر الشهر المذكور وقاتلها وضايقها قتالاً عظيماً واستدعى أسطول مصر فكان يقاتلها في البر والبحر ثم سيَّر مَنْ حاصر هونين فسلّمت في الثالث والعشرين من شوال من السَّنة، ثم خرج أسطول صور في الليل فهاجم أسطول المسلمين وأخذوا المقدم والريس وخمس قطع للمسلمين وقتلوا خلقاً كثيراً من رجال المسلمين وذلك في السابع والعشرين من الشهر المذكور وعظم ذلك على السلطان وضاق صدره وكان الشتاء قد هجم وتراكمت الأمطار وامتنع الناس من القتال لكثرة الأمطار فجمع الأمراء واستشارهم فيما يفعل فأشاروا عليه بالرحيل لتستريح الرجال ويجتمعوا للقتال فرحل عنها وحملوا من آلات الحصار ما أمكن وأحرقوا الباقي الذي عجزوا عن حمله لكثرة الوحل والمطر وكان رحيله يوم الأحد ثاني ذي القعدة من السنة وتفرَّقت العساكر وأعطى كل طائفة منها دستوراً وسار كل قوم إلى بلادهم وأقام هو مع جماعة من خواصِّه بمدينة عكا إلى أن دخلت سنة 584هـ ثم نزل على كوكب في أوائل المُحَرَّم من السَّنَة ولم يبق معه من العسكر إلا القليل وكان حصناً حصيناً وفيه الرجال والأقوات فعلم أنه لا يؤخذ إلا بقتال شديد فرجع إلى دمشق، وأقام بدمشق خمسة أيام.
ثم بلغه أن الإفرنج قصدوا جبيل واغتالوها فخرج مسرعاً وكان قد سيَّر يستدعي العساكر من جميع المواضع وسار يطلب جبيل فلَمَّا عرف الإفرنج بخروجه كَفُّوا عن ذلك.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
موضوع: رد: صلاح الدين الأيوبي الخميس 08 أبريل 2021, 1:46 am
بقية فتوح الشام ------------------------------ Saladin's tomb, near Umayyad Mosque's NW corner. ------------------------------ Saladin's tomb in Damascus, Syria. قال ابن شداد في السيرة: لَمَّا كان يوم الجمعة رابع جمادى الأولى من سنة 584هـ دخل السلطان بلاد العدو على تعبية حسنة ورتَّبَ الأطلاب وسارت الميمنة أولاً ومقدمها عماد الدين زنكي والقلب في الوسط والميسرة في الأخير ومقدمها (مظفر الدين ابن زين الدين) فوصل إلى انطرسوس ضاحي نهار الأحد سادس جمادى الأولى فوقف قبالتها ينظر إليها لأن قصده كان جبلة فاستهان بأمرها وعزم على قتالها فسيَّر مَنْ رَدَّ الميمنة وأمرها بالنزول على جانب البحر والميسرة على الجانب الآخر ونزل هو موضعه والعساكر مُحدقة بها من البحر إلى البحر وهي مدينة راكبة على البحر ولها بُرجان كالقلعتين فركبوا وقاربوا البلد وزحفوا واشتد القتال وباغتوها فما استتم نصب الخيام حتى صعد المسلمون سُورها وأخذوها بالسيف وغنم المسلمون جميع مَنْ بها وما بها وأحرق البلد وأقام عليها إلى رابع عشر جمادى الأولى وسلّم أحد البرجين إلى مظفر الدين فما زال يُحاربه حتى أخربه واجتمع به ولده الملك الظاهر لأنه كان قد طلبه فجاءه في عسكر عظيم، ثم سار يريد جبلة وكان وصوله إليها في ثاني عشر جمادى الأولى وما استتم نزول العسكر عليها حتى أخذ البلد وكان فيه مسلمون مقيمون وقاض يحكم بينهم وقوتلت القلعة قتالاً شديداً ثم سلّمت بالأمان في يوم السبت تاسع عشر جمادى الأولى من السنة وأقام عليها إلى الثالث والعشرين منه، ثم سار عنها إلى اللاذقية وكان نزوله عليها يوم الخميس الرابع والعشرين من جمادى الأولى وهو بلد مليح خفيف على القلب غير مُسَوَّرٍ وله ميناء مشهور وله قلعتان متصلتان على تل يُشْرِفُ على البلد واشتد القتال إلى آخر النهار فأخذ البلد دون القلعتين وغنم الناس منه غنيمة عظيمة لأنه كان بلد التجار وجدوا في أمر القلعتين بالقتال والنقوب حتى بلغ طول النقب ستين ذراعاً وعرضه أربعة أذرع فلَمَّا رأى أهل القلعتين الغلبة لاذوا بطلب الأمان وذلك في عشية يوم الجمعة الخامس والعشرين من الشهر والتمسوا الصلح على سلامة نفوسهم وزراريهم ونسائهم وأموالهم ما خلا الذخائر والسلاح وآلات الحرب فأجابهم إلى ذلك ورفع العلم الإسلامي عليها يوم السبت وأقام عليها إلى يوم الأحد السابع والعشرين من جمادى الأولى فرحل عنها إلى صهيون فنزل عليها يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من الشهر واجتهد في القتال فأخذ البلد يوم الجمعة ثاني جمادى الآخرة ثم تقدموا إلى القلعة وصدقوا القتال فلما عاينوا الهلاك طلبوا الأمان فأجابهم إليه بحيث يؤخذ من الرجل عشرة دنانير ومن المرأة خمسة دنانير ومن كل صغير ديناران الذكر والأنثى سواء وأقام السلطان بهذه الجهة حتى أخذ عدة قلاع منها بلاطنس وغيرها من الحصون المنيعة المتعلقة بصهيون، ثم رحل عنها وأتى بكاس وهي قلعة حصينة على العاصي ولها نهر يخرج من تحتها وكان النزول عليها يوم الثلاثاء سادس جمادى الآخرة وقاتلوها قتالاً شديداً إلى يوم الجمعة تاسع الشهر ثم يسر الله فتحها عنوة فقتل أكثر من بها وأسر الباقون وغنم المسلمون جميع ما كان فيها ولها قليعة تسمى الشغر وهي في غاية المنعة يعبر إليها منها بجسر وليس عليها طريق فسلطت المناجيق عليها من جميع الجوانب ورأوا أنهم لا ناصر لهم فطلبوا الأمان وذلك يوم الثلاثاء ثالث عشر الشهر ثم سألوا المُهلة ثلاثة أيام فأمهلوا وكان تمام فتحها وصعود العلم السلطاني على قلعتها يوم الجمعة سادس عشر الشهر.
ثم سار إلى برزية وهي من الحصون المنيعة في غاية القوة يُضْرَبُ بها المثل في بلاد الإفرنج تحيط بها أودية من جميع جوانبها وعلوها خمسمائة ونيف وسبعون ذراعاً وكان نزوله عليها يوم السبت الرابع والعشرين من الشهر ثم أخذها عنوة يوم الثلاثاء السابع والعشرين منه.
ثم سار إلى دربساك فنزل عليها يوم الجمعة ثامن رجب وهي قلعة منيعة وقاتلها قتالاً شديداً ورقي العلم الإسلامي عليها يوم الجمعة الثاني والعشرين من رجب وأعطاها الأمير علم الدين سليمان بن جندر وسار عنها بكرة يوم السبت الثالث والعشرين من الشهر.
ونزل على بغراس وهي قلعة حصينة بالقرب من إنطاكية وقاتلها مقاتلة شديدة وصعد العلم الإسلامي عليها في ثاني شعبان وراسله أهل إنطاكية في طلب الصلح فصالحهم لشدة ضجر العسكر من البيكار وكان الصلح معهم لا غير على أن يطلقوا كل أسير عندهم والصلح إلى سبعة أشهر فإن جاءهم مَنْ ينصرهم وسلّمُوا البلد.
ثم رحل السلطان فسأله ولده الملك الظاهر صاحب حلب أن يجتاز به فأجابه إلى ذلك فوصل حلب في حادي عشر شعبان أقام بالقلعة ثلاثة أيام وولده يقوم بالضيافة حق القيام، وسار من حلب فاعترضه تقي الدين عمر ابن أخيه وأصعده إلى قلعة حماة وصنع له طعاماً وأحضر له سماعاً من جنس ما تعمل الصوفية وبات فيها ليلة واحدة وأعطاه جبلة واللاذقية، وسار على طريق بعلبك ودخل دمشق قبل شهر رمضان بأيام يسيرة، ثم سار في أوائل شهر رمضان يريد صفد فنزل عليها ولم يزل القتال حتى تسلّمها بالأمان في رابع عشر شوال.
ثم سار إلى كوكب وضايقوها وقاتلوها مُقاتلةً شديدةً والأمطار متواترة والوحول مُتضاعفة والرياح عاصفة والعدو متسلّط بعلو مكانه فلَمَّا تَيَقّنُوا أنهم مأخوذون طلبوا الأمان فأجابهم إليه وتسلّمها منهم في منتصف ذي القعدة من السَّنَة.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
موضوع: رد: صلاح الدين الأيوبي الخميس 08 أبريل 2021, 1:47 pm
الصليبيون في عكا ----------------------------------- The Eagle of Saladin in the Egyptian coat of arms بلغ صلاح الدين أن الإفرنج قصدوا عكا ونزلوا عليها يوم الاثنين ثالث عشر رجب سنة 585هـ فأتى عكا ودخلها بغتة لتقوى قلوب مَنْ بها واستدعى العساكر من كل ناحية فجاءته وكان العدو بمقدار ألفي فارس وثلاثين ألف راجل ثم تكاثر الإفرنج واستفحل أمرهم وأحاطوا بعكا ومنعوا مَنْ يدخل إليها ويخرج وذلك يوم الخميس فضاق صدر السلطان لذلك ثم اجتهد في فتح الطريق إليها لتستمر السابلة بالميرة والنجدة وشاور الأمراء فاتفقوا على مضايقة العدو لينفتح الطريق ففعلوا ذلك وانفتح الطريق وسلكه المسلمون ودخل السلطان عكا فأشرف على أمورها ثم جرى بين الفريقين مناوشات في عدة أيام وتَأَخَّرَ الناس إلى تل العياضية وهو مُشرف على عكا وفي هذه المنزلة تُوفِّيَ الأمير حسام الدين طمان وذلك ليلة نصف شعبان من سنة خمس وثمانين وخمسمائة وكان من الشجعان.
قال ابن شداد: سمعتُ السلطان ينشد وقد قيل له إن الوخم قد عظم بمرج عكا وإن الموت قد فشا في الطائفتين: اقتلاني ومالكا*****واقتلا مالكا معي
يريد بذلك أنه قد رضي أن يتلف إذا أتلف الله أعداءه، وهذا البيت له سبب يحتاج إلى شرح وذلك أن مالك بن الحارث المعروف بالأشتر النخعي كان من الشجعان والأبطال المشهورين وهو من خواص أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه تماسك في يوم معركة الجمل المشهورة هو وعبد الله بن الزبير بن العوام وكان أيضاً من الأبطال وابن الزبير يومئذ مع خالته عائشة أم المؤمنين وطلحة والزبير رضي الله عنهم أجمعين وكانوا يحاربون علياً رضي الله عنه فلمَّا تماسكا صار كل واحد منهما إذا قوي على صاحبه جعله تحته وركب صدره وفعلا ذلك مراراً.
وابن الزبير ينشد: اقتلاني ومالكا*****واقتلا مالكا معي
يريد الأشتر النخعي.
قال ابن شداد: ثم إن الإفرنج جاءهم الإمداد من داخل البحر واستظهروا على الجيوش الإسلامية بعكا وكان فيهم الأمير سيف الدين علي بن أحمد المعروف بالمشطوب الهكاري والأمير بهاء الدين قراقوش الخادم الصلاحي وضايقوهم أشد مضايقة إلى أن غلبوا عن حفظ البلد فلما كان يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة من سنة 587هـ خرج من عكا رجل عوام ومعه كتب من المسلمين يذكرون حالهم وما هم فيه وأنهم قد تيقنوا الهلاك ومتى أخذوا البلد عنوة ضربت رقابهم وأنهم صالحوا على أن يُسَلِّمُوا البلد وجميع ما فيه من الآلات والعدة والأسلحة والمراكب ومائتي ألف دينار وخمسمائة أسير مجاهيل ومائة أسير معينين من جهتهم وصليب الصلبوت على أن يخرجوا بأنفسهم سالمين وما معهم من الأموال والأقمشة المختصة بهم وزراريهم ونسائهم وضمنوا للمركيس لأنه كان الواسطة في هذا الأمر أربعة آلاف دينار ولَمَّا وقف السلطانُ على الكتب المُشار إليها أنكر ذلك إنكاراً عظيماً وعظم عليه هذا الأمر وجمع أهل الرأي من أكابر دولته وشاورهم فيما يصنع واضطربت آراؤه وتقسَّم فِكْرُهُ وتشوَّش حاله وعزم على أن يكتب في تلك الليلة مع العوام ويُنكر عليهم المُصالحة على هذا الوجه وهو يتردَّد في هذا فلم يشعر إلا وقد ارتفعت أعلام العدو وصلبانه وناره وشعاره على سور البلد وذلك في ظهيرة يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة من السَّنَةِ وصاح الإفرنج صيحة عظيمة واحدة وعظمت المُصيبة على المسلمين واشتد حُزنهم ووقع فيهم الصِّياحُ والعويلُ والبكاءُ والنَّحيب.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
موضوع: رد: صلاح الدين الأيوبي الخميس 08 أبريل 2021, 9:38 pm
ثم ذكر ابن شداد بعد هذا: أن الإفرنج خرجوا من عكا قاصدين عسقلان ليأخذوها وساروا على الساحل والسلطان وعساكره في قبالتهم إلى أن وصلوا إلى أرسوف فكان بينهما قتال عظيم ونال المسلمين منه وهنٌ شديدٌ ثم ساروا على تلك الهيئة تتمَّة عشر منازل من مسيرهم من عكا فأتى السلطان الرملة وأتاه مَنْ أخبره بأن القوم على عزم عمارة يافا وتقويتها بالرجال والعُدد والآلات فأحضر السلطان أرباب مشورته وشاورهم في أمر عسقلان وهل الصواب خرابها أم بقاؤها؟ فاتفقت آراؤهم أن يبقى الملك العادل في قبالة العدو ويتوجَّه هو بنفسه ويُخَرِّبُهَا خوفاً من أن يصل العدو إليها ويستولي عليها وهي عامرة ويأخذ بها القدس وتنقطع بها طريق مصر وامتنع العسكر من الدخول وخافوا مِمَّا جرى على المسلمين بعكا ورأوا أن حفظ القدس أولى فتعيَّن خرابُها من عِدَّةِ جهات وكان هذا الاجتماع يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان سنة سبع وثمانين وخمسمائة فسار إليها فجر الأربعاء ثامن عشر الشهر.
قال ابن شداد: وتحدَّث معي في معنى خرابها بعد أن تحدَّث مع ولده الملك الأفضل في أمرها أيضاً ثم قال لأن أفقد ولدي جميعهم أحَبَّ إليَّ من أن أهدم منها حجراً ولكن إذا قضى اللهُ تعالى ذلك وكان فيه مصلحة للمسلمين فما الحيلة في ذلك؟
قال: ولَمَّا اتفق الرأي على خرابها أوقع اللهُ تعالى في نفسه ذلك وأن المصلحة فيه لعجز المسلمين عن حفظها وشرع في خرابها فجر يوم الخميس التاسع عشر من شعبان من السَّنَة وقسَّم السُّور على الناس وجعل لكل أمير وطائفة من العسكر بدنة معلومة وبرجاً مُعيَّناً يُخربونه ودخل الناس البلد ووقع فيهم الضجيج والبُكاء وكان بلداً خفيفاً على القلب مُحكم الأسوار عظيم البناء مرغوباً في سكنه فَلَحِقَ الناس على خرابه حُزنٌ عظيم وعظم عويل أهل البلد عليه لفراق أوطانهم وشرعوا في بيع ما لا يقدرون على حمله فباعوا ما يساوي عشرة دراهم بدرهم واحد وباعوا اثني عشر طير دجاج بدرهم واحد واختبط البلد وخرج الناس بأهلهم وأولادهم إلى المُخَيَّم وتشتَّتُوا فذهب قومٌ منهم إلى مصر وقومٌ إلى الشام وجرت عليهم أمورٌ عظيمةٌ واجتهد السلطان وأولاده في خراب البلد كي لا يسمع العدو فيُسرع إليه ولا يُمَكَّنُ من خرابه وبات الناسُ على أصعب حال وأشد تعب مِمَّا قاسوه في خرابها وفي تلك الليلة وصل من جانب الملك العادل مَنْ أخبر أن الإفرنج تَحَدَّثُوا معه في الصُّلح وطلبوا جميع البلاد الساحلية فرأى السلطان أن ذلك مصلحة لِمَا علم من نفس الناس من الضجر من القتال وكثرة ما عليهم من الديون وكتب إليه يأذن له في ذلك وفوَّض الأمر إلى رأيه وأصبح يوم الجمعة العشرين من شعبان وهو مُصِرٌ على الخراب واستعمل الناس عليه وحثَّهم على العجلة فيه وأباحهم ما في الهري الذي كان مُدَّخَراً للميرة خوفاً من هجوم الإفرنج والعجز عن نقله وأمر بإحراق البلد فأضرمت النيران في بيوته وكان سُورها عظيماً ولم يزل الخرابُ يعمل في البلد إلى نهاية شعبان من السَّنَةِ وأصبح يوم الإثنين مُسْتَهَلُّ شهر رمضان أمر ولده الملك الأفضل أن يُباشر ذلك بنفسه وخواصه ولقد رأيته يحمل الخشب بنفسه لأجل الإحراق، وفي يوم الأربعاء ثالث شهر رمضان أتى الرملة ثم خرج إلى "اللد" وأشرف عليها وأمر بخرابها وخراب قلعة الرملة ففعل ذلك وفي يوم السبت ثالث عشر شهر رمضان تَأَخَّرَ السلطان بالعسكر إلى جهة الجبل ليتمكَّنَ الناسُ من تسيير دوابهم لإحضار ما يحتاجون إليه ودار السلطان حول النَّطرون وهي قلعةٌ منيعةٌ فأمر بتخريبها وشرع الناسُ في ذلك.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
موضوع: رد: صلاح الدين الأيوبي الخميس 08 أبريل 2021, 9:46 pm
الصلح مع الصليبيين
ثم ذكر ابن شداد بعد هذا: أن الانكتار وهو من أكابر ملوك الإفرنج سيَّر رسوله إلى الملك العادل يطلب الاجتماع به فأجابه إلى ذلك واجتمعا يوم الجمعة ثامن عشر شوال من السنة وتحادثا معظم ذلك النهار وانفصلا عن مودة أكيدة والتمس الانكتار من العادل أن يسأل السلطان أن يجتمع به فذكر العادل ذلك للسلطان فاستشار أكابر دولته في ذلك ووقع الاتفاق على أنه إذا جرى الصلح بيننا يكون الاجتماع بعد ذلك ثم وصل رسول الانكتار وقال إن الملك يقول إني أحب صداقتك ومودتك وأنت تذكر أنك أعطيت هذه البلاد الساحلية لأخيك فأريد أن تكون حكماً بيني وبينه وتقسم البلاد بيني وبينه ولا بد أن يكون لنا علقة بالقدس وأطال الحديث في ذلك فأجابه السلطان بوعد جميل وأذن له في العود في الحال وتأثر لذلك تأثراً عظيماً.
قال ابن شداد: وبعد انفصال الرسول قال لي السلطان متى صالحناهم لم تؤمن غائلتهم ولو حدث بي حادث الموت ما كانت تجتمع هذه العساكر وتقوى الإفرنج والمصلحة أن لا نزول عن الجهاد حتى نخرجهم من الساحل أو يأتينا الموت هذا كان رأيه وإنما غلب على الصلح.
قال ابن شداد: ثم تردَّدت الرُّسل بينهم في الصلح وتَمَّ الصلح بينهم يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شعبان سنة 588هـ ونادى المُنادي بانتظام الصلح وأن البلاد الإسلامية والنصرانية واحدة في الأمن والمُسالمة فمَنْ شاء من كل طائفة يتردَّد إلى بلاد الطائفة الأخرى من غير خوف ولا محذور وكان يوماً مشهوداً نال الطائفتين فيه من المَسَرَّةِ ما لا يعلمه إلا الله تعالى وقد علم الله تعالى أن الصلح لم يكن عن مرضاته وإيثاره ولكنه رأى المصلحة في الصلح لسآمة العسكر ومظاهرتهم بالمُخالفة وكان مصلحة في علم الله تعالى فإنه اتفقت وفاته بعد الصلح فلو اتفق ذلك في أثناء وقعاته كان الإسلام على خطر.
ثم أعطى للعساكر الواردة عليه من البلاد البعيدة برسم النجدة دستوراً فساروا عنه وعزم على الحج لَمَّا فرغ باله من هذه الجهة وتردَّد المسلمون إلى بلادهم وجاءوا هم إلى بلاد المسلمين وحُمِلَتْ البضائع والمتاجر إلى البلاد وحضر منهم خلقٌ كثيرٌ لزيارة القدس.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
موضوع: رد: صلاح الدين الأيوبي الخميس 08 أبريل 2021, 9:54 pm
أواخر أيام صلاح الدين بعد الصلح سنة 588هـ توجَّه السلطان إلى القدس ليتفقَّد أحوالها وتوجَّه أخوه الملك العادل إلى الكرك وابنه الملك الظاهر إلى حلب وابنه الأفضل إلى دمشق وأقام السلطان بالقدس يُقطع الناس ويعطيهم دستوراً ويتأهَّب للمسير إلى الديار المصرية وانقطع شوقه عن الحج ولم يزل كذلك إلى أن صَحَّ عنده مسير مركب الانكتار متوجهاً إلى بلاده في مُستهل شوال فعند ذلك قوي عزمه أن يدخل الساحل جريدة يتفقَّد القلاع البحرية إلى بانياس ويدخل دمشق ويقيم بها أياماً قلائل ويعود إلى القدس ومنه إلى الديار المصرية.
قال ابن شداد: وأمرني صلاح الدين بالمُقام في القدس إلى حين عوده لعمارة مارستان أنشأه به وتكميل المدرسة التي أنشأها فيه وسار منه ضاحي نهار الخميس السادس من شوال سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ولَمَّا فرغ من افتقاد أحوال القلاع وإزاحة خللها دخل دمشق بكرة الأربعاء سادس عشر شوال وفيها أولاده الملك الأفضل والملك الظاهر والملك الظافر مظفر الدين الخضر المعروف بالمشعر وأولاده الصغار وكان يُحِبُّ البلد ويؤثر الإقامة فيه على سائر البلاد وجلس للناس في بُكرة يوم الخميس السابع والعشرين منه وحضروا عندهم وبَلُّوا شوقهم منه وأنشده الشعراء ولم يتخلّف أحَدٌ عنه من الخواص والعوام وأقام ينشر جناح عدله ويهطل سحاب إنعامه وفضله ويكشف مظالم الرعايا فلَمَّا كان يوم الاثنين مستهل ذي القعدة عمل الملك الأفضل دعوة للملك الظاهر لأنه لَمَّا وصل إلى دمشق وبلغه حركة السلطان أقام بها ليتملّى بالنظر إليه ثانياً وكأن نفسه كانت قد أحسَّت بدنو أجله فودَّعه في تلك الدفعة مراراً متعدِّدة ولَمَّا عمل الملك الأفضل الدعوة أظهر فيها من الهمم العالية ما يليق بهمَّته وكأنه أراد بذلك مُجازَاتِهِ ما خدمه به حين وصل إلى بلده وحضر الدعوة المذكورة أرباب الدنيا والآخرة وسأل السلطان الحضور فحضر جبراً لقلبه وكان يوماً مشهوداً على ما بلغني.
ولَمَّا تصفَّح الملك العادل أحوال الكرك وأصلح ما قصد إصلاحه فيه سار قاصداً إلى البلاد الفراتية فوصل إلى دمشق في يوم الأربعاء سابع عشر ذي القعدة وخرج السلطان إلى لقائه وأقام يتصيَّد حوالي غباغب إلى الكسوة حتى لقيه وسارا جميعاً يتصيدان وكان دخولهما إلى دمشق آخر نهار يوم الأحد حادي عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأقام السلطان بدمشق يتصيَّد هو وأخوه وأولاده ويتفرجون في أراضي دمشق ومواطن الصبا وكأنه وجد راحة مِمَّا كان به من ملازمة التَّعب والنَّصب وسهر الليل وكان ذلك كالوداع لأولاده ومراتع نزهه ونسي عزمه إلى مصر وعرضت له أمور أخر وعزمات غير ما تقدَّم.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
موضوع: رد: صلاح الدين الأيوبي الخميس 08 أبريل 2021, 10:36 pm
وفاة صلاح الدين قبر صلاح الدين قال ابن شداد: وصلني كتاب صلاح الدين إلى القدس يستدعيني لخدمته وكان شتاءً شديداً ووحلاً عظيماً فخرجتُ من القدس في يوم الجمعة الثالث والعشرين من المُحَرَّم سنة 589هـ وكان الوصول إلى دمشق في يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر من السنة وركب السلطان لملتقى الحاج يوم الجمعة خامس عشر صفر وكان ذلك آخر ركوبه، ولَمَّا كان ليلة السبت وجد كسلاً عظيماً وما تنصف الليل حتى غشيته حمى صفراوية وكانت في باطنه أكثر منها في ظاهره وأصبح يوم السبت متكاسلاً عليه أثر الحُمَّى ولم يظهر ذلك للناس لكن حضرتُ عنده أنا والقاضي الفاضل ودخل ولده الملك الأفضل وطال جلوسنا عنده وأخذ يشكو قلقه في الليل وطاب له الحديث إلى قريب الظهر ثم انصرفنا وقلوبنا عنده فتقدم إلينا بالحضور على الطعام في خدمة ولده الملك الأفضل ولم تكن للقاضي الفاضل في ذلك عادة فانصرف ودخلت إلى الإيوان القبلي وقد مُدَّ السماط وابنه الملك الأفضل قد جلس في موضعه فانصرفتُ وما كانت لي قوة في الجلوس استيحاشاً له وبكى في ذلك اليوم جماعة تفاؤلاً لجلوس ولده في موضعه ثم أخذ المرض يتزايد من حينئذ ونحن نلازم التردُّد طرفي النهار وندخل إليه أنا والقاضي الفاضل في النهار مراراً وكان مرضه في رأسه وكان من إمارات انتهاء العُمر غيبة طبيبه الذي كان قد عرف مزاجه سفراً وحضراً ورأى الأطباء فصده ففصدوه فاشتد مرضه وقَلّتْ رطوبات بدنه وكان يغلب عليه اليبس ولم يزل المرض يتزايد حتى انتهى إلى غاية الضعف واشتد مرضه في السادس والسابع والثامن ولم يزل يتزايد ويغيب ذهنه.
ولَمَّا كان التاسع حدثت له غشية وامتنع من تناول المشروب واشتد الخوف في البلد وخاف الناس ونقلوا أقمشتهم من الأسواق وعلا الناس من الكآبة والحُزن ما لا تمكن حكايته ولَمَّا كان العاشر من مرضه حقن دفعتين وحصل من الحقن بعض الراحة وفرح الناس بذلك ثم اشتد مرضه وأيس منه الأطباء ثم شرع الملك الأفضل في تحليف الناس، ثم إنه توفي بعد صلاة الصبح من يوم الأربعاء السابع والعشرين من صفر سنة 589هـ وكان يوم موته يوماً لم يصب الإسلام والمسلمون بمثله منذ فقد الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم وغشي القلعة والملك والدنيا وحشة لا يعلمها إلا الله تعالى وبالله لقد كنت أسمع من الناس أنهم يتمنون فداء مَنْ يَعِزُّ عليهم بنفوسهم وكنت أتوهَّم أن هذا الحديث على ضرب من التجوُّز والترخُّص إلى ذلك اليوم فإني علمت من نفسي ومن غيري أنه لو قُبِلَ الفداءُ لفُدِيَ بالأنفس.
ثم جلس ولده الملك الأفضل للعزاء وغسله، وأخرج بعد صلاة الظهر رحمه الله في تابوت مُسَجىً بثوب فوط فارتفعت الأصوات عند مشاهدته وعظم الضجيج وأخذ الناس في البكاء والعويل وصلّوا عليه أرسالاً ثم أعيد إلى الدار التي في البستان وهي التي كان متمارضاً بها ودُفِنَ في الصفة الغربية منها وكان نزوله في حفرته قريباً من صلاة العصر.
وأنشد بن شداد في آخر السيرة بيت أبى تمام الطائي وهو: ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام
رحمه اللهُ تعالى وقَدَّسَ رُوحَهُ فلقد كان من محاسن الدنيا وغرائبها.
وذكر ابن شداد: أنه مات ولم يخلف في خزانته من الذهب والفضة إلا سبعة وأربعين درهماً ناصرية وجرماً واحداً ذهباً صورياً ولم يخلف ملكاً لا داراً ولا عقاراً ولا بُستاناً ولا قرية ولا مزرعة.
وفي ساعة موته كتب القاضي الفاضل إلى ولده الملك الظاهر صاحب حلب بطاقة مضمونها:
(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) - (إن زلزلة الساعة شيء عظيم) كتبت إلى مولانا السلطان الملك الظاهر أحسنَ اللهُ عزاءه وجبر مُصابه وجعل فيه الخلف في الساعة المذكورة وقد زلزل المسلمون زلزالاً شديداً وقد حفرت الدموع المحاجر وبلغت القلوب الحناجر وقد ودَّعتُ أباك ومخدومي وداعاً لا تلاقي بعده وقد قبَّلتُ وجهه عني وعنك وأسلمته إلى الله تعالى مغلوب الحيلة ضعيف القوة راضياً عن الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وبالباب من الجُنود المُجَنَّدَةِ والأسلحة المُعَدَّةِ ما لم يدفع البلاء ولا ملك يرد القضاء وتدمع العين ويخشع القلب ولا نقول إلا ما يُرْضِي الرَّبَّ وإنا عليك لمحزونون يا يوسف وأمَّا الوصايا فما تحتاج إليها والآراء فقد شغلني المُصاب عنها وأمَّا لائح الأمر فإنه إن وقع اتفاق فما عدمتم إلا شخصه الكريم وإن كان غيره فالمصائب المستقبلة أهونها موته وهو الهول العظيم والسلام.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
موضوع: رد: صلاح الدين الأيوبي الخميس 08 أبريل 2021, 10:38 pm
المصادر: • رخصة النقل غير التجارى من موقع نداء الايمان.
المراجع: للمصنفين كتب كثيرة في سيرته منها: • كتاب (الروضتين) لأبي شامة في تاريخ دولته ودولة نور الدين محمود. • كتاب (النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية) لابن شداد ويسمى سيرة صلاح الدين. • كتاب (البرق الشامي) في أخبار فتوحاته وحوادث الشام في أيامه لعماد الدين الكاتب. • (النفح القسي في الفتح القدسي) لعماد الدين أيضاً. • (صلاح الدين وعصره) لمحمد فريد أبو حديد. • (حياة صلاح الدين الأيوبي) لأحمد بيلي المصري.