"بطل معركة حطين الباسلة"
(صلاح الدين الأيوبي)
"واللَّه إني لأستحيي من اللَّه أن أضحك والمسجد الأقصى ما زال محتلًا"
(الناصر صلاح الدين).
لن أسلك مسلك أغلب الكُتَّاب في الحديث عن القائد المجاهد الناصر صلاح الدين الأيوبي، فأغلب الذين يتحدثون عن صلاح الدين الأيوبي يبدأون كلامهم بنصر حطين.
أمّا أنا فلن أكتب شيئًا على الإطلاق عن معركة حطين الخالدة، لسببين اثنين:
أما السبب الأول:
هو أن الصغير قبل الكبير بات يعرف حكاية هذه المعركة الخالدة التي حرَّر بها صلاح الدين الأيوبي القُدس من قبضة الصليبيين.
وأما السبب الثاني:
فهو أنني في هذا الكتاب لا أحاول أن أركز على ماهية النصر بقدر ما أحاول التركيز على كيفية النصر!
فالخطأ الكبير الذي وقع فيه بعض شبابنا في هذه الأيام أنهم يعتقدون أن النصر يأتي في يومٍ وليلة بمجرد حمل أحدهم للسلاح، والحقيقة التي يغفلها أولئك الشباب المساكين أن القتال العسكري ليس إلا المرحلة الأخيرة من مراحل صناعة النصر، بل إن النصر يأتي أحيانًا من دون الحاجة لحمل السلاح أصلًا! فالنصر لا يُعتبر أكثر من خطوة صغيرة في طريق طويل اسمه طريق صناعة النصر.
والمُتأمل في قصة سيدنا موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام يجد شيئًا عجيبًا للغاية، يجد أن اللَّه سبحانه وتعالى على قدر عظمته وقُدرته عندما أراد أن يُهلك فرعون، لم يُرسل مَلَكَ الموت إليه ليقبض روحه بلمح البصر، بل بدأ اللَّه سبحانه وتعالى عملية صناعة النصر بوحيٍ أوحاه إلى أم موسى، ثم بتربية موسى في بيت فرعون، ثم بهجرته إلى مدين، فرجوعه إلى مصر، ثم مناظرته لفرعون بالكلام (لا بالسلاح!).
ثم بدعوته الشَّاقة والطويلة لبني إسرائيل، ثم بخروجه بهم من مصر، ليلحقه فرعون بجيشه، ليموت فرعون غرقًا في الماء، ولينتصر موسى على فرعون من دون أي قتال على الإطلاق.
والسؤال هنا:
لماذا لم يُغرق اللَّهُ فرعونَ من بداية القصة؟
والجواب:
لكي نتعلم أنا وأنت أن طريق النصر طريق طويل، أما النصر بحد ذاته فلا يحتاج إلا إلى ثوانٍ معدودة، بل لا يحتاج أصلًا إلى جهدٍ يُذكر كما رأينا في قصة موسى!
ولعل استعجال النصر من كثير من الحركات الإِسلامية المعاصرة التي حملت السلاح، هو سبب تفككها السريع وفشلها في تحقيق أي إنجازٍ يُذكر، لا من الناحية السياسية، ولا من الناحية الدعوية، اللهم إلا أنها ألقت بأبنائها في السجون، وشوَّهت صورة الإِسلام في أعين المسلمين وغير المسلمين، من قصد أو من غير قصد!
وقبل أن نخوض في كيفية صناعة النصر على يد صلاح الدين الأيوبي، ينبغي علينا أن نأخذ لمحة بسيطة عن تاريخ الحروب الصليبية.
والحقيقة أنني أحب أن أؤرخ بداية الحروب الصليبية قبل بدايتها بشكلٍ عملي بدعوة البابا (أوربان) لقتال المسلمين من مدينة "كليرمونت" الفرنسية في الـ 27 من في نوفمبر سنة 1095م (488هـ).
بل إنني أرجع البداية الحقيقية للحروب الصليبية إلى ما قبل ذلك بكثير، بل إلى ما قبل ولادة محمد بن عبد اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبالتحديد إلى يوم 20 من مايو سنة 325م وهو اليوم الذي عُقد فيه مؤتمر "نيقية" الذي أعلن فيه الصليبيون الحرب على المسلمين بقيادة (آريوس)!
أما إذا أردنا التأريخ للحروب الصليبية بمفهومها الدارج، ففعلًا بدأت تلك الحروب من تلك المدينة الفرنسية بالتحديد (وربما يفسر هذا سبب عداء فرنسا بالذات لكل ما هو إسلامي إلى هذا اليوم!).
والمُلاحظ لهذا التاريخ الذي عُقد فيه مؤتمر "كليرمونت" يجد أنه تاريخ سبقه مرور ألف سنة كاملة على ميلاد السيد المسيح عليه السلام.
ولِمَنْ لا يعرف الكثير عن تاريخ المسيحية عليه أن يعلم أن البابوات في روما كانوا يأخذون الأموال من فقراء النصارى بعد أن أقنعوهم بأن يوم القيامة سيكون في سنة 1000م، فعندما جاءت هذه السنة لاحظ أولئك الفقراء -الذين باعوا بيوتهم وأملاكهم للكنيسة لكي يشتروا بها صُكوك الغفران- أن الأرض لم تتزلزل بهم البتة! وأن السماء لم تنشق عليهم!!
فاكتشفوا أن رجال دينهم ما هم إلا لصوص سرقوا أموالهم بالباطل، فأوهمهم الباباوات أن الأمر يتطلب بعض الوقت حتى يستعد فيها الرَّبُّ لهذه المهمة الشاقة، ولكن شيئًا لم يحدث!
وسنة بعد سنة كان بابا روما يخترع فيها كذبة جديدة، وسنة بعد سنة كان النصارى يتململون من كذب رجال دينهم، حتى جاء البابا (أوربان) بالحل، وهو أن يوجه أولئك الثوار إلى بلاد المسلمين قبل أن يثوروا على الكنيسة!
وفعلًا حدث هذا، فتوجهوا أولًا إلى (القسطنطينية) ليقتلوا إخوانهم من الأرثوذكس في أبشع مذابح شهدها الأرثوذكس في تاريخهم، ولازالت هذه المذابح هي سبب القطيعة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية إلى يوم الناس هذا (قارن ما فعله الكاثوليك بإخوتهم بالدين من قتل واغتصاب بما فعله محمد الفاتح بالأرثوذكس عند دخوله القسطنطينية من عفوٍ وتسامح!!!).
وسنة بعد سنة استطاع الصليبيون أن يستولوا على جلّ بلاد الشام، ساعدهم على ذلك تفكك العالم الإِسلامي، قبل أن يصلوا أخيرًا إلى القُدس في سنة 492هـ، وفي هذه المدينة المقدسة قتل الصليبيون الأطفال واغتصبوا النساء ومثَّلُوا بالشيوخ، وهدموا المساجد، وأحرقوا البيوت، وذبحوا الآلاف من شباب المسلمين الأبرياء.
فاحتمى المسلمون بالمسجد الأقصى ظنًا منهم أن الصليبيين لن يقتحموا الأماكن المقدسة، وهذه هي مشكلة المسلمين المزمنة: يظنون أن كل الناس لديهم نفس الأخلاق التي تعلّموها من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-!
فقد اقتحم الصليبيون المسجد الأقصى بخيولهم، فقتلوا في ليلة واحدة: 70000 مسلمٍ ما بين سيدة وقاصر وحتى طفلة!
ووصل مستوى الدَّم في الحرم القُدسي الشريف إلى رُكَبِ الخيول، فسبحت خيول الصليبيين الأنجاس بدماء أطفال المسلمين الطاهرة!!!
وفي سنة 532هـ وُلد طفلٌ كردي في مدينة "تكريت" اسمه يوسف بن أيوب، وهو نفسه الذي سيحمل لقب صلاح الدين عندما يكبر!
فنشأ ذلك الطفل تنشأةً إسلامية خالصة، ولما وصل إلى سن البلوغ، أرسله والده إلى مدرسة المدينة، فتعلم القراءة والكتابة باللغة العربية، وحفظ القرآن الكريم، حتى أصبح صلاح الدين معروفًا بين زملائه بالذكاء الشديد، وهدوء الطبع، وحبه الشديد للمطالعة ودراسة الكتب.
الشيء اللافت للنظر الذي لاحظته من خلال مطالعتي لسيرة صلاح الدين الأيوبي، أنني وجدت أن والد صلاح الدين الأيوبي كان يقص عليه قصص الأبطال والمجاهدين في أمَّة الإِسلام!
ولعل هذا ما يؤكد صدق ما كنا قد ذكرناه سابقًا بالنسبة لأهمية التاريخ في صناعة الأبطال، فلابد لنا أن نربي أطفالنا منذ الصغر على قصص العظماء في هذه الأمة، لكي يخرج لنا ألف صلاح الدين، ليعيدوا لنا مسجد هذه الأمة.
المهم أن أمير الشام لاحظ مدى شجاعة هذا الفتى، فقام بتعيينه قائدًا في جنده، فأثبت صلاح الدين الأيوبي أنه أهل لهذه الثقة، وتوالت انتصارات المسلمين على الصليبيين، غير أن المسلمين ما كانوا ينتصرون على جيوش الصليبيين حتى يعود الصليبيون من جديد أكثر تسليحًا من سابق عهدهم!
فلمّا فتش المسلمون على مصدر هذه الإمدادات الهائلة التي تأتي للصليبيين، وجدوا أنها تأتيهم من قومٍ ينتسبون إلى الإِسلام، ولكنهم يحملون في قلوبهم مرضًا لا يستطيعون التخلص منه أبدًا، مرض الخيانة!
وكأن الخيانة أصبحت عادة عند الشيعة لا يستطيعون تغييرها أبدًا، وصدق اللَّه العظيم إذ قال "أتواصوا به" أي هل أوصى كل واحدٍ منهم الآخر على نفس العمل لدرجة أصبح فيها ذلك شيئًا متكررًا في التاريخ؟!
وقد كنت أظن فيما مضى أن مشكلة الشيعة هي فقط مع عائلة بني أمية، إلا أنني تفاجأت في هذه السنة بالتحديد أن الشيعة يطلقون على صلاح الدين الأيوبي اسم خراب الدين الأيوبي!!
وواللَّه إني عاشرت العرب والعجم، الأوروبيين منهم والأمريكان، وقابلت أقوامًا من جنسياتٍ أذكر بعضها وأنسى معظمها، فما وجدت منهم إلا الاحترام الشديد لسيرة هذا البطل الإِسلامي الذي شهد العدو له قبل الصديق ببسالته وسموّ أخلاقه... إلا الشيعة!
وكأن لا همَّ لهم في الدنيا إلا الطعن في رموز هذه الأمة!!!
أمَّا نصر حطين فلم يبدأ من يوم المعركة بالتحديد، بل بدأ من اليوم الذي قرر فيه صلاح الدين الأيوبي التخلص من خيانات الشيعة المتمثلة بالدولة العبيدية (الفاطمية)، وهذا درسٌ يجب علينا أن نتعلمه من صلاح الدين إذا ما أردنا أن ننتصر كما انتصر هو على الصليبيين.
ففي عصر صلاح الدين كان الصليبيون يحتلون القُدس، وعلى الرغم من ذلك لم يحارب صلاح الدين الصليبيين أولًا، بل حارب الدولة الشيعية أولًا، وهذا شيء تكرَّر مع كل قادة المسلمين الذين صادف عصرهم ظهور عدوّين أحدهما الشيعة.
فواللَّه ما رأيت أحدهم يبدأ إلا بخونة الشيعة، وبعد ذلك ينتصر بكل سهولة على العدو الآخر، وما قصة السلطان العثماني سليم الأول رحمه اللَّه ببعيدة عنا.
عندما ترك الصليبيين البرتغاليين، ليقاتل الخونة الصفويين في إيران، فما أن دمَّر سليم الأول دولة إسماعيل الصفوي، حتى هرب الصليبيون من دون قتال، وصدق اللَّه العظيم إذ يقول في كتابه الكريم يصف المنافقين: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}!
والدولة الفاطمية الشيعية التي تشيد بها معظم مناهج التاريخ العربية للأسف، هي نفسها الدولة التي قتلت ثلث الشعب المصري بأكمله، وقصة هذه الدولة الخبيثة التي عاونت الصليبيين في الأندلس والقُدس، تعبدًا مع رجلٍ يهودي اسمه (عبيد اللَّه بن مأمون القداح).
هذا الرجل هرب إلى المغرب ليدَّعي كذبًا أنه من نسل فاطمة بنت محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، قبل أن يحتل أحد خلفائه وهو (المعز لدين اللَّه الفاطمي) مصر، ليقتل جميع علماء السُّنَّةَ فيها، وينشر الموالد والبِدع في أرضها.
ويُعلن صراحةً سَبَّ الصَّحابة في المساجد، بل وفي بعض الأحيان سَبّ الرسول الكريم!
حتى جاء ملوكٌ من بعده ليعاونوا الصليبيون في القُدس، بعد أن عاونوهم من قبل في الأندلس، حتى جاء قرار صلاح الدين الأيوبي بإزالة هذه الدولة الخبيثة من على وجه الأرض، وبعد أن تم له ذلك... أصبح نصر حطين مسألة وقت لا أكثر!
ولكن... مَنْ هو ذلك القائد التركي الذي أهدى للأمة الإِسلامية صلاح الدين الكردي؟
ولماذا يعتبره كثيرٌ من المؤرخين سادسَ الخلفاء الراشدين؟
يتبع...
يتبع إن شاء الله...