منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة الزمر الآيات من 06-10

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الزمر الآيات من 06-10 Empty
مُساهمةموضوع: سورة الزمر الآيات من 06-10   سورة الزمر الآيات من 06-10 Emptyالثلاثاء 16 فبراير 2021, 8:43 pm

خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ (٦)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

تبين الآيةُ طبيعة خَلْق الإنسان الذي أراده خليفة في الأرض، فقال: (خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) (الزمر: 6) هو آدم عليه السلام (ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا) (الزمر: 6) أي: حواء، ومنهما كانت الذرية وجاء التناسل.

وما دام الله تعالى خلق هذا المخلوق ليكون خليفةً يعمر الأرض فلابُدَّ أنْ يكونوا من جنس واحد ليتم لهم الإلْف والانسجام وتجمعهم حركة الحياة.

وإلا لو كان هذا الخليفة من أجناس متعددة، فمجموعة مثلاً من الإنس، وأخرى من الجن، وأخرى من الحيوان ما استقامتْ بهم الحياة، ولا تساندتْ حركتهم.

إذن: الجنس الواحد تتوفر فيه المودة والإلْف والمحبة والانسجام بين عناصره لأن لكل جنس قانونَهُ ونظامه والتقاءاته ومعاشرته، ولو أن الإنسان خُلِق من أجناس مختلفة لتعذَّر عليه الائتلاف واتحاد الحركة والأنس في المعيشة.

وأيضاً، فإن الخالق سبحانه خلق الإنسان من جنس واحد ليثبت التساوي في الأصل، فلا يكون لأحد مَزيّة على أحد، لأنه خلق من جنس أعلى، وإنما ليكون التفاضل والمزية بمقدار توافق هذا المخلوق مع منهج الله، وهذه القضية أوضحها النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: "لا فضلَ لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى".

والحق سبحانه يقول: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات: 13) يعني: لا فضلَ لأحدكم على الآخر إلا بحسنه فيما يستقبل عن ربه.

وإنما تأتي الألوان والأشكال مختلفة لتناسب بيئة المعيشة، فالبيئات الحارة مثلاً يميل أهلها إلى السواد، والبيئات الباردة إلى البياض، كذلك الحال في اختلاف الألسنة بحسب البيئات أيضاً.

أما الأصل فنحن جميعاً نُرَدُّ إلى آدم، وآدم خُلِق من تراب، وذريته خُلِقَتْ من بعده بالتكاثر.

حتى في الرسالة قال الله تعالى: (لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ) (التوبة: 128) يعني: ليس غريباً عنكم، وليس من جنس غير جنسكم، فلم يكُنْ من الملائكة مثلاً مع أنها أعلى درجة إلا أن الرسول الملَك لا تتحقق فيه القدوة والأسوة المرادة من الرسول، كذلك لم يأْتِ فارسياً ولا رومياً يختلف لسانه عن لسانكم، إنما جاء عربياً من أوسطكم، ومن أعظم قبائلكم.

إذن: البشر جميعاً في هذا الكون يعودون إلى نفس واحدة هي آدم عليه السلام، وقد أوضح لنا الحق سبحانه كيف خلق آدم بالشكل المعروف.

وقال سبحانه: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ) (الحجر: 29).

لكن لم يذكر شيئاً عن خلق حواء، إلا أن العلماء قالوا: خلقها الله كما خلق آدم، وقال آخرون: بل خُلِقَتْ من ضلع من أضلاع آدم، فهي مطمورة في خَلْق آدم، مما يدلُّ على أن المرأة تابعة للرجل، محجوبة فيه، حتى في مسألة الخَلْق.

وأصحاب هذا الرأي يعتمدون على معنى: (ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا) (الزمر: 6) منها أي: من جزء من أجزائه، أو من جنسه؛ لأن جعل لا تدل على اختلاف العنصر كما في قوله تعالى: (وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ) (السجدة: 9).

يعني: قطعة منا صارتْ السمع، وقطعة صارتْ البصر، وأخرى الأفئدة.

كذلك حين يتحدث القرآن عن العمل تأتي المرأة مستورة في الرجل، فيقول تعالى: (وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ) (العصر: 1-3) وفي مواضع كثيرة يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ..) (المائدة: 35) ولم يُوجِّه الخطاب إلى النسوة مباشرةً إلا في الأمور الخاصة بهن.

ثم يقول تعالى، وهو يُعدِّد بعض نِعَمه على خَلْقه: (وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ) (الزمر: 6) وسبق أن قلنا في صدر هذه السورة: إن الإنزال لا تنظر فيه إلى جهة العلو فحسب كما في إنزال المنهج والقيم، إنما ينظر أيضاً إلى المنزل سبحانه، فالإنزال يكون بمعنى الإيجاد، والأنعام من النعم الموجودة في الأرض لكنها من عند مَنْ؟

من عند الله فكأنه أنزلها، والإنزال هنا ناسبه حرف الجر (لَكُمْ) ولم يقُلْ: عليكم لأن الأنعام شيء منفصل عن الإنسان.

وقد ورد تفصيل هذه الثمانية في سورة الأنعام، ومع أن نِعَم الله علينا كثيرة إلا أنه خَصَّ هنا الأنعام بالذات، لأنها الجنسُ القريب من الإنسان من حيث الخَلْق، بعدها النبات ثم الجماد.

وكلمة الزوج.

البعض يظن أنها تعني اثنين معاً، وهذا خطأ لأن الزوج تعني: واحد ومعه مثله، ومن ذلك قوله تعالى: (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) (الذاريات: 49) ومثلها كلمة توأم.

وقوله: (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ) (الزمر: 6) معنى (خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ) (الزمر: 6) بيان لأطوار الخلق التي يمر بها الجنين في بطن أمه، فهو يتقلب في بطنها بين ماء مَهِين، يستقر في الرحم نطفة، ثم علقة ثم مضغة، ثم يتكوَّن منها العظام، ثم يكسو العظام لحماً، هذه أطوار الخَلْق المرادة في قوله تعالى: (خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ) (الزمر: 6).

قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ) (المؤمنون: 12-14).

هذه هي الأطوار التي يمرُّ بها الإنسان منذ أنْ يصلَ إلى رَحِم الأم، وهذا يعني أن هناك طَوْراً يسبق هذه الأطوار، هو طوْر التقاء عنصر الذكورة بعنصر الأنوثة، أو التقاء الحيوان المنوي بالبويضة وتلقيحها؛ لأنه لا يصل إلى الرحم إلا بويضة مُلقَّحة دخلها ميكروب الذكورة.

وفي سورة الحج بيَّن سبحانه أن المضغة منها مُخلَّقة وغير مُخلَّقة: (يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى) (الحج: 5).

فالمضغة المخلّقة هي الجزء الذي خُلِّقتْ منه الأعضاء والجوارح، وغير المخلَّقة هي الجزء الذي استقر في الجسم بدون تخليق ليظل احتياطياً للجسم، وكأنه (رِيِزْرف) أو صيدلية صيانة، فإذا ما حدث في الجسم عطب قامتْ المضغة غير المخلَّقة بإصلاحه، كما نرى مثلاً في الجروح، فالجرح بعد فترة يندمل وتبني فيه أنسجته حتى تعودَ كما كانت، من أين؟

من المضغة غير المخلَّقة.

والعجيب أن الجسم حين تتركه على طبيعته ولا تتدخّل في الجرح بمواد كيماوية يلتئم ويعود دون أنْ يتركَ أثراً، إنما حين نتدخل بأدوية ومواد كيماوية لابُدَّ أنْ تؤثر على الخلايا والأنسجة، وتترك فيها أثراً.

لذلك أثبت العلم أن في الإنسان مخزنين للقوت، مخزناً لقوته اليومي، ومخزناً آخر احتياطياً، نأخذ منه القوت حين ينفد ما في المخزن الأول، لأن الإنسان يأكل على قَدْر الطاقة ثم يزيد عليها، فتتحول هذه الزيادةُ إلى دهون في الجسم، وحين يجوع الإنسانُ أو يعطش يستمد قوته من الدهن الموجود في جسمه، ومن العجيب أن هذه المادة الدهنية تتحول إلى أيِّ مادة يحتاجها الجسم.

ولوجود هذا المخزن رأينا الإنسانَ يصبر على الجوع شهراً، في حين لا يصبر على العطش أكثر من عشرة أيام..

لماذا؟

لأنه حين يجوع ولا يجد طعاماً يستمد طعامه من المخزون الاحتياطي في جسمه.

فقوله تعالى: (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ) (الزمر: 6) أي: الخلق الثاني، فالخَلْق الأول خلق آدم عليه السلام من تراب، وقد أخبرنا الله به، لأن أحداً لم يره، كما قال سبحانه: (مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً) (الكهف: 51).

فإذا طلع علينا مَنْ يقول إن الإنسان أصله قرد تطوَّر إلى إنسان نعلم أنه من المضلِّين الذين أخبرنا الله عنهم، ولابُدَّ أن نعلم كذبه، والرد على هذا الهراء ميسور، لأن الإنسان إنْ كان متطوراً عن قرد، فلماذا لم تتطور باقي القرود؟

ولماذا على مَرِّ التاريخ كله لم نَرَ قرداً تطور وارتقى حتى إلى ما يقرب من الإنسان.

إذن: هذا كذب وباطل، لأن الخالق سبحانه خلق الأجناس كلها، وجعل من كُلٍّ زوجين اثنين، يتم التكاثر وليتم الانفصال، قال تعالى: (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الذاريات: 49).

وقوله سبحانه: (فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ) (الزمر: 6) بيان للقرار المكين الذي يستقر فيه الإنسان في بطن أمه، قال تعالى: (فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ) (المرسلات: 21-22) والمكين هو المستقرّ في المكان، فبطن الأم مكان، والجنين في البطن مكين.

ولما تكلم العلماء في معنى الظلمات الثلاث قالوا: هي: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة.

وكلمة الظلمة نفهم منها عدة أمور.

أولاً: الظلمة تعني عدم وجود النور، وهي مرتبطة بالليل.

ثانياً: الليل دائماً رطب عن النهار؛ لأن النهار فيه حرارةُ الشمس وحرارةُ الأنفاس الناشئة عن الحركة، أما الأنفاس في الليل فهادئة، لأنها لمجرد استبقاء الحياة، وليست ناشئة عن حركة العمل والجهد المبذول.

ثالثاً: كذلك في الظلمة سكون، وهدوء لا يتوفر في النهار.

إذن: في الظلمة عدم نور، وفيها برودة، وفيها سكون، وهذه الأمور الثلاثة ضرورية لنمو الجنين، وتكوُّن أعضائه في بطن أمه، لأنه في بطن أمه خلْقٌ ضعيف غير مكتمل الأعضاء والجوارح، لا يَقْوى على تحمُّل الحرارة، ولا تحمُّل الضوء، ولا تحمُّل الأصوات المزعجة، لذلك جعل له الخالق سبحانه عوازلَ تقيه هذه الأشياء، لذلك قال سبحانه: (فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ) (الزمر: 6).

والأقرب للصواب أن هذه الظلمات الثلاثة في الرحم وليس منها ظلمة البطن؛ لأن الحق سبحانه يُحدِّثنا عن القرار المكين الخاص بالجنين، فيقول: (فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ) (الزمر: 6) بيان للظرف العام الذي يقع فيه الظرف الخاص بالجنين وهو الرحم، فالبطن ظرف كبير يحوي الرحم والأمعاء والمعدة والكبد والطحال والبنكرياس.. إلخ لذلك حدد الظرف الخاص بالجنين فقال بعدها: (فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ) (الزمر: 6).

إذن: الظلمات الثلاث عبارة عن عوازل وأغشية تحمي الطفل، وكلها داخل الرحم، وإذا كان الإنسان المكتمل الناضج تزعجه الأصوات، وربما أتلفت طبلة أذنه مثلاً، وتؤذيه الأضواء العالية، حتى لا يَقْوى نظره على مواجهتها، فهل يطيق الجنين مثل هذه الأشياء، وهو لم تكتمل أعضاؤه بعد؟

ومعلوم أن الطفل يُولد بجلد رقيق لا يتحمل الحرارة، ويُولد ولم تكتمل فيه بعض الأعضاء والجوارح، فالجهاز العصبي مثلاً لا يكتمل إلا بعد عدة سنوات، والجهاز العقلي لا ينضج إلا بعد سِنِّ البلوغ، والعين لا تؤدي مهمتها في الرؤية إلا بعد ثلاثة أيام.

فالجنين يحتاج إلى حماية؛ لذلك جعله الله في ظرف داخل ظرف داخل ظرف، كما أنك تجعل أوراقك المهمة مثلاً في ملف، والملف في الخزينة، والخزينة في غرفة، فقوله (فِي) دليل على العناية بهذا المخلوق، وتوفير ما يناسبه من الظروف المحيطة به.

وقوله سبحانه: (ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ) (الزمر: 6) كلمة (ذَٰلِكُمُ) (الزمر: 6) عبارة عن اسم الإشارة (ذا) وضمير المخاطبين، والإشارة هنا للحق -تبارك و تعالى- فلو أشرتَ لخطاب المفرد تقول: ذلك، وللمثنى ذلكما كما في: (ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيۤ) (يوسف: 37) ولجمع المذكر (ذلِكُم) ولجمع المؤنث (ذلِكُنَّ) كما في: (فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) (يوسف: 32).

وجاءت هذه الإشارة إلى الحق سبحانه بعد أنْ تكلم عن بعض أسراره في خَلْق الإنسان، وعن الظلمات الثلاث في رحم الأم، وكلها في مجال الخَلْق والتربية والتكوين الأول للإنسان، وهذه المسألة يناسبها صفة الربوبية التي تتولى الخَلْق والتربية، فالربُّ هو الخالق وهو المربّي، أما كلمة الله فهي للألوهية، والألوهية تكليف، لأن الله يعني المعبود بطاعة أوامره واجتناب نواهيه، والجنين في بطن الأم بعيد عن مسألة التكليف، فلماذا اختار هنا وفي هذا المقام لفظ الألوهية (الله) فقال: (ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ) (الزمر: 6).

ولم يقل: ذلكم ربكم الله - كما يقول بعض المستشرقين؟

قالوا: لنفهم أنه سبحانه لا يخلقنا ولا يربينا لنكون مثل الدواب في الكون، إنما يخلقنا ويُربينا لهدف ولمنهج تكليفي نسير عليه؛ ذلك ليجعلنا نأنس بكلمة الله قبل كلمة رب، وفي هذا إشارة إلى أن الهدفَ من التكليف صلاح المجتمع وصلاحكم فيما بينكم، فالخالق سبحانه لم يخلقنا عبثاً ولم يتركنا هَمَلاً وخلْقاً ضائعاً لا هدفَ له.

لذلك في صدر سورة الرحمن يُبيِّن الحق سبحانه أن تعليمَ المنهج قبل تكوين الخَلْق، وأن الخَلْق لا يُعَدُّ نعمة إلا إذا تَمَّ في ظل منهج الخالق، فصاحب الصنعة لابُدَّ أنْ يحدد مهمتها قبل أنْ يصنعها، قال تعالى: (ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ * خَلَقَ ٱلإِنسَانَ * عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ) (الرحمن: 1-4).

وقوله تعالى: (لَهُ ٱلْمُلْكُ) (الزمر: 6) مادة (ملك) منها المُلك والملك والملكوت: المِلْك بالكسر هو ما تملكه ولو كان يسيراً، والمُلْك بالضم أنْ تملك مَنْ يملك، والمِلك والمُلك في عالم المشاهدة، أما الملكوت فهو ما لا نشاهده من مُلْك الله، ولا يُطلع الله عليه إلا مَنْ اصطفاه من أنبيائه ورسله وأهل طاعته ممَّنْ صفَتْ فطرتهم الإيمانية وسَلِمَ لهم جهاز الاستقبال عن الله، هؤلاء يُطلِعهم الله على بعض ملكوته، لذلك لما وفَّى سيدنا إبراهيم وأذعن لأمر ربه أراه هذا الملكوت: (وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ..) (الأنعام: 75).

ومثل مُلك وملكوت نقول: رحمة ورحموت، ورهبة ورهبوت.

ومعنى (لَهُ ٱلْمُلْكُ..) (الزمر: 6) يعني: إنْ كنتم قد شهدتم مُلْكاً واسعاً فاعلموا أنه لمن خلقكم، ومن العجيب أنه مخلوق من أجلكم أنتم وقد خلقه الله لكم قبل أنْ يخلقكم؛ لأن الإنسان الأول طرأ على كَوْن مُعَدٍّ لاستقباله بكل ما يلزمه من مُقوِّمات الحياة بدايةً من الأرض والسماء والشمس والقمر والنجوم إلى أصغر شيء في الكون.

وقوله بعدها: (لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ..) (الزمر: 6) يعني: أن هذا الخَلْق العجيب لله وحده ولم يَدَّعه أحد لنفسه، وما دام أن أحداً لم يدَّع الخَلْقَ لنفسه فليس لأحد أنْ يدَّعي أنه واضح المنهج الذي يعيش به الإنسانُ في الكون؛ لأن الذي خلق هو الذي يضع المنهج، والذي صنع هو الذي يضع قانون الصيانة لصنعته.

(فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ) (الزمر: 6) أي: كيف تنصرفون عن عبادة الله الخالق إلى عبادة غيره ممن ليس لهم من الخَلْق شيء؟

كيف تنصرفون عن ربٍّ خلق وربَّى ولا يزال فلم يتركنا ولم يسلم خَلْقه لأحد غيره، وليس عنده استعداد لأنْ يسلمه أبداً.



سورة الزمر الآيات من 06-10 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الزمر الآيات من 06-10 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الزمر الآيات من 06-10   سورة الزمر الآيات من 06-10 Emptyالثلاثاء 16 فبراير 2021, 8:44 pm

إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٧)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

بعد أنْ حَنَّنَ الحق سبحانه الخَلْق بذكر الربوبية التي خلقت وربتْ، وأمرتْ، وبذكر الألوهية التي ضمنتْ صلاح البلاد والعباد، بيَّن سبحانه أنه الغني عن خَلْقه، فقال تعالى: (إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ) (الزمر: 7) يعني: غني عن إيمانكم ولا تنفعه طاعاتكم.

فهو سبحانه جعل التكاليف لصلاح حالكم لا لمنفعة تعود عليه سبحانه، فأنتم خَلْقه وصَنْعته، والصانع يريد أنْ يرى صنعته على أحسن حال، يرى العبد المؤمن في المجتمع المؤمن الذي تتساند حركته لا تتعاند، وتتفق توجهاته لا تتضارب، الخالق سبحانه لا يحب أنْ يرى خَلْقه يتصارعون، واحد يبني والآخر يهدم.

إذن: هذا هو الهدف من الخَلْق ومن المنهج؛ لأن الله تعالى بصفات الكمال فيه خلق الخَلْق، ولم يُزدْه الخَلْق صفة واحدة لم تكُن له من قبل، إذن: لا حاجة له إليكم.

إنما أنتم صنعته ويريد لكم الخير؛ لذلك لما عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبيْنَ أنْ يحملْنها وأشفقْنَ منها، وحملها الإنسان، إنه كان ظلوماً جَهُولاً.

وإباء السماوات والأرض والجبال ليس امتناعاً على الله، ولا اعتراضاً إنما تسليم؛ لأن الله خيَّرهم فاختاروا أنْ يكونوا مُسيَّرين.

لكن الإنسان قَبِلها فحكم الله عليه بأنه كان ظلوماً وجهولاً، لكن كيف يُوصَف مَنْ قَبِلَ كلام الله بأنه ظلوم وجهول؟

قالوا: لأنه ظلم نفسه وجهل ما يكون منه، لأنه مخلوق مختار له أنْ يؤمن، وله أنْ يكفر، وله أنْ يطيعَ وأنْ يعصي، ولما عُرِضَتْ عليه الأمانة قبلها؛ لأن الله هو الذي خيَّره.

ووثق بنفسه وقدرته على الأداء، لكنه جهل ما يطرأ عليه وما يجدّ من أحداث وأهواء، فظلم نفسه عند التحمُّل وجهل بوقت الأداء، وأسرع في وقت الرضا والقبول، وكان ينبغي عليه أنْ يحسب حسابَ الإنجاز والأداء.

وفَرْق بين التحمُّل والأداء في مسألة الأمانة، لأن الأمانة موكولة إلى ذمة المؤتمن، ولو كتب بها (إيصالاً) أو كان عليها شهود ما سُمِّيتْ أمانة، والإنسان عادة يُقبل على تحمُّل الأمانة وفي نيته أداؤها، كما لو أنك أعطيتَ صديقاً لك مبلغاً من المال يحفظه لك، لحين عودتك من السفر مثلاً، فتراه يرحب ويقبل لكن تعِنّ له ظروف، وتمتد يده إلى هذا المال، وربما جئت فلم تجده، وعندها إما ينكر أو يماطل.

إذن: ظلم نفسه، وجهل وقت الأداء، وجهل أنه ابنُ أغيار، ونفسه متغيرة، أما السماوات والأرض والجبال لما خُيِّرتْ اختارت أنْ تكونَ مُسيَّرة، لا دخْلَ لها بهذه المسألة فاخذت الأمر من قصيره.

ومعنى قوله تعالى: (إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ) (الزمر: 7) واضح في الحديث القدسي: "يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتْقَى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً. ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد، وسألني كل واحد مسألته فأعطيتها له ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخِيْطَ إذا أُدخل البحر، ذلك أنِّي جَوَاد ماجد واجد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردته أنْ أقول له كُنْ فيكون".

وقوله سبحانه: (وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ) (الزمر: 7) دليل على محبته سبحانه لخَلْقه، فكأنه تعالى يقول: أنا غني عنكم، لكن لا أحب أنْ تكونوا كافرين؛ لأنني أريد أن أباهي بكم ملائكتي الذين قالوا عنكم: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) (البقرة: 30).

وورد أن الحق سبحانه يقول لملائكته: أعلمتم أن عبيدي أطاعوني؟

فيقولون: أطاعوك لنعمتك عليهم، فقال: ولو سلبتُ نعمتي لأطاعوني.

لذلك يُمرضهم ويطيعونه، ويُفقرهم ويطيعونه، ويهزمهم ويطيعونه، وينصرهم ويطيعونه.

إذن: عبادي يطيعونني لذاتي؛ لأني أستحق أنْ أُحبّ، وأنْ أُطاع بصرف النظر عن نعمي عليهم.

لذلك يقول الحق سبحانه عتاباً للخَلْق الذين يعبدونه خوفاً من ناره، أو طمعاً في جنته: أو لو لم أخلق جنة وناراً أما كنتُ أهلاً لأنْ أُعبد؟

وضربنا مثلاً بالرجل الذي يعمل معه خادم يخدمه مقابل مائة جنيه في الشهر، لكن ضاقتْ حالُ هذا الرجل وأصبحتْ لا تتسع لهذا المبلغ، فقال لخادمه: والله أنا لم أَعُدْ قادراً على دفع هذا المبلغ، ولا أقدر إلا على خمسين جنيهاً، فانظر أنت في أمرك أو ابحث لك عن فرصة عمل أخرى، فقال الخادم: أنا موافق على الخمسين، لكن اشتدتْ الحالُ بالرجل مرة أخرى، حتى أنه لم يَعُدْ قادراً على دَفْع أكثر من عشرين جنيهاً، فرضى بها خادمه ثم عشرة فرضى بها، إلى أنْ قال له: والله حالك معي جعلك تستحق أنْ تُخدم، ولو بلا أجر، هكذا أَمْر الله معنا.

فالحق سبحانه لا يرضى لعباده الكفر لأنهم خَلْقه وصَنْعته، وهو سبحانه حريص على ما يُصلحهم، حريص على أنْ يكونوا مؤمنين لتستقيم أمورهم، وتمتد نِعَمه عليهم من الدنيا إلى الآخرة، فكما أنعم عليهم في الدنيا بِنعم موقوتة يريد أنْ يُنعم عليهم في الآخرة ونِعَم الآخرة باقية خالدة.

لذلك ورد في الحديث القدسي: "قالت الأرض: يا رب ائذن لي أنْ أخسف بابن آدم، فقد طِعَم خيرَكَ، ومنع شكرك، وقالت السماءُ: يا ربّ ائذن لي أنْ أسقط كِسَفاً على ابن آدم، فقد طَعِم خيرك ومنع شكرك إلى أنْ قال الحق سبحانه لهذه المخلوقات التي أظهرت غيرتها على ربها عز وجل: دَعُوني وخَلْقي، لو خلقتموهم لرحمتموهم، إنْ تابوا إليَّ فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم".

(وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ) (الزمر: 7) فإن تشكروا يرضى لكم الشكر، ويعجبه منكم، ويحبه لكم، ويجزيكم عليه خيراً، وإنما رضي لهم سبحانه الشكر لأنه سبب سعادتهم في الدنيا والآخرة، كما قال سبحانه: (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ..) (إبراهيم: 7)، فالشكر على النعمة يعطينا مزيداً من النعمة، فنشكر عليها فتعطينا المزيد، وهكذا يظل الشكر دائماً والنعمة دائمة.

وقوله: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ) (الزمر: 7) أي: لا تحمل نفسٌ مذنبةٌ ذنوبَ نفسٍ أخرى، يعني: سأكون عادلاً بألاَّ أحمل أحداً ذنب غيره، فكلّ مُعلّق من عرقوبه.

وهذه الآية وقف عندها بعض المستشرقين يقول: إنها تتعارض وقوله تعالى: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ) (العنكبوت: 13) نعم ظاهر الآيتين التعارض، لكن أنت لم تفهم مَناط الوِزر.

فالقاعدة العامة أنه لا يحمل أحدٌ ذنبَ أحد، أما هؤلاء فيحملون أوزارهم وأوزار الآخرين، لأن الآية هنا تتحدث عن رؤوس الضلال وقادة الكفر الذين ضَلوا في أنفسهم، وأضلّوا غيرهم، فالوزر الأول وزْر ضلالهم في أنفسهم وأوزار الآخرين الذين أضلوهم وأغووهم وزينوا لهم الضلال.

إذن: فالمعنى مختلف.

(ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُـمْ) (الزمر: 7) يعني: إنْ كنتُ قد بدأتُ خَلْقكم بالإكرام لكم، وقابلتم هذا الإكرام بالجحود، ولم تؤدوا حَقّه بالإيمان بي والطاعة لمنهجي، فاعلموا أنكم سترجعون إليَّ ولن تفلتوا مني (فَيُنَبِّئُكُـمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (الزمر: 7) أي: يخبركم بما كان منكم.

(إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ) (الزمر: 7) إذن: تذكروا دائماً هذه المسألة، واحسبوا حسابها قبل فوات الأوان.

وهذه الآية تحذير من الحق سبحانه، وبيان للعقوبة من شأنه أنْ يردع الناسَ عن الجرائم، فلا تقع ولا تحدث العقوبة أصلاً، وهذا من رحمة الخالق بالخَلْق، فهو سبحانه يريد لهم الخير، ويريد لهم أنْ ينعموا بنعمه في الآخرة، كما نَعِموا بنعمه في الدنيا.



سورة الزمر الآيات من 06-10 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الزمر الآيات من 06-10 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الزمر الآيات من 06-10   سورة الزمر الآيات من 06-10 Emptyالثلاثاء 16 فبراير 2021, 8:46 pm

وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (٨)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

(الضُّر) هو ما يُخرِج الإنسان عن سلامته في نفسه، أو فيمَنْ يعول أو فيما يملك، والإنسان حينما يصيبه الضُّر يُفقِده ركيزة التعالي، و (العنطزة) ؛ لأنه لا يسلِّم نفسه بلا ثمن، ويعرف أنه لا أحدَ يرفع عنه ضُرَّه إلا الله، فيتوجه إليه وحده ولا يغشَّ نفسه.

وقد أوضحنا هذه المسألة بحلاق الصحة زمان، وكان يقوم بدور الطبيب في البلدة، فلما انتشر التعليم وتخرَّج بعض الأطباء من كلية الطب خاف صاحبنا على (أكل عيشه)، وخاف أنْ يسحب هؤلاء البساطَ من تحت قدميه؛ فراح الحلاق يُهوِّن من شأن الطبيب الجديد الذي عُيِّن في البلدة يقول: إنه لا يعرف شيئاً وو، يريد أنْ يصرف الناسَ عنه، لكن لما مرض ولده ماذا فعل؟

هل غَشّ نفسه؟

لا بل (لفَّ) الولد بالليل، وأخذه إلى الطبيب الذي طالما تكلم في حقه وقلَّل من قدراته أمام الناس، أما الآن والمريض ولده فإنه يعود إلى الحق ولا يخدع نفسه.

كذلك الإنسان إذا مسَّه الضر وعزَّتْ عليه أسبابه لا يلجأ إلا إلى ربه بعد أنْ انهدَّتْ فيه حيثية: (كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ) (العلق: 6-7) وبعد أنْ سقط عنه قناع التعالي والغطرسة.

وقلنا: إن هذه القضية يستطيع كلٌّ منّا أن يلمسها في نفسه فأنت مثلاً تعطي ولدك مصروفه كل يوم عندما يذهب إلى المدرسة، وفي يوم ما نسيت تعطيه المصروف، ماذا يفعل؟

يتعرَّض هو لك ويحاول أنْ يمر من أمامك وكأنه يُذكِّرك بما نسيته، فيسلم عليك أو يقول: أنا رايح المدرسة يا بابا، ولو أنك تعطيه مصروفه كل شهر ما فعل ذلك طوال التسعة وعشرين يوماً، نعم: (كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ) (العلق: 6-7).

فالإنسان ساعةَ يصيبه الضر، وهو يعلم أن الضر لا يرفعه إلا الله، ولا يصرفه إلا خالق السماوات والأرض، فإنه لا يتوجه إلا إليه، لمن تعتقد مواجيده أنه قادر على رَفْع هذا الضر، حتى لو كان كافراً بالله، غيرَ مؤمن به فإنه إذا مسَّه الضر يقول: يا رب، والعجيب أن الله يقبله ويغيثه ولا يرده: (أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ) (النمل: 62).

ويكفيك أنك لم تجد إلا أنا ولا تقول إلا يا رب.

لذلك قال سبحانه: (وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ) (الإسراء: 67) يعني: إنْ دعوتَ غير الله لا يستطيع الوصول، ويضل الطريق إليك، ولا يجيبك إلا الله.

ومعنى (مُنِيباً إِلَيْهِ) (الزمر: راجعاً إليه (ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ) (الزمر: يعني: أعطاه (نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ) (الزمر: أثار العلماءُ ضجة ومعركة حول الاسم الموصول (ما) هنا وقالوا: لماذا لم يقل نسي مَنْ لأن مَنْ تدل على العاقل، أما (مَا) فلغير العاقل، على معنى أن (مَا) هنا تعود إلى الله تعالى ونقول: القرآن يسير على غير هذا، واقرأ: (قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ) (الكافرون: 1-3) فـ (ما) أطلقت على الله تعالى.

إذن: (ما) هنا في معناها الصحيح، وإنْ غابت عنكم حكمة ذلك، نعم مَنْ للعاقل، وما لغير العاقل، لكن الحق سبحانه لم يصف نفسه بالعقل؛ لأن العقل صفتك أنت، فجاء بالصفة التي لا تمنع عدم وجود العقل، ولو قال مَنْ لأدخل الحق سبحانه فيمن يعقل، وهو سبحانه لم يصِف نفسه بأنه عاقل، إنما عالم وعلاَّم.

ويمكن تفادي هذا الإشكال لو وجَّهنا (ما) توجيهاً آخر، فيكون المعنى: نسي الضر الذي كان سبباً في رجوعه إلى الله، لا نسي مَنْ أنقذه، وكشف عنه ضُرَّه، وتكون مَا بمعناها اللغوي لغير العاقل.

وقوله: (وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ) (الزمر: أنداد: جمع ند، وهو الشبيه أو المثيل والنظير، وهؤلاء الكفار رجعوا لله تعالى أنداداً مع علمهم أنه الإله الحق سبحانه، ومع علمهم أنه ضَلَّ مَنْ تدعون إلا إياه، ليرضوا في أنفسهم مواجيد الفطرة الإيمانية، فالواحد منهم يريد أنْ يكون له إله يعبده، لكن إله على هواه، إله ليس له تكاليف، وليس في عبادته مشقة على النفس، إله بلا منهج: لا افعل، ولا لا تفعل.

وقوله (لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ) (الزمر: البعض قرأها بالفتح (ليَضل) ونقول: هو لم يفعل ذلك إلا لأنه ضَالٌّ في نفسه، فالأقرب بالضم (ليُضل) أي: يُضل غيره.         

ثم يقول سبحانه (قُل) أي: رُدَّ يا محمد.

وقُلْ: (تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ) (الزمر: لكن ما وجه التمتُّع بالكفر؟

قلنا: أن يعبدَ إلهاً بلا منهج وبلا تكاليف، إلهاً لا يمنعه من شُرْب الخمر ولا يقيد شهوات نفسه إلهاً لا يأمره بالصدق ولا بالأمانة.. إلخ بل يتركه يربع في الكون يتمتع به كما يشاء.

وقال: (قَلِيلاً) (الزمر: لأن التمتُّع هنا موقوت بالدنيا ومدة بقائه فيها، وقلنا: إن الدنيا بالنسبة للإنسان هي مدة بقائه فيها لا مدتها منذ خَلْق آدم إلى قيام الساعة.

وكلمة (مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ) (الزمر: الصحبة هنا تدل على التعارف والمودة الحميمة بين النار وأهلها؛ لذلك يقول تعالى في خطاب النار: (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ) (ق: 30) يعني: هاتوا أحبابي وأصحابي، وإليَّ بالمزيد منهم.

ثم يقول الحق سبحانه: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ...).



سورة الزمر الآيات من 06-10 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الزمر الآيات من 06-10 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الزمر الآيات من 06-10   سورة الزمر الآيات من 06-10 Emptyالثلاثاء 16 فبراير 2021, 8:47 pm

أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (٩)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

كلمة (أم) تفيد التخيير بين أمرين، تقول هذا أم هذا، فلا بُدّ أن يكون لها مقابل، فما مقابل (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ..) (الزمر: 9) المقابل لذلك في قوله تعالى قبلها: (وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ..) (الزمر: 8).

فالمعنى أيهما أحسن من صفته إذا مسَّه الضر يضرع إلى الله، فإذا كشف عنه الضر جعل لله أنداداً، أمَّن هو قانتٌ آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة، ويرجو رحمة ربه.

ومعنى: (قَانِتٌ..) (الزمر: 9) دائم الخضوع والعبادة (آنَاءَ) جمع (إنْو) مثل حِمْل وأحمال، فكلمة (إنْو) أي: جزء من الليل، وهي من حيث التصريف أأْناو وقُلِبتْ الهمزة إلى مَدٍّ والواو إلى همزة لأنها وقعتْ بعد الألف الزائدة، فصارت (آناء).

وقوله: (يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ) (الزمر: 9) يعني: يخاف منها ومن القهر فيها (وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ) (الزمر: 9) لأن رحمته سبقت غضبه، لم يقل يأمن مقابل يحذر إنما ذكر أولاً ما يُخوِّف من الآخرة إنْ عصى، والمراد يحذر النار في الآخرة، لكن لما تكلَّم عن رحمة الله جعلها مباشرة، فقال (وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ) (الزمر: 9) ولم يقل: ويرجو الجنة.

والمؤمن حين يرجو لا يرجو عمله وسَعْيه في الدنيا، إنما يرجو وينتظر رحمة الله، لأنه لا ينجو بعمله، لأن أيَّ إنسان مهما كان صالحاً حين تحاسبه حساباً دقيقاً لابُدَّ أنْ يخرج بذنوب وإدانة.

إذن: فالكفيل فينا جميعاً والذي يسعنا رحمة الله، كما جاء في الحديث الشريف: "لا يدخل أحدٌ الجنة بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسولَ الله؟ قال: ولا أنا إلا أنْ يتغمدني الله برحمته".

فإياك إذن أنْ تغترَّ بعملك، لأن التكاليف كلها لصالحك أنت، ولا يعود على الله منها شيء، فحين يجازيك عليها في الآخرة فهو تفضُّل من الله ونعمة.

ثم يقول سبحانه: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) (الزمر: 9) بعد أن عقد الحق سبحانه مقارنة بين الإنسان إذا مسَّه ضُر دعا ربه منيباً إليه، ثم إذا خوَّله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل، ومَنْ هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذَرُ الآخرة ويرجو رحمة ربه.

أراد سبحانه أن يؤكد هذا المعنى، وأنْ يبين لنا أن أصحاب العلم الحقيقي لا يستوون، وأصحاب العلم غير الحقيقي (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) (الزمر: 9) فالذي رجع إلى الكفر بعد أنْ كشف الله عنه ضُره لم يعلم العلم الحقيقي، لأنه لو علمه ما رجع إلى الكفر ولاستقلَّ المطلوب منه في الدنيا إذا قارنه بما أعدّ له من جزاء في الآخرة.

أما الذي هو قانِتٌ آناءَ الليل ساجداً وقائماً، يحذَرُ الآخرة، ويرجو رحمة ربه، فقد علم العلم الحقيقي، فالقنوت بالليل فيه مسائل كثيرة: أولاً: أنه أبعد عن الرياء والسمعة، ثانياً: أن كل جوارحه تفرغتْ للقاء ربه، فالعين مثلاً في ظلمة الليل تستريح من المرائي التي تشغل الإنسان وتأخذ انتباهه؛ لأن كل مرءَى يأخذ جزءاً من خواطرك، فهذا راح وهذا جاء وهذا قال وهذا..

أما الليل فسكونٌ لا انشغال فيه، فالجوارح كلها خالصة لوجه الله، لا تشغلها المرائي والأصوات.

وهذا الجو يوفر لك وقفة حقيقية وخاشعة بين يدي الله.

وفي القنوت تترك النوم وتحرم نفسك راحتها، لتقوم بين يدَيْ ربك ساجداً أو قائماً.

لذلك يقول الشاعر:
خَلوْتُ إلى رَبِّي فَهِمْتُ بِقُرْبه وَصِرْتُ خَفِيفَ النفْسِ كَأنِّي بِلاَ جسْمِ تَلوْتُ كِتابَ الله فيا نعمَ
ما عُوِّضْتُ مِنْ نعمةِ النَّوْمِ تَمنَّيتُ ليْلي أنْ يطُولَ لأنتهي إلى السِّين مِنْ والنّاسِ موصُولة باسْمِ

هذه صفة أهل القنوت الذين يقضون الليل في مناجاة ربهم، وهذا هو حال المرتحل في كتاب الله الذي لا ينتهي إلى السين من والناس حتى يبدأ في بسم الله الرحمن الرحيم في أوله؛ لذلك سبق أنْ قُلْنا: إن القرآن كله مبني على الوصْل، لا على الوقف.

فهل يستوي مَنْ هذا حاله مع مَنْ كفر بالله؟

هذا علم وعمل، ولذلك لم يعلم أو علم ولم يُوظِّف علمه فيما ينفعه.

ثم إن العبد حينما يعلم ويعمل بعلمه يُفيض الله عليه بالمزيد، فيعطيه علمَ المكاشفة، وعلمَ الفيض، رحمةً منه سبحانه وفضلاً، كما رأينا في قصة العبد الصالح الذي صاحبه سيدنا موسى -عليه السلام- قال تعالى في شأنه: (آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً) (الكهف: 65) كذلك الرحمة هنا في (وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ) (الزمر: 9) أي: الفيوضات الخاصة التي يفيض الله بها على مَنْ ظل في معيته، ونحن نشاهد هذا في عالم البشر، فحين يكون لك صديق يلازمك ويسير في معيتك لابُدَّ أن تخصَّه بفضلك وخصوصياتك، فما بالك بمَنْ ظل في معية ربه؟

أيعطيك بلا خصوصية؟

أيُسوِّيك بمَنْ يؤدي الفرض وحده؟

لذلك قال سبحانه في الحديث القدسي: "ما تقرب إليَّ عبدي بمثل ما افترضتُه عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورِجْلَه التي يمشي بها، ولئن سألني لأُعطينه".

وهكذا يدخل العبد في الربانية التي تقول للشيء كُنْ فيكون، وهذه من الفيوضات لمن كان لله ساجداً أو قائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه، يعبده بلا رياء ولا سمعة، ويمنع نفسه النومَ والراحة؛ لأنه أنِسَ بربه، واستراح في قربه.

فقوله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) (الزمر: 9) دلّ على أن هناك علماً اسمه علم المكاشفة، يُفيض الله به على مَنْ يشاء من عباده الصالحين، الذين استحقوا هذه المنزلة، فالعبد الصالح صاحب موسى وعبد الله على منهج موسى، وليس برسول، ومع ذلك فاق الرسول؛ لأن موسى -عليه السلام- أوصله بربه فتقرَّب إليه، حتى صار من أهل المكاشفة واتصل هو بالله مباشرة، وأطلعه الله على ما لم يُطلِع عليه نبيه موسى عليه السلام لذلك في آخر قصته مع سيدنا موسى قال: (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) (الكهف: 82) إذن: فمهمة الرسل أنْ يُوصلُوا الخَلْق بالخالق، فإذا ما اتصلوا به كان الخط بينهما مباشراً، وكُلٌّ بحسب قُرْبه من ربه.

وقوله سبحانه (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ) (الزمر: 9).

أي: أصحاب العقول المفكرة التي تبحث في المحسَّات، وتتأمل في الآيات؛ لأن للإنسان حواسَّ تدرك، وعقلاً يرجح ويختار، فيأخذ هذه بالسمع، وهذه بالبصر، وهذه بالأنف ثم يعرضها على العقل لينظرَ ما فيها من الخير وما فيها من الشر، فإنْ كان العقل صحيحاً رجح الخير، واختار من البدائل أجداها فائدة، وأهمها نفعاً.



سورة الزمر الآيات من 06-10 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الزمر الآيات من 06-10 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الزمر الآيات من 06-10   سورة الزمر الآيات من 06-10 Emptyالثلاثاء 16 فبراير 2021, 8:47 pm

قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (١٠)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

التقوى أنْ تحترز من المعاصي، وأنْ تجعل بينك وبين صفات الجلال من الله وقاية، فالله جبار قهار ذو انتقام، فاجعل بينك وبين هذه الصفات وقاية تحميك.

وقوله (ٱلَّذِينَ آمَنُواْ) (الزمر: 10) للعقائد (ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ) (الزمر: 10) أي: في التكاليف (لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ) (الزمر: 10) أي: حسنة في الآخرة، فلم يقل: للذين أحسنوا حسنةً في هذه الدنيا؛ لأن الكفار يتمتعون في الدنيا بحسنات كثيرة من المال والجاه والعلم.. إلخ.

فإنْ فسَّرنا الحسنة على أنها النعيم، فالنعيم الذي يكون سبباً في صَرْف الإنسان عن ربه لا يُعَدُّ حسنة إنما سيئة، إذن: فالحسنة المرادة هنا في الآخرة (وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ) (الزمر: 10) لكن ما علاقة (وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ..) (الزمر: 10) بقوله (ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ) (الزمر: 10).

قالوا: يعني: إنْ صادفتَ متاعبَ في أرضك التي تعيش فيها، فإنَّ أرضَ الله واسعةٌ، فالتمس حمايةَ نفسك ودينك في أرض أخرى، كما قال سبحانه: (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَٰغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) (النساء: 100).

وقال في نفس المعنى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا..) (النساء: 97).

إذن: حين تضيق بك أرضك، وحين يضيق عليك الخناق بها، فالتمس أرضاً أخرى تأمن فيها على نفسك وعلى دينك، وعلى تطبيق منهج الله دون معاند، ودون معارض.

ولو تنبهنا إلى آية في سورة الرحمن لوجدنا فيها حلاً لكل مشاكل الدنيا المعاصرة، هي قوله تعالى: (وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ) (الرحمن: 10).

يعني: جعل الأرض كل الأرض دون تحديد تحت تصرف كل الأنام دون تحديد أيضاً، فكلُّ إنسان له في أرض الله نصيب، فإذا ضاق به مكان فله حَقٌّ في مكان آخر.

لكن قوانين البشر ومصالحهم غَيَّرَتْ هذه الصورة، ووضعت العقبات والعراقيل والإجراءات المعقدة في طريق هذه الحرية التي كفلها الخالق سبحانه للحركة على أرضه.

لذلك وجدنا أن مشكلة العالم الاقتصادية تكمن في وجود أرض بلا رجال، أو رجال بلا أرض، ولو تركنا الأرض لله كما خلقها الله لعباده، لو جعلنا الأرض كل الأرض للأنام كل الأنام لقضَيْنا على كل مشاكل الدنيا.

وانظر مثلاً إلى السودان جارتنا من الجنوب، بها ملايين الأفدنة لا يُستفاد منها، وعندنا في مصر ملايين من الأيدي العاملة العاطلة، ولولا الحدود التي قيدنا أنفسنا بها لَحلَّتْ السودانُ مشكلة الغذاء في العالم العربي كله.

بل والأدهى من ذلك والأمرّ أن نختلف على الحدود، ونتزاحم على شبر واحد، وتنشب الحروب والأزمات بين الدول بسبب هذه المسألة، إنها النتيجة الطبيعية لمخالفة أمر الله وسنته في الخَلْقَ.

ثم يقول سبحانه: (إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر: 10) الحث على الصبر بعد قوله (وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ) (الزمر: 10) دلَّ على أنه لابُدَّ أَنْ تُوجَد في الحياة صِعَاب ومشاكل ومتاعب تحتاج إلى صبر.

والشاعر يقول:
لعمْرُكَ مَا ضَاقَتْ بلادٌ بأهلها ولَكِنَّ أَخْلاقَ الرِّجَالِ تَضِيقُ

فالحق سبحانه يريد منا أنْ نتحمل منهج الله، وأن نقوم به لنسعد أنفسنا، ثم نتسامى في الإيمان، ونحاول أن نسعد غيرنا ليحدث استِطراقٌ للخير في المجتمع؛ لِذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "نَضّر اللهُ امرءاً سمع مَقالتي فَوَعاهَا، ثُمَّ أدَّاها إلى مَنْ لم يَسْمَعْها، فَرُبَّ مُبلِّغْ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ".

إذن: فنقْلُ الخير إلى الغير فيه خير لك أنت، وسوف يعود عليك نفعه، لأنه حين تحجب عِلْم الخير عن الغير سيكون هذا الغير في شَرٍّ، وسوف يتعبك هذا الشر وينالك شيء منه، فمن مصلحتك أنت أنْ يعمَّ الخيرُ الآخرين، ومن مصلحتك أنْ يكون غيرك خَيِّراً، لا يسرق ولا يَسُبّ ولا يخون، ولا يتعدى على الآخرين، فنقْل علم الخير إلى الغير مُفيد لناقله، ليكفّ شرَّ ذي الشر عنه على الأقل.

والصابر هو الذي يصبر على الشدائد والمحن التي تُخرِجه عن: سلامة الجوارح، وسلامة المال، وسلامة الأهل، والصابر واثق بأن إيلاَمه وإيذاءه يعطيه خيراً من النعيم الذي فقده قبل الإيلام والإيذاء، لأن الله قال: (إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر: 10).

وإذا كانت التكاليفُ لها حساب عند الله، فالصلاة لها حساب، والزكاة لها حساب.. إلخ أما الصبر فإن أجره بغير حساب يعني: غير معلوم، حتى قالوا أنه في الجنة حين يرون منازل لم يكُنْ أهلها معروفين بالعمل الصالح، ومع ذلك منازلهم في الجنة عالية، فلما سألوا عن ذلك قالوا: إنهم كانوا من أهل الصبر على البلاء وعلى الشدائد والمحن، فنالوا هذه المنزلة بصبرهم.

والصبر عدم تشكيك في رحمة الله، وعدم اعتراض على حكمه وقضائه، فمثلاً نرى بعض أهل البلاء يعرضون آفاتهم وبلواهم على المجتمع في موسم الحج، فبعض هؤلاء يذهب للحج وهناك يكشف بلواه أمام الناس، ويظهر عاهته في رِجْله أو في يده يستجدي بها الخلق، وكأنه يشكو الخالق لخَلْقه، ولو أنه ستر بلاءه ورضي به لطرق الرزقُ بابه، ولَساقَه الله إليه دون جهد.

لذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا بُليتُمْ فاستتروا".

لأن مَنْ يظهر بَلْواه للخَلْق كأنه يفضح الخالق، كأنه يقول للناس: انظروا ماذا فعل الله بي.

وفي سير الصحابة وسلف الأمة رأينا امرأة لا تقبل من زوجها أن يشكو الفقر لرسول الله، وكانا لا يملكان إلا ثوباً واحدا يلبسه الرجل، ويذهب به في أول الصلاة خلف رسول الله ثم يسرع بعد الصلاة وينصرف إلى بيته لتلبسه زوجته وتصلي هي أيضاً فيه.

وقد لاحظ سيدنا رسول الله أنه يرى هذا الرجل في أول الصلاة، ولا يراه بعدها، فتحيَّن رسولُ الله الفراغَ من الصلاة، ثم التفت إليه سريعاً فوجده خارجاً من المسجد، فناداه وقال له: أراك أول الصلاة ثم لا أراك بعدها أَزُهْداً فينا؟

قال: لا يا رسول الله ولكن لي امرأة بالبيت تنتظر ردائي هذا لتصلي فيه، فدعا له بالخير.

فلما ذهب قالت امرأته: لقد تأخرتَ قَدْر كذا تسبيحة -هكذا كان حساب الوقت عند هؤلاء- فقال لها: إن رسول الله استوقفني وسألني عن أمري، فلم أجد بُدّاً أن أقول له: إن لي امرأة بالبيت تنتظر ردائي هذا للصلاة، فقالت له: يا هذا أتشكو ربك لمحمد؟

هكذا كان صبر الصحابة، صبر لا يعرف الجزع ولا الشكوى ولا الاعتراض على قضاء الله.

لذلك يقول بعض العارفين حين يرى حظ الصابرين في الآخرة: لو علم الناسُ جزاءَ الصابرين لَتمنَّوْا أنْ يعودوا إلى الدنيا، وتُقرض أجسادهم لينالوا هذه المنزلة.



سورة الزمر الآيات من 06-10 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة الزمر الآيات من 06-10
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة الزمر الآيات من 27-31
» سورة الزمر الآيات من 32-35
» سورة الزمر الآيات من 37-40
» سورة الزمر الآيات من 41-45
» سورة الزمر الآيات من 46-50

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: الزمر-
انتقل الى: