أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة الصافات الآيات من 149-152 الأربعاء 03 فبراير 2021, 10:43 pm | |
| فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (١٥٠) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٥٢) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
قوله: (فَٱسْتَفْتِهِمْ) (الصافات: 149) كلمة استفتى أي: طلب الفُتْيا، مثل استخرج طلب الإخراج، واستفهم طلب الفهم، والفتية تعني منتهى القوّة، ومنها الفتى والفتوة.
فمعنى: استفتى طلب ما يُقوِّيه في جهة الفتوى، فالذي لا يعرف قضية دينية مثلاً يسأل عنها ويستفتي يعني: بعد أنْ كان ضعيفاً في الدين، يطلب أنْ يصيرَ قوياً في أمر دينه، ومن ذلك قوله تعالى في سيدنا إبراهيم: (سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) (الأنبياء: 60).
وفي أهل الكهف: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ) (الكهف: 13).
يعني: لم يكونوا شيوخاً، وعجيبٌ أنْ يأتي الإيمانُ مع فتوة الشباب وعنفوانه، وهو مَظنَّة الشهوات والرغبات؛ لذلك ورد في الحديث: "عَجِبَ ربُّكَ من شاب ليستْ له صَبْوة".
والحق سبحانه بيَّن لنا في مقاييس المجتمعات أنها لا تخلو عن اثني عشر نوعاً، سِتٌّ منها في المحبوبية، وستٌّ في المبغضين والعياذ بالله، المحبوبون منهم المحبوب والأشدّ حباً، والمبغضون كذلك منهم المبغّض والأشدّ بُغْضاً.
يقول تعالى في الحديث القدسي: "أحب ثلاثاً وحُبي لثلاث أشدّ: أحبُّ الشيخ الطائع، وحُبِّي للشاب الطائع أشدّ، وأحب الغني الكريم وحُبي للفقير الكريم أشدّ، وأحب الفقير المتواضع وحُبي للغني المتواضع أشدّ".
هؤلاء الستة المحبوبون، وتستطيع أنت أنْ تأتي بالمقابل لهؤلاء، وهم المبغوضون والعياذ بالله.
إذن: الشاب الطائع أكثر محبةً عند الله؛ لأن عنده دواعيَ الشهوة ومبرراتها وعنفوانها، ومع ذلك تغلّب عليها وسلك طريق الطاعة على خلاف الشيخ الذي ذهبتْ شهوته وقَلَّتْ دواعيها عنده، كذلك الحال في الغني الكريم وفي الفقير المتواضع.
هؤلاء الثلاثة يُمثِّلون قمة الرقي في المجتمعات، وقمة الخلافة في الأرض، وتصوَّر مجتمعاً شبابه طائعون، وفقراؤه كرماء، وأغنياؤه متواضعون.
تحت هذا درجةَ مجتمع شيوخه طائعون، وأغنياؤه كرماء متواضعون ودون هؤلاء المبغضون، والعياذ بالله.
فالمعنى (فَٱسْتَفْتِهِمْ) (الصافات: 149) يعني: اطلب منهم الفتوى التي تُقوِّيك في أمرك الجدلي؛ لذلك نقول للمفتي الذي يقصده الناس للفتوى الناس يريدون أنْ تُقوِّيهم برأيك، فلا تذهب بهم ناحية المياسير؛ لأنك بذلك تشجعهم على المياسير، فأنت إذن لا تُقويهم إنما تضعفهم، بل أعطهم الحكم الصحيح فهو القوة الحقيقية.
لكن، لماذا يطلب الحق سبحانه من النبي أنْ يستفتي القَوْمَ؟
قالوا: لأن القضية حين تكون معلومة الحكم عند المتكلم يقول: أنا لا أقضي فيها، إنما خَصْمي هو الذي يقضي..
لماذا؟
لأنك واثق أنه إذا أدار المسألة في ذهنه لن يجدَ إلا أن يقولَ ما تريده أنت، كما تقول لمن ينكر جميلك؛ أنا راضٍ حكمك، ألم أقِفْ بجانبك يوم كذا وكذا؟
هكذا على سبيل السؤال لأنك واثق من الجواب.
أما لو جاء الكلام منك خبراً، فالخبر يحتمل الصدق ويحتمل الكذب؛ لذلك ناقش الحق هذه القضية بهذا الاستفهام (أَلِرَبِّكَ ٱلْبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلْبَنُونَ) (الصافات: 149) هذا استفهام يحمل معنى الإنكار والتعجب، يعني: كيف تقولون ذلك؛ لأنهم قالوا: الملائكة بنات الله ثم نسبوا لله سبحانه الولد.
لذلك يرد القرآن عليهم (أَلِرَبِّكَ ٱلْبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلْبَنُونَ) (الصافات: 149) كيف؟
مَن الذي خلق؟
إنه الله خالق الذكر وخالق الأنثى، فكيف تختارون لأنفسكم الجنسَ الأفضل وهم الذكور، وتجعلوا لله تعالى البنات؟
كيف وأنتم إذا بُشِّر أحدكم بالأنثى ظلَّ وجهه مُسودّاً وهو كظيم يتوارى من القوم من سُوء ما بُشِّر به، ثم يفكر: (أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ) (النحل: 59).
كلمة: (يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ) (النحل: 59) يعني: حياً؛ لأن عاطفة الأبوة لا تتحمل أنْ يرى الوالدُ ولده وهو يموت، أو أنْ يخنقه بيده؛ لذلك يتخلص منه بدفنه في التراب حتى لا يراه.
وفي آية أخرى قال سبحانه: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) (الزخرف: 17-18) يعني: أتجعلون لله مَنْ يُربَّى في النعمة والزينة، وهم البنات، وتجعلون لأنفسكم البنين القادرين على العمل والسعي وتحمُّل المشاق، لذلك حكم سبحانه على هذه المسألة بأنها قِسْمة ظالمة جائرة.
فقال سبحانه: (أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ) (النجم: 21-22) تأمل كلمة (ضيزى)، والله لو كان في غير القرآن لكانَ ثقيلاً غيرَ مستساغ، لكنه يأتي في سياقه من كلام الله طبيعياً سلسبيلاً..
لماذا؟
لأنه وُضِع في مكانه ليعبر عن هذه القسمة الجائرة العجيبة، التي لا يعبر عنها إلا هذا اللفظ العجيب بما يحمله من جَرْس يرنّ في الأذن.
ثم يقول الحق سبحانه و تعالى: (أَمْ خَلَقْنَا ٱلْمَلاَئِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ) (الصافات: 150).
إذن: أنتم مخطئون، بل جهلة أغبياء في قضيتين: الأولى: أنكم جعلتم الملائكة إناثاً، والأخرى: أنكم أخذتم الذكور لأنفسكم وتركتم لله البنات، فمَنْ قال لكم إن الملائكة بنات، فكلمة بنت وولد منشؤها الزوجية والتناسل، والملائكة لا يتزوجون ولا يتناسلون، ولا يتصفون بذكورة ولا أنوثة.
ثم إن الذي يحكم على الملائكة بأنهم إناثٌ لابُدَّ أنْ يكون قد شهد خَلْقكم، والله يقول: (وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) (الزخرف: 19).
وقال في سورة الكهف: (مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً) (الكهف: 51) الحق سبحانه يخبرنا بهذه الحقيقة(وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً) (الكهف: 51) يعني: معاونين ومساعدين في عملية الخَلْقِ، فهو يفضح هؤلاء الذين سيأتون ويتحدّثون في مسألة الخلق كأنهم رأوْهَا، فيقولون: الملائكة إناث.
ويقولون: الإنسان أصله قرد إلى آخر هذه الادعاءات.
الحق يُحذِّرنا منهم ليعطينا المناعة اللازمة لمواجهتهم، ويكفي أنْ نعلم أنّ هذه مسألة غيبية لا عِلْمَ لهم بها، إلا ما أخبرنا به الخالق سبحانه، ومع ذلك ترك لنا في الكون ما يُبيِّن صِدْقه فيما لم نشهد.
والحق سبحانه ينقض هذه الأباطيل بقوله سبحانه: (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الذاريات: 49).
فكل جنس من الأجناس قائم بذاته، وليس هناك شيء متطور عن شيء آخر.
كذلك قال سبحانه: (سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا) (يس: 36).
أما الملائكة فَلَهُمْ طبيعة خاصة لا تصلح للزوجية؛ لأنهم لا يتصفون بذكورة ولا أنوثة، كما أنهم لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون.. إلخ وإنْ كانت هذه مسألة مخالفة للعقل، فخُذْها هي الأخرى ضمن الأشياء المخالفة للعقل، والتي يختبر بها إيمانك بالمغيَّبات التي أخبرك بها ربُّكَ، وهذه المغيَّبات التي أخبرك بها ربُّكَ، وهذه المغيَّبات التي أخبرك الله بها رصيدها أنك آمنتَ بالقائل المخْبِر بها.
ثم ينتقل الحق سبحانه إلى قضية أخرى فيقول: (أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (الصافات: 151-152) إذن: فجُرْأتهم على الله لم تَنْتَهِ عند حدِّ وصفهم الملائكة بأنهم إناث، ولا عند نسبتهم البنات لله تعالى، بل وصلتْ جُرْأتهم إلى ذات الله سبحانه، فقالوا: (وَلَدَ ٱللَّهُ) (الصافات: 152).
وكأن الحق سبحانه يُفسح للمكابر ويُرْخِي له العنان حتى يقول كلمة تكشف كذبه، وتفضح ادعاءه، وتُظهر أن المكابر في أمر الدين أحمقُ غبيٌّ، لأنهم قالوا: (ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً) (البقرة: 116) والآن يقولون (وَلَدَ اَللهُ) وفَرْق كبير بين القولين: (وَلَدَ اللهُ) نسبوا لله الولد مباشرة إنما (اتّخَذَ اللهُ وَلَداً) يعني: لم يلد إنما تبنَّى ولداً، فالأصل أنه ليس له ولد، لذلك اتخذ ولداً.
وقد ردَّ الله على قولهم (وَلَدَ اللهُ) فقال: (قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ) (الإخلاص: 1-4).
وردَّ على قولهم: (ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً) (البقرة: 116) فقال: (مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً) (الجن: 3).
ولنبحث نحن مسألة اتخاذ الولد من خلال واقعنا: لماذا نسعى للولد ونطلبه؟
لماذا نحزن نحن حين يمتنع الإنجاب ونقلق حين يتأخر الولد؟
قالوا: لأن الولد ذِكْرى وامتداد لأبيه؛ لذلك يفرح الرجل بابنه ويفرح أكثر بحفيده؛ لأنه بالولد ضمن ذكْراه جيلاً، وبالحفيد ضمن ذِكْراه جيلين، عجيب أمْرُنا مع الدنيا، كيف نتمحك فيها ونتشبَّثَ بها ولو بالذكرى، وإذا لم تَدُمْ لك الدنيا فما انتفاعُك بدُنْيا غيرك؟
ولما تحدَّثَ شوقي -رحمه الله- في هذه المسألة لمَّا جاءه حفيد وفرح به قال: فَاضْمَنْ لنفْسِكَ بَعْدَ مَوْتِكَ ذِكْرهَا فَالذِّكْرُ للإنْسَانِ عُمر ثَانِ
ولا شَكَّ أن شوقي لا يعني بالذكْر الولد، إنما يعني العمل الصالح والأثر الطيب الذي يُخلِّد ذِكْرى صاحبه، إذن: تحتاج الولد لأنك ستموت وسيحمل ولدُك اسمك وذِكْراك، أما الحق سبحانه فباقٍ لا يموت، وقد كان عبد المطلب لا يعيش له أولاد فنذرَ لله إذا رزقه أولاداً أنْ يذْبح واحداً منهم تقرُّباً لله تعالى، فالإنسان يحتاج الأولاد ليكونوا عِزْوةً كما يقولون، وآخر يقول إذا مِتُّ، مَنْ يأخذ فيَّ العزاء؟
سبحان الله إذن ضمنتَ أنك ستُعزي وولدك من بعدك سيُعزَّى.
إذن: المسألة فانٍ في فانٍ.
نعم، لهذه الأسباب نحتاج نحن الولد ونسعى إليه، أما الحق سبحانه فباقٍ لا يموت، فبماذا ينفعه الولد ولم يتخذه، وله سبحانه مُلْك السماوات والأرض؟
لذلك يردُّ الحق عليهم: (لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ) (الزمر: 4) لو أراد سبحانه لاختار ما يشاء، فهو الذي يقول، وهو الذي يختار لا أنتم؛ لذلك كان رسول الله مؤدباً في عبوديته مع ربه، فقال: (قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ) (الزخرف: 81) يعني: إنْ كان للرحمن ولد أخبر هو سبحانه به، فأنا أول المؤمنين بوجوده.
وفي موضع آخر، قال في الردِّ عليهم: (وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً) (مريم: 92) فالحق سبحانه لم يتخذ ولداً، ولا ينبغي له ذلك، ولا يناسبه أبداً، لأن معنى الوالدية أو المولودية مفقود في حقِّه تعالى، لأنه باقٍ لا يموت، فيحتاج إلى مَنْ يحمل ذِكْراه، وهو الغني عن خَلْقه، وله مُلْك السماوات والأرض، والعباد كلهم صَنْعته وعياله، فلا يحتاج إلى عِزْوة كما تحتاجون.
وقال سبحانه: (مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً) (الجن: 3) يعني: لم يكُنْ له صاحبة.
يعني: زوجة حتى يكونَ له منها ولد.
إذن: هذا كله إفْكٌ وافتراء على الله؛ لذلك وصفهم الله بالإفْك، ثم بالكذب المؤكَّد في (أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (الصافات: 151-152).
لكن، لماذا هذا الإفْك وهذا الكذب؟
قالوا: ليحتفظوا لأنفسهم بالسلطة الزمنية التي كانت لهم قبل الإسلام، السلطة الزمنية التي جعلتْ لهم الزعامة والرياسة والجاه، ومعلوم أن اليهودَ في المدينة كانت لهم مكانتهم المالية والعلمية والحربية، وكانوا يستفتحون على الكافرين برسول الله: (فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ) (البقرة: 89).
لماذا؟
لأنهم يعرفون أنه سيسلب منهم هذه السلطة.
وسمَّى الله كذبهم إفكاً، لأن الإفك هو الكذب المتعمَّد، وافتراء الكذب المتعمد إنما كان إفكاً لأنه يقلب الحقائق، ومن ذلك سُمِّيتْ المؤتفكة، وهي القرية التي قلبها الله بأهلها، فجعل عاليها سافلها.
والكذب المتعمَّد قَلْبٌ للحقيقة؛ لأن الإنسان إذا قال قضية، هذه القضية تُسمَّى نسبة كلامية، فإنْ سبقها نسبة وجودية تُطابق الكلام فالكلام صِدْق، وإنْ كانت النسبة لكلام لا واقع له فهي كذب، والكذب على درجات، أعلاها وأشدها الافتراء على الله تعالى في قضية واضحة، وفي أصل من أصول العقيدة، فليس الكذب هنا في أمر هيِّن، عدة جنيهات مثلاً، بل الكذب هنا في القمة العقدية.
(أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ ٱللَّهُ) (الصافات: 151-152) فنسبوا لله تعالى الولد مباشرة، وليس مجرد اتخاذ الولد.
لذلك يحكم الله عليهم (وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (الصافات: 152) لكن هذا أسلوب خبري، والخبر من الله تعالى صادقٌ لا شكَّ، لكنه في العقل قضية تحتمل الصدق والكذب، لذلك يُطوِّقهم الله بأسلوب آخر لا يجدون منه منفذاً، يثبت كلامهم في أذهان قارئيه أو سامعيه، يُطوِّقهم بهذا الإقرار، فيقول سبحانه: (أَصْطَفَى ٱلْبَنَاتِ عَلَىٰ...). |
|