أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة الصافات الآيات من 97-101 الأربعاء 03 فبراير 2021, 10:21 pm | |
| قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
تعلمون قصة النار التي أوقدوها، ثم ألقوْا بنبيِّ الله إبراهيم في وسطها، هذا هو الكيد الذي أرادوه بإبراهيم، وما كان الله تعالى ليبعثَ نبياً ثم يُسْلِمه، فردَّ الله كيدهم عليهم: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً) (الطارق: 15-16).
ومعنى: (فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَسْفَلِينَ) (الصافات: 98) أي: في هذا المقام.
وفي هذا الموقف الذي فعلوه بإبراهيم، فليسوا الأسفلين لأنهم كفار، إنما: (أسفلين) لأنهم تعالَوْا على إبراهيم وتمكَّنوا منه، وقدروا على إلقائه في النار فعلاً وهي مشتعلة، وظنوا ساعتها أنهم هم العالون.
لكن سرعان ما تكشفتْ حقيقة الموقف، وظهرتْ الآية الكبرى التي أرادها الله تعالى؛ فلو أراد الله لَنَجا إبراهيم، فلم يتمكَّنوا من الإمساك به، ولو أراد سبحانه لأمطرتْ السماء على النار فأطفأتها، لكن أراد الله أنْ يُبطل حججهم، فلو هرب إبراهيم من أيديهم لَقالوا: لو لم يهرب لأحرقناه، ولو أمطرتْ السماء لقالوا: ظاهرة طبيعية لا دَخْلَ لنا بها.
لكن ها هو إبراهيم، وها هي النار تشتعل، ومع ذلك ينجو إبراهيم بعد أنْ جاء نداء الحق وكلمة الحق للخَلْق: (قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ) (الأنبياء: 69).
الخطاب من الله تعالى، والأمر للنار على طبيعتها، وبذات مواصفاتها(كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً) (الأنبياء: 69) لا في ذاتك، إنما(عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ) (الأنبياء: 69) فهذه خصوصية لهذه النار بالذات، فهي من ظاهرها مشتعلة، وفي حقيقتها: (بَرْداً وَسَلَٰماً) (الأنبياء: 69) على إبراهيم، فهي مثل شجرة الزقوم، تبدو لهم شجرةً خضراءَ، وهي نار تحرقهم.
وهكذا جعلهم الله في هذا المقام (ٱلأَسْفَلِينَ) (الصافات: 98) أي: في الكيد الذي دبَّروه، فهم يكيدون والله يكيدُ، ولابُدَّ أنْ يُؤْخَذَ الكيدُ من خلال فاعله. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الصافات الآيات من 97-101 الأربعاء 03 فبراير 2021, 10:22 pm | |
| وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (١٠١) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
لَمَّا لم يجد إبراهيم -عليه السلام- فائدة من دعوته لقومه، قال: (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الصافات: 99) والمعنى ذاهب لنصرة دينه وإلا فربُّه موجود معه، وفي كل مكان، أو مهاجر إلى ربي.
أي: إلى مكان آخر، حيث أجد مَنْ يسمعني ويستجيب لدعوتي، وما دُمْتُ ذاهباً إلى ربي (سَيَهْدِينِ) (الصافات: 99) أي: يهديني المقام الطيب المناسب لدعوتي.
ثم يدعو إبراهيمُ ربَّه (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينَ) (الصافات: 100) أي: هَبْ لي ذريةً صالحةً مؤمنة، ونبيُّ الله حين يتمنى الذرية لا يتمناها لتكون ذِكْرى أو عزوة أو امتداداً ينتقل إليه الميراث، فالأنبياء يريدون الولد ليَحمل رسالتهم، وليكون نموذجاً إيمانياً يرثه في دعوته؛ لذلك قال في قصة سيدنا زكريا: (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً) (مريم: 6).
فكأن سيدنا إبراهيم عَزَّ عليه ألاَّ يتسعَ عمره ليكون جندياً من جنود منهج الله في الأرض، فقال: يا رب قرّ عيني بأنْ أرى ولداً لي يحمل مسئولية النبوة من بعدي.
وقال (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينَ) (الصافات: 100) ولم يقل رب هَبْ لي الصالحين، فأراد من ذريته مَنْ هو صالح من ضمن صلاح غيره، فهو يريد الصلاحَ لذريته وللآخرين؛ لذلك أجابه ربه: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ) (الصافات: 101) الحليم: هو الذي لا يستفزه غضب، ويتحمل الأمور على مقدار ما تطيب به أخلاقه، ومن الحِلْم تَرْكُ المراء واللجاج، ولو كان في الحق.
لذلك جاء في حديث سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء، وإن كان محقاً..".
فهذا في حاشية الجنة، وهذا في صميم الجنة..
لماذا؟
لأنه يعتقد أن له رباً قيُّوماً لا تأخذه سِنَة ولا نوم، سوف يحكم بين الجميع، وإليه تنتهي كل الخلافات، فيقتص للمظلوم من ظالمه.
والناس يميلون دائماً إلى كبير يحكم بينهم، ونقول في العامية (اللي له أب ميحملش هم)، فما بالك بمَنْ له رَبٌّ.
لذلك من رحمة الله بنا أن يقول: يا عبادي ناموا مِلء جفونكم، لتصبحوا نشيطين لأعمالكم، ولا تحملوا هَمَّ شيء، لأن ربكم لا ينام.
وقوله سبحانه: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ) (الصافات: 101) البُشْرى بالشيء تكون قبل وجوده، فوصفه الله بأنه سيكون حليماً وهو ما يزال غلاماً.
يعني: سيجمع الوصفين معاً؛ لأن الحِلْم عادة ما يتكوَّن لدى الرجل الواعي الذي يستطيع تقدير الأمور، فالميزة هنا أن يتصفَ الغلامُ بالحِلْم في صغَره.
وفعلاً ظهر حِلْم هذا الغلام في أول اختبار يتعرَّض له، حين قال له أبوه: (يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ) (الصافات: 102) تأمل ماذا قال الغلام، وأبوه يريد أنْ يذبحه:(قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ) (الصافات: 102) هذا هو الحِلْم، يتجلَّى منه وهو غلام. |
|