أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة يس الآيات من 16-19 الثلاثاء 19 يناير 2021, 5:23 pm | |
| قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٧) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
فلما كذَّبوا وأنكروا للمرة الثانية كان لا بُدَّ من تأكيد الكلام على هذا النحو: (إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) (يس: 16) وكل كلمة من هذه العبارة فيها تأكيد، أولاً بإنَّ، ثم أسلوب القصر في تقديم الجار والمجرور إليكم، ثم لام التوكيد في (لمرسلون)، إذن: على قَدْر الإنكار يكون التأكيد، وهؤلاء ينكرون الرسالة من عدة وجوه أولاً: (قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا) (يس: 15)، ثم (وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ) (يس: 15)، ثم (إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ) (يس: 15).
وقولهم: (مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا) (يس: 15) يعتبرون أن بشرية الرسل قَدْح في الرسالة، لكن كيف تتحقق الرسالة إذا لم يكُنْ الرسول من البشر؟
الحق سبحانه يناقشهم هذه المسألة في موضع آخر، فيقول سبحانه: (وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً * قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً) (الإسراء: 94-95).
هذا أول ردٍّ عليهم، فالذين يمشون على الأرض بشر ليسوا ملائكة.
وفي موضع آخر يجاري الحق الخَلْق، فيقول: وحتى لو جاء الرسول مَلَكاً لا بُدَّ أن ينزل على صورة البشر: (وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً) (الأنعام: 9) وإلا كيف تروْنه؟
وكيف تتلقَّوْن منه على صورته الملائكية.
إذن: لا بُدَّ أنْ يكون الرسول من جنس المرسَل إليهم لتِصحَّ الأُسْوة فيه، وكيف تتحقق الأسوة في الرسول الملَك، وهو لا يعصي الله أصلا، والرسول مُطالب أنْ يُبلِّغ منهج الله، وأنْ يُطبقه بنفسه، لذلك قال سبحانه: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب: 21) يعني: يُطبق هو المنهج الذي جاء به قبل أن يُبلِّغه للناس.
وقولهم: (وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ) (يس: 15) دلّ على غبائهم في الأداء، فعجيب منهم أنْ يعترفوا لله تعالى بصفة الرحمة، وهم لا يؤمنون به، ومن مقتضيات هذه الرحمة أن يرسل إليهم رسولاً يدلُّهم على الخير ويدفعهم عن الشر، إذن: يعترفون بالحيثية التي تدينهم، ثم يزيدون على ذلك فيتهمون الرسل بالكذب: (إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ) (يس: 15).
وعندها يؤكد الرسل رسالتهم، فيقولون: (رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) (يس: 16) فكلمة (رَبُّنَا يَعْلَمُ) (يس: 16) حلّت محلّ القسم: لأنهم يُشْهِدون الله على صِدْق رسالتهم، والقسم عند العرب لإثبات قضية مختلف عليها، وما دام قال الرسل (رَبُّنَا يَعْلَمُ) (يس: 16) فالأمر إما أنْ يكون صحيحاً، أو غير صحيح، فإنْ كان غير صحيح فقد كذبوا على الله.
وقد أجمع العرب على أن الكذبة الفاجرة تُوجب خراب الديار -هكذا يعتقدون- وفي حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على أن الكذب يجعل الديار بلاقع، ولما سُئِل -صلى الله عليه وسلم-: أيسرق المؤمن؟ قال: نعم. أيزني المؤمن؟ قال: نعم. أيكذب المؤمن؟ قال: لا.
فالكذب مذموم منهيٌّ عنه، حتى عند غير المؤمنين بدين؛ لذلك رأينا كفار مكة لا ينطقون بكلمة التوحيد: لا إله إلا الله ولو كانوا يعلمون أنها كلمة تقال ليس لها مدلول لَقَالوها، لكنهم يعلمون مدلولها ومعناها، يعلمون أنها تعني أن العبادة لا تكون إلا لله، وأن الأمر والنهي والسيادة لا تكون إلا لله... الخ، لذلك تأبَّوْا فلم يقولوها، لأنهم لا يريدون مدلولها.
هؤلاء الكفار في تكذيبهم للرسل يعتقدون أنهم بذلك يَغَارُونَ لله وينتقمون من الرسل الذين يكذبون عليه سبحانه، فيقولون: (قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ...).
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 19 يناير 2021, 5:26 pm عدل 1 مرات |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة يس الآيات من 16-19 الثلاثاء 19 يناير 2021, 5:24 pm | |
| قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
كأنهم يقولون للرسل: ما دُمْتم كذبتم على الله وقًلْتم: (رَبُّنَا يَعْلَمُ..) (يس: 16) في أمور نظنكم فيها كاذبين، فقد تطيَّرنا بكم يعني: تشاءمنا.والتطيُّر من الطَّيَرة.
وكانت عادة معروفة عند العرب، فكانوا حين يريد الواحد منهم عمل شيء، يأتي إلى طير فيزجره ويُطلقه، فيرى إلى أين يطير: فإنْ طار إلى اليمين أمضى ما ينوي عليه، وإنْ طار إلى اليسار أمسك وتشاءم، وقد حَرَّم الإسلامُ هذه العادة ونهى عنها.
وقولهم (لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ) (يس: 18) أي: عما تقولونه من أنكم مُرْسَلُون بمنهج (لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ) (يس: 18) فجمعوا عليهم الرجم والعذاب الأليم، والرجم غير العذاب، الرجم رَمْيٌ بالحجارة حتى الموت، فهو إنهاء للعذاب؛ لأن التعذيب إيلام حي، فمَنْ مات لا يستطيع أنْ تُعذِّبه، لذلك قالت العرب: لا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها.
لذلك لما ادَّعى أحد القضاة أن القرآن ليس فيها نَصٌّ على الرجم: قلنا لهم: صحيح، ليس في القرآن آية تنص على الرجم، لكن أيهما أقوى في التقنين: الكلام أم الفعل؟
أيهما يُعَدُّ حُجة؟
لا شكَّ أن الفعل أقوى حجة، لأن الكلام يمكن أنْ يؤوَّل، أمَّا الفعل فلا تأويل فيه، وقد فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- الرجم في ماعز والغامدية.
إذن: الاحتجاج هنا ليس بالنصِّ القولي، إنما الفعل من رسول الله الذي فوَّضه الله في أنْ يشرع، وأمرنا بطاعة أوامره، فقال سبحانه: (وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ) (الحشر: 7) والحق سبحانه لا يأمرنا هذا الأمر إلا إذا كان قد ترك لرسول الله أموراً يُشرعها.
وهذه من ميزاته -صلى الله عليه وسلم- على غيره من الرسل، فكل رسول ما عليه إلا أنْ يُبلِّغ الحكم كما جاءه من الله، أما سيدنا رسول الله فأُمِر أن يُبلِّغَ عن الله، وترك له بعض الأمور، وفوّض أنْ يشرِع فيها.
لذلك جاءت هذه الآية: (وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ) (الحشر: 7).
لذلك حين نستقرئ آيات الطاعة تجد القرآن يقول مرة: (وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ) (المائدة: 92).
ويقول في آية أخرى: (وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ) (آل عمران: 132).
ويقول: (وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ) (النساء: 59).
فتكرار الفعل (أَطِيعُوا) يعني: أن الجهة مُنفكة، فلله تعالى أمر وللرسول أمر، يعني: أطيعوا الله في التقنين الإجمالي العام، وأطيعوا الرسول في تفصيل ما أجمل، ففي الزكاة مثلاً جاء الأمر العام بأداء الزكاة، لكن لم يحدد الحق سبحانه له نصاباً، هذا النِّصَاب بيَّنه سيدنا رسول الله.
إذن: لله فيها أمر، وللرسول أمر.
أما إن جاء الأمر (وأطيعوا) واحداً وعطف رسول الله على الله، ولم تُكرر الطاعة مع المطاع، فاعلم أنَّ الأمر واحد قاله الله وقاله رسول الله، فطاعة المطاع الثاني من باطن طاعة المطاع الأول، كما في قوله سبحانه: (أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ) (النساء: 59) فلم يقُل: وأطيعوا أولي الأمر منكم؛ لأن طاعة أولي الأمر من باطن طاعة الله وطاعة رسول الله، وليس لهم طاعة مستقلة منفصلة، بل طاعتهم في ظِلِّ طاعة الله وطاعة رسول الله.
إذن: الاستدلال بالفعل أقوى من الاستدلال بالقول، فإنْ قال قائل: نريد أنْ نسمع كلام الله في هذه المسألة نقول: نعم، هناك كلام بالنصِّ وكلام باللازم، والحق سبحانه حين تكلم عن الإماء في هذه المسألة قال: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ) (النساء: 25).
والعذاب كما قلنا: إيلام حَيٍّ أمَّا الرجم فهو إنهاء للحياة، وإنهاء للعذاب؛ لذلك بيَّن الحق سبحانه أن النصف للعذاب، وهنا يُخرِج الرجم؛ لأن الرجم لا يُنصَّف.
إذن: فالنصف ليس على الإطلاق وكونه يخصُّ هنا العذاب، فهذا يعني أنَّ عليهن الرجم أيضاً كاملا، لا يُنصَّف.
ومن ذلك أيضاً قوله تعالى في قصة سليمان -عليه السلام- والهدهد: (لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ) (النمل: 21) إذن: العذاب غير الذبح وغير القتل.
وقولهم: (لَنَرْجُمَنَّكُمْ) (يس: 18) الرجم قد يُطلق على القول، لنرجمنَّكم بالقول، وقد يكون الرجم على حقيقته بشدة حتى الموت، أو بهوادة، فيُراد منه الإيلام. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة يس الآيات من 16-19 الثلاثاء 19 يناير 2021, 5:25 pm | |
| قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
معنى (طَائِرُكُم) (يس: 19) يعني: تشاؤمكم (مَّعَكُمْ) (يس: 19) أي: ملازم لكم، والمراد هنا الكفر، والهمزة الأولى في (أَئِن) (يس: 19) للاستفهام و (إنْ) أداة شرط وجوابها محذوف تقديره: أئن ذُكِّرتم بالله وبمنهج خالقكم، وبما يُسعدكم في دنياكم تكون النتيجة أنمن تهددون المذكِّر لكم بالرجم وبالعذاب الأليم، بدل أنْ تتبركوا به وتُعينوه وتتبعوا ما جاءكم به.
(بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ) (يس: 19) يعني: متجاوزون للحدِّ؛ لأن الأمر بيننا وبينكم لم يخرج عن كونه مناظرة كلامية لم نتعدَّ فيها حدود البلاغ بأننا مُرْسَلون إليكم، فكانت النتيجة أنْ قابلتم المناظرة الكلامية بهذا الفعل القاسي المسرف المتجاوز للحدِّ، حيث جمعتم علينا الرجْم والعذاب الأليم.
في هذه الأثناء، ماذا حدث؟
(وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ...). |
|