منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة فاطر الآيات من 41-45

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة فاطر الآيات من 41-45 Empty
مُساهمةموضوع: سورة فاطر الآيات من 41-45   سورة فاطر الآيات من 41-45 Emptyالإثنين 18 يناير 2021, 8:16 pm

إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

نَعَم، الله وحده هو الذي يُمسك السماوات أنْ تقع على الأرض ويمسك السماوات والأرض أن تزولا يعني: تتحرك من أماكنها، وتسقط وتتهدم، ولو تركها الخالق سبحانه ما استطاع أحد أنْ يُمسكها (مِّن بَعْدِهِ) (فاطر: 41) أي: سِوَاه، وهذه المسألة لله وحده، ليس له فيها شريك ولا معارض، وهي من صميم: (قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ) (الإخلاص: 1).

والحق سبحانه يمسك السماوات والأرض أن تزولا، لأنه سبحانه خلق السماوات بغير عَمَد، وبغير دعائم تحملها: (خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) (لقمان: 10).

وأرني غير الله يستطيع أنْ يرفع هذه القبة الزرقاء هكذا بغير عَمَد، إن قصارى ما وصل إليه التقدم البشري بناء كوبرى مثلاً يمتد لعدة مترات بدون دعائم في وسطه، مع أنهم يستعيضون عن ذلك بدعائم أقوى في أطرافه، بحيث تحمل الوسط وتشده ويسمونها الكباري المعلَّقة، فأين هذا من رفع السماء؟

والسماء كما قلنا: هي كلُّ ما علاك، فالله يمسك السماء بما فيها من نجوم وأقمار وكواكب ومجرات، ويمسك الأرض أنْ تميد بأهلها، وأن تضطرب بهم.

ولما تكلم العلماء في هذه المسألة قالوا: إنها الجاذبية التي تمسك الأشياء، لكن إنْ كانت الجاذبية للأرض، فلماذا لم تجذب النجوم مثلاً، وهي بين السماء والأرض؟

إذن: المسألة قدرة إلهية، ونظام للكون مُحكم، يجعل لكل مخلوق في السماوات والأرض ما يحفظ توازنه ويمسكه أنْ يقع.

و (إنْ) في قوله تعالى: (وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا) (فاطر: 41) يعني ما يمسكهما، فهي بمعنى أداة النفي، كما في قوله تعالى: (إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ) (المجادلة: 2).

وتُختم الآية بقوله تعالى: (إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) (فاطر: 41) ولك أنْ تسأل: ما علاقة هاتين الصفتين لله تعالى الحليم والغفور بمسألة إمساك السماوات والأرض، وهي مسألة كونية؟

قالوا: لأن هذه المسألة يكثر حولها الجدال، وكثيراً ما يتعدى الإنسانُ حددوه فيها، فيسأل عمّا لا ينبغي له الخوض فيه، وعن كيفية إمساك السماوات والأرض، وهو يمشي في أنحاء الأرض، ويركب الطائرة في جَوِّ السماء، فلا يرى شيئاً، ولا يرى أعمدة.

وهذه مسألة لا دخلَ لنا فيها، ويكفي أن الخالق عز وجل أخبرنا عنها بقوله: (خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) (لقمان: 10) أي: لا يوجد لها عُمد بالفعل، أو لها عمد، لكن لا ترونها ويصح المعنيان، وعلينا أن نقف عند هذا الحدِّ.

فالحق سبحانه حليم لا يعاقب المتجرئين عليه، الخائضين في حقه، بل إن المنكرين لوجوده سبحانه لا يعاجلهم بالعقوبة، ولولا حِلْمه تعالى كان (دربكها) على رؤوسهم.

وقد ورد في الحديث القدسي: "قالت الأرض: يا رب ائذن لي أنْ أخسف بابن آدم، فقد طَعم خيرك ومنع شُكرك، وقالت السماء: يا رب ائذن لي أنْ أسقط كِسفاً على ابن آدم، فقد طَعِم خيرك ومنع شُكرك، وقالت الجبال: يا رب ائذن لي أنْ أسقط على ابن آدم، فقد طعم خيرك ومنع شُكرك، وقالت البحار: يا رب ائذن لي أنْ أُغرِق ابن آدم فقد طَعِم خيرك ومنع شُكرك.

فقال تعالى: دعوني وخَلْقي، لو خلقتموهم لرحمتموهم، إنْ تابوا إليَّ فأنا حبيبهم، وإنْ لم يتوبوا فأنا طبيبهم..".

إذن: لولا حِلْم الله علينا ومغفرته لذنوبنا ما أمسك السماوات والأرض، ولتهدَّمَ هذا الكون على مَنْ فيه.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ...).



سورة فاطر الآيات من 41-45 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة فاطر الآيات من 41-45 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة فاطر الآيات من 41-45   سورة فاطر الآيات من 41-45 Emptyالإثنين 18 يناير 2021, 8:17 pm

وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (٤٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قوله تعالى: (جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ) (فاطر: 42) أي: اجتهدوا في القَسَم والحَلِف بأغلظ الأيمان (لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ) (فاطر: 42) رسول (لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ) (فاطر: 42) أشد هداية (مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ) (فاطر: 42) أي: أَهْدى من الأمم السابقة يعني: سيكونون في المقدمة.

والحق سبحانه يُوضِّح لنا هذا المعنى في موضع آخر، فيقول سبحانه: (وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ * لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * لَكُنَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ) (الصافات: 167-169).

وهذا كله قولهم بأفواههم، ويعلم الله أنهم كاذبون، لكنه سبحانه يُرخى لهم العنان، ولا يكشف هذا الكذب فيقول لهم: دَعْكم من الأوَّلين، وها هو الذكر الذي طلبتم وقلتم إنكم ستكونون به أهدى الناس، والمراد هنا رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-.

(فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً) (فاطر: 42) يعني: إعراضاً وتباعداً عن الحق وعن الهداية..

لماذا؟

لأن الذكْر الذي جاءهم جاء على يد محمد، ولو جاء على يد رجل عظيم كما يقولون لَقَبِلوه: (وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف: 31) فيرد الله عليهم: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ) (الزخرف: 32).

عجيب منهم أنْ يريدوا قسمة رحمة الله على هواهم واختيار رسول الله كما يحبون: (ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) (الأنعام: 124).

كيف والله قد قسم بينهم أبسط أمور حياتهم في الدنيا، فجعل هذا غنياً، وهذا فقيراً، وهذا قوياً، وهذا ضعيفاً.

لكن هذا القول منهم دليل على أن القرآن عندهم لا غبارَ عليه، وأنهم لا يُكذِّبون به مع أنهم قالوا عنه إنه سحر، وأنه كهانة، وأنه شعر، ومع هذا يعترفون بأن القرآن لا غُبار عليه، لكن آفته أنه نزل على محمد بالذات.

ثم يُبيِّن الحق سبحانه عِلَّة نفورهم، فيقول: (ٱسْتِكْبَاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ وَلاَ يَحِيقُ...).



سورة فاطر الآيات من 41-45 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة فاطر الآيات من 41-45 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة فاطر الآيات من 41-45   سورة فاطر الآيات من 41-45 Emptyالإثنين 18 يناير 2021, 8:18 pm

اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (٤٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

نعم، استكبروا على الحق، فلم يقبلوه..

لماذا؟

لأن هذا الحق جاء ليُنزلهم من عالي السيادة إلى العبودية المقترحة المستطرفة بين كل الخَلْق، وهم أَلِفوا السيادة وتشقّ عليهم المساواة، وأن يكونوا هم وعبيدهم كأسنان المشط.

وكأن الحق سبحانه يرد عليهم: يا مَنْ تستكبرون عن قبول الحق بما لكم من السيادة، أمَا كان يليق بكم أنْ (تخزوا) على عرضكم، وتسألوا أنفسكم: مِنْ أين لكم هذه السيادة؟

بالله، لو أن الله تعالى مكَّن أبرهة من هدم الكعبة في حادثة الفيل، وانصرف الناس إلى كعبة أخرى في صنعاء، أكانت لكم سيادة؟

أكانت لكم مهابة أو ذِكْر بين الناس؟

إذن: كان عليكم أنْ تُعملوا عقولكم، وأن تتأملوا هذه المهابة من أين، وهذه الأرزاق التي تُسَاق إليكم من أين؟

لقد كنتم تُحرِّمون على الناس أنْ يطوفوا بالبيت إلا وهم عرايا ليشتروا منكم الثياب.

واقرأوا قول الله: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ) (الفيل: 1-5).

لماذا فعل الله هذا بأصحاب الفيل؟

يجيب الحق سبحانه في السورة بعدها: (لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ * ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) (قريش: 1-4).

يعني: ما فعلتُ هذا بأصحاب الفيل إلا من أجل قريش، واستبقاء سيادتها، وتوفير القوت والأمن لها، لكنهم مع هذا كله استكبروا على منهجي وصادموا رسولي، وعاندوه وكادوا له.

(ٱسْتِكْبَاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ) (فاطر: 43) أي: برسول الله، وبمَنْ آمن معه ليردُّوهم عن دينهم، ولو علموا حيثية استكبارهم لهداهم هذا الاستكبار إلى الإيمان بمَنْ جعلهم كبراء.

ثم يقرر الحق سبحانه هذه الحقيقة: (وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ) (فاطر: 43) فقد مكروا برسول الله وكادوا له، وتآمروا عليه، وآذوا المؤمنين به وعذَّبوهم، لكن جعل الله كيدهم في نحورهم، كما قال سبحانه في موضع آخر: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ) (الأنفال: 30) أي: يسجنوك: (أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ) (الأنفال: 30).

لقد احتالوا للقضاء على دعوة الإسلام بكل ألوان الاحتيال، فلم يُفلحوا، حتى دبروا لقتله -صلى الله عليه وسلم-، فخيَّب الله سَعْيهم، وخرج رسول الله من بينهم وهم نيام، وهو يحثو التراب على رؤوسهم، ثم لما يئسوا من القضاء عليه بالحيلة لجئوا إلى الجن، واستعانوا بهم ليسحروا رسول الله، لكن نجَّاه الله منهم، ثم حاولوا دسَّ السم في طعامه -صلى الله عليه وسلم-.

وكأن الله تعالى يقول لهم: وفِّروا جهودكم، فلن تُطفِئوا نور الله، ولن تصدوا محمداً عن دعوته، لا بالاستهزاء والسخرية، ولا بالإيذاء والمكر والتبييت، ولا حتى بالسحر.

ومعنى: (وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ) (فاطر: 43) يعني: ينزل بهم ويحيط بهم، وينقلب عليهم.

ثم يقول سبحانه: (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ ٱلأَوَّلِينَ) (فاطر: 43) يعني: فما ينظرون إلا سنت الأولين في الرسل السابقين، والسنة هي الطريقة والعادة المتبعة والموجودة، فهل وجدوا في الرسل السابقين وفي الأمم السابقة أن الله أرسل رسولاً ثم خذله، أو تخلَّى عنه، ولم يهلك أعداءه والمكذبين به؟

إن نصرة الرسل سُنة متبعة، كما قال سبحانه: (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ) (الصافات: 173).

ثم يؤكد الحق سبحانه هذا المعنى فيقول: (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً) (فاطر: 43) لماذا لا تتبدَّل سنة الله ولا تتحوَّل؟

لأن الله تعالى أولاً ليس عنده بِدَاء، ومعنى البِدَاء أنْ تفعل شيئاً ثم يَعِنّ لك أن تفعل أحسن منه، وأيضاً لأنه سبحانه إله واحد، لا ثاني له، ولا شريك له، فلا أحدَ يستدرك عليه، أو يُغير فعله.

ثم يقول الحق سبحانه: (أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوۤاْ أَشَدَّ...).



سورة فاطر الآيات من 41-45 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة فاطر الآيات من 41-45 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة فاطر الآيات من 41-45   سورة فاطر الآيات من 41-45 Emptyالإثنين 18 يناير 2021, 8:19 pm

أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (٤٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الاستفهام في (أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ..) (فاطر: 44) استفهام يفيد التعجُّب، يعني: كيف يكون منهم هذا (أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) (فاطر: 44) أي من المكذِّبين الذين أخذهم الله (وَكَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) (فاطر: 44).

كما قال سبحانه في موضع آخر: (وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ * وَبِٱلَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) (الصافات: 137-138).

نعم، كانوا في حركة حياتهم وفي أسفارهم يمرُّون على قُرى عَادٍ وثمود، وقوم لوط وقوم صالح.. إلخ وكانوا يروْنَ آثارهم وما حَاق بهم من الدمار والخراب بعد أنْ كذَّبوا رسلهم، وكانوا أصحاب حضارات وعمارة وقصور لا مثيل لها.

كما قال سبحانه: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ * وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ * ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِي ٱلْبِلاَدِ * فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ) (الفجر: 6-14).

والعجيب أن أصحاب هذه الحضارات التي جابت سمعتُها الآفاق لم يستطيعوا أن يضعوا لحضاراتهم ما يصونها من الاندثار.

ولنا ملحظ في قوله سبحانه: (أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ) (فاطر: 44).

فمنذ عهد قريب كنا نعتقد أن السير في الأرض يعني على الأرض؛ لأننا نسير عليها لا فيها، إلى أن اكتشفنا أن الأرض فيها الأقوات، وسيد الأقوات الهواء، بدليل أنك تصبر على الماء لعدة أيام، وتصبر أكثر منها على الطعام، لكنك لا تصبر على الهواء إلا بمقدار شهيق أو زفير، لو حُبس عنك لفارقتَ الحياة.

وعرفنا أن هواء الأرض من الأرض؛ لذلك يدور معها ويرتبط بها إذن: نحن بهذا المعنى لا نسير على الأرض، إنما نسير فيها، حتى الذي يحلق بالطائرة في طبقات الجو العليا أيضاً يسير في الأرض؛ لأن الهواء من الأرض، وهو أصل قوامها نفساً وقوتاً.

وليتأكد لك أن الهواء سيد الأقوات، إجر هذه التجربة، خذ إصيصاً أو برميلاً مثلاً وضَع فيه تربة زراعية بوزن معين، وازرع فيه شجرة مثمرة كالموز مثلاً، وبعد فترة زِنْ الثمار التي أخذتها من الشجرة وزِن ما نقص من التربة، وسوف تجد أن التربة نقصتْ بمقدار خمسة بالمائة، أما نسبة الخمسة والتسعين فمن الهواء.

فكأن الهواء هو المغذِّى الأساسى للنبات؛ لذلك نقول: إنه الأصل فى القوت، على خلاف ما كنا نعتقده من أن التربة هي الأصل في القوت، لذلك يشير القرآن إلى هذه المسألة، فيقول سبحانه: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم) (المائدة: 66) فذكر الفوقية قبل التحتية.

الحق سبحانه و تعالى في هذه الآية (أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ..) (فاطر: 44) يريد من الكفار أنْ ينظروا إلى مواقع الحياة، لا إلى كلامنا، ولا إلى كلامهم، بل واقع الحياة المشَاهَد، فقال (أَوَلَمْ يَسِيرُواْ) (فاطر: 44) لأنهم ساروا بالفعل؛ لأنهم كانوا أمة لها تجارة في الصيف إلى الشمال، وفي الشتاء إلى الجنوب.

وفي هذه الأسفار رأوا الكثير من آثار مَنْ سبقهم، فهل رأوا في السابقين رسولاً هُزِم من المكذبين به؟

لقد هزم الله المكذبين والكافرين، وكتب النصر للمؤمنين الصادقين، وهؤلاء الذين أخذهم الله كانوا أشدَّ منهم قوةً، لكنها قوة البشر مهما بلغتْ من التقدم ماذا تفعل أمام قوة الله، فلا تنظر إلى قوة الرسول، لكن انظر إلى قوة مَنْ أرسله، ومَنْ تكفَّل بحفظه ونصرته.

إذن: هذه معركة ليست بين خَلْق وخَلْق، إنما بين خَلْق معاندين للخالق سبحانه، فهل تُعجِزون الله؟

لذلك ينفي الحق سبحانه أنْ يكونوا معجزين، وينفي أن يكونوا معاجزين، وفَرْق بين الاثنين: معجز إنْ أعجزه ولو مرة يعني: أتى بما يعجزه، إنما مُعاجز فيها مشاركة ومفاعلة، كأن الإعجاز كان بينهما سِجَال، وفيه أَخْذ ورَدٌّ.

فكأن الحق سبحانه يُملي لهم ويمهلهم، فيجعل لهم الغَلَبة، في بعض الجَوْلات ليستنفد كل أنواع الحيل، ويستنفد كل قُواهم، إذن: مهما كانت قوتكم، ومهما استعنتُم وتقوَّيتم بحضارات أخرى فلن تُعجزوا الله؛ لأن الله تعالى لا يُعجزه شيء، وليس له سبحانه شريك أو مقابل يساعدكم، فهو إله واحد يساعد المؤمنين به وينصرهم، وأنتم لا ناصرَ لكم، والحق سبحانه أهلك المكذِّبين قبلكم، وكانوا أشد منكم قوةً، والذي يقدر على الأشدِّ أقدر من باب أَوْلَى على الأضعف.

والحق سبحانه و تعالى حين يريد أنْ يؤكد أمراً واقعياً من الممكن أنْ يأتي به في صورة الخبر، فيقول: لقد ساروا في الأرض، ورأوا كذا وكذا، لكن عدل عن الخبر هنا إلى الاستفهام، يعني: اسألوهم أساروا أم لم يسيروا؟

والحق سبحانه لا يسأل هذا السؤال إلا وهو واثق أنهم سيقولون سِرْنا، وهذا يؤكد الكلام؛ لأنه إقرار من المخاطب نفسه، كما أن الاستفهام بالنفي أقوى في تقرُّر المخاطب من الاستفهام بالإثبات.

ومسألة السير في الأرض أخذتْ حظاً واسعاً من القرآن الكريم؛ لأن الله تعالى يريد من الناس أنْ ينظروا إلى الآيات الكونية، وأنْ يتأملوا في الكون ليقفوا على أسراره، وعلى دلائل القدرة فيه؛ لذلك يأمرنا الحق سبحانه مرّة بقوله: (قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ) (النمل: 69) ومرة: (قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ ٱنْظُرُواْ) (الأنعام: 11).

فما الفرق بين التعبيرين؟

قالوا: السير في الأرض يكون إما للنظر والاعتبار وإما للاستثمار، فقوله تعالى: (فَٱنظُرُواْ) (النمل: 69) للسير المراد منه الاعتبار والتأمل في آيات الله، وفي هندسة الكون العجيبة التي تدلُّنا على قدرة الخالق سبحانه أما قوله: (ثُمَّ ٱنْظُرُواْ) (الأنعام: 11) فهي للسير الذي يُرَاد منه العمل والاستثمار وطلب الرزق، فحتى إنْ سِرْتَ في أنحاء الأرض طلباً للرزق وللاستثمار لا تَنْسَ ولا تغفل عن الاعتبار وعن التأمل، ولا تحرم نفسك من النظر في الآيات وفي مُلْك الله الواسع، خاصة إذا اختلفتْ البيئات.

فالبيئة الصحراوية البدوية كبادية الحجاز مثلاً تسير فيها لا تكاد ترى فيها أثراً للون الأخضر، وفي إندونيسيا مثلاً ذهبنا إلى أماكن تكسوها الخضرة، بحيث لا ترى بقعة من الأرض خالية من النبات، وفي كل من هاتين البيئتين خيراتها وما يُميِّزها عن الأخرى؛ لذلك قالوا في المثل: (اللي يعيش ياما يشوف، واللي يمشي يشوف أكثر).

ثم يقول سبحانه: (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً) (فاطر: 44).

سبق أنْ تكلَمنا في معنى يُعجِزه، الآية هنا لا تنفي أن شيئاً في السماوات أو في الأرض يُعجِز الحق سبحانه، إنما تنفي مجرد أنْ يكون هذا أو يُتصوَّر، فهذا أمر لا يُتصور ولا يكون أصلاً.

وقوله: (مِن شَيْءٍ) (فاطر: 44) من هنا تنصُّ على العموم يعني: من بداية ما يقال له شيء كما تقول: ما عندي مال، فيجوز أنْ يكون لديك مال، لكن قليل لا يُعْتَدُّ به، فإنْ قلتَ: ما عندي من مال فقد نفيتَ وجود كل ما يُقال له مال، مهما كان قليلاً ولو قرشاً واحداً.

وقوله تعالى: (إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً) (فاطر: 44) يُبيِّن علة أنه سبحانه لا يُعجزه شيء، فالله تعالى عليم بعلم محيط لا يعزب عنه شيء، فإن بيَّتوا شيئاً علمه الله وعلم مكانه، ثم هو سبحانه قدير، عالم بقدرة، وهذان هما عُنْصرا الغَلَبة العلم والقدرة، تعلم الشيء وتقدر أنْ تردَّه.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ...).



سورة فاطر الآيات من 41-45 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة فاطر الآيات من 41-45 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة فاطر الآيات من 41-45   سورة فاطر الآيات من 41-45 Emptyالإثنين 18 يناير 2021, 8:19 pm

وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَٰكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (٤٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الحق سبحانه و تعالى رحيم يُوالي نعمه حتى على الكافرين به، والعاصين لأوامره، ولو أن الله تعالى آخذهم بظلمهم -وظلمهم كثير- ما ترك أحداً منهم، فلماذا يعاملنا الله هذه المعاملة؟

ولماذا يمهلنا هذا الإمهال؟

قالوا: لأنه تعالى ربنا وخالقنا، ويعلم أن الإنسان ضعيف أمام شهوات نفسه، ضعيف أمام هواه وأمام شيطانه؛ لذلك سبق حِلْمُه غَضَبه، وسبق عفوُه مؤاخذته، وقال سبحانه: (وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ) (الشورى: 30).

وورد في الأثر أن الحق سبحانه يخاطبنا بقوله تعالى: "..

لو لم تذنبوا لخلقتُ خلقاً غيركم يذنبون، فيستغفرون فأغفر لهم" وإلاَّ فكيف يُوصف الحق سبحانه بأنه توَّاب غفَّار، فالحق سبحانه يريد أنْ يثبت لنفسه سبحانه كل صفات الكمال، وأولها الوجود الواجب، ثم الحياة، وكل الصفات تابعة لهاتين الصفتين.

وهذه الصفات لله تعالى يمكن أنْ تقسم إلى قسمين: قسم له مقابل: وهي صفات الفِعْل من الله تعالى، مثل: المحيي يقابلها المميت، والمعز يقابلها المذل، وقسم ليس له مقابل وهي صفات الذات مثل: الحي العزيز القهار الحليم، فهي صفات لا نقيضَ لها.والحق سبحانه لا يُؤاخذ الناسَ بما كسبوا.

أي: من التعدي والظلم؛ لأن الله خلق الإنسان، وخلق له شهوات وغرائزَ، وكل أمور الدين جاءت لِتُعلي هذه الشهوات، وتسمو بهذه الغرائز، لا لتمحوها، جاءت لتهذبها لا لتقضي عليها، وإلا لو أن الحق سبحانه أراد ألاَّ تحدث هذه التعديات وهذا الظلم ما جعل الغرائز أصلاً.

فمثلاً غريزة الجنس خلقها الله لعمارة الكون، ويريد الله من الإنسان أنْ يُعلي من هذه الغريزة بحيث تكون في الحلال وتحت مظلة الشرع، وسبق أنْ بيَّنا الفرق في هذه المسألة حين تتم في النور وتحت مظلة شرع الله، وعلى كلمات الله، وكيف نفرح بها ونعلنها ونفخر بها، أما لو تمت في الخفاء بعيداً عَمَّا شرعَ اللهُ فنحاول كتمانها، والتخلص من ثمرتها إنْ كان لها ثمرة، وإنْ ظهرت للناس كانت وصمةَ عار لا تُمحَى.

لذلك جاء في الحديث: أن رجلاً من الصحابة كان شديد الغيرة على بناته، فلمَّا تقدم رجل لخطبة واحدة منهن ذهب ليُخبر رسول الله، فتبسَّم رسول الله وقال له: "جدع الحلال أنف الغيرة".

يعني: الأمر الذي كنت تغار منه ولا تقبله، الآن تفرح به وتدعو الناس إليه..

لماذا؟

لأنه جاء من طريق الحلال الذي شرعه الله، وكلمة الحق هي التي أبرزتْ العواطف، وجعلتْ المهيِّج المثير مُسْعِداً لا غضاضة فيه.

كذلك غريزة حب الاستطلاع موجودة في الإنسان ليتأمل الكون من حوله، ويبحث عن أسرار الله فيه، وما جعلها الله للتلصُّص على الناس، وتتبُّع عوراتهم وأعراضهم.

كذلك الأكل والشرب غريزة جعلها الله لأنها مُقوِّم من مُقوِّمات الحياة، وينبغي أنْ تكون في هذه الحدود حدود استبقاء الحياة، لا أنْ تتحوَّل إلى نَهَم وشَراهة، وتصل إلى حَدِّ التُّخمة.

والغريزة جعلها الله في الإنسان لحكمة، فالولد مثلاً يتحمل أبوه مشقة تربيته والإنفاق عليه، ويظل الولد عالة على أبيه طيلة خمس عشرة سنة، ولولا أن الله تعالى ربط النسل بالعملية الجنسية، وجعل فيها لذة الجماع لزَهدَ كثيرون في الإنجاب، كذلك الأم تتحمل مشقة الحمل والولادة والرضاعة.. إلخ، حتى أنها لتُقسم في الولادة أنها لا تحمل مرة أخرى، لكن عندما يذهب ألم الوضع، ويكبر الولد تشتاق إلى غيره.. وهكذا.

وحين تتأمل مسألة الغريزة تجد أن الخالق سبحانه جعل في الإنسان الغريزة ونقيضها، فتراه في موقف رحيماً وفي موقف آخر غَضُوباً، أو عزيزاً في موقف، ذليلاً في موقف آخر، وهاتان الغريزتان لا تجتمعان في الإنسان في وقت واحد، فالظرف الإيماني يحكم عليه مرة بأن يكون عزيزاً، ومرة بأن يكون ذليلاً.

واقرأ إنْ شئتَ قوله تعالى: (فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ) (المائدة: 54).

وقوله سبحانه: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح: 29).

إذن: الخالق عز وجل جعل فيك الغرائز المتناقضة، لا يكبت شيئاً منها، لكن لِتُستعمل كل غريزة منها في موقعها المناسب.

ومعنى: (يُؤَاخِذُ) (فاطر: 45) يعني: يعاقب ويجازي (بِمَا كَسَبُواْ) (فاطر: 45) نقول: كسب واكتسب، كلمة كسب تدل على وجود تجارة فيها ربح ومكسب زيادة على رأس المال، وهي تدل على المكسب الذي يأتي طبيعياً، أما اكتسب ففيها مفاعلة، وهي على وزن افتعل، ففيها افتعال وتكلُّف.

لذلك يستعمل القرآن كسب في الخير واكتسب في الشر: (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ) (البقرة: 286) لأن فعل الخير يأتي منك طبيعياً، لا تكلفَ فيه ولا افتعال على خلاف الشر، فيحتاج إلى محاولات وإلى حِيَل واحتياط وتلصُّص.. إلخ.

لذلك قلنا: إن الطاعة لا تُكلِّف الإنسان شيئاً، أما المعصية فهي التي تكلف الكثير؛ لأن الطاعة تأتي منك طبيعية، أما المعصية فتحتاج إلى حِيَل واحتيال وافتعال.

فإن قُلْتَ: فما بَالُ قوله تعالى في السيئة(بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ) (البقرة: 81).

نقول: استعمل القرآن كسب مع السيئة؛ لأنه يتحدث عن الذين أسرفوا على أنفسهم، وبالغوا في المعصية حتى أحبوها وعشقوها، بل ويتحدثون بها ويجاهرون، وحتى أن المعصية تأتي منهم طبيعية، كأنها طاعة، ويفعلونها بلا افتعال ولا احتياط، فهي في حَقِّهم كسبٌ لا اكتساب، ويفرحون بها كأنها مكسب فلا يُؤنِّبون أنفسهم، ولا يلومونها، ولا يندمون على معصيتهم.

والآية هنا بنفس هذا المعنى (وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ..) (فاطر: 45) يعني: عشقوا المعصية والظلم وفرحوا به كأنه مكسب.

ثم يأتي جواب الشرط: (مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ..) (فاطر: 45) معنى الدابة: كل ما يدبّ على الأرض.

أي: يمشي عليها الهُوَيْنَا، لكن غلبتْ الكلمة على ما يُركب ويحمل الأثقال.

لذلك قال العربي لآخر: لقد أَعْيَيْتَني شبَّ ودبَّ يعني في شبابك، وفي شيخوختك، وأنت تدبّ وتمشي الهُوَيْنا.

لكن، ما ذنب الدوابِّ تتحمل عاقبة ظلم الإنسان؟

قالوا: العلاقة هنا أن الدابة مخلوقة مُذلَّلة لخدمة الإنسان وراحته، فمعنى هلاك الدواب أنْ تمتنع راحة الإنسان، وأنْ يمتنع المطر وتجدب الأرض، وعندها لا يجد الإنسان قُوته، لا من لحوم الدواب ولا من نبات الأرض، وفي هذا إذلال للإنسان الذي يرى وسائل حياته وأسباب راحته تُسلَب منه دون أنْ يفعل شيئاً، ولا يقدر على شيء.

وحين نتتبع آيات القرآن نجد أنه تكلَّم عن هذا المعنى في موضعين: الأول: في سورة النحل: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) (النحل: 61).

والآخر هنا في فاطر: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً) (فاطر: 45).

قد يرى البعض في الآيتين تكراراً، وحاشا لله أن يكون في كلامه تكرار، فإذا تأملتَ لوجدتَ بينهما خلافاً، يجعل لكل منهما معناها الخاص.

فالأولى تتكلم عن ظلم الناس، والأخرى عَمَّا اكتسبوه من السيئات عامة، وكل من اللفظين يعطيك لقطة جديدة لأنني قد أظلم، لكن أندم على ظلمي، ولا أفرح به، ولا أتمادى فيه، أما إنْ صار عادةً لي حتى عشقته، فهو اكتساب وافتعال بالمعنى الذي ذكرنا.

الأولى تقول: (مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا) (فاطر: 45) والأخرى: (مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا) (النحل: 61) كذلك في تذييل الآيتين، ففي الأولى يتحدث الحق سبحانه عن الزمن والأجل الذي لا يتقدم ولا يتأخر، وفي الأخرى يتحدث عن الجزاء، وأن الله تعالى بصير بأعمال عباده، لا يخفى عليه منهم شيء، إذن: فالآيتان متكاملتان، ليس فيهما تكرار أبداً.

وضمير الغائب في (مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا) (فاطر: 45) و(مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا) (النحل: 61) هذا الضمير متصل بالآية قبلها: (..وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ) (فاطر: 44) فالضمير يعود على أقرب مذكور، وهو الأرض، ويفهم هذا المرجع أيضاً بالقرينة العقلية؛ لأن المعنى ينصرف إليها.

وهذه الآية لها معنا قصة ونحن صغار في كُتَّاب الشيخ حسن -رحمه الله-، وكان الشيخ يكلف العريف أنْ يُصحِّح لنا الألواح، وفي هذا اليوم جلس الشيخ حسن يصحح لنا بنفسه، لكن في هذا اليوم لم أكُنْ صححت اللوح (وطلعت خالص) وانتظرت الفَلَكة والمقرعة (تشتغل)، لكن الشيخ قال لي: اسمع أنا سأعلمك كيف تقرأ هذه الآية دون أنْ تخلطها بآية النحل، لا تجمع الظائين ولا السينين يعني: إن قلت (بِظُلمِهِمْ) فلا تقل (عَلَى ظَهْرِهَا) وإنْ قلتَ (بِمَا كَسَبُوا) فلا تقل (لاَ يَسْتأخِرون سَاعةً) وهكذا كان شيخنا -رحمه الله- يُعايش القرآن ويتفاعل معه، وصدق الله العظيم: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) (القمر: 22).

وكان لي معه أيضاً -رحمة الله عليه- قصة أخرى، ما زلت أذكرها في سورة الشورى، وجلس الشيخ يُصحِّح لنا اللوح وكنا هربنا ولم نصحح، فلمَّا جلستُ أمام الشيخ قرأت: (حم عسق) وقد مرت بنا (حم)، (وطه)، وغيرهما لكن لم يمر بنا مثل: (عسق) فقرأتها كما هي عَسَق، فضربني الشيخ فقرأتُ أيضاً عَسَق فضربني، وفي المرة الثالثة عرف أنني لم أصحح اللوح على العريف، فقال: قُلْ عين سين قاف، فظلت ملازمة لي لا أنساها حتى الآن، -رحمهم الله ورَضي عنهم أجمعين-.

والمُراد بالأجل في: (فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ) (فاطر: 45) أي: القيامة والعذاب، أو جاء أجل إفنائهم بعذاب يستأصلهم، وعرفنا أن عذاب الاستئصال مثل الصيحة والرجفة والخسف.. إلخ، لا ينزل إلا على يأس من هداية القوم، بحيث لم يَعُدْ هناك أمل في حياتهم، كما جاء في قصة سيدنا نوح -عليه السلام- لما قال: (رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً) (نوح: 26-27).

لكن إنْ كان هناك أمل في أنْ يؤمن بعض القوم فلا ينزل بهم مثل هذا العذاب.

أو: يراد بالأجل هنا أجل الأمة، كما قال سبحانه: (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) (يونس: 49) فكأن الآجال ثلاثة: أجل للدنيا ونهايته قيام الساعة، وأجل للشخص الواحد بانتهاء عمره، وأجل للأمة كلها حين يأتيها عذاب عام يقضى عليهم جميعاً مرة واحدة.

أو: لكل أمة أجل تنتصر فيه، وتغلب مع وجود المعاندين والكافرين، كما حدث لسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمَّا انتصر المسلمون في بدر، فقد كان لأمة الظلم والكفر أجل انتهى بالإسلام وقوة المسلمين، مع أن الأمل كان بصيصاً من نور، بحيث يغلب اليأسُ على الأمل.

حتى أن سيدنا عمر -رضي الله عنه- يقول لما نزلت: (سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ) (القمر: 45) قال عمر: أىُّ جمع هذا ونحن عاجزون عن حماية أنفسنا؟

فلما جاءت بدر وانتصر المسلمون، قال: صدق الله: (سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ) (القمر: 45) فقد اشتدتْ شوكة الإسلام، وقوَى المسلمون، وأذنت دولة الكفر بالزوال، انتهى أجل الأمة الكافرة الظالمة، وبدأ أجل الأمة المؤمنة.         

 لذلك حين نتأمل قوله تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ * وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ * وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ..) (فاطر: 19-22).

نجد أربعة متقابلات، الأولان منها مطابقان لحاله -صلى الله عليه وسلم- مع أمته قبل انتشار الإسلام في فترة غلبة الجاهلية على سيدنا رسول الله وأتباعه في مكة، فالأعمى أي: الجاهل بالحكم، والبصير العالم به، والظلمات يعني: الضلال والكفر، والنور هو الإيمان، لأنهم كانوا عمياً، فأراد الله أنْ يُبصِّرهم، وكانوا في ظلمات الجهل والضلال فأخرجهم الله منها إلى نور الإيمان.

أما المتقابلان الأخيران فيطابقان حاله -صلى الله عليه وسلم- مع أمته بعد أن أرسى الإسلامُ دعائمه، وتمكّن من نفوس المؤمنين: (وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ) (فاطر: 21-22) فتراه بدأ بصفة الإيجاب فلم يقل الحرور ولا الظل كما قال: (ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ) (فاطر: 19).

لماذا؟

لأن الحديث هنا عن أمة النصر وأمة الإيمان، فناسب أنْ يبدأ التقابل بصفة الخير التي تناسب هذه الأمة الجديدة.

وفي هذا المعنى إشارة لطيفة إلى انتهاء الجاهلية وظلماتها وعماها، وإيذان ببداية أجل جديد، لأمة الإيمان الوليدة التي تستظل بواحة الإيمان بعد أنْ أحياهم الله بالإيمان وكانوا أمواتاً بالكفر، كما قال سبحانه في آية أخرى: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا..) (الأنعام: 122).

وسبق أنْ بيَّنا الفرق بين مَيْت وميِّت، الميِّت بالتشديد هو مَنْ يؤول أمره إلى الموت وإنْ كان حياً، ومن ذلك خطاب الحق سبحانه لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ) (الزمر: 30) يعني: سيؤول أمرك إلى الموت.

أما ميْت بالسكون فهو الذي مات بالفعل.

إذن: نستطيع أن نقول (فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ) (فاطر: 45) أي: بنُصْرة الإيمان على الكفر (فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً) (فاطر: 45) كلمة عباد وعبيد جمع لعبد، ومع أنهما جَمْع لمفرد واحد إلا أن معناهما مختلف؛ لأن الإنسان العبد مِلْك سيده، وما دام مِلْكه فهو مطيع لأوامره، والإنسان المؤمن له اختيار، فالله تعالى يخاطبه وهو يطيع أو يعصي، في حين أن العبد لا يعصي سيده إنْ كان من البشر.نعم قد يخالف أمر الله، لكنه لا يخالف أمر سيده، كيف؟

قالوا: لأن الله تعالى هو الحليم الغفار، أما السيد من البشر فلا يخلو من جبروت، أو طغيان، أو استبداد وتسلُّط.

وفَرْق بين طاعة العبد وهو مختار أنْ يعصي وطاعته وهو مقهور على الطاعة، وسبق أنْ مثَّلْنا لهذه المسألة بعبدين سعيد وسعد، سعيد شُدَّ إلى سيده بسلسلة لا يستطيع الفكاك منها، وسعد أُطلِق حُراً لا يقيده شيء، وحين ينادي السيد على أحدهما يأتيه، فأيهما أطوع؟

لا شك أن سعداً أطوع من سعيد؛ لأنه يأتي سيده وهو قادر مختار ألاَّ يأتي، أما سعيد فلا يملك إلا أنْ يجيب؛ لأنه لو عصى لجذبه السيد من السلسلة.

كذلك الحق سبحانه خلق الخَلْق مختارين، ووضع لهم هذه القاعدة: (فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف: 29) مَنْ شاء أطاع، ومَنْ شاء عصى، وهذا تصرُّف العبيد مع سيدهم، فإنْ قال العبد: يا ربِّ أنت خلقتني ورزقتني وجعلتَ لي الجوارح، وجعلتني مختاراً، وأنا عبد من عبيدك؛ لذلك أتنازل عن اختياري لاختيارك، وعن مرادي لمرادك، لقد اختار هذا العبد أنْ يكون مقهوراً لربه مسخراً كما سُخِّرت السماء والأرض.

وهؤلاء هم العباد، وهم الصفوة من الخَلْق الذين آثروا مراد الله على مراد أنفسهم؛ لذلك يتحدث عنهم الحق سبحانه ويعطينا صورة لهم: (وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً) (الفرقان: 63) يعني: متواضعين غير متكبرين، وعلامَ التكبر(إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً) (الإسراء: 37).

(وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً * وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً * وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً * وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً * وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً) (الفرقان: 63-68).

هذه صفات ثمانٍ ترسم لنا صورة كاملة لمن استحقوا أن يكونوا عباد الله؛ لذلك يخاطبهم ربهم في موضع آخر: (قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ) (الزمر: 53).

ومن رحمة الله بعباده أن الحسنة تمحو السيئة، كما قال سبحانه: (وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ) (هود: 114).

بل وأعظم من ذلك، ألاّ تقتصر رحمة الله على محو السيئة، إنما تُبدَّل السيئة بعد التوبة حسنة: (إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) (الفرقان: 70).

وحول معنى (عباد) و (عبيد) الذي أوضحناه سمعنا مَنْ يعترض ويقول: في القرآن ما يناقض هذا المعنى، وهو قوله تعالى في موقف القيامة يخاطب الكبراء والسادة الذين أضلُّوا الناس وزيَّنوا لهم الكفر: (أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ) (الفرقان: 17).

ونقول: ليس بين الآيات تعارض كما تقولون؛ لأن الحديث هنا عن الآخرة، وليس في الآخرة اختيار، فلا فَرْق بين (عباد) و (عبيد) في الآخرة.

وقوله تعالى: (فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً) (فاطر: 45) ذكر هنا صفة البصر؛ لأنها أقوى وسائل العلم والإدراك، فللعلم وسائل متعددة ذكرها الحق سبحانه في قوله: (وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل: 78).

فالسمع أول وسائل الإدراك، وهو أول جارحة تتنبه وتؤدي مهمتها في المولود، بدليل أنك تضع مثلاً أصبعك أمام عينه، فلا تطرف، أما إنْ صرخْتَ في أذنه ينزعج ويستجيب للصوت، والسمع كذلك هو الحاسة التي لا تتعطل أثناء النوم؛ لأن بها يتم الاستدعاء، والسمع هو الوسيلة الأولى في القيم والمعنويات، وبه يستقبل الإنسان منهج الله.

أمَّا البصر وإنْ جاء في المرتبة الثانية إلا أنه أكبر من السَّمع وأقوى؛ لأنك قد تسمع عن الشيء، لكن لا تلتفت إليه، فإنْ تحوّل من السَّمع إلى البصر فقد وصل إلى قمَّة الإدراك الذي لا شكَّ فيه؛ لذلك يقولون: ليس من العين أين.

والشيء الذي تسمع عنه قد يكون كاذباً، أمَّا الشيء الذي تبصره فإنه لا يكون إلا حقاً.

لذلك، فالحق -سبحانه و تعالى- حين يريد أن يؤكد لنا معلومة، يقول سبحانه: (أَلَمْ تَرَ) (الزمر: 21) لأن الذي تراه العين هو الآكد.وأبو جعفر لما قال لمقاتل: عِظني يا مقاتل، قال له: أعظك بما سمعتُ، أم ربما رأيتُ؟

بالله أجيبوا أنتم بماذا؟

قال: عِظْني بما رأيتَ، نعم لأنك قد تسمع كذباً، أمَّا إنْ رأيتَ بالعين فهو الحق.



سورة فاطر الآيات من 41-45 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة فاطر الآيات من 41-45
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة فاطر الآيات من 01-05
» سورة فاطر الآيات من 36-40
» سورة فاطر الآيات من 11-14
» سورة فاطر الآيات من 15-25
» سورة فاطر الآيات من 26-30

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: فاطــر-
انتقل الى: