منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة فاطر الآيات من 26-30

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة فاطر الآيات من 26-30 Empty
مُساهمةموضوع: سورة فاطر الآيات من 26-30   سورة فاطر الآيات من 26-30 Emptyالثلاثاء 12 يناير 2021, 11:22 pm

ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (٢٦)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وهذه سُنّة الله في المرسلين، أنْ يأخذ الكافرين بهم والمعاندين لهم، أرأيتم نبياً أسلمه الله أو انهزم أمام قومه المعاندين؟

لقد وعد الله رسوله بالنصرة وبالتأييد، فقال سبحانه: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا) (غافر: 51).

وقال: (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ) (الصافات: 173) لذلك إنْ رأيتَ جندياً لله انهزم في شيء ولم يَغْلب، فاعلم أن شرطاً من شروط الجندية تخلَّف، وأول شرط للجندية لله الطاعة، فإنْ خالف الجنديُّ أوامر الله فلابُدَّ أنْ يُهزم، لذلك قلنا: إن المسلمين انتصروا في بدر وهم فئة قليلة: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ) (البقرة: 249).

ولم يَمْض على بدر سنة واحدة، وحدثتْ أُحُد، صحيح لم يُهزم المسلمون لكنهم أيضاً لم ينتصروا؛ لأن المعركة (ماعت) ذلك لأن الرُّمَاة خالفوا أمر رسول الله وتخلَّوْا عن أماكنهم ونزلوا لجمع الغنائم، وأراد الله تعالى تأديب عباده المخلصين فلابُدَّ أنْ يهزَّهم هذه الهِزَّة العنيفة، ويرَوْا هذه النتيجة؛ لأنهم خالفوا.

لذلك قلنا: إن الإسلام انتصر في أُحُد، وإن كان المسلمون لم ينتصروا؛ لأنهم لو انتصروا مع مخالفة أمر رسول الله لَهَانت على المسلمين أوامر رسول الله بعد ذلك، ولقالوا: لقد خالفنا أوامره وانتصرنا في أُحُد إذن: كان لابُدَّ من هذه النتيجة المائعة ليعلم المسلمون أهمية الطاعة والأُسْوة برسول الله.

كذلك في حُنَين لما رأى الصِّدِّيق أبو بكر كثرة المسلمين، فقال: لن نُغْلَب اليوم عن قلة -وكانوا عشرة آلاف مقاتل- فأراد الله أنْ يكسر هذا الغرور في المسلمين، فكان التفوق للكفار في بداية المعركة حتى أحرجوا المسلمين، لكن تداركتهم رحمة الله، وكأن الله أراد أن يُصحِّح لهم الخطأ فحسب، لا أن تنزل بهم الهزيمة.

وحين نتأمل معنى: (ثُمَّ أَخَذْتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ) (فاطر: 26) نجد أن الأَخْذ يدل على قوة الآخذ وقوة الجذب التي تستوعب كل أعضاء المأخوذ، فعلى مستوى البشر نقول: أخذ فلان يعني ساقه أو شدَّه من مَجْمع ثوبه ومَلكه بقبضة يده، أما لو قُلْت أخذه الله فأَخْذُ الله شديد، أخذ عزيز مقتدر.

لذلك يقول بعدها (فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) (فاطر: 26) أي: نكيري واعتراضي على ما فعلوا.والنكير هو الشيء الذي تستنكره وتغضب منه، وما بالك بقوم أنكر الله مسلكهم وغضب عليهم؟

لابُدَّ أنْ يأخذهم أَخْذاً يُرضِي أولياءه، ويُرضِي المؤمنين به.

فقوله سبحانه: (فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) (فاطر: 26) يعني: قُلْ لي يا محمد هل قدرتَ على مجازاتهم بما يستحقون؟

وهذا المعنى واضح أيضاً في قوله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ * وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) (المطففين: 29-36).

ثم يقول الحق سبحانه: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا...).



سورة فاطر الآيات من 26-30 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة فاطر الآيات من 26-30 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة فاطر الآيات من 26-30   سورة فاطر الآيات من 26-30 Emptyالثلاثاء 12 يناير 2021, 11:24 pm

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (٢٧)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

تلحظ أن الحق سبحانه و تعالى يُذكِّرنا ببعض نِعَمه علينا، ثم يُتبع ذلك ببعض المطلوبات، وهكذا ليُؤنِس قلبك بالإحسان إليك لتستجيب لمطلوباته.

والحق سبحانه حين يُذكِّر عباده بهذه الآية الكونية، آية إنزال الماء من السماء بعد أنْ بيَّن لنبيه أخْذه الشديد للكافرين، كأنه سبحانه يقول لرسوله: دَعْك من أمر هؤلاء الكافرين، فأنا قادر على معاقبتهم، وتأمل في هذه الآية الكونية (أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً..) (فاطر: 27).

وقوله (أَلَمْ تَرَ) (فاطر: 27) أي: تشاهد؛ لأن الجميع يرى الماء، وهو ينزل من ناحية العلو، والسماء هي كل ما علاك فأظلَّك، وقد تأتي: (أَلَمْ تَرَ) (الفيل: 1) بمعنى: ألم تعلم.

وهذا في الأشياء التي لم يَرَها رسول الله كما في قوله سبحانه: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ) (الفيل: 1).

ومعلوم أن سيدنا رسول الله لم يَرَ حادثة الفيل، لكن خاطبه ربه بـ: (أَلَمْ تَرَ) (الفيل: 1) ليدل على أن إخبار الله له أوثقُ وأصدقُ من رؤية العين.

ومسألة إنزال الماء من السماء أي من ناحيتها، وإلا فالسماء شيء آخر، المطر إنما ينزل من السحاب القريب من الأرض.

نقول: مسألة إنزال الماء من ناحية السماء يبدو أمراً طبيعياً، فبخار الماء ينعقد في السماء على هيئة سُحُب ممتلئة بالماء، والماء له ثِقَل ينزل إلى أسفل بجاذبية الأرض، لذلك يرتب الله على إنزال المطر إخراج النبات (فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا) (فاطر: 27) فإنْ قُلْتُ: إن نزول الماء من السماء أمر طبيعي قد يُشك فيه أنه من فعل الطبيعة، فهل إحياء الأرض وإنبات النبات مختلف الثمرات والألوان أيضاً من فعل الطبيعة؟

وكلمة (أنزَلَ) (فاطر: 27) تفيد العُلُو من المُنزِل والدُّنُو من المُنزَل إليه، حتى لو كان هذا الأمر معكوساً وأتى الإنزال من أسفل إلى أعلى كما في قوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) (الحديد: 25) والحديد في الواقع نُخرجه من باطن الأرض، لكن سماه الله إنزالاً؛ لأن المراد به الإتيان من أعلى لأدنى بصرف النظر عن جهته أعلى أو أدنى.

ونحن نشاهد عملية إنزال الماء من السماء، لكن لم نشاهد عملية البخر التي تتم على سطح الماء في الأرض، ثم صعودها إلى طبقات الجو العليا حيث تتكوَّن السُّحب عن طريق التكثيف، والإنسان لم يكُنْ يعلم شيئاً عن هذه العمليات حتى تقدَّمتْ العلوم، وعرفنا عملية تقطير الماء.

أمَّا عملية إخراج النبات والثمرات المختلفة الألوان فهي واضحة مُشَاهدة في البساتين والحقول، فكلنا يرى بدائع الألوان واختلاف الأشكال بحيث لا تتناهى حصراً؛ لأن ألوان الطيف إنْ كانت هي الألوان الأصلية فيمكن أن يتولَّد منها مَا لا حصر له، فاللون الأسود مثلاً لو أضفتَ إليه قطرة واحدة من اللون البني مثلاً يعطيك لوناً آخر، فإنْ أضفتَ قطرتين يعطيك لوناً ثالثاً، وهكذا لا تتناهى الألوان، وهذه المسألة نشاهدها الآن في صناعة الأقمشة، فقد تعددت ألوانها بدرجات مختلفة وزركشات لا حصر لها.

إذن: نقول: إن الألوان كائن لا يتناهى.

ولك أن تتأمل تداخل الألوان وتناسقها في زهرة أو وردة في الحديقة، وسوف ترى في ألوانها الإعجاز المبهر، فالحبة واحدة، والأرض واحدة، والماء واحد، لكن تولَّد من هذا كله هذا الشكل البديع وهذه الألوان المتداخلة المتناسقة؛ لأن الحدث آثار المحدِث، فإذا كان المحدِثُ محدودَ القدرة ظهرتْ آثاره كذلك محدودةَ القدرة، وإذا كان المحدِث فائقَ القدرة تأتي آثاره فائقة القدرة، أما الحق سبحانه فله طلاقة القدرة؛ لذلك تأتي آثاره كذلك.

وتلحظ في سياق الآية أن الحق سبحانه لم يتكلم عن إنزال المطر من السماء قال (أنزَلَ) (فاطر: 27) بصيغة ضمير الغائب، لكن لما تكلّم عن إخراج الثمرات قال: (فَأَخْرَجْنَا) (فاطر: 27) فنقلنا إلى ضمير الجماعة المتكلمة الدالّ على التعظيم.

لماذا؟

لأن إنزال الماء من السماء ليس هدفاً في ذاته، فليس هو المهم، بدليل أن الماء قد ينزل على الأرض السّبخة فلا تستفيد به، أما عملية إخراج الثمار فهي العملية المهمة التي أنزل اللهُ الماءَ من أجلها؛ لذلك ذكرها بضمير الجمع الدالّ على التعظيم، فالحق سبحانه يُعظِّم نفسه في الفعل كما في قوله سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9).

ونحن نعرف في عُرْفنا أن الحدث يختلف باختلاف المحدِث، فإنْ أحدثه فرد واحد أتى الحدثُ على مستوى قدرة هذا الفرد، فإنْ تكاتفت فيه جماعة جاء على مستوى هذا التكاتف؛ لذلك نسمع عند سَنِّ القوانين التي تحكم الشعوب يقول القائد أو الملك: نحن رئيس الجمهورية، أو نحن ملك مصر، أو نحن سلطان كذا وكذا؛ لأن مسألة سَنِّ القوانين ليست مسألة فردية يقررها الحاكم أو الملك، ولا ينطق بها باسمه، إنما يشاركه فيها رعيته، وينطق باسمهم جميعاً.

لذلك نجد الحق سبحانه و تعالى حين يُحدِّثنا عن فعل من أفعاله يُحدِّثنا بضمير الجمع، أمَّا إنْ تكلم عن ذاته سبحانه تكلّم بضمير المفرد، مثل: (إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ) (طه: 14).

وإنزال الماء في صورته أمر واحد، أمَّا الإخراج ففيه تلوُّن للمخرج، فالماء المُنَزَّل من السماء واحد، لكن آثار الماء متعددة، فهذا أصفر، وهذا أبيض، وهذا أحمر.. إلخ، فهذه العملية تحتاج إلى تعظيم يناسبها.

لكن، هل الإخراج للثمرات هكذا مباشرة؟

أم الإخراج للنبات الذي يعطي الثمرات؟

الإخراج للنبات الذي يعطي الثمر، فالحق سبحانه يذكر لنا الشيء بنهاية المطلوب منه وهو الثمر، وهذا الثمر يأتي مختلفاً في ألوانه، مع أن البيئة واحدة ويُسقى بماء واحد، وحين تتأمل الألوان في الثمار تجد فيها طلاقة القدرة لله تعالى، وهذه الألوان لم تُجعل هكذا لمجرد الشكل والزينة، إنما جُعِلَتْ هكذا لحكمة أرادها الخالق سبحانَه، منها أن هذه الألوان تجذب الحَشرات المخصِّبة.

ولو تأملتَ هذه الألوان لوجدتها متعددة حتى في اللون الواحد، ألاَ ترى أن بياض الثلج مثلاً غير بياض الثوب، غير بياض الجير؛ لذلك يصفون الألوان فيقولون أبيض يقق، وأصفر فاقع، وأحمر قانٍ، وأخضر مدْهَام.

وبعد أنْ حدَّثنا الحق سبحانه عن آية من آياته في النبات يُحدِّثنا عن الجماد (وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ) (فاطر: 27) ففي الجمادات أيضاً ألوان نشاهدها مثلاً حين نشقُّ الصخر لاستخراج ما في باطن الأرض، ترى مثلاً الجرانيت والرخام والعقيق بألوان مختلفة كذلك.

وكلمة (جُدَدٌ) (فاطر: 27) جمع جُدة، وهي الخط الفاصل بين شيئين، رأيتم طبعاً الحمار الوحشي المخطط ومدى تناسق هذه الخطوط، ترى مثل هذا في طبقات الجبال، وهي مختلفة البياض ومختلفة الاحمرار.

ومعنى (وَغَرَابِيبُ سُودٌ) (فاطر: 27) تقول: أسود غِرْبيب يعني: شديد السواد.

فالغربيب أشدُّ درجات السواد نسبةً إلى الغراب لشدة سواده.

بعد أن ذكر الحق سبحانه جنس النبات وجنس الجماد يذكر أن هذا الاختلاف موجود أيضاً في الإنسان وفي الحيوان - وهذه هي أجناس الوجود، فيقول سبحانه: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ...).



سورة فاطر الآيات من 26-30 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة فاطر الآيات من 26-30 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة فاطر الآيات من 26-30   سورة فاطر الآيات من 26-30 Emptyالثلاثاء 12 يناير 2021, 11:25 pm

وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

إذن: فالاختلاف في كل الأجناس؛ لأن الخَلْق قائم على طلاقة القدرة، فالناس مع كثرتهم مختلفون، وهذا إعجاز دالّ على طلاقة القدرة، فالخَلْق ليس على قالب واحد يُخرِج نسخاً متطابقة، إنك تنظر إلى الرجل فتقول هو شبه فلان، لكن إذا دققتَ النظر لابُدَّ أنْ ترى اختلافاً، إذن: طلاقة القدرة تقتضي اختلاف كل أجناس الوجود: الجماد، والنبات، والحيوان، والإنسان.

ومعنى الدوابّ: كل ما يدبّ على الأرض عدا الإنسان والأنعام التي هي البقر والغنم والإبل والماعز.

وقوله سبحانه: (إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاء..) (فاطر: 28).

والخشية هي الخوف الممزوج بالرجاء، وهذا من العلماء عمل من أعمال القلوب، وأنت تخاف مثلاً من عدوك، لكن لا رجاءَ لك فيه، إنما حين تخاف من الله تخافه سبحانه وأنت ترجوه وأنت تحبه، لذلك قالوا: لا ملجأ من الله إلا إليه.

والعلم إما علم شرعي، وهو علم الأحكام: الحلال والحرام والواجب والسنة.. إلخ.

أو علم الكونيات، وهذه الآية وردت في سياق الحديث عن آيات كونية ولم يُذكر قبلها شيء من أحكام الشرع؛ لذلك نقول: إن المراد بالعلماء هنا العلماء بالكونيات والظواهر الطبيعية، وينبغي أن يكون هؤلاء هم أخشى الناس لله تعالى؛ لأنهم أعلم بالآيات الكونية في: الجمادات، والنبات، وفي الحيوان، والإنسان، وهم أقدر الناس على استنباط ما في هذه الآيات من أسرار لله تعالى وكونيات الوجود هي الدليل على واجب الوجود، وهي المدخل في الوصول إلى الخالق سبحانه وإلى الإيمان به؛ لذلك كثيراً ما نجد في القرآن: (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (الروم: 23).

وإذا كان العلم قضية يقينية مجزوماً بها وعليها دليل، فإن الحق سبحانه و تعالى نزَّل لنا علم الشرع وحدَّد لنا حدوده، فلا دَخْلَ لنا فيه، لذلك عصمه الله وأحكمه؛ لأن الأهواء تختلف فيه، والحق سبحانه يقول: (وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ) (المؤمنون: 71).

أما علم الكونيات فقد تركه الخالق سبحانه للعقول تبحث فيه وتستنبط منه وتتنافس فيه، بل وتسرقه بعض الدول من بعض.

وآفة العصر الحديث أنْ يُدخِل علماء الشرع أنوفهم في الكونيات، أو أن يُدخِل علماء الكونيات أنوفهم في أحكام الشرع، وقد رأينا مثلاً لما قالوا بأن الأرض كروية، وأنها تدور حول الشمس، أسرع بعض علماء الشرع فاتهموا هؤلاء بالكفر، وهذا خطأ فادح، وكان عليهم أنْ يأخذوا من الحق سبحانه ما عصم به الأهواء من أن تختلف؛ لأن شكل الأرض وحركتها مسألة كونية لا صِلَة فيها بالحلال والحرام.

والحق سبحانه يقول: (فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ) (النحل: 43) فأهل الذكر في العلوم الشرعية غير أهل الذكر في العلوم الكونية، ويجب أنْ يحترم كل منهما تخصص الآخر في مجاله، ولا يَنْسَى علماء الشرع أن علماء الكونيات هم الذين يكتشفون لنا أسرار الله في الخَلْق، وهم الذين يُربُّون في نفوسنا أدلة الإيمان بواجب الوجود الذي تصدر عنه أحكام الحلال والحرام.

والحق سبحانه و تعالى خلق الكون على هيئة الصلاح، فلو دخلْتَ مثلاً غابة من الغابات الأنُف -يعني: التي لم يدخلها أحد، وما زالت على طبيعتها كما خلقها الله- لا تجد فيها قذارة ولا رائحة كريهة ولا قمامة ولا غُصناً مكسوراً.. إلخ، بل تراها نظيفة متناسقة، فالفضلات بها غذاء لحيوانات أخرى، فنظافتها ذاتية.

وأذكر أننا رأينا في وادي فاطمة في السعودية عَيْنَ ماء تروى الوادي من حولها، وفي أحد الجداول رأينا أسماكاً صغيرة في حجم واحد مثل عُقْلة الأصبع فسألت صاحب البستان: هل يكبر هذا السمك؟

قال: لا بل يظل على هذه الصورة، وهو ما جاء إلا بعد أنْ ألقينا بعض فضلات الطعام في الماء فظهر ليتغذَّى عليها ثم يختفي، وكأن له مهمة محددة هي نظافة الماء، ولمَّا جئنا إلى مصر وجدنا بها هذا السمك في "مُتْحف الأحياء المائية" يقوم بنفس هذه المهمة، وهي تنظيف أحواض الأسماك من الفضلات.

لذلك نقول: لا يأتي الفساد في الطبيعة إلا حين يتدخَّل فيها الإنسان، بدليل أن المخلوقات التي لا دخل للإنسان فيها تسير بنظام محكم دقيق لا اختلاف فيه؛ لذلك حين ترى في الكون مثلاً أزمة في القوت، فاعلم أنها نتيجة حركة خاطئة للإنسان، أو نتيجة تكاسل عن استنباط خيرات الأرض.

إذن: على علماء الشرع ألاَّ يُدخِلوا أنفسهم في الكونيات، وقد علَّمنا ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين نهاهم عن تأبير النخل يعني: تلقيحه، فلم يثمر النخل، فلما رأى رسول الله ذلك قَبِلها في نفسه وقال: "أنتم أعلم بشئون دنياكم".

يعني: المسائل الكونية والعلمية والمعملية التجريبية، هذه أمور لا دخْلَ لأحكام الشرع فيها، لكن آفة العلماء اليوم ألاَّ يلتزم كُلٌّ بما يخصُّه.

لذلك خَصَّ الله هنا علماء الكونيات؛ لأنهم الأقدر على التمعُّن في أسرار الله، فالحق سبحانه ملأ كونه بأسرار تتناسب مع تطور العصر ومُضيّ الزمن، فالأسرار التي عرفها الإنسان في العصر الحجري مثلاً غير التي عرفها في العصر الحديث، وشاءتْ حكمة الله أنْ يجعل لكل سرٍّ من أسراره ميلاداً يظهر فيه، بحيث لا تظهر الأسرار في زمن واحد، ويستقبل الإنسان باقي الزمن بدون جديد.

وحين تتأمل هذه المسألة تجد أن الحق سبحانه أظهر للإنسان ما فيه مقومات حياته، ثم ترك الأمور البدهية التي يعرفها الناس ليترقوا فيها، فالإنسان مثلاً استخدم بدهية أن الماء ينساب من أعلى إلى أسفل، ورقّى هذه البدهية وأصبح يستقبل الماء في بيته من الصنبور (الحنفية)، بعد أنْ كان ينقل الماء من الآبار والأنهار، ويتحمل في سبيل ذلك المشاق، فلما أعمل عقله في بدهيات الكون ترقَّى وجنى ثمرة هذا الترقِّي.

لذلك تجد أن أعقد النظريات العلمية والالكترونية مأخوذة في بدايتها من بدهيات، وقلنا في علم الهندسة: إنك تبرهن على صدق النظرية المائة باستخدام النظرية التسعة والتسعين، وهكذا حتى تصل إلى النظرية الأولى، وهي قائمة على بدهية من بدهيات الكون، لا تختلف فيها العقول.

لذلك دائما يدعونا الحق سبحانه إلى التفكُّر والتأمُّل والتدبُّر.. إلخ وما توصل إليه البشر الآن من آلات ووسائل حديثة مثل: الغسالة، والثلاجة، والتلفاز.. إلخ ما هي إلا ثمرة هذا الفكر الذي رقَّى البدهيات، حتى وصل بها إلى ما وصل إليه الآن، ومَنْ أراد أن يقف على هذا الترقي، ويرى قدرة الله في توارد الصناعات وارتقاءاتها من حلقة إلى حلقة فليذهب إلى (ديترويت) ليرى هناك معرض (فورد) الذي يضم ارتقاءات الصناعات من إبرة الخياطة للصاروخ.

إذن: الكون فيه أسرار يكتشفها الإنسان، ولكل سرٍّ ميلاد يظهر فيه، إما نتيجة بحث للإنسان أو حتى صدفة، ومن لُطْف الله تعالى أن الملاحدة لما اكتشفوا بعض أسرار الكون قالوا اكتشفنا، ولم يقل أحد منهم: اخترعنا.

وكأن الله تعالى صرفهم وألهاهم عن النطق بكلمة الاختراع ولوى ألسنتهم حتى لا يجترئوا على الله، فالجاذبية مثلاً موجودة منذ خُلِقت السماوات والأرض، ودور الإنسان أنه اكتشف هذا السر؛ لذلك الذي يقول اخترعت نقول له: هذا كذب والصواب أنك اكتشفتَ.

وقوله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر: 28) عزيز لا يُغلب، وغفور لكم إنْ بدر منكم سهو أو تقصير في استنباط أسرار الله في كونه، يغفر لهم إنْ أخطأوا في تجربة من تجاربهم، فسوف يأتي مَنْ بعدهم ويصححها.

ثم يقول الحق سبحانه: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ...).



سورة فاطر الآيات من 26-30 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة فاطر الآيات من 26-30 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة فاطر الآيات من 26-30   سورة فاطر الآيات من 26-30 Emptyالثلاثاء 12 يناير 2021, 11:26 pm

إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

بعد أن ذكر الحق سبحانه العلم الكوني، وأنه وسيلة لخشية الله ومعرفة أسراره في كونه أراد سبحانه أنْ يلفت أنظارنا وأنْ يحذرنا: إياكم أنْ تُفتنوا بالعلم الكوني فينسيكم مهمتكم في أنْ تتلقَّوا عن الله ما يُسعدكم، فتحدَّث سبحانه عن المنهج: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ) (فاطر: 29) وهذا هو العلم الشرعي والذِّكْر الذي يعصم الناس من اختلاف الأهواء.

ومعنى (يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ) (فاطر: 29) أي: تلهج به ألسنتهم، وتعيه قلوبهم (وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ) (فاطر: 29) وهذه عبادة تشترك فيها كل الجوارح (وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً) (فاطر: 29) والإنفاق يخصُّ الناحية المالية، فهو دليل على سماحة النفس بما تنفق، وحُبها للبذل والعطاء في السِّر والعلانية، وبالإنفاق تكتمل لهذه النفس الصفات الطيبة، ويجتمع لها عمل القلب وعمل الجوارح في طاعة الله.

وقوله: (مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ) (فاطر: 29) يعني: أن الإنفاق ليس من مالك الخاص، إنما من مال الله الذي رزقك، وجعلك مُسْتخلَفاً فيه وما نفقتُكَ إلا سبب، والأسباب في الكون ستر ليد الله في العطاء.

وهؤلاء الذين ينفقون مما رزقهم الله سراً وعلانية (يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ) (فاطر: 29).

فالإنفاق في سبيل الله تجارة مع الله (لَّن تَبُورَ) (فاطر: 29) أي: لن تكسد، وأنت حين تنفق على المحتاجين، وحين تطعم الجائع إنما تُحبِّب الله إلى خَلْقه أرأيت لو أن مَلِكاً من ملوك الدنيا له عبيد، أليس مكلَّفاً بإطعامهم وسَدِّ حاجتهم، وهذه من سمات العظمة فيه، كذلك الحق سبحانه هو خالق هؤلاء الفقراء، وهو الذي استدعاهم للوجود، وهو سبحانه المكلّف باقتياتهم.

إذن: حين تطعمهم أنت فكأنك تؤدي مهمة الله عز وجل، وتُحبِّب خَلْق الله إلى الله، فالحق سبحانه حين يعطف مخلوقاً على مخلوق يقول: كأن عبدي يعينني على خَلْقي؛ لأن الله تعالى استدعى الخَلْق للوجود، وتكفَّل بأن يُغنيهم، فحين يأتي عبده الغني ويكون في عَوْن الفقير يقول سبحانه: كان عبدي في عون أخيه بقدرته، فلابُدَّ أنْ أكون في عونه بقدرتي، فالعبد لا يكون أبداً أكرم من خالقه، وكيف يعطف العبد وهو لم يخلق شيئاً، ولم يستدع أحداً للوجود، ولا يعطف الخالق سبحانه؟

فإنْ قلتَ: ما دام الحق سبحانه قد استدعى الخَلْق للوجود، فلماذا لم يضمن لهم الحياة الكريمة التي لا يحتاجون فيها لعطف أحد غيره؟

نقول: أراد الحق سبحانه أنْ يزرع بذور المحبة والتعاطف بين خَلْقه، أراد مجتمعاً مسلماً قائماً على المحبة وعلى التعاون وعلى التكافل، ثم وَعَد سبحانه السخيَّ المعطي بأنْ يعامله بقدر سخائه وعطائه هو سبحانه هذه هي التجارة مع الله التي لا تبور، والبَوْر والبَوار.

أي: الفساد وهو يصيب التجارة من ناحيتين: إما فساد في الربح، كأن تتبعك التجارة ولا تربح، أو فساد في الربح وفي الأصل يعني: تخسر أصل التجارة، ومعلوم أن الإنسان لا يتاجر إلا بقصد الربح؛ لذلك قال أهل المعرفة وأهل التجارة مع الله: إنْ أردتَ الربح المحقق فتاجر مع كريم وهبك ما تجود به، وبعد ذلك يجازيك عليه.

لذلك كان أحد الصالحين يهشّ في وجه السائل ويبشّ ويقول له: مرحباً بمَنْ جاء ليحمل عني زادي إلى الآخرة بغير أجرة.

وسُئِل الإمام على -رضي الله عنه- يا أبا الحسن، أريد أنْ أعرف نَفسي، أأنا من أهل الدنيا؟

أم من أهل الآخرة؟

فقال: إنْ كنتَ تهشّ لمن يعطيك أكثر مَمَّن يأخذ منك، فأنت من أهل الدنيا؛ لأن الإنسان يحب مَنْ يعمر ما يحب.

ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له صحابي: أنا أكره الموت، فقال له الرسول: "ألكَ مال؟" قال: نعم، قال: "أتتصدَّق به"؟قال: لا.

قال: "إن المال يحب صاحبه، فإنْ كنتَ تحبه في الآخرة أحببتَ أن تموتَ للآخرة، وإنْ كنتَ تحبه في الدنيا أحببتَ أنْ تظلَّ معه في الدنيا".

واستخدام أداة النفي (لن) هنا له مَلْحظ، فلن تنفي الحال والاستقبال؛ لأن الإنسان قد يموت قبل أنْ يدرك ثمرة الخير في هذا العطاء، وقبل أنْ يرى نتيجة صِدقه؛ لذلك يطمئنه ربه بأن هذه تجارة مع الله لن تبور، وسوف ينتظره جزاؤها في الآخرة وقوله تعالى: (سِرّاً وَعَلاَنِيَةً) (فاطر: 29) أي: على أي حال.

أمَّا نفقة السر، فالحكمة منها أنها تبعد صاحبها عن الرياء أو المباهاة، وهي أيضاً ستر لحياء الآخذ؛ لذلك كان بعض العارفين إذا أراد أنْ يعطف على فقير أو محتاج يحتال على ذلك بحيلة تحفظ للمحتاج ماء وجهه، فيكلّفه مثلاً بعمل بسيط، ثم يعطيه المال على أنه أجره على العمل، لا على أنه صدقة.

والبعض يتأدب في هذه المسألة، فيعطي المحتاج على أنها قرض وفي نيته أنها صدقة، وربما أكد هذا المعنى، فقال لصاحبه: ربنا يُعينك على السداد، لكن إياك (تاكله).

وبعضهم يعطي الصدقة على أنها أمانة، لكن يقول للآخذ: إذا تيسَّر لك هذا المبلغ وأصبح فائضاً عن حاجتك فأعطه محتاجاً إليه، وقُلْ له يعطيه بدوره إلى مَنْ يحتاج إليه بعده، وهكذا تتنامى الصدقة، وتدور على ما شاء الله من المحتاجين إليها.

هذا عن صدقة السر، أما العلانية فالحكمة منها أنها تمثل زاجراً للواجد حتى لا يبخل ولا يضنّ بما عنده، كذلك تحمي صاحبها من ألسنة الناس، وتحمي عِرْضَه أنْ يخوضَ الناس في حقه فيقولون: يبخل رغم غِنَاه.

كما أن الإنفاق علانية يُعَدُّ نموذجاً وأُسْوةً للغير في العطاء.

وقال العلماء: يُراد بالسر الصدقة الزائدة على الفريضة، وهذه ينبغي فيها الستر، ويُراد بالعلانية الزكاة المفروضة؛ لأن الجهر في العبادة مطلوب كما هو الحال في الصلاة مثلاً، والمتأمل يجد الزكاة أوْلَى بالعلانية من الصلاة، فمن اليسير إقامة الصلاة في أوقاتها، أما الزكاة فقد تكون واجداً لكن تشح نفسُك وتبخل بالعطاء.

وأنت حين تُنفق تنفق على مَنْ؟

على محتاج غير قادر أو مسلوب القدرة، ومَنِ الذي سلبه القدرة؟

الله، لذلك كلفك الله أنْ تنفق على مَنْ سلبه القدرة، وأنْ تعينه: أولاً حتى لا يحقد عليك، وحتى يتمنى لك المزيد من الخير؛ لأن خيرك سيعود عليه، لذلك كنا نرى أهل الريف مثلاً يحزنون ويبكون إنْ ماتت بقرة فلان أو جاموسة فلان..

لماذا؟

لأنها كانت تسقي الفقراء من لبنها، وتحرث أرض المحتاج.

ثانياً: وهذه حكمة أسمى من الأولى، وهي أن النفقة على غير القادر تجعله لا يغير خواطره على ربه وخالقه وتحميه من الاعتراض على قَدر الله الذي منعه وأعطى غيره، وضيَّق عليه ووسَّع على الآخرين.

النفقة على غير القادر تجعله يشعر أنه أحظُّ حالاً من الغنى، ولم لا وهو يُسَاق له رزقه دون تعب منه ودون عناء؟

ويأتيه الغنى إلى بابه ليعطيه حقه في مال الله.

لذلك قال العلماء: الفقير شرط في إيمان الغني، وليس الغني شرطاً في إيمان الفقير.

لذلك يعلمنا سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيقول: ".. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".

والحق سبحانه و تعالى لما تكلَّم عن المحسنين الذين يكلِّفون أنفسهم فَوْق ما كلَّفهم الله، ومن جنس ما كلَّفهم الله، يقول سبحانه: (إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ) (الذاريات: 15-19).

فالحق غير المعلوم هو الصدقة، أما الزكاة المفروضة التي هي حق الفقير في مال الغني فقد وردتْ في صفات المؤمنين في سورة سأل فقال سبحانه: (وَٱلَّذِينَ فِيۤ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ) (المعارج: 25).

لذلك، فالزكاة لا تَخْفى، بل تُؤدَّى علانية، لأنك تُؤدِّي حقاً عليك للفقير، حتى أن بعض فقهاء الأندلس -رضي الله عنه-م قال: لو مُكنت بولاية أمر على المؤمنين، فرأيتُ مَنْ يمنع الفقير حقَّه بمقدار نصاب لأَتيتُه لأقطع يده، فتأمل هذا الاجتهاد من العلماء، وكيف ساووا بين منع الفقير حَقَّه والسرقة.

وسواء أكان الإنفاق سِرّاً أم جهراً وعلانية، فلابُدَّ أن تتوفر له النية الخالصة كما علَّمنا ربنا في الحديث القدسي: "الإخلاص سر من أسراري، أودعته قلب مَنْ أحببتُ من عبادي، لا يطلع عليه مَلَك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده".

وأنت في عطائك تتعامل مع الله، والله واجد ماجد كريم، لا يبخسك حقك، وتجارتك معه سبحانه لابُدَّ أن تكون رابحة؛ لذلك قال بعدها: (يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ) (فاطر: 29).

كذلك يحذرنا سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الرياء الذي يحبط الأعمال، ويفسدها ويحرم صاحبها من ثمرتها يوم القيامة، حيث يقال له: فعلتَ ليقال وقد قيل.

ويحذرنا سيدنا رسول الله أن تكون أعمالنا كأعمال الكافرين الذين قال الله فيهم: (وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ) (النور: 39).

ثم يقول سبحانه: (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ..) (فاطر: 30) أي: أنهم سيأخذون جزاء أعمالهم وعطائهم بوفاء من الله، ثم يزيدهم بعد ذلك من فضله تكرُّماً، قالوا هذه الزيادة أن تقبل شفاعتهم فيمن يحبون، فإنْ شفعوا لأحد من أحبابهم قَبِل الله شفاعتهم..

لماذا؟

لأن لهم أياديَ سابقة على الفقراء والمحتاجين من عباد الله، يكرمهم الله من أجلها، ويتفضَّل عليهم كما تفضَّلوا على عباده.

(إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) (فاطر: 30).

ولك أنْ تسأل: لماذا ذُيِّلت الآية باسم الله (الغفور)، مع أنها تحدثت عن أعمال الخير من تلاوة كتاب الله، وإقامة الصلاة، والإنفاق في سبيل الله، فأيُّ شيء من هذه يحتاج إلى المغفرة؟

قالوا: ذكر هنا المغفرة، لأن العبد حين يضع شيئاً من هذا الخير قد يُداخله شيء من الغرور أو الإعجاب أو غيره مما يشوب العمل الصالح، فيغفرها الله له، ليلقى جزاءه خالصاً؛ لذلك ورد في حديث سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أعوذ بك من عمل أردتُ به وجهك فخالطني فيه ما ليس لك".

وقوله (شَكُورٌ) (فاطر: 30) صيغة مبالغة من شاكر، فكأن الله تعالى بعظمته يشكر عبده، بل ويبالغ في شكره؛ لأن العبد في ظاهر الأمر عاون ربه في أنْ يرزق مَنْ كان مطلوباً من الله أنْ يرزقه؛ لذلك يشكره الله ولا يبخسه حقه، مع أنه في واقع الأمر مُنَاول عن الله.

وأنت حين تقرؤها: (إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) (فاطر: 30) وتعلم أنه تعالى يشكرك لا تملك إلا أنْ تشكره سبحانه، وعندها يزيدك من النعمة، إذن: نحن أمام شكر دائم لا ينقطع، وعطاء لا ينفد.



سورة فاطر الآيات من 26-30 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة فاطر الآيات من 26-30
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة فاطر الآيات من 01-05
» سورة فاطر الآيات من 41-45
» سورة فاطر الآيات من 36-40
» سورة فاطر الآيات من 11-14
» سورة فاطر الآيات من 15-25

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: فاطــر-
انتقل الى: