منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة فاطر الآيات من 11-14

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

سورة فاطر الآيات من 11-14 Empty
مُساهمةموضوع: سورة فاطر الآيات من 11-14   سورة فاطر الآيات من 11-14 Emptyالخميس 07 يناير 2021, 8:12 am

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (١١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

تعرضت هذه الآية لقضية الخَلْق الأول للإنسان الخليفة، وهذا الخَلْق كان له مراحل، فالإنسان الأول وهو آدم عليه السلام خُلِق خَلْقاً أولياً من مادة الأرض، وهي التراب الذي يُخلط بالماء، فصار طيناً، هذا الطين مَرَّ بأطوار عدة، فالطين إنْ تركْتَهُ حتى يعطن وتكون له رائحة فهو الحمأ المسنون، فإنْ تركته حتى يجفَّ ويتماسك فهو الصلصال، فهذه -إذن- أطوار للمادة الواحدة التي صَوَّر الله منها آدم، ثم نفخ فيه من روحه، وهذا هو الخَلْق الأول الذي أخذ الله منه حواء، ومنهما يتمُّ التناسل والذرية.

وقبل أنْ يتكلم الحق سبحانه عن خَلْق الإنسان تكلَّم عَمَّا خلقه الله للإنسان قبل أنْ يُوجد، فتكلَّم سبحانه عن خَلْق السماوات والأرض: (ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ) (فاطر: 1) ثم تكلم عن الملائكة الذين ينزلون بالوحي إلى الرسل من البشر، ثم أنزل من السماء ماءً به تنبت الأرض.

هذه كلها مُقوّمات حياة الإنسان، أوجدها الله له قبل أنْ يُوجده هو، وضمن له مُقومات حياته المادية والمعنوية الروحية، المادية بالقوت طعاماً وشراباً وهواءً، والروحية بالمنهج والقرآن؛ لذلك قال سبحانه: (ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ * خَلَقَ ٱلإِنسَانَ) (الرحمن: 1-3).

فالإنسان خُلِق لغاية، كالصانع يحدد غاية الشيء المصنوع قبل أنْ يبدأ فيه، وقُلْنا: إن الذي صنع (التليفزيون) أو الثلاجة لم يصنعها ثم قال: انظروا فيمَ تُستخدم هذه الآلة، إنما قدَّر غايتها، وحدَّد هدفها قبل صناعتها، كذلك الحق سبحانه قبل أنْ يخلق الإنسان قدَّر حركته في الحياة وما يسعده فيها، فوضع له منهج القرآن قبل أن يُخْلق، ثم جاء خَلْق المادة بعد وَضْع المنهج.

والحق سبحانه حينما يتكلَّم عن خلق الإنسان، يقول: (وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ) (فاطر: 11) فجاء الأسلوب كأنه يتحدث عن غائب، ولم يقُلْ سبحانه أنا خلقتُكم، فكأننا نقول: الله خلق الإنسان من تراب؛ ذلك لأن وسائل الخطاب بين متكلم ومخاطب تأتي على ثلاث صور: ضمير المتكلم أنا، أو ضمير المخاطب أنت، أو ضمير الغائب هو.

فالمتكلم حين يتكلم يقول: أنا فعلتُ.

من الجائز أن يُكذِّب، فإنْ خُوطِب: أنت فعلت.

من الجائز أنْ يُنافق، لكن إذا جاء الأسلوب بصيغة الغائب: هو فعل، فقد برئنا من الادعاء في المتكلم، ومن النفاق في المخاطب.

وحين نقول هو خلق يعني: ليس هناك غيره، وسبق أن قلنا: إن ضمير الغائب (هو) لا ينصرف إلا إلى الحق سبحانه و تعالى وإذا استقرأتَ آيات الخَلْق في القرآن الكريم تجدها بأسلوب الغيبة في مائة وسبع آيات، بداية من قوله تعالى فى سورة البقرة: (هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً) (البقرة: 29) وآخره سورة الفلق: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ) (الفلق: 1-2) وبأسلوب المتكلم في ست وسبعين آية، مثل: (.. إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ..) (الحجرات: 13).

وبأسلوب المخاطب في أربعة مواضع هي: (رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ) (آل عمران: 191).

وقوله: (خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) (الأعراف: 12).

وقوله: (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) (الإسراء: 61).

فأسلوب الغيبة هو أكثر هذه الأساليب؛ لأن الحديث عن غائب يخلو من ادعاء، ويخلو من نفاق المواجهة، أو نفاق الخطاب.

لكن، ما معنى الخلق؟

قال العلماء: الخَلْق إيجاد من عدم لحكمة أو لغاية مُسْبقة، لا مجرد الإيجاد من عدم، كيف؟

أنت إذا أخذت قطعة كبيرة من طين جاف ورميتَها على الأرض، فإنها تتفتتُ قِطَعاً مختلفةَ الأشكال، وربما وجدت منها على شكل هلال، وأخرى على شكل نجمة، وأخرى على شكل وجه إنسان أو حيوان.

هذا يُعد إيجاداً، لكن لا يُعَدُّ خَلْقاً؛ لأن الخَلْقَ إيجاد مقصود لغاية مقصودة، وحكمة مرادة، وهذه مهمة الخالق وحده سبحانه فإنْ قلتَ: كيف والله تعالى يثبت لنا خَلْقاً في قوله تعالى: (فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ) (المؤمنون: 14).

قلنا: إن الخالق سبحانه يُقدِّر مجهودات البشر، ولا يبخسهم حقوقهم؛ لذلك يثبت لهم المشاركة في الخَلْق مع الفارق الواضح بين خَلْق الله وخَلْق غيره، فإذا وُصِف الإنسانُ بأنه خالق، فالله أحسن الخالقين؛ لأن سبحانه يخلق من عدم، وأنت تخلق من موجود، وخَلْقك يثبت على حالة واحدة، ويجمد عليها، أما خَلْق الله فيتطور وتدبّ فيه الحياة فيتغذّى وينمو ويتناسل.. إلخ.

ومثَّلْنا لذلك بصانع الزجاج يأخذ مثلاً الرمل المخلوق لله، ثم يعالجه بطريقة معينة، ويُحوِّله إلى زجاج، نعم أنت خلقْتَ شيئاً؛ لأن هذا الكوب لم يكُنْ موجوداً، فأوجدته، لكن من مادة موجودة مخلوقة لله، وعقل فكّر هو من مخلوقات الله، ونار صهرتْ هي من خَلْق الله.

ثم إنك لا تستطيع أنْ تمنح هذا الكوب صفة الحياة، فينمو مثلاً، أو يتكاثر، إذن: إن أثبتَ الله لك خَلْقاً فهو سبحانه أحسن الخالقين.

والحق سبحانه يقول هنا: (وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ) (فاطر: 11) وفي مواضع أخرى قال: (مِّن طِينٍ) (الأنعام: 2) وقال: (مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ) (الحجر: 26) وقال: (مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ) (الرحمن: 14) ولا تعارضَ بين هذه الأقوال؛ لأنها أطوار للمادة الواحدة كما بيَّنا، كالثوب الذي تلبسه تقول: هذا الثوب من القطن، أو من الغزل، أو من النسيج، فهي مراحل تمر بها المادة الواحدة.

فليس في هذا تناقض في المراحل، إنما التناقض في أنْ يكون الشيء مرتبة واحدة، ثم تجعله مراتب، إنما هذه المسألة مراحل للمرتبة الواحدة، كالطفل يصير غلاماً، ثم شاباً، ثم رجلاً، ثم كَهْلاً.. إلخ كلها مراحل لإنسان واحد.

الحق سبحانه حكم في كونه بأشياء، ونهى العقل أنْ يفكر في أشياء، قال: أنا خلقتُ لك الكون والمادة، وضمنتُ لك مقوِّمات حياتك، فإنْ أردتَ أن تُرقَّي نفسك فأعمل عقلك في المادة المخلوقة لله، واستنبط منها على قَدْر إمكاناتك، لكن لا تشغل بالك بأمرين لا جدوى من التفكير فيهما، هذان الأمران هما خَلْق السماوات والأَرض وخَلْق الناس؛ لأن الله تعالى يقول: (مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً) (الكهف: 51).

فخَلْق السماوات والأرض وخَلْق الإنسان مسألة لم يشهدها أحد منكم، ولم يكُنْ مع الله سبحانه معاون يخبركم بما حدث، لكن احذروا سيأتي في المستقبل مُضِلُّون يُضلُّونكم في هذه المسألة، يقولون لكم -كما يقول المضلون الآن- إن السماوات والأرض كانتا قطعة واحدة ملتهبة، وحدث لها كذا وكذا، أو أن الإنسان أصله الأول قرد تطور إلى إنسان، احذروا هؤلاء، ولا تأخذوا معلوماتكم إلا مِمَّنْ شهدها ويعلمها، وهو الحق سبحانه و تعالى لكن الحق سبحانه خلق العقل آلة للتفكير، وجعل له منافذ يصل من خلالها إلى الحقيقة، والاستدلال بما رآه على ما غاب عنه، فعلى العقل أنْ يتأمل ما يراه ويستدل به على ما لا يراه.

نحن لم نشهد عملية الخَلْق، لكن شهدنا عملية الموت، والموت نَقْضٌ للخَلْق، كما أن الهدم نَقْضٌ للبناء.

فهذه قضية فلسفية للعقل فيها دور، فأنت حين تريد بناء عمارة مثلاً من عشرة أدوار تبدأ ببناء الدور الأول، لكن إنْ أردتَ هدمها تبدأ بالدور العاشر، فالهدم على عكس البناء، كذلك الموت نقيض الحياة.

فالذي لم نشاهده من عملية الخَلْق أخبرنا الله به في كتابه، فقال: خلقتكم من تراب صار طيناً، ثم صار الطين حمأ مسنوناً، وصار الحمأ المسنون صلصالاً كالفخار، تشكَّل على صورة الإنسان، ثم نفخ فيه اللهُ الروحَ فدبَّتْ فيه الحياة.

ونحن شاهدنا الموت ورأيناه يأتي على عكس عملية الخَلْق، فأول شيء في الموت أنْ تفارق الروحُ الجسدَ، فيتصلَّب حتى يكون كالفخار، ثم يرمَّ، وتتغير رائحته كأنها الحمأ المسنون، ثم تمتصُّ الأرضُ ما فيه من مائية ليعود إلى تراب وفُتَات يختلط بتراب الأرض، ويعود إلى أمه التي جاء منها.

إذن: خُذْ مما شاهدتَ دليلاً على صدق ما أخبرك الله به مما لم تشاهده.

الحق -سبحانه و تعالى- حينما تكلَّم عن الخلق تكلم عن مرحلتين: الأولى: خَلْق الإنسان الأول آدم عليه السلام من طين، ولكى يتم التكاثر لعمارة الأرض كانت المرحلة الثانية بأنْ خلق له زوجه، فقال: (ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا..) (الأعراف: 189).

والظنُّ يتسع في هذه المسألة، فيصح أنه سبحانه أخذ قطعة من آدم وخلق منها حواء، ويصح أنْ تكون هذه القطعة كذلك كانت من الطين، لكن اكتفى بالتشريع الأول للرجل، ومن آدم وحواء أنشأ النسل، وتم الاستخلاف في الأرض.

ولكي نخرج من المتاهة في هذه المسألة نقول: قوله تعالى(وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) (النساء: 1) يعني: من جنسها، من جنس خَلْقها، كما قال سبحانه: (لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ) (التوبة: 128) يعنى: من جنسكم.

لكن، أيخلق الله هذا الخَلْق، ويستخلف خليفته في الأرض، ثم يتركه دون أنْ يُمدَّه بالمنهج الذي حكم حركته حياته؟

لا.

لابُدَّ أنْ يُنْزل له المنهج؛ لأن معنى الخلافة تقتضي أنْ يُوجد هذا المنهج.

والحق سبحانه حين يُملِّك خليفته أشياء تأتمر بأمره ربما غرَّه ذلك الملك فقال له: اذكر أنك لستَ أصيلاً، وأنك خليفة، وطالما تتذكر أنك خليفة فلن تطغى، إنما الذي يُطغِيك أن تظنَّ أنك أصيل في الكون، والأصيل في الكون هو الذي يحفظ ما وُهِب له، هو الذي لا يمرض ولا يموت، ولا يوجد معه مَنْ هو أقوى منه.

إذن: تذكَّر أنك مُسْتخلف، وما دُمْتَ مستخلفاً فعليك أنْ تنفذ أوامر مَن استخلفك.

بعد أن تكلم الحق سبحانه عن الخَلْق الأول من تراب وخَلْق الزوجة، يُحدِّثنا عن الخَلْق العام الذي سيأتي منه البشر جميعاً بعد آدم وحواء، وبالتزاوج يتم الخَلْق عن طريق النطفة، فيقول سبحانه (ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً) (فاطر: 11).

وفي موضع آخر فصَّل مراحل النطفة، فقال: (يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) (الحج: 5).

وأول زواج تم بين أولاد آدم تمَّ بالتباعد، فابن هذه البطن يتزوج أخته من بطن أخرى، وهكذا كان التباعد بحسب زيادة النسل قَدْر المستطاع، ومسألة التباعد هذه هي التي أدتْ إلى أول جريمة قَتْل في البشرية، وهي مسألة قابيل وهابيل، فلما اتسعتْ الدنيا، وكَثُر الناس مُنِع زواج الأخت والخالة والعمة.

وقد أثبت العلم أهمية التباعد في الزواج، وأن زواج الأقارب يثمر نسلاً أضعف من زواج الأباعد، حتى في الزراعة أثبتوا أن زراعة الحبوب المستخرجة في نفس أرضها يعطي محصولاً أقلَّ؛ لذلك لجئوا في الزراعة إلى عملية التهجين.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- يحثُّ على هذا التباعد، فيقول: "اغتربوا لا تضووا".

يعني: لا تتزوج شديدة القرابة منك؛ لأن الأقارب خصائص وجودهم واحدة والدم واحد، أما في الاغتراب، فالخصائص مختلفة والدم مختلف؛ لذلك يأتي النسل أقوى.

لذلك فطن الشاعر العربي إلى هذه المسألة، فقال:
أُنذِرَ مَنْ كَانَ بعيد الهَمِّ تَزْويج أولادِ بناتِ العَمّ
فليسَ بنَاجٍ من ضَوى وسَقَم بأَبي وإنْ أَطْعمتَهُ لا يَنْمي

وقد لاحظوا ضَعْف النسل في الأُسَر التي تزوج أولادها من الأقارب، ومدحوا الاغتراب.

 فقال الشاعر:
فَتَىً لم تِلدْهُ بنْتُ عَمٍّ قريبة فيضْوَى وقد يَضْوى سَلِيلُ الأقَارِب

وآخرَ يبتعد عن بنت عمه في الزواج رغم حُبِّه لها، ويقول:
تَجَاوزْتُ بنتَ العَمِّ وهْيَ حَبيبةٌ مَخَافَةَ أنْ يَضْوِيَ عليَّ سَليلُها

ثم يقول تعالى: (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ) (فاطر: 11) عملية حَمْل الأنثى تتم نتيجة الالتقاء بين الذكر والأنثى تحت مظلة الشرع ومنهج الله، وللعلماء كلام طويل في مسألة حمل المرأة، أهي المسئولة عنه أم الرجل، وأخيراً سمعنا من التحاليل التي أجرَوْهَا أنَّ الرجل هو المسئول عن ميكروب الذكورة أو الأنوثة، أما المرأة فتحمل البويضة التي تستقبل هذا أو ذاك.

وعجيب أن تفطن المرأة العربية القديمة إلى نتائج العلم الحديث الآن، وأن يكون لديها إلمامٌ وفَهْم لهذه المسألة، فالمرأة البدوية التي كانت لا تنجب إلا البنات، فغضب عليها زوجها، وذهب فتزوَّج بأخرى لتنجب له الولد، وهجر الأولى.

فأنشدت وقالت:
مَا لأبي حَمْزةَ لا يَأْتِينَا
غَضْبانَ ألاَّ نَلِدَ البَنينا
تَاللَّه مَا ذَاكَ في أيدينَا
ونحن كالأرْضِ لِغَارسِيناَ
نُعطِي لَهُمْ مثْلَ الذِي أُعْطِينَا

وعجيب أنْ تتكلم البدوية بما توصَّلَ إليه العلم الحديث في القرن العشرين، وكأن الحق سبحانه يريد أنْ يثبت لنا أن الفطرة السليمة البعيدة عن الهوى قد تصل إلى حقائق الكون، فسداد الرأي لا يجتمع وهوى النفس؛ لذلك قالوا: آفة الرأي الهوى، ومن ذلك ما رُوِي عن سيدنا عمر من أن القرآن كان ينزل على وَفْق ما يراه، وما ذاك إلا لسلامة فطرته.

وقوله: (وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ) (فاطر: 11) هذه مراحل تمر بها المرأة، أولاً، تزوجت ثم حملت، ثم وضعتْ حملها، وهذه كلها مراحل السلامة، ولم يذكر -سبحانه و تعالى- ما يطرأ على الحمل من عطب، فقد تحمل الأم ويسقط جنينها ولا تضعه.

والإعجاز الذي يصاحب عملية الحمل أن الدم الذي ينزل من المرأة حال الدورة الشهرية يتحول عندما تحمل إلى غذاء للجنين فكأن هذا الدم ليس رزقاً لها، بل رزق ولدها إنْ قُدِّر لها الحمل، وإن لم يُقدَّر لها حمل نزل منها دون أن تستفيد منه بشيء.

والعجيب أن هذا الدم يكفي الجنين الواحد، ويكفي الاثنين والثلاثة، والأكثر من ذلك، وأخيراً سمعنا عن المرأة التي ولدتْ سبعة، ومع ذلك كانت بحالة جيدة يعني: لم ينقص من وزنها شيء، وكأن الخالق عز وجلّ يذكّرنا قبل أنْ تحملوا هَمَّ القوت والأرزاق انظروا ما فعل الله بكم وأنتم في بطون أمهاتكم، فلكُلٍّ منكم رزق لا يتعدَّاه ولا يُخطئه.

وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة".

ومع تقدُّم العلم الآن لم يستطيعوا تحديد موعد الولادة بشكل قاطع، وستبقى هذه اللحظة في علم الله: (وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ) (فاطر: 11).

لماذا؟

لأننا نعرف نعم مدة الحمل، لكن لا نعرف على وجه التحديد متى التصق: (الزيجوت) في الرَّحم؛ لذلك فإن أطباء الولادة دائماً ما يقولون ستضع الحامل بين كذا وكذا من الأيام.

إذن: لحظة الولادة أشبه ما تكون في خفائها بلحظة الموت لا يعلمها إلا الله، ومعنى يعلمها يعني: يعلمها بكل ما يحيط بها من ملابسات وأحداث.

وبعد أنْ تضع المرأةُ حملها تتحول إلى مرضعة وحاضنة فيُجري لها الخالق سبحانه رِزْق ولدها لترضعه دون أنْ يأخذ من رزقها شيئاً، لأن إمداد الله لها مستمر، والشيء ينقص إنْ أُخذ منه دون إمداد.

ثم يقول سبحانه: (وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ) (فاطر: 11) يُعمّر يعني: يمد الله في عمره، وعندنا في اللغة أفعال ملازمة للبناء للمجهول، فمثلاً نقول: زُكم فلان لأنه لم يجلب لنفسه الزكام، كذلك نقول: فلا عُمِّر.

هو لم يُعمِّر نفسه، إنما عمَّره الله، لذلك جاء بصيغة اسم المفعول مُعَمَّر، والمُعمَّر يعني: طويل العمر.

وهذا من المواضع التي وقف عندها المستشرقون معترضين كالعادة، بسبب جهلهم باللغة العربية وأساليبها، قالوا: كيف يُعمَّر بالفعل، فيعيش مائة سنة مثلاً ثم ينقص من عمره؟

نقول: هم معذورون؛ لأنهم لا يعلمون أن في اللغة ضميراً ومرجعاً للضمير.

فتقول مثلاً: قابلتُ فلاناً فأكرمتُه، فالهاء في أكرمته تعود على فلان هذا، وتقول: تصدقتُ بدرهم ونصفه.

فهل يعني هذا أنك تصدقتَ بدرهم، ثم أعدته ثانية ونصَّفته؟

لا إنما المعنى: تصدقت بدرهم ونصف درهم مثله، فمرة يعود الضمير على ذات واحدة، ومرة يعود على واحد من مثله، كما في: تصدقت بدرهم ونصفه.

والإنسان له ذات وله صفات، ذاته هي قوام تكوينه، وصفاته ما يطرأ على الذات من أوصاف، فكَوْنه معمَّراً يعني بلغ سناً كبيرة، وكما يعود الضمير على مثل الأول أو على بعض مثله، كذلك يعود على بعض ذاته، فالمعمَّر ذاتٌ ثبت لها التعمير، فعلامَ يعود الضمير في (وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) (فاطر: 11) صحيح حينما يصل إلى مائة سنة لا نستطيع أنْ نُميته في سِنِّ العشرين مثلاً.

إذن: أعد الضمير على الذات دون الصفة، وما يُعمَّر من مُعمَّر، ولا ينقص من ذاته، فالذات لم يثبت لها التعمير إلا بإذن الله، فيصير المعنى مثل: تصدَّقْتُ بدرهم ونصفه.

والحق سبحانه حدَّثنا عن التعمير عندما تكلم عن اليهود: (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ) (البقرة: 111).

وقالوا: (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً) (البقرة: 80).

فردَّ الله عليهم: إنْ كنتم ضمنتم الجنة، وأنه لا يأخذها منكم أحد، فتمنَّوْا الموت الذي يوصلكم إليها: (قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة: 94).

ثم حكم الله عليهم (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ * وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) (البقرة: 95-96).

فمعنى (وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) (فاطر: 11) يعني: من عمر ذات لم يثبت لها التعمير إلا بإذن الله.

وقوله: (إِلاَّ فِي كِتَابٍ) (فاطر: 11) أي: في اللوح المحفوظ، فكلُّ ما يحدث في الأعمار وفي فترات الحمل والوضع من الإنقاص أو الزيادة، كله مُسطَّر معلوم في اللوح المحفوظ: (إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ) (فاطر: 11) فإنْ كان صعباً عليكم وعلى فهمكم فهو يسيرٌ وسهلٌ على الله سبحانه ألاَ ترى لسيدنا زكريا عليه السلام وهو يدعو الله أنْ يرزقه الولد الصالح الذي يرث النبوة من بعده، مع أنه بلغ من الكِبَر عتياً وامرأته عاقر، وأيّ ذرية بعد هذا السِّن خاصةً إنْ كانت الزوجةَ عاقراً؟

لكن، إنْ كانت بقوانين الله، فالأمر سهل ميسور.

واقرأ: (وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ مِن وَرَآءِى وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً * يٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً * قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً * قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) (مريم: 5-9).

إذن: لا تقِسْ المسألة على قدرتك وقانونك؛ لأن الفعل يُنسَب إلى الله، لا إلى بشر.

كذلك سيدنا موسى -عليه السلام- لما تبعه فرعون بجنوده حتى حاصره وضيَّق عليه الخناق حتى قال أتباع موسى: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) (الشعراء: 61) ولم لا والبحر من أمامهم وجنود فرعون من خلفهم، فقال موسى قولةَ الواثق بربه وقدرته التي لا حدودَ لها: (قَالَ كَلاَّ) (الشعراء: 62) يعني: لن يدركونا، قالها بما لديه من رصيد الثقة بالله(إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء: 62) فجاءه الفرج لِتوِّهِ(أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ) (الشعراء: 63).

رأى موسى طريقاً يابساً يشقُّ البحر، فعبر هو وقومه إلى أن أصبح في الجانب الآخر، فأراد أنْ يضرب البحر مرة أخرى ليعود إلى سيولته، فلا يعبره فرعون، لكن نهاه ربه، فالمعجزة لم تنتهِ بَعْد، وما زال لها بقية، والله تعالى قادر على أنْ يُنْجي ويُهلِك بالشيء الواحد، وظل الطريق اليابس على يبوسته حتى اغترَّ به فرعون، فعبره ليلحق بموسى، ولما نزل آخر جندي من جنود فرعون أطبقَ اللهُ عليهم الماءَ، وأعاده إلى سيولته، فأغرق فرعونَ وجنوده، هذه طلاقة القدرة التي لا تحدُّها حدود، ولا تخضع للأسباب.

كذلك تأمل مسألة الخَلْق والتكاثر تجد جمهرة الناس جاءوا من ذكر وأنثى، وهذه هي القاعدة، لكن قدرة الله لا يُعجزها أنْ تأتي بالخَلْق في كل مراحل القسمة العقلية المنطقية في هذه المسألة، فالخالق سبحانه خلق آدم بلا أب وبلا أم، ثم خلق حواء من أب بلا أم، وخلق عيسى من أم بلا أب.

إذن: نقول الأمر هَيِّن يسير على الله، وإنْ ظننْتَهُ أنت صعباً.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَمَا يَسْتَوِي ٱلْبَحْرَانِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ...).



سورة فاطر الآيات من 11-14 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الخميس 07 يناير 2021, 8:15 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

سورة فاطر الآيات من 11-14 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة فاطر الآيات من 11-14   سورة فاطر الآيات من 11-14 Emptyالخميس 07 يناير 2021, 8:13 am

وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الحق سبحانه و تعالى يريد أنْ يُقرِّب لنا القضية العقلية القيمية فيعرضها لنا في صورة حسية مُشاهدة (وَمَا يَسْتَوِي ٱلْبَحْرَانِ) (فاطر: 12) وكأن الله يقول لنا: كما أن هناك أشياء حسية لا تستوي في الحسِّ، كذلك في القيم أشياء لا تستوي.

معنى (ٱلْبَحْرَانِ) (فاطر: 12) البحر معروف، وهو المتسع الذي يحوي الماء المالح، وسُمِّي النهر أيضاً بَحْراً على سبيل التغليب، والنهر يحوي الماء العذب، فهما مختلفان لا يستويان (هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ) (فاطر: 12) (وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ) (فاطر: 12) إذن: هما وعاء لشيء واحد هو الماء، فهما وإنِ اشتركا في الشيء الواحد وهو الماء فهما مختلفان في النوع: هذا عذب، وهذا مالح، العَذْب وُصِف بأنه (عَذْبٌ فُرَاتٌ) (فاطر: 12) أي: شديد العذوبة (سَآئِغٌ شَرَابُهُ) (فاطر: 12) سهل المرور في الحَلْق هنيئاً، ووصف المالح بأنه (مِلْحٌ أُجَاجٌ) (فاطر: 12) شديد الملوحة.

وبين العَذْب والمالح عجائب في التكوين، ففيهما مثلاً تعيش الأسماك ونأكلها، فلا نفرق بين سمك الماء المالح وسمك الماء العَذْب؛ لأن الله أعدَّ الكائن الحي ليأخذ من الماء مقوِّمات حياته، وينفي ما لا يريد، مثل الشجرة تزرعها، فتأخذ من الأرض العناصر اللازمة لها وتطرد ما لا تحتاج إليه.

ففي التربة الواحدة تزرع مثلاً شجرة (شطة) وعود القصب، فتتغذى الشجرتان بنفس العناصر، وتُسْقى بنفس الماء، لكن يخرج الطَّعْم مختلفاً تماماً، كما قال سبحانه: (وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ) (الرعد: 4).

وهذه فطرة وغريزة جعلها الله في كل الكائنات الحية، أن تأخذ من الغذاء ما تحتاج إليه فقط، ولما أراد العلماء أنْ يُقرِّبوا لنا عملية التغذية في النبات قالوا: إنها تعتمد على خاصية الأنابيب الشعيرية، فالشعيرات الجذرية تمتصُّ الماء والغذاء من التربة وتُوصِّله بهذه الخاصية إلى الساق والأوراق، لكن فاتَهُم أن الأنابيب الشعيرية تمتص الماء دون تفرقة ودون تمييز لعنصر دون عنصر، ودون انتخاب لمادة دون أخرى.

إذن: ليست هي الخاصية الشعيرية، إنما هي الغريزة والفطرة الإلهية التي أودعها الله في الكائن الحي.

والإنسان تطرأ عليه مسائل غريزية، ومسائل عاطفية، ومسائل عقلية: فالمسائل العاطفية مثل الحب أو البغض لا دخْلَ للتشريع فيها؛ لأن الإنسان لا يملك التحكم فيها، فأحبِبْ مَنْ شئتَ، واكره مَنْ شئتَ، لكن شريطة ألاَّ يُخرِجك الحب أو الكُرْه عن حَدِّ الاعتدال إلى الظلم والتعدي، كما قال سبحانه: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ..) (المائدة: 8).

كذلك المسائل الغريزية لا يتدخَّل فيها الشرع، فالجوع والعطش مثلاً غرائز يعرفها المرء بنفسه وبالتجربة، فأنت لا تُعلِّم ولدك الجوع أو العطش، بل هو يعرفه بنفسه حين يجوع وحين يعطش.

لذلك عجيب الآن أنْ تسمع مَنْ ينادي بتعليم الأولاد والبنات في المدارس الأمور الجنسية، ويريدون مادة جديدة تسمى (التربية الجنسية) يتعلَّمها الأطفال منذ الصِّغَر، ونقول: سبحان الله متى يُسمح للصغار بتعلُّم الغرائز، الغرائز لا تُعلم، بل يعرفها الإنسان في وقتها المناسب.

ومن عجائب الخَلْق أن الماء العَذْب لا يختلط بالماء المالح، كما قال سبحانه: (بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ) (الرحمن: 20) وهذا دليل إعجاز، فالماء المالح في البحار والمحيطات الكبيرة دائماً ما نجد منسوب المياه فيها أقلَّ من منسوب مياه الأنهار، ولو كان العكس لَطَغى الماء المالح على الأنهار وعلى اليابسة.

ومعنى ذلك أنْ تموت المزروعات وتفسد التربة؛ لذلك شاءتْ حكمة الخالق سبحانه أن يكون منسوب الأنهار أعلى، وأن يكون لها مَصبَّات تنتهي إلى البحار لتفرغ فيها الماء الزائد عن الحاجة.

وللخالق سبحانه حكمة في الماء العَذْب ليكون صالحاً للشرب ولسَقْي الزرع ويروي العطش، أما المالح فالله يحفظه بنسبة الملوحة فيه حتى لا يفسد ويعطن؛ لأن البحار والمحيطات هي مخازن الماء العَذْب، فمنها يتبخر ماء المطر الذي تجري به الأنهار، وتلحظ أن درجة الملوحة تختلف حسب طبيعة المكان، فمثلاً تجد الماء في بحر البلطيق أقلَّ ملوحة، لأنه مصبٌّ لعدة أنهار، ويقع في منطقة كثيرة المطر، وهذا كله يُقلِّل من مُلوحته.

أما البحر الميت مثلاً، فهو أكثر البحار ملوحة، لدرجة أن الأسماك لا تعيش فيه، والسبب أنه لا توجد أنهار تصبُّ فيه، ويقع في منطقة حارة، قليلة المطر، فيكثر تبخُّر الماء منه، أما بقية المياه الملتقية في البحار والمحيطات فتكاد ملوحتها تكون واحدة.

وسبق أنْ ذكرنا الحكمة من اتساع مساحة الماء المالح في البحار والمحيطات، وقُلْنا: إن اتساع سطح الماء يزيد في نسبة البخر ليتوفر الماء العَذْب الصالح للريّ وللشرب، ومثَّلْنا لهذه العملية بكوب الماء تتركه على المكتب لمدة شهر وتعود فتجده كما هو تقريباً، أما إنْ سكبْتَهُ على أرض الحجرة فإنه يجفّ قبل أنْ تغادرها..

لماذا؟

لأنك وسَّعت مساحة التبخر.

إذن: وسَّع اللهُ سطحَ المالح ليعطينا المطر الكافي لاستمرار الحياة، إذن: لا يُذَمُّ الماء المالح إنْ قُوبل بالعَذْب؛ لأنه أصل وجوده.

لذلك قال الشاعر في المدح:
أهدى لمجلسِهِ الكَريم وإنَّما أهدى له ما حُزْت من نَعْمائهْ
كَالبَحْرِ يُمطِره السَّحَابُ ومَا لَهُ فَضْلٌ عليهِ لأنه مِنْ مَائِهْ

ومعلوم أن الماء في الكون له دورة معروفة، قال الله فيها: (وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً * فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً) (الذاريات: 1-3).

فالماء الذي خلقه الله في الكون هو هو لا يزيد ولا ينقص، فما يستهلكه الإنسان مثلاً من الماء يُخرجه على شكل فضلات وبول وعرق.. إلخ وما تبقَّى في جسمه من نسبة المائية وهي 90 في المائة من وزنه تمتصها الأرض بعد موته، كذلك الزرع والحيوان، فهي إذن دورة معروفة مشاهدة، كذلك فالحياة دورة فحين نقول لك: إن الله قادر على إعادتها فَخُذْ من المُشَاهَد دليلاً على صِدْق ما غاب.

وقوله سبحانه: (وَمِن كُلٍّ..) (فاطر: 12) أي: ما من الماءيْنِ العذب والمالح (تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً) (فاطر: 12) والمراد السمك، وهو في الماء العَذْب كما في الماء المالح، والطَّعْم واحد، ولم تجد مثلاً أسماك الماء المالح مالحة كالفسيخ مثلاً أو السردين، ذلك لأن الكائن الحيَّ يمتصُّ ما يحتاج إليه، ويترك العناصر الأخرى.

وكلمة (لَحْماً طَرِيّاً) (فاطر: 12) إشارة إلى أن السمك ينبغي أنْ يُؤكل طرياً طازجاً، فإن يبُسَ وخرج عن طراوته فلا تأكله، وقد اشتهر عن العرب اللحمُ القديد، حيث كانوا يُجفِّفون لحم الأنعام في حَرِّ الشمس ويقددونه ليعيش فترة أطول، فهي طريقة من طرق حفظ اللحوم تناسب لحوم الأنعام، أما لحوم الأسماك فتفسد إنْ خرجتْ عن هذا الوصف (لَحْماً طَرِيّاً..) (فاطر: 12).

ثم يذكر الحق سبحانه نعمة أخرى من نِعَم البحر: (وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا) (فاطر: 12) والحلية ما يُتزيَّن به من اللؤلؤ والمرجان وغيرهما مما يخرج من البحر، وهذه زينة عامة للرجال وللنساء على خلاف حلية الذهب التي تحرم على الرجال، فللرجل أنْ يتحلَّى بما يشاء من حلية البحر، فلا نَهْي عن شيء منها، وحتى حلية الذهب للنساء، فإن المرآة تتحلى بها لمن؟

للزوج.

(وَتَرَى ٱلْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ) (فاطر: 12) أي: السفن في البحر (مَوَاخِرَ) (فاطر: 12) يعني: تشقّ البحر شَقّا في رحلات الصيد أو رحلات السفر، وهنا مظهر من مظاهر الإعجاز القرآني، فالخطاب في القرآن أول مُخَاطَب به سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم تخاطب أمته من باطن خطابه، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يركب البحر ولا رآه.

فحين يقول القرآن على لسانه: (وَلَهُ ٱلْجَوَارِ ٱلْمُنشَئَاتُ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ) (الرحمن: 24) يعني: كالجبال الشامخة.

نقول: ومتى ظهرتْ السفن العملاقة التي تُوصَف بهذا الوصف؟

إنها لم تظهر إلا في العصر الحديث، وكانت قَبْلُ سفناً عادية بدائية، فمن الذي أخبر سيدنا رسول الله بهذا التقدم الجاري الآن في صناعة السفن، حتى إنه لَيُخيَّل لك أنها مدينة متحركة على أمواج البحر.

وقوله: (لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ) (فاطر: 12) تطلبوا رزق الله وفضل الله في حركة السفن، سواء كانت للصيد أو للسفر (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (فاطر: 12) كلمة لعل كما نعلم تدل على الرجاء، والمعنى: لعلكم بعد كل هذه النعم تقابلونها بالشكر، وفي هذا إشارة إلى قِلَّة مَنْ يشكر.

بعد ذلك ينتقل بنا السياق إلى ظاهرة أخرى وآية من آيات الكون: (يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ...).



سورة فاطر الآيات من 11-14 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

سورة فاطر الآيات من 11-14 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة فاطر الآيات من 11-14   سورة فاطر الآيات من 11-14 Emptyالخميس 07 يناير 2021, 8:14 am

يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

صحيح أن الليل والنهار يتساويان في بعض الأحايين، لكن يطول الليلُ في الشتاء فيأخذ جُزْءاً من النهار، ويطول النهار في الصيف فيأخذ جزءاً من الليل، إذن طُول أحدهما نَقْص من الآخر، هذا معنى (يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ) (فاطر: 13) يعني: يُدخِل هذا في هذا.

وظاهرة إدخال الليل في النهار وإدخال النهار في الليل ناشئة من ميل المحور، فالحق سبحانه كما وزَّع الماء وحفظه في البحر الواسع، كذلك وزَّع الحرارة، فالشمس لولا وجود المحور المائل لاحترقتْ الجهة المقابلة للشمس وتجمدتْ الجهة الأخرى.

ومن عجائب الخلق أن الإنسان الذي يعيش عن القطب الشمالي أو القطب الجنوبي حرارته 37 مثل الذي يعيش عند خط الاستواء، لأن الجسم البشري مبنيٌّ على هندسة خاصة تحفظ له حرارته المناسبة أيَّاً كان، بل تحفظ لكل عضو فيه حرارته التي تناسبه مع أن الأعضاء كلها في جسم واحد، والحرارة تُشِعُّ وتستطرق في المكان كله.

عجيب أن الكبد مثلاً لا يؤدي وظيفته الطبيعية إلا في درجة حرارة 40، والعين لا تزيد حرارتها عن 7، فمَنْ يمنع حرارة الكبد أن تستطرق في الجسم كله وتصل إلى العين مثلاً؟

إنه الخالق: (ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ * وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ) (الأعلى: 2-3).

وقوله سبحانه: (وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ) (فاطر: 13) يعني: ذلَّلهما للإنسان، وجعلهما في خدمته دون قدرة له عليهما، ودون إرادة منه، فالشمس والقمر آيتان في الهيكل العام للكون لا دّخْلَ للإنسان فيهما، ولو كان له دَخْل لَفَسد أمرهما وما استقام، وصدق الله: (وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ..) (المؤمنون: 71).

فإنْ قُلْت: إفساد الإنسان في الأرض أمر ممكن، فكيف يكون إفساده للسماء؟

قالوا: ألم يتمَنَّ قوم أنْ تسقط السماءُ عليهم، فقالوا: (أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً) (الإسراء: 92) فلو اتبع الحقُّ أهواءَ هؤلاء لَخَرِبَتْ الدنيا.

وهذه مسألة تكلمتْ فيها المدرسة الفلسفية في ألمانيا أمام مدرسة أخرى، وكان لهما رأيان متناقضان، وهما في عصر واحد، وكل منهما تتخذ من رأيها دليلاً على الإلحاد وقولاً بعدم وجود إله، وهذا عجيب.

فواحدة تقول: لا شذوذ في العالم، فهو يسير على قوانين مستقيمة أشبه ما تكون: (بالميكانيكا)، ولو كان لهذا الكون إله خالق لاختلف الخَلْق وحدث فيه شذوذ.

والأخرى تقول: إن الكون لا يسير على نظام ثابت، بل يحدث فيه شذوذ في الخَلْق، بدليل أن البعض يُولَد مثلاً مُعوَّقاً، ولو كان للعالم إله خالق لجاء الخَلْق واحداً مستوياً لا اختلافَ فيه.

سبحان الله، فهم يريدون الإلحاد على أيِّ وجه، فمزاجهم أنْ يُلحدوا.

ونقول لهؤلاء: تعالوا نردّكم إلى الصواب وإلى كلمة سواء: يا مَنْ تريد شذوذ الأشياء دليلاً على وجود إله قادر الدليل موجود، ويا مَنْ تريد ثبات الأشياء دليلاً على وجود إله حكيم الدليل موجود، لكن الجهة مُنفكة، كيف؟

النظام الثابت الذي لا شذوذَ فيه موجود في الكون العلوي الذي يسير على رتابة ونظام لا يتخلَّف، فحركة الشمس والقمر والكواكب والأفلاك تسير كلها على نظام واحد لا يختلُّ أبداً، والآن استطعنا مثلاً تحديد لحظة الكسوف والخسوف، وفعلاً نشاهده في وقته بالضبط.

إذن: إنْ أردتَ الثبات دليلاً فَخُذْه من الأفلاك العليا؛ لأنها لابُدَّ أنْ تُبنى على نظام ثابت لا شذوذَ فيه، وإلا لاَخْتلَّ الكون كله.

فإنْ كنت تريد الشذوذ فشاهده في الجزئيات؛ لأن شذوذَ الجزئيات لا يؤثر على النظام العام للكون؛ لذلك ترى: هذا سليم، وهذا أعمى، وهذا أعور.. الخ.

إذن: الثبات في موضعه لحكمة والشذوذ في موضعه لحكمة، وهذا وذاك دليلان على وجود الإله الخالق القادر.

وقوله تعالى (كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى) (فاطر: 13) أي: الشمس والقمر يجري كل منهما إلى وقت معلوم يتم فيه فَنَاؤهما ونهايتهما (ذَلِكُمُ) (فاطر: 13) أي: الذي فعل هذا وقدَّره (ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ) (فاطر: 13) أي: العالم المحسّ المشَاهَد لك، أما الذي لا تراه من مُلْك الله فهو عَالَم الملكوت، وهو ما غاب عنك، ولا تدركه حواسُّك.

لذلك لما نجح سيدنا إبراهيم في الابتلاء كما قال تعالى: (وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) (البقرة: 124) أعطاه الله منزلة عظيمة، وأطلعه على الملكوت الذي غاب عن غيره، فقال سبحانه: (وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ) (الأنعام: 75) وما يترتب من عالم المُلْك المشاهد لنا ناشئ عن عالم الملكوت الذي لا ندركه.

والحق سبحانه و تعالى يشير إلى هذا العالم -عالم الملكوت- في قوله تعالى: (يِٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً) (الأنفال: 29).

كيف، ونحن ما اتقينا الله إلا بالفرقان أي: بالقرآن، فما معنى: (يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً) (الأنفال: 29)؟

قالوا: الفرقان هنا أن يُريك الله ملكوتَ السماوات والأرض.

وقوله سبحانه: (وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ) (فاطر: 13) يعني: إنْ كان الإله الحق خلق لكم كذا كذا، وسخَّر لكم الشمس والقمر، فإن آلهتكم المدَّعاة المزعومة (مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ) (فاطر: 13) فما القطمير؟

المتأمل في القرآن الكريم يجده يُولي اهتماماً كبيراً للنخلة، وأول ما خاطب خاطب العربَ، وهم أول مَنْ وُوجهوا بالإسلام ودُعوا إليه، فخاطبهم القرآن بما يناسبهم، وذكر لهم أمثلة من بيئتهم، والنخلة مشهورة في البيئة العربية، ولها في ديننا منزلة، حتى أنه نُسِب إلى سيدنا رسول الله أنه قال "أكرموا عمتكم النخلة".

وهذا القول وإن لم يصح عن رسول الله إلا أن الذي قاله لم يَقُلْهُ من فراغ، ولابُدَّ أن لهذا القول أصلاً، وأن هناك صلة بين الإنسان والنخلة.

وقد صَحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لأصحابه: "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها".

فلما سمع عبد الله بن عمر هذا قال لأبيه: لقد وقع في نفسي أنها النخلة، لأنها لا يسقط ورقها، وهي أشبه بالمؤمن، فكل ما فيها نافع فبكَّر عمر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال: يا رسول الله، إن ابني عبد الله قال عن الشجرة التي ذكرتَ أنها النخلة، فقال: صدق، فقال عمر: فوالله ما يسرني أنْ يكون لي بها حُمر النعم، يعني: فرح أن يفهم ابنه مقالة رسول الله.

وقد حاول العلماء تقريب هذه الحقيقة إلى الأذهان وإثبات النسب بين الإنسان والنخلة، وأنها ربما تكون قد خُلِقَت من بقية طينة سيدنا آدم، فقالوا: إن رائحة طلع النخلة الذي يتم به التلقيح هي نفس رائحة المنيِّ عند الإنسان، وهذا يرجح صِدْق قول مَنْ قال إنها عمَّتنا.

وفي خَلْق النخلة على هذه الصورة عجائب وأسرار، ويكفي أن كل ما فيها نافع، ولا يُرْمى منها شيء، وقد جعلها الله موضعاً للمثَل والعبرة، فلما حدَّثَ العرب عن الهلال، قال: (وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ) (يس: 39).

والعرجون هو السُّباطة التي تحمل البلح حين تيبس تلتوي وتتقوَّس، فقرَّب لهم الأعلى بذِكر الأدنى المعروف لهم.

خُذْ مثلاً نواة التمرة، وهي أهون ما يكون، إلا أن الله تعالى كرَّمها حين ذكر منها ثلاثة أجزاء جعلها أمثالاً توضيحية.

ذكر القطمير الذي معنا في هذه الآية: (وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ) (فاطر: 13) وهو الغشاء الشفاف الذي يحيط بالنواة، ونجد مثله بين بياض البيضة وقشرتها.

وذكر النقير في قوله سبحانه: (فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (النساء: 124) والنقير تجويف صغير، أو نقرة في ظهر النواة.

وذكر الفتيل في قوله تعالى: (قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (النساء: 77) والفتيل خيط أبيض تجده في بطن النواة، وهذه الثلاث: القطمير والنقير والفتيل تُضرب مثلاً للشيء اليسير المتناهي في القلة.

ثم يقول الحق سبحانه: (إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ...).



سورة فاطر الآيات من 11-14 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

سورة فاطر الآيات من 11-14 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة فاطر الآيات من 11-14   سورة فاطر الآيات من 11-14 Emptyالخميس 07 يناير 2021, 8:14 am

إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قوله (إِن تَدْعُوهُمْ) (فاطر: 14) الدعاء هنا معناه العبادة، فقد كان الواحد منهم يقف أمام صنمه يدعوه ويتوسل إليه ويكلمه.. إلخ، لكن هيهات فهذا حجر لا يسمع، فدعاؤه غباء فضلاً عن كونه كفراً، ومعنى (لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ) (فاطر: 14) أي: الآلهة التي لا تعقل ولا تسمع، كالشجر والحجر وغيره.

لكن، لماذا عبد الكفار الأصنام مثلاً، وهم يعلمون أنها حجارة نحتوها بأيديهم، ويروْنَ أن هَبَّة الريح تُوقع معبودهم، وتُلقيه على الأرض، وتكسر ذراعه، فيحتاج إلى مَنْ يصلحها، شيء عجيب أنْ تُعبد الأصنام من دون الله، لكن السبب هو فطرة التدين في النفس البشرية.

فكل إنسان بطبعه يحب التدين، وآفة التدين أن له مطلوبات، فما المانع أنْ يذهب الإنسانُ إلى تدين يرضي هذه الفطرة، ومع ذلك لا مطلوبات له، من هنا عُبدت الأصنام، وعُبدت الكواكب والأشجار وجُعِلَت آلهة.

ومعنى العبادة: أنْ يطيع العابد أمر معبوده وينتهي عن نَهْيه، فإذا لم يكن هناك أمر ولا نهي، فالعبادة ساقطة باطلة؛ لأنك تعبد إلهاً بلا منهج، وإلا فبماذا أمرتهم هذه الآلهة وعَمَّ نَهَتْهم؟

ماذا أعدَّتْ لمن عبدها؟

وماذا أعدَّتْ لمن كفر بها؟

وقوله تعالى: (وَلَوْ سَمِعُواْ) (فاطر: 14) أي: على فرض أنهم عبدوا بشراً يسمعهم (وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ) (فاطر: 14) يعني: ما وافقوا على عبادتكم لهم، ولرفضوا أن يكونوا آلهة، ومثال ذلك: الذين عبدوا عيسى عليه السلام من دون الله.

وقد تناول الشاعر هذه المسألة حين تخيَّل أن غار ثور يَغَار من غار حراء؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعله مكاناً للخُلْوة وللتعبُّد، وفيه نزل عليه أول الوحي، فلما نزل النبي -صلى الله عليه وسلم- في هجرته بغار ثور فرح ثور، ورأى أن الرءوس قد تساوتْ، فحراء لبعثة رسول الله، وثور لهجرته، التي كانت منطلقاً للدعوة.

كَمْ حَسَدْنَا حِرَاءَ حين تَرَى الرُّوحَ أَمِيناً يَغْذُوكَ بالأَنْوارِ
فَحِرَاءٌ وثَوْرٌ صَارَا سَواءً بِهِما اشَفَعُ لأمَّةِ الأحْجارِ
عَبدُونَا ونحْنُ أَعْبَدُ للهِ مِن القائمين بالأَسْحَارِ
اتَخِذُوا صِمْتنا عَلَيْنَا دَليلاً فَغدَوْنَا لهم وَقُودَ النَّارِ
قَدْ تجنَّوْا جَهْلاً كمَا قَدْ تجنَّوْه عَلَى ابْنِ مريمَ والحوَارِي
لِلْمغَالِي جَزَاؤهُ والمغَالَي فِيه تُنجِيه رحمةُ الغَفَّارِ

فالحجر ذاته يأبى أنْ يُعبد من دون الله، ويعلم في حقيقته قضية التوحيد، ويخِرُّ لله مُسبِّحاً، فما بالك بالبشر؟

لذلك سنرى في موقف القيامة العجب من المعارك والمناقشات بين العابد والمعبود، والتابع والمتبوع، يقول تعالى: (إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ) (البقرة: 166) وقال حكاية عن الذين ضَلُّوا: (رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ) (فصلت: 29).

وهنا يقول سبحانه: (وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ) (فاطر: 14) أي: هؤلاء الذين توجهتم إليهم بالعبادة واتخذتموهم آلهة سيتبرأون منكم ومن شرككم (وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (فاطر: 14) أي: عالم ببواطن الأمور، وكأن الله تعالى يقول لك: أنا أخبرك بما سيكون في المستقبل فَخُذْ من صدقي فيما مضى دليلاً على صدقي فيما هو آتٍ، ومن صدقي فيما تشاهد دليلاً على صِدْقي فيما غاب عنك.



سورة فاطر الآيات من 11-14 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة فاطر الآيات من 11-14
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة فاطر الآيات من 01-05
» سورة فاطر الآيات من 41-45
» سورة فاطر الآيات من 36-40
» سورة فاطر الآيات من 15-25
» سورة فاطر الآيات من 26-30

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: فاطــر-
انتقل الى: