منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة سبأ الآيات من 06-11

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة سبأ الآيات من 06-11 Empty
مُساهمةموضوع: سورة سبأ الآيات من 06-11   سورة سبأ الآيات من 06-11 Emptyالأربعاء 16 ديسمبر 2020, 9:20 pm

وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

هنا تثبيت لسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكأن ربه -عز وجل- يقول له: يا محمد لا تيأس من هؤلاء الذين سَعَوْا في آياتنا معاجزين ولا تهتم، فإن الذي جعل من الكفرة مَنْ يسعون بالفساد ويُعاجزون خالقهم جعل أيضاً لك مَنْ ينصر دعوتك ويؤيدك من الذين يؤمنون بآيات الله، ويعلمون أنها الحق، وأن مَا يقوله هؤلاء من الهراء، وهو الباطل.

فكما أثبتَ لهم سَعْياً في الباطل ومعاجزة أثبتَ للمؤمنين العلم بآيات الله وتصديقها والاعتراف بأنها الحق، وطمأن رسول الله أن هؤلاء لن يفسدوا عليك أمرك، ولن يُطفئوا نور الله، كما قال سبحانه: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ) (الصف: 8).

وقال: (هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ) (التوبة: 33).

فقوله تعالى: (وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلْحَقَّ..) (سبأ: 6) أي: يشهدون لك بأنك على الحق، وأنك جِئتَهم بمنهج هو الحق، ويهدي إلى صراط مستقيم.

إذن: فضَعْ هؤلاء قبالة الذين سعَوْا في آياتنا معاجزين، واعقد مقارنة بين هؤلاء وهؤلاء.

فالكفار الذين سَعَوْا في آياتنا بالفساد مُجرَّدون عن معونة القدرة، بل إن القدرة ضدهم ولهم بالمرصاد، أما الذين أوتوا العلم وشهدوا لرسول الله، فهم مُؤيِّدون للقدرة الإلهية، والقدرة معهم تساندهم، فأيُّ الكِفَّتين أرجح؟

ومعنى: (وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ) (سبأ: 6) الذين أوتول العلم من المؤمنين بمحمد -صلى الله عليه وسلم- الذين صدَّقوه وصدَّقوا معجزته ورسالته.

أو: الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب اليهود أو النصارى، فالمنصفون منهم يعلمون صِدْق رسول الله، ويعرفونه كما يعرفون أبناءهم وهم الذين ذهبوا إلى يثرب قبل بعثة رسول الله ينتظرون بعثته، وكانوا يستفتحون به على الذين كفروا يقولون: لقد أظلّ زمن نبي جديد نتبعه ونقتلكم به قَتْل عاد وإرم: (فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ..) (البقرة: 89).

لذلك يقولون القرآن في جدال الكافرين: (وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ..) (الرعد: 43) أي: رداً عليهم: (كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ..) (الرعد: 43) أي: الله الذي أرسلني بالمعجزة(وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ) (الرعد: 43) أي: من اليهود والنصارى، أهل التوراة والإنجيل.

والعلم: هو كل قضية مجزوم بها، وهي واقعة وعليها دليل، وغير ذلك لا يعتبر عِلْماً، فالقضية إنْ لم يكُنْ مجزوماً بها فلا تدخل في العلم، إنما هي في الشك، أو في الظن، أو في الوهم، فإنْ كانت القضية مجزوماً بها، لكن ليس لها واقع، فهذا هو الجهل.

لذلك سبق أن قلْنا: ليس الجاهل هو الذي لا يعلم، إنما الجاهل الذي يعلم قضية منافية للواقع، أما الذي لا يعلم فهو الأميُّ خالي الذِّهْن تماماً؛ لذلك يقبل منك ما تقول، على خلاف الجاهل الذي ينبغي عليك أنْ تثبت له خطأ قضيته أولاً، ثم تقنعه بما تريد.

فإنْ كانت القضية مجزوماً بها ولها واقع، لكن لا تستطيع أنْ تُدلِّل عليها، فهي تقليد كالولد الذي نلقنه مثلاً(قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ) (الإخلاص: 1-2) فيحفظها كما هي، لكن لا يستطيع أنْ يقيم الدليل عليها، فهو إذن مُقلد لمن يثق فيه وفي إخلاصه له، كأبيه أو مُعلمه، فإنْ وصل الولد إلى مرحلة يستطيع فيها أنْ يُدلِّل على صِدْق هذه القضية فقد وصل إلى مرتبة العلم.

والعلم وإنْ كان أنواعاً كثيرة، إلا أنه يمكن حَصْره في العلم الشرعي والعلم الكوني: العلم الشرعي أو علم الشرع، ومصدره السماء يُبلِّغه رسول بمعجزة، ولا دَخْلَ لأحد فيه، وليس للبشر في علم الشرع إلا النقل والرواية، والبلاغ من الرسول، وهذا العلم هو الذي يُحدِّد لنا الحلال والحرام، وقد جاء العلم الشرعي لا ليتدخل في العلم الكوني، إنما جاء ليضبط الأهواء المختلفة؛ لذلك يختلف الناس في هذا العلم.

أما العلم الكوني فهو العلم الذي يبحث في أجناس الوجود كلها: في الجماد، وفي النبات، وفي الحيوان، وفي الإنسان، فهذا العلم يقوم على نشاط العقل، ولا يختلف الناس فيه؛ لأنه مادىٌّ يعتمد على البحث والتجربة والملاحظة؛ لذلك يتنافس فيه الناس، وربما سرقوه بعضهم من بعض.

وبهذا العلم الكوني يُرَقِّي الإنسان حياته، فالخالق عز وجل أعطاك كل مُقوِّمات الحياة وضرورياتها، وعليك إنْ أردتَ رفاهية الحياة أن تُعمِل عقلك وفكرك في معطيات الكون من حولك لتكتشف ما لله تعالى في كونه من أسرار وآيات تُرقِّي بها حياتك.

ففي الماضي، كان الإنسان مثلاً إذا أراد الماء يذهب إلى النهر أو إلى البئر، فإنْ عَزَّ عليه الماء طلب السُّقْيا من الله، وتوجَّه إليه بالدعاء ولا شيء آخر، فلما تطورتْ الوسائل وتوصَّل الإنسان إلى خواصِّ الماء واستطراقه من أعلى إلى أسفل، واستحدث الخزانات والمواسير، وصار يستقبل الماء في بيته بمجرد فَتْح صنبور المياه أصبح إذا انقطعت عنه المياه لا يقول: يا ربِّ اسقنى.

إنما يبحث عن سبب انقطاعها، أهو في (ماسورة) كُسِرت؟

أم أن الكهرباء انقطعت فعطلتْ موتور الرفع؟

أم أن محطة المياه تعطلت؟.. إلخ.

إذن: كلما تقدمتْ الحضارة ووسائل المدنية بَعُدت الصِّلات بيننا وبين الله.

وهذا العلم الكوني الذي يقوم على الفكر وإعمال العقل لا دَخْلَ للسماء فيه، ويستوي فيه المؤمن والكافر، فمَنْ سعى إليه وأخذ بأسبابه أعطتْه الأسباب؛ لذلك وجدنا معظم الاختراعات والاكتشافات جاء بها علماء كفرة لا يؤمنون بالله، كالكهرباء والتليفون والتلغراف وغيرها.

فمعنى: (وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ..) (سبأ: 6) أى: العلم الشرعي، وهم الذين آمنوا بك وصدَّقوك بالمعجزة على أنك رسول الله، وأن ما جئتَ به هو الحق (ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلْحَقَّ..) (سبأ: 6).

وكذلك الذين أوتوا العلم الكوني لهم دَوْر في تصديق الرسل وتأييدهم بما أوتوا من العلم الكوني الذي يدلُّ على الله، وإذا كان القرآن كتابَ الله المقروء، فالكون بأجناسه المختلفة كتاب الله المشَاهَد المنظور.

واقرأ إنْ شئت قول الحق سبحانه و تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا..) (فاطر: 27) هذا هو النبات: (وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ) (فاطر: 27) وهذا هو الجماد: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ..) (فاطر: 28) الإنسان: (وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَامِ..) (فاطر: 28) أي: الحيوان(مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ..) (فاطر: 28).

ثم يختم الحق سبحانه بقوله: (إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ..) (فاطر: 28) أيّ علماء؟

علماء الكون الذين يبحثون في أجناسه المختلفة وقوانينه العلمية والاجتماعية والصحية.. إلخ.

وهؤلاء العلماء يخشوْنَ الله؛ لأنهم يشاهدون أسراره في كونه، ويُطْلِعون الناس عليها، فهم جُنْد من جنود الدعوة إنْ آمنوا يؤيدون قدرةَ الله، بل ويستشهد علماء الشرع بكلامهم، ويُظْهِرون قدرة الله في الكون من خلال نظرياتهم العلمية، إذن: للعلم الكوني مهمة كبرى في مجال الدعوة إلى الله.

لكن، مَنْ الذي يرى مِنْ هؤلاء -علماء الشرع، أو علماء الكون- أن الذي جاء به محمد هو الحق؟

إنْ قُلْنا علماء الشرع فقد شهدوا لرسول الله وصدَّقُوه، سواء من المؤمنين برسالته، أم من علماء أهل الكتاب، وإنْ قلنا علماء الكون فقد شهدوا هم أيضاً لرسول الله وأيَّدوه بما لديهم من أسرار قدرة الله، والدليل أننا كنا نتحدث في قوله تعالى: (عَالِمِ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) (سبأ: 3).

قُلْنا: إن الذرة هي الهباءة المتناهية في الصِّغَر، والتي لا تُرَى بالعين المجردة إلا في شعاع الشمس، هذا هو كلام الحق سبحانه، فأعطنى من العلم الكوني ما يثبت هذا الكلام، وما يقنعني بأن الله تعالى يعلم كل شيء، ولا يخفى عليه حتى الذرة في السماوات ولا في الأرض.

نقول: مَنِ الذى خلق السماوات والأرض وما فيهن؟

لا أحد يستطيع أن يقول غير الله.

كما قال سبحانه: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ..) (لقمان: 25) أي: الكفار: (مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ..) (لقمان: 25)، وقال -تبارك و تعالى-: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ) (الزخرف: 87).

لا أحد يجرؤ أنْ يقول غير هذا، مع أن الكفرة والملاحدة كثيرون، لكن لم يدَّع أحد أنه خلق شيئاً، كيف والناس يقفون عند أتفه الأشياء، فيُؤرِّخون لها ويُخلِّدون اسم صانعها أو مخترعها، لو سألت تلميذ الابتدائية: مَنِ اكتشف الكهرباء؟

يقول لك.

أديسون.

مَنْ أول مَنْ صعد إلى القمر؟

يقول لك: كذا وكذا.

فكيف نعرف هؤلاء ونصنع لهم التماثيل ونكرمهم، ولا نسأل أنفسنا: مَنْ خلق الشمس، مَنْ خلق القمر؟

مَنْ أجرى الهواء.. الخ، وهذه مقومات الحياة وأساسياتها، وليست ترفاً كالأخرى.

إذن: قضية الخَلْق هذه ساعةَ تُعرض لابُدَّ أنْ يتمثل لك قوله تعالى: (فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ..) (البقرة: 258) يعني: لا يملك إلا أن يقول: الله.

تذكرون أننا قلنا: إذا قال الحق قولاً، وقال البشر قولاً يجب أن ينطمس قول البشر أمام قول الله؛ لأن البشر حين يُقنِّنون يُقنِّنون حسب ما يرى من أحداث، ولا يحسب حساباً لما سيطرأ، وما يُستجد؛ لذلك تأتي قوانين البشر عاجزة قاصرة تحتاج دائماً إلى تعديل.

كذلك، في مسألة الإضاءة نرى البشر يضيء كل منهم بيته مثلاً حَسْب إمكاناته وقدراته، فإذا جاء نور الله أُطْفِئت كل الأنوار، ومن هذه المسألة نأخذ الدليل على مسألة الذرة التي نحاول أنْ نثبت عِلْم الله لها من خلال العلم الكوني.

فنحن الآن في المسجد، والمسجد مُضاء، ونرى كل شيء، فهل ترون الآن غباراً في جو المسجد؟

لا.

مع أننا في النور، لكن ماذا لو جلستَ بجوار شباك مثلاً يدخل منه شعاع الشمس؟

لا شك أنك سترى هذا الغبار المتطاير في الجو.

إذن: هذا الغبار لا تراه إلا في ضوء الشمس، فنور البشر لا يكشف الغيبَ، إنما يكشفه نور الله المتمثل في ضوء الشمس، فإذا كانت الشمس المخلوقة لله تعالى بيَّنَت لنا ما خَفِي عَنَّا، أيعجز خالق الشمس سبحانه أنْ يعلم ما غاب عنَّا؟

هذه إذن رسالة العلم الكوني، أنْ يُثبت لنا ما يؤيد الدعوة، وأن ما جاء به الرسول حق.

مسألة أخرى توضح مكانة العلم الكوني ومنزلته في الدعوة، هذه المسألة نجدها في قوله تعالى عن عذاب الكفار يوم القيامة: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ..) (النساء: 56).

هكذا قال الله تعالى، وهكذا نقلها القرآن لنا لم يخبرنا شيئاً عن مراكز الألم والإحساس، وكنا لا نعلم شيئاً عنها، حتى جاء علماء وتخصَّصوا في وظائف الأعضاء، وبعد بحوث وتجارب توصَّلوا إلى أن الجلد هو المسئول عن الإحساس، فقد لاحظ الألمان أن المريض حين نعطيه حقنة مثلاً لا يشعر بالألم إلا بمقدار ما تنفذ الإبرة من طبقة الجلد، فأخذوا من ذلك أن الجلد هو محلُّ الإحساس، وليس المخ أو النخاع الشوكي كما قال البعض.

أخذ علماء الشرع هذه القضية، وجعلوها دليلاً على قول الحق سبحانه: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا..) (النساء: 56) لماذا يا رب؟ (لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ..) (النساء: 56) فالجلد محل الإذاقة، وهكذا ساعدني العلم الكوني في إثبات صِدق القرآن الكريم، وأنه حق.

كذلك نفعنا العلم الكوني في إثبات كروية الأرض، وأنها تدور حول الشمس، فالحق سبحانه أخبرنا أن الليل والنهار خِلْفة أى: يخلف كل منهما الآخر، وهذا واضح لنا الآن في تعاقب الليلَ والنهار، لكن ماذا كان أول الخَلْق لو أن النهار خُلِق أولاً يعني: خُلِقت الشمس مواجهة للأرض ثم غابت، فجاء الليل، فالنهار في هذه الحالة ليس خِلْفة لليل، لأن النهار جاء أولاً لم يسبقه ليل فليس خِلْفة.

وعليه فلابُدَّ أن تكون الأرض خُلِقت على هيئة كروية، ما قابل الشمس منها يكون النهار فيه، وما لم يقابل الشمس يكون الليل فيه، فهما معاً في وقت واحد، فلما دارت الشمس تعاقب الليل والنهار، وخلف كل منهما الآخرَ، فلا تتأتى هذه الخِلْفة إلا بكُروية الأرض.

فقوله تعالى: (وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ..) (سبأ: 6) أي: العلم الشرعي المنزَّل من أعلى، أو العلم الكوني القائم على البحث والمشاهدة.

وقوله (أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ..) (سبأ: 6) سواء كان عِلْماً شرعياً، أو علما كونياً يدل على أن العلم إيتاءٌ، فليس هناك عالم بذاته، إنما العلم إيتاء من الله حتى فى علم الكونيات لذلك لم يقل علموا، إنما (أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ..) (سبأ: 6).

لذلك قالوا: إنْ كان العلمُ نعمةً من الله، فكذلك النسيان قد يكون نعمة، وجندياً يخدم الإنسان، فنحن نعرف مثلاً (الخميرة) التي تخمر العيش، إذا وجدت رغيف العيش (مبلّط) يعني: وجهه ملتصق بظهره ترده للبائع وتطلب الرغيف (القابب) هذا ما تفعله (الخميرة) في رغيف العيش تجعل الهواء يدخل بين ذرات العجين، فحين تُدخِله النار يتمدد هذا الهواء فيُحدِث فاصلاً بين وجه الرغيف وظهره.

وهذه الخميرة هي التي تعطى للعيش طعمه المميز، فهل تعرف من أين جاءت هذه الفكرة؟

جاءت نتيجة نسيان، فيُروى في هذه المسألة أن امرأة عجنتْ العجين، ثم انشغلت عن خَبْزه بعض الوقت ونسيته، فلما تذكرتْ جاءتْ إليه وخبزته كما هو، فوجدتْ هذا الفرق بين العجين حين يُخبز سريعاً، وحين يُترك حتى يختمر، وكانت هذه بداية فكرة الخميرة، وكأن كل قطعة خميرة نأكلها الآن هي في الحقيقة جزء من خميرة هذه المرأة.

كذلك يُقال في سبب شواء اللحم أن الإنسان أولاً كان يأكل اللحم نيئاً، وقد ذبح رجل شاة بالليل، وأوقد ناراً يستدفئ بها، فجاء ذئب ينازعه الشاة، فدخل معه في معركة، فوقعت قطعة لحم في النار، فلما خلص من الذئب شَمَّ رائحة الشِّواء فأعجبته، ومن هنا عرف الإنسان كيف يشوي اللحم.

إذن: الحق سبحانه يهدي خَلْقه ولو بالنسيان، ولو بالمصادفة، فالعلم حتى الكوني منه إيتاء من الله، وكل قضية كونية لا يعطيك الله علمها مباشرة، يعطيك المقدمات التي تُوصِّل إليها، وتهدي إلى معرفتها.

وكنا ونحن نتعلم الهندسة ندرس كتاباً اسمه (هول ونايت) نتعلم كيف نبرهن على صحة النظرية، فمثلاً النظرية المائة نبرهن عليها بما ثبت في النظرية التسعة والتسعين وهكذا، فحين تسلسل هذه المسألة نصل إلى النظرية، رقم واحد، كيف نبرهن على صحتها؟

قالوا: البرهان عليها بدهية في الكون، فكأن كلَّ علم وصل إلينا أصله بدهية مخلوقة لله تعالى، إذن: فالعلم سواء أكان شرعياً أو كونياً إيتاء من الله؛ لذلك قال سبحانه: (وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ..) (البقرة: 282) يعني: يلهمكم ويرشدكم إلى الأشياء ولو بالمصادفة، وسبق أن قًلْنا: إن لكل سر في الكون ميلاداً، إما أنْ يأتي نتيجة بحث الإنسان، فإنْ لم يبحث الإنسان فيه كشفه الله له ولو بالمصادفة، كما اكتشف الإنسان مثلاً البنسلين.

لذلك يقول سبحانه في العلم الكوني: (ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ..) (البقرة: 255).

فمعنى: (إِلاَّ بِمَا شَآءَ..) (البقرة: 255) أي: يأذن سبحانه بميلاد هذا الشيء، فإنْ شاء سبحانه أعطاك علمه نتيجة بحثك وأنت تبحث وإنْ لم يكُنْ هناك بَحْث أعطاك العلم مصادفة.

أما العلم الذي استأثر الله به فهو غيب لا يحيط به أحد، كما قال سبحانه: (عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ..) (الجن: 26-27) هذا هو العلم الذي لا دَخْل لأحد فيه، أما العلم الكوني فله زمن، وله ميلاد يولَدُ فيه.

ونلحظ في أسلوب الآية أن المفعول الثانى للفعل (يرى) جاء على صورة الضمير المنفصل (وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلْحَقَّ..) (سبأ: 6) ولم يقل الحق فقط إنما (هُوَ ٱلْحَقَّ..) (سبأ: 6) وهذا الضمير المنفصل يعني أن غيره ليس حقاً، فالحق هو الذي أُنزِل على رسول، وما عداه ليس حقاً، وكأنها خاصية لم تُعْط إلا له -صلى الله عليه وسلم-.

ومثلها قوله تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم: (ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) (الشعراء: 78) فلم يَقُلْ: الذي خلقني يهديني؛ لأنها تحتمل أن يهديك غيره، إنما: (فَهُوَ يَهْدِينِ) (الشعراء: 78) قصرت الهداية عليه سبحانه و تعالى، ومثلها: (وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (الشعراء: 79-80) فقصر الإطعام والسُّقْيا والشفاء على الله سبحانه و تعالى، لأنك قد تظن أن أباك هو الذي يُطعمك ويسقيك، وهو مجرد سبب ومناول عن الله.

وكذلك قد تظن أن الشفاء بيد الطبيب، وما الطبيب إلا معالج، والشفاء من الله، لكن تأمل حين تكلم سبحانه بعدها عن الموت والحياة، قال: (وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) (الشعراء: 81) ولم يأتِ بالضمير المنفصل هنا..

لماذا؟

لأن الموت والحياة لم يدَّعِها أحد غَير الله، فليست مظنة المشاركة، والكلام هنا عن الموت لا عن القتل، وهناك فَرْق بينهما سبق أنْ أوضحناه.

إذن: قوله تعالى: (هُوَ ٱلْحَقَّ..) (سبأ: 6) دلَّتْ على أن الحق واحد، هو ما أنزل الله، وما عداه باطل، ولا يجتمع حقَّانِ في مسألة واحدة، إلا إذا كانت الجهة مُنفكة كأن تقول مثلاً: والله أنا ودعت فلاناً اليوم في المطار وسافر إلى كذا، فيقول آخر: بل لم يسافر وأنا رأيتُه اليوم في بيته، وعندها يتهم كل واحد منكما الآخر بالكذب فأسرعتَ إلى التليفون واتصلتَ بهذا الرجل، فقال لك: نعم لم أسافر فقد طرأ لي طارىء، فرجعت من المطار.

إذن: فالخبران صادقان، لكن الجهة منفكة.

والحق هو: الشيء الثابت الذي لا يتغير ولا يُنكر، وكيف تنكر الحق وأنت حين تريد أنْ تؤيد نفسك في شيء تقول: هذا حقي يعني لي ولا ينازعني فيه أحد، فالدَّعْوى التي تقيمها أن هذا حقك.

والحق إلى جانب أنه أمر ثابت فهو ينفعك، فله إذن ميزتان أو حجتان: الأولى أنه الحق الثابت وغيره باطل، والأخرى أنه يعود عليك نفعه؛ لذلك قال تعالى بعدها: (وَيَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ) (سبأ: 6)، فإذا لم تقبل الحق لذاته وتتعصب له، فاقبله لما يعود عليك من نفعه، فهذان الأمران هما من حيثيات التمسك بالحق.

ومعنى (ٱلْعَزِيزِ..) (سبأ: 6) هو الذي لا يُغلب ولا يُقهر، ومنه قولنا: عزَّ علىَّ كذا يعني: لم أقدر عليه، وفلان عزيز يعني لا يقهره أحد، فصفة العزة صفة ترهيب، فحين تُعرِض عن هذا الحق فاعلم أنك تعصي عزيزاً لا يُقهر، يغلب ولا يُغلب.

ثم يتبعها سبحانه بصفة من صفات الترغيب (ٱلْحَمِيدِ) (سبأ: 6) بمعنى المحمود على ما يُعطى من النِّعَم، فهي تُرغِّبك في المزيد من نِعَم الله.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ...).




سورة سبأ الآيات من 06-11 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 16 ديسمبر 2020, 9:27 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة سبأ الآيات من 06-11 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة سبأ الآيات من 06-11   سورة سبأ الآيات من 06-11 Emptyالأربعاء 16 ديسمبر 2020, 9:22 pm

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قوله تعالى: (وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ..) (سبأ: 7) معلوم أن القول يحتاج إلى قائل، وإلى مقُول له، القائل هم الذين كفروا، قالوا: لمن؟قالوا بعضهم لبعض وهم يتسامرون، أو قال المتبوع منهم لتابعه الذي يقلده.

أمَّا قولهم فهو (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (سبأ: 7).

ويلفت أنظارنا في هذا القول أنهم وصفوا سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكلمة (رجل)، وهي نكرة قصدوا بها الاستهزاء والاستنكار والتقليل من شأنه -صلى الله عليه وسلم-.

وهذا في حد ذاته يدل على غبائهم وتغفيلهم، فهم أنفسهم الذين وصفوه بأنه رسول الله حين قالوا كما حكى القرآن عنهم: (لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ..) (المنافقون: 7) فدلَّ ذلك على غبائهم.

وهم أيضاً الذين قالوا -لما فَتَر الوحي عن رسول الله- إن ربَّ محمد قلاه، وهذا عجيب منهم، فعند المحنة والسوء يعترفون أن لمحمد رباً.

وقولهم (يُنَبِّئُكُمْ..) (سبأ: 7) من النبأ، ولا يُطلَق إلا على الخبر الهام وليس مطلق الخبر، فمثلاً حين أقول لك: أكلتُ اليوم كذا وكذا، وذهبتُ إلى مكان كذا لا يُعَدُّ هذا نبأ؛ لأنه خبر عادي، أما النبأ فخبر عجيب وهام وعظيم، كما جاء في قول الله تعالى: (عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ) (النبأ: 1-2).

ومعنى: (إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ..) (سبأ: 7) التمزيق: إبطال الكل عن أجزائه، وإبعاد الأجزاء بعضها عن بعض، فمثلاً أنا أجلس الآن على كرسي، هذا الكرسي كُلٌّ مكوَّن من أجزاء: خشب ومسامير وغِراء وقطن وقماش.. إلخ، فتمزيق هذا الكل أن أفصل هذه الأجزاء عن بعضها، فينهدم هذا الكل إلى أجزاء.

وينبغي هنا أن نُفرِّق بين الكل والكلى: الكل مكوَّن من شيء كثير، لكنه مختلف في الحقيقة، فالخشب غير المسمار غير الغِراء غير القماش، فكل جزء له تكوينه الخاص.

أمَّا الكلي فيُطلق على أشياء كثيرة منفصلة، إلا أنها متفقة في الحقيقة، كما نقول مثلاً: إنسان بالنسبة للأفراد شيء كلي؛ لأن الإنسان يُطلق على كل المجموع، بحيث يُقال عن كل فرد: إنسان، إنما في الكل لا أقول الخشب كرسي.

هذا هو التمزيق، فماذا أضافت (كُلَّ مُمَزَّقٍ..) (سبأ: 7)؟

أي: تمزيقاً شديداً يُمزِّق الكل، ويمزِّق الجزء، إذن: التمزيق له مراحل وصور، فمعنى (مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ..) (سبأ: 7) استقصاء لأصغر شيء يصل إليه الممزَّق، وهذا التمزيق نشاهده في تحلل الميت وتفكُّك أجزائه وعناصره، حتى تذهب في الأرض، لا يبقى لها أثر.

ومن ذلك قولهم: (وَقَالُوۤاْ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ..) (السجدة: 10).

فمعنى: (ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ..) (السجدة: 10) أي: ذهبنا فيها وغِبْنا في متاهتها.

والتمزيق له أسباب متعددة، فمَنْ يموت ويُدفن تمزِّقه الأرض، ومَنْ يموت محروقاً تمزِّقه النار، وربما تذروه الرياح وتتبعثر ذراته، ومَنْ تأكله الحيوانات والطير.. إلخ.

ومع هذا التمزيق والتفتيت والبعثرة تستطيع قدرة الله أنْ تعيد الإنسان من جديد، واقرأ: (قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) (ق: 1-3) يستبعدون البعث، فيردّ القرآن عليهم: (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ..) (ق: 4) يعني: لا تستعجبوا، فكل ذرة تبعثرتْ نعلمها، ونعلم مكانها، ونقدر على إعادتها: (وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ) (ق: 4) يعني: ليس مجرد علم، إنما علم مُسجَّل محفوظ، لا يناله تغيير ولا تبديل.

وقوله: (إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (سبأ: 7) الخلق الجديد أن يُعاد الشيء إلى أصل تكوينه، كالذي يقلب البدلة مثلاً فتصير جديدة..

لماذا؟

لأنه أعاد تكوينها من جديد.

ثم يقول الحق سبحانه: (أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ...).



سورة سبأ الآيات من 06-11 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة سبأ الآيات من 06-11 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة سبأ الآيات من 06-11   سورة سبأ الآيات من 06-11 Emptyالأربعاء 16 ديسمبر 2020, 9:23 pm

أَفْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (٨)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

هذا القول كسابقه يحتاج إلى قائل ومقول له، ويصح أنْ يكون قائله هو القائل الأول الذي قال(هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ..) (سبأ: 7) ويصح أن يكون الآخر الذى سمع القائل الأول فردَّ عليه: (أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ..) (سبأ: 8).

معنى (أَفْتَرَىٰ..) (سبأ: من الافتراء، وهو تعمُّد الكذب (أَم بِهِ جِنَّةٌ..) (سبأ: أي: جنون يعني: كلامه هراء، لا وزن له، ولا يُقال له صدق ولا كذب.

لكن لماذا اتهموا رسول الله بأن به جِنَّة بعد أن اتهموه بالكذب والافتراء؟

قالوا: لأن هذا اتهام كذب، والكاذب دائماً يخاف أنْ يُفتضح أمره، وينكشف كذبه؛ لذلك يحاول أنْ يجعل لنفسه مخرجاً حين يثبت كذبه، فقالوا: (أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ..) (سبأ: فإذا ما ثبت صدق رسول الله، وأنه ليس كاذباً ولا مفترياً وجد المتهم له مخرجاً فقال: والله أنا لا أدري أهو مُفْتر أم به جِنَّة، وما دام ثبتَ صِدْقه، فهو به جِنَّة.

وعجيب أن يصف كفار مكة رسول الله بالكذب والافتراء على الله، وهو واحد منهم، ما عرفوا عنه إلا أنه الصادق الأمين، وما جرَّبوا عليه كذباً قط، وما رأوْه يوماً خطيباً ولا شاعراً، وهم أهل الفصاحة وفرسان الكلمة، لا يَخْفى عليهم تذوُّق اللغة وفَهْم الأساليب العربية، فكان عليهم أنْ يعقلوا أولاً قبل أن يُوجِّهوا لرسول الله هذا الاتهام.

ثم، هل تأتي البلاغة؟

وهل يأتي النبوغ بعد سنِّ الأربعين؟

معلوم أن النبوغ يأتي فى أواخر العقد الثاني أو أوائل العقد الثالث من العمر، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- لَبِثَ فيهم أربعين سنة قبل أن يُبلِّغهم عن الله كلمة واحدة.

لذلك يخاطبهم القرآن، ويجادلهم بالحجة، فيقول على لسان سيدنا رسول الله: (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) (يونس: 16) يعنى: تدبَّروا الأمر واعقلوه، فأنتم أهل البلاغة واللسان الفصيح، ومنكم الخطباء والشعراء ملأوا الدنيا كلاماً، فهل رأيتم مني شيئاً من هذا؟

إذن: الذي قال: (أَم بِهِ جِنَّةٌ..) (سبأ: احتاط لنفسه، فحين يظهر صِدْق رسول الله يقول هو: أنا قُلْت: إنه إما كاذب، وإما مجنون.

ثم يردُّ الحق على هؤلاء: (بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ فِي ٱلْعَذَابِ وَٱلضَّلاَلِ ٱلْبَعِيدِ) (سبأ: كلمة (بَلْ) تفيد الإضراب عما قبلها ونفيه ورفضه، ثم إثبات ما بعدها، فهي تنفي أن يكون رسول الله مفترياً، وتنفي أن يكون مجنوناً؛ لأن رسول الله ما جرَّبتُمْ عليه كذباً من قبل، وما رأيتم عليه علامة من علامات الجنون؛ لأن المجنون لا يُحمد على فعل، ولا يُذم على فعل، ولا يُوصَف بصدق ولا كذب، وقد سبق أن مدحتم رسول الله فقلتم عنه "الصادق الأمين".

لذلك يقول الحق سبحانه: (نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 1-4) وهل يُوصَف المجنون بأنه على خلق عظيم؟

هل يُوصَف المجنون بالأدب أو الوفاء أو غيرها من خصال الخلق الحميد؟

فكيف إذن تصفون رسول الله بالجنون، وقد شهدتم له بسيدة الخصال الحميدة في النفس البشرية وهي الأمانة، وكنتم تأتمنونه على أشيائكم، وتضعونها عنده؟

لذلك خلَّف رسول الله الإمام علياً وراءه بعد أنْ هاجر ليرد الودائع والأمانات إلى أهلها.

وبعد أن أبطل الحق سبحانه كذبهم على رسول الله يقرر ما يستحقونه على ذلك من العذاب (بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ فِي ٱلْعَذَابِ وَٱلضَّلاَلِ ٱلْبَعِيدِ) (سبأ: في العذاب لأنهم اتهموا رسول الله بالكذب والافتراء على الله، ورسول الله لم يكذب، ولم يفْترِ على الله، وهم في الضلال البعيد؛ لأنهم وصفوا رسول الله بالجنون، وهو شيء مُخِلٌّ بتكوينه إنما لم يكذب، إذن: العذاب مقابل الاتهام بالافتراء على الله، والضلال البعيد مقابل اتهامه -صلى الله عليه وسلم- بالجنون.

ثم يقول الحق سبحانه: (أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ...).



سورة سبأ الآيات من 06-11 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة سبأ الآيات من 06-11 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة سبأ الآيات من 06-11   سورة سبأ الآيات من 06-11 Emptyالأربعاء 16 ديسمبر 2020, 9:24 pm

أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الهمزة هنا للاستفهام.

والمعنى: كيف يقولون هذا ويغفلون عن آيات الله في كونه، وهي ظاهرة لهم غير مطموسة عليهم؛ لأنهم يعيشون في بادية سماؤها مكشوفة لهم، ليستْ ذات عمائر تحجب عنهم آيات الله كأهل المدن مثلاً، قلَّما يَروْن الشمس أو القمر، وإذا حدث كسوف أو خسوف لا يدرون به إلا من أخبار الصحف.

أمَّا أهل البادية فيعيشون في صحراء شاسعة، وتبدو لهم صفحة السماء، أنيسهم الشمس بالنهار، والقمر والنجوم بالليل، وهم ينظرون إلى هذه الآيات ويتأملونها؛ لذلك قال الرجل العربي وهو يتأمل الكون من حوله وهو على الفطرة: سماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، القدم تدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، أفلا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟

إذن: كيف وآيات الحق واضحة أمامكم - تتهمون رسول الله وتغفلون عن آيات الله (أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ..) (سبأ: 9) معنى (مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ..) (سبأ: 9) أمامهم (وَمَا خَلْفَهُمْ..) (سبأ: 9) وراءهم، ويمكنك أن تزيد يمينهم وشمالهم؛ لأنك أينما سِرْتَ في هذه الاتجاهات فلن تجد إلا السماء، حتى لو قلت تحتهم وحاولتَ أنْ تخترق الأرض فلابُدَّ أن تصل في النهاية إلى سماء في الجهة الأخرى، لكنه لم يقل تحتهم؛ لأن الإنسان لا يستطيع أن يخترق الأرض إلى نهايتها.

ثم أيُّ عظمة في خَلْق السماء بهذا الاتساع وهي بلا عمد؟

إنك لا تستطيع إقامة خيمة مساحتها عدة أمتار إلا بأن تثبتها بالحبال والأوتاد وترفعها بالأعمدة، ولو هبَّتْ عليها الريح اقتلعتْ أوتادها وأعمدتها وهدمتها على مَنْ فيها، فكيف تمرُّ على آيات الله في السماء وفي الأرض دون أن تتأملها؟

ثم يقول سبحانه: (إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ..) (سبأ: 9) كما خسفها بقارون (أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ..) (سبأ: 9) كما نزلت الصاعقة من قَبْل على المكذِّبين للرسل و (كسفاً) جمع كسفة أي: قطعة (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ) (سبأ: 9) آية يعني: عبرة وعِظَة لكل عبد يحاول أنْ يرجع لربه.

فكأن الحق سبحانه جعل في كونه هذه الآيات لتُذكِّر كل غافل، وتردّ كل كافر، وتعطفه إلى أنْ يرجع إلى ربه، ولو رجع الكافر إلى ربه لَقَبِلَه.

إذن: الحق سبحانه خلق الخَلْق، ويريد أن يسعدهم، لكن لابُدَّ أنْ نختبر مَنْ يستحق السعادة، وأن نُميز مَنْ أطاع منهج الله ومَنْ عصاه.

لذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلي ومَثَلكم كرجل أوقد ناراً فأخذ الذباب والفراش يتهافت عليها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلَّتون مني".

فالحق سبحانه يفتح لعباده - حتى الكافرين منهم - باب الأمل ليعودوا إلى ساحته، وقد ورد عن رسول الله أنه قال: "لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم وقع على بعيره وقد أضلَّه في فلاة".

ففتح بالتوبة وبالإنابة باب الرجوع إليه، وخاصة إذا اكتملتْ للإنسان الوسائل الداعية للتوبة من تقدُّم السن أو المرض.. إلخ.

مما يبعد الإنسان عن مَظَانِّ الشهوات، ويدعوه لأنْ يُقبل على الله ويصلح ما فسد من علاقته بربه وخالقه، حتى إذا ما عاد إليه يوم القيامة عاد طاهراً من ذنوبه؛ ذلك لأن الخَلْق خَلْقه، وصَنْعته، والصانع يريد لصنعته الخير والسعادة.

وسبق أنْ ذكرنا الحديث الذي يُوضِّح أن السماء والأرض والجبال والبحار تمرَّدتْ على ابن آدم، واستأذنت ربها -تبارك و تعالى- أن تفتك به.

فقالت السماء: يا رب ائذن لي أن أسقط كِسَفاً على ابن آدم، فقد طَعِم خيرك، ومنع شكْرك.. إلخ، فماذا قال الحق سبحانه لها؟

قال: دعوني وما خلقتُ، لو خلقتموهم لرحمتموهم، إنْ تابوا إليَّ فأنا حبيبهم، وإنْ لم يتوبوا فأنا طبيبهم.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ...).



سورة سبأ الآيات من 06-11 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة سبأ الآيات من 06-11 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة سبأ الآيات من 06-11   سورة سبأ الآيات من 06-11 Emptyالأربعاء 16 ديسمبر 2020, 9:27 pm

وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

بعد أن فتح الحق سبحانه باب التوبة لعباده، وأعطاهم الأمل حتى الكافرين منهم، وبعد أنْ فعلوا برسول الله ما فعلوا، وسعَوْا في آيات الله معاجزين ما يزال الحق سبحانه رحيماً بهم، حريصاً عليهم، فيلفت أنظارهم إلى واسع رحمته.

وكأنه سبحانه يقول لهم: لا تستكثروا أفعالكم وذنوبكم أمام رحمة الله، ولا تصدَّنكم هذه الذنوب عن التوبة والعودة إلى الله، وإنْ كنتم أذنبتمْ، فمن الرسل مَنْ حدثت هفوة من بعضهم مع أنهم أنبياء، فكأن الحق سبحانه مع هذا كله يلتمس لهم عذراً.

لذلك ذكر بعدها حكاية سيدنا داود: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً..) (سبأ: 10) وفي موضع آخر بيَّن ما كان من أمر سيدنا داود: (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ) (ص: 24).

إذن: لا تخجلوا أنْ تُنيبوا إلى الله؛ لأن سيدكم الذي أعطيته كذا وكذا لمَّا حدثتْ منه هفوة استغفر وخَرَّ راكعاً وأناب، يريد سبحانه أنْ يُحنِّن قلوبهم ليعودوا إلى أحضان ربهم.

كذلك سيدنا سليمان حدثتْ منه هفوة، فابتلاه الله وعاقبه، فتاب واستغفر، واقرأ: (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً..) (ص: 34) والجسد يعني: أنه أصبح لا يستطيع الحركة في ذاته: (ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبِو ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ) (ص: 34-35) فماذا كان من أمره بعد أن استغفر: (فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ * وَٱلشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ) (ص: 36-38).

لذلك يُقال: إن سيدنا سليمان ركب البساط مرة، فداخله شيء من الزَّهْو أو الإعجاب، فمال به البساط، فقال له: اعتدل يا بساط، فقال: أُمرنا أنْ نطيعك ما أطعتَ الله.

والمعنى: أنك ما سخَّرتنا، إنما سخَّرنا اللهُ لك.

ومعنى (الفضل) الشيء الزائد، وقد أعطى الله داود عليه السلام نِعَماً كثيرة لم يُعْطِها لكثير من الأنبياء، أعطاه الاصطفاءَ وأعطاه المنهج، وزاده نعمة أخرى خاصة به، وهي أنه ألان له الحديد، كما قال سبحانه: (وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ * أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ..) (سبأ: 10-11).

وكلمة (مِنَّا..) (سبأ: 10) دلتْ على أن النعمة ليست من ذاتك، إنما من الله، فتقديم الجار والمجرور هنا أفاد قصْر النعمة على المنعِم سبحانه، ومثلها الجار والمجرور في قوله تعالى في قصة سيدنا موسى عليه السلام: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي..) (طه: 39).

كأن الحق سبحانه يقول لنبيه موسى عليه السلام: لقد أخذك آل فرعون، والتقطوك من اليم في وقت كانوا يقتلون فيه الأطفال، وقد جئتَهم في صورة تدعو إلى الشك، لكنهم أحبوك، ورأوا فيك قرَّة عَيْن لهم، وأنت وقتها أسمر اللون، كبير الأنف، جعد الشعر يعني: ليس فيك ما يلفت النظر، لكن تذكَّر أنِّي ألقيتُ عليك محبة مني أنا، فأحبوك.

والفضل من الله يأتي الناس جميعاً، لكن الرسل لهم نِعَم متميزة، وفضل أعظم في صورة معجزات، ويُبيِّن الحق سبحانه فضله على نبيه داود بقوله: (يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ) (سبأ: 10).

(يا جبال) نداء، فالله ينادي الجبال؛ لأنها تسمع وتعي هذا النداء (أَوِّبِي..) (سبأ: 10) يعني: رجِّعي معه ما يقول وما يقرأ من الزبور أو من الذكر، وهنا دليل على أنه يفهم قول الجبال، وأنها تفهم قوله، وتُردِّد خلفه، إذن: للجبال منطق ولغة أفهمها اللهُ نبيَّه داود.

وقد تناولنا مسألة تسبيح الجمادات لمَّا تعرضنا لقوله تعالى: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ..) (الإسراء: 44) ورددنا قول مَنْ قال إنه تسبيح الحال لا تسبيح المقال؛ لأن الله قال(وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ..) (الإسراء: 44) وما دام قد حكم سبحانه أننا لا نفقه تسبيحهم، فهو تسبيح بالقول.

والذين قالوا بتسبيح الدلالة استعظموا أنْ يكون للجبل كلام ولغة وتفاهم، لكل هل للجبل كلام معك أنت؟

للجبل كلام مع ربه وخالقه الذي قال: (أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ) (الملك: 14).

إذن: ما دَخْلك أنت في هذه المسألة؟

ولماذا تنكرها؟

وتأمل قوله سبحانه: (وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ..) (الرعد: 13) فجمع بين تسبيح الرعد وهو جماد وتسبيح الملائكة، وهم على أجناس المخلوقات، وأين وجه الدلالة في تسبيح الملائكة؟

فلماذا العجب، وقد ثبت أن لكل شيء لغة تناسبه، وقد رأينا لغة للهدهد، ولغة للنمل.. إلخ.

فعظمة سيدنا داود أنه فهم لغة الجبال، وسمع تسبيحها، ووافق تسبيحُها تسبيحَه، كذلك (وَٱلطَّيْرَ..) (سبأ: 10) يعني: يا طير أوِّب مع داود، وردِّد معه التسبيح.

(وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ) (سبأ: 10) وهذه معجزة أخرى لسيدنا داود، وإذا قال الله عدة أشياء، ثم حدث في الواقع أنه صدق في واحدة، ألاَ أُصدِّقه في الأخرى؟

فإذا قال سبحانه (وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ) (سبأ: 10) فلابُدَّ أن نصدِّق بذلك، وأن نعتقد أن الحديد صار في يد سيدنا داود مثل طين الصلصال الذي يشكِّله الأطفال كيفما أرادوا، لأن البعض يرى أن (وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ) (سبأ: 10) يعني: علَّمه الله أن النار تذيب الحديد، ولو أن الأمر كذلك فليس فيه معجزة، ولا ميزة على غيره من الناس.

وللحديد ميزات عدة، وأنواع مختلفة، وتتوقف مدى أهميته على مدى صلابته، ولأهميته أنزله الله من عَلٍ كما أنزل الكتب؛ لذلك تكلم سبحانه في سورة الحديد عن الرسل مثل موسى وعيسى -عليهما السلام- وتكلم عن إنزال الكتب، وقال عن الحديد: (وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ..) (الحديد: 25).

ومعلوم أن الإنزال يأتي من جهة العلو، فالحق سبحانه أنزل الكتب ينطق بها الرسل لهداية المهتدى الذي يسمع، وأنزل الحديد لردع العاصي وزَجْره، ففي الحديد بأس شديد في وقت الحرب، ومنافع للناس في وقت السلم.

لذلك قال تعالى بعدها: (وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحديد: 25) ينصره في أيِّ شيء؟

ينصره في الحديد، وفي استخدامه وقت الحروب، وسيدنا داود -عليه السلام- آتاه الله، وأنزل عليه هذا وهذا: الكتاب للهداية، والحديدَ للحرب.

لذلك قال له: (أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ..) (سبأ: 11) يعني: دروعاً واسعة، وهي عُدة الحرب يلبسها الجندي على مظانِّ الفتك، وخاصة على الصدر؛ لأن بداخله القلب والرئتين، ولم يقُلْ له اعمل فأساً ولا محراثاً مثلاً؛ لأن هذه لمنافع الأرض، والله يريد ما يحمي المنهج ويزجر العاصي.

وكانت الدروع قبله تُصنع ملساء يتحرك عليها السيف ويتزحلق، وربما أصاب منطقة أخرى من الجسم، وكانت تُصْنع على قدر ما يحمي الصدر، فعلَّمه الله أنْ تكون واسعة لتحمي أكبر قدر ممكن من الجسم، فقال (أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ..) (سبأ: 11).

وعلَّمه كذلك أن تكون على شكل حلَقٍ متداخلة (وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ..) (سبأ: 11) يعني: أحكم تداخل هذه الحِلَق بعضها في بعض، حتى إذا ما نزل عليها السيف ثبت على إحداها ولم يتحرك.

وكان درع الإمام علي -كرَّم الله وجهه ورضي عنه- ليس لها ظهر، فقالوا له: أَلاَ تتخذ لدرعك ظهراً؟

فقال: ثكلتني أمِّي، إنْ مكَّنْتُ عدوي من ظهري.

فتأمَّل أن الله تعالى لم يُعلِّم نبيه داود أولاً وسائل السلم، إنما علَّمه أولاً وسائل الحرب وإعداد العُدَّة لمَنْ نقض كلمة الله، وحاد عن منهجه، علَّمه أنْ يُعِدَّ له ما استطاع من قوة.

ومعنى: (وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ..) (سبأ: 11) اجعلها بتقدير دقيق وإحكام في النسج، قال العلماء: السرد: الحِلَق التي يتكون منها الدرع، وبها خروق تُوضع فيها المسامير التي تثبت الحِلَق بعضها إلى بعض.

فمعنى (وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ..) (سبأ: 11) يعني: لا تجعل الخُرْق واسعاً، لا يثبت فيه المسمار، ولا تجعله ضيِّقاً فيغلق المسمار الحلقة، وقال آخرون: (وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ..) (سبأ: 11) يعني: اعمل منها على قدر ما تحتاج، ولهذا المعنى قصة: يُرْوى أن سيدنا داود -عليه السلام- كان يأكل من بيت مال المؤمنين؛ لأنه المتولَّى لأمرهم، فأنزل الله مَلَكاً في صورة رجل، وجعل الناس يسألونه: كيف يعيش داود؟

فقال: فيه كثيرون من خصال الخير، إلا أنه يأكل من بيت المال، فلما بلغتْ هذه الكلمةُ داود غضب وتألم لها وبكى، ثم قال: يا ربِّ لم جعلتَ فيَّ هذه المسألة؟

فعلَّمه الله صناعة الدروع ليعيش منها.

فكان يصنع الدرع بأربعة آلاف يعيش منها حتى تنفد، فيصنع درعاً آخر وهكذا، فلما أمره الله بصناعة الدروع قال (وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ..) (سبأ: 11) يعني: اجعلها على قَدْر حاجتك، ولا تبالغ فيها.

ثم يقول سبحانه: (وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (سبأ: 11) كأن الحق سبحانه يقول لنبيه داود: تذكَّر حين تعمل ما طُلِب منك أنِّي بصير بعملك مُطلع عليه، وهذه التذكرة لنبي مأمون على التصرف، فما بالك بنا نحن؟

إننا نلاحظ العامل يتقن عمله طالما يراه صاحب العمل، فإنْ غاب عنه أهمل العمل وغَشَّه، فالله يحذرنا من هذه المسألة.

هكذا ورد أمر سيدنا داود في هذا الموضع مختصراً، وإنْ كانت له قصص في مواضع أخرى.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ...).



سورة سبأ الآيات من 06-11 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة سبأ الآيات من 06-11
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة سبأ الآيات من 12-15
» سورة سبأ الآيات من 42-45
» سورة هود الآيات من 081-085
» سورة طه الآيات من 016-020
» سورة طه الآيات من 096-100

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: سبأ-
انتقل الى: