منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52561

الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها   الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 11:40 am

الفصل السادس: هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه الصديق رضي الله عنه

المبحث الأول -فشل خطة المشركين والترتيب النبوي الرفيع للهجرة

أولاً: فشل خطة المشركين لاغتيال النبي -صلى الله عليه وسلم-:

بعد أن منيت قريش بالفشل في منع الصحابة -رضي الله عنهم- من الهجرة إلى المدينة، على الرغم من أساليبهم الشنيعة والقبيحة، فقد أدركت قريش خطورة الموقف، وخافوا على مصالحهم الاقتصادية، وكيانهم الاجتماعي القائم بين قبائل العرب؛ لذلك اجتمعت قيادة قريش في دار الندوة للتشاور في أمر القضاء على قائد الدعوة، وقد تحدث ابن عباس في تفسيره لقوله تعالى (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال: 30) فقال: فتشاورت قريش بمكة فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثائق، يريدون النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: أن أخرجوه، فاطلع الله نبيه على ذلك فبات عليٌّ على فراش النبي -صلى الله عليه وسلم- تلك الليلة (13)، وخرج النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما أصبحوا ثاروا إليه فلما رأوا عليًّا رد الله كيدهم، فقالوا أين صاحبك هذا؟

 قال: لا أدري، فاقتفوا أثره فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم الأمر، فصعدوا الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسيج العنكبوت، فقالوا: لو دخل ههنا لم يكن ينسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاثاً (14).

قال سيد قطب في تفسيره للآيات التي تتحدث عن مكر المشركين بالنبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنه التذكير بما كان في مكة، قبل تغير الحال، وتبدل الموقف، وإنه ليوحي بالثقة واليقين في المستقبل، كما ينبه إلى تدبير قدر الله وحكمته، فيما يقضي به ويأمر: ولقد كان المسلمون الذين يخاطبون بهذا القرآن أول مرة، يعرفون الحالين معرفة الذي عاش ورأى وذاق، وكان يكفي أن يذكروا بهذا الماضي القريب، وما كان فيه من خوف وقلق، في مواجهة الحاضر الواقع وما فيه من أمن وطمأنينة، وما كان من تدبير المشركين ومكرهم برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، في مواجهة ما صار إليه من غلبة عليهم، لا مجرد النجاة منهم.

--------------------

 (1) انظر: الهجرة النبوية المباركة، ص162....

(2) انماع: ذاب وسال.

 (3) البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب إثم من كاد أهل المدينة، (4/94) رقم 1877.

 (4) الحدث: الإثم أو الأمر المنكر الذي ليس بمعروف في السنة.

 (5) المحدث: أي من أتي الحدث.

 (6) مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة (2/999) رقم 1371.

 (7) البخاري، كتاب البيوع، باب بركة صاع النبي ومده (4/346).

 (8) البخاري، كتاب المغازي، باب أحد جبل يحبنا ونحبه (7/337) رقم 484.

 (9) لا يختلي خلاها: لا يجز ولا يقطع الحشيش الرطب فيها.

 (10) لا ينفر صيدها: لا يزجر ويمنع من الرعي.

 (11) أشار بها، والمراد تعريف اللقطة.

 (12) أخرجه أحمد (1/119).

 (13) انظر: السيرة النبوية قراءة لجوانب الحذر والحماية، ص 135.

 (14) انظر: البداية والنهاية (3/181)، وابن حجر في الفتح وحسن إسناده، فتح الباري (7/236).


لقد كانوا يمكرون ليوثقوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويحبسوه حتى يموت، أو ليقتلوه ويتخلصوا منه، أو ليخرجوه من مكة منفيًّا مطروداً، ولقد ائتمروا بهذا كله ثم اختاروا قتله، على أن يتولى ذلك المنكر فتية من القبائل جميعاً، ليتفرق دمه في القبائل، ويعجز بنو هاشم عن قتال العرب كلها، فيرضوا بالدية وينتهي الأمر (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).

إنها صورة ساخرة وهي في الوقت ذاته صورة مفزعة، فأين هؤلاء البشر الضعاف المهازيل من تلك القدرة القادرة، قدرة الله الجبار، القاهر فوق عباده، الغالب على أمره، وهو بكل شيء محيط (1).

ثانيًا: الترتيب النبوي للهجرة:

عن عائشة أم المؤمنين قالت: كان لا يخطئ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار، إما بكرة، وإما عشية، حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الهجرة، والخروج من مكة من بين ظهري قومه، أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالهاجرة (2)، في ساعة كان لا يأتي فيها، قالت: فلما رآه أبو بكر، قال: ما جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الساعة إلا لأمر حدث.

قالت: فلما دخل، تأخر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أخرج عني من عندك" فقال: يا رسول الله إنما هما ابنتاي، وما ذاك، فداك أبي وأمي! فقال: "إنه قد أذن لي في الخروج والهجرة" قالت: فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله؟

 قال: "الصحبة" قالت: فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أحدًا يبكي من الفرح، حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ، ثم قال: يا نبي الله، إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا، فاستأجرا عبد الله بن أريقط رجلاً من بني الديل بن بكر، وكانت أمه امرأة من بني سهم بن عمرو، وكان مشركًا يدلهما على الطريق، فدفعا إليه راحلتيهما فكانتا عنده يرعاها لميعادهما (3).

قالت عائشة: فجهزناهما أحث الجهاز، وصنعنا لهم سفرة في جراب، فقطمت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاقين، ثم لحق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر بغار في جبل ثور فكمنا (4) فيه ثلاث ليالٍ يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام، شاب، ثقف (5) لقن (6)، فيدلج (7) من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمرا يَكتادان (8) به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك، حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولي أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليها حين تذهب ساعة من العشاء فيبتان في رِسَل -وهو لبن منحتهما ورضيفهما (9)- حتى ينعق (10) بها عامر بن فهيرة بغلس (11) يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث، واستأجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر رجلا من بني الديل وهو من بني عبد بن عدي هاديا خريتا -والخريت الماهر- بالهداية قد غمس حلفاً (12) في آل العاص ابن وائل السهمي، وهو على دين كفار قريش، فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر به فهيرة، والدليل فأخذ بهم طريق السواحل" (13).

--------------------

 (1) انظر: في ظلال القرآن (3/1501).

 (2) الهاجرة: نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر أو إلى العصر.

 (3) انظر: السيرة النبوية لابن كثير (2/233، 234).

 (4) كمنا فيه: أي استترا واستخفيا ومنه الكمين في الحربة، النهاية (4/201).

 (5) ثَقِفْ: ذو فطنة وذكاء والمراد ثابت المعرفة بما يحتاج إليه، النهاية (1/216).

 (6) لقن: فهم حسن التلقي لما يسمعه، النهاية (4/266).

 (7) يدلج: أدلج إذا سار أول الليل وادّلج بالتشديد إذا سار آخره.

 (8) يُكتادان: أي يطلب لهما فيه المكروه وهو من الكيد.

 (9) الرضيف: اللبن المرضوف، وهو الذي طرح فيه الحجارة المحماة ليذهب وَخَمُه.

 (10) ينعق: نعق بغنمه، أي صاح بها وزجرها، القاموس المحيط (3/295).

 (11) الغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح، النهاية (3/377).

 (12) غمس حلفاً: أي أخذ بنصيب من عقدهم وحلفهم يأمن به.

 (13) البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي رقم 3905.


ثالثًا: خروج الرسول -صلى الله عليه وسلم- ووصوله إلى الغار:

لم يعلم بخروج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحد حين خرج إلا علي بن أبي طالب، وأبو بكر الصديق وآل أبي بكر.

أما علي فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يتخلف، حتى يؤدي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الودائع، التي كانت عنده للناس، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده، لما يعلم من صدقه وأمانته (1) وكان الميعاد بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر -رضي الله عنه- فخرجا من خوخة (2) لأبي بكر في ظهر بيته، وذلك للإمعان في الاستخفاء حتى لا تتبعهما قريش، وتمنعهما من تلك الرحلة المباركة، وقد اتعدا مع الليل على أن يلقاهما عبد الله بن أريقط في غار ثور بعد ثلاث ليال (3).

رابعًا: رِقة النبي -صلى الله عليه وسلم- عند خروجه من مكة:

وقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند خروجه بالحزورة في سوق مكة، وقال: "والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت" (4).

ثم انطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه من بطش المشركين، وصرفهم عنهما.

روى الإمام أحمد عن ابن عباس: (أن المشركين اقتفوا الأثر حتى إذا بلغوا الجبل جبل ثور اختلط عليهم، فصعدوا الجبل فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسيج العنكبوت فقالوا: لو دخل هاهنا أحد لم يكن نسيج العنكبوت على بابه) (5) وهذه من جنود الله عز وجل التي يخذل بها الباطل، وينصر به الحق؛ لأنه جنود الله جلت قدرته أعم من أن تكون مادية أو معنوية، وإذا كانت مادية فإن خطرها لا يتثمل في ضخامتها فقد تفتك جرثومة لا تراها العين بجيش ذي لجب، قال تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) (المدثر: 31).

أي وما يعلم جنود ربك لفرط كثرتها إلا هو، فجنود الله غير متناهية؛ لأن مقدوراته غير متناهية (6) كما أنه لا سبيل لأحد إلى حصر الممكنات والوقوف على حقائقها وصفاتها ولو إجمالا فضلا عن الاطلاع على تفاصيل أحوالها من كم وكيف ونسبة (7).

خامساً: عناية الله سبحانه وتعالى ورعايته لرسوله -صلى الله عليه وسلم-:

بالرغم من كل الأسباب التي اتخذها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه لم يرتكن إليها مطلقاً وإنما كان كامل الثقة في الله، عظيم الرجاء في نصره وتأييده، دائم الدعاء بالصيغة التي علمه الله إياها (8) قال تعالى: (وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا) (الإسراء: 80).

وفي هذه الآية الكريمة دعاء يعلمه الله لنبيه ليدعوه به، ولتتعلم أمته كيف تدعو الله وكيف تتجه إليه؟

دعاء بصدق المدخل وصدق المخرج، كناية عن صدق الرحلة كلها، بدئها وختامها، أولها وآخرها وما بين الأول والآخر، وللصدق هنا قيمته، بمناسبة ما حاوله المشركون من فتنته عما أنزله الله عليه ليفتري على الله غيره.

وللصدق كذلك ظلاله: ظلال الثبات والاطمئنان والنظافة والإخلاص (وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا) قوة وهيبة أستعلي بهما على سلطان الأرض وقوة المشركين، وكلمة (مِن لَّدُنْكَ) تصور القرب والاتصال بالله، والاستمداد من عونه مباشرة واللجوء إلى حماه.

وصاحب الدعوة لا يمكن أن يستمد السلطان إلا من الله، ولا يمكن أن يُهاب إلا بسلطان الله، ولا يمكن أن يستظل بحاكم أو ذي جاه فينصره ويمنعه، ما لم يكن اتجاهه قبل ذلك إلى الله، والدعوة قد تغزو قلوب ذوي السلطان، والجاه، فيصبحون لها جنداً وخدماً فيفلحون، ولكنها هي لا تفلح إن كانت من جند السلطان وخدمه، فهي من أمر الله، وهي أعلى من ذوي السلطان والجاه (9).

وعندما أحاط المشركون بالغار، وأصبح منهم رأي العين طمأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصديق بمعية الله لهما؛ فعن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- قال: قلت للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: "ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟ (10) ".

وفي رواية: "اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهما".

وسجل الحق عز وجل ذلك في قوله تعالى: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ

الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 40).

--------------------

 (1) السيرة النبوية لابن كثير (2/234)...

(2) الهجرة في القرآن الكريم، ص334.

 (3) خاتم النبيين لأبي زهرة (1/659) السيرة النبوية لابن كثير (2/234).

 (4) الترمذي، كتاب المناقب، باب فضل مكة (5/722).

 (5) مسند الإمام أحمد (1/348)....

(6) انظر: تفسير الرازي (30/208).

 (7) انظر: تفسير أبي مسعود (9/60).

 (8) انظر: الهجرة النبوية المباركة، ص72....

 (9) انظر: في ظلال القرآن (4/2247).

 (10) البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب المهاجرين، رقم 3653.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52561

الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها   الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 11:44 am

سادساً: خيمة أم معبد في طريق الهجرة:
وبعد ثلاث ليالٍ من دخول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الغار، خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه من الغار، وقد هدأ الطلب ويئس المشركون من الوصول إلى رسول الله، وقد قلنا إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر قد استأجرا رجلاً من بني الديل يسمى عبد الله بن أريقط وكان مشركًا، وقد أمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما، وقد جاءهما فعلا في الموعد المحدد وسلك بهما طريقاً غير معهودة ليخفي أمرهما عمن يلحق بهم من كفار قريش (1)، وفي الطريق إلى المدينة مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأم معبد (2) في قديد (3) حيث مساكن خزاعة، وهي أخت خنيس بن خالد الخزاعي الذي روى قصتها، وهي قصة تناقلها الرواة وأصحاب السير، وقال عنها ابن كثير: "وقصتها مشهورة مروية من طرق يشد بعضها بعضا" (4)، فعن خالد بن خنيس الخزاعي -رضي الله عنه- صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين خرج من مكة، وخرج منها مهاجراً إلى المدينة، هو وأبو بكر -رضي الله عنه- ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة -رضي الله عنه- ودليلهما الليثي عبد الله بن الأريقط، مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت برزة (5) جلدة (6) تحتبي (7) بفناء القبة ثم تسقي وتطعم، فسألوهما لحماً وتمراً، ليشتروه منها، فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك، وكان القوم مُرْمِلين (8) مسنتين (9) فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى شاة في كسر الخيمة (10) فقال: "ما هذه الشاة يا أم معبد؟" قالت: خلفها الجهد عن الغنم، قال: "فهل بها من لبن؟" قالت: هي أجهد من ذلك، قال: "أتأذنين أن أحلبها؟" قالت: بلى بأبي أنت وأمي، نعم، إن رأيت بها حلباً فاحلبها.
فدعا بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمسح بيده ضرعها، وسمى الله عز وجل، ودعا لها في شاتها، فتفاجت (11) عليه، ودرت (12) واجترت (13) ودعا بإناء يُرْبِض (14) الرهط، فحلب فيها ثجا (15) حتى علاه البهاء (16) ثم سقاها حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، وشرب آخرهم -صلى الله عليه وسلم- ثم أراضوا (17)، ثم حلب فيها ثانياً بعد بدء حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها، ثم بايعها، وارتحلوا عنها.
فقلما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافاً (18) يتساوكن هُزلا (19) ضحى، مخهن قليل، فلما رأى أبو معبد اللبن عجب، وقال: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد، والشاة عازب حيال (20) ولا حلوبة في البيت؟
قالت: لا والله، إلا أنه مر بنا رجل مبارك، من حاله كذا وكذا، قال: صفيه لي يا أم معبد قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة (21)، أبلج الوجه (22)، حسن الخلق، لم تعبه نحلة (23) ولا تزر به صعلة (24) وسيم (25)، في عينيه دعج (26).
--------------------
 (1) انظر: المستفاد من قصص القرآن (2/101)....         
(2) هي عاتكة بنت كعب الخزاعية.
 (3) وادي قديد: يبعد عن الطريق المعبدة حوالي ثمانين ميلاً.
 (4) البداية والنهاية (3/188).
 (5) برزة: كهلة كبيرة السن، لا تحتجب احتجاب الشواب.
 (6) جلدة: قوية صلبة وقيل عاقلة.
 (7) تحتبي: أي تجلس وتضم يديها إحداهما إلى الأخرى، على ركبتيها، وتلك جلسة الأعراب.
 (8) مرملين: نفذ زادهم.
 (9) مسنتين: أي داخلين في أسَنَة وهي الجدب والمجاعة والقحط.
 (10) كسر الخيمة: بفتح الكاف وكسرها، وسكون المهملة: أي جانبها.
 (11) تفاجت: فتحت ما بين رجليها للحلب....
(12) درت: أرسلت اللبن.
 (13) واجترت: من الجرة وهي ما تخرجها البهيمة من كرشها تمضغها.
 (14) يربض: يرويهم حتى يثقلوا فيربضوا، أي يقعوا على الأرض للنوم والراحة.
 (15) ثجا: لبنا كثيراً سائلا....
(16) علاه البهاء: أي أعلا الإناء بهاء اللبن.
 (17) أراضوا: أي رووا، فنقعوا بالري، يريد شربوا مرة بعد مرة.
 (18) عجافا: ضد السمن، وهو جمع عجفاء وهي المهزولة.
 (19) يتساوكن هزلا: يتمايلن من الضعف.
 (20) عازب: بعيدة المرعى لا تأوي إلى البيت إلا في الليل، حيال: لا تحمل.
 (21) ظاهر الوضاءة: ظاهر الجمال والحسن....
 (22) أبلغ الوجه: مشرق الوجه مضيئه.
 (23) نحلة: من النحول والدقة والضمور، أي أنه ليس نحيلا.
 (24) صعلة: صغر الرأس وهي تعني الدقة والنحول في البدن.
 (25) وسيم: الوسيم المشهور بالحسن كأنه صار الحسن له سمة.
 (26) دعج: شديد سواد العين في شدة بياضها....


 (5) في أشفاره وطف: الشعر النابت على الجفن فيه طول، وفي أشفاره وطف (1)، وفي صوته صهل (2) وفي عنقه سطع (3) وفي لحيته كثاثة، أزج (4)، أقرن (5)، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما (6) وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، حلو المنطق، فصل لا هذر ولا نزر (7)، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربع (8) لا يأس من طول (9) ولا تقتحمه العين من قصر (10) غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إن قال استمعوا لقوله وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود (11)، محشود (12)، لا عابس ولا مُفنَّد (13).
قال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً. (14).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52561

الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها   الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 11:52 am

سابعاً: سراقة بن مالك يلاحق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
أعلنت قريش في نوادي مكة بأنه من يأتي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- حيًّا أو ميتًا، فله مائة ناقة، وانتشر هذا الخبر عند قبائل الأعراب الذين في ضواحي مكة، وطمع سراقة بن مالك بن جعشم في نيل الكسب الذي أعدته قريش لمن يأتي برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأجهد نفسه لينال ذلك، ولكن الله بقدرته التي لا يغلبها غالب، جعله يرجع مدافعًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد ما كان جاهداً عليه.
قال ابن شهاب: وأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي، وهو ابن أخي سراقة بن مالك بن جُعشم، أن أباه أخبره، أنه سمع سراقة بن جعشم يقول: جاءنا رُسُل كفار قريش يجعلون في رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأبي بكر، دية كل منها لمن قتله أو أسره، فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج، إذ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس، فقال: يا سراقة إني رأيت آنفا أَسْوِدة (15) بالساحل أُراها محمداً وأصحابه، قال سراقة: فعرفت أنهم هم: فقلت له: إنهم ليسوا بهم، ولكنك رأيت فلاناً وفلاناً انطلقوا بأعيننا، ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي، وهى من وراء أكمة (16) فتحبسها علي، وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجه (17) الأرض وخفضت عالية حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها، فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام (18) فاستقسمت بها، أضرهم أم لا، فخرج الذي أكره، فركبت فرسي، وعصيت الأزلام؛ تُقَرّب بي، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، ساخت (19) يدا فرسي في الأرض، حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها فنهضتْ فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان (20) ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره، فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم، أن سيظهر أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني (21) ولم يسألاني، إلا أن قال: أخف عنا، فسألته أن يكتب لي في كتاب آمن، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أديم (22) ثم مضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (23).
--------------------
 (2) صهل: كالبحة وهو ألا يكون حاد الصوت....         
(3) سطع: طول العنق.
 (4) أزج: دقيق شعر الحاجبين مع طولهما.
 (5) أقرن: متصل ما بين حاجبين من الشعر، أو مقرون الحاجبين.
 (6) سما: علا برأسه، أو بيده وارتفع.
 (7) لا هذر ولا نذر: الهذر من الكلام ما لا فائدة فيه والنزر: القليل.
 (8) رَبْع: ليس بالقصير ولا بالطويل....         
(9) لا يأس من طول: لا يجاوز الناس طولا.
 (10) لا تقتحمه العين من قصر: لا تزدريه ولا تحتقره....         
(11) محفود: مخدوم.
 (12) محشود: يجتمع الناس حواليه.
 (13) لا عابس ولا مفند: ليس عابس الوجه ولا مفند: ليس منسوباً إلى الجهل وقلة العقل.
 (14) انظر: الهجرة النبوية المباركة (ص 104-106) والهوامش منه ببعض تصرف.
 (15) أسودة: جمع قلة لسواد وهو الشخص يرى من بعيد أسود، الهجرة في القرآن، ص344.
 (16) الأكمة: هي الرابية....         
(17) الزج: الحديدة في أسفل الرمح.
 (18) الأزلام: الأقداح التي كانت في الجاهلية مكتوب عليها الأمر، والنهي: افعل ولا تفعل.
 (19) ساخت يدا فرسي: أي غاصت في الأرض.
 (20) عثان: أي دخان، وجمعه عواثن على غير قياس، النهاية (3/183).
 (21) فلم يرزآني: أي لم يأخذا مني شيئاً....         
(22) أديم: قطعة من جلد.
 (23) البخاري، كتاب مناقب الأنصار، رقم 3906....         
(24) التزبب في الإنسان: كثرة الشعر وطوله.


وكان مما اشتهر عند الناس من أمر سراقة ما ذكره ابن عبد البر، وابن حجر وغيرهما، قال ابن عبد البر: روى سفيان بن عيينة عن أبي موسى عن الحسن، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لسراقة بن مالك: "كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟" قال: فلما أُتى عمر بسواري كسرى ومنطقته وتاجه، دعا سراقة بن مالك فألبسه إياها، وكان سراقة رجلاً أزب (1) كثير شعر الساعدين، وقال له: ارفع يديك فقال: الله أكبر، الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز الذي كان يقول: أنا رب الناس، وألبسهما سراقة بن مالك بن جعشم أعرابياًّ من بني مدلج، ورفع بها عمر صوته (2)، ثم أركب سراقة، وطيف به المدينة، والناس حوله، وهو يرفع عقيرته مردداً قول الفاروق: الله أكبر، الحمد الله الذي سلبهما كسرى بن هرمز، وألبسهما سراقة بن جعشم أعرابياًّ من بني مدلج (3).
ثامنًا: سبحان مقلب القلوب:
كان سراقة في بداية أمره يريد القبض على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويسلمه لزعماء مكة لينال مائة ناقة، وإذا بالأمور تنقلب رأساً على عقب، ويصبح يرد الطلب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعل لا يلقى أحداً من الطلب إلا رده قائلا: كفيتم هذا الوجه، فلما اطمأن إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وصل إلى المدينة المنورة، جعل سراقة يقص ما كان من قصته وقصة فرسه، واشتهر هذا عنه، وتناقلته الألسنة حتى امتلأت به نوادي مكة، فخاف رؤساء قريش أن يكون ذلك سبباً لإسلام بعض أهل مكة، وكان سراقة أمير بني مدلج، ورئيسهم.

فكتب أبو جهل إليهم:
بني مدلج إني أخاف سفيهكم...
سراقة مستغوٍ لنصر محمد
عليكم به ألا يفرق جمعكم
فيصبح شتى بعد عز وسؤدد...
فقال سراقة يرد على أبي جهل:
أبا حكم والله لو كنتَ شاهداً...
لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه
علمت ولم تَشْكُك بأن محمداً...
رسول وبرهان فمن ذا يقاومه
عليك فكُف القوم عنه فإنني...
أرى أمره يوماً ستبدو معالمه
بأمر تود الناس فيه بأسرهم...
بأن جميع الناس طُراً مسالمه (4)

تاسعاً: استقبال الأنصار لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
لما سمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة، كانوا يغدون كل غداة إلى الحرة، فينتظرون حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يوماً بعد ما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم أوفَى رجل من يهود على أُطُم (5) من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مبيضين (6) يزول بهم السراب (7)، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معاشر العرب هذا جدكم (8) الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين (9)، من شهر ربيع الأول (10) فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صامتاً، فطفق من جاء من الأنصار، ممن لم ير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحيي أبا بكر، حتى أصابت الشمس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك "فلبث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة (11)، وأُسس المسجد الذي أسس على التقوى وصلى فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم ركب راحلته" (12).
وبعد أن أقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدة التي مكثها بقباء، وأراد أن يدخل المدينة "بعث إلى الأنصار فجاءوا إلى نبي الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر، فسلموا عليهما، وقالوا: اركبا آمنين مطاعين، فركب نبي الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وحفوا دونهما بالسلاح" (13).
وعند وصوله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة أخذ أهل المدينة يقولون: "جاء نبي الله، جاء نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فأشرفوا ينظرون ويقولون: جاء نبي الله، جاء نبي الله" (14).
--------------------
 (2) انظر: الروض الأنف (4/218)، الهجرة في القرآن، ص346.
 (3) انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/495)....
(4) انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/494).
 (5) أطم: كالحصن....
(6) مبيضين: عليهم ثياب بيض.
 (7) السراب: أي يزول بهم السراب عن النظر بسبب عروضهم له.
 (8) جدكم: حظكم وصاحب دولتكم، الذي تتوقعونه.
 (9) قال الحافظ بن حجر: هذا هو المعتمد وشذ من قال يوم الجمعة، الفتح (7/544).
 (10) انظر: الهجرة في القرآن الكريم، ص351....
(11) نفس المصدر، ص352.
 (12) صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي (5/77، 78).
 (13)،7) نفس المصدر رقم 3911....
(14) الهجرة في القرآن الكريم، ص 353.

فكان يوم فرح وابتهاج لم تر المدينة يوماً مثله، ولبس الناس أحسن ملابسهم كأنهم في يوم عيد، ولقد كان حقًّا يوم عيد؛ لأنه اليوم الذي انتقل فيه الإسلام من ذلك الحيز الضيق في مكة إلى رحابة الانطلاق والانتشار بهذه البقعة المباركة المدينة، ومنها إلى سائر بقائع الأرض.                  
لقد أحس أهل المدينة بالفضل الذي حباهم الله به، وبالشرف الذي اختصهم به أيضاً، فقد صارت بلدتهم موطناً لإيواء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته المهاجرين، ثم لنصرة الإسلام كما أصبحت موطناً للنظام الإسلامي العام التفصيلي بكل مقوماته، ولذلك خرج أهل المدينة يهللون في فرح وابتهاج، ويقولون: يا رسول الله، يا محمد، يا رسول الله (1).
روى الإمام مسلم بسنده قال: "عندما دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، صعد الرجال والنساء فوق البيوت، وتفرق الغلمان والخدم في الطرق ينادون: "يا محمدُ، يا رسول الله، يا محمد، يا رسول الله" (2).
وبعد هذا الاستقبال الجماهيري العظيم الذي لم يرد مثله في تاريخ الإنسانية سار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى نزل في دار أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- فعن أنس -رضي الله عنه- في حديث الهجرة الطويل وفيه: "فأقبل يسير حتى نزل جانب دار أبي أيوب فإنه ليحدث أهله (3) إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف (4) لهم فعجل أن يضع الذي يخترف لهم فيها، فجاء وهي مع فسمع من نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم رجع إلى أهله فقال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: "أي بيوت أهلنا (5) أقرب" فقال أبو أيوب: أنا يا نبي الله هذه داري وهذا بابي، قال: "فانطلق فهيئ لنا مقيلا (6)..." (7) ثم نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أبي أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه.
وبهذا قد تمت هجرته -صلى الله عليه وسلم- وهجرة أصحابه رضي الله عنهم، ولم تنته الهجرة بأهدافها وغاياتها، بل بدأت بعد وصول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سالماً إلى المدينة، وبدأ معها رحلة المتاعب والمصاعب والتحديات، فتغلب عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للوصول للمستقبل الباهر للأمة، والدولة الإسلامية، التي استطاعت أن تصنع حضارة إنسانية رائعة، على أسس من الإيمان والتقوى، والإحسان والعدل، بعد أن تغلبت على أقوى دولتين كانتا تحكمان في العالم، وهما: دولة الفرس ودولة الروم (8).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52561

الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها   الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 12:19 pm

عاشراً: فوائد ودروس وعبر:
1- الصراع بين الحق والباطل:

 صراع قديم وممتد، وهو سنة إلهية نافذة قال عز وجل: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40).
ولكن هذا الصراع معلوم العاقبة: (كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة: 21).
2- مكر خصوم الدعوة بالداعية:

 أمر مستمر متكرر، سواء عن طريق الحبس أو القتل أو النفي والإخراج من الأرض، وعلى الداعية أن يلجأ إلى ربه وأن يثق به ويتوكل عليه ويعلم أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله (9)، كما قال عز وجل: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال: 30).
ومن مكر أهل الباطل وخصوم الدعوة استخدام سلاح المال لإغراء النفوس الضعيفة للقضاء على الدعوة والدعاة، ولذلك رصدوا مائة ناقة لمن يأتي بأحد المهاجرين حيًّا أو ميتاً، فتحرك الطامعون ومنهم سراقة، الذي عاد بعد هذه المغامرة الخاسرة ماديًّا بأوفر ربح وأطيب رزق، وهو رزق الإيمان، وأخذ يعمَّي الطريق عن الطامعين الآخرين الذين اجتهدوا في الطلب، وهكذا يرد الله عن أوليائه والدعاة (10) قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (الأنفال: 36).
--------------------
 (2) مسلم، كتاب الزهد والرقائق باب حديث الهجرة، رقم 2009.
 (3) الضمير هنا للنبي -صلى الله عليه وسلم- (فتح الباري (7/251)...         
(4) يخترف: أي يحتبي من ثمارها، انظر: النهاية (2/24)
 (5) انظر: الهجرة في القرآن الكريم، ص354....         
(6) مقيلا: أي مكاناً تقع فيه القيلولة.
 (7) البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي إلى المدينة (5/79).
 (8) انظر: الهجرة في القرآن الكريم، ص355....         
(9) انظر: الهجرة النبوية المباركة، ص199.
 (10) انظر الهجرة النبوية المباركة، ص200....         


3- إن من تأمل حادثة الهجرة ورأى دقة التخطيط فيها، ودقة الأخذ بالأسباب من ابتدائها إلى انتهائها، ومن مقدماتها إلى ما جرى بعدها، يدرك أن التخطيط
المسدد بالوحي في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان قائمًا، وأن التخطيط جزء من السنّة النبوية وهو جزء من التكليف الإلهي في كل ما طولب به المسلم وأن الذين يميلون إلى العفوية، بحجة أن التخطيط وإحكام الأمور ليسا من السنّة أمثال هؤلاء مخطئون ويجنون على أنفسهم وعلى المسلمين (1).
فعندما حان وقت الهجرة للنبي -صلى الله عليه وسلم- وشرع النبي -صلى الله عليه وسلم- في التنفيذ نلاحظ الآتي:
* وجود التنظيم الدقيق للهجرة حتى نجحت، رغم ما كان يكتنفها من صعاب وعقبات، وذلك أن كل أمر من أمور الهجرة كان مدروساً دراسة وافية، فمثلا:
أ- جاء -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت أبي بكر في وقت شديد الحر -الوقت الذي لا يخرج فيه أحد- بل من عادته لم يكن يأتي فيه، لماذا؟
حتى لا يراه أحد.
ب- إخفاء شخصيته -صلى الله عليه وسلم- أثناء مجيئه للصديق، وجاء إلى بيت الصديق متلثماً، لأن التلثم يقلل من إمكانية التعرف على معالم الوجه المتلثم (2).
ج- أمر -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر أن يُخرِج مَنْ عنده، ولما تكلم لم يبين إلا الأمر بالهجرة دون تحديد الاتجاه.
د - وكان الخروج ليلاً ومن باب خلفي في بيت أبي بكر (3).
هـ- بلغ الاحتياط مداه، باتخاذ طرق غير مألوفة للقوم، والاستعانة بذلك بخبير يعرف مسالك البادية ومسارب الصحراء، ولو كان ذلك الخبير مشركاً ما دام على خلق ورزانة، وفيه دليل على أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان لا يحجم عن الاستعانة بالخبرات مهما يكن مصدرها (4).
* انتقاء شخصيات عاقلة لتقوم بالمعاونة في شؤون الهجرة، ويلاحظ أن هذه الشخصيات كلها تترابط برباط القرابة، أو برباط العمل الواحد، مما يجعل من هؤلاء الأفراد وحدة متعاونة على تحقيق الهدف الكبير.
* وضع كل فرد من أفراد هذه الأسرة في عمله المناسب، الذي يجيد القيام به على أحسن وجه ليكون أقدر على أدائه والنهوض بتبعاته.
* فكرة نوم علي بن أبي طالب مكان الرسول، فكرة ناجحة، قد ضللت القوم وخدعتهم، وصرفتهم عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى خرج في جنح الليل تحرسه عناية الله وهم نائمون، ولقد ظلت أبصارهم معلقة بعد اليقظة بمضجع الرسول -صلى الله عليه وسلم- فما كانوا يشكون في أنه ما يزال نائماً، مسجى في بردته في حين النائم هو علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
ونرى احتياجات الرحلة قد دبرت تدبيرا محكما:
أ- علي: -رضي الله عنه- ينام في فراش الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليخدع القوم، ويُسلَّم الودائع ويلحق بالرسول.
ب- وعبد الله بن أبي بكر: صاحب المخابرات الصادق، وكاشف تحركات العدو.
جـ- وأسماء ذات النطاقين: حاملة التموين من مكة إلى الغار، وسط جنون المشركين بحثاً عن محمد -صلى الله عليه وسلم- ليقتلوه.
د- وعامر بن فهيرة: الراعي البسيط الذي قدم اللحم واللبن إلى صاحبي الغار، وبدد آثار أقدام المسيرة التاريخية بأغنامه، كيلا يتفرسها القوم، لقد كان هذا الراعي يقوم بدور الإمداد والتموين.
هـ- وعبد الله بن أريقط: دليل الهجرة الأمين، وخبير الصحراء البصير، ينتظر في يقظة إشارة البدء من الرسول، ليأخذ الركب طريقه من الغار إلى يثرب.
فهذا تدبير للأمور على نحو رائع دقيق، واحتياط للظروف بأسلوب حكيم، ووضع لكل شخص من أشخاص الهجرة في مكانه المناسب، وسد لجميع الثغرات، وتغطية بديعة لكل مطالب الرحلة، واقتصار على العدد اللازم من الأشخاص من غير زيادة ولا إسراف.
لقد أخذ الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالأسباب المعقولة أخذًا قويًّا حسب استطاعته وقدرته..         
ومن ثم باتت عناية الله متوقعة (5).
4- الأخذ بالأسباب أمر ضروري:
إن اتخاذ الأسباب أمر ضروري وواجب، ولكن لا يعني ذلك دائماً حصول النتيجة، ذلك لأن هذا أمر يتعلق بأمر الله، ومشيئته ومن هنا كان التوكل أمراً ضرورياًّ وهو من باب استكمال اتخاذ الأسباب.
إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعد كل الأسباب، واتخذ كل الوسائل ولكنه في الوقت نفسه مع الله، يدعوه ويستنصره أن يكلل سعيه بالنجاح، وهنا يستجاب الدعاء، وينصرف القوم بعد أن وقفوا على باب الغار، وتسيخ فرس سراقة في الأرض ويكلل العمل بالنجاح (6).
--------------------
 (1) انظر: الأساس في السنة، سعيد حوى (1/357).
 (2) انظر: في السيرة النبوية قراءة لجوانب الحذر والحيطة، ص141.
 (3) انظر: معين السيرة، ص147....         
(4) انظر: الهجرة في القرآن الكريم، ص361.
 (5) انظر: أضواء على الهجرة، لتوفيق محمد، ص393: 397.
 (6) انظر: من معين السيرة، ص148....         

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52561

الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها   الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 12:24 pm

5- الإيمان بالمعجزات الحسية:

وفي هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وقعت معجزات حسية، وهي دلائل ملموسة على حفظ الله ورعايته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن ذلك -على ما روي- نسيج العنكبوت على فم الغار، ومنها ما جرى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أم معبد، وما جرى له مع سراقة ووعده إياه بأن يلبس سواري كسرى، فعلى الدعاة ألا يتنصلوا من هذه الخوارق، بل يذكروها ما دامت ثابتة بالسنة النبوية على أن ينبهوا الناس على أن هذه الخوارق هي من جملة دلائل نبوته ورسالته عليه السلام (1).

6- جواز الاستعانة بالكافر المأمون:

ويجوز للدعاة أن يستعينوا بمن لا يؤمن بدعوتهم، ما داموا يثقون بهم ويأتمنونهم على ما يستعينون به معهم، فقد رأينا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر استأجرا مشركاً ليدلهم على طريق الهجرة ودفعا إليه راحلتيهما وواعده عند غار ثور، وهذه أمور خطيرة أطلعاه عليها، ولا شك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وثقا به وأمناه، مما يدل على أن الكافر أو العاصي أو غير المنتسب إلى الدعاة، قد يوجد عند هؤلاء ما يستدعي وثوق الدعاة بهم، كأن تربطهم رابطة القرابة، أو المعرفة القديمة أو الجوار، أو عمل معروف، كان قد قدمه الداعية لهم، أو لأن هؤلاء عندهم نوع جيد من الأخلاق الأساسية، مثل الأمانة وحب عمل الخير إلى غير ذلك من الأسباب، والمسألة تقديرية يترك تقديرها إلى فطنة الداعي ومعرفته بالشخص (2).

7- دور المرأة في الهجرة:

وقد لمعت في سماء الهجرة أسماء كثيرة كان لها فضل كبير ونصيب وافر من الجهاد: منها عائشة بنت أبي بكر الصديق التي حفظت لنا القصة ووعتها وبلغتها للأمة، وأم سلمة المهاجرة الصبور، وأسماء ذات النطاقين (3) التي ساهمت في تموين الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه في الغار بالماء والغذاء، وكيف تحملت الأذى في سبيل الله؟         

فقد حدثتنا عن ذلك فقالت: "لما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر -رضي الله عنه- أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟         

قالت: قلت: لا أدري والله أين أبي؟         

قالت: فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشاً خبيثاً فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي قالت: ثم انصرفوا..." (4).

فهذا درس من أسماء رضي الله عنها تعلمه لنساء المسلمين جيلاً بعد جيل كيف تخفي أسرار المسلمين عن الأعداء، وكيف تقف صامدة شامخة أمام قوى البغي والظلم! وأما درسها الثاني البليغ، فعندما دخل عليها جدها أبو قحافة، وقد ذهب بصره، فقال: "والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه"، قالت: "كلا يا أبت، ضع يدك على هذا المال، قالت: "فوضع يده عليه"، فقال: "لا بأس، إذا كان ترك الكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم"، "قالت: ولا والله ما ترك لنا شيئاً ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك" (5).

وبهذه الفطنة والحكمة سترت أسماء أباها، وسكنت قلب جدها الضرير، من غير أن تكذب، فإن أباها قد ترك لهم حقًّا هذه الأحجار التي كومتها لتطمئن لها نفس الشيخ، إلا أنه قد ترك لهم معها إيماناً بالله لا تزلزله الجبال، ولا تحركه العواصف الهوج، ولا يتأثر بقلة أو كثرة في المال، وورثهم يقيناً وثقة به لا حد لها، وغرس فيهم همة تتعلق بمعالي الأمور، ولا تلتفت إلى سفافها فضرب بهم للبيت المسلم مثالاً عز أن يتكرر، وقل أن يوجد نظيره.

لقد ضربت أسماء رضي الله عنها بهذه المواقف لنساء وبنات المسلمين مثلا، هُن في أمس الحاجة إلى الاقتداء به، والنسج على منواله.

وظلت أسماء مع أخواتها في مكة لا تشكو ضيقاً، ولا تظهر حاجة، حتى بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- زيد بن حارثة وأبا رافع مولاه، وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم إلى مكة، فقدما عليه بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه، وسوده بنت زمعة زوجه، وأسامة بن زيد، وأمه بركة، المكناة بأم أيمن، وخرج معهما عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر فيهم عائشة وأسماء، فقدموا المدينة فأنزلهم في بيت حارثة بن النعمان (6).

--------------------

 (3) انظر: الهجرة النبوية المباركة، ص206.

 (4) انظر: الهجرة النبوية المباركة، ص126.

 (5) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (2/102) إسناده صحيح.

 (6) انظر: الهجرة النبوية المباركة، ص128.


8- أمانات المشركين عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

في إيداع المشركين ودائعهم عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع محاربتهم له، وتصميمهم على قتله، دليل باهر على تناقضهم العجيب، الذي كانوا واقعين فيه، ففي الوقت الذي كانوا يكذبونه ويزعمون أنه ساحر، أو مجنون أو كذاب، لم يكونوا يجدون فيمن حولهم من هو خير منه أمانة وصدقاً فكانوا لا يضعون حوائجهم ولا أموالهم التي يخافون عليها إلا عنده، وهذا يدل على أن كفرانهم لم يكن بسبب الشك لديهم في صدقه، وإنما بسبب تكبرهم واستعلائهم على الحق، الذي جاء به، وخوفاً على زعامتهم وطغيانهم (1)، وصدق الله العظيم: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (الأنعام: 33).

وفي أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- لعلي -رضي الله عنه- بتأدية هذه الأمانات لأصحابها في مكة رغم هذه الظروف الشديدة التي كان من المفروض أن يكتنفها الاضطراب، بحيث لا يتجه التفكير إلا إلى إنجاح خطة هجرته فقط، رغم ذلك فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما كان لينسى أو ينشغل عن رد الأمانات إلى أهلها، حتى ولو كان في أصعب الظروف التي تنسي الإنسان نفسه فضلا عن غيره (2).

9- الراحلة بالثمن:

لم يقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يركب الراحلة حتى أخذها بثمنها من أبي بكر -رضي الله عنه-، واستقر الثمن ديناً بذمته، وهذا درس واضح بأن حملة الدعوة ما ينبغي أن يكونوا عالة على أحد في وقت من الأوقات، فهم مصدر العطاء في كل شيء.                  

إن يدهم إن لم تكن العليا، فلن تكون السفلى، وهكذا يصر عليه السلام أن يأخذها بالثمن، وسلوكه ذلك هو الترجمة الحقة لقوله تعالى: (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الشعراء: 109).

إن الذين يحملون العقيدة والإيمان، ويبشرون بهما ما ينبغي أن تمتد أيديهم إلى أحد إلا الله؛ لأن هذا يتناقض مع ما يدعون إليه، وقد توعد الناس أن يعوا لغة الحال لأنها أبلغ من لغة المقال، وما تأخر المسلمون، وأصابهم ما أصابهم من الهوان إلا يوم أصبحت وسائل الدعوة والعاملين بها خاضعة للغة المادة، ينتظر الواحد منهم مرتبه، ويومها تحول العمل إلى عمل مادي فقد الروح والحيوية، وأصبح الأئمة موظفين.

إن الصوت الذي ينبعث من حنجرة وراءها الخوف من الله والأمل في رضاه، غير الصوت الذي ينبعث ليتلقى دراهم معدودة، فإذا توقفت توقف الصوت، وقديما قالوا: ليست النائحة كالثكلى، ولهذا قل التأثير، وبعد الناس عن جادة الصواب (3).

10- الداعية يعف عن أموال الناس:

لما عفا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن سراقة عرض عليه سراقة المساعدة فقال: وهذه كنانتيفخذ منها سهماً فإنك ستمر بإبلي وغنمي في موضع كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا حاجة لي فيها" (4).

فحين يزهد الدعاة فيما عند الناس يحبهم الناس، وحين يطمعون في أموال الناس ينفر الناس عنهم، وهذا درس بليغ للدعاة إلى الله تعالى (5).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52561

الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها   الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 12:34 pm

11- الجندية الرفيعة والبكاء من الفرح:
تظهر أثر التربية النبوية في جندية أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فأبو بكر -رضي الله عنه- عندما أراد أن يُهاجر إلى المدينة وقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً" فقد بدأ في الإعداد والتخطيط للهجرة "فابتاع راحلتين واحتبسهما في داره يعلفهما إعداداً لذلك، وفي رواية البخاري، "وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر -وهو الخبط- أربعة أشهر"، لقد كان يدرك بثاقب بصره -رضي الله عنه-، وهو الذي تربَّى ليكون قائداً، أن لحظة الهجرة صعبة قد تأتي فجأة؛ ولذلك هيَّأ وسيلة الهجرة، ورَتَّبَ تموينها، وسَخَّرَ أسرته لخدمة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعندما جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأخبره أن اللهَ قد أذِنَ له في الخُروج والهجرة، بكى من شِدَّةِ الفرح، وتقول عائشة -رضي الله عنها- في هذا الشأن: "فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أنَّ أحداً يبكي من الفرح حتى رأيتُ أبا بكر يبكي يومئذٍ"، إنها قِمَّة الفرح البشري أن يتحوَّل الفرحُ إلى بُكَاءٍ.
--------------------
 (1) انظر: فقه السيرة للبوطي، ص193....
(2) انظر: الهجرة في القرآن الكريم، ص364.
 (3) انظر: معين السيرة، ص148، 149...
 (4) المسند (1/3) تحقيق أحمد محمد شاكر...
(5) انظر: في ظلال الهجرة النبوية، ص58.


فالصديق -رضي الله عنه- يعلم أن معنى هذه الصُّحبة، أنه سيكون وحده برفقة رسول رب العالمين بضعة عشرة يوماً على الأقل وهو الذي سيقدم حياته لسيده وقائده وحبيبه المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، فأي فوز في هذا الوجود يفوق هذا الفوز: أن يتفرَّد الصديق وحده من دون أهل الأرض، ومن دون الصَّحب جميعاً برفقة سيد الخلق وصحبته كل هذه المُدَّة (1) وتظهر معاني الحب في الله في خوف أبي بكر وهو في الغار من أن يراهما المشركون، ليكون الصديق مثلاً لما ينبغي أن يكون عليه جندي الدعوة الصادق، مع قائده الأمين، حين يحدق به الخطر من خوف وإشفاق على حياته، فما كان أبو بكر ساعتئذ بالذي يخشى على نفسه الموت، ولو كان كذلك لما رافق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذه الهجرة الخطيرة، وهو يعلم أن أقل جزائه القتل إن أمسكه المشركون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكنه كان يخشى على حياة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وعلى مستقبل الإسلام إن وقع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قبضة المشركين (2)، ويظهر الحس الأمني الرفيع للصديق في هجرته مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في مواقف كثيرة منها، حين أجاب السائل: من هذا الرجل الذي بين يديك؟         
فقال: هذا هادٍ يهديني السبيل، فظن السائل بأن الصديق يقصد الطريق، وإنما كان يقصد سبيل الخير، وهذا يدل على حسن استخدام أبي بكر للمعاريض، فرارا من الحرج أو الكذب (3)،؛ لأن الهجرة كانت سراًّ وقد أقره الرسول -صلى الله عليه وسلم- على ذلك (4)، وفي موقف علي بن أبي طالب مثال للجندي الصادق المخلص لدعوة الإسلام، حيث فدى قائده بحياته، ففي سلامة القائد سلامة للدعوة، وفي هلاكه خذلانها ووهنها، فما فعله علي -رضي الله عنه- ليلة الهجرة من بياته على فراش الرسول -صلى الله عليه وسلم-، إذ كان من المحتمل أن تهوي سيوف فتيان قريش على رأس علي -رضي الله عنه-، ولكن علياًّ -رضي الله عنه- لم يبال بذلك، فحسبه أن يسلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نبي الأمة وقائد الدعوة (5).
12- فن قيادة الأرواح، وفن التعامل مع النفوس:
يظهر الحب العميق الذي سيطر على قلب أبي بكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الهجرة، كما يظهر حب سائر الصحابة أجمعين في سيرة الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.                  
وهذا الحب الرباني كان نابعاً من القلب، وبإخلاص، لم يكن حب نفاق، أو نابعاً من مصلحة دنيوية، أو رغبة في منفعة أو رهبة لمكروه قد يقع، ومن أسباب هذا الحب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- صفاته القيادية الرشيدة، فهو يسهر ليناموا، ويتعب ليستريحوا، ويجوع ليشبعوا، كان يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم، فمن سلك سنن الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع صحابته في حياته الخاصة والعامة، وشارك الناس في أفراحهم وأتراحهم وكان عمله لوجه الله أصابه شيء من هذا الحب إن كان من الزعماء أو القادة أو المسؤولين في أمة الإسلام (6).
إن القيادة الصحيحة هي التي تستطيع أن تقود الأرواح قبل كل شيء وتستطيع أن تتعامل مع النفوس قبل غيرها، وعلى قدر إحسان القيادة يكون إحسان الجنود، وعلى قدر البذل من القيادة يكون الحب من الجنود، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- رحيماً وشفوقاً بجنوده وأتباعه، فهو لم يهاجر إلا بعد أن هاجر معظم أصحابه، ولم يبقَ إلا المستضعفون والمفتونون ومن كانت له مهمات خاصة بالهجرة (7).
--------------------
 (1) انظر: التربية القيادية (2/191، 192)....
(2) السيرة النبوية دروس وعبر للسباعي، ص71.
 (3) انظر: الهجرة النبوية المباركة، ص204....
(4) انظر: السيرة النبوية لأبي فارس، ص254.
 (5) انظر: السيرة النبوية للسباعي، ص68....
(6) انظر: الهجرة النبوية لأبي فارس، ص54.
 (7) انظر: الهجرة النبوية المباركة، ص205.


13- وفي الطريق أسلم بريدة الأسلمي -رضي الله عنه- في ركب من قومه:
إن المسلم الذي تغلغلت الدعوة في شغاف قلبه لا يفتر لحظة واحدة عن دعوة الناس إلى دين الله تعالى، مهما كانت الظروف قاسية والأحوال مضطربة، والأمن مفقود بل ينتهز كل فرصة مناسبة لتبليغ دعوة الله تعالى، هذا نبي الله تعالى يوسف -عليه السلام- حينما زج به في السجن ظلماً، واجتمع بالسجناء في السجن، فلم يندب حظه، ولم تشغله هذه الحياة المظلمة عن دعوة التوحيد وتبليغها للناس ومحاربة الشرك وعبادة غير الله والخضوع لأي مخلوق قال تعالى: (قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ صدق الله العظيم وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ صدق الله العظيم يَا صَاحِبَيْ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ صدق الله العظيم مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) (يوسف: 37-40).
وسورة يوسف عليه السلام مكية، وقد أمر الله تعالى رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- أن يقتدي بالأنبياء والمرسلين في دعوته إلى الله؛ ولذلك نجده -صلى الله عليه وسلم- في هجرته من مكة إلى المدينة، وقد كان مطارداً من المشركين قد أهدروا دمه وأغروا المجرمين منهم بالأموال الوفيرة، ليأتوا برأسه حياً أو ميتاً، ومع هذا فلم ينس مهمته ورسالته، فقد لقي -صلى الله عليه وسلم- في طريقه رجلاً يقال له بريدة بن الحصيب الأسلمي -رضي الله عنه- في ركب من قومه فدعاهم إلى الإسلام فآمنوا وأسلموا (1).
وذكر ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- في طريق هجرته إلى المدينة لقي بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي، فدعاه إلى الإسلام، وقد غزا مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ست عشرة (2) غزوة، وأصبح بريدة بعد ذلك من الدعاة إلى الإسلام، وفتح الله لقومه -أَسْلَم- على يديه أبواب الهداية، واندفعوا إلى الإسلام وفازوا بالوسام النبوي الذي نتعلم منه منهجاً فريداً في فقه النفوس قال -صلى الله عليه وسلم-: "أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها، أما وإني لم أقلها، ولكن قالها الله عز وجل" (3).
14- وفي طريق الهجرة أسلم لصّان على يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
كان في طريقه -صلى الله عليه وسلم- بالقرب من المدينة لِصَّان من أسلم يُقَالُ لهما المُهانان، فقصدهما -صلى الله عليه وسلم- وعرض عليهما الإسلام فأسلما، ثم سألهما عن أسمائهما فقالا نحن المُهانان، فقال: "بل أنتما المُكرمان" وأمرهما أن يقدما عليه المدينة (4) وفي هذا الخبر يظهر اهتمامه -صلى الله عليه وسلم- بالدعوة إلى الله حيث اغتنم فرصة في طريقه ودعا اللصين إلى الإسلام فأسلما، وفي إسلام هذين اللصين مع ما ألِفَاهُ من حياة البطش والسَّلب والنَّهب، دليلٌ على سرعة إقبال النفوس على اتباع الحق، إذا وجد مَنْ يمثله بصدق وإخلاص، وتجرَّدت نفس السَّامع من الهوى المُنحرف، وفي اهتمام الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتغيير اسمي هذين اللصين من المُهانين، إلى المُكرمين دليل على اهتمامه -صلى الله عليه وسلم- بسُمعة المُسلمين، ومراعاته مشاعرهم إكراماً لهم ورفعاً لمعنوياتهم.
وإن في رفع معنوية الإنسان تقوية لشخصيته ودفعاً له إلى الأمام ليبذل كل طاقته في سبيل الخير والفلاح (5).
15- الزبير وطلحة رضي الله عنهما ولقاؤهما برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طريق الهجرة:
ومما وقع في الطريق إلى المدينة أنه -صلى الله عليه وسلم- لقي الزبير بن العوام، في ركب من المسلمين كانوا تُجَّاراً قافلين من الشَّام، فكسى الزبيرُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر ثياباً بيضاء، رواه البخاري (6)، وكذا روى أصحاب السير أن طلحة بن عبيد الله لقيهما أيضاً وهو عائدٌ من الشَّام وكساهما بعض الثياب (7).
--------------------
 (1) انظر: الهجرة النبوية لأبي فارس، ص59. شرح المواهب (1/405).
 (2) انظر: الإصابة، (1/146).
 (3) صحيح الجامع الصغير (1/328) رقم 986....
(4) الفتح الرباني للساعتي (20/289).
 (5) انظر: التاريخ الإسلامي للحميدي (3/178)....
(6) انظر السيرة النبوية لأبي شهبة، (1/495).
 (7) المصدر السابق، (1/495) صحيح السيرة النبوية، ص181.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52561

الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها   الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 12:49 pm

16- أهمية العقيدة والدين في إزالة العداوة والضغائن:

إن العقيدة الصحيحة السليمة والدين الإسلامي العظيم لهما أهمية كبرى في إزالة العداوات والضغائن، وفي التأليف بين القلوب والأرواح، وهو دور لا يمكن لغير العقيدة الصحيحة أن تقوم به، وها قد رأينا كيف جمعت العقيدة الإسلامية بين الأوس والخزرج، وأزالت آثار معارك استمرت عقوداً من الزمن، وأغلقت ملف ثارات كثيرة في مدة قصيرة، بمجرد التمسك بها والمبايعة عليها، وقد رأينا ما فعلته العقيدة في نفوس الأنصار، فاستقبلوا المهاجرين بصدور مفتوحة، وتآخوا معهم في مثالية نادرة، لا تزال مثار الدهشة ومضرب المثل، ولا توجد في الدنيا فكرة أو شعار آخر، فعل مثلما فعلت عقيدة الإسلام الصافية في النفوس.

ومن هنا ندرك السر في سعي الأعداء الدائب إلى إضعاف هذه العقيدة، وتقليل تأثيرها في نفوس المسلمين، واندفاعهم المستمر نحو تزكية النعرات العصبية والوطنية والقومية وغيرها، وتقديمها كبديل للعقيدة الصحيحة (1).

17- فرحة المهاجرين والأنصار بوصول النبي -صلى الله عليه وسلم-:

كانت فرحة المؤمنين من سكان يثرب من أنصار ومهاجرين بقدوم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووصوله إليهم سالمًا، فرحة أخرجت النساء من بيوتهن والولائد، وحملت الرجال على ترك أعمالهم، وكان موقف يهود المدينة موقف المشارك لسكانها في الفرحة ظاهراً، والمتألم من منافسة الزعامة الجديدة باطناً، أما فرحة المؤمنين بلقاء رسولهم فلا عجب فيها، وهو الذي أنقذهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، وأما موقف اليهود فلا غرابة فيه، وهم الذين عرفوا بالملق والنفاق للمجتمع الذي فقدوا السيطرة عليه، وبالغيظ والحقد الأسود ممن يسلبهم زعامتهم على الشعوب، ويحول بينهم وبين سلب أموالها باسم القروض، وسفك دمائها باسم النصح والمشورة، وما زال اليهود يحقدون على كل من يخلص الشعوب من سيطرتهم، وينتهون من الحقد إلى الدس والمؤامرات ثم إلى الاغتيال إن استطاعوا، ذلك دينهم، وتلك جبلتهم (2). ويستفاد من استقبال المهاجرين والأنصار لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مشروعية استقبال الأمراء والعلماء عند مقدمهم بالحفاوة والإكرام، فقد حدث ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان هذا الإكرام وهذه الحفاوة نابعين من حب للرسول، بخلاف ما نراه من استقبال الزعماء والحكام في عالمنا المعاصر، ويستفاد كذلك التنافس في الخير وإكرام ذوي العلم والشرف، فقد كانت كل قبيلة تحرص أن تستضيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتعرض أن يكون رجاله حُراسًا له، ويؤخذ من هذا إكرام العلماء والصالحين، واحترامهم وخدمتهم (3).

18- وضوح سُنَّة التدرج:

حيث نلاحظ: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما تقابل مع طلائع الأنصار الأولى لم يفعل سوى ترغيبهم في الإسلام وتلاوة القرآن عليهم، فلما جاءوا في العام التالي بايعهم بيعة النساء على العبادات والأخلاق والفضائل، فلما جاءوا في العام التالي كانت بيعة العقبة الثانية على الجهاد والنصر والإيواء (4).

وجدير بالملاحظة أن بيعة الحرب لم تتم إلا بعد عامين كاملين، أي بعد تأهيل وإعداد استمر عامين كاملين، وهكذا تم الأمر على تدرج، ينسجم مع المنهج التربوي الذي نهجت عليه الدعوة من أول يوم (5).

إنه المنهج الذي هدى الله نبيه إلى التزامه، ففي البيعة الأولى بايعه هؤلاء الأنصار الجدد على الإسلام عقيدة ومنهاجًا وتربية، وفي البيعة الثانية بايعه الأنصار على حماية الدعوة واحتضان المجتمع الإسلامي الذي نضجت ثماره واشتدت قواعده قوة وصلابة.

إن هاتين البيعتين أمران متكاملان ضمن المنهج التربوي للدعوة الإسلامية، وإن الأمر الأول هو المضمون، والأمر الثاني، وهو بيعة الحرب، هو السياج الذي يحمي ذلك المضمون، نعم كانت بيعة الحرب بعد عامين من إعلان القوم الإسلام وليس فور إعلانهم.

بعد عامين إذ تم إعدادهم، حتى غدوا موضع ثقة، وأهلاً لهذه البيعة، ويلاحظ أن بيعة الحرب لم يسبق أن تمت قبل اليوم مع أي مسلم، إنما حصلت عندما وجدت الدعوة في هؤلاء الأنصار وفي الأرض التي يقيمون فيها، المعقل الملائم الذي ينطلق منه المحاربون، لأن مكة لوضعها عندئذ لم تكن تصلح للحرب (6).

وقد اقتضت رحمة الله بعباده "أن لا يحملهم واجب القتال، إلى أن توجد لهم دار إسلام، تكون لهم بمثابة معقل يأوون إليه، ويلوذون به، وقد كانت المدينة المنورة أول دار إسلام" (7).

--------------------

 (1) انظر: الهجرة النبوية المباركة، ص405.

 (2) انظر: السيرة النبوية للسباعي، ص43، الهجرة في القرآن الكريم، ص367.

 (3) انظر: السيرة النبوية لأبي فارس، ص358، 359.......          

(4) انظر: الهجرة النبوية المباركة، ص202.

 (5) انظر: بناء المجتمع الإسلامي في عصر النبوة، محمد توفيق، ص119.

 (6) انظر: بناء المجتمع الإسلامي في عصر النبوة، محمد توفيق، ص122، 123.

 (7) انظر: فقه السيرة للبوطي، ص172.


لقد كانت البيعة الأولى قائمة على الإيمان بالله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، والبيعة الثانية على الهجرة والجهاد، وبهذه العناصر الثلاثة: الإيمان بالله، والهجرة، والجهاد، يتحقق وجود الإسلام في واقع جماعي ممكن، والهجرة لم تكن لتتم لولا وجود الفئة المستعدة للإيواء ولهذا قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آَوَوا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (الأنفال: 72).                   

وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِن بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الأنفال: 75).

وقد كانت بيعة الحرب هي التمهيد الأخير، لهجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة، وبذلك وجد الإسلام موطنه الذي ينطلق منه دعاة الحق بالحكمة والموعظة، وتنطلق منه جحافل الحق المجاهدة أول مرة، وقامت الدولة الإسلامية المحكمة لشرع الله (1).

19- الهجرة تضحية عظيمة في سبيل الله:

كانت هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه عن البلد الأمين، تضحية عظيمة عَبَّر عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت" (2).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لَمَّا قَدِمَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة قدمها وهي أوبأ أرض الله من الحمى، وكان واديها يجري نجلا -يعني ماء آجنا- فأصاب أصحابه منها بلاء وسقم، وصرف الله ذلك عن نبيه، قالت: فكان أبو بكر، وعامر بن فهيرة وبلال في بيت واحد فأصابتهم الحُمَّى، فاستأذنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عيادتهم فأذن، فدخلت إليهم أعودهم، وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب، وبهم ما لا يعلمه إلا الله من شدة الوعك (3).

فدنوتُ من أبي بكر فقلت: يا أبت كيف تجدك؟

فقال:

كل امرئ مصبَّح في أهله...

والموت أدنى من شِراك نعله.

قالت: فقلت: والله ما يدري أبي ما يقول.

ثم دنوت من عامر بن فهيرة فقلت: كيف تجدك يا عامر؟

لقد وجدت الموت قبل ذوقه...

إن الجبان حتفُه من فوقه

كل امرئ مجاهد بطَوقه (4)...

كالثور يحمي جلده بِرَوقه (5).

قالت: فقلت: والله ما يدري عامر ما يقول.

قلت: وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى اضطجع بفناء البيت، ثم يرفع عقيرته (6)

ويقول:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة...

بواد وحولي إذخر (7) وجليل

وهل أَرِدَنْ يومًا مياه مجنة...

وهل يَبْدُوَنْ لي شامة وطفيل (8).

قالت: فأخبرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك فقال: "اللهم حَبِِّبْ إلينا المدينة كحُبِّنَا مَكَّة أو أشَدَّ، وانقل حماها إلى الجحفة، اللهم بارك لنا في مُدها وصاعها" (9).

وقد استجاب الله دعاء نبيه -صلى الله عليه وسلم- وعوفي المُسلمون بعدها من هذه الحُمَّى، وغدت المدينة موطناً ممتازاً لكل الوافدين والمُهاجرين إليها من المُسلمين على تنوع بيئاتهم ومواطنهم (10).

20- مكافأة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأم معبد:

وقد روي أنها كثرت غنمها، ونمت حتى جلبت منها جلباً إلى المدينة، فمَرَّ أبو بكر، فرآه ابنها فعرفه، فقال: يا أمه هذا الرجل الذي كان مع المُبارك، فقامت إليه فقالت: يا عبد الله مَنْ الرجل الذي كان معك؟

قال: أو ما تدرين مَنْ هو؟

قالت: لا، قال: هو نبي الله، فأدخلها عليه، فأطعمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأعطاها.     

وفي رواية: فانطلقت معي وأهدت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً من أقط ومتاع الأعراب، فكساها وأعطاها، قال: ولا أعلمه إلا قال: وأسلمت، وذكر صاحب (الوفاء) أنها هاجرت هي وزوجها وأسلم أخوها خنيس واستشهد يوم الفتح (11).

--------------------

 (1) انظر: الغرباء الأولون، ص198، 199.

 (2) الترمذي، كتاب المناقب، باب فضل مكة (5/722) رقم 3925.

 (3) الوعك: الحمى.

(4) بطوقه: بطاقته....

(5) بروقه: بقرنه.

 (6) عقيرته: صوته، قال الأصمعي، إن رجلا عقرت رجله فرفعها على الأخرى وجعل يصيح فصار كل من رفع صوته يقال له: رفع عقيرته وإن لم يرفع رجله.

 (7) الأذخر: نبات طيب الرائحة.

 (8) شامة وطفيل: جبلان مشرفان على مجنة على بريد مكة.

 (9) البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء برفع الوباء والوجع، رقم 6372.

 (10) انظر: التربية القيادية (2/310).

 (11) انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/489، 490).


21- أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- ومواقف خالدة:

قال أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه-: "ولما نزل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيتي نزل في السفل وأنا وأم أيوب في العُلْو، فقلت له: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك، وتكون تحتي، فاظهر أنت فكن في العلو، وننزل نحن فنكون في السفل، فقال: "يا أبا أيوب: إن أرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون في سُفل البيت" قال: فلقد انكسر حُب لنا فيه ماء، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا مالنا لحاف غيرها ننشف بها الماء تخوفا أن يقطر على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منه شيء يؤذيه" (1).

22- هجرة علي -رضي الله عنه- وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر في المجتمع الجديد:

بعد أن أدى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأمانات التي كانت عنده للناس، لحق برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأدركه بقباء بعد وصوله بليلتين أو ثلاث، فكانت إقامته بقباء ليلتين، ثم خرج مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة يوم الجمعة (2) وقد لاحظ سيدنا علي مدة إقامته بقباء امرأة مسلمة لا زوج لها، ورأى إنساناً يأتيها من جوف الليل، فيضرب عليها بابها، فتخرج إليه فيعطيها شيئاً معه، فتأخذه، قال: فاستربت بشأنه، فقلت: يا أمة الله، مَنْ هذا الذي يضرب عليكِ بابكِ كل ليلة فتخرجين إليه، فيعطيكِ شيئاً لا أدري ما هو؟

وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك؟

قالت: هذا سهل بن حنيف بن وهب، وقد عرف أني امرأة لا أحَدَ لِي، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها، ثم جاءني بها، فقال: احتطبي بهذا، فكان علي -رضي الله عنه- يأثر ذلك من شأن سهل بن حنيف حين هلك عنده بالعراق (3).

23- الهجرة النبوية نقطة تحول في تاريخ الحياة:

كانت الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة المنورة، أعظم حدث حول مجرى التاريخ، وغيَّر مسيرة الحياة ومناهجها التي كانت تحياها، وتعيش محكومة بها في صورة قوانين ونظم وأعراف، وعادات وأخلاق وسلوك للأفراد والجماعات، وعقائد وتعبدات وعلم ومعرفة، وجهالة وسفه وضلال وهدى، وعدل وظلم (4).

24- الهجرة من سنن الرسل الكرام:

إن الهجرة في سبيل الله سنة قديمة، ولم تكن هجرة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بدعا في حياة الرسل لنصرة عقائدهم، فلئن كان قد هاجر من وطنه ومسقط رأسه من أجل الدعوة حفاظاً عليها وإيجاد بيئة خصبة تتقبلها وتستجيب لها، وتذود عنها، فقد هاجر عدد من إخوانه من الأنبياء قبله من أوطانهم لنفس الأسباب التي دعت نبينا للهجرة.

وذلك أن بقاء الدعوة في أرض قاحلة لا يخدمها بل يعوق مسارها ويشل حركتها، وقد يعرضها للانكماش داخل أضيق الدوائر، وقد قص علينا القرآن الكريم نماذج من هجرات الرسل وأتباعهم من الأمم الماضية لتبدو لنا في وضوح سنة من سنن الله في شأن الدعوات، يأخذ بها كل مؤمن من بعدهم إذا حيل بينه وبين إيمانه وعزته، واستخف بكيانه ووجوده واعتدى على مروءته وكرامته (5).

هذه بعض الفوائد والعبر والدروس، وأترك للقارئ الكريم أن يستخرج غيرها ويستنبط سواها من الدروس والعبر والفوائد الكثيرة النافعة من هذا الحدث العظيم.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52561

الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها   الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 12:54 pm

المبحث الثاني: الثناء على المهاجرين بأوصاف حميدة والوعد لمن هاجر منهم والوعيد لمن تخلّف
تعتبر الهجرة النبوية المباركة من مكة إلى المدينة أهم حدث في تاريخ الدعوة الإسلامية، إذ كانت نقطة تحول في تاريخ المسلمين، كان المسلمون قبل الهجرة أمة دعوة، يبلغون دعوة الله للناس، دون أن يكون لهم كيان سياسي، يحمي الدعاة أو يدفع عنهم الأذى من أعدائهم.
وبعد الهجرة تكونت دولة الدعوة، هذه الدولة التي أخذت على عاتقها نشر الإسلام في داخل الجزيرة العربية وخارجها، ترسل الدعاة إلى الأمصار وتتكفل بالدفاع عنهم وحمايتهم من أي اعتداء قد يقع عليهم ولو أدى ذلك إلى قيام حرب أو حروب (6).
وبجانب هذا، فإن الهجرة النبوية لها مكانتها في فهم القرآن وعلومه حيث فرَّق العلماء بين المكي والمدني، فالمكي: ما نزل قبل الهجرة وإن كان بغير مكة، والمدني: ما نزل بعد الهجرة وإن كان بغير المدينة.

وترتب على ذلك فوائد من أهمها:
1- تذوق أساليب القرآن الكريم والاستفادة منها في أسلوب الدعوة إلى الله.
2- الوقوف على السيرة النبوية من خلال الآيات القرآنية (7): ولأهمية الهجرة النبوية نرى أن القرآن الكريم حث المؤمنين على الهجرة في سبيل الله بأساليب متنوعة، مرة بالثناء على المهاجرين، بأوصاف حميدة، وأخرى بالوعد للمهاجرين، وتارة بالوعيد للمتخلفين عن الهجرة (8).
--------------------
 (1) انظر: السيرة النبوية الصحيحة للعمري (1/220)....         
 (2) انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/497).
 (3) انظر: محمد رسول الله، محمد الصادق عرجون (2/421).
 (4) انظر: محمد رسول الله، (2/423).
 (5) انظر: الهجرة في القرآن الكريم، ص175.
 (6) انظر: الهجرة النبوية، الدكتور محمد أبو فارس، ص13.
 (7) انظر: مباحث في علوم القرآن للقطان، ص59.
 (8) انظر: الهجرة في القرآن الكريم، ص84.


أولاً: الثناء على المهاجرين بأوصاف حميدة:
فمن أهم الصفات المميزة للمهاجرين (1).
1- الإخلاص:
قال تعالى (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحشر: قوله تعالى (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا) يدل على أنهم لم يخرجوا من ديارهم وأموالهم إلا أن يكونوا مخلصين لله، مبتغين مرضاته ورضوانه (2).
2- الصبر:
قال تعالى: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ صدق الله العظيم الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (النحل: 41،42)
3- الصدق:
قال تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحشر: 8).
قال البغوي في تفسيره: قوله: (أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) أي في إيمانهم (3).
4- الجهاد والتضحية:
قال تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (التوبة: 20).
ولعل الملاحظة الجديرة بالتأمل في هذا المجال، أن التضحية ملازمة للجهاد في سبيل الله، إذ لا جهاد دون تضحية (4).
5- نصرهم لله ورسوله:
قال تعالى عن المهاجرين: (وَيَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحشر: 8).
6- التوكل على الله عز وجل:
قال تعالى عن المهاجرين: (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (النحل: 41-42)
7- الرجاء:
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (البقرة: 218).
وإنما قال (يَرْجُونَ) وقد مدحهم؛ لأنه لا يعلم أحد في هذه الدنيا أنه صائر إلى الجنة ولو بلغ في طاعة الله كل مبلغ لأمرين، أحدهما: لا يدري بما يختم له والثاني: لئلا يتكل على عمله، فهؤلاء قد غفر الله لهم، ومع ذلك يرجون رحمة الله وذلك زيادة إيمان منهم (5).
8- اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في العسرة:
قال تعالى (لَقَد تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 117).
وقد نزلت هذه الآية في غزوة تبوك.
قال قتادة: خرجوا إلى الشام عام تبوك، في لهبان الحر، على ما يعلم الله من الجهد، أصابهم فيها جهد شديد، حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين كانا يشقان التمرة بينهما، وكان النفر يتداولون التمرة بينهم، يمصها هذا ثم يشرب عليها، ثم يمصها هذا ثم يشرب عليها، فتاب الله عليهم وأقفلهم (6) من غزوتهم (7).
9- حق السبق في الإيمان والعمل يورث حيازة القدوة والسيادة:
قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
 (التوبة: 100).
قال الرازي: والسبق موجب للفضيلة، فإقدامهم على هذه الأفعال يوجب اقتداء غيرهم بهم، وثبت بهذا أن المهاجرين هم رؤساء المسلمين وسادتهم (8).
10- الفوز:
قال تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (التوبة: 20).
قال أبو السعود في تفسيره: قوله تعالى: (هُمُ الْفَائِزُونَ): أي المختصون بالفوز العظيم أو بالفوز المطلق، كأن فوز من عداهم ليس بفوز بالنسبة إلى فوزهم (9).
11- الإيمان:
قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آَوَوا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (الأنفال: 74).
--------------------
 (1) نفس المصدر، ص85، هذا المبحث أخذته من هذا الكتاب مع التصرف اليسير.
 (2) الهجرة في القرآن الكريم، ص86....
(3) انظر: تفسير البغوي (4/318).
 (4) الهجرة في القرآن الكريم، 106.
 (5) الجامع لأحكام القرآن (3/50)، تفسير أبي السعود، (1/218).
 (6) أقفلهم: بمعنى أرجعهم سالمين....
(7) تفسير ابن كثير (2/397).
 (8) انظر: تفسير الرازي (15/208)....
(9) تفسير أبي السعود (4/53).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52561

الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها   الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 12:57 pm

ثانياً: الوعد للمهاجرين:

ذكر الله تعالى بعض النعم التي وعدها الله عز وجل للمهاجرين في الدنيا والآخرة ومن هذه النعم:

1- سعة رزق الله لهم في الدنيا:

قال تعالى: (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إلى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) (النساء: 100).

ومن سعة رزق الله لهم في الدنيا تخصيصهم بمال الفيء والغنائم، فالمال لهؤلاء؛ لأنهم أخرجوا من ديارهم فهم أحق الناس به (1).

2- تكفير سيئاتهم ومغفرة ذنوبهم:

قال تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (آل عمران: 195).

وقد ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحاديث كثيرة في بيان أن الهجرة من أعظم الوسائل المكفرة للسيئات، وأنها سبب لمغفرة ذنوب أهلها.

3- ارتفاع منزلتهم وعظمة درجتهم عند ربهم:

قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (التوبة: 20).

فالذين نالوا فضل الهجرة والجهاد بنوعيه؛ النفسي والمالي أعلى مرتبة وأعظم كرامة ممن لم يتصف بهما كائناً من كان، ويدخل في ذلك أهل السقاية والعمارة (2).

4- تبشيرهم بالجنة والخلود فيها:

قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ صدق الله العظيم يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ صدق الله العظيم خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التوبة: 20-22).

هذا بعض ما وعد الله به المهاجرين من الجزاء والثواب بسبب جهادهم المرير.

إن المهاجرين بإيمانهم الراسخ ويقينهم الخالص لم يمكنوا الجاهلية في مكة من وأد الدعوة، وهي في مستهل حياتها، لقد استمسكوا بما أوحى إلى نبيهم ولم تزدهم حماقة قريش إلا اعتصاما بما اهتدوا إليه وأمنوا به، فلما أسرفت الجاهلية في ذلك صاروا أهلا لما أسبغه الله عليهم من فضل في الدنيا، وما أعده لهم يوم القيامة من ثواب عظيم (3).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها   الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 12:59 pm

ثالثًا: الوعيد للمتخلفين عن الهجرة:
من العقوبات التي توعد الله عز وجل بها للمتخلفين عن الهجرة سوء المصير، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (النساء: 97).
عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: "كان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يستخفون بالإسلام فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم، فأصيب بعضهم، فقال المسلمون: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) الآية: قال: فكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه الآية، لا عذر لهم، قال: فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة، فنزلت فيهم: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَ لَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ) (العنكبوت: 10).
فكتب المسلمون إليهم بذلك، فخرجوا وأيسوا من كل خير ثم نزلت فيهم: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) (النحل: 110) (4).
--------------------
 (1) انظر تفسير ابن كثير (4/295) وتفسير أبي السعود (8/228) وتفسير فتح القدير (5/200)، والهجرة في القرآن الكريم، ص132.
 (2) تفسير المراغي (10/78)، تفسير الرازي (16/13،14).
 (3) انظر: هجرة الرسول وصحابته في القرآن والسنة للجمل، ص332، 333.
 (4) زاد المسير لابن الجوزي (2/97) تفسير القاسمي (3/399).


لقد وصف الله -سبحانه- المتخلفين عن الهجرة بأنهم ظالمو أنفسهم، والمراد بالظلم في هذه الآية، أن الذين أسلموا في دار الكفر وبقوا هناك، ولم يهاجروا إلى المدينة، ظلموا أنفسهم بتركهم الهجرة (1).
وفي هذه الآية الكريمة وعيد للمتخلفين عن الهجرة بهذا المصير السيئ، وبالتالي التزم الصحابة بأمر الله، وانضموا إلى المجتمع الإسلامي في المدينة تنفيذاً لأمر الله وخوفاً من عقابه، وكان لهذا الوعيد أثره في نفوس الصحابة رضي الله عنهم، فهذا ضمرة بن جندب لما بلغه قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) وهو بمكة قال لبنيه: احملوني فإني لست من المستضعفين، وإني لأهتدي الطريق، وإني لا أبيت الليلة بمكة، فحملوه على سرير متوجهاً إلى المدينة وكان شيخاً كبيراً، فمات بالتنعيم، ولما أدركه الموت أخذ يصفق بيمينه على شماله، ويقول: اللهم هذه لك وهذه لرسولك -صلى الله عليه وسلم-، أبايعك على ما بايع عليه رسولك، ولما بلغ خبر موته الصحابة رضي الله عنهم قالوا: ليته مات بالمدينة فنزل (2) قوله تعالى: (إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً صدق الله العظيم فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا) (النساء: 98-99).
وهذا الموقف يرينا ما كان عليه جيل الصحابة من سرعة في امتثال الأمر، وتنفيذه في النشاط والشدة، كائنة ما كانت ظروفهم، فلا يلتمسون لأنفسهم المعاذير، ولا يطلبون الرخص (3).
فهذا الصحابي تفيد بعض الروايات أنه كان مريضاً (4) إلا أنه رأى أنه ما دام له مال يستعين به، ويحمل به إلى المدينة فقد انتفى عذره، وهذا فقه أملاه الإيمان، وزكَّاه الإخلاص واليقين (5).
وبعد أن ذكر الله عز وجل وعيده للمتخلفين عن الهجرة بسوء مصيرهم، استثنى في ذلك من لا حيلة لهم في البقاء في دار الكفر، والتعرض للفتنة في الدين، والحرمان من الحياة في دار الإسلام من الشيوخ والضعاف والنساء والأطفال، فيعلقهم بالرجاء في عفو الله ومغفرته، ورحمته بسبب عذرهم البين وعجزهم عن الفرار (6) قال تعالى: (إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً صدق الله العظيم فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا) (النساء: 98-99).
* * *



الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها - صفحة 2 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الهجرة النبوية مقدماتها ونتائجها
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
 مواضيع مماثلة
-
» عبرة الهجرة النبوية
» ستة عشر درساً من الهجرة النبوية
» في رحاب الهجرة النبوية المباركة
» الفوائد الجنية من الهجرة النبوية
» الهجرة النبوية دروس وعبر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: فـضــــائل الـشهـــور والأيـــام :: الهجرة أعظم حدث في تاريخ الإسلام-
انتقل الى: