منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة العنكبوت الآيات من 16-20

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49003
العمر : 72

سورة العنكبوت الآيات من 16-20 Empty
مُساهمةموضوع: سورة العنكبوت الآيات من 16-20   سورة العنكبوت الآيات من 16-20 Emptyالسبت 22 أغسطس 2020, 2:32 am

وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦)
تفسير الأية: خواطر مُحَمَّد  متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الواو هنا لعطف الجمل، فالآية - معطوفة على: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً..) (العنكبوت: 14) إذن: فنوح وإبراهيم واقعتان مفعولاً به للفعل أرسلنا، وللسائل أنْ يسأل: لماذا لم تُنوَّن إبراهيم كما نُوِّنت نوح?

لم تُنوَّن كلمة إبراهيم؛ لأنها اسم ممنوع من الصرف -أي من التنوين- لأنه اسم أعجمي.

ونلحظ في هذه المسألة أن جميع أسماء الأنبياء أسماء أعجمية تُمنع من الصرف، ما عدا الأسماء التي تبدأ بهذه الحروف (صن شمله) وهي على الترتيب: صالح، نوح، شعيب، مُحَمَّد ، لوط، هود.

فهذه الأسماء مصروفة مُنوَّنة، عليهم جميعاً الصلاة والسلام.

والمعنى: (وَإِبْرَاهِيمَ..) (العنكبوت: 16) يعني: واذكر إبراهيم (إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ..) (العنكبوت: 16) وقلنا: العبادة أنْ يطيع العابدُ المعبودَ في أوامره ونواهيه، إذن: لو جاء مَنْ يدَّعي الألوهية، وليس له أمر نؤديه، أو نهي نمتنع عنه فلا يصلح إلهاً.

لذلك كذب الذين قالوا: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ..) (الزمر: 3) لأنهم ما عبدوا الأصنام إلا لأنها ليست لها أوامر ولا نواه، فألوهيتهم (منظرية) بلا تكليف، فأول الأدلة على بطلان عبادة هذه الآلهة المدَّعاة أنها آلهة بلا منهج.

ثم عطف الأمر (وَٱتَّقُوهُ..) (العنكبوت: 16) على (ٱعْبُدُواْ..) (العنكبوت: 16) والتقوى من معانيها أنْ تطيع الأوامر، وتجتنب النواهي، فهي مرادفة للعبادة، لكن إنْ عطفت على العبادة فتعني: نفِّذوا الأمر لتتقوا غضب الله، اجعلوا بينكم وبين صفات الجلال وقاية.

وسبق أنْ قلنا: إن لله تعالى صفات جلال: كالقهار، الجبار، المنتقم، المذلّ... إلخ.

وصفات جمال: كالغفار، الرحمن، الرحيم، التواب، وبالتقوى تنال متعلقات صفات الجمال، وتمنع نفسك وتحميها من متعلقات صفات الجلال.

وقوله تعالى: (ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (العنكبوت: 16) ذلكم، أي ما تقدَّم من الأمر بالعبادة والتقوى خير لكم، فإنْ لم تعلموا هذه القضية فلا خيرَ في علمكم، كما قال تعالى: (وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا..) (الروم: 6-7).

فالعلم الحقيقي هو العلم بقضايا الآخرة، العلم بالأحكام وبالمنهج الذي يعطيك الخير الحقيقي طويل الأمد على خلاف علم الدنيا فإنْ نلتَ منه خيراً، فهو خير موقوت بعمرك فيها.

وسبق أنْ قُلْنا: إن العلم هو إدراك قضية كونية تستطيع أن تدلل عليها، وهذا يشمل كل معلومة في الحياة.

أي: العلم المادي التجريبي وآثار هذا العلم في الدنيا، أما العلم السامي الأعلى فأنْ تعلم المُرَاد من الله لك، وهذا للآخرة.

واقرأ في ذلك مثلاً قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر: 27-28).

فذكر سبحانه علم النبات والجماد و: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ..) (فاطر: 28) أي: علم الإنسانيات: (وَٱلدَّوَآبِّ..) (فاطر: 28) علم الحيوان، وهكذا جمع كل الأنواع والأجناس، ثم قال سبحانه: (إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ..) (فاطر: 28) مع أنه سبحانه لم يذكر هنا أيَّ حكم شرعي.

إذن: المُرَاد هنا العلماء الذين يستنبطون قضية يقينية في الوجود، كهذه الاكتشافات التي تخدم حركة الحياة، وتدلُّ الناس على قدرة الله، وبديع صُنْعه تعالى، وتُذكِّرهم به سبحانه وتأمَّل في نفسك مثلاً وَضْع القصبة الهوائية بجوار البلعوم، وكيف أنك لو شرقت بنصف حبة أرز لا تستريح إلا بإخراجها، وتأمل، وَضْع اللهاة وكيف تعمل تلقائياً دون قَصْد منك أو تحكم فيها.

تأمَّل الأهداب في القصبة الهوائية، وكيف أنها تتحرك لأعلى تُخرج ما يدخل من الطعام لو اختلَّ توازن اللهاة، فلم تُحكِم سدَّ القصبة الهوائية أثناءَ البلع.

تأمَّل حين تكون جالساً مطمئناً لا يقلقك شيء، ثم في لحظة تجد نفسك محتاجاً لدورة المياه، ماذا حدث?

ذلك لأن في مجرى الأمعاء ما يشبه (السقاطة) التي تُخرج الفضلات بقدر، فإذا زادتْ عما يمكن لك تحمله، فلا بُدَّ من قضاء الحاجة والتخلص من هذه الفضلات الزائدة.

تأمَّل الأنف وما فيه من شعيرات في مدخل الهواء ومُخَاط بالداخل، وأنها جُعلت هكذا لحكمة، فالشعيرات تحجز ما يعلَق بالهواء من الغبار، ثم يلتقط المخاط الغبارَ الدقيق الذي لا يعلق بالشعيرات ليدخل الهواء الرئتين نقياً صافياً، تأمَّل الأذن من الخارج وما فيها من تعاريج مختلفة الاتجاهات، لتصدَّ الهواء، وتمنعه من مواجهة فتحة الأذن.

والآيات في جسم الإنسان كثيرة وفوق الحَصْر، ولا سبيلَ إلى معرفتها إلا باستنباط العلماء لها، وكشفهم عنها، وهذا من نشاطات الذهن البشري، أما العلم الذي يخرج عن نطاق الذِّهْن البشري فهو نازل من أعلى، وهو قانون الصيانة الذي جعله الخالق سبحانه لحماية الخَلْق، فالذي يأخذ بالعلم الدنيوي التجريبي فقط يُحرَم من الخير الباقي؛ لأن قصارى ما يعطيك علم المادة في البشر أنْ يُرفه حياتك المادية، أمّا علم الآخرة فيُرفِّه حياتك الدنيا ويبقى لك في الآخرة.

إذن: فقوله تعالى: (ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ..) (العنكبوت: 16) أي: قانون الصيانة الرباني بافعل كذا ولا تفعل كذا، وإياك أنْ تنقل مدلول (افعل) في (لا تفعل) أو مدلول (لا تفعل) في (افعل)، وقد شبَّهنا هذا القانون (بالكتالوج) الذي يجعله الصانع لحماية الصنعة المادية لتؤدي مهمتها على أكمل وجه، كذلك منهج الله بالنسبة للخَلْق، فإنْ لم تعلموا هذه القضية فلن ينفعكم علم بعد ذلك.

يقول سبحانه: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ) (الشورى: 20).

إذن: فالخير الباقي هو الخير في الآخرة.

ثم يقول الحق سبحانه: (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً...).



سورة العنكبوت الآيات من 16-20 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49003
العمر : 72

سورة العنكبوت الآيات من 16-20 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة العنكبوت الآيات من 16-20   سورة العنكبوت الآيات من 16-20 Emptyالسبت 22 أغسطس 2020, 2:33 am

إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧)
تفسير الأية: خواطر مُحَمَّد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قوله تعالى: (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ..) (العنكبوت: 17) أي: على حَدِّ زعمهم، وعلى حَدِّ قولهم: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ..) (الزمر: 3)، وإلا فلا عبادة لهذه الآلهة، حيث لا أمر عندهم ولا نهي ولا منهج، فعبادتهم إذن باطلة.

وهم يعبدون الأوثان من دون الله فإنْ ضُيِّق عليهم الخِنَاق قالوا: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ..) (الزمر: 3) فهم بذلك مشركون، ومن لم يَقُلْ بهذا القول فهو كافر.

والوثن: ما نُصِب للتقديس من حجر، أياً كان نوعه: حجر جيري، أو جرانيت، أو مرمر.

أو كان من معدن: ذهب أو فضة أو نحاس.. إلخ أو من خشب، وقد كان البعض منهم يصنعه من (العجوة)، فإنْ جاع أكله، وقد حَكَى هذا على سبيل التعجُّب سيدنا عمر رضي الله عنه وبأيِّ عقل أو منطق أنْ تذهب إلى الجبل وتستحسن منه حجراً فتنحته على صورة معينة، ثم تتخذه إلهاً تعبده من دون الله، وهو صَنْعة يدك، وإنْ أطاحتْ به الريح أقمتَه، وإنْ كسرته رُحْت تُصلح ما تكسَّر منه وتُرمِّمه، فأيُّ عقل يمكن أن يقبل هذا العمل?

لذلك يخاطبهم القرآن: (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ) (الصافات: 95) وكلما تقدَّم العالم تلاشتْ منه هذه الظاهرة؛ لأنها مسألة لم تَعُدْ تناسب العقل بأية حال.

ومعنى (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً..) (العنكبوت: 17) أي: توجدون، والإيجاد يكون من عدم، فهم يُوجدون من عدم، لكن أيُوجدون صِدْقاً?

أم يُوجدون كذباً?

إنهم يُوجدون (إِفْكاً..) (العنكبوت: 17) والإِفك تعمُّد الكذب الذي يقلب الحقائق، ومن ذلك قوله سبحانه: (وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ) (النجم: 53) أي: القرى التي كفأها الله على نفسها.

وسبق أن أوضحنا أن الحقيقة هي القضية الصادقة التي توافق الواقع، فلو قُلْت مثلاً: مُحَمَّد  كريم، فلا بُدَّ أن هناك شخصاً اسمه مُحَمَّد  وله صفة الكرم، فإنِ اختلف الواقع فلم يوجد مُحَمَّد  أو وُجِد ولم تتوفر له صفة الكرم، فالقضية كاذبة لأنها مخالفة للواقع، هذا هو الإفك.

فالحق سبحانه لا يعيب عليهم الخَلْق؛ لأنه أثبت للعباد خَلْقاً، فقال سبحانه: (فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ) (المؤمنون: 14).

والفَرْق أنك تخلق من موجود، أما الحق سبحانه فيخلق من العدم، فأنت تُوجِد الثوب من القطن مثلاً، وكوبَ الزجاج من الرمل، والمحراث من الحديد.. إلخ فأوجدت معدوماً عن موجود سابق، أما الخالق سبحانه فأوجد معدوماً عن لا موجود.

وسبق أنْ أوضحنا أن صَنْعة البشر تجمد على حالها، فالسكين مثلاً يظل سكيناً فلا يكبر، حتى يصير ساطوراً مثلاً، والكوب لا يلد لنا أكواباً أخرى.

لكن خِلْقة الله سبحانه لها صفة النمو والحياة والتكاثر.. إلخ؛ لذلك أنصفك الله فوصفك بأنك خالق، لكن هو سبحانه أحسن الخالقين.

إذن: الحق سبحانه لا يعيب على هؤلاء أنهم يخلقون، إنما يعيب عليهم أنْ يخلقوا إفْكاً وكذباً.

ثم يقول سبحانه: (إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ..) (العنكبوت: 17) في موضع آخر بيَّن لهم الحق سبحانه أنهم يعبدون آلهة لا تضر ولا تنفع، وهنا يذكر مسألة مهمة هي استبقاء الحياة للإنسان بالقُوت الذي نسميه الرزق، فهذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله لا تملك لكم رزقاً، ولو امتنع عنكم المطر وأجدبت الأرض لمتُم من الجوع.

إذن: كان عليكم أنْ تتأملوا: من أين تأتي مقومات حياتكم، ومَنْ صاحب الفضل فيها، فتتوجَّهون إليه بالعبادة والطاعة، كما نقول في المثل (اللي ياكل لقمتي يسمع كلمتي) إنما أُطعمك وتسمع لغيري؟!! والرزق هو الشُّغل الشاغل عند الناس، ففي أول الأمر كلنا يجتهد لنأكل ونشرب ونعيش، فلما تتحسَّن الأمور نرغب في التخزين للمستقبل، فالموظف مثلاً يدخر لشهر، والزارع يدخر للعام كله.

ومن أعاجيب هذه المسألة أنك تجد الإنسان والفأر والنمل هم الوحيدون بين مخلوقات الله التي تدخر للمستقبل، أما بقية الحيوانات فتأخذ حاجتها من الطعام فقط، وتترك الباقي دون أنْ تهتمَّ بهذه المسألة، أو تُشغَل برزق غد أبداً، لا يأكل أكثر من طاقته، ولا يدخر شيئاً لغده.

لذلك يُذكِّر الله عباده بمسألة الرزق لأهميتها في حياتهم، ومن عجيب أمر الرزق أنه أعرَفُ بمكانك وعنوانك، منك بمكانه وعنوانه، فإنْ قُسِم لك الرزق جاءك يطرق عليك الباب، وإنْ حُرمت منه أعياك طلبه.

ومن أوضح الأمثلة على أن الرزق مقسوم مقدَّر من الله لكل منا أن المرأة حين تحمل يمتنع عنها الحيض الذي كان يأتيها بشكل دوريٍّ قبل الحمل، فأين ذهب هذا الدم?

هذا الدم هو رزق الجنين في بطن أمه لا يأخذه ولا يستفيد به غيره حتى الأم.

فإنْ قُدِّر الجنين تحول هذا الدم إلى غذاء له خاصة، فإنْ لم يُقدَّر للأم أنْ تحمل نزل منها هذا الدم على صورة كريهة، لا بُدّ من التخلص منه؛ لأنه ضار بالأم إنْ بقي لا بُدَّ من نزوله، لأنه ليس رزقها هي، بل رزق ولدها في أحشائها، ولو لم يكُنْ هذا الدم رِزْقاً للجنين لكانت الأم تضعف كلما تكرَّرت لها عملية نزول الدم بهذه الصورة الدورية.

إذن: لكل منا رِزْق لا يأخذه غيره.

لذلك يقول أحد الصالحين: عجبتُ لابن آدم يسعى فيما ضُمِن له ويترك ما طُلِب منه.

فربك قد ضمن لك رزقك فانظر إلى ما طُلِب منك، واشغل نفسك بمراد الله فيك؛ لذلك نتعجب من هؤلاء المتسولين الذين كنا نراهم مثلاً في مواسم الحج، وشرُّهم مَنْ يعرضون عاهاتهم وعاهات أبنائهم على الناس يتسولون بها، وكأنهم يشتكون الخالق للخَلْق، ويتبرَّمون بقضاء الله، والله تعالى لا يحب أن يشكوه عبده لخلقه.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا بليتم فاستتروا"، ووالله لو ستر أصحاب البلاء بلاءهم، وقعدوا في بيوتهم لَساقَ الله إليهم أرزاقهم إلى أبوابهم.

إذن: الرزق مضمون من الله؛ لذلك يمتنُّ به على عباده وينفيه عن هذه الآلهة الباطلة (لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ..) (العنكبوت: 17) ثم يقول سبحانه: (وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (العنكبوت: 17) فإنْ لم تعبدوه لأنه يرزقكم ويطعمكم، فاعبدوه لأن مرجعكم إليه ووقوفكم بين يديه.

وكان يكفي أن نعمه عليكم مُقدَّمة على تكليفه لكم، لقد تركك تربع في نعمه دون أنْ يُكلِّفك شيئاً، إلى أنْ بلغتَ سِنَّ الرشد، وهي سِنُّ النُّضْج والبلوغ والقدرة على إنجاب مثلك، ثم بعد ذلك تقابل تكليفه لك بالجحود?

إن عبادة الله وطاعته لو لم تكن إلا شُكْراً له سبحانه على ما قدَّمه لك لكانت واجبة عليك.

وقوله تعالى: (وَٱشْكُرُواْ لَهُ...) (العنكبوت: 17) لأن ربكم عز وجل يريد أن يزيدكم، فجعل الشكر على النعمة مفتاحاً لهذه الزيادة، فقال سبحانه: (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ..) (إبراهيم: 7) فربُّك ينتظر منك كلمة الشكر، مجرد أن تستقبل النعمة بقولك الحمد لله فقد وجبت لك الزيادة.

حتى أن بعض العارفين يرى أن الحمد لا يكون على نِعَم الله التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى فحسب، إنما يكون الحمد لله على أنه لا إله إلا الله، وإلا لو كان هناك إله آخر لَحِرْنا بينهما أيهما نتبع، فالوحدانية من أعظم نعم الواحد سبحانه التي تستوجب الشكر.

وقد أعطانا الحق سبحانه مثلاً لهذه المسألة بقوله سبحانه: (ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ..) (الزمر: 29) يعني: مملوك لشركاء مختلفين، وليتهم متفقون: (وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ..) (الزمر: 29) أي: مِلْك لسيد واحد: (هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً..) (الزمر: 29) فكذلك الموحِّد لِلّه، والمشرك به.

ولذلك يقول بعض الصالحين في قوله تعالى: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ..) (البقرة: 172) فاللص الذي يأكل من الحرام يأكل رزقه، فهو رزقه لكنه من الحرام، ولو صبر على السرقة لأكله من الحلال ولسَاقه الله إليه.فالمعنى أن الله خلقكم ورزقكم، ولا يعني هذا أنْ تُفلِتوا منه، فإنْ لم تُراعوا الجميل السابق فخافوا مما هو آتٍ.



سورة العنكبوت الآيات من 16-20 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49003
العمر : 72

سورة العنكبوت الآيات من 16-20 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة العنكبوت الآيات من 16-20   سورة العنكبوت الآيات من 16-20 Emptyالسبت 22 أغسطس 2020, 2:34 am

وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٨)
تفسير الأية: خواطر مُحَمَّد متولي الشعراوي (ت 1418هـ)

قوله تعالى: (وَإِن تُكَذِّبُواْ..) (العنكبوت: 18) أي: ما قلنا لكم وما جاءكم به رسولنا؛ لأن تصديقه سيُدخلكم مدخل التكليف، ويحملكم مشقة المنهج، وسيُضيِّق عليكم منطقة الاختيار، والحق سبحانه قد شرَّفك حين أعطاك حرية الاختيار، في حين أن الكون كله لا اختيارَ له؛ لأنه تنازل عن اختياره لاختيار ربه.

كما قال سبحانه: (إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب: 72).

فالكون كله مسخر يؤدي مهمته، كما يقول سبحانه: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ..) (الإسراء: 44).

وقال سبحانه: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ..) (الحج: 18) فالقاعدة عامة، لا استثناء فيها، إلا عند الإنسان، فمنهم الطائع ومنهم العاصي.

فالمعنى: (وَإِن تُكَذِّبُواْ..) (العنكبوت: 18) فلستم بدعاً في التكذيب (فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ..) (العنكبوت: 18) لكن يجب عليكم أن تتنبهوا إلى ما صنع بالأمم المكذِّبة، وكيف كانت عاقبتهم، فاحذروا أنْ يُصيبكم ما أصابهم، هذه هي المسألة التي ينبغي عليكم التنبُّه لها.

وهنا وقف بعض المتمحكين يقول: كيف يقول القرآن في خطاب قوم إبراهيم: (وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ..) (العنكبوت: 18) مع أنه لم يسبقهم إلا أمَّة واحدة هي أمَّة نوح عليه السلام?

يظنون أنهم وجدوا مأخذاً على القرآن.

ونقول: نعم، كانت أمَّة نوح هي أمَّة الرسالة المقصودة بالإيمان، لكن جاء قبلها آدم وشيث وإدريس، وكانوا جميعاً في أمم سابقة على إبراهيم، أو نقول: لأن مدة بقاء نوح في قومه طالت حتى أخذت ألف سنة من عمر الزمان، وهذه الفترة تشمل قُرَابة العشرة أجيال، والجيل -كما قالوا- مائة سنة، كل منها أمَّة بذاتها.

ثم يقول تعالى: (وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ) (العنكبوت: 18) فمهمته مجرد البلاغ.

يؤمن به مَنْ يؤمن، ويكفر مَنْ يكفر، الرسول لن نعطيه مكافأة أو عمولة على كل مَنْ يؤمن به، فإياكم أنْ تظنوا أنكم بكفركم تُقلِّلون من مكافأة النبي -خاصة وقد كانوا كارهين له- فالمعنى: عليَّ البلاغ فحسب، وقد بلَّغت فسآخذ جزائي وأجري من ربي، فأنتم لا تكيدونني بكفركم، بل تكيدون أنفسكم.

لذلك كان نبينا مُحَمَّد -صلى الله عليه وسلم- يحزن أشد الحزن، ويألم إنْ تفلَّت من يده واحد من أمته فكفر، حتى خاطبه ربه: (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ..) (البقرة: 272).

وخاطبه بقوله: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ) (الشعراء: 3).

وحين نزل عليه -صلى الله عليه وسلم-: (وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ * وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ) (الضحى: 1-5) انتهز النبي هذه الفرصة ودعا ربه: إذن لا أرضى وواحد من أمتي في النار؛ ذلك لأنه -صلى الله عليه وسلم- مُحبٌّ لأمَّته، حريصٌ عليهم، رؤوفٌ رحيمٌ بهم: (لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 128).

ووصف الحق سبحانه البلاغ بأنه مبين، أي: واضح ظاهر؛ لأن من البلاغ ما يكون مجرد عرض للمسألة دون تأكيد وإظهار للحجة التي تؤيد البلاغ.

ثم يقول الحق سبحانه: (أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ...).



سورة العنكبوت الآيات من 16-20 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49003
العمر : 72

سورة العنكبوت الآيات من 16-20 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة العنكبوت الآيات من 16-20   سورة العنكبوت الآيات من 16-20 Emptyالسبت 22 أغسطس 2020, 2:35 am

أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (١٩)
تفسير الأية: خواطر مُحَمَّد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الخطاب هنا مُوجَّه إلى أمَّة مُحَمَّد -صلى الله عليه وسلم-: هؤلاء الذين كذبوا من قبل، وأنتم الذين تكذبون الآن، فأين عقولكم?

لو استعملتم عقولكم في تأمَّل الكون الذي تعيشون فيه، والذي طرأتُم عليه، وقد أُعِدَّ لكم بكل مُقوِّمات حياتكم.

(أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ..) (العنكبوت: 19) ويرى هنا بمعنى يعلم، كما في قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ) (الفيل: 1) أي: ألم تعلم؛ لأن رسول الله لم يَرَ حادثة الفيل، وعدل عن (تعلم) إلى (ترى) ليلفت أنظارنا إلى أن إخبار الله تعالى لرسوله -صلى الله عليه وسلم- أوثق له من رؤيته بعينه.

ومن ذلك قول الصِّدِّيق أبي بكر لما سمع بحادث الإسراء والمعراج قال: "إنْ كان قال فقد صدق".

والهمزة في (أَوَلَمْ يَرَوْاْ..) (العنكبوت: 19) استفهام للتقرير، كما تقول لولدك: ألم تَرَ إلى فلان الذي أهمل دروسه، تريد أنْ تنكر عليه أنْ يُهمل هو أيضاً، فتقرره بعاقبة الإهمال، وتدعه ينطقه بلسانه، فيقول لك: الذي أهمل دروسه رَسَب.

وكما تقول لمَنْ أنكر جميلك: ألم أُحسِن إليك بكذا وكذا، فيُقِر بها هو بدل أنْ تعددها له أنت، فهذا أبلغ في الاعتراف.

فساعة يأتي بعد الهمزة نَفْي يسمونه استفهاماً إنكارياً، تنكر ما هم عليه، وتريد أن تقررهم بما يقابله.

والنفي بعد الإنكار نفي للنفي، ونفي النفي إثبات.

فالمعنى: أيكذبون ولم يَرَوْا ما حدث للأمم المكذِّبة من قبل?

أيكذبون ولم يَروْا آيات الله، وقدرته شائعة في الوجود كله?

لقد كان عليهم أن ينظروا نظرة اعتبار ليعلموا مَنْ خلق هذا الخَلْق، وإنك لو سألتهم: مَنْ خلق هذا الكون لا يجدون جواباً، ولا يملكون إلا أنْ يقولوا: الله، كما حكى القرآن: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ..) (لقمان: 25).

لكن، كيف يُقِرُّون بهذه الحقيقة ويعترفون بها، مع أنهم كافرون بالله?

قالوا: لأنها مسألة أظهر مَن أنْ ينكرها منكر، فكل صاحب صنعة مهما كانت ضئيلة يفخر بها وينسبها إلى نفسه، بل وينسب إلى نفسه ما لم يصنع، فما بالك بكَوْنِ أُعِدَّ بهذه الدقة وبهذه العظمة، ولم يدعه أحد لنفسه?

والدعْوى تثبت لصاحبها ما لم يَقُمْ لها معارض.

لذلك قلنا: إن الحق سبحانه قبل أن يقول لا إله إلا أنا، وقبل أن يطلبها منا شهد بها لنفسه تعالى: (شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ..) (آل عمران: 18) ؛ لأن هذه الشهادة هي التي ستجعله يقول للشيء: كُنْ فيكون، ولو لم يكُنْ يؤمن بأنه إله ما قالها.

والحق سبحانه يقول: (أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ..) (العنكبوت: 19) كيف ونحن لم نَر الإعادة، فضلاً عن رؤيتنا للبدء?

قالوا: نرى البدء والإعادة في مظاهر الوجود من حولنا، فنراها في الزرع مثلاً، وكيف أن الله تعالى يُحيي الأرض بالنبات، ثم يأتي وقت الحصاد فيحصد ويتناثر منه الحَبّ أو البذور التي تعيد الدورة من جديد.

والوردة تجد فيها رطوبة ونضارة وألواناً بديعة ورائحة زكية، فإذا قُطِفَتْ تبخَّر منها الماء، فجفَّتْ وتفتتت، وذهبت رائحتها في الجو، ثم تخلفها وردة أخرى جديدة، وهكذا.

انظر مثلاً إلى دورة الماء في الكون: هل زادتْ كمية الماء التي خلقها الله في الكون حين أعدَّه لحياة الإنسان منذ خلق آدم وحواء?

الماء هو هو حتى الآن، مع ما حدث من زيادة في عدد السكان؛ لأن عناصر الكون هي هي منذ خلقها الله، لكن لها دورة تسير فيها بين بَدْء وإعادة.

واقرأ إن شئت قوله تعالى: (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا..) (فصلت: 9-10).

فكأن قوت العالم من الزرع وغيره مُعَدٌّ منذ بَدْء الخليقة، وإلى أنْ تقوم الساعة لا يزيد، لكنه يدور في دورة طبيعية.

ثم يقول سبحانه: (إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ) (العنكبوت: 19) أيهما: الخَلْق أم الإعادة?

أما الخلق فقد أقرُّوا به، ولا جدالَ فيه، إذن: فالكلام عن الإعادة، وهل الذي خلق من عدم يعجز عن إعادة ما خلق?الخَلْق الأول من عدم، أما الإعادة فمن موجود، فأيهما أهون في عُرْفكم وحسب منطقكم?

لذلك يقول سبحانه: (وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ..) (الروم: 27) مع أن الحق سبحانه لا يُقال في حَقِّه: هذا هيِّن، وهذا أهون؛ لكنه سبحانه يخاطبنا بما تفهمه عقولنا.

ثم يخاطب الحق سبحانه مُحَمَّد اً -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ...).



سورة العنكبوت الآيات من 16-20 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49003
العمر : 72

سورة العنكبوت الآيات من 16-20 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة العنكبوت الآيات من 16-20   سورة العنكبوت الآيات من 16-20 Emptyالسبت 22 أغسطس 2020, 2:36 am

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)
تفسير الأية: خواطر مُحَمَّد  متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

السير: الانتقال من مكان إلى مكان، لكن نحن نسير في الأرض أم على الأرض?

الحقيقة أننا كما قال سبحانه (قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ..) (العنكبوت: 20) أي: نسير فيها؛ لأن الغلاف الجوي المحيط بالأرض من الأرض، فبدونه لا تستقيم الحياة عليها، إذن: حين تسير تسير في الأرض فهي تحتك، وغلافها الجوي فوقك، فكأنك بداخلها.

والعلة في السير (فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ..) (العنكبوت: 20) وفي آية أخرى: (ثُمَّ ٱنْظُرُواْ..) (الأنعام: 11) ؛ لأن السير من أرض لأخرى له دافعان: إما للسياحة والتأمَّل والاعتبار، وإما للتجارة والاستثمار، إنْ ضاق رزقك في بلادك.

فقوله: (قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ..) (العنكبوت: 20) أي: نظر اعتبار وتأمل.

أما في: (ثُمَّ ٱنْظُرُواْ..) (الأنعام: 11) فثم تفيد العطف والتراخي، كأنه سبحانه يقول لنا: سيروا في الأرض للاستثمار، ثم انظروا نظرة التأمَّل والاعتبار، ولا مانع من الجمع بين الغرضين.

وتذكرون أن الحق سبحانه قال في السورة السابقة (القصص): (إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ..) (القصص: 85) والمُرَاد بذلك الهجرة، وفي هذه السورة تأتي: (يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ) (العنكبوت: 56).

والمعنى: إن ضاق رزقك في مكان فاطلبه في مكان آخر، أو: إنْ لم تكُنْ الآيات الظاهرة لك كافية لتشبع عندك الرغبة في الاعتبار والتأمَّل فسِرْ في الأرض، فسوف تجد فيها كثيراً من الآيات والعِبَر في اختلاف الأجناس والبيئات والثمار والأجواء.. إلخ.

لذلك يقول سبحانه: (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا..) (النساء: 97).

فالأرض كلها لله لا حدودَ فيها، ولا فواصلَ بينها، فلما قسَّمها الناس وجعلوا لها حدوداً تمنع الحركة فيها حدثت كثير من الإشكالات، وصَعُبَ على الناس التنقل للسياحة أو لطلب الرزق إنْ ضاق بأحد رزقه.

وها هي السودان بجوارنا بها مساحات شاسعة من الأراضي الخِصْبة التي إنْ زُرِعت سدَّتْ حاجة العالم العربي كله، أنستطيع الذهاب لزراعتها?

ساعتها سيقولون: جاءوا ليستعمرونا.

لذلك لما أتيح لي التحدث في هيئة الأمم قلت: إنه لا يمكن أنْ تُحلَّ قضايا العالم الراهنة إلا إذا طبَّقنا مبدأ الخالق -عز وجل- وعُدْنا إلى منهجه الذي وضعه لتنظيم حياتنا، وكيف نضع بيننا هذه الحدود الحديدية والأسلاك الشائكة، وربنا يقول: (وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ) (الرحمن: 10).

فالأرض كلُّ الأرض للأنام كل الأنام، ويوم نحقق هذا المبدأ فلن يضيق الرزق بأحد، لأنه إنْ ضاقَ بك هنا طلبته هناك؛ لذلك أكثر الشكوى في عالم اليوم إمَّا من أرض بلا رجال، أو من رجال بلا أرض، فلماذا لا نُحدِث التكامل الذي أراده الله في كونه?

إذن: فالسير هنا مترتب عليه الاعتبار (كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ..) (العنكبوت: 20) وما دُمْنا قد آمنا بأن الله تعالى هو الخالق بداية، فإعادة الخَلْق أهون، كما قال سبحانه: (أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ..) (ق: 15) فيشكُّوا في الخَلْق الآخر?

لذلك يؤكد الخالق سبحانه هذه القدرة بقوله: (إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت: 20).

ثم يقول الحق سبحانه: (يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ...).



سورة العنكبوت الآيات من 16-20 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة العنكبوت الآيات من 16-20
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة العنكبوت الآيات من 56-60
» سورة العنكبوت الآيات من 11-15
» سورة العنكبوت الآيات من 61-65
» سورة العنكبوت الآيات من 66-69
» سورة العنكبوت الآيات من 21-25

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: العنكبوت-
انتقل الى: