منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
الحــواس فـي القـــرآن الكـــريــم أحكـام صـلاة المـريض وطهـارته إلــــــــى كــــــــــل زوجـيــــــــــن مـــن أقـــــوال شيـــــخ الإســــلام لا عـلـيـك مـا فـاتـك مـن الـدنـيــا رؤية الخاطب مخطوبته قبل العقد شــاعر العـاميــة بيــرم التـونسي أحْلامٌ مِنْ أبِي باراك أوباما كُــــتُـبٌ غَــــــيُّـرَتْ الـعَـالَــــــمْ مــصـــــر التي فـي خــاطـــــري الزعيـم الثــائر أحـمـــد عـــرابي مـحـاسـن العقيـــدة الإسـلامـيـــة الرحـالة: أبي الحسن المسعـودي رضـــي الله عـنـهـــم أجـمـعـــين الأسئلة والأجــوبــة في العقيــدة النـهـضــة اليـابـانـيــة الـحـديثــة الحجاج بـن يــوســف الـثـقـفــي قـصــة حـيـاة ألـبرت أيـنـشـتــاين الأمثـــال لأبـي عبيــد ابن ســلام الإسـلام بيـن الـعـلـم والـمــدنـيــة
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة العنكبوت الآيات من 46-50

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 51501
العمر : 72

سورة العنكبوت الآيات من 46-50 Empty
مُساهمةموضوع: سورة العنكبوت الآيات من 46-50   سورة العنكبوت الآيات من 46-50 Emptyالسبت 12 سبتمبر 2020, 6:14 am

وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦)
تفسير الأية: خواطر مُحَمَّد  متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الحق -تبارك وتعالى- يُعلِّمنا كيف نجادل أهل الكتاب، وقبل أن نتكلم عن ألوان الجدل في القرآن الكريم نقول: ما معنى الجدل؟

الجدل: مأخوذ من الجَدْل، وهو فَتْل الشيء ليشتد بعد أنْ كان ليناً كما نفتل حبالنا في الريف، فالقطن أو الصوف مثلاً يكون منتفشاً يأخذ حيزاً واسعاً، فإذا أردْنا أن نأخذ منه خيطاً جمعنا بعض الشعيرات ليُقوِّي بعضها بعضاً بلفِّها حول بعضها، وبجَدْل الخيوط نصنع الحبال لتكون أقوى، وعلى قَدْر الغاية التي يُراد لها الحبل تكون قوته.

ومن الجدل أُخِذ الجدال والجدَل والمجادلة، وفي معناها: الحوار والحجاج والمناظرة، ومعناه أن يوجد فريقان لكل منهما مذهب يؤيده ويدافع عنه ليفتن الآخر أي: ليلفته عن مذهبه إلى مذهبه هو.

فإذا كان المقصود هو الحق في الجدال أو الحِجَاج أو المناظرة فهذا الاسم يكفي، لكن إنْ دخل الجدال إلى مِراءٍ أو لجاجة، فليس القصد هو الحق، إنما أنْ يتغلَّب أحد الفريقين على الآخر، والجدل في هذه الحالة له أسماء متعددة، منها قوله تعالى: (لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ..) (المؤمنون: 75).

لكن إذا فَتَلْنا الشيء المنفوش حتى صار مُضْمراً، وأخذ من الضمر قوة، أأنت تجعل في الجدل خَصْمك قوياً؟

إنك تحاول أنْ تُقوِّي نفسك في مواجهته.

قالوا: حين أنهاه عن الباطل وأعطفه ناحية الحق، فإنه يقوي يقينه في شيء ينفعه، وكأنه كان منتفشاً آخذاً حيِّزاً أكبر من حجمه بالباطل الذي كان عليه، فأنا قوّيته بالحق.

وفي العامية نقول (فلان منفوخ على الفاضي) أو نقول (فلان نافش ريشه) كأنه أخذ حيزاً أكبر من حجمه.

لذلك نلحظ أن التغلب في الجدل لا يكون لمجرد الجدل، إنما تغلُّبك لحق ينفع الغير ويُقويه ويردّه إلى حجمه الطبيعي.أو: أن الجدل مأخوذ من الجدال وهي الأرض، كأن يطرح القوي الضعيف أرضاً في صراع مثلاً.

والجدال يكون بين شخصين، لكل منهما رأيه الذي يألفه ويحبه ويقتنع به، فحين تجادله تريد أنْ تُخرِجه عن رأيه الذي يألف إلى رأيك الذي لا يألفه ولم يعتده، فأنت تجمع عليه أمرين: أنْ تُخرجه عما أَلِف واعتاد إلى ما لم يألف، فلا يكُنْ ذلك بأسلوب يكرهه حتى لا تجمع عليه شدتين.

فعليك إذن باللين والاستمالة برفق؛ لأن النصح ثقيل كما قال شوقيرحمه الله: فلا تجعله جبلاً، ولا ترسله جَدَلاً، وعادة ما يُظهِر الناصح أنه أفضل من المنصوح.

ويقولون: الحقائق مرة، فاستعيروا لها خِفَّة البيان؛ لأنك تُخِرج خَصْمك عما أَلِف، فلا تخرجه عما ألف بما يكره، بل بما يحب.

والإنسان قد يُعبِّر عن الحقيقة الواحدة تعبيراً يُكره، ويُعبِّر عنها تعبيراً يُحب وترتاح إليه، كالملك الذي رأى في منامه أن كل أسنانه قد سقطتْ، فطلب مَنْ يُعبِّر له ما رأى، فجاءه المعبِّر واستمع منه، ثم قال: معنى هذه الرؤيا يا مولاي أن أهلك جميعاً سيموتون، فتشاءم من هذا التعبير ولم يُعجبه، فأرسلوا إلى آخر فقال: هذا يعني أنك ستكون أطولَ أهل بيتك عُمراً، فَسُرَّ الملك بقوله.

فهنا المعنى واحد، لكن أسلوب العرض مختلف.

ودخل رجل على آخر، فوجده يبكي فقال: ما يُبكيك؟

قال: أخذْتُ ظلماً، فتعجب وقال: فكيف بك إذا أُخِذْتَ عدلاً؟

أكنت تضحك.

والمعنى أن مَنْ أُخذ ظلماً لا ينبغي له أن يحزن؛ لأنه لم يفعل شيئاً يشينه، والأَوْلَى بالبكاء من أُخذ عدلاً وبحقٍّ.

ورجل قُتِل له عزيز فجلس يصرخ ويولول، فدخل عليه صاحبه مُواسياً فقال له الرجل: إن ابني قُتِل ظلماً، فقال صاحبه: الحمد لله الذي جعل منك المقتول، ولم يجعل منك القاتل.

إذن: سلأمَّة المنطق وخِفَّة البيان أمر مهم، وعلى المجادل أن يراعي بيانه، وأن يتحين الفرصة المناسبة، فلا تجادل خصمك وهو غضبان منك أو وأنت غضبان منه.

قالوا: مَرَّ رجل فوجد صبياً يغرق في البحر، فلم ينتظر حتى يخلع ثيابه، وألقى بنفسه وأنقذ الصبي، ثم أخذ يضربه ويلطمه، والولد يقول: شكراً لك بارك الله فيك، لماذا؟

لأنه قسا عليه بعد أنْ أنقذه، لكن ما الحال لو وقف على البَرِّ، وكال له الشتائم وعنَّفه، لماذا ينزل البحر وهو لا يعرف العوم؟

لذلك يقول الحكماء: آسِ ثم انصح.

لذلك يُعلِّمنا ربنا -عز وجل- أصول الجدل وآدابه؛ لأنه يريد أن يُخرِج بهذا الجدل أناساً من الكفر إلى الإيمان، ومن الجحود إلى اليقين، وهذا لا يتأتّى إلا باللطف واللين، كما قال سبحانه: (ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..) (النحل: 125).

ويُعلِّمنا سبحانه أن للجدل مراتبَ بحسب حالة الخَصم، فالذي ينكر وجود الله له جدل مخصوص، والذي يؤمن بوجود الله ويقول: إن معه شريكاً.

له جدل آخر، ومَنْ يؤمن بالله ويقول سأتبع نبييِّ ولن أتبعك له جدل آخر وبشكل خاص، والمختلفون معك من أهل مِلَّتك لهم جدل يليق بحالهم.

إذن: للجدل مراتب نلحظها في أسلوب القرآن، فبم جادل الذين لا يؤمنون بوجود إله؟

قال: (أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ) (الطور: 35-36).

فأتى لهم بمسألة الخَلْق الظاهرة التي لم يدَّعها أحد، ولا يجرؤ أحد على إنكارها، حتى المشركون والملاحدة؛ لأن أتفه الأشياء في صناعاتهم يعرفون صانعها، ويُقرُّون له بصنعته، ولو كانت كوباً من زجاج أو حتى قلم رصاص، لا بُدَّ أن لكل صنعة صانعاً يناسبها.

أليس مَنْ خلق السماوات والأرض والشمس والقمر.. إلخ أَوْلَى بأن يعترفوا له سبحانه بالخَلْق؟

وهم أنفسهم مخلوقون ولم يقولوا إنَّا خلقنا أنفسنا، ولم يقولوا خلقنا غيرنا، فمَنْ خلقهم إذن؟

وقلنا: إن الدَّعْوى تثبت لصاحبها ما لم يَقُم لها معارض، والحق -سبحانه وتعالى- قال علانية، وعلى لسان رسله، وفي قرآن يُتْلَى إلى يوم القيامة، وأسمع الجميع: أنا خالق هذا الكون.

فإنْ قال معاند: فَمَنْ خلق الله؟

نقول: الذي خلقه عليه أن يعلن عن نفسه.

والحق سبحانه شهد لنفسه أنه لا إله إلا هو: (شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ..) (آل عمران: 18) ولم يقُلْ أحد أنا الإله.إذن: الذين ينكرون الخالق لا حَقَّ لهم.

هذا في جدال الملاحدة الذين ينكرون وجود الله.

أما الذين يؤمنون بوجود الله، لكن يتخذون معه سبحانه شركاء، فنجادلهم على النحو التالي: شركاؤكم مع الله غَيْب أم شهادة؟

إنْ قالوا: غَيْب فإن الله تعالى شهد لنفسه بالوحدانية.

وقال: أنا واحد لا شريك لي، فأين كان شركاؤكم؟

لماذا لم يدافعوا عن ألوهيتهم مع الله؟

إما لأنهم ما دروا بهذا الإعلان، وإما أنهم دَرَوا وعجزوا عن المواجهة، وفي كلتا الحالتين تنتفي عنهم صفة الألوهية، فأيُّ إله هذا الذي لا يدري بما يدور حوله، أو يجبن عن مواجهة خَصْمه؟

فإنْ قالوا: شركاؤنا الأصنام والأشجار والكواكب وغيرها، فهذه من صُنْع أيديهم، فكيف يعبدونها، ثم هي آلهة لا منهجَ لها ولا تكاليفَ، وإلا فبماذا أمرتهم وعَمَّ نهتْهم؟

إذن: عبادتهم لها باطلة.

ثم نسأل الذين يتخذون مع الله شركاء: أهؤلاء الذين تشركونهم مع الله يتواردون على الأشياء بقدرة واحدة، أم يتناوبون عليها، كل منهم بقدر على شيء معين؟

إنْ كانوا يزاولون الأشياء بقدرة واحدة، فواحد منهم يكفي والباقون لا فائدة منهم، وإنْ كانوا يتناوبون على الأشياء، فكلٌّ منهم قادر على شيء عاجز عن الشيء الآخر، والإله لا يكون عاجزاً.

وقد رَدَّ الحق سبحانه على هؤلاء بقوله تعالى: (قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً) (الإسراء: 42) أي: لَذهبوا إليه إما ليُعنِّفوه ويُصَفّوا حساباتهم معه، وكيف أخذ الأمر لنفسه، وإما ليتوددوا إليه ويعاونوه.

وفي موضع آخر: (إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ..) (المؤمنون: 91).

وبعد أنْ بينَّا جدال الملاحدة الذين ينكرون وجود الإله وجدال أهل الشرك نجادل أهل الكتاب، وهم ألطفُ من سابقيهم؛ لأنهم مؤمنون بإله وأنه الخالق، ومؤمنون بالبلاغ عن الله، ومؤمنون بالكتب التي نزلت، والخلاف بيننا وبينهم أنهم لا يؤمنون برسالة مُحَمَّد  -صلى الله عليه وسلم- في حين نؤمن نحن برسلهم وكتبهم، وهذه أول مَيزة تميَّز بها الإسلام على الأديان الأخرى.

ونقول لهؤلاء: لقد آمنت برسولك، وقد سبقه رسل، فلماذا تنكر أن يأتي رسول بعده؟

ثم هل جاء الرسول بعد رسولك ليناقضه في أصول الأشياء؟

إنهم جميعاً متفقون على أصول العقيدة والأخلاق، متفقون على أنهم عباد لله متحابون، فلماذا تختلفون أنتم؟

فربنا -تبارك وتعالى- يُعلِّمنا (وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..) (العنكبوت: 46) لأنهم ليسوا ملاحدة ولا مشركين، فهُمْ مؤمنون بإلهكم وبالرسل وبالكتب، غاية ما هنالك أنهم لا يؤمنون برسولكم.

لذلك يعترض بعض الناس: كيف يبيح الإسلام أنْ يتزوج المسلم من كتابية، ولا يبيح للمسلمة أن تتزوج كتابياً؟

نقول: لأن أصل القوامة في الزواج للرجل، والزوج المؤمن حين يتزوج كتابية مؤمن برسولها، أما الزوج الكتابي فغير مؤمن برسول المؤمنة، فالفَرْق بينهما كبير.

ومعنى: (إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..) (العنكبوت: 46) أن في الجدال حسناً وأحسن، وقد سبق الجدال الحسن في قوله تعالى: (وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) (سبأ: 24) ونوح عليه السلام يتلطف في جدال قومه، فيقول: (قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ) (هود: 35).

فينسب الافتراء إلى نفسه، ويتهم نفسه بالإجرام إنِ افترى، فإنْ لم يكُنْ هو المفتر، وهو المجرم فَهُمْ.

ونبينا مُحَمَّد  -صلى الله عليه وسلم- يقول في جدال قومه: (قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (سبأ: 25) فيذكر -صلى الله عليه وسلم- الجريمة في حقه هو ولا يذكرها في حَقِّ المعاندين المكذِّبين، فأيُّ أدب في الدعوة أرفع من هذا الأدب؟

إذن: جادل غير المؤمنين بالحسن، وجادل أهل الكتاب بالتي هي أحسن، لما يمتازون به عن غيرهم من ميزة الإيمان بالله.

فإنْ تعدَّوْا وظلموا أنفسهم في مسألة القمة الإيمانية، فادعوا أن لله ولداً أو غيره، فإِنهم بذلك يدخلون في صفوف سابقيهم من المشركين، فإنْ كنا مأمورين بأن نجادلهم بالتي هي أحسن وقالوا بهذا القول، فعلينا أن نجادلهم بما يقابل الأحسن، نجادلهم إما بالحسن، وإما بغير الحسن أي: بالسيف.

لكن، هل يفرض السيف عقائد؟

السيف لا يأخذ من الناس إلا قوالبهم.

أمّا القلوب فلا يخضعها إلا الإيمان، والله تعالى لا يريد قوالب، إنما يريد قلوباً.

واقرأ قوله تعالى في سورة الشعراء: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) (الشعراء: 3-4) فإنِ أراد سبحانه قَهْر القوالب والقلوب على الخضوع، بحيث لا يستطيع أحد أنْ يتأبَّى على الإيمان ما وُجد كافر، وما كفر الكافر إلا لما أعطاه الله من منطقة الاختيار؛ فالحق سبحانه يريد منّا قلوباً تحبه سبحانه وتعبده؛ لأنه سبحانه يستحق أنْ يُعبد.

إذن: الذين يخرجون عن نطاق الكتابية بتجاوزهم الحدَّ، وقولهم أن عيسى ابن الله، أو أن الله ثالث ثلاثة، إنما يدخلون في نطاق الشرك والكفر، ولن نقول لهؤلاء: اتبعوا رسولنا، وإنما اتبعوا رسولكم، والكتاب الذي جاءكم به من عند الله، وسوف تجدون فيه البشارة بمُحَمَّد: (ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ..) (الأعراف: 157).

إذن: فحين تكفر فأنت لا تكفر بمُحَمَّد  ولا بالقرآن، إنما تكفر أولاً بكتابك أنت؛ لذلك يعلمنا الحق سبحانه: (لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَآلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ..) (المائدة: 17) وقال أيضاً: (لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ..) (المائدة: 73).

أي: لا تعاملوهم على أنهم كتابيون، ولما سُئلْنا في الخارج من أبنائنا الذين يرغبون في الزواج من أجنبيات، فكنت أقول للواحد منهم: سَلْها أولاً: ماذا تقول في عيسى، فإنْ قالت هو رسول الله فتزوجها وأنت مطمئن؛ لأنها كتابية، وإن قالت: ابْن الله، فعاملها على أنها كافرة ومشركة.

هذا في معنى قوله تعالى: (إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ..) (العنكبوت: 46) ونحن لا نحمل السيف في وجه هؤلاء؛ لأن السيف ما جاء إلا ليحمي اختيار المختار، فلي أنْ أعرض ديني، وأنْ أُعلنه وأشرحه، فإنْ منعوني من هذه فلهم السيف، وإنْ تركوني أعلن عن ديني فهم أحرار، يؤمنون أو لا يؤمنون.

إنْ آمنوا فأهلاً وسهلاً، وإنْ لم يؤمنوا فهم أهل ذمة، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، ويدفعون الجزية نظير ما يتمتعون به في بلادنا، ونظير حمايتنا لهم، وما نُقدِّمه لهم من خدمات، وإلا فكيف نفرض على المؤمنين الزكاة ونترك هؤلاء لا يقدمون شيئاً؟

لذلك نرى الكثيرين من أعداء الإسلام يعترضون على مسألة دَفْع الجزية، ويروْنَ أن الإسلام فُرِض بقوة السيف، وهذا قول يناقض بعضه بعضاً، فما فرضنا عليكم الجزية إلا لأننا تركناكم تعيشون معنا على دينكم، ولو أرغمناكم على الإسلام ما كان عليكم جزية.

والحق -تبارك وتعالى- يقول: (لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ..) (البقرة: 256) لأنني لا أُكرهك على شيء إلا إذا كنتَ ضعيف الحجة، وما دام أن الرشدْ بيِّن والغيّ بيِّن، فلا داعي للإكراه إذن.

لكن البعض يفهم هذه الآية فهماً خاطئاً فحين تقول له: صَلِّ يقول لك: (لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ..) (البقرة: 256) ونقول له: لم تفهم المُرَاد، فلا إكراه في أصل الدين في أنْ تؤمن أو لا تؤمن، فأنت في هذه حُرٌّ، أما إذا آمنتَ وأعلنتَ أنه لا إله إلا الله مُحَمَّد  رسول الله، فليس لك أن تكسر حَدّاً من حدود الإسلام، وفَرْق بين "لا إكراه في الدين" و "لا إكراه في التدين".

ومن حكمة الإسلام أن يعلن حكم الردة لمن أراد أنْ يؤمن، نقول له قف قبل أن تدخل الإسلام، اعلم أنك إنْ تراجعت عنه وارتددتَ قتلناك، وهذا الحكْم يضع العقبة أمام الراغب في الإسلام حتى يفكر أولاً، ولا يقدم عليه إلا على بصيرة وبينة.

وإذا قيل (أَهْلَ ٱلْكِتَابِ..) (العنكبوت: 46) أي: الكتاب المنزَّل من الله، وقد علَّم الله تعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- أنْ يجادل المشركين بقوله: (فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ) (النحل: 43) فعلم الرسول أن يرجع إلى أهل الكتاب، وأنْ يأخذ بشهادتهم، وفي موضع آخر علَّمه أن يقول لمن امتنع عن الإيمان: (وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ) (الرعد: 43).

إذن: فرسولنا يستشهد بكم، لما عندكم من البينات الواضحة والدلائل على صدقه.

حتى قال عبد الله بن سلام: لقد عرفته حين رأيته كمعرفتي لابني، ومعرفتي لمُحَمَّد  أشد، ولم لا يعرفونه وقد ذُكر في كتبهم باسمه ووصفه: (ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ..) (الأعراف: 157).

ثم ألم يحدث منكم أنكم كنتم تستفتحون به على المشركين في المدينة، وتقولون: لقد أطلَّ زمان نبي يُبعث في مكة، فنتبعه ونقتلكم به قَتْل عاد وإرم؟

فلما جاءكم النبي الذي تعرفون أنكرتموه وكفرتم به: (وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ..) (البقرة: 89).

كيف يستشهد الله على صدق رسوله بكم وبكتبكم ثم تكذبون؟

قالوا: كذَّبوا لما لهم من سلطة زمنية يخافون عليها، ورأوا أن الإسلام سيسلبهم إياها.

وكلمة (بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..) (العنكبوت: 46) وردت في القرآن، لكن في غير الجدل في الدين، وردت في كل شيء يُوجب جدلاً بين أُناس؛ وذلك في قوله سبحانه: (ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت: 34).

وقد جاءني رجل يذكر هذه الآية، وما يترتب على الإحسان، يقول: عملتُ بالآية فلم أجد الولي الحميم؟

قلت له: كوْنك تحمل هذا الأمر في رٍأسك دليل على أنك لم تدفع بالتي هي أحسن؛ لأن الله تعالى لا يقرر قضية قرآنية، ويُكذِّبها واقع الحياة، فإنْ دفعتَ بالتي هي أحسن بحقٍّ لا بُدَّ وأنْ تجد خَصْمك كأنه وليٌّ حميم.

لذلك يقول أحد العارفين:
يَا مَنْ تُضَايِقه الفِعَالُ مِنَ التِي وَمِنَ الذِي
ادْفَعْ فديْتُكَ بالتي حتَّى تَرى فإذَا الذي

والمعنى: من التي تسيء إليك، أو الذي يسيء إليك: (ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..) (فصلت: 34) حتى ترى: (فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت: 34).

وأذكر أنه جاءني شاب يقول: إن عمي مُوسِر، وأنا فقير، وهو يتركني ويتمتع بماله غيري، فقلت له: بالله أتحب النعمة عند عمك؟

فسكت، قلت له: إذن أنت لا تحبها عنده، لكن اعلم أن النعمة تحب صاحبها أكثر من حُبِّ صاحبها لها؛ لذلك لا تذهب إلى كارهها عند صاحبها.

فما عليك إلا أنْ تثوب إلى الحق، وأنْ تتخلص مما تجد في قلبك لعمك، وثِقْ بأن الله هو الرزاق، وإنْ أردتَ نعمة رأيتها عند أحد فأحببها عنده، وسوف تأتيك إلى بابك، لأنك حين تكره النعمة عند غيرك تعترض على قدر الله.

بعد هذا الحوار مع الرجل -والله يشهد- دَقَّ جرس الباب، فإذا به يقول لي: أما دريتَ بما حدث؟

قلت: ماذا؟

قال: جاءني عمي قبل الفجر بساعة، فلما أنْ فتحت له الباب انهال عليَّ ضَرْباً وشَتْماً يقول: لماذا تتركني للأجانب يأكلون مالي وأنت موجود؟

ثم أعطاني المفاتيح وقال: من الصباح تباشر عملي بنفسك.

فقلت له: لقد أحببتها عند عمك، فجاءت تطرق بابك.

وقوله سبحانه (إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ..) (العنكبوت: 46) أي: ظلموا أنفسهم بالشرك؛ لأن الله تعالى قال: (إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان: 13) تظلم نفسك لا تظلم الله؛ لأن الظالم يكون أقوى من المظلوم.

وجعل الشرك ظلماً عظيماً لأنه ذنبٌ لا يغفر: (إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ..) (النساء: 116).

فالشرك ظلم عظيم عليك نفسك، أما الذنوب دون الشرك فلها مخرج، وقد تنفكّ عنها إما بالتوبة وإما برحمة الله ومغفرته.

ثم يُعلِّمنا الحق -تبارك وتعالى- التي هي أحسن في الردِّ على الذين ظلموا منهم: (وَقُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (العنكبوت: 46).

يعني: فعلامَ الاختلاف، ما دام أن الإله واحد، وما دام أن كتابكم يذكر الرسول الذي يأتي بعد رسولكم، وقد سبق رسولكم رُسُلٌ، فكان يجب عليكم أن تؤمنوا به، وأنْ تُصدِّقوه.

جاءت امرأة تشتكي أن زوجها لم يُوف بما وعدها به، وقد اشترطتْ عليه قبل الزواج ألاَّ يذهب إلى زوجته الأولى، فقُلْت لها: يعني أنت الثانية وقد رضيت به وهو متزوج؟

قالت: نعم، قلت: فلماذا رضيتِ به؟

قالت: أعجبني وأعجبته، قلت: فلا مانع إذن أنْ تعجبه أخرى فيتزوجها، وتقول له: إياك أنْ تذهب إلى الثانية، فهل هذا يعجبك؟

إذن: فاحترمي حقَّ الأولى فيه، لتحترم الثالثة حقك فيه، فقامت وانصرفت.

وقال: (وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ..) (العنكبوت: 46) لأن الكلام هنا للذين ظلموا وقالوا بالتعدد.

وهنا قال تعالى: (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (العنكبوت: 46) ولم يقل مثلاً: ونحن به مؤمنون، ولماذا؟

لأن الإيمان عقيدة قلبية أنْ تؤمن بإله، أمّا الإيمان فليس كلاماً، الإيمان أن تثق به، وأنْ تأمنه على أنْ يُشرِّع لك، وأنْ تُسلم له الأمر "افعل كذا" "ولا تفعل كذا"، وهناك أناس ليسوا بمؤمنين بقلوبهم، ومع ذلك يعملون عمل المسلمين، إنهم المنافقون.

لذلك يقول تعالى: (قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ..) (الحجرات: 14).

إذن: فَرْق بين إيمان وإسلام، فقد يتوفر أحدهما دون الآخر؛ لذلك قال سبحانه: (وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ..) (العصر: 1-3) فقال هنا: (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (العنكبوت: 46) يعني: مُنفِّذين لتعاليم ديننا.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ...).



سورة العنكبوت الآيات من 46-50 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 51501
العمر : 72

سورة العنكبوت الآيات من 46-50 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة العنكبوت الآيات من 46-50   سورة العنكبوت الآيات من 46-50 Emptyالسبت 12 سبتمبر 2020, 6:17 am

وَكَذَٰلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَٰؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (٤٧)
تفسير الأية: خواطر مُحَمَّد  متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قوله تعالى (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ..) (العنكبوت: 47) أي: كما أنزلنا كتباً على مَنْ سبقك أنزلنا إليك كتاباً يحمل منهجاً، والكتب السماوية قسمان: قسم يحمل منهج الرسول في (افعل كذا) و: (لا تفعل كذا)، وذلك شركة في كل الكتب التي أُنزِلَتْ على الرسل، وكتاب واحد هو القرآن، هو الذي جاء بالمنهج والمعجزة معاً.

فكلُّ الرسل قبل مُحَمَّد -صلى الله عليه وسلم- كان للواحد منهم كتاب فيه منهج ومعجزة منفصلة عن المنهج، فموسى عليه السلام كان كتابه التوراة، ومعجزته العصا، وعيسى عليه السلام كان كتابه الإنجيل، ومعجزته إحياء الموتى بإذن الله.

أما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكتابه القرآن ومعجزته القرآن، فانظر كيف التقت المعجزة بالمنهج لتظل لصيقة به؛ لأن زمن رسالة مُحَمَّد  ممتدٌّ إلى قيام الساعة، فلا بُدَّ أنْ تظل المعجزة موجودة ليقول الناس مُحَمَّد  رسول الله، وهذه معجزته.

في حين لا نستطيع مثلاً أن نقول: هذا عيسى رسول الله وهذه معجزته؛ لأنها ليست باقية، ولم نعرفها إلا من خلال إخبار القرآن بها، وهذا يُوضِّح لنا فَضْل القرآن على الرسل وعلى معجزاتهم حيث ثبتها عند كل مَنْ لم يَرهَا، فكل مَنْ آمن بالقرآن آمن بها.

لكن، أكُلُّ رسول يأتي بمعجزة؟

المعجزة لا تأتي إلا لمن تحدَّاه، واتهمه بالكذب، فتأتي المعجزة لتثبت صِدْقه في البلاغ عن ربه؛ لذلك نجد مثلاً أن سيدنا شيثاً وإدريس وشَعيباً ليست لهم معجزات.

وأبو بكر -رضي الله عنه- والسيدة خديجة أم المؤمنين هل كانا في حاجة إلى معجزة ليؤمنا برسول الله؟

أبداً، فبمجرد أنْ قال: أنا رسول الله آمنوا به، فما الداعي للمعجزة إذن؟

إذن: تميَّز -صلى الله عليه وسلم- على إخوانه الرسل بأن كتابه هو عَيْن معجزته.

وسبق أنْ قلنا: إن الحق -تبارك وتعالى- يجعل المعجزة من جنس ما نبغ فيه القوم، فلو تحداهم بشيء لا عِلْم لهم به لقالوا: نحن لا نعلم هذا، فكيف تتحدّانا به؟

والعرب كانوا أهل فصاحة وبيان، وكانوا يقيمون للقوْل أسواقاً ومناسبات، فتحداهم بفصاحة القرآن وبلاغته أنْ يأتوا بمثله، ثم بعشر سُور، ثم بسورة واحدة، فما استطاعوا، والقرآن كلام من جنس كلامهم، وبنفس حروفهم وكلماتهم، إلا أن المتكلم بالقرآن هو الله تعالى؛ لذلك لا يأتي أحد بمثله.

والقرآن أيضاً كتاب يهيمن على كل الكتب السابقة عليه، يُبقي منها ما يشاء من الأحكام، ويُنهِي ما يشاء.

أما العقائد فهي ثابتة لا نسخَ فيها، وأيضاً لا نسخَ في القصص والأخبار.

والنسْخ لا يتأتى إلا في التشريع بالأحكام افعل ولا تفعل، ذلك لأن التشريع يأتي مناسباً لأدواء البيئات المختلفة.

لذلك كان بعض الرسل يتعاصرون كإبراهيم ولوط، وموسى وشعيب، عليهم السلام، ولكل منهم رسالته؛ لأنه متوجه إلى مكان بعينه ليعالج فيه داءً من الداءات، في زمن انقطعت فيه سُبُل الالتقاء بين البيئات المختلفة، فالجماعة في مكان ربما لا يَدْرون بغيرهم في بيئة مجاورة.

أما مُحَمَّد -صلى الله عليه وسلم- فقد جاء - كما يعلم ربه أَزَلاً - على موعد مع التقاء البيئات وتداخُل الحضارات، فالحدث يتم في آخر الدنيا، فنعلم به، بل، ونشاهده في التوِّ واللحظة، وكأنه في بلادنا.

إذن: فالداءات ستتحد أيضاً، وما دامت داءات الأمم المختلفة قد اتحدتْ فيكفي لها رسول واحد يعالجها، ويكون رسولاً لكل البشر.

ثم يقول سبحانه: (فَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ..) (العنكبوت: 47) أي: من قبلك (يُؤْمِنُونَ بِهِ..) (العنكبوت: 47) لأنه لا سلطة زمنية تعزلهم عن الكتاب الجديد، فينظرون في أوصاف النبي الجديد التي وردتْ في كتبهم ثم يطابقونها على أوصاف رسول الله؛ لذلك لما بلغ سلمان الفارسي أن بمكة نبياً جديداً، ذهب إلى سيدنا رسول الله، وأخذ يتأمله وينظر إليه بإمعان، فوجد فيه علامتين مما ذكرتْ الكتب السابقة، وهما أنه -صلى الله عليه وسلم- يقبل الهدية، ولا يقبل الصدقة، فراح ينظر هنا وهناك لعله يرى الثالثة، ففطن إليه رسول الله بما آتاه الله من فِطْنة النبوة التي أودعها الله فيه، وقال: لعلك تريد هذا، وكشف له عن خاتم النبوة، وهو العلأمَّة الثالثة.

ومن لباقة سيدنا عبد الله بن سلام، وقد ذهب إلى سيدنا رسول الله وهو -ابن سلام- على يهوديته - فقال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بُهْت -يعني يُكثرون الجدال دون جدوى- وأخشى إنْ أعلنتُ إسلامي أن يسبوني، وأن يظلموني، ويقولوا فِيَّ فُحْشاً، فأريد يا رسول الله إنْ جاءوك أن تسألهم عني، فإذا قالوا ما قالوا أعلنتُ إسلامي، فلما جاء جماعة من اليهود إلى رسول الله سألهم: ما تقولون في عبد الله بن سلام؟

قالوا: شيخنا وحَبْرنا وسيدنا.. إلخ فقال عبد الله: أما وقد قالوا فيَّ ما قالوا: يا رسول الله، فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فقالوا لتوِّهم: بل أنت شرنا وابن شرنا، ونالوا منه، فقال عبد الله: ألم أقُلْ لك يا رسول الله أنهم قوم بُهْت؟

وقوله سبحانه (وَمِنْ هَـٰؤُلاۤءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ..) (العنكبوت: 47) أي: من كفار مكة مَنْ سيأتي بعد هؤلاء، فيؤمن بالقرآن (وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ٱلْكَافِرونَ) (العنكبوت: 47) الجحد: إنكار متعمد؛ لأن من الإنكار ما يكون عن جهل مثلاً، والجحد يأتي من أن النِّسب إما نفي، وإما إثبات، فإنْ قال اللسان نسبة إيجاب، وفي القلب سَلْب أو قال سلب وفي القلب إيجاب، فهذا ما نُسمِّيه الجحود.

لذلك يُفرِّق القرآن بين صيغة اللفظ ووجدانيات اللفظ في النفس، واقرأ مثلاً قول الله تعالى: (إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ..) (المنافقون: 1) وهذا منهم كلام طيب وجميل: (وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ..) (المنافقون: 1) أي: أنه كلام وافق علم الله، لكن(وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) (المنافقون: 1) فكيف يحكم الحق عليهم بالكذب، وقد قالوا ما وافق علم الله؟

نقول: كلام الله يحتاج إلى تدبُّر لمعناه، فالحق يحكم عليهم بأنهم كاذبون، لا في قولهم: إنك لرسول الله، فهذه حق، بل في شهادتهم؛ لأنها شهادة باللسان لا يوافقها اعتقاد القلب، فالمشهود به حق، لكن الشهادة كذب.

لكن، لماذا خَصَّ الكافرين في مسألة الجحود؟

قالوا: لأن غيرالكافر عنده يقظة وجدان، فلا يجرؤ على هذه الكلمة؛ لأنه يعلم أن الله تعالى لا يأخذ الناس بذنوبهم الآن، إنما يُؤجِّلها لهم ليوم الحساب، فهذه المسألة تحجزهم عن الجحود.



سورة العنكبوت الآيات من 46-50 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 51501
العمر : 72

سورة العنكبوت الآيات من 46-50 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة العنكبوت الآيات من 46-50   سورة العنكبوت الآيات من 46-50 Emptyالسبت 12 سبتمبر 2020, 6:19 am

وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨)
تفسير الأية: خواطر مُحَمَّد  متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قوله: (تَتْلُواْ..) (العنكبوت: 48) أي: تقرأ، واختار تتلو لأنك لا تقرأ إلا ما سمعت، فكأن قراءتك لما سمعت تجعل قولك تالياً لما سمعتَ، نقول: يتلوه يعني: يأتي بعده (وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ..) (العنكبوت: 48) يعني: الكتابة.

وفَرْق بين أنْ تقرأ، وبين أنْ تكتب، فقد تقرأ لأنك تحفظ، وتحفظ نتيجة السماع، كإخواننا الذين ابتلاهم الله بكفِّ نظرهم ويقرأون، إنما يقرأون ما سمعوه؛ لأن السمع كما قلنا أول حاسة تؤدي مهمتها في الإنسان، فمن الممكن أن تحفظ ما سمعت، أما أن تكتبه فهذا شيء آخر.

والكلام هنا لون من ألوان الجدل والإقناع لكفار قريش الذين يُكذِّبون رسول الله، ولوْن من ألوان التسلية لرسول الله، كأنه يقول سبحانه لرسوله: اطمئن.

فتكذيب هؤلاء لك افتراء عليك؛ لأنك ما تلوْتَ قبله كتاباً ولا كتبته بيمينك، وهم يعرفون سيرتك فيهم.

كما قال سبحانه في موضع آخر: (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) (يونس: 16).

أربعون سنة قضاها رسول الله بين قومه قبل البعثة، ما جرَّبوا عليه قراءة ولا كتابة ولا خطبة، ولا نمَّق قصيدة، فكيف تُكذِّبونه الآن؟

فإنْ قالوا: كانت عبقرية عند مُحَمَّد  أجَّلها حتى سِنِّ الأربعين.

نقول: العبقرية عادة مَا تأتي في أواخر العقد الثاني من العمر في السابعة عشرة، أو الثامنة عشرة، ومَنْ ضمن لمُحَمَّد  البقاء حتى سِنِّ الأربعين، وهو يرى مصارع أهله، جده وأبيه وأمه؟

لو كان عندك شيء من القراءة أو الكتابة لكان لهم عذر، ولكان في الأمر شبهة تدعو إلى الارتياب في أمرك، كما قالوا: (وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الفرقان: 5).

وقالوا: (إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ..) (النحل: 103) فردَّ القرآن عليهم: (لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ) (النحل: 103).

وقالوا: ساحر.

وقالوا: شاعر.

وقالوا: مجنون.

وكلها افتراءات وأباطيل واهية يسهل الردُّ عليها: فإنْ كان ساحراً، فلماذا لم يسحركم أنتم أيضاً وتنتهي المسألة؟

وإنْ كان شاعراً فهل جرَّبتم عليه أنْ قال شعراً قبل بعثته؟

وإنْ قُلْتم مجنون، فالجنون فَقْد العقل، بحيث لا يستطيع الإنسان أنْ يختار بين البدائل، فهل جرَّبتم على مُحَمَّد  شيئاً من ذلك؟

وكيف يكون المجنون على خُلُق عظيم بشهادتكم أنتم أنه الصادق الأمين، فعنده انضباط في الملَكات وفي التصرفات، فكيف تتهمونه بالجنون؟

وكلمة (مِن قَبْلِهِ..) (العنكبوت: 48) لها عجائب في كتاب الله منها هذه الآية: (وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ..) (العنكبوت: 48) فيقول بعض العارفين (من قبله): أي من قبل نزول القرآن عليك، وهذا القول (مِن قَبْلِهِ..) (العنكبوت: 48) يدل على أنه من الجائز أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد علم كيف يقرأ وكيف يكتب بعد نزول القرآن عليه، حتى لا يكون في أمته من هو أحسن حالاً منه في أي شيء، أو في خصلة من خصال الخير.

ثم تأمَّل قوله تعالى: (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ..) (البقرة: 91) بالله لو جاءت هذه الآية بدون كلمة (مِنْ قَبْل) ألاَ يدخل في روع رسول الله أنهم ربما يجترئون عليه فيقتَلوه، فيتهيب منهم، أو يدخل في نفوسهم هم، فيجترئون عليه كما قتلوا الأنبياء من قبل؛ لذلك جاءتْ الآية لتقرر أن هذا كان في الماضي، أما الآن فلن يحدث شيء من هذا أبداً، ولن يُمكِّنكم الله من نبيه.

وكلمة (وَمَا كُنتَ..) (العنكبوت: 48) تكررت كثيراً في كتاب الله، ويُسمُّونها (ماكُنَّات القرآن) وفيها دليل على أن القرآن خرق كل الحجب في الزمن الماضي، والحاضر، والمستقبل.

كما في قوله تعالى: (وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ..) (القصص: 44).

وقوله تعالى: (وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا..) (القصص: 45).

وقوله تعالى: (وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ..) (آل عمران: 44).

وهنا: (وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ..) (العنكبوت: 48).

لذلك وصفه ربه -عز وجل- بأنه: (ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ..) (الأعراف: 157) وإياك أن تظن أن الأمية عَيْب في رسول الله، فإنْ كانت عيباً في غيره، فهي فيه شرف؛ لأن معنى أمي يعني على فطرته كما ولدتْه أمه، لم يتعلم شيئاً من أحد، وكذلك رسول الله لم يتعلَّم من الخَلْق، إنما تعلم من الخالق فعلَتْ مرتبةُ علمه عن الخَلْق.

ومن ذلك المكانة التي أخذها الإمام علي -رضي الله عنه- في العلم والإفتاء حتى قال عنه عمر -رضي الله عنه- مع ما عُرف عن عمر من سداد الرأي حتى إن القرآن لينزلُ موافقاً لرأيه، ومُؤيّداً لقوله - يقول عمر: بئس المقام بأرض ليس فيها أبو الحسن.

لماذا؟

لأنه كان صاحب حجة ومنطق وصاحب بلاغة، ألم يراجع الفاروقَ في مسألة المرأة التي ولدتْ لستة أشهر من زواجها، وعمر يريد أنْ يقيم عليها الحد؛ لأن الشائع أن مدة الحمل تسعة أشهر فتسرَّع البعض وقالوا: إنها سُبق إليها، لكن يكون للإمام على رأي آخر، فيقول لعمر: لكن الله يقول غير هذا، فيقول عمر: وما ذاك؟

قال: ألم يقُل الحق سبحانه وتعالى: (وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ..) (البقرة: 233) قال: بلى.

قال: ألم يقل: (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً..) (الأحقاف: 15) وبطرح العامين من ثلاثين شهراً يكون الباقي ستة أشهر، فإذا ولدتْ المرأة لستة أشهر، فهذا أمر طبيعي لا ارتيابَ فيه.

وفي يوم دخل حذيفة على عمر -رضي الله عنهما- فسأله عمر: كيف أصبحتَ يا حذيفة؟

فقال حذيفة: يا أمير المؤمنين، أصبحت أحب الفتنة، وأكره الحق، وأُصلِّي بغير وضوء، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء.

فغضب عمر، وهَمَّ أن يضربه بدرة في يده، وعندها دخل عليٌّ فوجد عمر مُغْضباً فقال: مالي أراك مغضباً يا أمير المؤمنين؟

فقصَّ عليه ما كان من أمر حذيفة، فقال علي: نعم يا أمير المؤمنين يحب الفتنة؛ لأن الله تعالى قال: (إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ..) (التغابن: 15).

ويكره الحق أي: الموت فهو حقّ لكنا نكرهه، ويُصلِّي على النبي بغير وضوء، وله في الأرض ولد وزوجة، وليس ذلك لله في السماء.

فقال عمر قولته المشهورة: بئس المقام بأرض ليس فيها أبو الحسن.

فلماذا تميَّز عليٌّ بهذه الميزة من العِلْم والفقه والحجة؟

لأنه تربَّى في حِجرْ النبوة فاستقى من نَبْعها، وترعرع في أحضان العلوم الإسلامية منذ نعومة أظافره، ولم يعرف شيئاً من معلومات الجاهلية، فلما تتفاعل عنده العلوم الإسلامية لا تَلِد إلا حقاً.

ثم يقول سبحانه (إِذاً..) (العنكبوت: 48) يعني: لو حصل منك قراءة أو كتابة (لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ) (العنكبوت: 48) أي: لَكَان لهم عُذْر ووجهة نظر في الارتياب، والارتياب لا يعني مجرد الشك، إنما شك باتهام أي: يتهمون رسول الله بأنه كان على عِلْم بالقراءة والكتابة؛ لذلك وصفهم بأنهم مبطلون في اتهامهم له -صلى الله عليه وسلم-.



سورة العنكبوت الآيات من 46-50 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 51501
العمر : 72

سورة العنكبوت الآيات من 46-50 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة العنكبوت الآيات من 46-50   سورة العنكبوت الآيات من 46-50 Emptyالسبت 12 سبتمبر 2020, 6:20 am

بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (٤٩)
تفسير الأية: خواطر مُحَمَّد  متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

(بَلْ..) (العنكبوت: 49) حرف يفيد الإضراب عما قبله، وتأكيد ما بعده (هُوَ) أي: القرآن (آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ..) (العنكبوت: 49) وقال (فِي صُدُورِ..) (العنكبوت: 49) ولم يقل مثلاً: في ذاكرتهم؛ لأن الأذن تستقبل الكلام وتعرضه على العقل، فإنْ قبله يستقر في القلب وفي الصدر، وفيه يتحول إلى عقيدة وإلى يقين لا يقبل الشكَّ ولا يتزحزح.

لذلك يقول تعالى عن القرآن: (نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ..) (الشعراء: 193-194) فقال: (عَلَىٰ قَلْبِكَ..) (الشعراء: 194) أي: مباشرة استقر في قلبه، ولم يقُلْ على أذنك.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ...).



سورة العنكبوت الآيات من 46-50 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 51501
العمر : 72

سورة العنكبوت الآيات من 46-50 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة العنكبوت الآيات من 46-50   سورة العنكبوت الآيات من 46-50 Emptyالسبت 12 سبتمبر 2020, 6:22 am

وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠)
تفسير الأية: خواطر مُحَمَّد  متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

أي: بعد أنْ جاءهم القرآن وبعد أنْ أعجزهم يطلبون آيات أخرى، وسبق أنْ قلنا: إن الحق سبحانه كان إذا اقترح القومُ آيةً من رسولهم فأجابهم إلى ما طلبوا، فإنْ كذبوا بعدها أخذهم أَخْد عزيز مقتدر.

واقرأ مثلاً قوله سبحانه: (وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا..) (الإسراء: 59) فلما كذَّبوا بالآية التي طلبوها أهلكهم الله؛ لأن المسألة إذن ليست مسألة آيات وإقناع، إنما هي الإصرار على الكفر، إذن: فطلب الإنزال لآية خاصة باقتراحهم ليس مانعاً لهم أنْ يكفروا أيضاً برسول الله.

لذلك يقول سبحانه: (وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ..) (الإسراء: 59) أي: التي اقترحوها(إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ..) (الإسراء: 59) وحين تنزل الآية ويُكذِّبون بها تنزل بهم عقوبة السماء، لكن الحق -سبحانه وتعالى- قطع العهد لرسوله مُحَمَّد  -صلى الله عليه وسلم- ألاَّ يُعذِّب أمته وهو فيهم، كما قال سبحانه: (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الأنفال: 33).

فهذا هو السبب المانع من أنْ تأتي الآية المقترحة، ثم إن الآيات المقترحة آيات كونية تأتي وتذهب، كما تشعل عود الثقاب مرة واحدة، ثم ينطفئ، رآه مَنْ رآه، وأصبح خبراً لمن لم يَرَه.

وكلمة (لَوْلاَ..) (العنكبوت: 50) تستخدم في لغة العرب استخدامين: إنْ دخلتْ على الجملة الاسمية مثل: لولا زيد عندك لَزرتُك، وهي هنا حرف امتناع لوجود، فقد امتنعتْ الزيارة لوجود زيد.

وإنْ دخلتْ على الجملة الفعلية مثل: لولا تذاكر دروسك، فهي للحضِّ وللحثِّ على الفعل.

فقولهم (لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ..) (العنكبوت: 50) كأن الآية التي جاءتهم من عند الله لا يعترفون بها، ثم يناقضون أنفسهم حينما يقولون: (لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف: 31).

إذن: أنتم معترفون بالقرآن، مقتنعون به، لكن ما يقف في حلوقكم أن ينزل على مُحَمَّد  من بين الناس جميعاً.

ثم نراهم يناقضون أنفسهم في هذه أيضاً، ويعترفون من حيث لا يشعرون بأن مُحَمَّد اً رسول الله حينما قالوا: (لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ..) (المنافقون: 7) فما دُمْتم تعرفون أنه رسول الله، فلماذا تُعادونه؟

إذن: فالبديهة الفطرية تكذِّبهم، ينطق الحق على ألسنتهم على حين غفلة منهم.

ويرد الحق -تبارك وتعالى- عليهم: (قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ..) (العنكبوت: 50) فهي عند الله، ليست عندي، وليست بالطلب حسب أهوائكم (وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) (العنكبوت: 50) أي: هذه مهمتي، واختار الإنذار مع أنه -صلى الله عليه وسلم- بشير ونذير، لكن خَصَّهم هنا بالإنذار، لأنهم أهل لِجَاج، وأهل باطل وجحود، فيناسبهم كلمة الإنذار دون البشارة.

ثم يقول الحق سبحانه: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ...).



سورة العنكبوت الآيات من 46-50 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة العنكبوت الآيات من 46-50
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة العنكبوت الآيات من 41-45
» سورة العنكبوت الآيات من 01-05
» سورة العنكبوت الآيات من 51-55
» سورة العنكبوت الآيات من 06-10
» سورة العنكبوت الآيات من 56-60

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: العنكبوت-
انتقل الى: