(85) الصَّحَافَةَ فِي الْهِنْدِ:
إذا بحثنا بَحْثَ المُدَقِّقِ في أحوال وأطوار الأمم في هذا العصر نجدُ أنَّ الأمَّة التي تكثر فيها الأحزاب السياسية أو ما شاكلها في الاختلافات في العوائد المذهبية، تكونُ الصحافة فيها رائجة، ومثالنا على هذا رواج الصحافة في الأمم التي فيها الحكم الذاتي أو المجالس النيابية أمَّا إذا كانت الأمَّة مُخالفة لهذه الحالة، فإنَّ الصَّحافة فيها تكون بطيئة الترقي، وإنْ كانت على جانب من الحُرية أو يكون ترقيها من حيث كثرة العدد لا من حيث التأثير.

وقد توجد هذه الأسباب الباعثة على ترقِّي الصحافة في أمَّةٍ لم تبلغ مبلغًا عظيمًا في الرُّقي العلمي، فيكون التأثير بنسبة هذا الرُّقي العلمي الأدبي وهو الحاصلُ في الهند، فإنه يوجد الخلاف بين أهل المذاهب هناك مع وجود التأخُّر الأدبي؛ فلذلك كانت الصحافة لها تأثير بحسب النسبة المتقدمة؛ إذ توجد جرائد يومية وأسبوعية بعضها باللغة البنقالية واللغة الهندية والبعض الآخر باللغة الإنكليزية، ولكن نسبة عدد هذه الجرائد إلى عدد الأهالي قليلة جدًّا، ومع هذه القلة فإن من هذه الجرائد ما يصدره البنقاليون وكلها ترمي إلى غرض واحد هو تنفير الأهالي من الإنكليز وإغراء المُسْلِمين إلى الانضمام إليهم، ومنها ما يصدره الإنكليز وكلها ترمي إلى غرض واحد وهو تحذير المُسْلِمين ونصحهم بأن لا تغتروا بأقوال تلك الصحف، أما الجرائد التي للمسلمين وهي قليلة فخطتها معتدلة ومطالبها التي تطلبها من الحكومة هي نفس المطالب التي تكون من أمَّةٍ شعرت بحاجتها إلى الترقي الأدبي مع الاعتدال في اللهجة والتزام خطة الأدب، وقد يطول بنا المقام في وصف خطة كُلِّ جريدة على حِدَّتِهَا؛ ولذلك نكتفي بذكرها مجردة عن كُلِّ ملاحظة؛ إذ في ما أجملناه بلاغ للعاقل السياسي.

فَمِنْ أشهر الجرائد الوطنية هناك جريدة “أديتر بنقالي”، وجريدة “عمبريتابازار تبركا”، وجريدة “أندين مرر”، وجريدة “بندامترام”، وهذه الجرائد يومية وتُحرَّر باللغة الإنكليزية.

ومن أشهر الجرائد الإنكليزية؛ أي التي يدير سياستها الإنكليز جريدة “إنكليشان”، وجريدة “استبتمان”، وجريدة “ديلي نيوز”، وجريدة “إثيالي”، وغير هذه الجرائد، وكلها أيضًا يومية وأعدلهم خطة وميلًا إلى المُسْلِمينَ جريدة إنكليشان.

ويُؤْخَذُ من ميل الجرائد الإنكليزية إلى المُسْلِمينَ أنَّ الحُكُومَةَ تنظرُ إليهم نظر الاحترام بخلاف غيرهم؛ لأنَّ هذه الجرائد الإنكليزية هي بالطبع لسانُ حَالِ الحُكُومَةِ.

وإنَّ نَظَرَ الحُكُومَةِ إلى المُسْلِمينَ هذا النَّظَرِ لا يُؤخَذ منهُ أنها تفعلُ هذا عن إخلاص؛ لأنَّ السياسة خصوصًا عند الإنكليز تقضي بأن يحترم المَرْءُ غيره وهو في الحقيقة لا يريد له الخير، ولو كانت الحكومة أو بعبارة أخرى دولة إنكلترا تريد بهم الخير لمنحتهم الحكم الذاتي.
•••
أمَّا المجلات العلمية فلا تكادُ تُذكر هناك لقلتها؛ ولذلك لا أقول عنها شيئًا.