(84) شُعُورُ مُسْلِمِي الْهِنْدِ نَحْوَ الخِلَافَةِ العُظْمَى:
لا يُوجَدُ مُسْلِمٌ في الأرض وفي قلبه مثقال ذرَّةٍ من الإيمان إلَّا وعنده شُعُورٌ حَيٌ وانعطافٌ نحو عرش الخلافة الإسلامية؛ لأنَّ حُبَّ المُسْلِمين لخليفتهم أمْرٌ طبيعيٌ غَرَسَهُ الدِّين في قلوبهم، ولكنهم يتفاضلون في هذا الشعور وهذا الانعطاف قِلَّة وكثرة، وإن هذا التفاضل يظهر بأجلى مظاهره بين المُسْلِمينَ الذين تحكُمُهُمْ الدَّوَلُ الأجنبية عنهم دِينًا ودُنْيا؛ لأنهم في هذه الحالة يكونون أشبه شيءٍ بالغريب عن وطنه الذي بينه وبينه عقباتٍ وموانع لا طاقة له على اجتيازها حتى يصل إليه وتقر عينه بمنظره وتنتعش روحه بنسيمه وطيب هوائه، فهو أبدًا يَحِنُّ إليه وإن كان في خصب من الأرض وسِعَةٍ من العيش، ويزدادُ عنده هذا الحنينُ كلما صادف أنواع المتاعب في غُربته، وهذا خير مثال للمُسْلِمِ الذي يعيشُ تحت سُلْطَةٍ غير سُلْطَةِ الخليفة.

هذا، وإنَّ لِمُسْلِمِي الهند شعورًا نحو عرش الإمامة الكُبرى هو أكبرُ دليل على أنهم أشَدُّ مُسْلِمِي الأرض تَعَلُّقًا بهذا المَقام، وقد ظهر أثرُ هذا التعلُق في ظروف أحْوَالٍ ليس العهدُ منها ببعيد.

فمنها اكتتابهم بالمبالغ الوافرة لِسِكَّةِ حديد الحجاز، واحتفالاتهم الباهرة لهذا الغرض وإلقاء الخُطَبِ الحماسية حَثًّا على الاكتتاب، حتى إنَّهم في مدينة كلكته جعلوا لكُلِّ حارةٍ صندوقًا تُوضَع فيه الإعانات كَمَا أنَّهم جعلوا لها جُبِاةً خُصُوصِيِيِّنَ، كما أنَّ الأغنياء جَادَ كُلُّ واحِدٍ منهم بما لم يَجُدْ بِهِ أَحَدٌ من أغنياء المُسْلِمينَ من الأقطار الأخرى، وقد ذَكَرْتُ في جريدتي “الإرشاد” أخبارُ الاحتفالات ونَصَّ الخُطَبِ التي كانت تُلقَى فيها والمبالغ التي جَادَ بها المُوسِرُونَ وأرباب الغِيرةِ منهم.

ومنها إظهارهم الاستياء المُتناهِي إبَّانَ مسألة العقبة حتى إنَّهم بعثوا بتلغراف إلى البرلمان الإنكليزي يُظهِرون به مقدار ما خالج أفئدتهم في تحامُل إنكلترا على الدولة العليَّة، الأمْرَ الذي لم يفعله غيرهم من باقي المُسْلِمين.

وبِمَا أنَّ الكُبَرَاءَ في كُلِّ أمَّةٍ هُمْ مِثَالٌ لكُلِّ الأفراد المُكَوَّنِ منها مجموعها، فإنِّي أذكرُ هنا بعض الأفاضل الذين هم دُعَاةُ هذا الانعطاف السَّامِي غير مُفضِّلٍ واحدًا على الآخر؛ لأنهم فيه كالحلقة المُفرَّغة التي لا يُعْلَمُ طرفاها، وهم حضرات الأفاضل: المولوي شرف الدِّين القاضي في محكمة العاصمة العليا المُعبَّر عنها “بهيكوت”، وجناب القانوني البارع شرف الدِّين عمر، وهو من الشبان المُتخرِّجينَ من مدارس لوندرة، وقد بلغ في الذكاء والفطنة مبلغًا يُغبَط عليه، وحضرة الأصولي المتفنِّن أبو الحسن خال القاضي في محكمة العاصمة الابتدائية، وحضرة المولوي عبد الجبار الذي خدم البوليس أجلَّ خدمة، وحضرة المفضال بدر الدِّين حيدر، والسيد زهر الدِّين، والمولوي شمس الهندي، وحضرة المفضال الحاج نور محمد زكريا زعيم المُسْلِمين بالعاصمة، وخُلُق هذا الرجل قُلْ فيها ما شئت وشاء لك المدح والثناء، وحضرة المفضال جناب شمس العلماء العلامة المحقِّق المولوي أحمد المدرس الأول بالمدرسة العالية، وجناب الفاضل المولوي ولاية حسين المدرس الثاني بهذه المدرسة، وحضرة الشهم الأديب الشيخ علي حسن جوهر من أكابر تُجَّار العاصمة وهو وحيد العصر في كلكته أدبًا وظرفًا وذكاءً، وله باعٌ في الشِّعْرِ البليغ يَدُلُّ على سَبْقِهِ في هذه الصناعة، وحضرة العَلَّامَةِ المِفْضَال اللغوي الشهير الذي حاز علوم المعقول والمنقول المولوي عبد المجيد المرادبادي المدرس الأول بالمدرسة الصَّالحية، وحضرة الأستاذ العلامة الدكتور نور محمد الشندي مدرس الطب والرياضة في المدرسة الإسلامية بالعاصمة، وسعادتلو المفضال محمد بك العمري البيروقي ابن محمد أفندي رشيد وهو من أشهر التجار في الهند، كما أنه من أشهر علماء التاريخ والجغرافيا ولا بأس بعلمه في الفقه، ذو كرم باهر، وحياء كامل، لا يميل إلى اللغو، حرُّ الضمير، وهؤلاء الأفاضل المتقدمين تلقَّوا العلوم والآداب على أكابر علماء الهند وفضلائهم، عدا حضرتي الفاضلين الشيخ حسن جوهر، وسعادة محمد بك العمري؛ فإن الأول تلقَّى العلوم في مكة المشرفة، والثاني من متخرجي مدارس الدولة العلية التي يحبها ويتفانى في الإخلاص إليها.

وكلهم قد اتفقت قلوبهم وانعقدت خناصرهم على محبة حضرة العلامة الشيخ أحمد موسى المنوفي وإجلاله واحترامه، نَفَعَ اللهُ بهم الأمَّةَ الإسلامية والشبيبة الهندية.