(83) حَالَةُ التَّعْلِيمِ فِي الْهِنْدِ
إنَّنَا إذا عملنا نسبة بين تِعداد أهل الهند وبين حالة التعليم في هذه البلاد، نجد درجة التعليم فيها مُنْحَطّة والمدارس الموجودة في كلكته، وغيرها من المُدُنِ الأخرى غير وافية بالحاجة المطلوبة وإنَّ ما تنقله الجرائد من أخبار إنشاء المدارس لا يُؤخَذ منه أنَّ الهند خطت في سبيل التعليم الخطوات الكافلة لأنْ يتخرَّج من أهل البلاد رجالٌ ينهضون بها إلى حيث الدَّرجة التي تُصْبِحُ بها البلاد الهندية في مَصَافِّ الأمَمِ الرَّاقيَةِ.
•••
إنَّ في الهند مدارس تابعة للحُكُومة وأخرى تابعة للأهالي ولكن نسق التعليم فيها ناقص بالنسبة لِمَا تقتضيه حاجة الأهالي من التعليم الرَّاقي؛ إذ ليس هناك مدارس للمعلمين، كما يوجد بمصر وكُلُّ الذين يُعَدُّونَ من الطبقة المُتَنوِّرَةِ من أهل البلاد إنَّمَا هم مُتخرِّجُونَ من مدارس إنكلترا.

نعَمْ وُجِدَتْ كُلِّيَةُ عليكرة، وهي وإنْ كانت مدرسة عالية ولكنَّها حديثة عَهْدِ الوجُود؛ ولذلك لم تظهر لها نتيجة، على أنَّ الأهالي في حاجة شديدة إلى أمثال هذه الكلية، وقد يُعَلِّلُ بعضهم عدم كثرة المدارس العالية بعلل قد يكون لها نصيبٌ من الصِّحَّة عند مَنْ لهم إلمامٌ بحلِّ الطلاسم السياسية، وذلك أن الحكومة الإنكليزية ترى من صالحها أنْ لا يترقَّى الأهالي؛ لأنَّ في ترقيهم نُهوضُهُمْ، وفي نهوضهم نُزُوعٌ إلى طلب الاستقلال وهو ما لا ترضاه دولة إنكلترا، ولو كانت هذه الدولة تريدُ أنْ ترقى الأمَّة الهندية لساعدت على إنشاء الكُلِّيَاتِ والمدارس العالية وهي قادرة على ذلك.

وقد كان للحُكُومَةِ مدرستان في كلكته لتخريج القضاة والمحامين، ولكنها فصلتهما عنها لِمَا وقع بين الحكومة والبنغاليين في الخلاف، إحداهما مدرسة “تسمن ريش كالج” وناظرها يُدْعَى “سنربذروبنرجي بابو”، وهو زعيم ثورة البنغالية وصاحب ومدير سياسة جريدة “بنغالي أخبار” اليومية التي تصدر باللغة الإنكليزية، والمدرسة الأخرى تُسمَّى “سنتي كالج”، وناظرها يُدعَى “هرنبوميتر” وهو أيضًا من زعماء الثورة البنغالية، وقد يُمكنُنَا أنْ نلتمس العُذْرَ للأهالي في عدم مقدرتهم على ترقية حالة التعليم؛ لأنَّهُ لا يوجد فيهم مَنْ يُوَفِّرَ الطرق المُوصِلَةَ إلى ذلك بغير واسطة الحُكُومَة، وكأن إنكلترا وفرنسا تعاهدتا على إمَاتَةِ الأمَّتين التونسية والهندية ميتة أدبية للغرض المُتَقَدِّمِ.

هذا وإنَّ هذه النهضة الحديثة التي نهضها الأهالي من الهند من جهة التعليم تبشِّر بمستقبل حسن زاهر رغم العوارض السياسية، وذلك راجع إلى شعور الذين نبغوا وتعلَّموا في مدارس إنكلترا وعرفوا مقدار حاجة البلاد إلى التعليم الذي من ورائه استقلالها وسعادتها، وهم وإن كانوا يُلاقون ما يُلاقون مِمَّنْ يتملقون إلى رجال الحكومة من الإنكليز ويعملون بما يوافق أغراضهم فقد تمسَّكوا بعُرَى الصَّبْرِ والجِدِّ، ومَنْ كان كذلك لا يُحْرَمُ مِنْ ثُمَّر اجتهاده ولكُلِّ مُجْتَهِدٍ نصيب.