(73) الخُطَبَاءُ فِي اليَابَانِ:
إنَّ للخطابة في كُلِّ أمَّةٍ تأثيرًا عظيمًا في كُلِّ الأوضاع سياسية كانت أو دينية فالخطيبُ هو كالقائد لزمام قلوب الأمَّةِ وأجسامها إلى حيث الغرض الذي يرمي إليه في خطابه، وعلى قدر بلاغة الخطيب يكون التأثير.

وإنِّي لم أشاهد خُطبًا سياسية في مُدَّةِ إقامتي في اليابان، ولكن شاهدتُ خُطَبَ البُوذيين الذين يلقونها للوعظ والإرشاد، فكنتُ أتأثرُ التأثيرَ العظيمَ، وإنْ كُنْتُ لم أعرف اللغة اليابانية ولكن التأثير حصل من حركات الخطيب من جهة صوته علوًّا وارتفاعًا، وانفعالاته النفسية في الإلقاء؛ حيث وُجِدْتُ في مجتمع لهؤلاء فرأيتُ الخطيبَ مُمسِكًا بيده قطعة من الأبنوس الأسود طولها ثلاثون سنتيمترًا تقريبًا، يشير بها الخطيب عند عُلُوِّ الصَّوتِ وانخفاضه، ورأيتُ القومَ وهم سُكُوتٌ كأنَّ على رءوسهم الطير مُنْصِتِينَ إلى قول الخطيب والتأثّر ظاهرٌ عليهم ظهورًا جليًّا.

وقد عَرَفْتُ أنَّ البُوذيين لهم مدارس خاصة بهم، يتلّقَّى فيها الطلبة أصُولَ المذهب البُوذي ويتمرَّنُونَ على الخَطَابَةِ، حتى إذا حصلوا على الشهادة وُزِّعَ بعضهم على القرى والبلدان للوعظ والإرشاد، أمَّا هذه المدارس فهي أشبه شيء بمدارس الإكليروس في الدِّيَانَةِ المسيحية والذين يتخرَّجُونَ منها لا وظيفة لهم في الغالب إلَّا الوعظ والإرشاد.

ولا شك في أن خُطبهُمْ في المَوَاضِعِ السِّياسيَّة تكونُ أعظم منها في المواضع الدِّينيَّة؛ لأنهم مع اختلافهم في المذاهب متفقون في حُبِّ الوطن والخطابة فيه تؤثر في الجميع تأثيرًا أعظم، وتبعثُ في نفوسهم الحماس والحميَّة والهمَّة والغيرة على الوطن.