(72) الصَّحَافَةُ فِي اليَابَانِ:
إذا كانت الصحافة في كُلِّ أمَّة هي عنوانُ تقدُّمها، ودليلُ ارتقائها، فإنَّ لها في اليابان التأثير الأقوى في تقدُّم هذه الأمَّة، وقد عَرَفتُ مِمَّنْ عرفتهم من الصحافيين هناك أن اليابانيين زاد اعتناؤهم بأمر الصحافة من عهد الحرب الصينية الأخيرة التي انتصر فيها الجيش الياباني انتصارًا باهرًا، وسطَّرت الصحف في العالم عبارات الثناء عليه وعَدَّتْهُ مِنْ أرقى جيوش الدُّوَلِ دُرْبَةً، وأقواهم بطشًا، وأضافت إلى ذلك مَدْحِ الأمَّةِ بأسرها فزادت رغبة القوم في قراءة الصُّحُفِ وأقبل الكُتَّابُ والأدَبَاءُ على الاحتراف بحِرْفَةِ الصَّحافة.

والصُّحُفُ في اليابان كما هي في سائر الأمم الرَّاقية من حيث النوع والمَشْرَبِ؛ فمنها اليومية، والأسبوعية، والمُصَوَّرَةُ، والهزلية، ولكن المشارب وإن كانت مختلفة فإنَّ هذا الاختلاف كله رَاجِعٌ إلى مصلحة الوطن بحيث لا يُسمَع بجريدة مشربها المطاعن الشخصية، ولا يوجد صُحَفِيٌ دَخَلَ السُّجُونَ بسبب الطعن الشَّخصي إلَّا القليلَ والقليلُ لا حُكْمَ لَهُ.

أمَّا المجلات فهي عديدة هناك منها الشهرية والنصف شهرية والأسبوعية، والذي نظرته أنَّ أغلبَ الجرائد السياسية الكبرى تصدرُ في طوكيو عاصمة المملكة، وأشهرُ الجرائد اليومية في اليابان هي جريدة دجي دجي شمبو، وجيجي شيمون، كوكومن، ياماتسو ستمبون، يوروزو، ساهي شمبون، جه جوبان، شمبون كاري، المورنتن بوستن، طوكيو نتشي، أخبار طوكيو، تيمس اليابان، والجرائد الهزلية كثيرة إلى درجة فوق العادة والإقبالُ على مُطالعتها عظيمٌ من سائر الطبقات، وقد عرفتُ أيضًا أنَّ أخبار المؤتمر الدِّيني كانت بعيدة عن علم أصحاب الجرائد أيام انعقاد جلساته، فعجبتُ من ذلك ولكن التمستُ العُذر للحكومة؛ لأنَّ مِنَ اليابانيين مَنِ اعتنق الدِّينَ الإسلاميَّ ومنهم مَنِ اعتنق المسيحية، ومنهم البوذيون والوثنيون، فإذا نُشِرَتْ المُحاورات والمُناقشات التي دارت بين أعضاء المؤتمر المُنتدبين من الدول لا يُؤمَنُ مِنْ تولُّد الأحقاد في نفوس أهل المذاهب الدِّينية، وهذا غاية ما يصل إليه الفكر في معرفة السَّبب، وكل ما كان يصل إلى علم الناس من أخبار المؤتمر إنما هو مما يصل إلى علمهم عادةً من أخبار الدوائر الخصوصية وهي لا تخلو من بعض الحقيقة إنْ خلت من جملتها.

ومن الغريب أن الجرائد لم تلاحظ على الحكومة أدنى ملاحظة في هذا الخصوص مع الحرية التامَّة المُعطاة لها في القول والانتقاد، وهذا قاصرٌ على سُكَّانِ العاصمة وأمَّا سُكَّانِ باقي الجزائر اليابانية، فلم يكن عندهم أدنى علم بما حصل في المؤتمر لبُعْدِ المسافة بينها وبين العاصمة ولعدم نشر الأخبار في الصُحُفِ، وقد تقابلتُ مع بعض أصحاب ومُحرِّري الصُّحف الكُبرى وزُرْتُهُمْ ودارت بيننا مباحثات سياسية وأدبية فبهرني ما وصل إليه الرَّجُلُ اليابانيُّ في الذكاء، والفطنة، والأخلاق الفاضلة، وسِعَةُ المَدَارِكُ، وكان أحَدُهُمْ يُحْسِنُ الحديث إذا حَدَّثَ والاستماعَ إذا حُدِّثَ، وأفضلُ مَنْ عرفتهُ منهم: الموسيو بريازن سان صاحب جريدة شمبون كاري، والموسيو هاريكوجاوا مدير جريدة دجي دجي شمبو، وهما من الكُتَّاب البارعين العارفين بضروب السياسة أتمَّ المعرفة.

وقد سُئِلتُ عن أشياءَ كثيرةٍ منها علاقة الأمَّةِ المِصْرِيَّةِ بسموِّ الجناب الخديوي المُعظَّم في مثل هذه الظروف، وأمُورٌ أخرى تتعلّق بسياسة البلاد فكُنْتُ أجِيبُ بِمَا أعلمُهُ ولا حاجة إلى ذِكْرِهْ هُنَا.