(69) عوائد اليابانيين في جنائزهم:
إنَّ اليابانيين على اختلاف مذاهبهم ما بين بُوذي، ووثني، ومسيحي يدفنون موتاهم في مقبرة واحدة ولكنهم يضعون علامات مخصوصة على كُلِّ قبر بها يُعَرَفُ المَدْفُونُ فيه إنْ كان من الوثنيين، أو البوذيين، أو المسيحيين كما سيأتي بيانُه، ولكُلِّ أهل مذهب صفة مخصوصة في جنائزهم.

أمَّا البُوذيون فلهم صفة غريبة في جنازاتهم فإذا مات أحدهم يضعون النَّعش على عربة يتقدمها رجال يحملون قطعًا من الشَّجر بأيديهم، وهذه القطع مربوط فيها قطع صغيرة من الغاب مزدوجة وعلى كُلِّ قطعة مكتوب عليها اسم مَنْ كان صديقًا وخلًّا للميت في حال حياته بحروف واضحة، بحيث يمكن كُلُّ أحَدٍ مِمَّنْ يمشون في الجنازة من أهل البلاد قراءتها، ومقدار عدد هذه القطع يكون عدد الذين كان الميت صديقًا لهم، ويقصدون بذلك إظهار محبَّتهم للميت كما كانوا يظهرونها له في حال حياته، وهذه عادة قديمة لديهم ليست مُحدَثة.

وتوجد جمعية للبوذيين يُقالُ لها حملة الشجن، ومن وظيفة رجال هذه الجمعية أنهم يمشون في الجنازة أمام النَّعش ومن بينهم رجل يحمل فوق رأسه قبعة عريضة مُزيَّنة وهذه القبعة يسمُّونها قبعة الميزان.

وهذا الرجل يحمل فوق كتفيه علبتين كبيرتين يزعمون أن إحداهما مجموعٌ فيها أعمال الميت الحسنة، والأخرى أعماله السَّيئة، ووجود هاتين العلبتين ضروري في الجنازة لا يمكن التخلف عنه بأية حال من الأحوال ولو كان الميت عندهم من المتفق عليه أنه من الصالحين الذين لم يفعلوا سيئة قط في حياتهم.

ثُمَّ يعقب رجال جمعية حملة الشجن بعض الكهنة، وهؤلاء لهم لِباسٌ مخصوص يُغَايِرُ لباس رجال الجمعية المذكورة، ومع هذه المُغايرة فإن لون لباسِ كُلِّ واحد منهم يُغاير لون لباس الآخر؛ حيث يختلف بين أسود وأخضر وأصفر وأحمر ورمادي ما عدا البياض، ولعل السبب في عدم لبسهم اللباس الأبيض هو أن هذا اللون لون الفرح لا الحزن.

وهؤلاء الكهنة يركبون العربات في سيرهم أمام الجنازة كل اثنين في عربة خاصة بهما.

وفي آخرهم عربة فيها رجل منهم شكْلُ لباسه مُغاير للباقين، ولونه عنابي ويظهر أن هذا الرجل هو الرئيس عليهم، وبعد هؤلاء المتقدمين النعش، أهل الميت فأصحابه ومعارفه.

والكلام عندهم في أثناء سير الجنازة ممنوع قطعيًّا كأنهم يَعَدُّونَ الصَّمْتَ من قبيل التفكر والاعتبار.

أمَّا الوثنيون فإنَّهم يقدمون النَّعش أولًا محمولًا على عربة، ثُمَّ يليها أهلُ الميت وأقاربه، ثُمَّ أصحابه وأصدقائه، وهم مخالفون لكُلِّ أهل دين ومذهب في لباس الحداد؛ إذ العادة أن السَّواد هو لون الحداد، ولكن هؤلاء يلبسون الثياب البيضاء خصوصًا إذا كان الميت عزيزًا، وهم لا يمنعون الكلام في الجنازة بخلاف البوذيين؛ لأن من مبادئهم المذهبية أن العاقل لا يظهر حزنه وجزعه، حيث إن الموت واقع على كُلِّ إنسان، وإذا كان أحدهم عنده شيء من المكدرات يعمل جهده في إزالته ويبدلها بالفرح والسرور حتى لا يظهر عليه أثر الحزن.
•••
أمَّا المسيحيون فإنهم كغيرهم من سائر المسيحيين في البلدان الأخرى؛ حيث يتقدم الجنازة رجال من القسيسين وبعض تلامذة يحملون المباخر ويرتِّلون بعض الأناشيد الدِّينية المعتادة في مثل هذه الحالة، ثُمَّ بساط الرحمة، ثُمَّ النعش موضوعًا على عربة سوداء يجرها أربعة من جياد الخيل، وبعد النعش أقارب الميت فالمشيعون، وبعد الصلاة عليه في الكنيسة يذهبون به إلى القبر لدفنه.
•••
أمَّا العلامات التي بها يُعْرَفُ قبر البوذي من الوثني من المسيحي فهي أن الوثنيين يجعلون هيئة ميِّتهم في القبر كهيئته وهو جنين في بطن أمِّهِ، بحيث يضعون يديه على وجهه وركبتيه ملتصقتين بصدره، ويضعونه في صندوق مُرَبَّع على مُقتضى هذه الهيئة ويدفنونه، في قبر مريع لا يزيد شيئًا من اتساع حجم الصندوق، وكأنهم يفعلون هذا لأجل أن يشبهون الميت بالجنين، والقبر بالبطن، وعلى هذا ينتظرون ولادته مرة أخرى يحيى بعدها حياة أبدية.

أمَّا البُوذيُونَ فهم كالمسيحيين يضعون الميت في صندوق على قدر طوله، ويضعونه في صندوق مربع على مقتضى هذه الهيئة ويدفنونه في قبر على قدر الصندوق في الاتساع، إلَّا أن المسيحيين يضعون فوق القبر صليبًا، وبهذه الصفة يُعرَف البوذي، والوثني، والمسيحي.
•••
أمَّا المُسْلِمون فإننا عَلَّمْنَاهُمْ كيفية الغُسْلِ والسَّيْرَ في الجنازة وتكفين الميت على الطريقة الشرعية مِمَّا لا حاجة إلى ذِكْرِهِ هُنَا.