(67) وطنية اليابانيين
ليس المُرَادُ من ذِكْرِ هذا العنوان أنْ نُسَطِّرَ عبارات المَدْحِ والإطراء للأمَّة اليابانية، فإنَّ هذا مَذكُورٌ في غير هذا المَوضع من هذه الرِّحلة، وإنَّمَا المُرَادُ هو أنْ نذكرَ بعض ما تفعلهُ هذه الأمَّة من الأفعال الدَّالَّةِ على تفانيهم في حُبِّ وطنهم إلى درجةٍ لم تَكُنْ تُعْهَدُ في سواهم من الأمم الأخرى.
•••
كُنْتُ ذَاتَ يَوْم ٍجالسًا في إحدى المَحلات العمومية قريبًا من البلاط الإمبراطوري، فرأيتُ أحَدَ باعة الصِّوَرِ يعرض صُورة في الشارع فتأمَّلتُ في لوحةٍ من الألواح فرأيتُ مُصَوَّرًا فيها سبعة من قُوَّادِ اليابانيين وجنودهم، وأمامهم عساكر من الرُّوس كثيرو العدد موجِّهون نحوهم فُوَّهات البنادق والمدافع، كأنهم يريدون منهم التسليم وهؤلاء يأبون أنْ يُسَلِّمُوا أسلحتهم فَوُجِّهَتْ نحوهم المدافع.

فلَمَّا عرف الجنود اليابانيون أنهم ميتون ولا محالة أخذ كُلُّ واحِدٍ منهم قطعة من الخشب وصاروا يضربون على البنادق، كما يضرب المُغني على العُود، كما أنهم أمسكوا بيدهم اليُمنى سيوفهم واضعين أطرافها في بطونهم، ففهمت من هذه الصورة البسيطة معنى جليلًا، وهو أن الياباني عنده المَوْتُ في سبيل الدفاع عن وطنه أشهى من الحياة، وإنَّ أصوات المدافع التي تُوجَّه نحو هؤلاء الجنود أشهى عندهم من نغمات الأوتار إن لم تماثلها.

فلينظر العاقل إلى هذه الأفعال وليُقارن بينها وبين الصُّوَرِ التي تُعرض في مصر وغيرها من البلدان المصرية للمبيع، تلك الصُّورُ التي تُمَثِّلُ الوقاحة والسَّفَهَ بمعناهما الحقيقي.

وبالجُملة فإنَّ الصُّوَرَ التي تُباعُ في اليابان أفضلَ من الجرائد الأخرى المُصَوَّرَةِ، ووجه الأفضلية أن هذه الصور تبعث في النفوس الشجاعة لعِظَم التأثير، بخلاف الجرائد المصورة التي قد تصوِّر صورًا سياسية لا نصيب لها من هذه المِزْيَةِ البتة.