(61) لماذا لَمْ يُسْلِمْ الميكادو؟
إنَّ السَّبَبَ في عدم إسلام جلالة “متسوهيتو” إمبراطور اليابان ليس اعتقاده في عدم موافقة الدِّين الإسلامي للعقل؛ لأن هذا يُمكن أن يُقال معه لو صَحَّ أنه كان اعتنق دينًا غيره، لا سيما وأن اعتبار الدِّين الإسلامي عنده وعند باقي رجال المؤتمر من اليابانيين اعتبارًا أكسبه صفة الامتياز عن باقي المذاهب الأخرى التي دار البحثُ والمناقشة فيها في جلسات المؤتمر؛ لأن الأدلَّة والبراهين التي أتى بها المندوبون العثُمَّانيون كانت كُلُّها موافقة للعقل كُلَّ الموافقة.

ولَكِنَّ هذا الإمبراطور بعيد النظر في الأمور السياسية، ومن بُعد نظره فيها هو أنه يُراعي حال الأمَّة، فلمَّا لم يجدها وافقت على دينٍ تتخذه كي يكون الدِّين الرسميَّ لها، لم يصرِّح بالدِّين الذي يعتنقه؛ إذ ربما صرَّح مثلًا بأنه اختار الدِّين الإسلامي ولكن الأمَّة لم توافقه على ذلك، فهنا يكون خلافٌ بينه وبينها، وهو ما لا يرضاه ولا يُسلِّم به مطلقًا، وهنا يُلاحَظ أن خضوع الأمَّة اليابانية للميكادو ليس منشؤه الرَّهبة والخوف، بل الرغبة والحُبُّ، فإذا فعل الميكادو ما لا ينطبق على رغبات رعيته انتقلت من يده قلوبهم، وقالت ألسنتهم ما شاءت قلوبهم، والأمَّة إذا قَدَرَت أن تقول قدرت أن تفعل، ويُلاحظ أيضًا أن كُلَّ ما يبدو منها لو حصل ما لا ترغبه لابُدَّ وأن يكون صادرًا عن إجماع واتفاق كلمة، وأمَّة هذه درجتُها في التَّرقي لا يُمكن أن تنفصم عُرَى اتحادها وائتلافها حِيَالَ أيِّ أمْرٍ مِن الأمُور.

فالميكادو رَجُلٌ عاقلٌ يحكمُ أمَّة عاقلة تربَّت على الفضيلة ومعرفة مَا لَهَا ومَا عليها، ومَا يجبُ أن تفعله، وما يجبُ أن تجتنبَه في كُلِّ ظرف من ظروف الأحوال.

والذي يُقارن بين الذين اعتنقوا الدِّينَ الإسلاميَّ من اليابانيين، والذين تمذهبُوا بالمذاهب الأخرى منهم مع اعتبار المُدَّةِ والعَدَدِ يَجْزِم بأنه لا يمضي عَقْدٍ من قرن إلَّا ويكون المُسْلِمون اليابانيون يُعَدُّونَ بالملايين؛ لأن المُبشرين من أهل تلك المذاهب وفدوا إلى اليابان منذ أعوام والذين تمذهبوا بمذاهبهم لا يتجاوز عددهم مليونين تقريبًا.

وأمَّا الذين وفدوا وبَشَّرُوا بالدِّين الإسلامي فهم لم يفدوا إلَّا منذ سَنَةٍ، ولم يَمْكُثُوا خمسة أشهر وأسْلم على يدهم نحو الاثني عشر ألفًا، وأكثر من نصفهم أسلم على يدنا في مدة لا تتجاوز الثلاثين يومًا، فبهذه المُقارنة يُمْكِنُ أنْ يُقالَ إنَّ الدِّينَ الإسلامي سيكونُ دِين اليابان الرَّسمي في المُستقبل.