أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: (37) تاريخ حياة الميكادو الأربعاء 10 يونيو 2020, 1:13 am | |
| (37) تاريخ حياة الميكادو: هو الإمبراطور “متسوهيتو” الرابع والعشرون من ملوك العائلة الحاكمة، وُلِدَ هذا الإمبراطور الجليل في 3 فبراير سنة 1852م، فهو الآن يحبو إلى الستين، ولَمَّا بلغ السادسة من سِنِّهِ أحضر له والده الإمبراطور “كومي تنو” من المعلمين الخصوصيين فكان في كُلِّ أدوار التعليم يُظْهِرُ نجابة باهرة وذكاءً مُفرطًا، ولَمَّا بلغ الخامسة عشرة من عمره ارتقى إلى عرش أجداده؛ حيث تُوفِّي والده وذلك سنة 1867م، وكان في هذا السِّنِّ حَائِزًا على كثير من العلوم والفنون التي ثقَّفَتْ عقله، وهذَّبَتْ نفسه، ونشأ كامل العقل وافر الفضل، والذي زاد في تهذيبه هو أن والده كان وَكَّلَ به من المؤدبين مَنْ كانوا يرافقونه في غدواته وروحاته، فتشرَّبَ عقله بمزايا عُقُولِ هؤلاء الرجال.
فلَمَّا استلم زمام المُلْكِ أظهرَ حَزْمًا وعَزْمًا وشِدَّةً عارضةً بَهَرَتْ عُقُولَ أكَابِرَ السُّوَّاسِ من اليابانيين فاستبشروا به وأمَّلُوا فيه خَيْرًا.
وأوَّلُ ما بَدَى منه وعُرِفَ من أخلاقه الفاضلة أنَّه أظهر انعطافه الزائد نحو رعيته فغرس بذلك حُبَّهُ في نفوسهم، فأصبح الصغير والكبير فيهم يُحِبَّهُ محبة لم تُسمَع في الأمم السَّالفة نحو المُلوك والسَّلاطين الذين حكموا هذه البلاد في الزمن السَّالف، وفي الحقيقة أنَّ أوَّلَ عَهْدٍ تقدَّمت فيه اليابان في سبيل التَّرَقِي والمدنية، هو اليوم الذي ارتقى فيه هذا الإمبراطور عرش المملكة؛ لأنه نظر إلى مدنية أوروبا نظر الحكيم البصير وإلى أحوال سياسة الدول الغربية حيال رعاياها، فبادر بمنح أمَّتِهِ الدُّستور والمجلس النيابي، وفي الوقت نفسه التفت إلى نشر العلوم في بلاده، وحَثَّ الأمَّة على تأسيس معاهد العلم وكانت البلاد حينئذٍ هادئة لا حُرُوبَ خارجية، ولا ثوارتٍ داخلية تَعُوقُ سَيْرَ التَّرَقِي في الأمَّة.
وقد ساعد على سُرعة نشر العلوم في اليابان استعداد الأمَّة الطبيعي لأن الياباني امتاز بالذكاء والفِطنة وحُبِّ المَعَالِي.
وقد خالف الميكادو سُنَّةَ المُلوك قديمًا وحديثًا؛ فهو لا يتعاطى من خزينة حكومته النفقات الطائلة لأنه لا يميل إلى الترف ولا يزدهيه عِزَّة السُّلطان؛ لأنَّ كُلَّ ما يأخذه من الأموال هو المقدار الذي يكفي لحاجاته وحاجات حاشيته الضرورية.
أمَّا أخلاقه الشخصية فَحَدِّثْ عن الرَّوْضِ ولا حَرَجَ؛ كرم، وذكاء، وفطنة، ونجابة، وتواضع في مهابة، وبُعد نظر في المسائل السياسية العويصة الحل، وبالجملة هو كِسْرَى في عَدْلِهِ، وعمرُ بن الخطاب في شِدَّةِ العارضة وإباء النفس، وعمرُ بن عبد العزيز في عِفَّتِهِ.
ولم يَتَّكِلْ على أن بلاده سائرة على مُقتضى الدُّستُور والحكومة النيابية، بل هو يُراقِبُ أحوال الحُكَّام بالحكمة والسَّداد، وينظر في شئون الرَّعية جليلها وحقيرها نظر الأب الشفيق في أحوال أبنائه الأمناء المخلصين.
ومِمَّا امتاز به أنه إذا حضر مجلسه أحَدٌ خرج وهو يتغنَّى بمدحه على لُطْفِ حَدِيثِهِ، والبِشْرِ الذي يُلَاقِي به زَائِريه لأنَّهُ يُحَادِثُ كُلَّ إنسان فيما يتعلَّقُ بوظيفته في الهيئة الاجتماعية، فهو تاجرٌ مع التُّجَّار، وزارعٌ مع الفلاحين، وسياسيٌ مع السياسيين وهَلُمَّ جَرًّا.
ومِنْ هذه الأَوْجُهِ يَصِحُّ أنْ يُقاَلَ إنَّ الميكادو فَرْدٌ جَمَعَ اللهُ فيه العَالَمَ: وليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد
فهكذا تكون المُلُوكُ لأنَّ المَلِكَ لا يَمْلَأُ العَرْشَ إلَّا إذا كان عقله يوازي عقل أمَّتِهِ بأجمعها. ••• وأمَّا أخلاقه فيما يتعلّقُ برعيَّته فهو كما قلتُ كالأبِ البار بالأبناء الأمناء المخلصين، ولم يجعل بينه وبين أحَدٍ حِجَابًا إذا عرض عليه شكوى أو رفع إقامة دعوى، فإن وجد لذلك مخلصًا أسعفه في الحال بالإنصاف وإلَّا فهو يعده وعد الوفي بالنظر في أمره عند سُنُوحِ الفرصة.
وهو شديد الكُلْفِ بتعهد أحوال حاشيته في قصره لا فرق بين الصغير والكبير فيهم، وإذا مَرِضَ أحَدُهُمْ فلا يهدأ له بَالٌ، حتى يراه ويُوصِي الحكماء بالاعتناء في مُداواته كما يُوصيهم على أقرب الأقرباء لديه، وقد ضرب اليابانيون المثل في حُبِّهِ فقالوا: “فضيلة الياباني حُبُّ الميكادو.” وهم كما يفخرون به فكذلك هو يُحِبُّهُمْ ويفخرُ بهم، وقد أعلن هذا الفخر رسميًّا في الملأ؛ حيث أصدر منشورًا عامًّا هذا معناه:
“أيَّتُهَا الأمَّة الحَيَّة الرَّاقيَة إنَّكِ كَمَا تفخرينَ بِي، فإنِّي كذلكَ أفخرُ بكِ على سائر الأمَمِ الرَّاقية، وإنِّي لا أدَّخِرُ وُسْعًا من عملِ كُلِّ ما يُرَقِّيكِ مَاديًّا، وأدَبيًّا؛ لأنِّي وَقَفْتُ كُلَّ قِوَايَ على هذا السَّبيل، وإنِّي لأرفضُ نُصْحَ نَاصِحٍ في كُلِّ أمْرٍ فيه نَفْعٌ للوطن، فإنْ كانت النصيحة في مَحِلِّهَا قبلتُها وإنْ حَصَلَ سُوءَ تفاهم بَيَّنْتُ السَّبَبَ الدَّاعي إلى عَدَمِ القبُول، فإنْ رَضِيتُمْ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وإنْ أبَيْتُمْ فبيني وبينكم شريعة “كونوفوشيوس” (وهو معبود في اليابان) ، فأعينُوني على تدبير المملكة بالطاعة والعمل على ما يجعل اليابان أرقى الأمَمِ وأسعدها، وإنِّي كفيلٌ بَرَدِّ المَظَالِمِ، وإنصاف المظلوم من الظالم”.
هذا، وسيأتي الكلام في غير هذا المحل باهتمام "الميكادو" بجنوده في زمن الحرب الرُّوسِيَّة، ومنه يُعْلَمُ مقدار اعتناء هذا الإمبراطور بشؤون رَعِيَّتِهِ.
وإنَّ مَلِكًا هذه أوصُافُهُ وهذه سِيرَتُهُ لجديرٌ بأنْ تُحالفهُ دولة إنكلترا، وبالجملة، فإن الإمبراطور “متسوهيتو” هو أفضلُ المُلوكِ عَقلًا وأبعدُهم نظرًا وأحبُّهم إلى رعاياهم بعد مولانا السُّلطان. |
|