(30) مدينة كولمبو:
هذه المدينة بينها وبين بومباي مسافة يومين ونصف بسير الباخرة، وهي عاصمة جزيرة سيلان التي نُفي إليها أحمد عرابي “باشا” رئيس الثورة العُرابية، ويُقال إن اسمها كان في العصور الخالية “سرنديب” التي يقول فيها الشاعر:
أمطري لؤلؤًا جبال سرنديـ
ـب وفيضي آبار تكرور تبرا
أنا إن عشت لست أعدم قوتًا
وإذا مت لست أعدم قبرا
همتي همة الكرام ونفسي
نفس حرٍّ ترى المذلة كفرا
وإذا ما رضيت بالعيش قوتي
فلماذا أزور زيدًا وعمرا


وهذه المدينة جرى عليها من حُكْمِ الزمان ما جرى على غيرها من المدن التي لها ذكر يحفل به في التاريخ، ودخلت وخرجت في حكم الدول مرات عديدة بحيث يطول بنا المقام إذا شئنا التكلم عنها من هذه الوجهة، وقد دخلت تحت سلطة إنكلترا سنة 1796 ميلادية وهي باقية تحت سلطتها إلى الآن، أما حركة التجارة في هذه المدينة فهي سائرة على نهج التقدم، وأما موقعها الجغرافي فهو قد أكسبها مزية جودة الهواء واعتدال الطقس، وقد فُرِشت طرقاتها وشوارعها بالأسفلت والرخام، والمنازل مبنية على الطراز الأوروبي، ودار الحكومة وثكنات العساكر والمستشفيات مُقأمَّة بجوار البحر مما جعل منظرها جميلًا في نظر القادم إليها من البحر.

وفي عهد الرومانيين كانت هذه المدينة محطًّا لرجال الكاثوليك من الرومان، وكثير بها أشياع هذا المذهب، ولكنها الآن قد حلَّ بها محلَّ أولئك أشياع المذهب البروتستانتي، وبها مدارس للأكليروس أشهرها: مدرسة “ولسلي”، و”أندستزيل” و”مدكل”، والأخيرتان أُسِّستا سنة 1870 ميلادية، وبها جمعية كبرى ملحقة بجمعية المساعي الملوكانية بإنكلترا.

ولا يكاد يخلو شارع أو طريق فيها من عربات النقل والركوب لأهمية الحركة التجارية، والحيوانات التي تُستخدَم في جرِّ هذه العربات بدنية ذات قوى عظيمة، ولون أغلب الخيول فيها مائل إلى الصفرة.

والمحلات العمومية يكثر فيها شرب الشاي الجيد، والكأس منه يساوي صوردي والصوردي يُعادل أربعة أعشار القرش المصري، وإذا أُضِيف إليه شيء من اللبن والبسكويت فيساوي صورديين ونصف؛ أي قرشًا صاغًا مصريًّا والذي يتناول هذا المقدار يمكنه أن يستغنى به عن الغداء أو العشاء، لا سيما شاي أوتيل “البستنليز”.

ويوجد بهذه البلدة جمعية كبرى مسيحية للتبشير بالدِّين المسيحي، ولها موارد للصرف عليها يُجمَع منها أموال طائلة في كُلِّ سنة، على أن الدِّين الإسلامي قدم إلى الشرق الأقصى وامتدَّ فيه بسرعة، فلو وُجِد من المُسْلِمين مَنْ يُنَاظِرُ مثل هذه الجمعية أو غيرها في بَثّ التعاليم الدِّينية الإسلامية، لكانوا أدَّوا واجبًا عليهم؛ إذ هم أحقُّ بأن يَشُدُّوا أزْرَ الدِّين في هذه الأصقاع، ثُمَّ غادرنا هذه المدينة قاصدين سنجافورة.