(78) مدينة كيوتو
وصلنا إلى هذه المدينة فإذا هي بين رياضٍ مؤنقة في داخلها وضواحيها مع نظام أبنيتها، وسعة طرقاتها، وطيب هوائها، وجمال موقعها الجغرافي الطبيعي، فضلًا عن كثرة المعامل الصناعية والفابريقات التي تُعَدُّ بالمئات، وهي واقعة على شاطئ بحيرةٍ ينبتُ فيها الأعشاب والشُّجيرات، مِمَّا أكسبها منظرًا دعاها لأجله اليابانيون بجنَّةِ اليابان.

وإذا كان يُوصَفُ المُتأدِّبُ ذو الأخلاق الفاضلة بالمَلِكِ “بفتح اللام” فيكون أهل هذه المدينة من أفضل الأجناس؛ لأنَّ أخلاقهم وآدابهم خصوصًا مع الغُربَاءِ في الدَّرجة القصوى من الاعتبار.

والذي استلفت نظري كثيرًا تأدُّب البوليس فيها بحيث إذا سأله واحِدٌ عن أيِّ مكان وكان قريبًا منه وداخلًا في دائرة اختصاصه يَدُلُّكَ بنفسه عليه، ويسير معك حتى تصل إلى المَحِلِّ المقصود لك، وإذا كان بعيدًا أوصلك إلى الجندي الذي بجانبه في نقطة أخرى وهذا يوصلك للآخر حتى تصل إلى المحلِّ الذي تريده.
•••
وبِمَا أنَّ شكل الملابس التي علينا لم يألف رؤيتَها اليابانيون فكُنَّا نَمُرُّ في الشوارع والعُيُونُ شاخصة إلينا مُحْدِّقَة بنا، وبينما نحنُ في المسير وإذا برجل هندستاني مُسلم اعترض طريقنا وصافحنا مصافحة الأوِدَّاء وخاطبنا بلسان لم يعرفه غير حضرة السيد سليمان الصيني، ومعناه أنه رجل مسلم هندستاني حضر للاتجار وله سَبْعُ سنواتٍ مُتَغَرِّبٌ عن أهله، وهو يريد أن نكون ضيوفه في شرب الشاي؛ إذ الرَّابطة الدِّينية جذبته إلينا فهو يريد الائتناس بنا ساعة من الزمان، فشكرنا له شعوره وغيرته الدِّينية وأجبناه إلى رغبته، وفعلًا توجَّهنا إلى منزله فأحضر لنا الشاي وأخذ يلاطفنا ونؤانسه مُدَّةً من الزَّمن.

وبعدها انصرفنا على وعْدٍ منه أنه يجيء إلينا في طوكيو إذا سمحت له ظروف الأحوال، وهذا الرجل من الذين أدَّبهم الدِّين الإسلامي فأحْسَنَ تأديبهم، ثُمَّ إن ظروف الأحوال لم تساعده على أن نحظى به مَرَّةً ثانية في طوكيو، وبعد أن أقمنا في هذه المدينة نحو اليوم والليلة رجعنا مَرَّةً ثانية إلى طوكيو سالمين.