(29) مدينة بومباي:
يرى القارئ فيما تقدَّم أنني ذكرت مجمل تاريخ بعض المدن التي مررت بها لزيادة الفائدة، ولكن في هذا الفصل رأيت أن أتكلم عن هذه المدينة بأقل من الاختصار؛ لأنها إحدى عواصم الهند الكبرى وتاريخها يشغل جزءاً عظيمًا من هذه الرحلة لو كان مجملًا فكيف به إذا كان مفصَّلًا.

وعلى هذا أقول:
هذه المدينة فتحها المُسْلِمون في أواخر القرن الخامس عشر بعد المسيح وفي سنة 1530 ميلادية استولى عليها البرتغاليون، ثُمَّ بقيت تدخل في حكم الدول والملوك الوطنيين، ومَرَّتْ عليها حقب وأجيال وحوادث كثيرة فيها كثير من العِبَرِ لِمَنْ اعتبر، حتى دخلت أخيرًا في حكم الإنكليز ولم تزل إلى الآن، ويرى القادم من جهة البحر على هذه المدينة أن شكلها مربع تربيعًا هندسيًّا، ويرى الأبنية مُشيَّدة على قواصر عالية مبالغ في إتقانها، وتنسيقها، وبداخل بومباي سُورٌ في داخلها كثير من القصور الفاخرة التي يسكنها الأغنياء، أما بيوت السُّوقة فيها فهي تُبنَى من الخشب والآجر.

أما حركة التجارة فيها فقل ما شئت من رواج، وبضائع ثُمَّينة هندية، وغير هندية وبالجملة فإن المدنية فيها متوفرة الأسباب، خصوصًا بعد استيلاء الإنكليز على الهند، والمسافة بين عدن وبومباي خمسة أيام، ثُمَّ قمنا من بومباي قاصدين مدينة كولمبو على باخرة من بواخر الشركة الإنكليزية وكانت قاصدة مدينة هنغ كونغ وهي آخر محطة تقف فيها الباخرة.