منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة مريم الآيات من 71-75

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

سورة مريم الآيات من 71-75 Empty
مُساهمةموضوع: سورة مريم الآيات من 71-75   سورة مريم الآيات من 71-75 Emptyالأربعاء 18 مارس 2020, 5:45 am

وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (٧١)
تفسير الآية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وهذا خطاب عام لجميع الخلْق دون استثناء، بدليل قوله تعالى بعدها: (ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ..) (مريم: 72) إذن: فالورود هنا يشمل الأتقياء وغيرهم.

فما معنى الورود هنا?

الورود أن تذهب إلى مصدر الماء للسقيا أي: أخْذ الماء دون أنْ تشرب منه، كما في قوله تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ..) (القصص: 23) أي: وصل إلى الماء.

إذن: معنى: (وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا..) (مريم: 71) أي: أنكم جميعاً مُتقون ومجرمون، سترِدُون النار وتروْنها؛ لأن الصراط الذي يمرُّ عليه الجميع مضروب على مَتْن جهنم.

 وقد ورد في ذلك حديث أبي سعيد الخدري قال قال صلى الله عليه وسلم: "يوضع الصراط بين ظهراني جهنم، عليه حسك كحسك السعدان، ثم يستجيز الناس، فنَاجٍ مُسلَّم، ومخدوش به، ثم ناج ومحتبس به، ومنكوس ومكدوس فيها".
فإذا ما رأى المؤمن النار التي نجاه الله منها يحمد الله ويعلم نعمته ورحمته به.

ومن العلماء مَنْ يرى أن ورد أي: أتى الماء وشرب منه ويستدلون بقوله تعالى: (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ..) (هود: 98) أي: أدخلهم.

لكن هذا يخالف النسق العربي الذي نزل القرآن به، حيث يقول الشاعر:
وَلَمَّا وَرَدْنَ الماءَ زُرْقاً جِمامُه وَضَعْنَا عِصِيَّ الحاضِرِ المتَخَيِّمِ

أي: حينما وصلوا إلى الماء ضربوا عنده خيامهم، فساعةَ أنْ وصلوا إليه وضربوا عنده خيامهم لم يكونوا شَرِبوا منه، أو أخذوا من مائه، فمعنى الورود أي: الوصول إليه دون الشُّرب من مائه.

وأصحاب هذه الرأي الذين يقولون (وَارِدُهَا) (مريم: 71) أي: داخلها يستدلون كذلك بقوله تعالى: (ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً) (مريم: 72) يقولون: لو أن الورود مجرد الوصول إلى موضع الماء دون الشرب منه أو الدخول فيه ما قال تعالى: (وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا) (مريم: 72) ولِقَال: ثم يُنجِّي اللهُ الذين اتقوا ويُدخِل الظالمين.

لكن: (وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ) (مريم: 72) فيها الدليل على دخولهم جميعاً النار.

فعلى الرأي الأول: الورود بمعنى رؤية النار دون دخولها، تكون الحكمة منه أن الله تعالى يمتنُّ على عباده المؤمنين فيُريهم النار وتسعيرها؛ ليعلموا فضل الله عليهم، وماذا قدَّم لهم الإيمان بالله من النجاة من هذه النار، كما قال تعالى: (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) (آل عمران: 185).

ويمكن فَهْم الآية على المعنى الآخر: الورود بمعنى الدخول؛ لأن الخالق -سبحانه وتعالى- خلق الأشياء، وخلق لكل شيء طبيعةً تحكمه، وهو سبحانه وحده القادر على تعطيل هذه الطبيعة وسلبها خصائصها.

كما رأينا في قصة إبراهيم -عليه السلام-، فيكون دخول المؤمنين النارَ كما حدث مع إبراهيم، وجَعْلها الله تعالى عليه بَرْداً وسلاماً، وقد مكَّنكم الله منه، فألقوه في النار، وهي على طبيعتها بقانون الإحراق فيها، ولم يُنزِل مثلاً على النار مطراً يُطفِئها ليوفر لهم كل أسباب الإحراق، ومع ذلك ينجيه منها لتكون المعجزة ماثلةً أمام أعينهم.

وكما سلب الله طبيعة الماء في قصة موسى -عليه السلام- فتجمد وتوقفت سيولته، حتى صار كل فِرْقٍ كالطوْد العظيم، فهو سبحانه القادر على تغيير طبائع الأشياء.

إذن: لا مانع من دخول المؤمنين النارَ على طريقة إبراهيم -عليه السلام-: (قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ) (الأنبياء: 69).

ثم يُنجِّي الله المؤمنين، ويترك فيها الكافرين، فيكون ذلك أنْكَى لهم وأغيظ.

ثم يقول تعالى: (كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً) (مريم: 71) الحتْم: هو الشيء الذي يقع لا محالةَ، والعبد لا يستطيع أنْ يحكم بالحتمية على أيّ شيء؛ لأنه لا يملك المحتوم ولا المحتوم عليه.

فقد تقول لصديقك: أحتم عليك أنْ تزورني غداً، وأنت لا تملك من أسباب تحقيق هذه الزيارة شيئاً، فمَنْ يدريك أن تعيشَ لغد?

ومَنْ يدريك أن الظروف لن تتغير وتحُول دون حضور هذا الصديق?

إذن: أنت لا تحتم على شيء، إنما الذي يُحتِّم هو القادر على السيطرة على الأشياء بحيث لا يخرج شيء عن مراده.

فإنْ قلتَ: فمَنِ الذي حتَّم على الله?

حتَّم الله على نفسه تعالى، وليست هناك قوة أخرى حتَّمتْ عليه، كما في قوله تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ) (الأنعام: 54).

ثم يؤكد هذا الحتم بقوله: (مَّقْضِيّاً) (مريم: 71) أي: حكم لا رجعةَ فيه، وحُكْم الله لا يُعدِّله أحد، فهو حكم قاطع.

فمثلاً: حينما قال كفار مكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نعبد إلهك سنة وتعبد إلهنا سنة، يريدون أنْ يتعايش الإيمان والكفر.

لكن الحق -تبارك وتعالى- يريد قَطْع العلاقات معهم بصورة نهائية قطعية، لا تعرف هذه الحلول الوسط، فقال سبحانه: (قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (الكافرون: 1-6).

وقَطْع العلاقات هنا ليس كالذي نراه مثلاً بين دولتين، تقطع كل منهما علاقتها سياسياً بالأخرى، وقد تحكم الأوضاع بعد ذلك بالتصالح بينهما والعودة إلى ما كانا عليه، إنما قَطْع العلاقات مع الكفار قَطْعاً حتمياً ودون رجعة، وكأنه يقول لهم: إياكم أنْ تظنوا أننا قد نعيد العلاقات معكم مرة أخرى؛ لذلك تكرَّر النفي في هذه السورة، حتى ظنّ البعض أنه تكرار؛ ذلك لأنهم يستقبلون القرآن بدون تدبُّر.

فالمراد الآن: لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، وكذلك في المستقبل: ولا أنا عابد ما عبدتم، ولا أنتم عابدون ما أعبد.

فلن يُرغمنا أحد على تعديل هذا القرار أو العودة إلى المصالحة.

لذلك أتى بعد سورة (الكافرون) سورة الحكم: (قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ) (الإخلاص: 1) فلا ثانيَ له يُعدِّل عليه، فكلامه تعالى وحكمه نهائي وحَتْماً مقضياً لا رجعةَ فيه ولا تعديل.

ثم يقول الحق سبحانه: (ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ...).



سورة مريم الآيات من 71-75 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

سورة مريم الآيات من 71-75 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة مريم الآيات من 71-75   سورة مريم الآيات من 71-75 Emptyالأربعاء 18 مارس 2020, 5:47 am

ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (٧٢)
تفسير الآية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

جِثياً: من جَثَا يجثُو أي: قعد على رُكَبه دلالة على المهانة والتنكيل.

ثم ينقلنا الحَق سبحانه إلى لقطة أخرى، فيقول: (وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا...).



سورة مريم الآيات من 71-75 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

سورة مريم الآيات من 71-75 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة مريم الآيات من 71-75   سورة مريم الآيات من 71-75 Emptyالأربعاء 18 مارس 2020, 5:48 am

وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣)
تفسير الآية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

هذا حوار دار بين المؤمنين والكافرين، المؤمنين وكانوا عادةً هم الضعفاء الذين لا يقدرون حتى على حماية أنفسهم، وليس لهم جاه ولا سيادة يحافظون عليها، وجاء منهج الله في صالحهم يُسوِّي بين الناس جميعاً: السادة والعبيد، والقوي والضعيف.

 فطبيعي أنْ يُقابلَ هذا الدين بالتكذيب من كفار مكة، أهل الجاه والسيادة، وأهل القوة الذين يأخذون خَيْر الناس من حولهم، أما الضعفاء فقد آمنُوا بدين الله في وقت لم يكن لديهم القوة الكافية لحماية أنفسهم، فعندما نزل قَوْل الحق -تبارك وتعالى-: (سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ) (القمر: 45). قال عمر  وما أدراك مَنْ هو عمر؟ قال: أيّ جمع هذا؟ وأيُّ هزيمة، ونحن غير قادرين على حماية أنفسنا?

وفي هذه الآونة، يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين المستضعفين بالهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة.
فلما جاء نصر الله للمؤمنين، وتأييده لهم في بدر. قال عمر: صدق الله: (سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ) (القمر: 45).

وفي هذا الحوار يُعيِّر الكفار المؤمنين بالله: ماذا أفادكم الإيمان بالله وها أنتم على حال من الضعف والهوان والذِّلَّة وضيق العيش?

أيرضى رَبٌّ أن يكون المؤمنون به على هذه الحال، وأعداؤه والكافرون به هم أهل الجاه والسيادة وسَعة الرزق?

وهكذا فتَن الله بعضهم ببعض، كما قال سبحانه: (وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) (الأنعام: 53).

فالمؤمن والكافر، والغني والفقير، والصحيح والمريض، كُلٌّ منهم فتنة للآخر لِيُمحِّص الله الإيمان، ويختبر اليقين في قلوب المؤمنين؛ لأن الله تعالى يعدهم لحمل رسالته صلى الله عليه وسلم إلى الدنيا كلها في جميع أزمنتها وأماكنها، فلابد أن يختار لهذه المهمة أقوياء الإيمان الذين يدخلون الإسلام، ليس لمغنم دنيوي، بل لحمل رسالته والقيام بأعبائه، فهذا هو المؤمن المؤتمن على حَمْل منهج الله.

ومن ذلك ما نراه من أن مناهج الباطل في الدنيا مَنْ يدعو إليها يرشو المدعو ويعطيه، أمّا منهج الله فيأخذ منه ليختبره وليُمحصه.

 فكيف يكون الغني فتنة للفقير، والفقير فتنة للغني?

الغني مفتون بالفقير حيث هو في سَعَة من العيش والفقير في ضيق، الغني يأكل حتى التُّخمة والفقير جائع، ويرتدي الغني الفاخر من الثياب والفقير عريان.

فهل سيعرف نعمة الله عليه ويؤدي حقها?

والفقير مفتون بالغني حين يراه على هذه الحال، فهل سيصبر على هذه الشدة?

أم سيعترض على ما قدَّره الله له، ويحقد على الغنيّ?

ولو علم الفقير أن الفقر درس تدريبي أُجْرِي لجنود الحق الذين يحملون منهج الله إلى خَلْق الله في كل زمان ومكان، وأن هذه قسمة الله بين خَلْقه لَمَا اعترض على قسمة الله، ولَمَا حقد على صاحب الغني.

وكذلك يُفتَن الصحيح بالمريض والمريض بالصحيح، فالصحيح يعيش مع نعمة الله بالعافية، أما المريض فيعيش مع المُنعم سبحانه، كما جاء في الحديث القدسي: "يا ابْن آدم، مرضْتُ فَلِم تعُدْني. فيقول: وكيف أعودك وأنت ربّ العالمين؟ قال: أما علمتَ أن عبدي فلاناً مرض فلم تَعُدْه؟ أما علمت أنك لو عُدَّته لوجدتني عنده".

لذلك ترى أهل الأمراض من المؤمنين يتألم زُوَّارهم من أمراضهم، في حين أنهم في أُنْس بالله يشغلهم عن أمراضهم وعن آلامهم، ومَنِ الذي يزهد في معيَّة الله?

إذن: لو حقد المريض على السليم فهو مفتون به، وكان يجب عليه أن يعلم: إنْ كان الصحيح في معية النعمة فهو في معية المُنعِم -سبحانه وتعالى- وسيدنا نوح -عليه السلام- بعد أن لبث يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً كان جواب قومه: (وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ..) (هود: 27) فكان أتباع نوح في نظرهم حثالة القوم، ثم حاولوا أنْ يُغروه بهم ليطردهم، فهم ضِعاف لا جاهَ لهم ولا سلطان، فما كان منه إلا أنْ قال: (وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّلاَقُو رَبِّهِمْ) (هود: 29).

وقال في آية أخرى: (وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِيۤ أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيْراً ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّيۤ إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ) (هود: 31).

فعلى مَرِّ الأزمان واختلاف الرسالات كان الكفار تزدري أعينهم الفقراء والضعفاء المؤمنين، ويحاولون طردهم وإخراجهم من ديارهم، ألم يقل الحق -تبارك وتعالى- لرسوله صلى الله عليه وسلم: (وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ) (الأنعام: 52).

 وهكذا جاءت اللقطة التي معنا: (وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَٰتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً) (مريم: 73).

قوله: (آيَاتُنَا بَيِّنَٰتٍ) (مريم: 73) الآيات: جمع آية وهي الشيء العجيب الذي يتحدث به، وتُطلق -كما قلنا- على الآيات الكونية التي تثبت قدرة الله تعالى، وتلفتنا إلى بديع صُنْعه كآيات الليل والنهار والشمس والقمر، وتُطلق على المعجزات التي تُثبت صِدْق الرسول، كما جاء في قوله تعالى: (وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً) (الإسراء: 90-93).

 كما تُطلق الآيات على آيات القرآن التي تحمل الأحكام، وهذه هي المُرادة هنا؛ لأن آيات القرآن تنطوي فيها كل الآيات.

وقوله: (قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ..) (مريم: 73) أي: لقد ارتضينا حكمكم في هذه المسألة: نحن الكفار في سَعَة، وأنتم يا أهلَ الإيمان في ضيق، فأيّ الفريقين خير مقاماً?

والله بمقاييسكم أنتم.

فأنتم خير، أمّا بمقياس الأعلى والأبقى فنحن.

والمَقام - بفتح الميم: اسم لمكان قيامك من الفعل: قام.

 أما "مُقام" بضم الميم، فمِنْ أقام.

والمُراد هنا (خَيْرٌ مَّقَاماً) (مريم: 73) أي: مكاناً يقوم فيه على الآخر أي: بيت كبير وأثاث ومجلس يتباهى به على غيره.

(وَأَحْسَنُ نَدِيّاً) (مريم: 73) الإنسان عادةً له بيت يَأويه، وله مجلس يَأوي إليه، ويجلس فيه مع أصحابه وأحبابه يُسمُّونه "حجرة الجلوس" أو "المندرة"، وفيها يجلس كبير القوم ومن حوله أهله وأتباعه، كما نقول في العامية: (عامل قعر مجلس) ؛ لذلك إذا قام أنفضَّ المجلس كله؛ لأنهم تابعون له، كما قال الشاعر:
وانفضَّ بَعْدَكَ يَا كُليْبُ المجلِسُ

وهناك النادي، وهو المكان الذي يجتمع فيه عظماء القوم والأعيان، بدل أنْ يكون لكل منهم مجلسه الخاص، كما نرى الآن: نادي الرياضيين ونادي القضاة... إلخ، إذن: فالنادي دليلٌ على أنهم متفقون ومتكاتفون ومتكتلون ضد الإسلام وضد الحق.

ومن ذلك قول الحق تبارك وتعالى: (فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ) (العلق: 17) ومن ذلك ما كان يُسمَّى قبل الإسلام "دار الندوة"، و كانوا يجتمعون فيها ليدبروا المكائد لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن النادي ما كان مأخوذاً لعمل المنكر والفاحشة والعياذ بالله، فيجتمعون فيه لكُلِّ ما هو خبيث من شُرْب الخمر والرقص والفواحش، كما في قَوْل الحق -تبارك وتعالى-: (... وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ..) (العنكبوت: 29).

وفي هذا دليل على شيوع الفاحشة والقِحَةِ بين القادرين والمجاهرة بها، فلم يكونوا يقترفونها سِرّاً، بل في جَمْع من رُوَّاد هذه الأماكن.

والنادي أو المنتدَى مأخوذ من النَّدَى أي: الكرم، ولما مدحَتْ المرأة العربية زوجها قالت: رَفيع العِماد، كثير الرماد، قريب البيت من الناد.

والمعنى: أن بيته أقرب البيوت إلى النادي، فهو مَقْصد الناس في قضاء حاجياتهم.

 إذن: كان قول الكفار للمؤمنين: (أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً) (مريم: 73) موضع فتنة للفريقين، فقال المؤمنون: (لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ) (الأحقاف: 11) وقال الكفار: ما دام أن الله حبانا في الدنيا وهو الرزاق، فلابد أنْ يَحْبُوَنَا في الآخرة، لكن لم تتعرض الآيات للقول المقابل من المؤمنين، إنما جاء الرد عليهم من طريق آخر، فقال تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ...).



سورة مريم الآيات من 71-75 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

سورة مريم الآيات من 71-75 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة مريم الآيات من 71-75   سورة مريم الآيات من 71-75 Emptyالأربعاء 18 مارس 2020, 5:49 am

وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (٧٤)
تفسير الآية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

كم: خبرية تدل على الكثرة التي لا تُحصَى، وأن المقول بعدها وقع كثيراً، كأن يقول لك صاحبك: أنت ما عملتَ معي معروفاً أبداً، فتُعدِّد له صنائع المعروف التي أسديتها إليه، فتقول: كم فعلتُ معك كذا، وكم فعلتُ كذا.

والقرن: هم الجماعة المتعايشون زماناً.

بحيث تتداخل بينهم الأجيال، فترى الجدَّ والأب والابن والحفيد معاً، وقد قدَّروا القرن بمائة عام.

كما يُطلَق القرن على الجماعة الذين يجتمعون على مُلك واحد، أو رسالة واحدة مهما طال زمنهم كقوم نوح مثلاً.

والأثاث: هو فراش البيت، وهذا أمر يتناسب وإمكانات صاحبه.

والرِّئْى: على وزن فِعْل، ويراد به المفعول أي: المرئي، كما جاء في قوله تعالى: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) (الصافات: 107) فذبْح بمعنى: مذبوح.

وورد في قراءة أخرى: (أحْسَنُ أثَاثاً وزِيّاً) وهي غير بعيدة عن المعنى الأول: لأن الزيّ أيضاً من المرئي، إلا أنه يتكوّن من الزي والذي يرتديه، والمراد هنا جمال الشكل والهيئة ونضارة الشخص وهندامه، وقد افتخر الكفار بذلك، في حين كان المؤمنون شُعْثاً غُبْراً يرتدون المرقَّع والبالي من الثياب.

وقد جاء الاختلاف في بعض ألفاظ القرآن من قراءة لأخرى؛ لأن القرآن الكريم دُوِّن أول ما دُوِّن غير منقوط ولا مشكول اعتماداً على مَلَكَة العربي وفصاحته التي تُمكِّنه من توجيه الحرف حَسْب المعنى المناسب للسياق، وظل كذلك إلى أن وضع له العلماء النقاط فوق الحروف في العصر الأموي.

فمثلاً النَّبْرة في كلمةٍ دون نقط يحتمل أنْ تُقرأ من أعلى: نون أو تاء أو ثاء.

ومن أسفل تقرأ: باء أو ياء.

والعربي لمعرفته بمواقع الألفاظ يستطيع تحديد الحرف المراد، فكلمة (رئْيَا) تقرأ (زيا) والمعنى غير بعيد.

 ومن ذلك كلمة(فَتَبَيَّنُواْ) (النساء: 94) قرأها بعضهم (فتثبتوا) وكلمة(صِبْغَةَ) (البقرة: 138) قرأها بعضهم (صنعة)، ودليل فصاحتهم أن الاختلاف في مثل هذه الحروف لا يؤدي إلى اختلاف المعنى.

 لذلك، كان العربي قديماً يغضب إنْ كُتِب إليه كتاب مُشَكل، لأن تشكيل الكلام كأنه اتهام له بالغباء وعدم معرفته باللغة.

ومن هنا وجدنا العلماء الذين وضعوا قواعد اللغة ليسوا من العرب؛ لأن العربي في هذا الوقت كان يستنكف أن يضع للغة قواعد، فهي بالنسبة له مَلَكَة معروفة لا تحتاج إلى دراسة أو تعليم.

أما الأعاجم فلما دخلوا الإسلام ما كان لهم أنْ يتعلَّموا لغته إلا بهذه الدراسة لقواعدها.

والحق تبارك وتعالى يقول هنا: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً) (مريم: 74) لأنهم قالوا: (أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً) (مريم: 73) يريد أنْ يُدلِّل على أنهم حَمْقَى لا ينظرون إلى واقع الحياة ليروا عاقبة مَنْ كانوا أعزَّ منهم مكاناً ومكانة، وكيف صار الأمر إليهم?

الحق -تبارك وتعالى- يردُّ على الكفار ادعاءهم الخيرية على المؤمنين، فهذه الخيرية ليستْ بذاتيتكم، بل هي عطاء من الله وفِتْنة، حتى إذا أخذكم أخذكم عن عِزَّة وجاهٍ؛ ليكون أنكى لهم وأشدَّ وأغَيظ، أما إنْ أخذهم على حال ذِلَّة وهَوَان لم يكن لأخذه هذا الأثر فيهم.

 فالحق سبحانه يُملي لهم بنعمه ليستشرفوا الخير ثم يأخذهم، على حَدِّ قول الشاعر:
كَمَا أبرقَتْ قَوْماً عِطَاشاً غَمامَةً فَلمَّا رأوْهَا أَقْشَعَتْ وتجلَّتِ

فأطمعهم في البداية، ثم أخذهم وخيَّب آمالهم في النهاية.

وضربنا لذلك مثلاً بالأسير الذي بلغ به العطش مَبْلغاً، فطلب الماء، فجاءه الحارس بالماء حتى كان على فِيهِ، واستشرف الريَّ منعه وحرمه لتكون حسرته أشد، وألمهُ أعظم، ولو لم يأتِه بالماء لكان أهونَ عليه.

إذن: حينما تُجرون مُقارنة بينكم وبين المؤمنين وتُعيِّرونهم بما معكم من زينة الدنيا، فقد قارنتم الوسائل وطرحتُم الغايات، ومن الغباء أنْ نهتم بالوسائل وننسى الغايات، فلكي تكون المقارنةُ صحيحة فقارنوا حالكم بحال المؤمنين، بداية ونهاية.

 ومثال ذلك: فلاح مجتهد في زراعته يعتني بها ويُعفِّر نفسه من تراب أرضه كل يوم، وآخر ينعَم بالثياب النظيفة والجلوس على المقهى والتسكع هنا وهناك، وينظر إلى صاحبه الذي أجهده العمل، ويرى نفسه أفضل منه، فإذا ما جاء وقت الحصاد وجد الأولُ ثمرة تعبه ونتيجة مجهوده، وجلس الآخر حزيناً محروماً.

فلابد أن تأخذ في الاعتبار عند المقارنة الوسائل مع الغايات.

 لذلك وُفِّق الشاعر حين قال:
ألاَ مَنْ يُرِينِي غَايتِي قَبْل مذْهَبِي ومِنْ أيْنَ والغَايَاتُ بَعْد المذَاهِبِ؟

وقد عزل الكفار الوسيلة في الدنيا عن الغاية في الآخرة، فتباهوا وعَيَّروا المؤمنين: (أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً) (مريم: 73).

وفي قصة سيدنا إبراهيم -عليه السلام-: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ) (العنكبوت: 24).

وهكذا اتفقوا على الإحراق، ونجَّى الله نبيه وخيَّب سَعْيهم، ثم كانت الغاية في الآخرة: (وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ) (العنكبوت: 25).

 فكان عليهم ألاَّ ينظروا إلى الوسيلة منفصلةً عن غايتها.

وهنا يردُّ الحق -تبارك وتعالى- على هؤلاء المغترِّين بنعمة الله: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً) (مريم: 74) وكما قال في آيات أخرى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ * وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ) (الفجر: 6-10).

 وهلاك هؤلاء وأمثالهم سَهْل لا يكلف الحق سبحانه إلا أنْ تهُبَّ عليهم عواصف الرمال، فتطمس حضارتهم، وتجعلهم أثراً بعد عَيْن.

فدعاهم إلى النظر في التاريخ، والتأمّل في عاقبة أمثالهم من الكفرة والمكذبين، وما عساه أنْ يُغني عنهم من المقام والندىّ الذي يتباهون به، وهل وسائل الدنيا هذه تدفع عنهم الغاية التي تنتظرهم في الآخرة?

وكأن الحق -تبارك وتعالى- لا يردّ عليهم بكلام نظري يقول: إن عاقبتكم كذا وكذا من العذاب، بل يعطيهم مثالاً من الواقع.

ويخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: (فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ) (غافر: 77) أي: من القهر والهزيمة والانكسار: (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) (غافر: 77) فمَنْ أفلت من عذاب الدنيا، فلن يفلت من عذاب الآخرة.

والقرآن حين يدعوهم إلى النظر في عاقبة من قبلهم (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ) (مريم: 74) فإنما يحثُّهم على أخْذ العِبْرة والعِظَة ممَّنْ سبقوهم، ويستدل بواقع شيء حاضر على صِدْق غيْبٍ آت، فالحضارات التي سبقتهم والتي لم يوجد مثلها في البلاد، وكان من صفاتها كذا وكذا، ماذا حدث لهم?

فهل أنتم أشدّ منهم قوة?وهل تمنعون عن أنفسكم ما نزل بغيركم من المكذِّبين?

هذا من ناحية الواقع، أما الغيب فيعرض له القرآن في مشهد آخر، حيث يقول تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ * وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ) (المطففين: 29-33).

هذا المشهد في الدنيا، فما بالهم في الآخرة؟: (فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ) (المطففين: 34-35).

 ثم يخاطب الحق -سبحانه وتعالى- المؤمنين فيقول: (هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) (المطففين: 36).

يعني: بعد ما رأيتموه من عذابهم، هل قدرنا أنْ نُجازيهم عَمَّا فعلوه بكم من استهزاء في الدنيا?

وعلى كُلٍّ فإن استهزاءهم بكم في الدنيا موقوت الأجل، أما ضِحْككم الآن عليهم فأمر أبديّ لا نهايةَ له.

فأيُّ الفريقين خَيْر إذن?

فإياكم أنْ تغرّكم ظواهر الأشياء، أو تخدعكم بَرقات النعيم وانظروا إلى الغايات والنهايات؛ لذلك يقول سبحانه: (ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) (الكهف: 46).

 وفي سورة الأعراف لقطة أخرى من مواقف القيامة، حيث يقول أصحاب الأعراف لأهل النار: (مَآ أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) (الأعراف: 48) ثم يلتفتون إلى المؤمنين في الجنة: (أَهَـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحْمَةٍ) (الأعراف: 49) فأين أنتم منهم الآن؟



سورة مريم الآيات من 71-75 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

سورة مريم الآيات من 71-75 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة مريم الآيات من 71-75   سورة مريم الآيات من 71-75 Emptyالأربعاء 18 مارس 2020, 5:50 am

قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَٰنُ مَدًّا حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (٧٥)
تفسير الآية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قوله: (قل) أمر لرسوله صلى الله عليه وسلم: (مَن كَانَ فِي ٱلضَّلاَلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً) (مريم: 75) أي: يُمهله ويستدرجه؛ لأنه رَبٌّ للجميع، وبحكم ربوبيته يعطي المؤمن والكافر، وكما يعين المؤمن بالنصر، كذلك يعين الكافر بمراده، كما في قوله تعالى: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً) (البقرة: 10).

لأنهم ارتاحوا إليه، ورَضُوا به، وطلبوا منه المزيد.

(فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ) (مريم: 75) أي: في الدنيا وزينتها، كما قال: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ) (الشورى: 20).

وفي موضع آخر يقول: إياك أنْ تعجبك أموالهم وأولادهم؛ لأنها فتنة لهم، يُعذِّبهم بها في الدنيا بالسَّعْي في جمع الأموال وتربية الأولاد، ثم الحسرة على فقدهما، ثم يُعذِّبهم بسببها في الآخرة: (فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) (التوبة: 55).

ثم يقول تعالى: (حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ..) (مريم: 75).

العذاب: عذاب الدنيا.

أي: بنصر المؤمنين على الكافرين وإهانتهم وإذلالهم (وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ) (مريم: 75) أي: ما ينتظرهم من عذابها، وعند ذلك: (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً) (مريم: 75) لكنه عِلْم لا يُجدي، فقد فات أوانه، فالموقف في الآخرة حيث لا استئناف للإيمان، فالنكاية هنا أعظم والحسرة أشدّ.

 لكن، ما مناسبة ذكر الجند هنا والكلام عن الآخرة?

وماذا يُغني الجند في مثل هذا اليوم?

قالوا: هذا تهكُّم بهم كما في قوله تعالى: (ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ) (الصافات: 22-23)، فهل أَخْذهم إلى النار هداية?

ثم يلتفت إليهم: (مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ * وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ * قَالُوۤاْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ * قَالُواْ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ) (الصافات: 25-30).

أي: لم نُجبركم على شيء، مجرد أنْ أشَرْنَا لكم أطعتمونا.

 لذلك، سيقولون في موضع آخر: (رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ) (فصلت: 29).



سورة مريم الآيات من 71-75 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة مريم الآيات من 71-75
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة مريم الآيات من 21-25
» سورة مريم الآيات من 26-30
» سورة مريم الآيات من 31-35
» سورة مريم الآيات من 36-40
» سورة مريم الآيات من 41-45

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: مريم-
انتقل الى: