| السِّراج الوهَّاج من عِبَرٍ ودروس الإسراء والمعراج | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: السِّراج الوهَّاج من عِبَرٍ ودروس الإسراء والمعراج الثلاثاء 03 مارس 2020, 7:02 am | |
| الفصل الأول: تعريف الإسراء والمعراج الإسراء والمعراج في اللغة: الإسـراء في اللغة: مشتق من السُّرَى: السَّيرُ بِاللَّيْلِ يقال: سَرَى وأَسْرَى قال تعالى: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ﴾ (هود: 81) ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ (الإسراء: 1) قال أبو إسحاق في قوله تعالى ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾ (الإسراء: 1) معناه: سَيَّرَ عَبْدَه، يقال: أَسْرَيْت وسَرَيْت إذا سِرْتَ ليلًا، وإنما قال ﴿لَيْلًا﴾ (الإسراء: 1) وَإِنْ كَانَ السُّرَى لَا يَكُونُ إِلَّا بِاللَّيْلِ: للتأْكيد (1).
والعرب تقول: سرى فلان ليلاً إذا سار بعضه وسرى ليلة إذ سار جميعها، وإذا وقع السير في أول الليل يقال: أدلج. (2)
أما المعراج فمأخوذ من عرج في السلم: ارتقى، والمعراج: السلم ومنه ليلة المعراج، والجمع معارج ومعاريج، أيضا: المصاعد (3)
يقول الراغب الأصفهاني في مادة عرج (4): العروج " ذهاب في صعود، قال تعالى ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ﴾ (المعارج: 4) وقال: ﴿فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ﴾ (الحجر: 14) والمعارج: المصاعد، قال تعالى: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ (المعارج: 3) وليلة المعراج سميت لصعود الدعاء فيها إشارة إلى قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ (فاطر: 10).
الفصل الثاني: متى حدث الإسراء والمعراج:
يكاد يجمع العلماء المحققون على أن الإسراء والمعراج كانا بعد البعثة المحمدية، وأنهما كانا في اليقظة لا في المنام، وقد تظاهرت على ذلك الروايات المتكاثرة في كتب الحديث المشهورة، وكتب السير الموثوق بها. والذي عليه الأكثرون والمحققون من العلماء أنهما كانا في شهر ربيع الأول، وقيل في ربيع الآخر، وقيل في رجب، وهو المشهور بين الناس اليوم، والذي تركن إليه النفس بعد البحث والتأمل أنهما كانا في شهر ربيع الأول في ليلة الثاني عشر منه أو السابع عشر منه، وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية (5) أثراً عن جابر وابن عباس -رضي الله عنهما- يشهد لذلك قالا: "ولد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفيل يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وفيه بُعِثَ، وفيه عُرِجَ به إلى السماء، وفيه هاجر" (6).
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: السِّراج الوهَّاج من عِبَرٍ ودروس الإسراء والمعراج الثلاثاء 03 مارس 2020, 7:11 am | |
| الفصل الرابع: دروس وعبر من الإسراء والمعراج المبحث الأول: مسائل عقدية في الإسراء والمعراج أولاً: وجوب الإيمان بوقع الإسراء والمعراج إذ منكرهما منكر لمعجزة ثابتة بالكتاب والسنة: اعلم بارك الله فيك أن الإيمان بالإسراء والمعراج جزء من الإيمان بالله تعالى إذ أن الله تعالى قد اخبرنا بقصة الإسراء و المعراج في القران الكريم و على لسان نبيه الأمين فلا ينكر الإسراء والمعراج إلا جاحد لكتاب الله تعالى وسُنَّة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
إن من أنكر الإسراء والمعراج، فإنه ينكر شيئاً ثابتاً في القرآن، وهناك قاعدة معروفة صحيحة يجب أن نعرفها جميعاً، وهي أن من أنكر شيئاً ثبت في القُرْآن فإنه كافر، وكذلك في السنة.
وأما دلالات الآيات التي في القُرْآن فقد تختلف، وأعظم دليل عَلَى الاختلاف اختلاف أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في القُرْآن وهم أفضل النَّاس عقلاً وفهماً فقوله سبحانه: ((مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَاب)) (آل عمران: 7) هذه آية واضحة وجلية لا نقاش فيها ولا خلاف، ((وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)) (آل عمران: 7).
فمذهب أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ ما عليه السلف: هو الإيمان والتصديق بالمحكم، والإيمان بالمتشابه ورده إِلَى المحكم.
ما الذي ذكره الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في القُرْآن صريحاً؟ وما الذي ذكره ضمناً؟ فالإسراء ذُكِرَ صريحاً: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)) (الإسراء: 1) إذاً لو أن أحداً أنكر الإسراء فإنه يكفر رأساً، لأنه بمجرد أن يقرأ الآية أو يسمعها يفهم دلالتها، فيكون منكر الإسراء كافراً.
وإنما حصل الخلاف والإشكال فيمن ينكر المعراج، لأن الدلالة ليست جليَّة، وهذا يستلزم منا أن نجليها وأن نوضحها من خلال سورة النجم، فمنها نستطيع أن نبين هذه الحقيقة، فتصبح أيضاً يدل عليها القُرْآن دلالة لا شك فيها ولا شبهة، فقوله سبحانه: ((وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى)) (النجم: 13) أين رآه؟ ((عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصرُ وَمَا طَغَى)) (النجم: 14-17).
فجملة ((مَا زَاغَ الْبَصرُ)) تبين أن العروج ليست بمجرد الروح كما يقولون، بل هي حقيقة واضحة ببصره -صلى الله عليه وسلم- رأى تلك الآية الكبرى التي أراه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في ذلك الموضع، فنستطيع أن تجلي دلالة القُرْآن فتكون دلالته صريحة، ثُمَّ نؤيد ذلك بالأحاديث الكثيرة المتواترة التي تثبت الإسراء والمعراج، فنقول: إن من أنكر المعراج فهو أيضاً كافر بعد بيان الحجة عليه (10).
وأجمعوا على الإيمان بالإسراء والمعراج، وأنه حق وصدق،والحق عند أهل السنة -إن اعتبرنا بعض الخلاف- أنه كان بروحه وجسده، وأنه كان يقظة لا مناما، وأنه كان مرة واحدة (11).
والمعراج حق وقد أسرى بالنبي صلى الله عليه و سلم وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء ثم إلى حيث شاء الله من العلا وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى (ما كذب الفؤاد ما رأى) ف صلى الله عليه و سلم في الآخرة والأولى (12).
ثانياً: إثبات صفة العلو للعلي جل جلاله كان الهدف الأسمى والجائزة الكبرى من قصة المعراج إلى السماء هو لقاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برب العزة -جل جلاله- فأسعد اللحظات إلى قلب النبي -صلى الله عليه وسلم-، حينما تشرّف بلقاء الله والوقوف بين يديه ومناجاته، لتتصاغر أمام عينيه كل الأهوال التي عايشها، وكل المصاعب التي مرّت به، وهناك أوحى الله إلى عبده ما أوحى، وكان مما أعطاه خواتيم سورة البقرة، وغفران كبائر الذنوب لأهل التوحيد الذين لم يخلطوا إيمانهم بشرك، ثم فَرَض عليه وعلى أمّته خمسين صلاة في اليوم والليلة.
وهناك أدله كثيرة من القرآن والسُّنَّة تدل على هذه الصفة نذكر منها: 1-الأسماء الحسنى الدالة على جميع معاني العلو له سبحانه مثل: (الأعلى؛ العلى؛المتعال؛ الظاهر؛ القاهر). 1-اسم الأعلى: قال تعالى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (الأعلى: 1). 2-اسم العلى: قال تعالى (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (البقرة: 255) (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) (النساء: 34). 3-اسم المتعال: قال تعالى(عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) (الرعد: 9). 4-اسم القاهر: قال تعالى (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) (الأنعام: 18). 5-اسم الظاهر: قال تعالى (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ) (الحديد: 3).
الدليل على اسم الظاهر من السُّنَّة قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعائه: (وأنت الظاهر فليس فوقك شيء) (13).. وهذه الأسماء تدل على معاني العلو جميعها (ذاتاً وقهراً وشأناً).
ومن ذلك التصريح بالفوقية لله عز وجل: قال تعالى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) (الأنعام: 18). وقال تعالى: (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) (النحل: 50). وقال تعالى: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) (الملك: 16).
الدليل على الفوقية من السُّنَّة: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت زينب بنت جحش تفخر على أزواج النبي صلي الله عليه وسلم تقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سموات (14).
وعن معاوية ابن الحكم السلمي قال: قلت يا رسول الله كانت لي جارية ترعى غنيمات لي من قبل أحد والجوانية وإني أطلعتها يوماً إطلاعة فوجدت ذئباً قد ذهب منها بشاة وأنا من بنى آدم آسف كما يأسفون فصككتُها صكّة فعظم ذلك على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت ألا أعتقها؟ فقال: "ادعها إلي". فقال لها: "أين الله؟". قالت: الله في السماء. قال: "فمن أنا؟". قالت: أنت رسول الله. قال: "اعتقها فإنها مؤمنة" (15).
دليل العروج: قال تعالى: (مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (المعارج: 3، 4).
ثالثا: إثبات صفة الكلام لرب الأنام فقد من الله تعالى على نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالكلام دون حجاب فقد رود ذلك في الاحاديث الصحاح ففي الحديث (فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَا أُمِرْتَ؟ قَالَ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ... فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ (16).
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: هذا من أقوى ما استُدل به على أن الله سبحانه وتعالى كلَّم نبيَّه محمَّداً -صلى الله عليه وسلم- ليلة الإسراء بغير واسطة (17).
وقال ابن كثير -رحمه الله-: (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ) يعني: موسى ومحمَّداً -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك آدم، كما ورد به الحديث المروي في "صحيح ابن حبان" عن أبي ذر رضي الله عنه.
(وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ) كما ثبت في حديث الإسراء حين رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- الأنبياء في السموات بحسب تفاوت منازلهم عند الله عز وجل (18).
قال الشيخ عبد الرحمن المحمود -حفظه الله-: ولعل العلة -والعلم عند الله سبحانه وتعالى -في تسمية موسى "كليم الله" مع أن الله كلَّم محمَّداً وكلَّم آدم: أن الله كلَّمه على الأرض وهو على طبيعته البشرية، بخلاف تكليم الله لآدم فإنه كلمه وهو في السماء، وتكليم الله لمحمَّد فإنه كلمه وقد عرج بروحه وجسده إلى السماء، أما تكليمه لموسى: فهو على الأرض، وهذا فيه خصوصية لموسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم (19).
ففي هذا إثبات صفة الكلام لرب الأنام -جل جلاله- كما ثبت في القران الكريم، وعن نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم-. تكليم الله -تعالى لآدم -عليه السلام-. عن أبي أمامة أن رجلاً قال: يا رسول الله أنبيٌّ كان آدم؟ قال: (نَعَمْ مُكَلَّمٌ) قال: فكم كان بينه وبين نوح؟ قال: (عَشْرَةُ قُرُون) (20).
تكليم الله تعالى لموسى -عليه السلام-. قال تعالى (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) النساء/ 164، وقال عز وجل (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) الأعراف/ 143، وقال سبحانه (يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي) لأعراف/ 144. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: السِّراج الوهَّاج من عِبَرٍ ودروس الإسراء والمعراج الثلاثاء 03 مارس 2020, 7:13 am | |
| رابعاً: إثبات وجود الجنة والنار اعلم بارك الله فيك أن من المتفق عليه عند الجمهور أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان وهما باقيتان، وأن الله تعالى قد أعدهما وهيأهما ليكونا مستقراً لعباده، الجنة لأهل الطاعة والإيمان، والنار لأهل الكفر والعصيان.
يقول ابن القيم: "لم يزل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتابعون وتابعوهم وأهل السنة والحديث قاطبة وفقهاء الإسلام وأهل التصوف والزهد على اعتقاد ذلك وإثباته مستندين في ذلك إلى نصوص الكتاب والسنة وما علم بالضرورة من أخبار الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم فإنهم دعوا الأمم أليها وأخبروا بها، إلى أن نبغت نابغة من القدرية والمعتزلة فأنكرت أن تكون مخلوقة الآن وقالت بل الله ينشئها يوم القيامة وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة الله فيما يفعله" (21).
ويقول ابن حزم: "ذهبت طائفة من المعتزلة والخوارج إلى أن الجنة والنار لم يخلقها بعد وذهب جمهور المسلمين إلى أنهما قد خلقتا وما نعلم لمن قال أنهما لم يخلقا" (22).
ولقد تضافرت نصوص القرآن والسنة على إثبات ما ذهب جمهور المسلمين من كون الجنة والنار مخلوقتين الآن فالله تعالى يقول في شأن الجنة: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (سورة آل عمران آية: 133)، ويقول تعالى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ (سورة الحديد آية: 21)، وغير ذلك من الآيات التي تدل على أن الجنة مخلوقة موجودة الآن.
وقد عبَّر القرآن بصيغة الماضي في قوله (أعدت) وهذا التعبير يفيد أنها مخلوقة موجودة وفي قصة المعراج يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى﴾ (سورة النجم آية: 13 – 16).
مما يفيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى سدرة المنتهى ورأى عندها جنة المأوى كما في حديث أبي رضي الله عنه في قصة الإسراء حيث يقول في آخره: "ثم أنطلق بي جبريل حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى وغشيها ألوان لا أدري ما هي؟ ثم دخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك" (23).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فاقرؤوا إن شئتم (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين) (24).
ورأى شجرة الزّقوم التي وصفها الله تعالى بقوله: (والشجرة الملعونة في القرآن) (الإسراء: 60)، وقوله: (إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم، طلعها كأنه رءوس الشياطين) (الصافات: 64 – 65).
ورأى مالكاً خازن النار، يقول الإمام البربهاري (والإيمان بأن رسول الله صلى الله عليه و سلم اسري به إلى السماء وصار إلى العرش وسمع كلام الله ودخل الجنة واطلع في النار ورأى الملائكة وسمع كلام الله عز و جل) (25).
خامسا: إثبات الحياة البرزخية ومن الدروس والعبر المستفادة من قصة الإسراء والمعراج إثبات عذاب القبر والإيمان به واجب ومنكرة كافر لان الأدلة عليه كثيرة من القرآن ومن سُنَّةِ النبي العدنان -صلى الله عليه وسلم- وقد شاهد النبي -صلى الله عليه وسلم- مشاهد من الحياة البرزخية وقبل أن نذكرها أذكركم ببعض الأدلة على إثبات تلك الحياة.
الدليل الأول: قوله تعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (غافر: 46) والمعنى المقصود أنهم يعرضون على النار فيصلهم من سمومها وعذابها كل يوم مرتين، وقد دلّ العطف في قوله: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) أن عرضهم على النار حاصلٌ قبل يوم القيامة، الأمر الذي يُثبت وجود الحياة البرزخيّة ومباينتها لعالم الآخرة.
الدليل الثاني: قوله تعالى: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ) (التوبة: 101)، والمعنى أن الله سبحانه وتعالى كتب على أولئك المنافقين أن يُعذّبوا مرّتين، إحداهما في إحداهما في الدنيا، والأخرى في القبر، وهذا الذي اختاره الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره حيث قال: "قوله جل ثناؤه: (ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ)، دلالة على أن العذاب في المرتين كلتيهما قبل دخولهم النار، والأغلب من إحدى المرتين أنها في القبر" وقد أورد كلاماً لقتادة ومجاهد والحسن رحمهم الله يدلّ على هذا المعنى.
الدليل الثالث: قوله تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (إبراهيم: 27)، ودلالته على الحياة البرزخيّة مأخوذ من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (المسلم إذا سئل في القبر، يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) متفق عليه (26)، ومعلومٌ أن سؤال الملكين هو أحد مشاهد عالم البرزخ.
الدليل الرابع: قوله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طه: 124)، والآية تبيّن أن جزاء المعرضين عن الدين والغافلين عن الذكر العقوبة بضنك العيش، والعطف في قوله تعالى: (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) يؤكّد أن هذا الضنك حاصلٌ قبل يوم القيامة، والحياة البرزخيّة داخلةٌ في هذا الإطلاق، ويدلّ على هذا الدخول أن النبي -صلى الله عليه وسلم- فسّر هذه الآية بعذاب القبر وذلك في قوله: (ثم يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه فتلك المعيشة الضنكة التي قال الله: (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) (27)، وليس في ذلك حصرٌ لمعنى الآية وقصرِه على عذاب القبر فالآية أعم من ذلك.
الدليل الخامس: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: مَرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بحائط من حيطان المدينة أو مكة، فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يعذبان، وما يعذبان في كبير)، ثم قال: (بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة). ثم دعا بجريدة، فكسرها كسرتين، فوضع على كل قبر منهما كسرة، فقيل له: يا رسول الله، لم فعلت هذا؟ قال: (لعله أن يخفف عنهما ما لم تيبسا) أو: (إلى أن ييبسا) (28)، والشاهد أن الحديث يُثبت عذاب القبر الحاصل في الحياة البرزخيّة.
الدليل السادس: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخلت عليّ عجوزان من عُجَز يهود المدينة، فقالتا: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم، فكذبتهما ولم أنعم أن أصدقهما، فخرجتا، ودخل عليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت له: يا رسول الله إن عجوزين من عُجَز يهود المدينة دخلتا علي، فزعمتا أن أهل القبور يعذبون في قبورهم، فقال: (صدقتا، إنهم يعذبون عذاباً تسمعه البهائم)، تقول عائشة رضي الله عنها: فما رأيته، بعد في صلاة إلا يتعوّذ من عذاب القبر" (29).
الدليل السابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال) (30).
أما أقوال الأئمة في إثبات عذاب القبر فكثيرة جداً، وقد اتفقت كلمة فقهاء المذاهب الأربعة على إثبات عذاب القبر أو نعيمه، كما أن لشيخ الإسلام ابن تيمية أقول كثيرة تؤكد هذا الأمر ومن ذلك قوله: "ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- مما يكون بعد الموت، فيؤمنون بفتنة القبر وبعذاب القبر ونعيمه" (31).
رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- للمنعمين والمعذبين ليلة الإسراء والمعراج: عَن أبي هُرَيرة، قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: رأيت موسى يصلي في قبره ليلة أسري بي) (32).
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم!)) (33).
عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رَجُلًا يَسْبَحُ فِي نَهَرٍ وَيُلْقَمُ الْحِجَارَةَ، فَسَأَلْتُ مَا هَذَا، فَقِيلَ لِي: آكِلُ الرِّبَا" (34).
عن ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مررت ليلة أسري بي برائحة طيبة، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ فقال: هذه ماشطة ابنة فرعون كانت تمشطها، فوقع المشط من يدها، فقالت: بسم الله. فقالت ابنة فرعون: أبي؟ فقالت: ربي وربك ورب أبيك. قالت: أقول له؟ قالت: قولي. فقالت. فقال لها: ألك من رب غيرى؟ قالت: ربي وربك الذي في السماء. قال: فأحمى لها بقرة من نحاس؟ وقالت له: لي إليك حاجة. قال: وما حاجتك؟ قالت: حاجتي أن تجمع بين عظامي وبين عظام ولدي. قال: ذلك لك، لما لك علينا من الحق. فألقاها وولدها في البقرة واحدا واحدا، وكان لها صبي فقال: يا أمتاه فاصبري، فإنك على الحق". قال ابن عباس: أربعة تكلموا وهم صغار: ابن ماشطة فرعون، وصبي جريج، وعيسى بن مريم، والرابع لا أحفظه (35). |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: السِّراج الوهَّاج من عِبَرٍ ودروس الإسراء والمعراج الثلاثاء 03 مارس 2020, 7:15 am | |
| ثامناً: بدعية الاحتفال بالإسراء والمعراج يقول أبو شامة -رحمه الله-فالواجب على العالم فيما يرد عليه من الوقائع وما يسأل عنه من الشرائع الرجوع إلى ما دل عليه كتاب الله المنزل وما صح عن نبيه المرسل وما كان عليه الصحابة ومن بعدهم من الصدر الأول فما وافق ذلك أذن فيه وأمر وما خالفه نهى عنه وزجر فيكون قد آمن بذلك واتبع ولا يستحسن فإن من استحسن فقد شرع (36).
جمع السلف الصالح على أن اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية من البدع المحدثة التي نهى عنها -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"، وبقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وبقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ عمل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رد".
فالاحتفال بليلة الإسراء والمعراج بدعة مُحدثة لم يفعلها الصحابة والتابعون، ومن تبعهم من السلف الصالح، وهم أحرص الناس على الخير والعمل الصالح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولا يعرف عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلة على غيرها، لاسيما على ليلة القدر، ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور ولا يذكرونها، ولهذا لا يعرف أي ليلة كانت" (37).
وقد رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه جماعة يتبادرون مكانًا يصلون فيه فقال: ما هذا؟ قالوا: مكان صلى فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟! إنما هلك من كان قبلكم بهذا، فمن أدركته فيه الصلاة فليصل، وإلا فليمض.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن من شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها، والله سبحانه وتعالى أعلم" (38).
وقال ابن الحاج: "ومن البدع التي أحدثوها فيه أعني في شهر رجب ليلة السابع والعشرين منه التي هي ليلة المعراج...." (39).
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في رده على دعوة وجهت لرابطة العالم الإسلامي لحضور أحد الاحتفالات بذكرى الإسراء والمعراج، بعد أن سُئِلَ عن ذلك: "هذا ليس بمشروع، لدلالة الكتاب والسنة والاستصحاب والعقل: أما الكتاب: فقد قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً) (المائدة: 3)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) (النساء: 59)، والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو الرجوع إليه في حياته، وإلى سُنَّتِهِ بعد موته، وقال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران: 31)، وقال تعالى: (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور: 63).
وأما السُّنَّة: فالأول: ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" (40).
الثاني: روى الترمذي وصححه، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه عن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة ضلالة..." (41).
وأما الاستصحاب: فهو هنا استصحاب العدم الأصلي.
وتقرير ذلك أن العبادات توقيفية، فلا يُقال: هذه العبادة مشروعة إلا بدليل من الكتاب والسُّنَّة والإجماع، ولا يُقال: إن هذا جائز من باب المصلحة المُرسلة، أو الاستحسان، أو القياس، أو الاجتهاد؛ لأن باب العقائد والعبادات والمقدرات كالمواريث والحدود لا مجال لذلك فيها.
وأما المعقول: فتقريره أن يُقال: لو كان هذا مشروعًا لكان أولى الناس بفعله محمد -صلى الله عليه وسلم-، هذا إذا كان التعظيم من أجل الإسراء والمعراج، وإن كان من أجل الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإحياء ذكره كما يفعل في مولده -صلى الله عليه وسلم- فأولى الناس به أبو بكر -رضي الله عنه- ثم عمر ثم عثمان ثم علي -رضي الله عنهم-، ثم من بعدهم الصحابة على قدر منازلهم عند الله، ثم التابعون ومن بعدهم من أئمة الدين، ولم يعرف عن أحد منهم شيء من ذلك فيسعنا ما وسعهم".
ثم ساق رحمه الله كلام ابن النحاس في كتابه تنبيه الغافلين حول بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، جاء فيه: "إن الاحتفال بهذه الليلة بدعة عظيمة في الدين، ومحدثات أحدثها إخوان الشياطين" (42).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى-: (ولا شرع للمسلمين تخصيص الليلة التي يظن أنها ليله الإسراء بقيام ولا غيره إلى أن قال: ولا يعرف عن أحد من المسلمين انه جعل لليلة الإسراء بأمر من الأمور ولا ذلك المكان بعبادة شرعية بل غار حراء الذي ابتدئ فيه بنزول الوحي، وكان يتحراه قبل النبوة لم يقصده هو ولا أحد من أصحابه بعد النبوة مدة مقامة بمكة، ولا خص المكان الذي ابتدئ فيه بالوحي، ولا الزمان بشيء، ومن خص الأمكنة والأزمنة من عنده بعبادات لأجل هذا وأمثاله كان من جنس أهل الكتاب الذين جعلوا زمان أحوال المسيح مواسم وعبادات كيوم الميلاد ويوم التعميد وغير ذلك من أحواله) (43). |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: السِّراج الوهَّاج من عِبَرٍ ودروس الإسراء والمعراج الثلاثاء 03 مارس 2020, 7:18 am | |
| المبحث الثاني: دروس تربوية وأخلاقية ودعوية أولاً: أن في المحن منح وأن الفرج مع الكرب اعلم علمني الله وإياك: أنه توالت على رسول الله قبيل حادثة الإسراء والمعراج الحوادث والأزمات الكثيرة، فإلى جانب ما كان يلاقيه من عنتٍ وعذاب الكفار له وتصديهم لدعوته وإنزال الأذى والضرر به وبمن تبعوه، فَقَد نصيرًا وظهيرًا له هو عمه أبو طالب، وكذلك فَقَد شريكة حياته وحامية ظهره السيدة خديجة التي كانت له السند والعون على تحمُّل الصعاب والمشقات في سبيل تبليغ دعوته السامية، فكلاهما مات قبيل حادثة الإسراء والمعراج؛ ومن هنا كان إنعام الله على عبده ورسوله محمد بهذه المعجزة العظيمة؛ تطيبا لخاطره وتسرية له عن أحزانه وآلامه... ثم ليشهد فيها من عجائب المخلوقات وغرائب المشاهد.
ماذا قال في الطائف؟ صدقوا أنه ما من دعاء ينطبق على المسلمين اليوم كهذا الدعاء، ((اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا رب المستضعفين)) (44).
والله الأمَّة الإسلامية بأكملها، المليار وخمسمئة مليون مسلم، بدءاً من قاعدتها إلى قممها، لا وزن لها في الأرض، بأي شيء لا يعبأ بها، ولا باحتجاجها، ولا بغضبها، ولا بتنديدها، كأنها غير موجودة، مع أن الثروات عندها، والموقع الاستراتيجي عندها، وبيدها خيارات لا تعد ولا تحصى، ولكن فتتوها، وجزئوها، وجعلوها مشرذمة، هذا الذي حصل.
((اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، يا رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى صديق يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟ اللهم إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لي)) (45).
فكافأه الله تعالى بما يلي: 1 -استجابة عبد يسمى عداس إلى الإسلام بعد رفض الكثير له، وهداية واحد خير من الدنيا وما عليها. 2-ساق الله إليه نفرًا من الجن يستمعون القرآن وأحسنوا الاستماع والإنصات ثم فهموا واجبهم فولوا إلى قومه منذرين. 3-استجابة ستة من أهل يثرب هم طلائع الدعوة في المدينة المنورة والتمكين للإسلام في الأرض، ومنهم أسعد بن زرارة وعوف بن الحارث، ورافع بن مالك، وقطبة بن عامر وعقبة بن عامر، وجابر بن عبد الله، هذا بعد أن رفضت كل القبائل الأخرى منهم بنو كلب وبنو حنيفة، وبنو عامر بن صعصعة وفزارة وغسان دمرة وسليم وعيس وبنو نضر وكندة وعذرة والحضارمة. وهؤلاء كانوا نواة الدعوة التي نشرت الإسلام في يثرب وتحولت بهم الجماعة الإسلامية المطاردة في مكة إلى دولة ذات عز وتمكين في المدينة المنورة. 4-عدد من أشراف قبائلهم وقومهم منهم سويد بن الصامت الشاعر وإياس بن معاذ وأبو ذر الغفاري والطفيل بن عمرو الدوسي سيد قبيلة دوس. 5-الإسراء إلى بيت المقدس والمعراج إلى الملأ الأعلى فدنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى.
ثانياً: العبودية أعلى مقام للبشر اعلم زادك الله علما: أن من علو قدر النبي-صلى الله عليه وسلم- عند ربه أنّ الله تعالى لا يخاطبه باسمه وإنما يخاطبه بوصف النبوة والرسالة بقوله: ﴿يا أيها النبيُّ﴾، و ﴿يا أيها الرسولُ﴾ وإنما ذكر أسمه الشريف في خمسة مواضع من القرآن الكريم جاءت بصيغة الإخبار لا الإنشاء، قال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾، وقال: ﴿وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ ولكن في آية الإسراء وصفه بوصف آخر، ألا وهو: وصف العبودية.
وحكمة ذلك والله أعلم أنَّ الإنسان الذي أسري به هو بشرٌ مثلُكم وهو محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- وليخبرنا الله تعالى لو أن نبيكم رفع إلى السماء أو مشى على الماء أو طار في الهواء فهو عبد يتشرَّف بنسبته إليّ، ولا ينبغي لأحد أن يتعالى ويدّعي مقاماً فوق الخلق فلا تضل به أمته فتجعله إلهاً يُعْبد حاشاه عن ذلك، كما ضلت أمَّة المسيح حيث ادّعته إلهاً.
وليثبت لنا أن العبوديةَ له هي أسمى المراتب التي يصلُ إليها الإنسان.. فالعبوديةُ لله عزّةٌ ما بعدها عزّة.. وعطاء ما بعده عطاء.
إذن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتَ أنظارَنا إلى (أنّ العبودية له هي أعلى وسام ينعم الله به على الفرد، قال تعالى: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) (الإسراء: 3)، وقال عن أيوب عليه الصلاة والسلام: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص: 44) ألا ترى أنه لما ذكر موسى عليه السلام عند المناجاة باسمه فقال: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) (الأعراف: 143).
قال أبو حيان: (لو كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- اسمٌ أشرف منه لسمَّاه به في تلك الحالة) (46).
قال ابن عجيبة: (العبودية أشرف الحالات وأرفع المقامات، بها شَرَفُ من شَرُفَ، وارتفعَ من ارتفعَ، عند الله، وما خاطب الله أحبَّاءه إلا بالعبودية، فقال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) (الإسراء: 1)، وقال: (وَاذْكُرْ عَبدَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ) (صَ: 45)، (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ) (صَ: 17)، (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيْوُّبَ) (صَ: 41)، (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (صَ: 30)... إلى غير ذلك) (47).
ثالثاً: الثبات على الحق والتزام المبدأ ويتضح ذلك من المشهد الذي رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- لماشطة ابنة فرعون،عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَمَّا كانت الليلةُ التي أسري بي فيها، أتتْ عليَّ رائحةٌ طيبة، فقلت: يا جبريل، ما هذه الرائحة الطيبة؟، فقال: هذه رائحة ماشطةِ ابنةِ فرعون وأولادها، قال: قلت: وما شأنها؟، قال: بينا هي تمشط ابنةَ فرعون ذات يوم إذْ سقطتْ المدْرَى من يديها، فقالت: بسم الله، فقالت لها ابنة فرعون: أبي!، قالت: لا، وَلكن ربي ورب أبيكِ الله، قالت: أُخْبِره بذلك؟، قالت: نعم، فأخبرتْه، فدعاها، فقال: يا فلاَنة، وِإن لكِ رَباً غيري؟، قالت: نعم، ربي وربُّك الله، فأمر ببقرةٍ: من نحاس فأُحْميَتْ، ثم أَمر بها أن تلقى هي وأولادُها فيها، قالت له: إن لي إليك حاجة، قالَ: وما حاجتكِ؟، قالت: أحِبُ أن تجمع عظامي وعظامَ ولدي في ثوب واحد وتدفننا، قال: ذلك لك علينا من الحق، قال: فأمر بِأولادها فأُلقوا بين يديها واحداً واحداً، إلى أن انتَهى ذلك إلى صبي لها مُرْضعٌ، وكأنها تقاعستْ من أجله، قال: يا أُمَّه، اقتحمي، فإن عذاب الدنيا أهونُ من عذاب الآخرة، فاقتحمتْ"، قال: قال ابن عباس: تكلم أربعة صغار: عيسى ابنُ مريم عليه السلام، وصاحب جُرَيْج، وشاهد يوسف، وابن ماشطة ابنة فرعون (48).
رابعاً: إرث الأمَّة الإسلامية للمسجد الأقصى ومِن ذِكْرى الإسراء والمعراج يجب ألاَّ ننسى أنَّ القدس وديعةُ سيِّدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكلِّ المسلمين، ففي درج البيان الذي يَشرحُ التاريخَ رسالةٌ هامَّةٌ لكلِّ مسلم: أنَّ عليه واجبًا نحوَ البيت المقدس أيًّا كان موقعُه وموضعُه، وفحواها: أنَّ التاريخَ قد سجَّل منذُ أزمان أنَّ أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب قد فَتَحها، وأنَّ صلاح الدِّين الأيوبيَّ قد حرَّرها، فسجِّلوا أنفسكم في ديوان النصر، فإنَّه قادم لا محالة، وقد يُبطئ زمنًا؛ لكن له موعدٌ قدَّره ربُّنا الرحمن سبحانه.
فالقدس قدسية إسلامية، وهي تمثل في حس المسلمين ووعيهم الإسلامي: 1-القدس: القبلة الأولى: أول ما تمثله القدس في حس المسلمين وفي وعيهم وفكرهم الديني أنها القبلة الأولى التي ظل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يتوجهون إليها في صلاتهم منذ فرضت الصلاة ليلة الإسراء والمعراج وظلوا يصلون إليها في مكة، وبعد هجرتهم إلى المدينة، حتى نزل القرآن يأمرهم بالتوجه إلى الكعبة،كما قال تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (البقرة: 149).
2-القدس ثالث المدن المعظمة: القدس ثالث المدن المعظمة في الإسلام فالمدينة الأولى هي مكة المكرمة، التي شرفها الله بالمسجد الحرام، والمدينة الثانية هي طيبة (أي المدينة المنورة)، التي شرفها الله بالمسجد النبوي، والتي ضمت قبره -صلى الله عليه وسلم-، والثالثة مدينة القدس، التي شرفها الله بالمسجد الأقصى.
وقد أعلن القرآن عن أهمية المسجد الأقصى وبركته، قبل بناء المسجد النبوي، وقبل الهجرة بسنوات، والإسلام حين جعل المسجد الأقصى ثالث المسجدين العظيمين في الإسلام، وبالتالي أضاف القدس إلى المدينتين الإسلاميتين المعظمتين (مكة والمدينة) ليقرر مبدأً هاماً من مبادئه، وهو أنه جاء ليبني لا ليهدم، وليتمم لا ليحطم، فالقدس كانت أرض النبوات، والمسلمون أولى الناس بأنبياء الله ورسله كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليهود المدينة: ((نحن أولى بموسى منكم)) (49).
3-القدس أرض النبوات والبركات: القدس هي جزء من أرض فلسطين، ولقد وصف الله هذه الأرض بالبركة في خمسة مواضع في كتابه العزيز: أ- (لَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) (الإسراء: 1) في سورة الإسراء حين وصف المسجد الأقصى بهذا. ب-(وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 71) حين تحدث في قصة خليله إبراهيم. ت-(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) (الأعراف: 137) في قصة موسى حيث قال هذا عن بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وجنوده. ث- (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ) (الأنبياء: 81) وهذا في قصة سليمان وما سخر الله له من ملك لا ينبغي لأحد بعده ومنه تسخير الريح. ج - (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ) (سبأ: 18) في قصة سبأ وكيف من الله عليهم بالأمن، فهذه القرى التي بارك الله فيها هي قرى الشام وفلسطين. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: السِّراج الوهَّاج من عِبَرٍ ودروس الإسراء والمعراج الثلاثاء 03 مارس 2020, 7:20 am | |
| خامساً: وحدة الأديان السماوية واعلم أن صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأنبياء إماماً لهم في بيت المقدس دليل على وحدة الأديان السماوية، وأنها كلها من مشكاة واحدة، وأن الدين الخاتم، الذي نسخ الأديان قبله، وأصبح على كل من عرفه أن يؤمن به هو الإسلام.
قال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران: 85).
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده، لو كان موسى حياً، ما وسعه إلا أن يتبعني" حسنه في الإرواء.
ويحسم هذه المسألة قول النبي -صلى الله عليه وسلم- الصريح: "وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ: يَهُودِىٌّ وَلاَ نَصْرَانِي، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ" مسلم.
فهل هو دين واحد، نسعى لإقناع غيرنا به بالتي هي أحسن، أم هو التعايش بين الإسلام وأديان أخرى تناقض التوحيد، وتشرك برب العالمين؟
سادساً: الأعلام المُضلل وأثره في قصة الإسراء والمعراج واعلم بارك الله فيك: أن الآلة الإعلامية المضللة تقف أمام الحق وتشوه وجهه الجميل وتزيف الحقائق وترمي بالتهم التي هي نابعة عن حقد دفين وحسد بغيض عن ابن عباس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لما كان ليلة أسري بي، وأصبحت بمكة، فظعت بأمري، وعرفت أن الناس مكذبي" فقعد معتزلاً حزيناً، قال: فمر به عدو الله أبو جهل، فجاء حتى جلس إليه، فقال له كالمستهزئ: هل كان من شيء؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نعم" قال: ما هو؟ قال: "إنه أسري بي الليلة" قال: إلى أين؟ قال: "إلى بيت المقدس؟" قال: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: "نعم" قال: فلم ير أنه يكذبه، مخافة أن يجحده الحديث إن دعا قومه إليه، قال: أرأيت إن دعوت قومك تحدثهم ما حدثتني؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نعم". فقال: هيا معشر بني كعب بن لؤي حتى قال: فانتفضت إليه المجالس، وجاءوا حتى جلسوا إليهما، قال: حدث قومك بما حدثتني. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني أسري بي الليلة، قالوا: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس، قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟" قال: "نعم" قال: فمن بين مصفق، ومن بين واضع يده على رأسه، متعجباً للكذب زعم قالوا: وهل تستطيع أن تنعت لنا المسجد؟ وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد، ورأى المسجد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فذهبت أنعت، فما زلت أنعت حتى التبس علي بعض النعت"، قال: "فجيء بالمسجد وأنا أنظر حتى وضع دون دار عقال أو عقيل فنعته، وأنا أنظر إليه"، قال: "وكان مع هذا نعت لم أحفظه" قال: "فقال القوم: أما النعت فوالله لقد أصاب" (50).
سابعاً: الثبات على المبدأ قد كان حادث الإسراء مُستغربًا عند البشر، إلا أن رجلاً كأبي بكر الصديق لم يُخالجْ هذا الاستغراب داخله، ولم يتردَّد في تصديقه؛ قال له الكفار: إن صاحبك يزعم أنه أُسري به الليلة إلى بيت المقدس ثم عاد، ونحن نقطع أكباد الإبل شهرًا ذهابًا وشهرًا إيابًا، وكان أبو بكر فطنًاً فلم يقل لهم مباشرة: لقد صدق؛ لاحتمال أنهم افتعلوا هذا الأمر ونسبَوه إلى المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إنما قال: إن كان قال فقد صدق؛ إني أصدِّقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدِّقه في خبر السماء، فاستحق بهذا التصديق أن يكون صدِّيقًا، بل مِن حينها كان جديرًا أن يكون ثاني اثنين، واستحقَّ أن يكون إيمانه أثقل من إيمان الأمَّة جميعها.
وقصة الإسراء والمعراج هي قضية الثبات على المبدأ المتمثِّل في موقف سيدنا أبي بكر -رضي الله عنه- وقضية القدرة الإلهية التي تُضمِّد جراح المُخلِصين لها وتمدُّهم بالعون والمدَد، والقصَّة العظيمة يجب ألا تقاس بمقياس العقول البشرية، وهي تدعو الدعاة إلى الصبر على الطريق غير المحفوف بالورود، وتوجِّه رسالةً إلى المسلمين أن يستيقظوا من رقدتِهم الطويلة، وأن يهبُّوا هبَّة رجل واحد لتطهير بيت المقدس من أعداء الله الذين قالوا ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ (المائدة: 64)، الذين ذهبوا إلى قبر صلاح الدين ونادَوا عليه وقالوا: ها نحن هنا يا صلاح الدين.
ثامناً: فضل التجربة يؤخذ أيضاً من خطاب موسى -عليه الصلاة والسلام- مع رسول الله: فضل التجربة وأنها قد تفوق المعرفة الكثيرة، فموسى قد جَرَّبَ بني إسرائيل وعالجهم كما قال، فنصح النبي -صلى الله عليه وسلم- بما خبر الناس به.
تاسعاً: بذل لنصيحة لمن يحتاج إليها ولو لم يستشر الناصح فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يستشر موسى، لكن موسى رأى ذلك واجباً عليه، يٌبدى النصيحة قبل أن يُسألها، فأشار على النبي -صلى الله عليه وسلم- بما رآه خيراً.
عاشراً: الدين الإسلامي ليس بالعقل وإنما بالوحي والنص فالعقول لا تستقل بإدراك مصالحها دون الوحي، فمن استعمل عقله في خبر الإسراء والمعراج وتجاهل النص أضله عقله، ومن سلَّم للنص واستسلم له، وفِّق وهُدِي.
الحادي عشر: شق صدره -صلى الله عليه وسلم- في ليلة الإسراء يقول ابن حجر-رحمه الله-: بل ثلاث مرات ولكل حكمة: فالأول كان في زمن الطفولة لينشأ على أكمل الأحوال من الحفظ من الشيطان، ثم كان عند البعث زيادة في إكرامه، ليتلقى ما يوحى إليه بقلب قوي، في أكمل الأحوال من التطهير، ثم عند الإسراء ليتأهب للمناجاة، وقال أيضاً كلاماً رائعاً: "ويحتمل أن تكون الحكمة في هذا الغسل، لتقع المبالغة في الإسباغ لحصول المرة الثالثة، كما هي شرعته -صلى الله عليه وسلم- في الطهارة (51).
الثاني عشر: لماذا كان الإسراء ليلاً؟ قال ابن المنير: إنما كان الإسراء ليلاً: لأنه وقت الخلوة والاختصاص عرفاً، ولأنه وقت الصلاة التي كانت مفروضة عليه في الليل، وليكون أبلغ للمؤمن في الإيمان بالغيب وفتنة للكافر، بالإضافة إلى أن الله تعالى أكرم أقواماً في الليل بأنواع الكرامات، كقوله في قصة إبراهيم: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) (الأنعام: 76)، وفي لوط: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) (هود: 81)، وفي موسى (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً) (الأعراف: 142)، وناجاه ليلاً وأخَّر إخراج قومه ليلا في قوله (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا) (الدخان: 23)، واستجابة دعاء يعقوب فيه، وهو المراد في قوله: (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) (يوسف: 98)، قال المفسرون: " أخَّره إلى وقت السحر من ليلة الجمعة" (52).
الثالث عشر: السر في ربط البراق في الحلقة التي يربط بها الأنبياء الأخذ بالأسباب، فالأخذ بالأسباب غير قادح في التوكل والاعتماد على الله، لأن التوكل الصحيح إنما يكون بعد بذل السبب (53).
الربع عشر: السر في استفتاح جبريل أبواب السماء يقول السيوطى -رحمه الله-: "لأن الأبواب كانت مغلقة، وإنما لم تهيأ له بالفتح قبل مجيئه -وإن كان أبلغ في الإكرام- لأنه لو رآها مفتحة لظن أنها لا تزال كذلك، ففعل ذلك ليعلم أن ذلك لأجله تشريفاً، ولأن الله أراد أن يطلعه على كونه معروفاً عند أهل السماوات أيضا، لأنه قيل لجبريل لَمَّا قال محمد: أبعث إليه؟ ولم يقل ومَنْ محمد؟ مثلاً" (54).
الخامس عشر حكمة لقاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأنبياء قيل: الحكمة في الاقتصار على المذكورين؟ إشارة إلى ما سيقع له -صلى الله عليه وسلم- مع قومه من نظير ما وقع لكل منهم، فأما آدم فوقع التنبيه بما وقع له من الخروج من الجنة إلى الأرض بما سيقع من الهجرة إلى المدينة، والجامع بينهما ما حصل لكل منهما من المشقة وكراهة فراق ما ألفه من الوطن، ثم كان عاقبة كل منهما أن رجع إلى موطنه الذي أخرج منه، وبعيسى ويحيى على ما وقع له أو الهجرة من عداوة اليهود وتمالئهم على البغي عليه، وبيوسف على ما وقع له مع أخواته من قريش من نصبهم الحرب له وإرادتهم هلاكه، وكانت العاقبة له وقد أشار إلى ذلك بقوله لقريش يوم الفتح، أقول كما قال أخي يوسف ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ﴾ (يوسف: 92)، وبإدريس على رفع منزلته عند الله، وبهارون على أن قومه رجعوا إلى محبته بعد أن آذوه، وبموسى على ما وقع له من معالجة قومه، وقد أشار إلى ذلك بقوله: "لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر" (55).، وبإبراهيم في استناده إلى البيت المعمور بما ختم له -صلى الله عليه وسلم- في آخر عمره من إقامة منسك الحج، وتعظيم البيت (56). |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: السِّراج الوهَّاج من عِبَرٍ ودروس الإسراء والمعراج الثلاثاء 03 مارس 2020, 7:22 am | |
| السادس عشر وصف الأنبياء للنبي بالصالح فقط لأن الصلاح صفة تشتمل خلال الخير، ولذا كَرَّرَهَا كُلٌ منهم عند كل صفة.
السابع عشر: بكاء موسى عليه الصلاة والسلام لم يكن بكاء موسى وقوله ما قال حسداً معاذ الله، فإن الحسد في ذلك العالم منزوع عن آحاد المؤمنين فكيف لمن اصطفاه الله، بل كان بكاؤه أسفاً على ما فاته من الأجر التي يترتب عليه رفع الدرجة، بسبب ما وقع من أمته من كثر المخالفة المقتضية لنقص أجورهم، المستلزمة لنقص أجره لأن لكل نبي مثل أجر من تبعه، وقوله: "غلام"، على سبيل التنويه بعظمة الله وقدرته وعظيم كرمه، إذا أعطى من كان في مثل هذه السِّنِّ، ما لم يُعطه أحداً قبله من هو أسَنُّ منه، لا على سبيل التنقيص (57).
الثامن عشر: تخصيص موسى بمراجعة النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمر الصلوات لكون أمَّة موسى كلفت من الصلوات بما لم يكلف به غيرها من الأمم، فثقلت عليهم فأشفق موسى على أمَّة محمد -صلى الله عليه وسلم- من مثل ذلك (58).
التاسع عشر: من عطايا الله لنبيه في ليلة الإسراء والمعراج روى مسلم بسنده المتصل إلى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الْأَرْضِ، فَيُقْبَضُ مِنْهَا، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا، قَالَ: (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى) (النجم: 16)، قَالَ: فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ثَلَاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا، الْمُقْحِمَاتُ) (59)، و(الْمُقْحِمَاتُ): الذنوب العظام الكبائر، التي تهلك أصحابها وتوردهم النار، وتقحمهم إياها، والتقحم: الوقوع في المهالك (60).
العشرون: الإيمان بطلاقة القدرة الإلهية (61). التي لا تحدها حدود والتي أسرت برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة المكرمة إلى بيت المقدس، ثم عرجت به إلى سدرة المنتهى عبر السموات السبع، ثم أعادته إلى بيت المقدس ليصلي إماما بجميع أنبياء الله تأكيدا لمقامه -صلى الله عليه وسلم- ثم رجعت به إلى بيته في مكة المكرمة ليجد فراشه لا يزال دافئاً، فقد أوقف الله -تعالى- له الزمن، وطوى المكان، ولا يقدر على ذلك إلا رب العالمين.
وهنا يجدر التأكيد على أن كلاً من الزمان والمكان هو من خلق الله، وأن الله -تعالى- قادر على إيقاف الزمن، وعلى طي المكان لمن يشاء من عباده.
ولكي ندرك ضخامة هذه المسافات أذكر: أن أبعد نجم أدركه الفلكيون في السماء الدنيا يبعد عنا مسافة تقدر بحوالي 36 بليون سنة ضوئية، والسنة الضوئية تقدر بنحو (9،5 مليون مليون كم). بمعنى أنه لو فرضنا جدلا أن الإنسان تمكن من صنع مركبة فضائية تتحرك بسرعة الضوء (وهذا مستحيل) فإنه سوف يحتاج إلى 36 بليون سنة ليصل إلى آخر ما نرى من نجوم السماء الدنيا. فما بالنا بست سموات فوق ذلك إلى سدرة المنتهى، حيث شرف المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بالمثول بين يدي ربه، وتلقى منه الأمر بخمس صلوات في اليوم والليلة.
الحادي والعشرون: الإيمان بأن الله -تعالى- الذي خلق كلاً من المادة والطاقة، والمكان والزمان، هو فوق ذلك كله، ومنزه عن جميع صفات خلقه، وعن كل وصف لا يليق بجلاله، فلا تحده حدود أي من المكان أو الزمان، ولا حدود أي من المادة أو الطاقة، وهو -تعالى- قادر على إفناء خلقه وعلى إعادة بعثه (62).
الثاني والعشرون: التأكيد على فضل الصلاة التي فرضت من الله -تعالى- مباشرة إلى خاتم أنبيائه ورسله -صلى الله عليه وسلم- وهي على ذلك تعتبر معراج المسلم إذا أدى حقها بالخشوع والاطمئنان المطلوبين، حتى يستشعر لذة مناجاة الله في الصلاة، كما أصبح السعي إليها في صلاة العشاء والفجر يمثل مسرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن هنا كانت آخر ما أوصى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل وفاته (63).
الثالث والعشرون: التحذير من مخاطر المفاسد السلوكية على الإنسان أفراداً ومجتمعات، وعلى شدة العقوبة عليها في الدنيا قبل الآخرة تحريما لها، ومنعا للوقوع فيها، فقد شاهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المرائي في رحلة المعراج ما يفزع كل عاقل من الوقوع في أي منها، فقد رأى عقوبات عدد من الجرائم مثل الزنا، ومنع الزكاة، والوقوع في الغيبة والنميمة، وأكل أموال اليتامى ظلما، وأكل الربا، وأكل أموال الناس بالباطل، كما رأى عقاب خطباء الفتنة، وجزاء تضييع الأمانة، وغير ذلك من الجرائم التي قد يقع فيها كثير من الناس، ولو أدركوا هول العقاب على كل جريمة من هذه الجرائم ما وقعوا فيها أبداً.
كذلك رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أثناء عروجه في السموات العلى بعض ثواب المجاهدين في سبيل الله الذين تضاعف لهم حسناتهم إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة... والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم (64).
الرابع والعشرون: من جوانب الإعجاز العلمي في وصف القرآن الكريم لرحلة الإسراء والمعراج 1-الدقة المطلقة في التسمية: فالإسراء هو السفر بالليل، والمعراج هو الصعود في السماء في خطوط متعرجة، وذلك لأن جميع صور المادة والطاقة لا يمكنها التحرك في خطوط مستقيمة في السماء لتباين جذب الأجرام السماوية المختلفة لها. 2-اختيار الأماكن بدقة بالغة بين مكة المكرمة، ويثرب، وبيت المقدس والربط بين قدسيتها، وهو ربط يؤكد وحدة رسالة السماء، والأخوة بين الأنبياء، مما يفرض على جميع المسلمين حماية هذه المقدسات من مطامع الطامعين، وهمجية ووحشية أعداء الدين. 3-تعاظم المسافات التي قطعها المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في رحلة الإسراء والمعراج مما يؤكد على طي المكان وإيقاف الزمان له، والله- تعالى- على كل شيء قدير. 4-تعاظم القوة اللازمة للإفلات من جاذبية الأرض، وعدم توافر الوسائل المعينة على ذلك في زمن يتقادم بأكثر من ألف وأربعمائة سنة عن زماننا الراهن، مما يؤكد على ضخامة المعجزة. 5-حماية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المخاطر التي تواجه الفرد العادي عند الريادة في الفضاء من التباين الهائل في درجات كل من الحرارة، والضغط، وتناقص نسبة الأكسجين، وتزايد نسب الغازات الخاملة، ومخاطر كل من الإشعاعات الكونية، والشهب، والنيازك، وظلمة الكون، وما لا نعرفه غير ذلك من المخاطر، ووقوع الإسراء والمعراج بالجسد والروح، وفي حالة من اليقظة الكاملة وسط كل هذه المخاطر يمثل أعظم المعجزات التي مرت في تاريخ البشرية على الإطلاق (65). |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: السِّراج الوهَّاج من عِبَرٍ ودروس الإسراء والمعراج الثلاثاء 03 مارس 2020, 7:25 am | |
| الخامس والعشرون: التوفيق من الله تعالى ومن دروس الإسراء والمعراج أن التوفيق من الله تعالم فالموفق هو مَنْ وفَّقَهُ الله وسدَّده، ويظهر ذلك فيما يلي..
تعريف التوفيق: التّوفيق هو: الإلهامَ للخَيْر، يقال: وَفَّقهُ اللهُ أي ألهمه إيّاه وسدّد خُطْاه وأنْجَحه فيما سعى إليه، أَمَّا الخذلان فمعناه: تَرْكُ الْعَوْنِ، يقال خذَله اللهُ: أي: تخلَّى عن نصرته وإعانته، وفي التنزيل: (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ)، أي: وإِنْ أراد خذلانكم وترك معونتكم فلا ناصر لكم.
والخَذول صيغة مبالغة أي كثير الخذلان، وهو من يتخلّى عن نصرة صاحبه ومساعدته في أحرج الأوقات، قال تعالى: (وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً) أي يُضله ويُغويه ويزين له الباطل ويقبح له الحق، ويَعِدُهُ الأماني ثم يتخلى عنه وقت الحاجة فلا ينقذه ولا ينصره. التوفيق من الله تعالى: أيها الإخوة الأحباء: اعلموا أن التوفيق إنما مصدره واحد ألا وهو الواحد جل جلاله وعظم سلطانه، قال شعيب -عليه السلام-: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (هود: 88).
قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: وما توفيقي إلا بالله -التوفيق ضد الخذلان، وهو الفوز والفلاح في إصابة الإصلاح وكل عمل صالح وسعي حسن، فإن حصوله يتوقف على التوفيق بين شيئين: أحدهما كسب العامل وطلبه الشيء من طريقه، وثانيهما موافقة الأسباب الكونية والخارجية التي يتوقف عليها النجاح في كسبه وسعيه، وتسخيرها إنما يكون من الله وحده.
والمعنى: وما توفيقي لإصابة ذلك فيما أستطيعه منه إلا بحول الله وقوته، وفضله ومعونته، وأعلاها ما خصني به دونكم من نبوته ورسالته -عليه توكلت- في أداء ما كلفني من تبليغكم ما أرسلت به، لا على حولي وقوتي -وإليه أنيب- أي وإليه وحده أرجع في كل ما نابني من الأمور في الدنيا، وإلى الجزاء على أعمالي في الآخرة، فأنا لا أرجو منكم أجراً، ولا أخاف منكم ضراً (66).
قال ابنُ القيّم -رحمه الله-: "أجمع العارفون بالله أنَّ التوفيق هو أن لا يَكِلَكَ الله إلى نفسك، وأن الخذلان هو أن يُخْلِيَ بينك وبين نفسك" (67).
وبهذا جاء التوجيه النبوي الكريم، فَعَنْ أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ" (68).
مظاهر التوفيق في رحلة الإسراء والمعراج أولاً: التوفيق للمتابعة في ربط البراق أول صور التوفيق أن وفق الله -تعالى- النبي -صلى الله عليه وسلم- لربطه البراق في الحلقة التي كان يربط بها الأنبياء فاستن بسنتهم واقتدى بهم كما قال الله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) (الأنعام: 90).
عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس قال فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء) (69).
أي ربطت البراق وقيَّدتُه بالحبل، يقال ربط من باب ضرب يربط ربطًا (بالحلفة) أي بحلقة باب مسجد بيت المقدس.
يؤخذ من قوله (فربطته بالحلقة): الأخذ بالاحتياط في الأمور وتعاطي الأسباب، وأن ذلك لا يقدح في التوكل على الله. قاله النووي.
وأنكره حذيفة، إذ روي عند أحمد والترمذي من حديث حذيفة قال: تحدثوا أنه ربطه؟ أخاف أن يفر منه وقد سخره له عالم الغيب والشهادة؟
قال البيهقي: المثبت مقدم على النافي، يعنى من أثبت ربط البراق معه زيادة علم على من نفى ذلك، فهو أولى بالقبول (70).
ثانياً: التوفيق لاختيار الفطرة ومن أظهر صور التوفيق للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن وفقه الله تعالى لاختيار الفطرة عندما عرض عليه ثلاثة أقداح: اللبن، والعسل، والخمر، فاختار نبينا المختار-صلى الله عليه وسلم- اللبن.
عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رُفِعَتْ ليَ السَّدْرَةُ فإذا أربعة أنهار نهران ظاهران ونهران باطنان فأمَّا الظاهران فالنيل والفرات وأمَّا الباطنان فنهران في الجنة وأتِيتُ بثلاثة أقداح: قدح فيه لبن، وقدح فيه عسل، وقدح فيه خمر، فأخذت الذي فيه اللبن، فقيل لي: أصبت الفطرة) (71).
قال النووي: ألهمه الله -تعالى- اختيار اللبن، لِمَا أراده سبحانه وتعالى من توفيق هذه الأمَّةِ واللطف بها.أهـ
قال ابن المنير: لم يُذكر السِّر في عدوله عن العسل إلى اللبن، كما ذكر السِّرَّ في عدوله عن الخمر، ولعل السِّر في ذلك كون اللبن أنفع، وبه يشتد العظم، وينبت اللحم، وهو بمجرده قوت، ولا يدخل في السَّرف بوجه، وهو أقرب إلى الزهد، ولا منافاة بينه وبين الورع بوجه، والعسل وإن كان حلالاً، لكنه من المُستلذات التي قد يُخشى على صاحبها أن يندرج في قوله تعالى: (أذهبتم طيباتكم) (الأحقاف: 20).
قال الحافظ ابن حجر: ويُحتمل أن يكون السِّرُّ في ذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- كان قد عطش، فآثر اللبن لما فيه من حصول حاجته، دون الخمر والعسل، فهذا هو السبب الأصلي في إيثار اللبن، وصادف مع ذلك رجحانه عليهما من عدة جهات. اهـ (72).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: جَاءَ فِي حَدِيث الْإِسْرَاء لَمَّا أَخَذَ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- اللَّبَن قِيلَ لَهُ: أَصَبْت الْفِطْرَة... وَحَيْثُ جَاءَتْ الْفِطْرَة فِي كَلَام رَسُول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- فَالْمُرَاد بِهَا فِطْرَة الْإِسْلَام لَا غَيْر.
وكان لهداية النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة الإسراء للفطرة حين خُيِّرَ بين اللبن، والخمر، آثار فيما بعد، فوفقه الله تعالى لأحسن الدين (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) (النساء: 125)، وهداهُ لأحسن القول: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ﴾ (فصِّلت: 33)، وهداه لأحسن الحُكم: ﴿أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ (المائدة: 50)، وهداه لأحسن الحديث: ﴿اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ﴾ (الزُّمر: 23) (73). |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: السِّراج الوهَّاج من عِبَرٍ ودروس الإسراء والمعراج الثلاثاء 03 مارس 2020, 7:27 am | |
| ثالثاً: التوفيق لعدم إزاغة بصره ومن صور توفيقه -صلى الله عليه وسلم- أدبه الجم مع ربه ومع الحضرة الربانية يصور الله تعالى لنا ذلك المشهد بقوله: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) (النجم: 13 - 18)، إن هذا وصف لأدبه -صلى الله عليه وسلم- في ذلك المقام.
إذ لم يلتفت جانباً. ولا تجاوز ما رآه. وهذا كمال الأدب.
والإخلال به: أن يلتفت الناظر عن يمينه وعن شماله، أو يتطلع أمام المنظور. فالالتفات زيغ. والتطلع إلى ما أمام المنظور: طغيان ومجاوزة. فكمال إقبال الناظر على المنظور: أن لا يصرف بصره عنه يمنة ولا يسرة. ولا يتجاوزه. هذا معنى ما حصلته عن شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه.
وفي هذه الآية أسرار عجيبة، وهي من غوامض الآداب اللائقة بأكمل البشر -صلى الله عليه وسلم-: تواطأ هناك بصره وبصيرته، وتوافقا وتصادقا فيما شاهده بصره، فالبصيرة مواطئة له، وما شاهدته بصيرته فهو أيضاً حق مشهود بالبصر، فتواطأ في حقه مشهد البصر والبصيرة، ولهذا قال سبحانه وتعالى: (ما كذب الفؤاد ما رأى * أفتمارونه على ما يرى) (النجم: 11 - 12)، أي ما كذب الفؤاد ما رآه ببصره.
فإن عادة النفوس، إذا أقيمت في مقام عال رفيع: أن تتطلع إلى ما هو أعلى منه وفوقه، ألا ترى أن موسى -صلى الله عليه وسلم- لما أقيم في مقام التكليم والمناجاة: طلبت نفسه الرؤية؟ ونبينا -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا أقيم في ذلك المقام، وفّاه حقّه: فلم يلتفت بصره ولا قلبه إلى غير ما أقيم فيه ألبتة؟
ولأجل هذا ما عاقه عائق، ولا وقف به مراد، حتى جاوز السماوات السبع حتى عاتب موسى ربه فيه، وقال: يقول بنو إسرائيل: إني كريم الخلق على الله، وهذا قد جاوزني وخلفني علواً، فلو أنه وحده؟ ولكن معه كل أمَّتِهِ.
وفي رواية البخاري: "فلما جاوزته بكى، قيل: ما يُبكيك؟ قال: أبكي أن غلاماً بُعِثَ بعدي يدخل الجنة من أمَّتِهِ أكثر مِمَّنْ يدخلها من أمَّتِي"، ثم جاوزه علواً فلم تعقه إرادة، ولم تقف به دون كمال العبودية همة (74).
رابعاً: التوفيق في مُراجعة موسى عليه السلام له في فرض الصلاة ومن صور التوفيق: توفيق الله تعالى له بأن راجعه موسى عليه السلام في شأن الصلاة حيث أمره كليم الله تعالى أن يراجع ربه في عدد الصلوات كما صَحَّ ذلك عنه -صلى الله عليه وسلم-، عن أبي ذر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ثم عُرِجَ بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام، ففرض الله على أمَّتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك حتى مررت على موسى، فقال: ما فرض الله لك على أمَّتك قلت: فرض خمسين صلاة، قال فارجع إلى ربك فإن أمَّتك لا تطيق ذلك، فراجعني فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فقلت: وضع شطرها؛ فقال: راجع ربك فإن أمَّتك لا تطيق، فراجعت فوضع شطرها، فرجعت إليه، فقال: ارجع إلى ربك فإن أمَّتك لا تطيق ذلك، فراجعته، فقال: هي خمس وهي خمسون لا يُبَدَّلُ القول لديَّ فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك، فقلت استحييت من ربي ثم انطلق بي حتى انتهى بي إلى سدرة المُنتهى، وغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أدخلت الجنة فإذا فيها حبايل اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك (75).
خامساً: التوفيق في وصف المسجد لكفار مكة ومن صور التوفيق: في قصة الإسراء والمعراج هو توفيق الله -تعالى- لنبيه في وصف بيت المقدس رغم أنه -صلى الله عليه وسلم- دخله ليلاً و لم يتفقده، وكان بعض أهل مكة قد زار بيت المقدس ويعرفون وصفه فأرادوا أن يتأكّدوا من النبي -صلى الله عليه وسلم- فسألوه عن وصفه.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: (لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربة ما كربت مثله قط، فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا نبأتهم (76).
إنه توفيق الله تعالى وتسديده لحبيبه ومُصطفاه -صلى الله عليه وسلم-، فقوله: (فجلى الله لي بيت المقدس) قيل معناه كشف الحجب بيني وبينه حتى رأيته، ووقع في رواية عبد الله بن الفضل عن أم سلمة عند مسلم المشار إليها: "قال فسألوني عن أشياء لم أثبتها، فكربت كرباً لم أكرب مثله قط، فرفع الله لي بيت المقدس أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا نبأتهم به"، ويُحتمل أن يريد أنه حُمِلَ إلى أن وضع بحيث يراه ثم أعيد.
وفي حديث ابن عباس المذكور: "فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع عند دار عقيل فنعته وأنا أنظر إليه"، وهذا أبلغ في المعجزة، ولا استحالة فيه، فقد أحضر عرش بلقيس في طرفة عين لسليمان، وهو يقتضي أنه أزيل (77).
أسباب حصول التوفيق الإلهي وبعد أيها الآباء لعل سائلاً يسأل ويقول: وما هو الطريق إلى التوفيق؟ إليكم أيها الأحباب بعض وسائل التوفيق: إذا أردت أن تكون من الموفقين فعليك بما يلي: أولاً: العمل الصالح: عموماً يوصلك إلى ًعلى مراقي التوفيق العمل الصالح عمومًا على اختلاف أنواعه بدنياً أو ماليًا أو قوليًا، والله عز وجل بيّن أن الطاعة والتوفيق لها هو الفوز العظيم فقال سبحانه: ((وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) (الأحزاب: 71)، وها هو -صلى الله عليه وسلم- يوضح لك حقيقة التوفيق، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله، فقيل له: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يُوَفِّقُهُ لعمل صالح قبل الموت" (78).
قال أبو بكرة -رضي الله عنه-: أَنَّ رجلا قال: "يا رسول الله، أَيُّ الناس خير؟ قال: مَن طال عمره، وحَسُنَ عمله، قال: فأيُّ الناس شرّ؟ قال: مَن طَالَ عُمره، وساء عمله" (79).
ثانياً: المُجاهدة والمُصابرة على الطاعة قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت: 69)، قال السعدي -رحمه الله-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا) وهم الذين هاجروا في سبيل اللّه، وجاهدوا أعداءهم، وبذلوا مجهودهم في اتباع مرضاته، (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) أي: الطرق الموصلة إلينا، وذلك لأنهم محسنون.
(وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) بالعون والنصر والهداية، دل هذا، على أن أحرى الناس بموافقة الصواب أهل الجهاد، وعلى أن من أحسن فيما أمر به أعانه اللّه ويسر له أسباب الهداية، وعلى أن من جد واجتهد في طلب العلم الشرعي، فإنه يحصل له من الهداية والمعونة على تحصيل مطلوبه أمور إلهية، خارجة عن مدرك اجتهاده، وتيسر له أمر العلم، فإن طلب العلم الشرعي من الجهاد في سبيل اللّه، بل هو أحد نَوْعَي الجهاد، الذي لا يقوم به إلا خواص الخلق، وهو الجهاد بالقول واللسان، للكفار والمنافقين، والجهاد على تعليم أمور الدين، وعلى رد نزاع المخالفين للحق، ولو كانوا من المسلمين (80).
ثالثا: التوكل على الله والإنابة إليه: قال الله تعالى عن شعيب -عليه الصلاة والسلام-: (وَمَا تَوْفِيقِي إلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ) (هود: 88)، فالتوفيق منزلة عظيمة يهبها الله لمن أحب من عباده، فإذا علم الله من عبده الصدق والإنابة إليه وفّقه الله وهداه، قال تعالى: (قُلْ إنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إلَيْهِ مَنْ أَنَابَ) (الرعد: 27)، وإذا وفق الله العبد اجتباه ويسّر له أبواب الخير يضرب بسهم في كل باب تواقاً منهوماً مستسهلاً للصعاب طارحاً للعقبات. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: السِّراج الوهَّاج من عِبَرٍ ودروس الإسراء والمعراج الثلاثاء 03 مارس 2020, 7:29 am | |
| رابعاً: بِرُّ الوالدين ومن أسباب التوفيق بر الوالدين فالبر أثره في الدنيا التوفيق والسداد وفي الأخرة الجنة، أخرج الإمام مسلم في صحيحه: كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر حتى أتى على أويس رضي الله عنه، فقال له: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم. قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم. قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم. قال: لك والدة؟ قال: نعم. قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل"، فاستغفر لي، فاستغفر له. فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة. قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي. فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس، فقال: تركته رث البيت قليل المتاع، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد من أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل. فأتى أويساً فقال: استغفر لي. قال: أنت أحدث عهداً بسفر صالح فاستغفر لي. قال لي: لقيت عمر؟ قال: نعم، فاستغفر له، ففطن له الناس فانطلق على وجهه (81).
لماذا أغلق باب التوفيق عن الناس لماذا أغلق باب التوفيق عن بعض الناس؟ قال شقيق بن إبراهيم رحمه الله: أُغلق باب التوفيق عن الخلق من ستة أشياء: 1-اشتغالهم بالنعمة عن شكرها. 2-رغبتهم بالعلم وتركهم العمل. 3-المسارعة إلى الذنب وتأخير التوبة. 4-الاغترار بصحبة الصالحين وترك الاقتداء بأفعالهم. 5-إدبار الدنيا عنهم وهم يتبعونها. 6-إقبال الآخرة عليهم وهم معرضون عنها (82).
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: السِّراج الوهَّاج من عِبَرٍ ودروس الإسراء والمعراج الثلاثاء 03 مارس 2020, 7:30 am | |
| الهوامش: 1) 2) فتح الباري / ابن حجر (7/ 254). 3) مختار الصحاح صـ253-254 مادة عرج. 4) مفردات الراغب صـ332 مادة عرج 5) السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، د/ محمد محمد أبو شهبة، دار القلم - دمشق، الطبعة: الثامنة - 1427 ه، (1/ 417-418). 6) البداية النهاية/ ابن كثير (3/ 107). 7) أخرجه أحمد (4/208، رقم 17869)، والبخاري (3/1410، رقم 3674)، ومسلم (1/149، رقم 164)، والنسائي في الكبرى (1/138، رقم 313). 8) أخرجه أحمد (3/148، رقم 12527)، ومسلم (1/145، رقم 162)، وأبو يعلى (6/109، رقم 3375)، وفى(6/216، رقم 3499). وأخرجه أيضًا: ابن أبى شيبة (7/333، رقم 36570)، وأبو عوانة (1/113، رقم 344) 9) سنن النسائي الكبرى-ترقيم شعيب (6/ 377) 10) موقع سفر الحوالي 11) الإجماع العقدي (ص: 51) 12) العقيدة الطحاوية (ص: 29) 13) أخرجه أحمد (2/381) والبخاري في الأدب المفرد (1212). ومسلم (8/78، 79) 14) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التوحيد 13/415، باب وكان عشره على الماء وهو رب العرش العظيم، فتح الباري رقم 7420، وأخرجه أحمد 3/226، والنسائي 6/65، والترمذي 3213، وابن سعد 8/106، وأبو نعيم في الحلية 2/52، وابن قدامة ص108 رقم 81 في إثبات صفة العلو. 15) أخرجه مسلم (537)، وأبو داود (930)، والنسائي: (1218)، وأحمد في مسنده: (5 / 447). 16) رواه البخاري (3674) ومسلم (162). 17) فتح الباري " (7 / 216). 18) تفسير ابن كثير " (1 / 670). 19) تيسير لمعة الاعتقاد " (ص 152) – 20) رواه ابن حبان في " صحيحه " (14 / 69) وصححه شعيب الأرناؤط محقق الكتاب. 21) حادي الأفراح إلى بلاد الأفراح، لابن القيم، بتحقيق: الدكتور السيد الجميلي، الباب الأول: في بيان وجود الجنة، ص: 37، 22) لفصل والملل والأهواء والنحل، لابن حزم، الكلام في خلق الجنة والنار، 4/ 81، دار الفكر، 1400هـ، 23) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب ذكر إدريس عليه السلام، ص: 556، رقم الحديث: 3342. 24) البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، ص: 541، رقم الحديث: 3244 25) شرح السنة - البربهاري (ص: 36) 26) أخرجه أحمد (4/282، رقم 18505)، والبخاري (4/1735، رقم 4422)، ومسلم (4/2201، رقم 2871) 27) صحيح ابن حبان - محققا (7/ 382)وأخرجه عبد الرزاق "6703"، وابن أبي شيبة "3/383-384"، 28) أخرجه ابن أبى شيبة (1/115، رقم 1304)، وأحمد (1/225، رقم 1980)، والبخاري(1/88، رقم 215)، ومسلم (1/240، رقم 292) 29) أخرجه البخاري في: 80 كتاب الدعوات: 37 باب التعوذ من عذاب القبر 30) أخرجه ابن أبى شيبة (7/489، رقم 37462)، وأحمد (2/477، رقم 10183)، ومسلم (1/412، رقم 588) 31) مجموع الفتاوى 3/145 32) مسند البزار (14/ 119) 33) أخرجه أحمد (3/224)وأخرجه: أبو داود (4878) و(4879). 34) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (4/391، رقم 5509). وأخرجه أيضًا: أحمد (5/10، رقم 20113) 35) أخرجه أحمد 1/ 310، والبيهقي في "دلائل النبوة" 2/ 389 36) الباعث على إنكار البدع (ص: 9) 37) زاد المعاد 1/ 58 - 59. 38) الفتاوى الكبرى (4/ 414) 39) يراجع: المدخل (1/294). 40) أخرجه: البخاري 3/241 (2697)، ومسلم 5/132 (1718) (17) و(18) 41) السنة لابن أبي عاصم ومعها ظلال الجنة للألباني (1/ 17) أخرجه ابن ماجه 46 42) البدع الحولية رسالة ماجستير لعبد الله التويجري (ص: 270) فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (3/103). 43) زاد المعاد (1/59) 44) أورده الهيثميّ في "مجمع الزّوائد"، ج 6/ 35. وأخرج مسلم برقم (1795/ 111) بعضه. عن عائشة رضي الله عنها. 45) أورده الهيثميّ في "مجمع الزّوائد"، ج 6/ 35. وأخرج مسلم برقم (1795/ 111) بعضه. عن عائشة رضي الله عنها. 46) البحر المحيط في التفسير (7/ 9) 47) البحر المديد في تفسير القرآن المجيد (1/ 598) 48) أخرجه أحمد (1 / 310) وابن حبان (36 و 37) والطبراني (12279) وغيرهم وفيه ضعف لاختلاط عطاء بن السائب وما قيل من سماع حماد منه قبل اختلاطه فقد قيل أيضا: إنه سمع منه بعد الاختلاط كما هو مبين في (التهذيب) و (الأحاديث الضعيفة) (880) فقول السيوطي في (الخصائص) (1 / 399): (سنده صحيح) 49) أخرجه البخاري (4680) ومسلم (1130) وابن ماجة (1734) والترمذي (755) مختصرًا. 50) مسند أحمد ت شاكر (3/ 251) إسناده صحيح، والحديث في تفسير ابن كثير 5: 128 51) الآية الكبرى في شرح قصة الإسراء، الحافظ السيوطي صـ117. 52) الآية الكبرى للسيوطي المرجع السابق بتصرف يسير جداً صـ119. 53) شرح كتاب الايمان من مختصر صحيح مسلم للحافظ المنذري صـ341. 54) مرجع سابق / صـ112 55) أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف (4/ 1576)، رقم: (4081)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوى إيمانه (2/ 739)، رقم: (1062). 56) الآية الكبرى للسيوطي صـ122 / 123. 57) الآية الكبرى صـ124 / 125. 58) الآية الكبرى/ السيوطي صـ125 59) رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب في ذكر سدرة المنتهى، (1/ 157/ ح173). 60) شرح صحيح مسلم، النووي (3 61) من الدروس المستفادة من رحلة الإسراء والمعراج بقلم الأستاذ الدكتور/ زغلول راغب النجار 62) من الدروس المستفادة من رحلة الإسراء والمعراج بقلم الأستاذ الدكتور/ زغلول راغب النجار 63) من الدروس المستفادة من رحلة الإسراء والمعراج بقلم الأستاذ الدكتور/ زغلول راغب النجار 64) من الدروس المستفادة من رحلة الإسراء والمعراج بقلم الأستاذ الدكتور/ زغلول راغب النجار 65) من الدروس المستفادة من رحلة الإسراء والمعراج بقلم الأستاذ الدكتور/ زغلول راغب النجار 66) تفسير المنار (12/ 120) 67) مدارج السالكين (1/ 413) 68) أخرجه أحمد (5/42، رقم 20447) 69) أخرجه أحمد (3/148، رقم 12527)، ومسلم (1/145، رقم 162) 70) فتح المنعم شرح صحيح مسلم (1/ 566) 71) أخرجه البخاري (5/2128، رقم 5287) 72) فتح المنعم شرح صحيح مسلم (8/ 175) 73) حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (12/ 318) 74) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 361 75) أخرجه البخاري في: 8 كتاب الصلاة: 1 باب كيف فرضت الصلاة: في الإسراء 76) أخرجه مسلم (278) 77) فتح الباري شرح صحيح البخاري (358/ 47) 78) إسناده صحيح: أخرجه أحمد (3/106) 79) أخرجه أحمد (5/44) 80) تفسير السعدي (ص: 635) 81) أخرجه: مسلم 7/188 (2542) 82) الفوائد (ص: 177)
الفهرس: المقدمة الفصل الأول: تعريف الإسراء والمعراج الفصل الثاني: متى حدث الإسراء والمعراج: الفصل الثالث: صحيح الإسراء والمعراج الفصل الرابع: دروس وعبر من الإسراج والمعراج المبحث الأول: مسائل عقدية في الإسراء والمعراج ثانيا: إثبات صفة العلو للعلي جل جلاله ثالثا: إثبات صفة الكلام لرب الأنام رابعا: إثبات وجود الجنة والنار خامسا: إثبات الحياة البرزخية ثامنا: بدعية الاحتفال بالإسراء والمعراج المبحث الثاني: دروس تربوية وأخلاقية ودعوية أولا: أن في المحن منح وأن الفرج مع الكرب ثانيا: العبودية أعلى مقام للبشر ثالثا: الثبات على الحق والتزام المبدأ رابعا: ارث الأمة الإسلامية للمسجد الأقصى خامسا: وحدة الأديان السماوية سادسا: الأعلام المضلل وأثره في قصة الإسراء والمعراج سابعا: الثبات على المبدأ ثامنا: فضل التجربة تاسعا: بذل لنصيحة لمن يحتاج إليها ولو لم يستشر الناصح، عاشرا: الدين الإسلامي ليس بالعقل وإنما بالوحي والنص: الحادي عشر: شق صدره -صلى الله عليه وسلم- في ليلة الإسراء. الثاني عشر: لماذا كان الإسراء ليلاً؟ الثالث عشر: السر في ربط البراق في الحلقة التي يربط بها الأنبياء: الربع عشر: السر في استفتاح جبريل أبواب السماء: الخامس عشر حكمة لقاء النبي --صلى الله عليه وسلم- – بالأنبياء السادس عشر وصف الأنبياء للنبي بالصالح فقط: السابع عشر: بكاء موسى عليه الصلاة والسلام: الثامن عشر: تخصيص موسى بمراجعة النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمر الصلوات: التاسع عشر من عطايا الله لنبيه في ليلة الإسراء والمعراج: العشرون: الإيمان بطلاقة القدرة الإلهية الحادي و العشرون: الثاني والعشرون التأكيد على فضل الصلاة الثالث والعشرون: التحذير من مخاطر المفاسد السلوكية على الإنسان: الرابع والعشرون: من جوانب الإعجاز العلمي في وصف القرآن الكريم لرحلة الإسراء والمعراج: الخامس والعشرون التوفيق من الله تعالى مظاهر التوفيق في رحلة الإسراء والمعراج أولا: لتوفيق للمتابعة في ربط البراق ثانيا: التوفيق لاختيار الفطرة ثالثا: التوفيق لعدم إزاغة بصره رابعا: التوفيق في مراجعة موسى عليه السلام له في فرض الصلاة خامسا: التوفيق في وصف المسجد لكفار مكة الفهرس |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| |
| |
| السِّراج الوهَّاج من عِبَرٍ ودروس الإسراء والمعراج | |
|