منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة النحل الآيات من 091-095

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النحل الآيات من 091-095 Empty
مُساهمةموضوع: سورة النحل الآيات من 091-095   سورة النحل الآيات من 091-095 Emptyالأربعاء 08 يناير 2020, 7:00 am

وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (٩١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الوفاء: أنْ تفِيَ بما تعاهدتَ عليه، والعهود لا تكون في المفروض عليك، إنما تكون في المباحات، فأنت حُرٌّ أن تلقاني غداً وأنا كذلك، لكن إذا اتفقنا وتعاهدنا على اللقاء غداً في الساعة كذا ومكان كذا فقد تحوَّل الأمر من المباح إلى المفروض، وأصبح كُلٌ مِنَّا ملزماً بأن يفي بعهده؛ لأن كل واحد مِنّا عطَّل مصالحه ورتَّب أموره على هذا اللقاء، فلا يصح أنْ يفيَ أحدنا ويُخلِف الآخر، لأن ذلك يتسبب في عدم تكافؤ الفُرص، ومعلوم أن مصالح العبادِ في الدنيا قائمة على الوفاء بالعهد.

وقد ينظر البعض إلى الوفاء بالعهد على أنه مُلْزَمٌ به وحده، أو أنه عِبْءٌ عليه دون غيره، لكنه في الحقيقة عليك وعلى غيرك، فكما طلب منك الوفاء طلبه كذلك من الآخرين، فكلّ تكليف لك لا تنظر إليه هذه النظرة، بل تنظر إليه على أنه لصالحك.

فمن أخذ التكليف وأحكام الله من جانبه فقط يتعب، فالحق -تبارك وتعالى- كما كلفك لصالح الناس فقد كلَّف الناس جميعاً لصالحك، فحين نهاك عن السرقة مثلاً إياك أنْ تظنَّ أنه قيّد حريتك أمام الآخرين؛ لأنه سبحانه نهى جميع الناس أن يسرقوا منك، فمَنِ الفائز إذن؟

أنا قيَّدت حريتك بالحكم، وأنت فرْد واحد، ولكني قيّدتُ جميع الخلق من أجلك.

كذلك حين أمرك الشرع بغضِّ بصرك على محارم الناس، أمر الناس جميعاً بغضِّ أبصارهم عن محارمك.

إذن: لا تأخذ التكليف على أنه عليك، بل هو لك، وفي صالحك أنت.

كثيرون من الأغنياء يتبرّمون من الإنفاق، ويضيقون بالبذْل، ومنهم مَنْ يَعُد ذلك مَغْرماً لأنه لا يدري الحكمة من تكليف الأغنياء بمساعدة الفقراء، لا يدري أننا نُؤمِّن له حياته.

وها نحن نرى الدنيا دُوَلاً وأغياراً، فكم من غنيٍّ صار فقيراً، وكم من قوي صار ضعيفاً.

إذن: فحينما يأخذ منك وأنت غنيّ نُطمئنك: لا تخَفْ إذا ضاقتْ بك الحال، وإذا تبدّل غِنَاك فقراً، فكما أخذنا منك في حال الغنى سنُعطيك في حال الفقر، وهكذا يجب أن تكون نظرتنا إلى الأمور التكليفية.

وقوله تعالى: (بِعَهْدِ ٱللَّهِ) (النحل: 91).

عهد الله: هو الشيء الذي تعاهد الله عليه، وأول عَهْد لك مع الله تعالى هو الإيمان به، وما دُمْتَ قد آمنتَ بالله فانظر إلى ما طلبه منك وما كلّفك به، وإياك أن تُخِلّ بأمر من أموره؛ لأن الاختلال في أيّ أمر تكليفي من الله يُعَدُّ نَقْصاً في إيمانك؛ لأنك حينما آمنت بالله شهدتَ بما شهد الله به لنفسه سبحانه في قوله تعالى: (شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ) (آل عمران: 18).

فأوّل مَنْ شهد الله سبحانه لنفسه، وهذه شهادة الذات للذات (والملاَئِكة) أي: شهادة المشاهدة (وَأُولُوا العِلْم) أي: بالدليل والحجة.

إذن: فأوّل عَهْد بينك وبين الله تعالى أنك آمنتَ به إلهاً حكيماً قادراً خالقاً مُربِّياً، فاستمع إلى ما يطلبه منك، فإنْ لم تستمع وتُنفّذ فاعلم أن العهد الإيماني الأول قد اختلَّ.

ولذلك، فالحق -تبارك وتعالى- لم يُكلِّف الكافر، لأنه ليس بينه وبينه عهد، إنما يُكلِّف مَنْ آمن، فتجد كل آية من آيات الأحكام تبدأ بهذا النداء الإيماني: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ) (البقرة: 183).

كما في قوله تعالى: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ) (البقرة: 183).

فيا مَنْ آمنتَ بي رَباً، ورضيتني إلهاً اسمع مِنِّي؛ لأني سأعطيك قانون الصيانة لحياتك، هذا القانون الذي يُسعدك بالمسبِّب في الآخرة بعد أن أسعدك بالأسباب في الدنيا.

وقوله: (وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) (النحل: 91).

الأَيْمان: جمع يمين، وهو الحلف الذي نحلفه ونُؤكِّد عليه فنقول: والله، وعهد الله.. الخ.

إذن: فلا يليق بك أنْ تنقضَ ما أكَّدته من الأَيْمان، بل يلزمك أنْ تُوفِّي بها؛ لأنك إنْ وفَّيت بها وُفِّي لك بها أيضاً، فلا تأخذ الأمر من جانبك وحدك، ولكن انظر إلى المقابل.

وكذلك العهد بين الناس بعضهم البعض مأخوذ من باطن العهد الإيماني بالله تعالى؛ لأننا حينما نتعاهد نُشهد الله على هذا العهد، فنقول: بيني وبينك عَهْد الله، فنُدخل بيننا الحق سبحانه وتعالى لِنُوثِّق ما تعاهدنا عليه، وربنا سبحانه وتعالى يقول: (وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) (النحل: 91).

أي: شاهداً ورقيباً وضامناً.

وقوله: (إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (النحل: 91).

أي: اعلم أن الله مُطَّلع عليك، يعلم خفايا الضمائر وما تُكِنّه الصدور، فاحذر حينما تعطي العهد أن تعطيه وأنت تنوي أن تخالفه، إياك أنْ تُعطي العهد خِدَاعاً، فربُّك سبحانه وتعالى يعلم ما تفعل.

ثم يُعقِّب الحق سبحانه: (وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِي...).



سورة النحل الآيات من 091-095 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النحل الآيات من 091-095 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النحل الآيات من 091-095   سورة النحل الآيات من 091-095 Emptyالأربعاء 08 يناير 2020, 7:01 am

وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٩٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الحق تبارك وتعالى يضرب لنا في هذه الآية مثلاً توضيحياً للذين ينقضون العهد والأَيْمان، ولا يُوفون بها، بهذه المرأة القرشية الحمقاء ريْطة بنت عامر، وكانت تأمر جواريها بغزل الصوف من الصبح إلى الظهر، ثم تأمرهُنَّ بنقض ما غزلنه من الظهر حتى العصر، والمتأمل في هذا المثل يجد فيه دروساً متعددة.

أولاً: ما الغزل؟

الغَزْل عملية كان يقوم بها النساء قديماً، فكُنَّ يُحضِرْن المادة التي تصلح للغزل مثل الصوف أو الوبر ومثل القطن الآن، وهذه الأشياء عبارة عن شعيرات دقيقة تختلف في طولها من نوع لآخر يُسمُّونها التيلة، فيقولون "هذه تيلة قصيرة" "وهذه طويلة".

والغَزْل هو أن نُكوِّن من هذه الشعيرات خَيْطاً طويلاً ممتداً وانسيابياً دون عُقَد فيه لكي يصلح للنسجْ بعد ذلك، وتتم هذه العملية بآلة بدائية تسمى المغزل.

تقوم المرأة بخلط هذه الشعيرات الدقيقة ثم بَرْمِها بالمغزل، ليخرج في النهاية خيطٌ طويل مُنْسابٌ متناسق لا عُقَد فيه.

والآية هنا ذكرتْ المرأة في هذا العمل؛ لأنه عمل خاص بالنساء في هذا الوقت دون الرجال، فكانت المرأة تكنّ في بيتها وتمارس مثل هذه الصناعات البسيطة التي تكوِّن منها أثاث بيتها من فَرْش وملابس وغيره.

وإلى الآن نرى المرأة التي تحافظ على كرامتها من زحمة الحياة ومُعْترك الاختلاط، نراها تقوم بمثل هذا العمل النسائي.

وقد تطور المغزل الآن إلى ماكينة تريكو أو ماكينة خياطة، مما يُيسِّر للنساء هذه الأعمال، ويحفظهُنَّ في بيوتهن، وينشر في البيت جَواً من التعاون بين الأم وأولادها، وأمامنا مثلاً مشروع الأسر المنتجة حيث تشارك المرأة بجزء كبير في رُقِّي المجتمع، فلا مانع إذن من عمل المرأة إذا كان عملاً شريفاً يحفظ عليها كرامتها ويصُون حرمتها.

فالقرآن ضرب لنا مثلاً بعمل المرأة الجاهلية، هذا العمل الذي يحتاج إلى جَهْد ووقت في الغزل، ويحتاج إلى أكثر منه في نَقْضه وفكِّه، فهذه عملية شاقة جداً، وربما أمرت الجواري بفكِّ الغزل والنسيج أيضاً؛ ولذلك أطلقوا عليها حمقاء قريش.

وقوله: (مِن بَعْدِ قُوَّةٍ) (النحل: 92).

كلمة قوة هنا تدلُّنا على المراحل التي تمرُّ بها عملية الغَزْل، وكم هي شاقة، بداية من جَزِّ الصوف من الغنم أو الوبر من الجمال، ثم خَلْط أطراف كل تيلة من هذه الشعيرات، بحيث تكون طرف كل تيلة منها في وسط الأخرى لكي يتم التلاحم بينها بهذا المزج، ثم تدير المرأة المغزل بين أصابعها لتخرج لنا في النهاية بضعة سنتيمترات من الخيط، ولو قارنَّا بين هذه العملية اليدوية، وبين ما توصلتْ إليه صناعة الغزل الآن لَتبيَّن لنا كم كانت شاقة عليهم.

فكأن القرآن الكريم شبَّه الذي يُعطِي العهد ويُوثِّقه بالأيْمان المؤكدة، ويجعل الله وكيلاً وشاهداً على ما يقول بالتي غزلتْ هذا الغزل، وتحملت مشقته، ثم راحتْ فنقضت ما أنجزته، وفكَّتْ ما غزلته.

وكذلك كلمة (قوة) تدلُّناَ على أن كل عمل يحتاج إلى قوة، هذه القوة إما أنْ تُحرِّك الساكن أو تُسكِّن المتحرِّك؛ لذلك قال تعالى في آية أخرى: (خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ) (البقرة: 63).

لأن ساكن الخير نريد أن نحركك إليه، ومتحرك الشر نريد أن نكفك عنه.

وهذه يسمونها في عالم الحركة (قانون العطالة) المتحرك يظل مُتحرِّكاً إلى أنْ يعرضَ له شيء يُسكنه، والساكن يظل ساكناً إلى أنْ يعرِضَ له شيء يُحرِّكه.

ومن هنا يتعجَّب الكثيرون من الأقمار الصناعية التي تدور أعواماً عدة في الفضاء: ما الوقود الذي يُحرِّك هذه الأقمار طوال هذه الأعوام؟

والواقع أنه لا يوجد وقود يحركها، الوقود في مرحلة الانطلاق فقط، إلى أن يخرج من منطقة الهواء والجذْب، فإذا ما استقرّ القمر أو السفينة الفضائية في منطقة عدم الجذب تدور وتتحرك بنفسها دون وقود، فهناك الشيء المتحرك يظل متحركاً، والساكن يظل ساكناً.

والحق -تبارك وتعالى- بهذا المثَل المشَاهد يُحذرنا من إخلاف العهد ونقْضه؛ لأنه سبحانه يريد أن يصونَ مصالح الخلق؛ لأنها قائمة على التعاقد والتعاهد والأيْمان التي تبرم بينهم، فمَنْ خان العهد أو نقضَ الأيْمان لا يُوثق فيه، ولا يُطْمأنُ إلى حركته في الحياة، ويُسقطه المجتمع من نظره، ويعزله عن حركة التعامل التي تقوم على الثقة المتبادلة بين الناس.

وقوله: (أَنكَاثاً) (النحل: 92).

جمع نِكْث، وهو ما نُقِض وحُلَّ فَتْله من الغزل.

وقوله: (تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) (النحل: 92).

الدَّخَل: أنْ تدخل في الشيء شيئاً أدنى منه من جنسه على سبيل الغِشِّ والخداع، كأن تدخل في الذهب عيار 24 قيراطاً مثلاً ذهباً من عيار 18 قيراطاً، أو كأن تُدخِلَ في اللوز مثلاً نَوى المشمش على أنه منه.

فكأن الأَيْمان القائمة على الصدق والوفاء يعطيها صاحبها وهو ينوي بها الخداع والغش، فيحلف لصاحبه وهو يقصد تنويمه والتغرير به.وقوله: (أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ) (النحل: 92).

هذه هي العلة في أنْ نتخذَ الأَيْمان دَخَلاً فيما بيننا، الأَيْمان الزائفة الخادعة؛ ذلك لأن الذي باع نوى المشمش مثلاً على أنه لوز، فقد أَرْبى أي: أخذ أزيْد من حقه ونقص حَقَّ الآخرين، فالعلة إذن في الخداع بالأَيْمان الطمع وطلب الزيادة على حساب الآخرين.

وقد تأتي الزيادة بصورة أخرى، كأن تُعاهِد شخصاً على شيء ما، وأدَّيْتَ له بالعهود والأيْمان والمواثيق، ثم عنَّ لك مَنْ هو أقوى منه سواء كان بالقهر والسلطان أو بالإغراء، فنقضت العهد الأول لأن الثاني أرْبى منه وأزيد.

وفي مثل هذه المواقف يجب أن يأخذ الإنسان حِذْره، فمَنْ يُدريك لعله يُفعل بك كما فعلت، ويُكال لك بنفس المكيال الذي كِلْتَ به لغيرك، فاحذر إذا تجرأتَ على خَلْق الله أن يُجَرِّيء الله عليك مَنْ يسقيك من نفس الكأس.

وإذا كنت صاحب حرفة أو صناعة، فإياك أنْ تغُشَّ الناس، وتذكَّر أن لك عندهم مصالح، وفي أيديهم لك حرف وصناعات، فإذا تجرأْتَ عليهم جرَّأهم الله عليك؛ لأنه سبحانه يقول: أنا القيُّوم، أي: القائم على أمركم، فناموا أنتم فأنا لا أنام، فهذه مسألة يجب أن نلحظها جيداً.

مَنْ تَجرّأ على الناس جرَّأهم الله عليه، ومَنْ أخلص عمله وأتقنه قذف الله في قلوب الخلق أنْ يُتقنوا له حاجته.

وقوله: (إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ) (النحل: 92).

أي: يختبركم الله تعالى بهذا العهد، فهو سبحانه يعلم ما أنتم عليه ساعة أنْ عقدتم العهد، أَفِي نيتكم الوفاء، أم في نيتكم الغدر والخداع؟

وهَبْ أنك تنوي الوفاء ثم عرضَ لك ما حال بينك وبينه، فالله سبحانه يعلم حقائق الأمور ولا يخفَى عليه شيء.

إذن: الابتلاء هنا لا يعني النكبة والبلاء، بل يعني مجرد الاختبار والنكبة والبلاء على الذي يفشل في الاختبار، فالعبرة هنا بالنتيجة.

وقوله: (وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (النحل: 92).

فيوم القيامة تجتمع الخصوم، وتتكشَّف الحقائق، ويأتي القضاء فيما اختلفنا فيه في الدنيا، وهَبْ أن إنساناً عمَّى على قضاء الأرض في أشياء، نقول له: إن عَمَّيْتَ على قضاء الأرض فلن تُعمىَ على قضاء السماء، وانتظر يوماً نجتمع فيه ونحكم هذه المسائل.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ...).



سورة النحل الآيات من 091-095 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النحل الآيات من 091-095 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النحل الآيات من 091-095   سورة النحل الآيات من 091-095 Emptyالأربعاء 08 يناير 2020, 7:02 am

وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

لو حرف امتناع لامتناع.

أي: امتناع وجود الجواب لامتناع وجود الشرط، كما في قوله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا) (الأنبياء: 22).

فقد امتنع الفساد لامتناع تعدّد الآلهة.

فلو شاء الله لجعلَ العالم كله أمةً واحدة على الحق، لا على الضلال، أمة واحدة في الإيمان والهداية، كما جعل الأجناس الأخرى أمةً واحدة في الانصياع لمرادات الله منها.

ذلك لأن كل أجناس الوجود المخلوقة للإنسان قبل أن يفِدَ إلى الحياة مخلوقة بالحق خَلْقاً تسخيرياً، فلا يوجد جنس من الأجناس تأَبَّى عما قصد منه، لا الجماد ولا النبات ولا الحيوان.

كل هذه الأكوان تسير سَيْراً سليماً كما أراد الله منها، والعجيب أن يكون الإنسان هو المخلوق الوحيد المختلّ في الكون، ذلك لما له من حرية الاختيار، يفعل أو لا يفعل.

لذلك يقول الحق تبارك وتعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ) (الحج: 18).

هكذا تسجد كل هذه المخلوقات لله دون استثناء، إلا في الإنسان فقال تعالى: (وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ) (الحج: 18).

فلماذا حدث هذا الاختلاف عند الناس؟

لأنهم أصحاب الاختيار، فيستطيع الواحد منهم أن يفعلَ أو لا يفعل، هل هذه المسألة خرجت عن إرادة الله، أم أرادها الله سبحانه وتعالى؟

قالوا بأن الله زاول قدرته المطلقة في خَلْق الأشياء المُسخرة، بحيث لا يخرج شيء عما أريد منه، وكان من الممكن أنْ يأتيَ الإنسان على هذه الصورة من التسخير، لكنه في هذه الحالة لن يزيد شيئاً، ولن يضيف جديداً في الكون، أليستْ الملائكة قائمة على التسخير؟

فالتسخير يُثبِت القدرة لله تعالى، فلا يخرج عن قدرته ولا عن مراده شيء، لكن الاختيار يثبت المحبوبية لله تعالى، وهذا فَرْقٌ يجب أنْ نتدبّره.

فمثلاً لو كان عندك عبدان أو خادمان أحدهما سعيد، والآخر مسعود، فأخذت سعيداً وقيَّدته إليك في حبل، في حين تركت مسعوداً حراً طليقاً، وحين أمرت كلاً منهما لَبَّى وأطاع، فأيّ طاعة ستكون أحبّ إليك: طاعة القهر والتسخير، أم الطاعة بالاختيار؟

فكأن الحق تبارك وتعالى خلق الإنسان وكرَّمه بأنْ جعلَه مختاراً في أنْ يطيعَ أو أنْ يعصيَ، فإذا ما أتى طائعاً مختاراً، وهو قادر على المعصية، فقد أثبتَ المحبوبية لربه سبحانه وتعالى ولابُدَّ أنْ تتوافرَ للاختيار شروطٌ.

أولها العقل، فهو آلة الاختيار، كذلك لا يُكلّف المجنون، فإذا توفّر العقل فلابُدَّ له من النُّضْج والبلوغ، ويتمّ ذلك حينما يكون الإنسان قادراً على إنجاب مِثْله، وأصبحتْ له ذاتية مولده.

وهذه سِمَة اكتمال الذات؛ فهو قبل هذا الاكتمال ناقص التكوين، وليس أَهْلاً للتكليف، فإذا كان عاقلاً ناضجاً بالبلوغ واكتمال الذات، فلابُدَّ له أن يكون مختاراً غَيْرَ مُكْرهٍ، فإنْ أُكْرِه على الشيء فلن يسأل عنه، فإنِ اختلَّ شَرْط من هذه الثلاثة فلا معنى للاختيار، وبذلك يضمن الحق تبارك وتعالى للإنسان السلامة في الاختيار.

والحق تبارك وتعالى وإن كرَّم الإنسان بالاختيار، فمن رحمته به أنْ يجعلَ فيه بعض الأعضاء اضطرارية مُسخّرة لا دَخْلَ له فيها.

ولو تأملنا هذه الأعضاء لوجدناها جوهرية، وتتوقف عليها حياة الإنسان، فكان من رحمة الله بنا أنْ جعل هذه الأعضاء تعمل وتُؤدِّي وظيفتها دون أنْ نشعرَ.

فالقلب مثلاً يعمل بانتظام في اليقظة والمنام دون أن نشعرَ به، وكذلك التنفس والكُلَى والكبد والأمعاء وغيرها تعمل بقدرته سبحانه مُسخّرة، كالجماد والنبات والحيوان.

ومن لُطْفِ الله بخَلْقه أنْ جعلَ هذه الأعضاء مُسخّرة، لأنه بالله لو أنت مختار في عمل هذه الأعضاء، كيف تتنفس مثلاً وأنت نائم؟! إذن: من رحمة الله أنْ جعلكَ مختاراً في الأعمال التي تعرِضُ لك، وتحتاج فيها إلى النظر في البدائل؛ ولذلك يقولون: الإنسان أبو البدائل.

فالحيوان مثلاً وهو أقرب الأجناس إلى الإنسان ليس لديْه هذه البدائل ولا يعرفها، فإذا آذيتَ حيواناً فإنه يُؤذيك، وليس لديه بديل آخر.

ولكن إذا آذيْت إنساناً، فيحتمل أن يردّ عليك بالمثل، أو بأكثر مما فعلتَ، أو أقلّ، أو يعفو ويصفح، والعقل هو الذي يُرجِّح أحد هذه البدائل.

إذن: لو شاء الحق سبحانه وتعالى أن يجعل الناس أمة واحدة لجعلها، كما قال تعالى: (أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً) (الرعد: 31).

ولكنه سبحانه وتعالى لم يشَأْ ذلك، بدليل قوله: (وَلـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ) (النحل: 93).

وهذه الآية يقف عندها المتمحِّكون، والذين قَصُرَتْ أنظارهم في فهْم كتاب الله، فيقولون: طالما أن الله هو الذي يضِلّ الناس، فلماذا يُعذِّبهم؟

ونتعجَّب من هذا الفهم لكتاب الله ونقول لهؤلاء: لماذا أخذتُمْ جانب الضلال وتركتُم جانب الهدى؟

لماذا لم تقولوا: طالما أن الله بيده الهداية، وهو الذي يهدي، فلماذا يُدخِلنا الجنة؟

إذن: هذه كلمة يقولها المسرفون؛ لأن معنى: (يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ) (النحل: 93).

أي: يحكم على هذا من خلال عمله بالضلال، ويحكم على هذا من خلال عمله بالهداية، مثل ما يحدث عندنا في لجان الامتحان، فلا نقول: اللجنة أنجحت فلاناً وأرسبت فلاناً، فليست هذه مهمتها، بل مهمتها أن تنظر أوراق الإجابة، ومن خلالها تحكم اللجنة بنجاح هذا وإخفاق ذاك.

وكذلك الحق -تبارك وتعالى- لا يجعل العبد ضالاً، بل يحكم على عمله أنه ضلال وأنه ضَالّ؛ فالمعنى إذن: يحكم بضلال مَنْ يشاء، ويحكم بهُدَى مَنْ يشاء، وليس لأحد أن ينقلَ الأمر إلى عكس هذا الفهم، بدليل قوله تعالى بعدها: (وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل: 93).

فالعبد لا يُسأل إلا عَمَّا عملتْ يداه، والسؤال هنا معناه حرية الاختيار في العمل، وكيف تسأل عن شيء لا دَخْل لك فيه؟

فلنفهم -إذن- عن الحق تبارك وتعالى مُرَادَهُ من الآية.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ...).



سورة النحل الآيات من 091-095 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النحل الآيات من 091-095 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النحل الآيات من 091-095   سورة النحل الآيات من 091-095 Emptyالأربعاء 08 يناير 2020, 7:02 am

وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٩٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وردتْ كلمة الدّخَل في الآية قبل السابقة وقلنا: إن معناها: أن تُدخِلَ في الشيء شيئاً أدْنى منه من جنسه على سبيل الغشِّ والخداع، وإن كان المعنى واحداً في الآيتين فإن الآية السابقة جاءت لتوضيح سبب الدَّخَل وعَلّته، وهي أن تكون أُمة أَرْبى من أمة، ويكسب أحد الأطراف على حساب الآخر.

أما في هذه الآية فجاءت لتوضيح النتيجة من وجود الدَّخَل، وهي: (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا) (النحل: 94).

ففي الآية نَهْيٌ عن اتخاذ الأَيْمان للغش والخداع والتدليس؛ لأن نتيجة هذا الفعل فساد يأتي على المجتمع من أساسه، وفَقْد للثقة المتبادلة بين الناس والتي عليها يقوم التعامل، وتُبنَى حركة الحياة، فالذي يُعطي عهداً ويُخلْفه، ويحلف يميناً ويحنث فيه يشتهر عنه أنه مُخلِف للعهد ناقض للميثاق.

وبناءً عليه يسحب الناس منه الثقة فيه، ولا يجرؤ أحد على الصَّفَق معه، فيصبح مَهيناً ينفضُ الناس أيديهم منه، بعد أنْ كان أميناً وأهلاً للثقة ومَحَلاً للتقدير.

هذا معنى قوله تعالى: (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا) (النحل: 94).

وبذلك يسقط حقُّه مع المجتمع، ويحيق به سوء فِعْله، ويجني بيده ثمار ما أفسده في المجتمع، وبانتشار هذا الخلُق السيئ تتعطّل حركة الحياة، وتضيع الثقة والأمانة.

إذن: هذه زَلَّة وكَبْوة بعد ثبات وقوة، بعد أنْ كان أَهْلاً للثقة صاحب وفاء بالعهود والمواثيق يُقبِل عليه الناس، ويُحبُّون التعامل معه بما لديْه من شرف الكلمة وصِدْق الوعد، فإذا به يتراجع للوراء، ويتقهقر للخلف، ويفقد هذه المكانة.

ولذلك نجد أهل المال والتجارة يقولون: فلان اهتزَّ مركزه في السوق أي: زَلَّتْ قدمه بما حدث منه من نقْضٍ للعهود، وحِنْث في الأيمان وغير ذلك مما لا يليق بأهل الثقة في السوق، ومثل هذا ينتهي به الأمر إلى أنْ يعلنَ إفلاسه في دنيا التعامل مع الناس.

أما الوفاء بالعهود والمواثيق والأَيْمان فيجعل قدمك في حركة الحياة ثابتة لا تتزحزح ولا تهتزّ، فترى مال الناس جميعاً مالَه، وتجد أصحاب الأموال مقبلين عليك يضعون أموالهم بين يديك، بما تتمتع به من سمعة طيبة ونزاهة وأمانة في التعامل.

ولذلك، فالتشريع الإسلامي حينما شرع لنا الشركة راعى هذا النوع من الناس الذي لا يملك إلا سمعة طيبة وأمانة ونزاهة ووفاء، هذا هو رأس مالهم، فإنْ دخل شريك بما لديْه من رأس المال، فهذا شريك بما لديْه من شرف الكلمة وشرف السلوك، ووجاهة بين الناس، وماضٍ مُشرِّف من التعامل.

وهذه يسمونها "شركة الوجوه والأعيان" وهذا الوجيه في دنيا المال والتجارة لم يأخذ هذه الوجاهة إلا بما اكتسبه من احترام الناس وثقتهم، وبما له من سوابق فضائل ومكارم.

وكذلك، قد نرى هذه الثقة لا في شخص من الأشخاص، بل نراها في ماركة من الماركات أو العلامات التجارية، فنراها تُبَاع وتُشْترى، ولها قيمة غالية في السوق بما نالتْه من احترام الناس وتقديرهم، وهذا أيضاً نتيجة الصدق والالتزام والأمانة وشرف الكلمة.

وقوله تعالى: (وَتَذُوقُواْ ٱلْسُّوۤءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل: 94).

السوء: أي العذاب الذي يسُوء صاحبه في الدنيا من مهانة واحتقار بين الناس، وكسَاد في الحال، بعد أنْ سقط من نظر المجتمع، وهدم جِسْر الثقة بينه وبين مجتمعه.

وقوله تعالى: (بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ) (النحل: 94).

الحديث هنا عن الذين ينقضون العهود والأَيْمان ولا يُوفُونَ بها، فهل في هذا صَدٌّ عن سبيل الله؟

نقول: أولاً إن معنى سبيل الله: كل شيء يجعل حركة الحياة منتظمة تُدَار بشرف وأمانة وصِدْق ونفاذ عهد.

ومن هنا، فالذي يُخلف العهد، ولا يفي بالمواثيق يعطي للمجتمع قدوة سيئة تجعل صاحب المال يضِنُّ بماله، وصاحب المعروف يتراجع، فلو أقرضتَ إنساناً وغدرَ بكَ فلا أظنُّك مُقرِضاً لآخر.

إذن: لا شَكَّ أن في هذا صداً عن سبيل الله، وتزهيداً للناس في فعْل الخير.

وقوله تعالى: (وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل: 94).

فبالإضافة إلى ما حاقَ بهم من خسارة في الدنيا، وبعد أنْ زَلَّتْ بهم القدم، ونزل بهم من عذاب الدنيا ألوانٌ ما زال ينتظرهم عذاب عظيم أي في الآخرة.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ...).



سورة النحل الآيات من 091-095 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النحل الآيات من 091-095 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النحل الآيات من 091-095   سورة النحل الآيات من 091-095 Emptyالأربعاء 08 يناير 2020, 7:03 am

وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الحق تبارك وتعالى في هذه الآية ينهانا ويُحذِّرنا: إياك أنْ تجعلَ عَهْدَ الله الذي أكدته للناس، وجعلت الله عليه كفيلاً، فبعد أن كنت حُراً في أن تعاهد أو لا تعاهد، فبمجرد العهد أصبح نفاذه واجباً ومفروضاً عليك.

أو: عهد الله -أي- شرعه الذي تعاهدتَ على العمل به والحفاظ عليه، وهو العهد الإيماني الأعلى، وهو أن تؤمنَ بالله وبصدق الرسول في البلاغ عن الله، وتلتزم بكل ما جاء به الرسول من أحكام، إياك أنْ تقابله بشيء آخر تجعله أغْلى منه؛ لأنك إنْ نقضْتَ عهد الله لشيء آخر من متاع الدنيا الزائل فقد جعلتَ هذا الشيء أغلى من عهد الله؛ لأن الثمن مهما كان سيكون قليلاً.

ثم يأتي تعليل ذلك في قوله: (إِنَّمَا عِنْدَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) (النحل: 95).

فالخير في الحقيقة ليس في متاع الدنيا مهما كَثُر، بل فيما عند الله تعالى، وقد أوضح ذلك في قوله تعالى: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ) (النحل: 96).

ولنا وقفة مع قوله تعالى: (هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) (النحل: 95).

فهذا أسلوب توكيد بالقصر بإعادة الضمير (هو) ، فلم يَقُلِ الحق سبحانه إنما عند الله خير لكم، فيحتمل أن ما عند غيره أيضاً خيْرٌ لكم، أما في تعبير القرآن (هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) أي: الخير فيما عند الله على سبيل القَصْر، كما في قوله تعالى: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (الشعراء: 80).

فجاء بالضمير "هو" ليؤكد أن الشافي هو الله لوجود مَظنّة أن يكون الشفاء من الطبيب، أما في الأشياء التي لا يُظَنّ فيها المشاركة فتأتي دون هذا التوكيد كما في قوله تعالى: (وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) (الشعراء: 81).

فلم يقل: هو يميتني هو يُحيين؛ لأنه لا يميت ولا يُحيي إلا الله، فلا حاجةَ للتوكيد هنا.

ما الذي يُخرج الإنسان عن الوفاء بالعهد؟

الذي يُخرج الإنسان عن الوفاء بالعهد أنْ يرى مصلحة سطحية فوق ما تعاقد عليه تجعله يخرج عما تعاهد عليه إلى هذه السطحية، ولكنه لو عقل وتدبَّر الأمر لعلم أنّ ما يسعى إليه ثمن بَخْسٌ، ومكسب قليل زائل إذا ما قارنه بما ادخِر له في حالة الوفاء؛ لأن ما أخذه حظاً من دنياه لابُدَّ له من زوال.

والعقل يقول: إن الشيء، إذا كان قليلاً باقياً يفضل الكثير الذي لا يبقى، فما بالك إذا كان القليل هو الذي يفنى، والكثير هو الذي يبقى.

ومثال ذلك: لو أعطيتُك فاكهة تكفيك أسبوعاً أو شهراً فأكلتها في يوم واحد، فقد تمتعْتَ بها مرة واحدة، وفاتَكَ منها مُتَعٌ وأكلاتٌ متعددة لو أكلتَها في وقتها.

لذلك؛ فالحق سبحانه وتعالى يُنبِّهك أنَّ ما عند الله هو الخير الحقيقي، فجعل موازينك الإيمانية دقيقة، فمن الحُمْق أن تبيع الكثير الباقي بالقليل الفاني: (إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (النحل: 95).

في الآية دِقَّة الحساب، ودِقَّة المقارنة، ودِقَّة حَلِّ المعادلات الاقتصادية.

ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ...).



سورة النحل الآيات من 091-095 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة النحل الآيات من 091-095
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة النحل الآيات من 031-035
» سورة النحل الآيات من 106-110
» سورة النحل الآيات من 026-030
» سورة النحل الآيات من 111-115
» سورة النحل الآيات من 116-120

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: النَّحل-
انتقل الى: