منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة النحل الآيات من 026-030

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النحل الآيات من 026-030 Empty
مُساهمةموضوع: سورة النحل الآيات من 026-030   سورة النحل الآيات من 026-030 Emptyالجمعة 27 ديسمبر 2019, 11:54 pm

قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٦)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ويأتي الحق سبحانه هنا بسيرة الأولين والسُّنن التي أجراها سبحانه عليهم، ليسلي رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ ويُوضِّح له أن ما حدث معه ليس بدْعاً؛ بل سبق أنْ حدث مع مَنْ سبق من الرسل.

ويُبلغه أنه لم يبعث أيَّ رسول إلا بعد تَعُمّ البَلْوى ويَطم الفساد، ويفقد البشر المناعة الإيمانية، نتيجة افتقاد مَنْ يؤمنون ويعملون الصالحات، ويتواصون بالحقِّ وبالصبر.

والمَثلُ الواضح على ذلك ما حدث لبني إسرائيل؛ الذين قال فيهم الحق سبحانه: (كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ) (المائدة: 79).

فانصبَّ عليهم العذاب من الله، وهذا مصير كُلِّ أمة لا تتناهى عن المنكر الظاهر أمامها.

ويقول سبحانه هنا: (قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (النحل: 26).

والمكر تبييت خفيّ يُبيِّته الماكر بما يستر عن المَمْكُور به.

ولكن حين يمكر أحد بالرسل؛ فهو يمكر بمَنْ يُؤيِّده الله العالم العليم.

وإذا ما أعلم اللهُ رسولَه بالمكر؛ فهو يُلغِي كل أثر لهذا التبييت؛ فقد علمه مَنْ يقدر على إبطاله.

والحق سبحانه هو القائل: (كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ) (المجادلة: 21).

وهو القائل: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ) (الصافات: 171-172).

وطبَّق الحق سبحانه ذلك على رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ حين مكر به كفار قريش وجمعوا شباب القبائل ليقتلوه؛ فأغشاهم الله ولم يبصروا خروجه للهجرة ولم ينتصر عليه معسكر الكفر بأيِّ وسيلة؛ لا باعتداءات اللسان، ولا باعتداءات الجوارح.

وهؤلاء الذين يمكرون بالرسل لم يتركهم الحق سبحانه دون عقاب: (فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ) (النحل: 26).

أي: أنهم إنْ جعلوا مكرهم كالبناية العالية؛ فالحقُّ سبحانه يتركهم لإحساس الأمن المُزيف، ويحفر لهم مِنْ تحتها، فيخِرّ عليهم السقف الذي من فوقهم.

وهكذا يضرب الله المثَل المعنوي بأمرٍ مَحَسٍّ.

وقوله الحق: (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ) (النحل: 26).

يُوضِّح أنهم موجودون داخل هذا البيت، وأن الفوقية هنا للسقف، وهي فوقية شاءها الله ليأتيهم: (ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ) (النحل: 26).

وهكذا يأتي عذاب الله بَغْتة؛ ذلك أنهم قد بيَّتوا، وظنوا أن هذا التبييت بخفاء يَخْفَى عن الحَيِّ القيوم.

ولَيْتَ الأمرَ يقتصر على ذلك؛ لا بل يُعذِّبهم الله في الآخرة أيضاً: (ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ...).



سورة النحل الآيات من 026-030 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النحل الآيات من 026-030 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النحل الآيات من 026-030   سورة النحل الآيات من 026-030 Emptyالجمعة 27 ديسمبر 2019, 11:54 pm

ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (٢٧)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وهكذا يكون العذاب في الدنيا وفي الآخرة، ويَلْقوْن الخِزْي يوم القيامة.

والخِزْي هو الهوان والمَذلَّة، وهو أقوى من الضرب والإيذاء؛ ولا يتجلَّد أمامه أحدٌ؛ فالخِزْي قشعريرة تَغْشَى البدن؛ فلا يُفلت منها مَنْ تصيبه.

وإنْ كان الإنسان قادراً على أنْ يكتمَ الإيلام؛ فالخِزْي معنى نفسي، والمعاني النفسية تنضح على البشرة؛ ولا يقدر أحد أنْ يكتم أثرها؛ لأنه يقتل خميرة الاستكبار التي عاش بها ذلك الذي بيَّت ومكرَ.

ويُوضِّح الحق سبحانه هذا المعنى في قوله عن القرية التي كان يأتيها الرزق من عند الله ثم كفرت بأنعم الله؛ فيقول: (وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) (النحل: 112).

أي: كأن الجسد كله قد سار مُمتلِكاً لحاسة التذوق، وكأن الجوع قد أصبح لباساً؛ يعاني منه صاحبه؛ فيجوع بقفاه، ويجوع بوجهه، ويجوع بذراعه وجلده وخطواته، وبكل ما فيه.

وساعة يحدث هذا الخِزي فكُلُّ خلايا الاستكبار تنتهي، خصوصاً أمام مَنْ كان يدَّعي عليهم الإنسان أن عظمته وتجبّره وغروره باقٍ، وله ما يسنده.

ويتابع سبحانه متحدياً: (أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) (النحل: 27).

أي: أين الشركاء الذين كنتم تعبدونهم؛ فجعلتم من أنفسكم شُقَّة، وجعلتم من المؤمنين شُقَّة أخرى، وكلمة (تُشَاقُّونَ)  مأخوذة من "الشق" ويقال: "شَقَّ الجدار أو شَقَّ الخشب" والمقصود هنا أنْ جعلتم المؤمنين، ومَنْ مع الرسول في شُقَّة تُعادونها، وأخذتُم جانب الباطل، وتركتُم جانب الحق.

وهنا يقول مَنْ آتاهم الله العلم: (قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ إِنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ وَٱلْسُّوۤءَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ) (النحل: 27).

وكأن هذا الأمر سيصير مشهداً بمحضر الحق سبحانه بين مَنْ مكروا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسيحضره الذين أتاهم الله العلم.

والعلم -كما نعلم- يأتي من الله مباشرة؛ ثم يُنقَل إلى الملائكة؛ ثم يُنقَل من الملائكة إلى الرُّسل، ثم يُنقل من الرُّسُل إلى الأُمم التي كلَّفَ الحق سبحانه رسله أنْ يُبلِّغوهم منهجه.

وكَما شهدتْ الدنيا سقوط المناهج التي اتبعوها من أهوائهم، وسقوط مَنْ عبدوهم من دون الله سيشهد اليوم الآخر الخِزْي والسوء وهو يحيط بهم، وقد يكون الخِزْي من هَوْل الموقف العظيم، ويحمي الله مَنْ آمنوا به بالاطمئنان.

ونعلم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد قال: "ألا هل بلغت، اللهم فاشهد".

وكما بلَّغَ رسولُ الله أمته واستجابتْ له؛ فقد طلب منهم أيضاً أن يكونوا امتداداً لرسالته، وأَنْ يُبلِّغوها للناس، ذلك أن الحق سبحانه قد منع الرسالات من بعد رسالة محمد عليه الصلاة والسلام.وصار من مسئولية الأمة المحمدية أنْ تُبلِّغ كل مَنْ لم تبلغه رسالة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "نَضَّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها، وأدَّاها إلى مَنْ لم يسمعها، فَرُبَّ مُبلَّغ أَوْعَى مِن سامع".

والحق سبحانه هو القائل: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ) (النساء: 41-42).

أي: يتمنوْنَ أنْ يصيروا تُرَاباً، كما قال تعالى في موقع آخر: (إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً) (النبأ: 40).

ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: (ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ...).



سورة النحل الآيات من 026-030 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النحل الآيات من 026-030 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النحل الآيات من 026-030   سورة النحل الآيات من 026-030 Emptyالجمعة 27 ديسمبر 2019, 11:56 pm

الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَىٰ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

يقول تعالى: (ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) (النحل: 28).

أي: تتوفّاهم في حالة كَوْنهم ظالمين لأنفسهم، وفي آية أخرى قال الحق تبارك وتعالى: (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (النحل: 118).

ومعلوم أن الإنسان قد يظلم غيره لحَظِّ نفسه ولصالحها.

فكيف يظلم هو نفسه، وهذا يسمونه الظلم الأحمق حين تظلم نفسك التي بين جنبيك.

ولكن كيف ذلك؟

نعرف أن العدو إذا كان من الخارج فسهْلٌ التصدي له، بخلاف إذا جاءك من نفسك التي بين جَنْبَيْك، فهذا عدو خطير صَعْب التصدِّي له، والتخلّص منه.

وهنا نطرح سؤالاً: ما الظلم؟

الظلم أنْ تمنعَ صاحب حَقٍّ حَقَّه، إذن: ماذا كان لنفسك عليك حتى يقال: إنك ظلمتها بمنعها حَقِّها؟

نقول: حين تجوع، ألاَ تأكل؟

وحين تعطش أَلاَ تشرب؟

وحين تُرْهق من العمل أَلاَ تنام؟

إذن: أنت تعطي نفسك مطلوباتها التي تُريحها وتسارع إليها، وكذلك إذا نِمْتَ وحاولوا إيقاظك للعمل فلم تستيقظ، أو حاولوا إيقاظك للصلاة فتكاسلت، وفي النهاية كانت النتيجة فشلاً في العمل أو خسارة في التجارة... الخ.

إذن: هذه خسارة مُجمعة، والخاسر هو النفس، وبهذا فقد ظلم الإنسانُ نفسه بما فاتها من منافع في الدنيا، وقِسْ على ذلك أمور الآخرة.

وانظر هنا إلى جُزْئيات الدنيا حينما تكتمل لك، هل هي نهاية كل شيء، أم بنهايتها يبتدىء شيء؟

بنهايتها يبتدىء شيء، ونسأل: الشيء الذي سوف يبدأ، هل هو صورة مكرورة لما انتهى في الدنيا؟

ليس كذلك، لأن المنتهى في الدنيا مُنقطع، وقد أخذت حَظِّي منه على قَدْر قدراتي، وقدراتي لها إمكانات محدودة.

أما الذي سيبدأ -أي في الآخرة- ليس بمُنْتهٍ بل خالد لا انقطاع له، وما فيه من نعيم يأتي على قَدْر إمكانات المنعِم ربك سبحانه وتعالى.إذن: أنت حينما تُعطِي نفسك متعة في الدنيا الزائلة المنقطعة، تُفوِّت عليها المتعة الباقية في الآخرة.

وهذا مُنتهى الظلم للنفس.

نعود إلى قوله تعالى: (ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ) (النحل: 28).

أثبتت هذه الآية التوفِّي للملائكة.

والتوفِّي حقيقة لله تعالى، كما جاء في قوله: (ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ) (الزمر: 42).

لكن لما كان الملائكة مأمورين، فكأن الله تعالى هو الذي يتوفَّى الأنفُسَ رغم أنه سبحانه وتعالى قال: (ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ) (الزمر: 42).

وقال: (قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (السجدة: 11).

وقال: (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا) (الأنعام: 61).

إذن: جاء الحَدثُ من الله تعالى مرة، ومن رئيس الملائكة عزرائيل مرة، ومن مُسَاعديه من الملائكة مرة أخرى، إذن: الأمر إما للمزاولة مباشرة، وإما للواسطة، وإما للأصل الآمر.

وقوله تعالى: (تَتَوَفَّاهُمُ) (النحل: 28).

معنى التوفيّ من وفَّاه حقَّه أي: وفَّاه أجله، ولم ينقص منه شيئاً، كما تقول للرجل وَفَّيتُك دَيْنك.

أي: أخذت ما لك عندي.

(ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) (النحل: 28).

نلاحظ أنها جاءت بصيغة الجمع، و (ظَالِمِي)  يعني ظالمين و (أَنْفُسِهِمْ)  جمع، وحين يُقَابَل الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحاداً أي: أن كلاً منهم يظلم نفسه.

ثم يقول الحق سبحانه: (فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ) (النحل: 28).

أي: خضعوا واستسلموا ولم يَعُدْ ينفعهم تكبّرهم وعجرفتهم في الدنيا.

ذهب عنهم كل هذا بذَهَاب الدنيا التي راحتْ من بين أيديهم.

وما داموا ألقوا السَّلم الآن، إذن: فقد كانوا في حرب قبل ذلك كانوا في حرب مع أنفسهم وهم أصحاب الشِّقاق في قوله تعالى: (تُشَاقُّونَ) (النحل: 27).

أي: تجعلون هذا في شِقٍّ، وهذا في شِقٍّ، وكأن الآية تقول: لقد رفعوا الراية البيضاء وقالوا: لا جَلَد لنا على الحرب.

ثم يقول الحق تبارك وتعالى: (مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ) (النحل: 28).

هذا كقوله تعالى في آية أخرى: (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) (الأنعام: 23).

والواقع أنهم بعد أنْ ألقَوا السلم ورفعوا الراية البيضاء واستسلموا، أخذهم موقف العذاب فقالوا محاولين الدفاعَ عن أنفسهم: (مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ) (النحل: 28).

وتعجب من كَذِب هؤلاء على الله في مثل هذا الموقف، على مَنْ تكذبون الآن؟! فيرد عليهم الحق سبحانه: (بَلَىٰ) (النحل: 28).

وهي أداةُ نفي للنفي السابق عليها، ومعلومٌ أن نَفْي النفي إثبات، فـ (بَلَىٰ)  تنفي: (مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ) (النحل: 28).

إذن: معناها.

لا.

بل عملتم السوء.

ثم يقول الحق سبحانه: (إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل: 28).

ومن رحمة الله تعالى أنه لم يكتَفِ بالعلم فقط، بل دوَّن ذلك عليهم وسَجَّله في كتاب سَيُعرض عليهم يوم القيامة، كما قال تعالى: (وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ) (الأنبياء: 47).

وقال: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (الإسراء: 13-14).

ويحلو للبعض أنْ ينكر إمكانية تسجيل الأعمال وكتابتها.

ونقول لهؤلاء: تعالوا إلى ما توصل إليه العقل البشريّ الآن من تسجيل الصور والأصوات والبصمات وغيرها.

وهذا كله يُسهِّل علينا هذه المسألة عندما نرقي إمكانات العقل البشري إلى الإمكانات الإلهية التي لا حدود لها.

فلا وجه –إذن- لأنْ ننكر قدرة الملائكة "رقيب وعتيد" في تسجيل الأعمال في كتاب يحفظ أعماله ويُحصي عليه كل كبيرة وصغيرة.

ثم يقول تعالى: (فَٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ...).



سورة النحل الآيات من 026-030 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النحل الآيات من 026-030 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النحل الآيات من 026-030   سورة النحل الآيات من 026-030 Emptyالجمعة 27 ديسمبر 2019, 11:57 pm

فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

سبق أنْ قُلْنا في شرح قوله تعالى في وصف جهنم: (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ) (الحجر: 44).

أي: أن لكل جماعة من أهل المعصية باباً معلوماً.

فبابٌ لأهل الربا.

وبابٌ لأهل الرِّشوة.

وباب لأهل النفاق وهكذا.

ولك أن تتصور ما يُلاقيه مَنْ يجمع بين هذه المعاصي!! إنه يدخل هذا الباب ثم يخرج منه ليدخل باباً آخر.

حقاً ما أتعس هؤلاء! وهنا يقول تعالى: (فَٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ) (النحل: 29).

فجاءت أيضاً بصورة الجمع.

إذن: كل واحد منكم يدخل من بابه الذي خُصِّص له.

ثم يقول سبحانه: (فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ) (النحل: 29).

والمثوى هو مكان الإقامة، وقال تعالى في موضع آخر: (لاَ جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ) (النحل: 23).

فتكبَّر واستكبر وكل ما جاء على وزن (تفعَّل)  يدل على أن كِبْرهم هذا غير ذاتيّ؛ لأن الذي يتكبر حقّاً يتكّبر بما فيه ذاتيّاً لا يسْلبُه منه أحد، إنما مَنْ يتكبر بشيء لا يملكه فتكبّره غيرُ حقيقيّ، وسرعان ما يزول ويتصاغر هؤلاء بما تكبَّروا به في الدنيا، وبذلك لا يكون لأحد أنْ يتكبّر لأن الكبرياءَ الحقيقي لله عزَّ وجل.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ...).



سورة النحل الآيات من 026-030 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النحل الآيات من 026-030 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النحل الآيات من 026-030   سورة النحل الآيات من 026-030 Emptyالجمعة 27 ديسمبر 2019, 11:58 pm

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وقد سبق أنْ تحدثنا عن قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ) (النحل: 24).

فهذه مشاهدة ولقطات تُبيّن الموقف الذي انتهى بأنْ أقروا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين.

وهذه الآياتُ نزلتْ في جماعة كانوا داخلين مكة.

وعلى أبوابها التي يأتي منها أهل البوادي، وقد قسَّم الكافرون أنفسهم على مداخل مكة ليصدوا الداخلين إليها عن سماع خبر أهل الإيمان بالنبي الجديد.

وكان أهل الإيمان من المسلمين يتحيَّنون الفرصة ويخرجون على مشارف مكة بحجة رَعْي الغنم مثلاً ليقابلوا هؤلاء السائلين ليخبروهم خبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وخبر دعوته.

مما يدلُّ على أن الذي يسأل عن شيء لا يكتفي بأول عابر يسأله، بل يُجدِّد السؤال ليقف على المتناقضات.

فحين سألوا الكافرين قالوا: (قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ) (النحل: 24).

فلم يكتفوا بذلك، بل سألوا أهل الإيمان فكان جوابهم: (قَالُواْ خَيْراً) (النحل: 30).

هذا لنفهم أن الإنسانَ إذا صادف شيئاً له وجهتان متضادتان فلا يكتفي بوجهة واحدة، بل يجب أن يستمع للثانية، ثم بعد ذلك للعقل أن يختار بين البدائل.

إذن: حينما سأل الداخلون مكة أهل الكفر: (مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ) (النحل: 24).

وحينما سألوا أهلَ الإيمان والتقوى: (مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً) (النحل: 30).

ونلاحظ هنا في (وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ) (النحل: 30).

أن الحق سبحانه لم يوضح لنا مَنْ هم، ولم يُبيّن هُويَّتهم، وهذا يدلُّنا على أنهم كانوا غير قادرين على المواجهة، ويُدارون أنفسهم لأنهم ما زالوا ضِعَافاً لا يقدرون على المواجهة.

وقد تكرر هذا الموقف -موقف السؤال إلى أنْ تصل إلى الوجهة الصواب- حينما عَتَب الحق تبارك وتعالى على نبي من أنبيائه هو سيدنا داود -عليه السلام- في قوله تعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ) (ص: 21-23).

فماذا قال داود -عليه السلام-؟ (قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ) (ص: 24).

وواضحٌ في حكم داود -عليه السلام- تأثُّره بقوله (له تسع وتسعون) ولنفرض أنه لم يكُنْ عنده شيء، ألم يظلم أخاه بأخْذ نعجته؟!

إذن: تأثر داود بدعوى الخصم، وأدخل فيه حيثية أخرى، وهذا خطأ إجرائي في عَرْض القضية؛ لأن (تسع وتسعون)  هذه لا دَخْل لها في القضية.

بل هي لاستمالة القاضي وللتأثير على عواطفه ومنافذه، ولبيان أن الخَصْم غني ومع ذلك فهو طماع ظالم.

وسرعان ما اكتشف داود -عليه السلام- خطأه في هذه الحكومة، وأنها كانت فتنة واختباراً من الله: (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ) (ص: 24).

أي: اختبرناه كي نُعلِّمه الدرس تطبيقاً.

أيحكم بالحق ويُراعي جميع نواحي القضية أم لا؟

وانظر هنا إلى فطنة النبوة، فسرعان ما عرف داود ما وقع فيه واعترف به، واستغفر ربّه وخَرَّ له راكعاً مُنيباً.

قال تعالى: (فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ) (ص: 24).

إذن: الشاهد هنا أنه كان على داود -عليه السلام- أن يستمع إلى الجانب الآخر والطرف الثاني في الخصومة قبل الحكم فيها.

وقوله تعالى: (وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً) (النحل: 30).

ما هو الخير؟

الخير كُلُّ ما تستطيبه النفس بكل مَلكَاتها.

لكن الاستطابة قد تكون موقوتة بزمن، ثم تُورِث حَسْرة وندامة.

إذن: هذا ليس خيراً؛ لأنه لا خيرَ في خير بعده النارُ، وكذلك لا شَرَّ في شر بعده الجنة.

إذن: يجب أن نعرف أن الخير يظل خُيْراً دائماً في الدنيا، وكذلك في الآخرة، فلو أخذنا مثلاً متعاطي المخدرات نجده يأخذ متعة وقتية ونشوة زائفة سرعان ما تزول، ثم سرعان ما ينقلب هذا الخير في نظره إلى شر عاجل في الدنيا وآجل في الآخرة.

إذن: انظر إلى عمر الخير في نفسك وكيفيته وعاقبته.

وهذا هو الخير في قوله تعالى: (قَالُواْ خَيْراً) (النحل: 30).

إذن: هو خير تستطيبه النفس، ويظل خيراً في الدنيا، ويترتب عليه خير في الآخرة، أو هو موصول بخير الآخرة.

ثم فسَّره الحق تبارك وتعالى في قوله سبحانه: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ) (النحل: 30).

ونفهم من هذه الآية أنه على المؤمن ألاَّ يترك الدنيا وأسبابها، فربما أخذها منك الكافر وتغلَّب عليك بها، أو يفتنك في دينك بسببها، فمَنْ يعبد الله أَوْلى بسرِّه في الوجود، وأسرارُ الله في الوجود هي للمؤمنين، ولا ينبغي لهم أن يتركوا الأخذ بأسباب الدنيا للكافرين.

اجتهد أنت أيها المؤمن في أسباب الدنيا حتى تأمنَ الفتنة من الكافرين في دُنْياك.

ولا يَخْفى ما نحن فيه الآن من حاجتنا لغيرنا، مما أعطاهم الفرصة ليسيطروا على سياساتنا ومقدراتنا.

لذلك يقول سبحانه: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ) (النحل: 30).

أي: يأخذون حسناتهم، وتكون لهم اليَدُ العليا بما اجتهدوا، وبما عَمِلوا في دنياهم، وبذلك ينفع الإنسانُ نفسه وينفع غيره، وكلما اتسعت دائرة النفع منك للناس كانت يدك هي العليا، وكان ثوابك وخَيْرك موصولاً بخير الآخرة.

لذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة".

ومن هذه الآية أيضاً يتضح لنا جانب آخر، هو ثمرة من ثمرات الإحسان في الدنيا وهي الأمن.

فمَنْ عاش في الدنيا مستقيماً لم يقترف ما يُعَاقب عليه تجدْه آمناً مطمئناً، حتى إذا داهمه شر أو مكروه تجده آمنا لا يخاف، لأنه لم يرتكب شيئاً يدعو للخوف.

خُذْ مثلاً اللص تراه دائماً مُتوجِّساً خائفاً، تدور عَيْنه يميناً وشمالاً، فإذا رأى شرطياً هلع وترقَّب وراح يقول في نفسه: لعله يقصدني.

أما المستقيم فهو آمن مطمئن.

ومن ثمرات هذا الإحسان وهذه الاستقامة في الدنيا أن يعيش الإنسان على قَدْر إمكاناته ولا يُرهق نفسه بما لا يقدر عليه، وقديماً قالوا لأحدهم: قد غلا اللحم، فقال: أَرْخِصوه، قالوا: وكيف لنا ذلك؟

قال: ازهدوا فيه.

وقد نظم ذلك الشاعرُ فقال:
وَإِذَا غَـــلاَ شَيءٌ عَلَيَّ تركْتُه     فيكونُ أرخصَ ما يكونُ إِذَا غَلاَ

ولا تَقُلْ: النفس توَّاقة إليه راغبة فيه، فهي كما قال الشاعر:
وَالنفْسُ رَاغِبةٌ إِذَا رغَّبْتَها    وَإِذَا تُرَدّ إلى قَلِيل تَقْنَعُ

وفي حياتنا العملية، قد يعود الإنسان من عمله ولمَّا ينضج الطعام، ولم تُعَد المائدة وهو جائع، فيأكل أيَّ شيء موجود وتنتهي المشكلة، ويقوم هذا محل هذا، وتقنعُ النفسُ بما نالتْه.

ولكي يعيش الإنسان على قَدْر إمكاناته لابُدَّ له أنْ يوازن بين دَخْله ونفقاته، فمَنْ كان عنده عُسْر في دَخْله، أو ضاقت عليه منافذ الرزق لابُدَّ له من عُسْر في مصروفه، ولابُدَّ له أنْ يُضيِّق على النفس شهواتها، وبذلك يعيش مستوراً ميسوراً، راضي النفس، قرير العين.

والبعض في مثل هذه المواقف يلجأ إلى الاستقراض للإنفاق على شهوات نفسه، وربما اقترض ما يتمتع به شهراً، ويعيش في ذلة دَهْراً؛ لذا من الحكمة إذن قبل أن تسأل الناس القرض سَلْ نفسك أولاً، واطلب منها أن تصبر عليك، وأن تُنظرك إلى ساعة اليُسْر، ولا تُلجئك إلى مذلَّة السؤال.

وقبل أن تلوم مَنْ منعك لُمْ نفسك التي تأبَّتْ عليك أولاً.

وما أبدع شاعِرنا الذي صاغ هذه القيم في قوله:
إذَا رُمْتَ أنْ تستقرضَ المالَ مُنفِقاً على شَهَواتِ النفسِ فِي زَمَنِ العُسْر
فَسَلْ نفسَكَ الإنفاقَ من كَنْز صَبْرِها عليْكَ وإنظاراً إلى سَاعةِ اليُسْرِ
فَإِنْ فعلْتَ كنتَ الغني، وإنْ أبَتْ فكُل مَنُوع بعدها وَاسِعُ العُذْر

ثم يقول الحق سبحانه: (وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ) (النحل: 30).

والخير في الآخرة من الله، والنعيم فيها على قَدْر المنعِم تبارك وتعالى، دون تعب ولا كَدٍّ ولا عمل.

ومعلوم أن كلمة: (قَالُواْ خَيْراً) (النحل: 30).

التي فسَّرها الحق تبارك وتعالى بقوله: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ) (النحل: 30).

تقابلها كلمة "شر"، هذا الشر هو ما جاء في قول الكافرين: (مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ) (النحل: 24).

فهؤلاء قالوا خيراً، وأولئك قالوا شراً.

ولكن إذا قيل: ذلك خير من ذلك، فقد توفر الخير في الاثنين، إلا أن أحدهما زاد في الخيرية عن الآخر، وهذا معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير".

لذلك لما قال: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ) (النحل: 30).

قال: (وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ) (النحل: 30).

أي: خير من حسنة الدنيا، فحسنة الدنيا خير، وأخير منها حسنة الآخرة.

ويُنهي الحق سبحانه الآية بقوله: (وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ) (النحل: 30).

أي: دار الآخرة.

ثم أراد الحق تبارك وتعالى أن يعطينا صورة موجزة عن دار المتقين كأنها برقية، فقال سبحانه: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا...).



سورة النحل الآيات من 026-030 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة النحل الآيات من 026-030
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة النحل الآيات من 031-035
» سورة النحل الآيات من 106-110
» سورة النحل الآيات من 111-115
» سورة النحل الآيات من 116-120
» سورة النحل الآيات من 041-045

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: النَّحل-
انتقل الى: