منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة النحل الآيات من 031-035

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النحل الآيات من 031-035 Empty
مُساهمةموضوع: سورة النحل الآيات من 031-035   سورة النحل الآيات من 031-035 Emptyالسبت 28 ديسمبر 2019, 12:00 am

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَٰلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (٣١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والجنات: تعني البساتين التي بها الأشجار والأزهار والثمار والخضرة، مما لا عَيْن رأتْ، ولا أذُن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

ليس هذا وفقط.

هذه الجنة العمومية التي يراها كل مَنْ يدخلها.

بل هناك لكل واحد قصر خاص به، بدليل قوله تعالى: (وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ) (الصف: 12).

إذن: هنا قَدْر مشترك للجميع: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ) (النحل: 31).

ومعنى قوله تعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ) (النحل: 31).

أي: جنات إقامة دائمة؛ لأن فيها كل ما يحتاجه الإنسان، فلا حاجه له إلى غيرها.

هَبْ أنك دخلْتَ أعظم حدائق وبساتين العالم -هايد بارك مثلاً- فقصارى الأمر أنْ تتنزَّه به بعض الوقت، ثم يعتريك التعب ويصيبك المَلل والإرهاق فتطلب الراحة من هذه النزهة.

أما الجنة فهي جنة عدن، تحب أن تقيم فيها إقامة دائمة.

ويصف الحق سبحانه هذه الجنات فيقول: (تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ) (النحل: 31).

وفي آية أخرى يقول سبحانه: (تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ) (التوبة: 100).

ومعنى "تجري تحتها" أي: أنها تجري تحتها، وربما تأتي من مكان آخر.

وقد يقول هنا قائل: يمكن أن يُمنع عنك جريان هذه الأنهار؛ لذلك جاءت الآية: (تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ) (النحل: 31).

أي: ذاتية في الجنة لا يمنعها عنك مانع.

ثم يقول تعالى: (لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ) (النحل: 31).

والمشيئة هنا ليست بإرادة الدنيا ومشيئتها، وإنما مشيئة بالمزاج الخصب الذي يتناسب مع الآخرة ونعيمها.

فمثلاً: إذا دخلتَ على إنسان رقيق الحال فَلَك مشيئة على قدر حالته، وإذا دخلتَ على أحد العظماء أو الأثرياء كانت لَكَ مشيئة أعلى.

وهكذا.

إذن: المشيئات النفسية تختلف باختلاف المشَاء منه، فإذا كان المشَاء منه هو الله الذي لا يُعجزه شيء تكون مشيئتُك مُطلقة، فالمشيئة في الآية ليستْ كمشيئة الدنيا؛ لأن مشيئة الدنيا تتحدَّد ببيئة الدنيا.

أما مشيئة الآخرة فهي المشيئة المتفتحة المتصاعدة المرتقية كما تترقى المشيئات عند البشر في البشر حَسْب مراتبهم ومراكزهم.

ويُرْوى أنه لما أُسِرَتْ بنت أحد ملوك فارس عند رجل، وأرادوا شراءها منه وعرضوا عليه ما يريد، فقال: أريد فيها ألف دينار، فأعطوه الألف دينار وأخذوها منه.

فقال له أحدهم: إنها ابنةُ الملك، ولو كنت طلبتَ منه كذا وكذا لم يبخل عليك فقال: والله لو علمتُ أن وراء الألف عدداً لَطلبْته.

فقد طلب قصارى ما وصل إليه علمه.

لذلك لما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يشرح لنا هذا النص القرآني: (لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ) (النحل: 31).

وكذلك قوله تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (الزخرف: 71).

قال: "فيها ما لا عَيْن رأت، ولا أذن سمعتْ، ولا خطر على قَلْب بشر".

إذن: تحديد الإطار للآية بقدر ما هم فيه عند ربهم.

(كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ) (النحل: 31).

أي: هكذا الجزاء الذي يستحقونه بما قدموا في الدنيا، وبما حرَمَوا منه أنفسهم من مُتَع حرام.

وقد جاء الآن وقْتُ الجزاء، وهو جزاءٌ أطول وأَدْوم؛ لذلك قال الحق تبارك وتعالى في آية أخرى: (كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ) (الحاقة: 24).

ثم يقول الحق تبارك وتعالى: (ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ...).



سورة النحل الآيات من 031-035 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النحل الآيات من 031-035 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النحل الآيات من 031-035   سورة النحل الآيات من 031-035 Emptyالسبت 28 ديسمبر 2019, 12:01 am

الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

أي: المتقون هم الذين تتوفاهم الملائكة طيبين.

ومعنى: (تَتَوَفَّاهُمُ) (النحل: 32).

أي: تأتي لقبْض أرواحهم، وهنا نَسَب التوفّي إلى جملة الملائكة، كأنهم جنود ملَك الموت الأصيل عزرائيل، وقد سبق أنْ قُلْنا: إن الحق تبارك وتعالى مرةً ينسب التوفّي إلى الملائكة، ومرة ينسبه إلى مَلك الموت: (قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) (السجدة: 11).

ومرّة ينسبه إلى نفسه سبحانه: (ٱللَّهُ يَتَوَفَّى) (الزمر: 42).

ذلك لأن الله سبحانه هو الآمر الأعلى، وعزرائيل مَلكُ الموت الأصيل، والملائكة هم جنوده الذين يُنفّذون أوامره.

وقوله: (طَيِّبِينَ) (النحل: 32).

تقابل الآية السابقة: (ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) (النحل: 28).

والطيّب هو الشيء الذي يوجد له خيرٌ دائم لا ينقطع ولا ينقلب خَيْره هذا شراً، وهو الشيء الذي تستريح له النفس راحة تنسجم منها كل مَلكاتها، بشرط أن يكون مستمراً إلى خَيْرٍ منه، ولا يستمر إلى خَيْرٍ منه وأحسن إلا طَيِّب القيم وطَيِّب الدين، أما غير ذلك فهو طيب موقوتٌ سرعان ما يُهجر.

ولذلك حينما يدَّعي اثنان المحبة في الله نقول: هذه كلمة تُقال، ومِصْداقها أن ينمو الودُّ بينكما كل يوم عن اليوم الذي قبله؛ لأن الحب للدنيا تشوبه الأطماع والأهواء، فترى الحب ينقص يوماً بعد يوم، حَسْب ما يأخذ أحدهما من الآخر، أما المتحابان في الله فيأخذان من عطاء لا ينفد، هو عطاء الحق تبارك وتعالى، فإنْ رأيت اثنين يزداد وُدّهما فاعلم أنه وُدٌّ لله وفي الله، على خلاف الوُد لأغراض الدنيا فهو وُدٌّ سرعان ما ينقطع.

هل هناك أطيب من أنهم طهَّروا أنفسهم من دَنَس الشرك؟

وهل هناك أطيبُ من أنهم أخلصوا عملهم لله، وهل هناك أطيب من أنهم لم يُسْرفوا على أنفسهم في شيء؟

وحَسْب هؤلاء من الطيب أنهم ساعة يأتي مَلَكُ الموت يمرُّ عليهم شريط أعمالهم، ومُلخّص ما قدّموه في الدنيا، فيرْون خَيْراً، فتراهم مُستبشرين فرحين، يبدو ذلك على وجوههم ساعة الاحتضار، فتراه أبيضَ الوجه مُشْرقاً مبتسماً، عليه خاتمة الخير والطيب والسعادة؛ ذلك لما عاينه من طيب عمله، ولما يستبشر به من الجزاء عند الله تبارك وتعالى.

وعلى عكس هذه الحالة تماماً نرى أهل الشقاوة، وما هُمْ عليه ساعةَ الغرغرة من سواد الوجه، وسُوء الخاتمة، والعياذ بالله.

(يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ) (النحل: 32).

أي: حينما تتوفّاهم الملائكة يقولون لهم سلام؛ لأنكم خرجتم من الدنيا بسلام، وستُقبِلون على الآخرة بسلام، إذن: سلام الطيبين سلامٌ موصول من الدنيا إلى الآخرة، سلامٌ مُترتّب على سلامة دينكم في الدنيا، وسلامة إقبالكم على الله، دون خوف في الآخرة.

وهنا سلام آخر جاء في قول الحق تبارك وتعالى: (وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ) (الزمر: 73).

ثم يأتي السلام الأعلى عليهم من الله تبارك وتعالى؛ لأن كل هذه السلامات لهؤلاء الطيبين مأخوذة من السلام الأعلى: (سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ) (يس: 58).

وهل هناك أفضل وأطيب من هذا السلام الذي جاء من الحق تبارك وتعالى مباشرة.

وتعجب هنا من سلام أهل الأعراف على المؤمنين الطيبين وهم في الجنة، ونحن نعرف أن أهل الأعراف هم قوم تساوتْ حسناتهم وسيئاتهم فحُجِزا على الأعراف، وهو مكان بين الجنة والنار، والقسمة الطبيعية تقتضي أن للميزان كفتين ذكرهما الحق تبارك وتعالى في قوله: (فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) (القارعة: 6-9).

هاتان حالتان للميزان، فأين حالة التساوي بين الكفتين؟

جاءت في قوله تعالى: (وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ) (الأعراف: 46).

أي: يعرفون أهل الجنة وأهل النار: (وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ) (الأعراف: 46).

ووجه العجب هنا أن أهل الأعراف في مأزق وشدّة وانشغال بما هم فيه من شدة الموقف، ومع ذلك نراهم يفرحون بأهل الجنة الطيبين، ويُبادرونهم بالسلام.

إذن: لأهل الجنة سلامٌ من الملائكة عند الوفاة، وسلام عندما يدخلون الجنة، وسلام أعلى من الله تبارك وتعالى، وسلام حتى من أهل الأعراف المنشغلين بحالهم.

(ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل: 32).

أي: لأنكم دفعتم الثمن؛ والثمن هو عملكم الصالح في الدنيا، واتباعكم لمنهج الحق تبارك وتعالى.

وقد يرى البعض تعارضاً بين هذه الآية وبين الحديث الشريف: "لن يدخل أحدٌ منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته".

والحقيقة أنه لا يوجد تعارضٌ بينهما، ولكن كيف نُوفِّق بين الآية والحديث؟

الله تعالى يُوحي لرسوله -صلى الله عليه وسلم- الحديث كما يُوحي له الآية، فكلاهما يصدر عن مِشْكاة واحدة ومصدر واحد.

على حَدِّ قوله تعالى: (وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ) (التوبة: 74).

فالحَدثُ هنا واحد، فلم يُغْنِهم الله بما يناسبه والرسول بما يناسبه، بل هو غناء واحد وحَدث واحد، وكذلك ليس ثمة تعارضٌ بين الآية والحديث.كيف؟

الحق تبارك وتعالى كلَّف الإنسان بعد سِنِّ الرُّشْد والعقل، وأخذ يُوالي عليه النعم منذ صِغَره، وحينما كلَّفه كلَّفه بشيء يعود على الإنسان بالنفع والخير، ولا يعود على الله منه شيء، ثم بعد ذلك يُجازيه على هذا التكليف بالجنة.

إذن: التكليف كله لمصلحة العبد في الدنيا والآخرة.

إذن: تشريع الجزاء من الله في الآخرة هو مَحْضُ الفضل من الله، ولو أطاع العبدُ رَبّه الطاعة المطلوبة منه في الأفعال الاختيارية التكليفية لما وَفّى نِعَم الله عليه، وبذلك يكون الجزاء في الجنة فَضْلاً من الله ومنَّة.

أو: أنهم حينما قالوا: (بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل: 32).

يريدون أن عملهم سبب عاديّ لدخول الجنة، ثم يكتسبونها بفضل الله.

فتجمع الآية بين العمل والفضل معاً؛ لذلك فإن الحق تبارك وتعالى يُقوّي هذا بقوله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس: 58).

فهم لم يفرحوا بالعمل لأنه لا يَفِي بما هم فيه من نعمة، بل الفرحة الحقيقية تكون بفضل الله ورحمته، وفي الدعاء: "اللهم عاملنا بالفضل لا بالعدل".

وأخيراً.

هل كانوا يعملون هكذا من عند أنفسهم؟

لا.

بل بمنهج وضعه لهم ربّهم تبارك وتعالى.

إذن: بالفضل لا بمجرد العمل.

ومثال ذلك: الوالد عندما يقول لولده: لو اجتهدت هذا العام وتفوقت سأعطيك كذا وكذا.

فإذا تفوَّق الولد كان كل شيء لصالحه: النجاح والهدية.

ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ...).



سورة النحل الآيات من 031-035 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النحل الآيات من 031-035 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النحل الآيات من 031-035   سورة النحل الآيات من 031-035 Emptyالسبت 28 ديسمبر 2019, 12:01 am

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٣٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

بعد أن عرضتْ الآيات جزاء المتقين الذين قالوا خيراً، عادتْ لهؤلاء الذين قالوا (أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ) الذين يُصادمون الدعوة إلى الله، ويقفون منها موقف العداء والكَيْد والتربُّص والإيذاء.

وهذا استفهام من الحق تبارك وتعالى لهؤلاء: ماذا تنتظرون؟! بعدما فعلتم بأمر الدعوة وما صَدْدتُم الناس عنها، ماذا تنتظرون؟

أتنتظرون أنْ تَرَوْا بأعينكم، ليس أمامكم إلا أمران: سيَحُلاَّن بكم لا محالة: إما أنْ تأتيكم الملائكة فتتوفاكم، أو يأتي أمرُ ربِّك، وهو يوم القيامة ولا ينجيكم منها إلا أنْ تؤمنوا، أم أنكم تنتظرون خيْراً؟!

فلن يأتيكم خير أبداً.

كما قال تعالى في آيات أخرى: (أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ) (النحل: 1).

وقال: (ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ) (القمر: 1).

وقال: (ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ) (الأنبياء: 1).

إذن: إنما ينتظرون أحداثاً تأتي لهم بشَرٍّ: تأتيهم الملائكة لقبْض أرواحهم في حالة هم بها ظالمون لأنفسهم، ثم يُلْقون السَّلَم رَغْماً عنهم، أو: تأتيهم الطامة الكبرى وهي القيامة.

ثم يقول الحق سبحانه: (كَذَلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) (النحل: 33).

أي: ممَّن كذَّب الرسل قبلهم.

يعني هذه مسألة معروفة عنهم من قبل: (وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ) (النحل: 33).

أي: وما ظلمهم الله حين قدَّر أنْ يُجازيهم بكذا وكذا، وليس المراد هنا ظلمهم بالعذاب؛ لأن العذاب لم يحُلّ بهم بعد.

(وَلـٰكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (النحل: 33).

وهذا ما نُسمِّيه بالظلم الأحمق؛ لأن ظلم الغير قد يعود على الظالم بنوع من النفع، أما ظُلْم النفس فلا يعود عليها بشيء؛ وذلك لأنهم أسرفوا على أنفسهم في الدنيا فيما يخالف منهج الله، وبذلك فَوَّتوا على أنفسهم نعيم الدنيا ونعيم الآخرة، وهذا هو ظلمهم لأنفسهم.

ثم يقول الحق سبحانه: (فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ...).



سورة النحل الآيات من 031-035 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النحل الآيات من 031-035 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النحل الآيات من 031-035   سورة النحل الآيات من 031-035 Emptyالسبت 28 ديسمبر 2019, 12:02 am

فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٣٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

أي: أنهم لما ظلموا أنفسهم أصابهم جزاء ذلك، وسُمِّي ما يُفعل بهم سيئة؛ لأن الحق تبارك وتعالى يُسمّي جزاء السيئة سيئة في قوله: (وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا) (الشورى: 40).

ويقول تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) (النحل: 126).

وهذه تُسمّى المشاكلة، أي: أن هذه من جنس هذه.

وقوله تعالى: (مَا عَمِلُواْ)  العمل هو مُزَاولة أيِّ جارحة من الإنسان لمهمتها، فكُلُّ جارحة لها مهمة.

الرِّجْل واليد والعَيْن والأُذن... الخ.

فاللسان مهمته أن يقول، وبقية الجوارح مهمتها أنْ تفعل.

إذن: فاللسان وحده أخذ النصف، وباقي الجوارح أخذتْ النصف الآخر؛ ذلك لأن حصائد الألسنة عليها المعوّل الأساسي.

فكلمة الشهادة: لا إله إلا الله لابُدَّ من النطق بها لنعرف أنه مؤمن، ثم يأتي دَوْر الفعل ليُساند هذا القول؛ لذا قال تعالى: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) (الصف: 2-3).

وبالقول تبلُغ المناهج للآذان.

فكيف تعمل الجوارح دون منهج؟

ولذلك فقد جعل الحق تبارك وتعالى للأذن وَضْعاً خاصاً بين باقي الحواس، فهي أول جارحة في الإنسان تؤدي عملها، وهي الجارحة التي لا تنقضي مهمتها أبداً.

كل الجوارح لا تعمل مثلاً أثناء النوم إلا الأذن، وبها يتم الاستدعاء والاستيقاظ من النوم.

وإذا استقرأت آيات القرآن الكريم، ونظرت في آيات الخلق ترى الحق تبارك وتعالى يقول: (وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل: 78).

ثم هي آلة الشهادة يوم القيامة: (حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم) (فصلت: 20).

ولذلك يقول الحق سبحانه: (فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) (الكهف: 11).

ومعنى: ضربنا على آذانهم، أي: عطلنا الأذن التي لا تعطل حتى يطمئن نومهم ويستطيعوا الاستقرار في كهفهم، فلو لم يجعل الله تعالى في تكوينهم الخارجي شيئاً معيناً لما استقر لهم نوم طوال 309 أعوام.

ويقول الحق تعالى: (وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (النحل: 34).

بماذا استهزأ الكافرون؟

استهزأوا بالبعث والحساب وما ينتظرهم من العذاب، فقالوا كما حكى القرآن: (أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ) (الصافات: 16-17).

وقالوا: (أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (السجدة: 10).

ثم بلغ بهم الاستهزاء أن تعجَّلوا العذاب فقالوا: (فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ) (الأعراف: 70).

وقالوا: (أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً) (الإسراء: 92).

وهل يطلب أحد من عدوه أن يُنزِل به العذاب إلا إذا كان مستهزئاً؟فقال لهم الحق تبارك وتعالى: إنكم لن تقدروا على هذا العذاب الذي تستهزئون به.

فقال: (وَحَاقَ بِهِم) (النحل: 34).

أي: أحاط ونزل بهم، فلا يستطيعون منه فراراً، ولا يجدون معه منفذاً للفكاك، كما في قوله تعالى: (وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ) (البروج: 20).

ثم يقول الحق سبحانه: (وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ...).



سورة النحل الآيات من 031-035 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النحل الآيات من 031-035 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النحل الآيات من 031-035   سورة النحل الآيات من 031-035 Emptyالسبت 28 ديسمبر 2019, 12:03 am

وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٣٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

نلاحظ أنه ساعة أنْ يأتيَ الفعل نصاً في مطلوبه لا يُذكر المتعلق به.

فلم يَقُلْ: أشركوا بالله.

لأن ذلك معلوم، والإشراك معناه الإشراك بالله، لذلك قال تعالى هنا: (وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ) (النحل: 35).

ثم يورد الحق سبحانه قولهم: (لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلاۤ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ) (النحل: 35).

إنهم هنا يدافعون عن أنفسهم، وهذه هي الشماعة التي يُعلّق عليها الكفار خطاياهم شماعة أن الله كتب علينا وقضى بكذا وكذا.

فيقول المسرف على نفسه: ربُّنا هو الذي أراد لي كذا، وهو الذي يهدي، وهو الذي يُضل، وهو الذي جعلني ارتكب الذنوب، إلى آخر هذه المقولات الفارغة من الحق - والنهاية؛ فلماذا يعذبني إذن؟

وتعالوا نناقش صاحب هذه المقولات، لأن عنده تناقضاً عقلياً، والقضية غير واضحة أمامه.

ولكي نزيل عنه هذا الغموض نقول له: ولماذا لم تقُل: إذا كان الله قد أراد لي الطاعة وكتبها عليَّ، فلماذا يثيبني عليها.

هكذا المقابل.

فلماذا قُلْت بالأولى ولم تقُلْ بالثانية؟!

واضح أن الأولى تجرُّ عليك الشر والعذاب، فوقفتْ في عقلك.

أما الثانية فتجرُّ عليك الخير، لذلك تغاضيت عن ذِكْرها.

ونقول له: هل أنت حينما تعمل أعمالك.

هل كلها خير؟

أم هل كلها شَرّ؟

أَمَا منها ما هو خير، ومنها ما هو شر؟

والإجابة هنا واضحة.

إذن: لا أنت مطبوع على الخير دائماً، ولا أنت مطبوع على الشرّ دائماً، لذلك فأنت صالح للخير، كما أنت صالح للشر.

إذن: هناك فَرْق بين أن يخلقك صالحاً للفعل وضِدّه، وبين أنْ يخلقك مقصوراً على الفعل لا ضده، ولما خلقك صالحاً للخير وصالحاً للشر أوضح لك منهجه وبيَّنَ لك الجزاء، فقال: اعمل الخير.

والجزاء كذا، واعمل الشر.

والجزاء كذا.

وهذا هو المنهج.

ويحلو للمسرف على نفسه أنْ يقولَ: إن الله كتبه عليَّ.

وهذا عجيب، وكأنِّي به قد اطَّلع على اللوح المحفوظ ونظر فيه ، فوجد أن الله كتب عليه أن يشرب الخمر مثلاً فراحَ فشربها؛ لأن الله كتبها عليه.

ولو أن الأمر هكذا لكنتَ طائعاً بشُرْبك هذا، لكن الأمر خلاف ما تتصور، فأنت لا تعرف أنها كُتِبت عليك إلا بعد أنْ فعلتَ، والفعل منك مسبوق بالعزم على أنْ تفعلَ، فهل اطلعتَ على اللوح المحفوظ كي تعرف ما كتبه الله عليك؟

وانتبه هنا واعلم أن الله تعالى كتب أزلاً؛ لأنه علم أنك تفعل أجلاً، وعِلْم الله مُطْلق لا حدودَ له.

ونضرب مثلاً -ولله المثل الأعلى- الوالد الذي يلاحظ ولده في دراسته، فيجده مُهملاً غير مُجدٍّ فيتوقع فشله في الامتحان.

هل دخل الوالد مع ولده وجعله يكتب خطأ؟

لا.

بل توقّع له الفشل لعلمه بحال ولده، وعدم استحقاقه للنجاح.

إذن: كتب الله مُسبْقاً وأزلاً؛ لأنه يعلم ما يفعله العبد أصلاً.

وقد أعطانا الحق تبارك وتعالى صورة أخرى لهذا المنهج حينما وجَّه المؤمنين إلى الكعبة بعد أنْ كانت وجْهتهم إلى بيت المقدس، فقال تعالى: (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ) (البقرة: 144).

ثم أخبر نبيه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا) (البقرة: 142).

جاء الفعل هكذا في المستقبل: سيقول.

إنهم لم يقولوا بَعْد هذا القول، وهذا قرآن يُتلَى على مسامع الجميع غير خافٍ على أحد من هؤلاء السفهاء، فلو كان عند هؤلاء عقل لَسكتُوا ولم يُبادروا بهذه المقولة، ويُفوِّتوا الفرصة بذلك على محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى صِدْق القرآن الكريم.

كان باستطاعتهم أن يسكتوا ويُوجّهوا للقرآن تهمة الكذب، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث.

وبذلك تمَّتْ إرادة الله وأمره حتى على الكافرين الذين يبحثون عن مناقضة في القرآن الكريم.

وهذه الآية: (وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ) (النحل: 35).

تشرح وتُفسِّر قول الله تعالى: (سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ) (الأنعام: 148).

فهنا (سَيَقُولُ)  وفي الآية الأخرى (قَالَ)؛ لنعلم أنه لا يستطيع أحد معارضة قَوْل الله تعالى، أو تغيير حكمه.

ثم يقول تعالى: (نَّحْنُ وَلاۤ آبَاؤُنَا) (النحل: 35).

لماذا لم يتحدث هؤلاء عن أنفسهم فقط؟

ما الحكمة في دفاعهم عن آبائهم هنا؟

الحكمة أنهم سيحتاجون لهذه القضية فيما بعد وسوف يجعلونها حُجَّة حينما يقولون: (إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ) (الزخرف: 22).

إذن: لا حُجَّة لهؤلاء الذين يُعلِّقون إسرافهم على أنفسهم على شماعة القدر، وأن الله تعالى كتب عليهم المعصية؛ لأننا نرى حتى من المسلمين مَنْ يتكلم بهذا الكلام، ويميل إلى هذه الأباطيل.

ومنهم مَنْ تأخذه الجَرْأة على الله عز وجل فيُشبِّه هذه القضية بقول الشاعر:
أَلْقَاهُ في اليَمِّ مَكتُوفاً وَقَالَ لَهُ    إيَّاكَ إيَّاكَ أنْ تبتلَّ بالماءِ

وما يفعل هذا إلا ظالم!!تعالى الله وتنزَّه عن قَوْل الجُهَّال والكافرين، وأيضاً هناك مَنْ يقول: إن الإنسان هو الذي يخلق الفعل، ويعارضهم آخرون يقولون: لا بل رَبَّنا هو الذي يخلق الفِعْل.

نقول لهم جميعاً: افهموا، ليس هناك في الحقيقة خلافٌ.

ونسأل: ما هو الفعل؟

الفعل توجيه جارحة لحدثٍ، فأنت حينما تُوجِّه جارحة لحدثٍ، ما الذي فعلته أنت؟

هل أعطيتَ لليد مثلاً قوة الحركة بذاتها؟

أم أن إرادتك هي التي وجَّهَتْ حركتها؟

والجارحة مخلوقة لله تعالى، وكذلك الإرادة التي حكمتْ على الجارحة مخلوقة لله أيضاً.

إذن: ما فعلته أنت ما هو إلا أن وجَّهْتَ المخلوق لله إلى مَا لا يحب الله -في حالة المعصية- وإلى ما يحبه الله في حالة الطاعة.

كذلك لابُدَّ أن نلاحظ أن لله تعالى مرادات كونية ومرادات شرعية.

فالمراد الكونيّ هو ما يكون فِعلاً، كُلُّ ما تراه في الكون أراد الله أن يكون.

والمراد الشرعي: هو طَلَبُ الشيء لمحبوبيته.

ولنأخذ مثلاً لتوضيح ذلك: كُفْر الكافر، أراد الله كَوْنياً أن يكون، لأنه خلقه مختاراً وقال: (فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف: 29).

وطالما خلقك الله مختاراً تستطيع أن تتوجه إلى الإيمان، أو تتوجه إلى الكفر، ثم كفرتَ.

إذن: فهل كفرتَ غَصْباً عنه وعلى غير مُراده سبحانه وتعالى؟

حاشا لله ومعنى ذلك أن كُفْر الكافر مُراد كونيّ، وليس مراداً شرعياً.

وبنفس المقياس يكون إيمان المؤمن مُراداً كونياً ومُراداً شرعياً، أما كفر المؤمن، المؤمن حقيقة لم يكفر.

إذن: هو مراد شرعي وكذلك مراد كوني، وهكذا، فلابُدَّ أن نُفرِّق بين المراد كونياً والمراد شرعياً.

ولذلك لما حدثت ضجة في الحرم المكي منذ سنوات، وحدث فيه إطلاق للنار وترويع للآمنين، قال بعضهم: كيف يحدث هذا وقد قال تعالى: (وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً) (آل عمران: 97).

وها هو الحال قَتْل وإزعاج للآمنين فيه؟! والحقيقة أن هؤلاء خلطوا بين مراد كوني ومراد شرعي، فالمقصود بالآية: فَمْن دخله فأمِّنوه.أي: اجعلوه آمناً، فهذا مطلَب من الله تبارك وتعالى، وهو مراد شرعي قد يحدث وقد لا يحدث.

أما المراد الكوني فهو الذي يحدث فعلاً.

وبذلك يكون ما حدث في الحرم مراداً كونياً، وليس مراداً شرعياً.

ثم يقول تعالى على لسانهم: (وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ) (النحل: 35).

وقد ورد توضيح هذه الآية في قوله تعالى: (مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ) (المائدة: 103).

ثم يقول تعالى مقرراً: (كَذٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) (النحل: 35).

أي: هذه سُنَّة السابقين المعاندين.

(فَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلاَّ ٱلْبَلاغُ ٱلْمُبِينُ) (النحل: 35).

البلاغ هو ما بين عباد الله وبين الله، وهو بلاغ الرسل، والمراد به المنهج "افعل أو لا تفعل".

ولا يقول الله لك ذلك إلا وأنت قادر على الفِعْل وقادر على التَّرْك.

لذلك نرى الحق تبارك وتعالى يرفع التكليف عن المكْره فلا يتعلق به حكم؛ لأنه في حالة الإكراه قد يفعل ما لا يريده ولا يُحبه، وكذلك المجنون والصغير الذي لم يبلغ التعقل، كُلُّ هؤلاء لا يتعلق بهم حكْم.

لماذا؟

لأن الله تعالى يريد أن يضمن السلامة لآلة الترجيح في الاختيار.

وهي العقل.

وحينما يكون الإنسان محلَّ تكليف عليه أنْ يجعلَ الفيصل في: (فَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلاَّ ٱلْبَلاغُ ٱلْمُبِينُ) (النحل: 35).

بلاغ المنهج بافعل ولا تفعل؛ لذلك استنكر القرآن الكريم على هؤلاء الذين جاءوا بقول من عند أنفسهم دون رصيد من المبلّغ -صلى الله عليه وسلم-، فقال تعالى في حَقِّ هؤلاء: (وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ * وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ) (الزخرف: 19-20).

فأنكر عليهم سبحانه ذلك، وسألهم: (أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) (الزخرف: 21).

وخاطبهم سبحانه في آية أخرى: (أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ) (القلم: 37).

وكلمة (ٱلْبَلاغُ ٱلْمُبِينُ)  أي: لابُدَّ أن يُبَلِّغ المكَلَّف، فإنْ حصل تقصير في ألاَّ يُبَلَّغ المكلَّف يُنسَب التقصير إلى أهل الدين الحق، المنتسبين إليه، والمُنَاط بهم تبليغ هذا المنهج لمنْ لَمْ يصلْه.

وقد وردت الأحاديث الكثيرة في الحَثِّ على تبليغ دين الله لمن لم يصِلْه الدين.

كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "بلِّغُوا عَنِّي ولو آية".

وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "نَضَّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعَاهَا ثم أدّاها إلى من لم يسمعها، فرُبَّ مُبلَّغٍ أَوْعَى من سامع".

قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا...).



سورة النحل الآيات من 031-035 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة النحل الآيات من 031-035
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة النحل الآيات من 106-110
» سورة النحل الآيات من 026-030
» سورة النحل الآيات من 111-115
» سورة النحل الآيات من 116-120
» سورة النحل الآيات من 041-045

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: النَّحل-
انتقل الى: