منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة يوسف الآيات من 001-005

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52683
العمر : 72

سورة يوسف الآيات من 001-005 Empty
مُساهمةموضوع: سورة يوسف الآيات من 001-005   سورة يوسف الآيات من 001-005 Emptyالإثنين 18 نوفمبر 2019, 1:21 am

سورة يوسف الآيات من 001-005 Untit389
http://ar.assabile.com/read-quran/surat-yusuf-12

خـواطـر فضيلة الشيخ: محمد متولي الشعراوي (رحمه الله)

(نال شرف التنسيق لهذه السورة الكريمة: أحمد محمد لبن)


سورة يوسف

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (١)

تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)


لقد تعرضنا من قبل لفواتح السور؛ من أول سورة البقرة، وسورة آل عمران، وقلنا: إن فواتح بعض من سور القرآن تبدأ بحروف مُقطَّعة؛ ننطقها ونحن نقرؤها بأسماء الحروف، لا بمسميات الحروف.


فإن لكل حرف اسماً ومُسمَّى، واسم الحرف يعرفه الخاصة الذين يعرفون القراءة والكتابة، أما العأمَّة الذين لا يعرفون القراءة أو الكتابة؛ فهم يتكلمون بمسميات الحروف، ولا يعرفون أسماءها.


فإن الأمي إذا سُئل أن يتهجى أيَّ كلمة ينطقها، وأن يفصل حروفها نطقاً؛ لما عرف، وسبب ذلك أنه لم يتعلم القراءة والكتابة، أما المتعلم فهو يعرف أسماء الحروف ومُسمَّياتها.


ونحن نعلم أن القرآن قد نزل مسموعاً، ولذلك أقول: إيَّاك أن تقرأ كتاب الله إلا أن تكون قد سمعته أولاً؛ فإنك إذا قرأته قبل أن تسمعه فسيستوي عندك حين تقرأ في أول سورة البقرة: (الۤمۤ) (البقرة: 1).


مثلما تقرأ في أول سورة الشرح: (أَلَمْ) (الشرح: 1).


أما حين تسمع القرآن فأنت تقرأ أول سورة البقرة كما سمعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جبريل -عليه السلام- "ألف لام ميم"، وتقرأ أول سورة الشرح "ألم".


وأقول ذلك لأن القرآن -كما نعلم- ليس كأي كتاب تُقبِل عليه لتقرأه من غير سماع، لا.


بل هو كتاب تقرؤه بعد أن تسمعه وتصحح قراءتك على قارئ؛ لتعرف كيف تنطق كل قَوْل كريم، ثم من بعد ذلك لك أن تقرأ بعد أن تعرفتَ على كيفية القراءة؛ لأن كل حرف في الكتاب الكريم موضوع بميزان وبقدر.


ونحن نعلم أيضا أن آيات القرآن منها آياتٌ مُحْكمات وأُخَر مُتَشابهات.


والآيات المُحْكماتُ تضم الأحكام التي عليك أن تفعلها لِتُثاب عليها، وإنْ لم تفعلها تُعاقب، وكل ما في الآيات المُحْكمات وَاضح.


أما الآيات المُتَشابهات إنما جاءت متشابهة لاختلاف الإدراك من إنسان لآخر، ومن مرحلة عُمرية لأخرى، ومن مجتمع لآخر، والإدراكات لها وسائل يتشابه فيها الناس، مثل: العين، والأذن، والأنف، واللسان، واليد.


ووسائل الإدراك هذه؛ لها قوانين تحكمها: فعيْنُك يحكمها قانون إبصارك، الذي يمتد إلى أن تلتقي خطوط الأشعة عند بؤرة تمتنع رؤيتُك عندها؛ ولذلك تصغُر الأشياء تدريجياً كلما ابتعدت عنها إلى أن تتلاشى من حدود رؤيتك.


وصوتُك له قانون؛ تحكمه ذبذبات الهواء التي تصل إلى أدوات السمع داخل أذنك.


وكذلك الشَّمُّ له حدود؛ لأنك لا تستطيع شَمَّ وردة موجودة في بلد بعيدة.


وكذلك العقل البشري له حدود يُدرك بها، وقد علم الله كيف يدرك الإنسان الأمور، فلم يمنع تأمل وردة جميلة، لكنه أمر بغضِّ البصر عند رؤية أي امرأة.


وهكذا يُحدِّد لكَ الحق الحلال الذي تراه، ويُحدِّد لك الحرام الذي يجب أن تمتنع عن رؤيته.


وكذلك في العقل؛ قد يفهم أمراً وقد لا يفهم أمراً آخر، وعدم فَهْمك لذلك الأمر هو لَوْن من الفهم أيضاً، وإنْ تساءلتَ كيف؟


انظر إلى موقف تلميذ في الإعدادية؛ وجاء له أستاذه بتمرين هندسي مما يدرسه طلبة الجامعة؛ هنا سيقول التلميذ الذكي لأستاذه: نحن لم نأخذ الأسس اللازمة لحلِّ مثل هذا التمرين الهندسي، هذا القول يعني أن التلميذ قد فهم حدوده.


وهكذا يُعلِّمنا الله الأدب في استخدام وسائل الإدراك؛ فهناك أمر لك أن تفهمه؛ وهناك أمر تسمعه من ربك وتطيعه، وليس لك أن تفهمه قبل تنفيذه؛ لأنه فوق مستوى إدراكك.


ودائما أقول هذا المثل -ولله المثل الأعلى-: إنك حين تنزل في فندق كبير، تجد أن لكل غرفة مفتاحاً خاصاً بها، لا يفتح أي غرفة أخرى، وفي كل دَوْر من أدوار الفندق يوجد مفتاح يصلح لفتْح كل الأدوار، ولا يفهم هذا الأمر إلا المتخصص في تصميم مثل تلك المفاتيح.


فما بالنا بكتاب الله تعالى، وهو الكتاب الجامع في تصميم مثل تلك المفاتيح.


فما بالنا بكتاب الله -تعالى- وهو الكتاب الجامع الذي يقول فيه الحق -تبارك وتعالى-: (مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ) (آل عمران: 7).


إذن: فهذا المتشابه يعتبره أهل الزيغ فرصة لتحقيق مَأْربهم، وهو إبطال الدين بأيِّ وسيلة وبأي طريقة، ويحاولون ممارسة التكبر على كتاب الله.


ولهؤلاء نقول: لقد أراد الله أن يكون بعضٌ من سور الكتاب الكريم مُبْتدئةً بحروف تُنطق بأسمائها لا بمُسمَّياتها.


وقد أرادها الحق -سبحانه- كذلك ليختبر العقول؛ فكما أطلق -سبحانه- للعقل البشري التفكير في أمور كثيرة؛ فهناك بعض من الأمور يخيب فيها التفكير، فلا يستطيع العقل إدراك الأشياء التي تفوق حدود عقله.


والحق -سبحانه وتعالى- يصنع للإنسان ابتلاءات في وسائل إدراكه؛ وجعل لكل وسيلة إدراك حدوداً، وشاء أن يأتي بالمتشابه ليختبر الإنسان، ويرى: ماذا يفعل المؤمن؟


وقوله الحق -سبحانه-: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ) (آل عمران: 7).


قد يُفْهم منه أنه عطف؛ بمعنى أن الراسخين في العلم يعلمون تأويله؛ وبالتالي سيُعلِّمون الناس ما ينتهون إليه من علم بالتأويل.


ولكن تأويل الراسخين في العلم هو قولهم: (كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا) (آل عمران: 7).


إذن: فنهاية تأويلهم: هو من عند ربنا، وقد آمنا به.


وجاء لنا قوله -صلى الله عليه وسلم- لِيَحُل لنا إشكال المُتَشابَه: "ما تشابه منه فَآمِنوا به".


لأن المتشابه من ابتلاءات الإيمان.


والمثل الذي أضربه هنا هو أمره -صلى الله عليه وسلم- لنا أن نستلم الحجر الأسود وأن نُقبِّله، وأن نَرْجُم الحجر الذي يمثل إبليس، وكلاهما حجر، لكننا نمتثل بالإيمان لما أمرنا به -صلى الله عليه وسلم-.


وأنت لو أقبلتَ على كل أمر بحُكْم عقلك، وأردتَ أن تعرف الحكمة وراء كل أمر، لَعبدْتَ عقلك، والحق -سبحانه- يريد أن تُقبِل على الأمور بِحُكْمِه هو -سبحانه- وأنت إن قلتَ لواحد: إن الخمر تهري الكبد.


ووضعت على كبده جهاز الموجات فوق الصوتية الذي يكشف صورة الكبد، ثم ناولتَ الرجل كأس خمر؛ فرأى ما يفعله كأس الخمر في الكبد، ورَاعَه ذلك؛ فقال: والله لن أشربها أبداً.


هل هو يفعل ذلك لأنه مؤمن؟


أم أنه ربط سلوكه بالتجربة؟


لقد ربط سلوكه بالتجربة، وهو يختلف عن المؤمن الذي نفَّذ تعاليم السماء، فامتنع عن الخمر لأن الله أمر بذلك، فلا يمكن أن نؤجل تعاليم السماء إلى أن تظهر لنا الحكمة منها.


إذن: عِلَّة المُتَشابه؛ الإيمان به.


وقد يكون للمُتَشابه حكمة؛ لكِنَّا لن نُؤجِّل الإيمان حتى نعرف الحكمة.


وأقول دائماً: يجب أن يعامل الإنسانُ إيمانَه بربه معاملته لطبيبه، فالمريض يذهب إلى طبيبه ليعرض عليه شكواه من مرض يؤلمه؛ ليصفَ الطبيب له الدواء، كذلك عمل عقلك؛ عليه أن ينتهي عند عتبة إيمانك بالله.


ونجد من أقوال أهل المعرفة بالله مَنْ يقول: إن العقل كالمطيَّة، يُوصِّلك إلى باب السلطان، لكنه لا يدخل معك.


إذن: فالذي يناقش في عِلَل الأشياء هو مَنْ يرغب في الحديث مع مُسَاوٍ له في الحكمة، وهل يوجد مُسَاوٍ لله؟


طبعا لا.


لذلك خُذْ افتتاحيات السور التي جاءت بالحروف المقطعة كما جاءت، واختلافنا على معانيها يؤكد على أنها كَنْز لا ينفذ من العطاء إلى أن تُحل -إنْ شاء الله- من الله.


ومن العجيب أن آيات القرآن كلها مبنيةٌ على الوَصْل، ففي آخر سورة هود نجد قول الحق -سبحانه-: (وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (هود: 123).


وكان من المفترض أن نقف عليها فننطق كلمة "تعملون" ساكنة النون، لكنها موصولة بـ"بسم الله الرحمن الرحيم"؛ لذلك جاءت النون مفتوحة.


وأيضاً ما دامت الآياتُ مبنية على الوصل، كان من المفروض أن ننطق بدء سورة يُوسُف "ألفٌ لامٌ رَاءٌ" لكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- علَّمنَا أن نقرأها "ألفْ لامْ راءْ" وننطقها ساكنة.


وهذا دليل على أنها كلمة مبنية على الوقف، ودليل على أن لله -سبحانه- حكمة في هذا وفي ذاك.


ونحن نعلم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يُراجع القرآن مرة كل رمضان مع جبريل -عليه السلام- وراجعه مرتين في رمضان الذي سبق وفاته -صلى الله عليه وسلم-.


وهكذا وصلنا القرآن كما أنزله الحق -سبحانه- على رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم-.


وهنا يقول الحق: (الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ) (يُوسُف: 1).


و"تلك" إشارة لما بَعْدَ (الۤر)، وهي آيات الكتاب.


أي: خذوا منها أن آيات القرآن مُكوَّنة من مثل هذه الحروف، وهذا فَهْم البعض لمعنى: (الۤر) (يُوسُف: 1).


لكنه ليس كل الفهم.


مثل: صانع الثياب الذي يضع في واجهة المحل بعضاً من الخيوط التي تم نَسْج القماش منها؛ ليدلنا على دِقَّة الصنعة.


فكأنَّ الله -سبحانه- يُبيِّن لنا أن (الۤر) (يُوسُف: 1) أسماء لحروف هي من أسماء الحروف التي نتكلم بها، والقرآن تكوَّنت ألفاظه من مثل تلك الحروف، ولكن آيات القرآن معجزة، لا يستطيع البشر -ولو عاونهم الجن- أن يأتوا بمثله.


إذن: فالسُّمو ليس من ناحية الخأمَّة التي تُكوِّن الكلام، ولكن المعجزة أن المتكلم هو الحق -سبحانه- فلابُدَّ أن يكون كلامه مُعجزاً؛ وإن كان مُكوَّناً من نفس الحروف التي نستخدمها نحن البشر.


وهناك معنى آخر: فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينطق أسماء الحروف "ألِفْ لام رَاء"، وهو -صلى الله عليه وسلم- الأمِّيِّ بشهادة المُعاصرين له بما فيهم خُصُومُه، رغم أن القادر على نُطْق أسماء الحُروف لابُدَّ أن يكون مُتعلِّماً، ذلك أن الأمِّيَّ ينطق مُسمَّيات الحُروف ولا يعرف أسماءها، وفي هذا النطق شهادة بأن مَنْ علَّمه ذلك هو رَبُّهُ الأعلى.


ويقول الحق -سبحانه-: (الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ) (يُوسُف: 1).


كلمة "الكتاب" عندما تُطلق فمعناها ينصرف إلى القرآن الكريم.


ونجد كلمة "المبين"، أي: الذي يُبيِّن كل شيء تحتاجه حركة الإنسانِ الخليفةِ في الأرض، فإن بانَ لك شيء وظننتَ أن القرآن لم يتعرَّض له، فلابُدَّ أن تبحث عن مادة أو آية تلفتك إلى ما يبين لك ما غابَ عنك.


ويُروى عن الإمام محمد عبده أنه قابل أحد المستشرقين في باريس؛ ووجَّه المستشرق سؤالاً إلى الإمام فقال: ما دامتْ هناك آية في القرآن تقول: (مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ) (الأنعام: 38).


فَدعْنِي أسألك: كم رغيفاً ينتجه أردبُّ القمح؟


فقال الإمام للمستشرق: انتظر.


واستدعى الإمام خبَّازاً، وسأله: كم رغيفاً يمكن أن نصنعه من أردب القمح؟


فأجاب الخبَّاز على السؤال.


هنا قال المستشرق: لقد طلبتُ منك إجابة من القرآن، لا من الخبَّاز.


فرَدَّ الإمامُ: إذا كان القرآن قد قال: (مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ) (الأنعام: 38).


فالقرآن قال أيضاً: (فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ) (النحل: 43).


لقد فَطِن الإمام محمد عبده إلى أن العقل البشري أضيق من أن يسع كل المعلومات التي تتطلبها الحياة؛ لذلك شاء الحق -سبحانه- أن يوزِّع المواهب بين البشر؛ ليصبح كل متفوق في مجال ما، هو من أهل الذكر في مجاله.


ونحن -على سبيل المثال- عندما نتعرَّض لمسألة ميراث؛ فنحن نلجأ إلى مَنْ تخصص في المواريث، ليدلنا على دقة توزيع أنصبة هذا الميراث.


وحين يؤدي المسلم من العأمَّة فريضة الحج، فيكفيه أن يعلم أن الحج فريضة؛ ويبحث عند بَدْئ الحج عمَّنْ يُعلِّمه خُطوات الحج كما أدَّاها -صلى الله عليه وسلم-.


وهذا سؤال لأهل الذكر، مثلما نستدعي مهندساً ليُصمِّمَ لنا بيتاً حين نشرع في بناء بيت، بعد أن نمتلك الإمكانات اللازمة لذلك.


وهكذا نرى أن علوم الحياة وحركتها أوسع من أن يتسع لها رأس؛ ولذلك وزَّع الله أسباب فضله على عباده، ليتكاملوا تكاملَ الاحتياج، لا تكامل التفضُّل، ويصير كل منهم مُلْتحماً بالآخرين غَصبْاً عنه.


وبعد ذلك يقول الحق -سبحانه-: (إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً...).



سورة يوسف الآيات من 001-005 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52683
العمر : 72

سورة يوسف الآيات من 001-005 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة يوسف الآيات من 001-005   سورة يوسف الآيات من 001-005 Emptyالإثنين 18 نوفمبر 2019, 1:28 am

إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وبالنسبة للقرآن نجد الحق -سبحانه- يقول: (نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ) (الشعراء: 193).

فنسب النزول مرة لجبريل كحامل للقرآن ليبلغ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ومرة يقول: (نُزِّلَ) (محمد: 2).

والنزول في هذه الحالة منسوب لله وجبريل والملائكة.

أما قول الحق -سبحانه-: (أُنْزِلَ) (البقرة: 91).

فهو القول الذي يعني أن القرآن قد تعدى كونه مَكْنوناً في اللوح المحفوظ ليباشر مهمته في الوجود ببعث رسول الله صلى الله -صلى الله عليه وسلم-.

هذا هو معنى الإنزال للقرآن جملةً واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم نزل من بعد ذلك نجوماً متفرقة؛ ليعالج كل المسائل التي تعرَّض لها المسلمون.

وهكذا يؤول الأمر إلى أن القرآن نزل أو نزل به الروح الأمين.

والحق -سبحانه- يقول: (وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ) (الإسراء: 105).

أي: أن الحق -سبحانه- أنزله من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم أنزله مفرقاً ليعالج الأحداث ويباشر مهمته في الوجود الواقعي.

وفي هذه الآية يقول -سبحانه-: (إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً) (يُوسُف: 2).

وفي الآية السابقة قال: (تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ) (يُوسُف: 1).

فمرَّة يَصِفه بأنه قرآن بمعنى المقروء، ومرَّة يَصِفه بأنه كتاب؛ لأنه مسطور، وهذه من معجزات التسمية.

ونحن نعلم أن القرآن حين جُمِع ليكتب؛ كان كاتب القرآن لا يكتب إلا ما يجده مكتوباً، ويشهد عليه اثنان من الحافظين.

ونحن نعلم أن الصدور قد تختلف بالأهواء، أما السطور فمُثْبتة لا لَبْسَ فيها.

وهو قرآن عربي؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سيجاهر بالدعوة في أمَّة عربية، وكان لابد من وجود معجزة تدل على صدق بلاغه عن الله، وأن تكون مِمَّا نبغ فيه العرب؛ لأن المعجزة مشروطة بالتحدي، ولا يمكن أن يتحداهم في أمر لا ريادة لهم فيه ولا لهم به صلة؛ حتى لا يقولن أحد: نحن لم نتعلم هذا؛ ولو تعلمناه لجئنا بأفضل منه.

وكان العرب أهل بيان وأدب ونبوغ في الفصاحة والشعر، وكانوا يجتمعون في الأسواق، وتتفاخر كل قبيلة بشعرائها وخطبائها المُفوَّهين، وكانت المباريات الآدائية تُقَام، وكانت التحديات تجرى في هذا المجال، ويُنصَب لها الحكام.

أي: أن الدُّرْبَة على اللغة كانت صناعة متواترة ومتواردة، محكوم عليها من الناس في الأسواق، فَهُم أمَّة بيان وبلاغة وفصاحة.

لذلك شاء الحق -سبحانه- أن يكون القرآن معجزة من جنس ما نبغ فيه العرب، وهم أول قوم نزل فيهم القرآن، وحين يؤمن هؤلاء لن يكون التحدي بفصاحة الألفاظ ونسق الكلام، بل بالمبادىء التي تطغى على مبادىء الفرس والروم.

وهي مبادىء قد نزلت في أمَّة مبتدِّية ليس لها قانون يجمعها، ولا وطن يضمهم يكون الولاء له، بل كل قبيلة لها قانون، وكلهم بَدْو يرحلون من مكان إلى مكان.

وحين نزل فيهم القرآن عَلِم أهل فارس والروم أن تلك الأمَّة المُبتدِّية قد امتلكتْ ما يبني حضَارة ليس لها مثيل من قَبْل، رغم أن النبي أمِيٌّ وأن الأمَّة التي نزل فيها القرآن كانت أمِّية.

وفارس والروم يعلمون أن الرسول الذي نزل في تلك الأمَّة تحدَّاهم بما نبغُوا فيه، وما استطاع واحد منهم أن يقوم أمام التحدي، ومن هنا شعروا أنهم أمام تحد حضاري من نوع آخر لم يعرفوه.

ويشاء الحق -سبحانه- أن ينزل القرآن عربياً؛ لأن الحق لم يكن ليرسل رسولاً إلا بلسان قومه، فهو القائل: (وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) (إبراهيم: 4).

وأُرسِلَ محمد -صلى الله عليه وسلم- بالقرآن، الذي تميَّز عن سائر كُتُبِ الرُّسُل الذين سبقوه؛ بأنه كتاب ومعجزة في آنٍ واحد، بينما كانت معجزات الرُّسُل السابقين عليه -صلى الله عليه وسلم- مُنْفصلةً عن كُتب الأحكام التي أُنزِلَتْ إليهم.

ويظلُّ القرآن معجزة تحمل منهجاً إلى أنْ تقومَ الساعة، وما دام قد آمنَ به الأوائل وانساحوا في العالم، فتحقق بذلك ما وعد به الله أن يكون هذا الكتابُ شاملاً، يجذب كل مَنْ لم يؤمن به إلى الانبهار بما فيه من أحكام.

ولذلك حين يبحثون عن أسباب انتشار الإسلام في تلك المدة الوجيزة، يجدون أن الإسلام قد انتشر لا بقوة مَنْ آمنوا به؛ بل بقوة مَنْ انجذبوا إليه مَشْدُوهِين بما فيه من نُظُمٍ تُخلِّصهم من متاعبهم.

ففي القرآن قوانين تُسعِد الإنسانَ حقاً، وفيه من الاستنباءات بما سوف يحدث في الكون؛ ما يجعل المؤمنين به يذكرون بالخشوع أن الكتاب الذي أنزله الله على رسولهم لم يفرط في شيء.

وإذا قال قائل من المستشرقين: كيف تقولون: إن القرآن قد نزل بلسان عربي مبين؛ رغم وجود ألفاظ أجنبية مثل كلمة "آمين" التي تُؤمِّنُون بها على دعاء الإمام؛ كما توجد ألفاظ رومية، وأخرى فارسية؟

وهؤلاء المستشرقون لم يلتفتوا إلى أن العربي استقبل ألفاظاً مختلفة من أمم متعددة نتيجة اختلاطه بتلك الأمم، ثم دارتْ هذه الألفاظ على لسانه، وصارت تلك الألفاظ عربية، ونحن في عصورنا الحديثة نقوم بتعريب الألفاظ، وندخل في لغتنا أيَّ لفظ نستعمله ويدور على ألسنتنا، ما دُمْنا نفهم المقصود به.

ويُذيِّل الحق -سبحانه- الآية الكريمة بقوله: (لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (يُوسُف: 2).

ليستنهض هِمَّة العقل، ليفكر في الأمر، والمُنْصف بالحق يُهِمه أن يستقبل الناس ما يعرضه عليهم بالعقل، عكس المُدلس الذي يهمه أن يستر العقل جانباً؛ لينفُذَ من وراء العقل.

وفي حياتنا اليومية حين ينبهك التاجر لسلعة ما، ويستعرض معك مَتَانتها ومحاسنها؛ فهو يفعل ذلك كدليل على أنه واثق من جودة بضاعته.

أما لو كانت الصَّنْعة غير جيدة، فهو لن يدعوك للتفكير بعقلك؛ لأنك حين تتدبر بعقلكَ الأمر تكتشف المُدلس وغير المُدلس؛ لذلك فهو يدلس عليك، ويُعمِّي عليك، ولا يدع لك فرصة للتفكير.

ويقول الحق -سبحانه- من بعد ذلك: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ...).



سورة يوسف الآيات من 001-005 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52683
العمر : 72

سورة يوسف الآيات من 001-005 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة يوسف الآيات من 001-005   سورة يوسف الآيات من 001-005 Emptyالإثنين 18 نوفمبر 2019, 1:39 am

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

حين يتحدث الحق -سبحانه- عن فعل من أفعاله؛ ويأتي بضمير الجمع؛ فسبب ذلك أن كل فعل من أفعاله يتطلب وجودَ صفات متعددة؛ يتطلب: علماً؛ حكمة؛ قدرة؛ إمكانات.

ومَنْ غيره -سبحانه- له كل الصفات التي تفعل ما تشاء وقْتَ أن تشاء؟

لا أحد سواه قادر على ذلك؛ لأنه -سبحانه- وحده صاحب الصفات التي تقوم بكل مطلوب في الحياة ومُقدَّر.

لكن حين يتكلم -سبحانه- عن الذات؛ فهو يؤكد التوحيد فلا تأتي بصيغة الجمع، يقول تعالى: (إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ) (طه: 14).

وهنا يتكلم -سبحانه- بأسلوب يعبر عن أفعال لا يَقْدر عليها غيره؛ بالدقة التي شاءها هو -سبحانه- فيقول: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ) (يُوسُف: 3).

وحدد -سبحانه- أنه هو الذي يقصُّ، وإذا وُجِد فعل لله؛ فنحن نأخذ الفعل بذاته وخصوصه؛ ولا نحاول أن نشتق منه اسماً نطلقه على الله؛ إلا إذا كان الفعل له صفة من صفاته التي عَلِمْناها في أسمائه الحسنى؛ لأنه الذات الأقدس.

وفي كل ما يتعلق به ذاتاً وصفاتٍ وأفعالاً إنما نلتزم الأدب؛ لأننا لا نعرف شيئاً عن ذات الله إلا ما أخبرنا الله عن نفسه، لذلك لا يصح أن نقول عن الله أنه قصَّاص، بل نأخذ الفعل كما أخبرنا به، ولا نشتق منه اسماً لله؛ لأنه لم يصف نفسه في أسمائه الحسنى بذلك.

والواجب أن ما أطلقه -سبحانه- اسماً نأخذه اسماً، وما أطلقه فعلاً نأخذه فعلاً.

وهنا يقول -سبحانه-: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ) (يُوسُف: 3).

ونعلم أن كلمة "قص" تعني الاتباع، وقال بعض العلماء: إن القصة تُسمَّى كذلك لأن كل كلمة تتبع كلمة، ومأخوذة من قَصَّ الأثر، وهو تتبع أثر السائر على الأرض، حتى يعرف الإنسان مصير مَنْ يتتبعه ولا ينحرف بعيداً عن الاتجاه الذي سار فيه مَنْ يبحث عنه.

واقرأ قول الحق -سبحانه-: (وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) (القصص: 11).

و(قُصِّيهِ) (القصص: 11)، أي: تتبعي أثره.

إذن: فالقَصُّ ليس هو الكلمة التي تتبع كلمة، إنما القَصُّ هو تتبُّع ما حدث بالفعل.

ويعطينا الحق سبحانه مثلاً من قصة موسى -عليه السلام- مع فتاه: (قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً * قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً) (الكهف: 63-64).

أي: تَابَعا الخطوات.

وهكذا نعلم أن القص هو تتبُّع ما حدث بالفعل، فتكون كل كلمة مُصوِّرة لواقع، لا لَبْسَ فيه أو خيال؛ ولا تزيُّد، وليس كما يحدث في القصص الفنيِّ الحديث؛ حيث يضيف القصَّاص لقطاتِ خيالية من أجل الحَبْكة الفنية والإثارة وجَذْب الانتباه.

أمَّا قَصَص القرآن فوضْعُه مختلف تماماً، فكلُّ قَصص القرآن إنما يتتبع ما حدث فعلاً؛ لنأخذ منها العبرة؛ لأن القصة نوع من التاريخ.

والقصة في القرآن مرةً تكون للحدث، ومرَّة تكون لتثبيت فؤاد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فلم تَأْتِ قصة رسول في القرآن كاملة، إلا قصة يُوسُف -عليه السلام- أما بقية الرُّسُل فقَصَصهم جاءت لقطات في مناسبات لتثبيت فؤاد الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، فتأتي لقطة من حياة رسول، ولقطة من حياة رسول آخر، وهكذا.

ولا يقولن أحد: إن القرآن لم يستطع أن يأتي بقصة كاملة مستوفية؛ فقد شاء الحق -سبحانه- أن يأتي بقصة يُوسُف من أولها إلى آخرها، مُسْتوفية، ففيها الحدث الذي دارتْ حوله أشخاصٌ، وفيها شخصٌ دارتْ حوله الأحداث.

فقصة يُوسُف -عليه السلام- في القرآن لا تتميز بالحَبْكة فقط؛ بل جمعتْ نَوعَيْ القصة، بالحدث الذي تدور حوله الشخصيات، وبالشخص الذي تدور حوله الأحداث.

جاءتْ قصة يُوسُف بيُوسُف، وما مَرَّ عليه من أحداث؛ بَدْءاً من الرُّؤيا، ومروراً بحقد الإخوة وكيدهم، ثم محاولة الغواية له من امرأة العزيز، ثم السجن، ثم القدرة على تأويل الأحلام، ثم تولِّي السلطة، ولقاء الإخوة والإحسان إليهم، وأخيراً لقاء الأب من جديد.

إذن: فقول الحق -سبحانه-: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ) (يُوسُف: 3).

يبيّن لنا أن الحُسْن أتى لها من أن الكتب السابقة تحدثت عن قصة يُوسُف، لكن أحبار اليهود حين قرأوا القصة كما جاءتْ بالقرآن ترك بعضهم كتابه، واعتمد على القرآن في روايتها، فالقصة أحداثها واحدة، إلا صياغة الأداء؛ وتلمُّسات المواجيد النفسية؛ وإبراز المواقف المطْويَّة في النفس البشرية؛ وتحقيق الرُّؤى الغيبية كُلُّ ذلك جاء في حَبْكة ذات أداء بياني مُعْجز جعلها أحسنَ القَصَص.

أو: هي أحسن القصص بما اشتملتْ عليه من عِبَر متعددة، عِبَر في الطفولة في مواجهة الشيخوخة، والحقد الحاسد بين الإخوة، والتمرد، وإلقائه في الجبِّ والكيد له، ووضعه سجيناً بظلم، وموقف يُوسُف -عليه السلام- من الافتراء الكاذب، والاعتزاز بالحق حتى تمَّ له النصر والتمكين.

وكيف ألقى الله على يُوسُف -عليه السلام- محبَّة منه؛ ليجعل كل مَنْ يلتقي به يحب خدمته.

وكيف صانَ يُوسُف إرثَ النبوة، بما فيها من سماحة وقدرة على العفو عند المقدرة؛ فعفَا عن إخوته بما روتْه السورة: (قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ) (يُوسُف: 92).

وقالها سيد البشر محمد -صلى الله عليه وسلم- لأهله يوم فتح مكة: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

هكذا تمتلىء سورة يُوسُف بِعِبَر متناهية، يتجلَّى بعضٌ منها في قضية دخوله السجنَ مظلوماً، ثم يأتيه العفو والحكم؛ لذلك فهي أحسنُ القَصص؛ إما لأنها جمعتْ حادثة ومَنْ دار حولها من أشخاص، أو جاء بالشخص وما دار حوله من أحداث.

أو: أنها أحسنُ القصص في أنها أدّتْ المُتَّحد والمتفق عليه في كل الكتب السابقة، وجاء على لسان محمد الأمي، الذي لا خبرة له بتلك الكتب؛ لكن جاء عَرْضُ الموضوع بأسلوب جذَّاب مُسْتمِيل مُقْنع مُمْتع.

أو: أنها أحسن القصص؛ لأن سورة يُوسُف هي السورة التي شملت لقطاتٍ متعددةٍ تساير: العمر الزمني؛ والعمر العقلي؛ والعمر العاطفي للإنسان في كل أطواره؛ ضعيفاً؛ مغلوباً على أمره؛ وقوياً مسيطراً، مُمكَّناً من كل شيء.

بينما نجد أنباء الرُّسُل السابقين جاءت كلقطات مُوزَّعة كآيات ضمن سُور أخرى؛ وكل آية جاءت في موقعها المناسب لها.

إذن: فالحُسْن البالغ قد جاء من أسلوب القرآن المعجز الذي لا يستطيع واحد من البشر أن يأتي بمثله.

يقول الحق سبحانه: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ) (يُوسُف: 3).

والمقصود بالغفلة هنا أنه -صلى الله عليه وسلم- كان أُمِّياً، ولم يعرف عنه أحدٌ قبل نزول القرآن أنه خطيب أو شاعر، وكل ما عُرِف عنه فقط هو الصفات الخُلُقية العالية من صدق وأمانة؛ وهي صفات مطلوبة في المُبلِّغ عن الله؛ فما دام لم يكذب من قبل على بشر فكيف يكذب وهو يُبلِّغ عن السماء رسالتها لأهل الأرض؟

إن الكذب أمرٌ مُسْتبعد تماماً في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة وبعدها.

والمثال على تصديق الغير لرسول الله هو تصديق أبي بكر -رضي الله عنه- له حين أبلغه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الوحي قد نزل عليه، لم يَقُلْ له أكثر من أنه رسول من عند الله، فقال أبو بكر : صدقْتَ.

وحين حدثتْ رحلة الإسراء؛ وكذَّبها البعض متسائلين: كيف نضرب إليها أكباد الإبل شهراً ويقول محمد إنه قطعها في ليلة؟

فسألهم أبو بكر: أقال ذلك؟

قالوا: نعم.

فقال أبو بكر: ما دام قد قال فقد صدق.

وهكذا نجد أن حيثية الصِّدْق قبل الرسالة هي التي دَلَّتْ على صدقه حين أبلغ بما نزل عليه من وحي.

مثال ذلك: تصديق خديجة --رضي الله عنه-ا- وأرضاها له؛ حين أبلغها بنزول الوحي، فقالت له: "والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتَصِلُ الرَّحِم، وتحمل الكَلَّ، وتُكسِب المَعْدُوم، وتَقْري الضَّيف، وتعين على نوائب الحق".

وكان في صدق بصيرتها، وعميق حساسية فطرتها أسبابٌ تؤيد تصديقها له -صلى الله عليه وسلم- في نبوته.

وحين وقعت بعض الأمور التي لا تتفق مع منطق المقدمات والنتائج، والأسباب والمسببات؛ كانت بعض العقول المعاصرة لرسول الله تقف متسائلة: كيف؟

فيوضح لهم أبو بكر: "انتبهوا إنه رسول الله".

مثال هذا: ما حدث في صلح الحديبية، حين يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- متسائلاً -ويكاد أن يكون رافضاً لشروط هذا الصلح-: ألسْنا على الحق؟

عَلام نعطي الدَّنية في ديننا؟

ويرد عليه أبو بكر -رضي الله عنه-: استمسك بِغَرْزِه يا عمر، إنه رسول الله.

أي: انتبه واعلم أنك تتكلم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وليس في ذلك انصياعٌ أعمى؛ بل هي طاعة عن بصيرة مؤمنة.

والحق سبحانه يقول هنا: (وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ) (يُوسُف: 3).

والغافل: هو الذي لا يعلم -لا عن جهل، أو قصور عقل- ولكن لأن ما غفل عنه هو أمر لا يشغل باله.

أو: أن يكون المقصود بقوله: (لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ) (يُوسُف: 3).

أي: أنك يا محمد لم تكن ممَّنْ يعرفون قصة يُوسُف؛ لأنك لم تتعلم القراءة فتقرأها من كتاب، ولم تجلس إلى مُعلِّم يروي لك تلك القصة، ولم تجمع بعضاً من أطراف القصة من هنا أو هناك.

بل أنت لم تَتَلقَّ الوحي بها إلا بعد أن قال بعضٌ من أهل الكتاب لبعضٍ من أهل مكة: اسألوه عن أبناء يعقوب وأخوة يُوسُف؛ لماذا خرجوا من الشام وذهبوا إلى مصر؟

وكان ضَرْباً من الإعجاز أن ينزل إليك يا رسول الله هذا البيان العالي بكل تفاصيل القصة، كدليل عمليٍّ على أن مُعلِّم محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- هو الله، وأنه سبحانه هو مَنْ أَوحى بها إليه.

والوَحْي -كما نعلم- هو الإعلام بخفاء، وسبحانه يوحي للملائكة فيقول: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ) (الأنفال: 12).

وسبحانه يوحي إلى مَنْ يصطفي من البشر إلى صفوتهم؛ مصداقاً لقوله سبحانه: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوۤاْ آمَنَّا وَٱشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ) (المائدة: 111).

ويقذف الحق سبحانه بالإلهام وحياً لا يستطيع الإنسان دَفْعاً له، مثل الوحي لأم موسى بأن تلقي طفلها الرضيع موسى في اليَمِّ: (إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ * أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ) (طه: 38-39).

ويوحي سبحانه إلى الأرض وهي الجماد، مثل قوله الحق: (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا) (الزلزلة: 5).

وأوحى سبحانه إلى النحل، فقال الحق: (وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ فَٱسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً) (النحل: 68-69).

والحق سبحانه يوحي لمن شاء بما شاء، فالكل؛ جماد ونبات وحيوان وإنسان؛ من خَلْقه، وهو سبحانه يخاطبهم بِسِرِّ خلقه لهم، واختلاف وسائل استيعابهم لذلك.

ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: (إِذْ قَالَ يُوسُف لأَبِيهِ...).



سورة يوسف الآيات من 001-005 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52683
العمر : 72

سورة يوسف الآيات من 001-005 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة يوسف الآيات من 001-005   سورة يوسف الآيات من 001-005 Emptyالإثنين 18 نوفمبر 2019, 1:40 am

إِذْ قَالَ يُوسُف لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وهكذا تبدأ قصة يُوسُف، حين يقول لأبيه يعقوب -عليهما السلام- "يا أبت"، وأصل الكلمة "يا أبي"، ونجد في اللغة العربية كلمات "أبي" و"أبتِ" و"أبتَاهُ" و"أَبَة" وكلها تؤدي معنى الأبوة، وإن كان لكل منها مَلْحظ لغوي.

ويستمر يُوسُف في قوله: (يٰأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) (يُوسُف: 4).

وكلنا رأينا الشمس والقمر؛ كُلٌّ في وقت ظهوره؛ لكن حلُم يُوسُف يُبيِّن أنه رآهما معاً، وكلنا رأينا الكواكب متناثرة في السماء آلافاً لا حَصْرَ لها، فكيف يرى يُوسُف أحد عشر كوكباً فقط؟

لابُدَّ أنهم اتصفوا بصفات خاصة ميَّزتهم عن غيرهم من الكواكب الأخرى؛ وأنه قام بعدِّهِم.

ورؤيا يُوسُف -عليه السلام- تبيِّن أنه رآهم شمساً وقمراً وأحد عشر كوكباً؛ ثم رآهم بعد ذلك ساجدين.

وهذا يعني أنه رآهم أولاً بصفاتهم التي نرى بها الشمس والقمر والنجوم بدون سجود؛ ثم رآهم وهم ساجدون له؛ بملامح الخضوع لأمر من الله، ولذلك تكرَّرت كلمة "رأيت" وهو ليس تكراراً، بل لإيضاح الأمر.

ونجد أن كلمة: (سَاجِدِينَ) (يُوسُف: 4).

وهي جمع مذكر سالم؛ ولا يُجمع جَمْع المذكر السالم إلا إذا كان المفرد عاقلاً، والعقل يتميَّز بقدرة الاختيار بين البدائل؛ والعاقل المؤمن هو مَنْ يجعل اختياراته في الدنيا في إطار منهج الدين، وأسْمَى ما في الخضوع للدين هو السجود لله.

ومَنْ سجدوا ليُوسُف إنما سجدوا بأمر من الله، فَهُم إذن يعقلون أمر الحق سبحانه وتعالى مثلهم في ذلك مَثَلْ ما جاء في قول الحق سبحانه: (إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) (الانشقاق: 1-2).

هذه السماء تعقل أمر ربِّها الذي بناها.

وقال عنها أنها بلا فُرُوجٍ: (أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ) (ق: 6).

وهي أيضاً تسمع أمر ربِّها، مصداقاً لقوله سبحانه: (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) (الانشقاق: 2).

أي: أنها امتلكت حاسة السمع؛ لأن "أذنت" من الأذن؛ وكأنها بمجرد سماعها لأمر الله؛ تنفعل وتنشق.

وهكذا نجد أن كل عَالَم من عوالم الكون أُمَم مثل أمَّة البشر، ويتفاهم الإنسان مع غيره من البشر ممَّن يشتركون معه في اللغة، وقد يتفاهم مع البشر أمثاله ممن لا يعرف لغتهم بالإشارة، أو من خلال مُترجم، أو من خلال تعلُّم اللغة نفسها.

ولكن الإنسان لا يفهم لغة الجماد، أو لغة النبات، أو لغة الحيوان؛ إلا إذا أنعم الله على عبد بأن يفهم عن الجماد، أو أن يفهم الجماد عنه.

والمثل: هو تسبيح الجبال مع داود، ويُشكِّل تسبيحه مع تسبيحها "جُوقة" من الانسجام مُكَوَّن من إنسان مُسبِّح؛ هو أعلى الكائنات، والمُردِّد للتسبيح هي الجبال، وهي من الجماد أدنى الكائنات.

ونحن نعلم أن كل الكائنات تُسبِّح، لكننا لا نفقه تسبيحها، ولكن الحق سبحانه يختار من عباده مَنْ يُعلِّمه مَنْطِق الكائنات الأخرى، مثلما قال سبحانه عن سليمان: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ) (النمل: 16).

وهكذا عَلِمْنا أن للطير منطقاً.

وعلَّم الحقُّ سبحانه سليمان لغة النمل؛ لأننا نقرأ قول الحق: (حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ) (النمل: 18-19).

إذن: فلكُلِّ أمَّة من الكائنات لغة، وهي تفهم عن خالقها، أو مَنْ أراد له الله سبحانه وتعالى أن يفهم عنها، وبهذا نعلم أن الشمس والقمر والنجوم حين سجدتْ بأمر ربها ليُوسُف في رؤياه؛ إنما فهمتْ عن أمر ربِّها.

ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: (قَالَ يٰبُنَيَّ...).



سورة يوسف الآيات من 001-005 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52683
العمر : 72

سورة يوسف الآيات من 001-005 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة يوسف الآيات من 001-005   سورة يوسف الآيات من 001-005 Emptyالإثنين 18 نوفمبر 2019, 1:41 am

قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وحين يُورِد القرآن خطاب أب لابن لا نجد قوله (يٰبُنَيَّ) وهو خطابُ تحنينٍ، ويدل على القرب من القلب، و"بُني" تصغير "ابن".

أما حين يأتي القرآن بحديث أب عن ابنه فهو يقول "ابني" مثل قول الحق سبحانه عن نوح يتحدث عن ابنه الذي اختار الكفر على الإيمان: (إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي) (هود: 45).

وكلمة "يا بني" بما فيها من حنان وعطف؛ ستفيدنا كثيراً فيما سوف يأتي من مواقف يُوسُف؛ ومواقف أبيه منه.

وقول يعقوب ليُوسُف "يا بني" يُفْهم منه أن يُوسُف -عليه السلام- ما زال صغيراً، فيعقوب هو الأصل، ويُوسُف هو الفرع، والأصل دائماً يمتلئ بالحنان على الفرع، وفي نفس الوقت نجد أيَّ أب يقول: مَنْ يأكل لقمتي عليه أن يسمع كلمتي.

وقول الأب: يا بني، يُفهم منه أن الابن ما زال صغيراً، ليست له ذاتية منفصلة عن الأب ليُقرر بها ما هو المناسب، وما هو غير المناسب.

وحين يفزع يُوسُف مما يُزعِجه أو يُسيءُ إليه؛ أو أي أمر مُعْضَل؛ فهو يلجأ إلى مَنْ يُحبه؛ وهو الأب؛ لأن الأب هو -الأقدر في نظر الابن- على مواجهة الأمور الصعبة.

وحين روى يُوسُف -عليه السلام- الرؤيا لأبيه؛ قال يعقوب -عليه السلام-: (قَالَ يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ) (يُوسُف: 5).

ونفهم من كلمة "رؤيا" أنها رؤيا منامية؛ لأن الشمس والقمر والنجوم لا يسجدون لأحد، وهذا ما يوضح لنا دقة اللغة العربية، فكلمة واحدة هي "رأى" قد يختلف المعنى لها باختلاف ما رُؤى؛ فرؤيتك وأنت يقظانُ يُقال عنها "رؤية"؛ ورؤيتك وأنت نائم يُقال عنها "رؤيا".

والرؤية مصدر مُتفق عليه من الجميع: فأنت ترى ما يراه غيرك؛ وأما "الرؤيا" فهي تأتي للنائم.

وهكذا نجد الالتقاء في "رأى" والاختلاف في الحالة؛ هل هي حالة النوم أو حالة اليقظة.

وفي الإعراب كلاهما مؤنث؛ لأن علامة التأنيث إما: "تاء"، أو "ألف ممدودة"، أو "ألف مقصورة".

وأخذت الرؤية الحقيقية التي تحدث في اليقظة "التاء" وهي عمدة التأنيث؛ أما الرؤيا المنامية فقد أخذت ألف التأنيث.

ولا يقدح في كلمة "رؤيا" أنها منامية إلا آية واحدة في القرآن حيث تحدَّث الحقُ سبحانه عن لحظة أن عُرِجَ به -صلى الله عليه وسلم-؛ فقال: (وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّؤيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ) (الإسراء: 60).

ولكن مَنْ يقولون: "إنها رؤيا منامية" لم يفقهوا المعنى وراء هذا القول؛ فالمعنى هو: إن ما حدث شيء عجيب لا يحدث إلا في الأحلام، ولكنه حدث في الواقع؛ بدليل أنه قال عنها: أنها "فتنة للناس".

فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لو كان قد قال إنها رؤيا منامية لما كذَّبه أحد فيما قال: لكنه أعلن أنها رؤيا حقيقية؛ لذلك عَبّر عنها القرآن بأنها فتنة للناس.

وهنا يقول يعقوب -عليه السلام-: (قَالَ يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ) (يُوسُف: 5).        

لأن يعقوب -عليه السلام- كأب مأمونٌ على ابنه يُوسُف؛ أما إخوة يُوسُف فهم غير مأمونين عليه، وحين يقصُّ يُوسُف رؤياه على أبيه، فهو سينظر إلى الصالح ليُوسُف ويدلُّه عليه.

أمَّا إن قصَّ الرؤيا على إخوته؛ فقد تجعلهم الأغيار البشرية يحسُدون أخاهم، وقد كان.

وإنْ تساءل أحد: ولماذا يحسُدونه على رؤيا منامية، رأى فيها الشمس والقمر وأحدَ عشرَ كوكباً يسجدون له؟

نقول: لابُدَّ أن يعقوب -عليه السلام- قد عَلِم تأويل الرُّؤيا؛ وأنها نبوءة لأحداث سوف تقع؛ ولابُدَّ أن يعقوب -عليه السلام- قد علم أيضاً قدرة إخوة يُوسُف على تأويل تلك الرؤيا، ولو قالها يُوسُف لهم لَفهِموا المقصود منها، ولابُدَّ حينئذ أن يكيدوا له كيداً يُصيبه بمكروه.

فهم قد أصابهم الضيق من يُوسُف وهو ما زال طفلاً، فما باله بضيقهم إنْ عَلِموا مثل هذه الرؤيا التي سيجد له فيها الأب والأم مع الإخوة.

ولا يعني ذلك أن نعتبر إخوة يُوسُف من الأشرار؛ فهم الأسباط؛ وما يصيبهم من ضيق بسبب عُلُو عاطفة الأب تجاه يُوسُف هو من الأغيار التي تُصيب البشر، فهم ليسوا أشراراً بالسَّليقة؛ لأن الشرير بالسَّليقة تتصاعد لديه حوادثُ السُّوء، أما الخيِّر فتتنزَّل عنده حوادث السُّوء.

والمثال على ذلك: أنك قد تجد الشرير يرغب في أن يصفع إنساناً آخر صفعة على الخَدِّ؛ ولكنه بعد قليل يفكر في تصعيد العدوان على ذلك الإنسان، فيفكر أن يصفعه صفعتين بدلاً من صفعة واحدة؛ ثم يرى أن الصفعتين لا تكفيان؛ فيرغب أن يُزيد العدوان بأن يصوِّب عليه مسدساً؛ وهكذا يُصعِّد الشرير تفكيره الإجرامي.

أما الخَيِّر فهو قد يفكر في ضرب إنسان أساءَ إليه "علقة"؛ ولكنه يُقلِّل من التفكير في رَدِّ الاعتداء بأن يكتفي بالتفكير في ضربه صفعتين بدلاً من "العلقة"، ثم يهدأ قليلاً ويعفو عَمَّنْ أساء إليه.

وإخوة يُوسُف -وهم الأسباط- بدأوا في التفكير بانتقام كبير من يُوسُف، فقالوا لبعضهم: (ٱقْتُلُواْ يُوسُف) (يُوسُف: 9).

ثم هبطوا عن هذه الدرجة المُؤْلمة من تعبيرهم عن الغيرة من زيادةِ محبَّة أبيهم ليُوسُف، فقالوا: (أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) (يُوسُف: 9).

وحينما أرادوا أن يطرحوه أرضاً تردَّدوا؛ واستبدلوا ذلك بإلقائه في الجُبِّ لعل أن يلتقطه بعض السَّيارة.

فقالوا: (وَأَلْقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ) (يُوسُف: 10).

وهذا يدل على أنهم تنزَّلوا عن الانتقام الشديد بسبب الغيرة؛ بل إنهم فكّروا في نجاته.

وفي الآية -التي نحن بصدد خواطرنا عنها- يقول الحق سبحانه: (لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً) (يُوسُف: 5).

والكيد: احتيال مستور لمَنْ لا تقوى على مُجَابهته، ولا يكيد إلا الضعيف؛ لأن القوي يقدر على المواجهة.

ولذلك يُقَال: إن كيد النساء عظيم؛ لأن ضعفهن أعظم.

ويُذيِّل الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله: (إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (يُوسُف: 5).

وهذه العداوة معروفة لنا تماماً؛ لأنه خرج من الجنة ملعوناً مطروداً؛ عكس آدم الذي قَبِلَ اللهُ توبتهُ؛ وقد أقسم الشيطانُ بعزَّةِ اللهِ لَيُغْوِينَّ الكُلَّ، واستثنى عبادَ اللهِ المُخلَصِين.

ولذلك يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أعانني الله على شيطاني فأسلم".

ويصف الحق سبحانه عداوة الشيطان للإنسان أنها عداوةٌ مُبينة.

أي: مُحيطة.

وحين نقرأ القرآن نجد إحاطة الشيطان للإنسان فيها يقظة: (ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ) (الأعراف: 17).

ولم يَأْتِ ذِكْر للمجيء من الفوقية أو من التحتية؛ لأن مَنْ يحيا في عبودية تحتية؛ وعبادية فوقية؛ لا يأتيه الشيطان أبداً.

ونلحظُ أن الحق سبحانه جاء بقول يعقوب -عليه السلام- مخاطباً يُوسُف -عليه السلام- في هذه الآية: (فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً) (يُوسُف: 5).

ولم يقل: فيكيدوك، وهذا من نَضْح نبوة يعقوب -عليه السلام- على لسانه؛ لأن هناك فارقاً بين العبارتين، فقول: "يكيدوك" يعني أن الشرَّ المستور الذي يدبرونه ضدك سوف يصيبك بأذى.

أما (فَيَكِيدُواْ لَكَ) (يُوسُف: 5).

فتعني أن كيدهم الذي أرادوا به إلحاق الشر بك سيكون لحسابك، ويأتي بالخير لك.

ولذلك نجد قوله الحق في موقع آخر بنفس السورة: (كَذٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُف) (يُوسُف: 76).

أي: كدنا لصالحه.

ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: (وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ...).



سورة يوسف الآيات من 001-005 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة يوسف الآيات من 001-005
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة يوسف الآيات من 041-045
» سورة يوسف الآيات من 046-050
» سورة يوسف الآيات من 051-055
» سورة يوسف الآيات من 056-060
» سورة يوسف الآيات من 061-065

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: يوسف-
انتقل الى: