منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة هود الآيات من 111-115

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة هود الآيات من 111-115 Empty
مُساهمةموضوع: سورة هود الآيات من 111-115   سورة هود الآيات من 111-115 Emptyالإثنين 18 نوفمبر 2019, 12:47 am

وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

إذن: فالحق -سبحانه- قد أخذ قوم الرسل السابقين على موسى بالعذاب، أما في بدء رسالة موسى عليه السلام فقد تم تأجيل العذاب ليوم القيامة.

ويبيِّن الحق -سبحانه-: لا تعتقدوا أن تأجيل العذاب ليوم القيامة يعني الإفلات من العذاب، بل كل واحد سيوفَّى جزاء عمله؛ بالثواب لمن أطاع، وبالعقاب لمن عصا، فأمر الله -سبحانه- آت -لا محالة- وتوفية الجزاء إنما تكون على قدر الأعمال، كفراً أو إيماناً، صلاحاً أو فساداً، وميعاد ذلك هو يوم القيامة.

وهنا وقفة في أسلوب النص القرآني، حتى يستوعب الذين لا يفهمون اللغة العربية كمَلَكة، كما فهمها العرب الأقدمون.

ونحن نعلم أن العربي القديم لم يجلس إلى معلم، لكنه فهم اللغة ونطق بها صحيحة؛ لأنه من أمة مفطورة على الأداء البياني الدقيق، الرقيق، الرائع.

فاللغة -كما نعلم- ليست جنساً، وليست دماً، بل هي ظاهرة اجتماعية، فالمجتمع الذي ينشأ فيه الطفل هو الذي يحدد لغته، فالطفل الذي ينشأ في مجتمع يتحدث العربية، سوف ينطق بالعربية، والطفل الذي يوجد في مجتمع يتحدث اللغة الإنجليزية، سينطق بالإنجليزية؛ لأن اللغة هي ما ينطق به اللسان حسبما تسمع الأذن.

وكانت غالبية البيئة العربية في الزمن القديم بيئة منعزلة، وكان من ينشأ فيها إنما يتكلم اللغة السليمة.

أما العربي الذي عاش في حاضرة مثل مكة، ومكة -بما لها من مكانة- كانت تستقبل أغراباً كثيرين؛ ولذلك كان أهل مكة يأخذون الوليد فيها لينقلوه إلى البادية؛ حتى لا يسمع إلا اللغة العربية الفصيحة، وحتى لا يحتاج إلى من يضبط لسانه على لغة العرب الصافية.

ولنقرِّبْ هذا الأمر، ولننظر إلى أن هناك في حياتنا الآن لغتين: لغة نتعلمها في المنازل والشوارع ونتخاطب بها، وتسمى "اللغة العامية"، ولغة أخرى نتعلمها في المدارس، وهي اللغة المصقولة المميزة بالفصاحة والضبط.

وكان أهل مكة يرسلون أبناءهم إلى البادية لتلتقط الأذن الفصاحة، وكانت اللغة الفصيحة هي "العامية" في البادية، ولم يكن الطفل في البادية يحتاج إلى معلم ليتعلمها؛ لأن أذنه لا تسمع إلا الفصاحة.

وكانت هذه هي اللغة التي يتفوق فيه إنسان ذلك الزمان كملكة، وهي تختلف عن اللغة التي نكتسبها الآن، ونصقلها في مدارسنا، وهي لغة تكاد تكون مصنوعة، فما بالنا بالذين لم يتعلموا العربية من قبل من المستشرقين، ويتعلمون اللغة على كِبَر.

وهؤلاء لم يمتلكوا صفاء اللغة، لذلك حاولوا أن يطعنوا في القرآن، وادعى بعض أغبيائهم أن في القرآن لحناً، قالوا ذلك وهم الذين تعلموا اللغة المصنوعة، رغم أن من استقبلوا القرآن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهم أهل الفصاحة، لم يجدوا في القرآن لحناً، ولو أنهم أخذوا لحناً على القرآن في زمن نزوله؛ لأعلنوا هذا اللحن؛ لأن القرآن نزل باللغة الفصيحة على أمة فصيحة، بليغة صناعتها الكلام.

ولأمرٍ ما أبقى الله -سبحانه- صناديد قريش وصناديد العرب على كفرهم لفترة، ولو أن أحداً منهم اكتشف لحناً في القرآن لأعلنه.

وذلك حتى لا يقولن أحد أنهم قد آمنوا فستروا على القرآن عيوباً فيه.

ولو كان عند أحدهم مَهْمَزٌ لما منعه كفره أن يبين ذلك، فهل يمكن لهؤلاء المستشرقين الذين عاشوا في القرن العشرين أن يجدوا لحناً في القرآن، وهم لم يمتلكوا ناصية اللغة ملكة، بل تعلموها صناعة، والصنعة عديمة الإحساس الذوقي.

ومثال ذلك: عدم فهم هؤلاء لأسرار اللغة في الآية -التي نحن بصدد خواطرنا عنها-، فالحق -سبحانه- يقول: (وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (هود: 111).

أي: أن كل واحد من الذين صدَّقوا أو من الذين كذَّبوا، له توفية في الجزاء، للطائع الثواب؛ وللعاصي العقوبة.

وكلمة "إنَّ" -كما نعلم- هي في اللغة "حرف توكيد" في مقابلة مَنْ ينكر ما يجيء بعدها.

والإنكار -كما نعلم- مراحل، فإذا أردت أن تخبر واحداً بخبر لا يعلمه، فأنت تقول له مثلاً: "زارني فلان بالأمس".

وهكذا يصادف الخبر ذهن المستمع الخالي، فإن قال لك: "لكن فلاناً كان بالأمس في مكان آخر"، فأنت تقول له: "إن فلاناً زارني بالأمس".

وحين يرد عليك السامع: "لكنني قابلت فلاناً الذي تتحدث عنه أمس في المكان الفلاني".

وهنا قد تؤكد قولك: "والله لقد زارني فلان بالأمس".

إذن: فأنت تأتي بالتوكيد على حَسْب درجة الإنكار.

وحين يؤجل الحق -سبحانه- العذاب لبعض الناس في الدنيا، قد يقول غافل: لعل الله لم يعد يعذِّب أحداً.

ولذلك بيَّن الحق -سبحانه- مؤكداً أن الحساب قادم، لكل من الطائع والمصدِّق، والعاصي المكذِّب، فقال -سبحانه-: (وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ) (هود: 111).

والذين لم تستقم لهم اللغة كملكة، كالمستشرقين، وأخذوها صناعة، توقفوا عند هذه الآية وقالوا: لماذا جاء بالتنوين في كلمة "كلاً"؟

وهم لم يعرفوا أن التنوين يغني عن جملة، فساعة تسمع أو تقرأ التنوين، فاعلم أنه عِوَضٌ عن جملة، مثل قول الحق -سبحانه-: (فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ) (الواقعة: 83-84).

و"كلاً" في الآية -التي نحن بصدد خواطرنا عنها- توجز أن كلاً من الطائع المؤمن، والعاصي الكافر، سوف يلقى جزاءه ثواباً أو عقاباً.

أما قوله -سبحانه-: (لَّمَّا) في نفس الآية، فنحن نعلم أن "لما" تستعمل في اللغة بمعنى "الحين" و"الزمان" مثل قول الحق -سبحانه-: (وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ)الأعراف: 143).

ومثل قوله -سبحانه-: (وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) (يوسف: 94).

أي حين فصلت العير وخرجت من مصر قال أبوهم: (إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) (يوسف: 94).

و"لما" تأتي أيضاً للنفي مثل قوله -سبحانه-: (قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (الحجرات: 14).

أي: أن الإيمان لم يدخل قلوبهم بعد، وتحمل كلمة "لما" الإذن بأن الإيمان سوف يدخل قلوبهم بعد ذلك.

وحين تستخدم كلمة "لما" في النفي تكون "حرفاً" مثلها مثل كلمة "لم"، ولكنها تختلف عن "لم" لأن "لم" تجزم الفعل المضارع، ولا يتصل نفيها بساعة الكلام، بل بما مضى، وقد يتغير الموقف.

أما "لما" فيتصل نفيها إلى وقت الكلام، وفيها إيذان بأن يحدث ما تنفيه.

وهكذا نفهم أن قول الحق -سبحانه-: (وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (هود: 111).

أي: أن كلاً من الطائع والعاصي سيوفَّى حسابه وجزاؤه ثواباً أو عقاباً، حين يأتي أجل التوفية، وهو يوم القيامة.

وقد جاءت "لما" لتخدم فكرة العقوبة التي كانت تأتي في الدنيا، وشاء الله -سبحانه- أن يؤجل العقوبة للكافرين إلى الآخرة، وأنسب حرف للتعبير عن ذلك هو "لما".

وحين تقرأ (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) تجد اللام، وهي لام القسم بأن الحق -سبحانه- سيوفيهم حسابهم إن ثواباً أو عقاباً.

والله -سبحانه- بما يفعل العباد خبير، هو -سبحانه- يعلم أفعال العبد قبل أن تقع، ولكنها حين تقع لا يمكن أن تُنسَى أو تذهب أدراج الرياح؛ لأن من يعلمها هو "الخبير" صاحب العلم الدقيق، والخبير يختلف عن العالِم الذي قد يعلم الإجماليات، لكن الخبير هو المدرَّب على التخصص.

ولذلك غالباً ما تأتي كلمتا "اللطيف والخبير" معاً؛ لأن الخبير هو من يعلم مواقع الأشياء، واللطيف هو من يعرف الوصول إلى مواقع تلك الأشياء.

ومثال هذا: أنك قد تعرف مكان اختباء رجل في جبل مثلاً، هذه المعرفة وهذه الخبرة لا تكفيان للوصول والنفاذ إلى مكانه، بل إن هذا يحتاج إلى ما هو أكثر، وهو الدقة واللطف.

والحق -سبحانه- جاء بهذا الحديث عن موسى عليه السلام ليسلِّي رسوله -صلى الله عليه وسلم-، لأن بعضاً من الكافرين برسالة محمد عليه الصلاة والسلام قالوا: ما دام الله يأتي بالعذاب ليبيد من يكفرون برسله، فلماذا لا يأتي لنا العذاب؟

ولهذا جاء ما يخبر هؤلاء بأن الحق -سبحانه- سيوقع العقوبة على الكافرين، لا محالة، فإياك أن يخادعوك - يا رسول الله - في شيء، أو يساوموك على شيء، مثلما قالوا: نعبد إلهك سنة، وتعبد آلهتنا سنة.

وقد سبق أن قطع الحق -سبحانه- هذا الأمر بأن أنزل: (قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ) (الكافرون: 1-4).

وهذا هو قطع العلاقات التام في تلك المسألة التي لا تقبل المساومة، وهي العبادة.

ونحن نعلم أن العبادة أمر قلبي، لا يمكن المساومة فيه، وقطع العلاقات في مثل هذا الأمر أمر واجب؛ لأنه لا يمكن التفاوض حوله؛ فهي ليست علاقات ظرف سياسي، ولكنه أمر ربَّاني، يحكمه الحق -سبحانه- وحده.

وقول الحق -سبحانه-: (لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ) (الكافرون: 2-4).

هذا القول الكريم يشعر من يسمعه ويقرؤه أنهم سيظلون على عبادة غير الله، وأن محمداً سيظل على عبادة الله، وأن كلمة "الله" ستعلو؛ لأن الحق -سبحانه- يأتي بعد سورة "الكافرين" بقوله تعالى: (إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً) (النصر: 1-3).

وهنا يقول الحق -سبحانه-: (فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ...).



سورة هود الآيات من 111-115 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 18 نوفمبر 2019, 1:12 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة هود الآيات من 111-115 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة هود الآيات من 111-115   سورة هود الآيات من 111-115 Emptyالإثنين 18 نوفمبر 2019, 12:48 am

فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والاستقامة معناها: عدم الميل أو الانحراف - ولو قيد شعرةٍ - وهذا أمر يصعب تحقيقه؛ لأن الفاصل بين الضدين، أو بين المتقابلين هو أدق من الشعرة في بعض الأحيان.ومثال ذلك: حين ترى الظل والضوء، فأحياناً يصعد الظل على الضوء، وأحياناً يصعد الضوء على الظل، وسنجد صعوبة في تحديد الفاصل بين الظل والنور، مهما دقت المقاييس.وهكذا يصبح فصل الشيء عن نقيضه صعباً، ولذلك فالاستقامة أمر شاق للغاية.وساعة أن نزلت هذه الآية قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "شيبتني هود وأخواتها".

ولولا أن قال الحق -سبحانه- في كتابه الكريم: (فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ) (التغابن: 16).فلولا نزول هذه الآية لتعب المسلمون تماماً، وقد أنزل الحق -سبحانه- هذا القول بعد أن قال: (ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) (آل عمران: 102).

وعزَّ ذلك على صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأنزل الحق -سبحانه- ما يخفف به عن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بأن قال -سبحانه-: (فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ) (التغابن: 16).إذن: فالأمر بالاستقامة هو أمر بدقة الأداء المطلوب لله أمراً ونهياً، بحيث لا نميل إلى جهة دون جهة.

وهكذا تطلب الاستقامة كامل اليقظة وعدم الغفلة.

ويقول الحق -سبحانه-: (فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ) (هود: 112).

وهذا إيذان بألاَّ ييأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من وقوف صناديد قريش أمام دعوته -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنهم سيتساقطون يوماً بعد يوم.

وقول الحق -سبحانه-: (وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (هود: 112).

يعني ألا نتجاوز الحد، فالطغيان هو مجاوزة الحد.

وهكذا نعلم أن الإيمان قد جعل لكل شيء حدّاً، إلا أن حدود الأوامر غير حدود النواهي؛ فالحق -سبحانه- إن أمرك بشيء، فهو يطلب منك أن تلتزمه ولا تتعده.

وقال الحق -سبحانه-: (تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا) (البقرة: 229).

وهذا القول في الأوامر، أما في النواهي فقد قال -سبحانه-: (تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) (البقرة: 187).

أي: أن تبتعد عنها تماماً.

ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" من وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملكٍ حمى، ألا وإن حمى الله محارمه".

وحين ينهانا الحق -سبحانه- عن الاقتراب من شيء فهذه هي استقامة الاحتياط، وهي قد تسمح لك بأن تدخل في التحريم ما ليس داخلاً فيه، فمثلاً عند تحريم الخمر، جاء الأمر باجتنابها أي: الابتعاد عن كل ما يتعلق بالخمر حتى لا يجتمع المسلم هو والخمر في مكان.

وجعل الحق -سبحانه- أيضاً الاستقامة في مسائل الطاعة، وهو -سبحانه- يقول: (وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ) (الأنعام: 141).

والنهي عن الإسراف هنا؛ ليعصمنا الحق -سبحانه- من لحظة نتذكر فيها كثرة ما حصدنا، ولكننا لا نجد ما نقيم به الأود فقد يسرف الإنسان لحظة الحصاد لكثرة ما عنده، ثم تأتي له ظروف صعبة فيقول: "يا ليتني لم أُعْطِ".

وهكذا يعصمنا الحق -سبحانه- من هذا الموقف.

ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ""سدِّدوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحدكم عمله الجنة، وأن أحب الأعمال أدومها إلى الله وإن قل"؛ لأن الدين قوي متين، و"لن يشاد الدين أحد إلا غلبه".

وهكذا نجد الحق -سبحانه- ونجد رسوله -صلى الله عليه وسلم- أعلم بنا، والله لا يريد منا عدم الطغيان من ناحية المحرمات فقط، بل من ناحية الحِلِّ أيضاً، فيوصينا -سبحانه- بالرفق واللين والهوادة، وأن يجعل الإنسان لنفسه مُكْنة الاختيار.

ومثال ذلك: أن يلزم الإنسان نفسه بعشرين ركعة كل ليلة، وهو يلزم نفسه بذلك نذراً لله تعالى في ساعة صفاء، لكنه حين يبدأ في مزاولة ذلك القدر يكتشف صعوبته، فتكرهه نفسه.

ولذلك يأمرنا الحق -سبحانه- بالاستقامة وعدم الطغيان؛ استقامة في تحديد المأمور به والمنهي عنه؛ ولذلك كان الاحتياط في أمر العبادات أوسع لمن يطلب الاستقامة.

ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الحلال بيِّن، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه".

ولذلك يطلب الشارع الحكيم -سبحانه- منا في الاحتياط أن نحتاط مرة بالزيادة، وأن نحتاط مرة بالنقص، فحين تصلي خارج المسجد الحرام، يكفيك أن تكون جهتك الكعبة، أما حين تصلي في المسجد الحرام، فأنت تعلم أن الكعبة قسمان: قسم بنايته عالية، وقسم اسمه "الحطيم" وهو جزء من الكعبة، لكن نفقتهم أيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد قصرت؛ فلم يبنوه.

لذلك فأنت تتجه ببصرك إلى البناء العالي المقطوع بكعبيته، وهذا هو الاحتياط بالنقص.

أما الاحتياط بالزيادة، فمثال ذلك: هو الطواف، وقد يزدحم البشر حول الكعبة، ولا تسمح ظروفك إلا بالطواف حول المسجد.

وهكذا يطول عليك الطواف، لكنه طواف بالزيادة فعند الصلاة يكون الاحتياط بالنقص، أما عند الطواف فيكون الاحتياط بالزيادة.

وهكذا نجد الاحتياط هو الذي يحدد معنى الاستقامة.

ويُنهي الحق -سبحانه- الآية بقوله تعالى: (إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (هود: 112).

وفي الآية السابقة قال -سبحانه-: (إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (هود: 111).

وعلمنا معنى الخبير، أما المقصود بالبصير هنا فهو أنه -سبحانه- يعلم حركة العبادة؛ لأن حركة العبادة مرئية.

ويقول الحق -سبحانه- بعد ذلك: (وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ...).



سورة هود الآيات من 111-115 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة هود الآيات من 111-115 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة هود الآيات من 111-115   سورة هود الآيات من 111-115 Emptyالإثنين 18 نوفمبر 2019, 12:49 am

وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (١١٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والكافرون -كما نعلم- قد عرضوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يعبد آلهتهم سنة، وأن يعبدوا هم الله سنة، ولكن الحق -سبحانه- قطع وفصل في هذا الأمر.

ويأتي هنا توكيد هذا الأمر؛ فيقول -سبحانه-: (وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ) (هود: 113).

والركون هو الميل والسكون والمودة والرحمة، وأنت إذا ركنت للظالم؛ أدخلت في نفسه أن لقوته شأناً في دعوتك.

والركون أيضاً يعني: المجاملة، وإعانة هذا الظالم على ظلمه، وأن تزِّين للناس ما فعله هذا الظالم.

وآفة الدنيا هي الركون للظالمين؛ لأن الركون إليهم إنما يشجعهم على التمادي في الظلم، والاستشراء فيه.

وأدنى مراتب الركون إلى الظالم ألا تمنعه من ظلم غيره، وأعلى مراتب الركون إلى الظالم أن تزين له هذا الظلم؛ وأن تزين للناس هذا الظلم.

وأنت إذا استقرأت وضع الظلم في العالم كله لوجدت آن آفات المجتمعات الإنسانية إنما تنشأ من الركون إلى الظالم؛ لكنك حين تبتعد عن الظالم، وتقاطعه أنت ومن معك؛ فلسوف يظن أنك لم تُعرْض عنه إلا لأنك واثق بركن شديد آخر؛ فيتزلزل في نفسه؛ حاسباً حساب القوة التي تركن إليها؛ وفي هذا إضعاف لنفوذه؛ وفي هذا عزلة له وردع؛ لعله يرتدع عن ظلمه.

والركون للظالم إنما يجعل الإنسان عرضة لأن تمسه النار بقدر آثار هذا الركون؛ لأن الحق -سبحانه- يقول: (وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ) (هود: 113).

فأنتم حين تركنون إلى ظالم إنما تقعون في عداء مع منهج الله؛ فيتخلى الله عنكم ولا ينصركم أحد؛ لأنه لا وليَّ ولا ناصر إلا  ويقول الحق -سبحانه- من بعد ذلك: (وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ...).



سورة هود الآيات من 111-115 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة هود الآيات من 111-115 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة هود الآيات من 111-115   سورة هود الآيات من 111-115 Emptyالإثنين 18 نوفمبر 2019, 12:50 am

وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ (١١٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وهذا أمر بالخير؛ يوجهه الله -سبحانه- إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

ونحن نلحظ في هذه الآيات من سورة هود أنها تحمل أوامر ونواهي؛ الأوامر بالخير دائماً؛ والنواهي عن الشر دائماً.

ونلحظ أن الحق -سبحانه- قال: (فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ) (هود: 112).

ثم وَجَّه النهي للأمة كلها: (وَلاَ تَطْغَوْاْ) (هود: 112) ولم يقل: "فاستقم ولا تطغى" لأن الأمر بالخير يأتي للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأمته معه؛ وفي النهي عن الشر يكون الخطاب موجهاً إلى الأمة، وفي هذا تأكيد لرفعة مكانة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ونرى نفس الأمر حين يوجه الحق -سبحانه- الحديث إلى أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فيقول -سبحانه وتعالى-: (وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ) (هود: 113).

ولم يقل: "ولا تركن إلى الذين ظلموا".

وهنا في الآية -التي نحن بصدد خواطرنا عنها- يقول الحق -سبحانه- لرسوله -صلى الله عليه وسلم- ولأمته: (وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ) (هود: 114).

والإقامة تعني: أداء المطلوب على الوجه الأكمل، مثل إقامة البنيان؛ وأن تجعله مؤدياً للغرض المطلوب منه.

ويقال: "أقام الشيء" أي: جعله قائماً على الأمر الذي يؤدي به مهمته.

وقول الحق -سبحانه-: (وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ) (هود: 114).

أي: نهايته من ناحية، ونهايته من الناحية الأخرى؛ لأن طرف الشيء هو نهايته.

وتتحدد نهاية الطرفين من منطقة وسط الشيء، فالوسط هو الفاصل بين الطرفين؛ فما على يمين الوسط يعد طرفاً؛ وما على يسار الوسط يعد طرفاً آخر؛ وكل جزء بعد الوسط طرف.

وعادةً ما يعد الوسط هو نقطة المنتصف تماماً، وما على يمينها يقسم إلى عشرة أجزاء، وما على يسارها يقسم إلى عشرة أجزاء أخرى، وكل قسم بين تلك الأجزاء التي على اليمين و التي على اليسار يعد طرفاً.

وقول الحق -سبحانه-: (وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ) (هود: 114).

يقتضي أن تعرف أن النهار عندنا إنما نتعرف عليه من بواكير الفجر الصادق، وهذا هو أول طرف نقيم فيه صلاة الفجر، ثم يأتي الظهر؛ فإن وقع الظهر قبل الزوال حسبناه من منطقة ما قبل الوسط، وإن كان بعد الزوال حسبناه من منطقة ما بعد الوسط.

وبعد الظهر هناك العصر، وهو طرف آخر.

وقول الحق -سبحانه-: (وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ) (هود: 114).

يقتضي منا أن نفهم أن كلمة (زُلَفاً) هي جمع؛ زلفة، وهي مأخوذة من: أزلفه، إذا قرَّبه.

والجمع أقله ثلاثة؛ ونحن نعلم أن لنا في الليل صلاة المغرب، وصلاة العشاء، ولذلك نجد الإمام أبا حنيفة يعتبر الوتر واجباً، فقال: إن صلاة العشاء فرض، وصلاة الوتر واجب؛ وهناك فرق بين الفرض والواجب.

ويقول الحق -سبحانه- بعد ذلك مباشرة: (إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ) (هود: 114).

وهذا التعقيب يضع الصلاة في قمة الحسنات، وقد أوضح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا بأن قال: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تُغْشَ الكبائر".

واختلف العلماء في معنى السيئات والحسنات، وقال بعضهم: الحسنة هي ما جعل الله -سبحانه- على عملها ثواباً، والسيئة هي ما جعل الله على عملها عقاباً.

وأول الحسنات في الإيمان أن تشهد أن لا إله إلا الله، وهذه حسنة أذهبت الكفر؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات.

ولذلك قال بعض العلماء: إن المسلم الذي ارتكب معصية أو كبيرة من الكبائر، لا يخلد في النار؛ لأنه إذا كانت حسنة الإيمان قد أذهبت سيئة الكفر، أفلا تذهب ما دون الكفر؟.

وهكذا يخفّف العقاب على المسلم فينال عقابه من النار، ولكنه لا يخلد فيها؛ لأننا لا يمكن أن نساوي بين من آمن بالله ومن لم يؤمن بالله.

والإيمان بالله هو أكبر حسنة، وهذه الحسنة تذهب الكفر، ومن باب أولى أن تذهب ما دون الكفر.

وتساءل بعض العلماء: هل الفرائض هي الحسنات التي تذهب السيئات؟

وأجاب بعضهم: هناك أحاديث صحيحة قد وردت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن حسنات في غير الفرائض، ألم يقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن صوم يوم عرفة إلى صوم يوم عرفة يذهب السيئات".

ألم يقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الإنسان الذي يستقبل نعمة الله بقوله: الحمد لله الذي رزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة، والحمد لله الذي كساني من غير حولٍ مني ولا قوة".

وهذا القول يكفّر السيئات.

ألم يقل -صلى الله عليه وسلم-: "إنك إذا قلت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم"؛ فهذا القول كفارة؟

إذن: فالحسنات مطلقة سواء أكانت فرضاً أم غير فرضٍ، وهي تذهب السيئات.

والسيئة هي عمل توعد الله -سبحانه- من يفعله بالعقوبة.

وتساءل أيضاً بعض العلماء: إن السيئة عمل، والعمل إذا وقع يُرفع ويُسجَّل، فكيف تُذهبها الحسنة؟

وأجابوا: إن ذهاب السيئة يكون إما عن طريق مَنْ يحفظ العمل، ويكتبه عليك، فيمحوه الله من كتاب سيئاتك، أو أن يعفو الله -سبحانه وتعالى- عنك؛ فلا يعاقبك عليه، أو يكون ذهاب العمل في ذاته فلا يتأتى، وما وقع لا يرتفع؛ أو يحفظها الله إن وقعت؛ لأنه هو -سبحانه- القائل: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق: 18).

ويقول -سبحانه-: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ) (الانفطار: 10-11).

وهكذا يكون إذهاب السيئة، إما محوها من الكتاب، وإما أن تظل في الكتاب، ويذهب الله -سبحانه- عقوبتها بالمغفرة.

والحق -سبحانه- يقول: (ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ) (النجم: 32).

واجتناب الكبائر لا يمنع من وقوع الصغائر.

والحق -سبحانه- يقول: (إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ) (العنكبوت: 45).

وحين ننظر إلى مواقيت الصلاة، نجدها خمسة مواقيت، فمن تعلَّق قلبه بالصلاة، إنما ينشغل قلبه طوال وقت حركته بإقامة الصلاة، ثم يأتي وقت الليل لينام، وكل من يرتكب معصية سينشغل فكره بها لمدةٍ، ولو لم يأت له وقت صلاة لأحسَّ بالضياع، أما إذا ما جاء وقت الصلاة فقلبه يتجه لله -سبحانه- طالباً المغفرة.

وإن وقعت منه المعصية مرة، فقد لا تقع مرة أخرى، أو أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر في وقت الاستعداد لها، فمن جلس لينمَّ على غيره، أو يظلم الناس، إذا ما سمع أذان الصلاة وقام وتوضأ؛ فقد رحم الناس في وقت وضوئه ووقت صلاته ووقت ختمه للصلاة.

وهناك أعمال كثيرة من الفروض والحسنات وهي تمحو السيئات، وعلى المسلم أن ينشغل بزيادة الحسنات، وألا ينشغل بمحو السيئات؛ لأن الحسنة الواحدة بعشرة أمثالها وقد يضاعفها الله -سبحانه-، أما السيئة فإنما تكتب واحدة.

ويُنهي الحق -سبحانه- هذه الآية الكريمة بقوله: (ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ) (هود: 114).

أي: إن إقامة الصلاة طرفي النهار، وزلفاً من الليل هي حسنات تذهب السيئات؛ وفي ذلك ذكرى وتنبيه للنفس إلى شيء غُفِل عنه، أي: أن هذا الشيء كان موجوداً من قبل، ولكن جاءت الغفلة لتنسيه، والإخبار الأول أزال الجهل بهذا الشيء، والإخبار الثاني يذكِّرك بالحكم؛ لأن آفة الإنسان أن الأمور التي تمر به من المرائي والمدركات، تتوالى وتصير الأشياء التي في بؤرة الشعور إلى حاشية الشعور، فيغفل الإنسان عما صار في حاشية الشعور، ولابد من مجيء معنى جديد ليذكِّر بما غاب في حاشية الشعور.

ومثال ذلك: إنك إذا ألقيت حجراً في بحر، فهذا الحجر يستقر في بؤرة تصنع حولها دوائر من المياه، وتذهب هذه الدوائر إلى أن تختفي من رؤية الإنسان، ودليل ذلك أنك قد تتذكر أحداثاً مرت عليك من عشرين عاماً أو أكثر، هذه الأحداث كانت موجودة في حاشية الشعور، ثم جاء لك ما ينبهك إليها.

والمخ كآلة التصوير الفوتوغرافية يلتقط أحياناً من مرة واحدة، وأحياناً من مرتين، أو أكثر، والالتقاط من أول مرة إنما يتم لأن المخ في تلك اللحظة كان خالياً من الخواطر.

ونحن نجد أن من فقدوا أبصارهم إنما ينعم الله -سبحانه- عليهم بنعمة أخرى، هي قدرتهم الكبيرة على حفظ العلم؛ لأنه حين يسمع الكفيف العلم لا تشغله الخواطر المرئية التي تسرق انتباه بؤرة الشعور، أما المبصر، فقد تسرق بؤرة شعوره ما يمر أمامه، فيسمع العلم لأكثر من مرة إلى أن يصادف العلم بؤرة الشعور خالية فيستقر فيها.

وهكذا تفعل الذكرى؛ لأنها تستدعي ما في حاشية الشعور إلى بؤرة الشعور، فإذا انشغلت عن طاعة وذهبت إلى معصية، فالذكرى توضح لك آفاق المسئولية التي تتبع المعصية، وهي العقاب.

ولذلك يقال: "لا خير في خيرٍ بعده النار، ولا شر في شر بعده الجنة".

والحق -سبحانه- يقول هنا في الآية -التي نحن بصدد خواطرنا عنها-: (وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ) (هود: 114).

وأنت حين تنظر إلى أركان الإسلام، ستجد أنك تشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله مرة واحدة في العمر، والركن الثاني، وهو الصلاة، وهو ركن لا يسقط أبداً، فهي كل يوم خمس مرات، فيها تنطق بالشهادة، وتزكِّي ببعض الوقت ليبارك لك الله -سبحانه وتعالى- فيما بقي لك من وقتٍ، وفيها تصوم عن الطعام والشراب وكل ما يفسد الصيام، وأنت تتجه لحظة قيام الصلاة إلى البيت الحرام.

ففي الصلاة تتضح العبادات الأخرى، ففيها من أركان الإسلام الخمس.

ولذلك لا تسقط الصلاة أبداً؛ لأنك إن لم تستطع الصلاة واقفاً؛ فَلَكَ أن تصلي قاعداً، وإن لم تكن تستطيع الحركة فَلَكَ أن تحرك رموش عينيك، وأنت تصلي.

وهكذا تجد في الصلاة كل أركان الدين، ولأهميتها نجد أنها تبقى مع الإنسان إلى آخر رمقٍ في حياته، وهي قد أخذت أهميتها في التشريع على قدر أهميتها في التكليف، وكل تكاليف الإسلام قد جاءت بواسطة الوحي إلا الصلاة، فقد جاءت مباشرة من الله فقد استدعى الله -سبحانه- رسوله -صلى الله عليه وسلم- إليه ليفرض عليه الصلاة وهي تحية لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ نظراً لأنها شرعت في قرب محمد -صلى الله عليه وسلم- من ربه -سبحانه وتعالى- لذلك جعل الحق -سبحانه- الصلاة المفروضة في القرب وسيلة لقرب أمة رسوله -صلى الله عليه وسلم- جميعاً؛ ولذلك فهي الباقية.

ويُحكَى أن الإمام علياً -كرم الله وجهه ورضي عنه- أقبل على قوم وقال لهم: أي آيةٍ في كتاب الله أَرْجَى عندكم؟ أي: ما هي الآية التي تعطي الرجاء والطمأنينة والبشرى بأن الحق -سبحانه- يقبلنا ويغفر لنا ويرحمنا، فقال بعضهم: هي قول الحق -سبحانه-: (إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ) (النساء: 116). فقال الإمام علي: حسنة، وليست إياها؟ أي: أنها آية تحقق ما طلبه، لكنها ليست الآية التي يعنيها. فقال بعض القوم إنها قول الحق -سبحانه-: (وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً) (النساء: 110). فكرر الإمام علي: حسنة، وليست إياها. فقال بعض القوم: هي قول الحق -سبحانه-: (قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً) (الزمر: 53). فقال الإمام علي: حسنة، وليست إياها: فقال بعضهم: هي قوله -سبحانه-: (وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ) (آل عمران: 135). فقال الإمام علي: حسنة، وليست إياها. وصمت القوم وأحجموا، فقال الإمام علي -كرَّم الله وجهه-: ما بالكم يا معشر المسلمين؟ وكأنه يسألهم: لماذا سكتم؟. فقالوا: لا شيء. وهكذا جعل الإمام علي التشويق أساساً يبني عليه ما سوف يقول لهم: واشرأبت أعناقهم، وأرهفوا السمع، فقال لهم الإمام علي: سمعت حبيبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: أَرْجَى آية في كتاب الله هي قول الحق -سبحانه-: (وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ). يا علي إن أحدكم ليقوم من وضوئه فتتساقط عن جوارحه ذنوبه، فإذا أقبل على الله بوجهه وقلبه لا ينفتل -أي: لا يلتفت- إلا وقد غفر الله له كل ذنوبه كيوم ولدته أمه؛ فإذا أحدث شيئاً بين الصلاتين فله ذلك، ثم عدَّ الصلوات الخمس واحدة واحدة، فقال بين الصبح والظهر، وبين الظهر والعصر، وبين العصر والمغرب، وبين المغرب والعشاء، وبين العشاء والفجر، ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: "يا علي إنما الصلوات الخمس لأمتي كنهر جارٍ بباب أحدكم، أو لو كان على جسد واحد منكم درن ثم اغتسل في البحر، أيبقى على جسده شيء من الدرن؟ قال: فذلكم والله الصلوات لأمتي".

ولذلك لو نظرنا إلى الأعمال لوجدنا كل عمل له مجاله في عمره إلا مجال الصلاة، فمجالها كل عمر الإنسان.

ويقول الحق -سبحانه- بعد ذلك: (وَٱصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ...).



سورة هود الآيات من 111-115 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة هود الآيات من 111-115 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة هود الآيات من 111-115   سورة هود الآيات من 111-115 Emptyالإثنين 18 نوفمبر 2019, 12:51 am

وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وجاءت كلمة "اصبر" لتخدم كل عمليات الاستقامة.

وكذلك يقول الحق -سبحانه-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا) (طه: 132).

والصبر نوعان: صبر "على"، وصبر "عن" وفي الطاعات يكون الصبر على مشقة الطاعة، مثل صبرك على أن تقوم من النوم لتصلي الفجر، وفي اتقاء المعاصي يكون الصبر عن الشهوات.

وهكذا نعلم أن الصبر على إطلاقه مطلوب في الأمرين: في الإيجاب للطاعة، وفي السلب عن المعصية.

ونحن نعلم أن الجنة حُفَّتْ بالمكاره؛ فاصبر على المكاره، وحُفَّتِ النار بالشهوات؛ فاصبر عنها.

وافرض أن واحداً يرغب في أكل اللحم، ولكنه لا يملك ثمنها، فهو يصبر عنها؛ ولا يستدين.

ولذلك يقول الزهاد: ليس هناك شيء اسمه غلاء، ولكن هناك شيء اسمه رخص النفس.

ولذلك نجد من يقول: إذا غلا شيء عليّ تركته، وسيكون أرخص ما يكون إذا غلا.

والحق -سبحانه- يقول: (وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ) (لقمان: 17).

وهنا يقول الحق -سبحانه-: (وَٱصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ) (هود: 115).

وهم الذين أدخلوا أنفسهم في مقام الإحسان، وهو أن يلزم الواحد منهم نفسه بجنس ما فرض الله فوق ما فرض الله، من صلاة أو صيام، أو زكاة، أو حج لبيت الله؛ لأن العبادة ليست اقتراحاً من عابدٍ لمعبود، بل المعبود هو الذي يحدد ما يقربك إليه.

وحاول ألاّ تدخل في مقام الإحسان نَذْراً؛ لأنه قد يشق عليك أن تقوم بما نذرته، واجعل زمان الاختيار والتطوع في يدك؛ حتى لا تدخل مع الله في ودٍّ إحساني ثم تفتر عنه، وكأنك -والعياذ بالله- قد جرَّبت مودة الله، فلم تجده أهلاً لها، وفي هذا طغيان منك.

وإذا رأيت إشراقات فيوضات على مَنْ دخل مقام الإحسان فلا تنكرها عليه، وإلا لسويت بين من وقف عند ما فُرِضَ عليه، وبين من تجاوز ما فُرِضَ عليه من جنس ما فَرَضَ الله.

وجرب ذلك في نفسك، والتزم أمر الله باحترام مواقيت الصلاة، وقم لتصلي الفجر في المسجد، ثم احرص على أن تتقن عملك، وحين يجيء الظهر قم إلى الصلاة في المسجد، وحاول أن تزيد من ركعات السنة، وستجد أن كثافة الظلمانية قد رَقَّتْ في أعماقك، وامتلأتَ بإشراقات نوارنية تفوق إدراكات الحواس، ولذلك لا تستكثر على مَنْ يرتاض هذه الرياضة الروحية، حين تجد الحق -سبحانه- قد أنار بصيرته بتجليات من وسائل إدراك وشفافية.

ولذلك لا نجد واحداً من أهل النور والإشراق يدَّعي ما ليس له، والواحد منهم قد يعلم أشياء عن إنسان آخر غير ملتزم، ولا يعلنها له؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- قد خَصَّه بأشياء وصفات لا يجب أن يضعها موضع التباهي والمراءاة.

وحين عرض الحق -سبحانه- هذه القضية أراد أن يضع حدوداً للمرتاض ولغير المرتاض، في قصة موسى عليه السلام حينما وجد موسى وفتاه عبداً صالحاً، ووصف الحق -سبحانه- العبد الصالح بقوله تعالى: (عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً) (الكهف: 65).

وقال العبد الصالح لموسى عليه السلام: (إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) (الكهف: 67).

وبيَّن العبد الصالح لموسى -بمنتهى الأدب- عذره في عدم الصبر، وقال له: (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) (الكهف: 68).

وردَّ موسى عليه السلام: (سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً) (الكهف: 69).

فقال العبد الصالح: (فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) (الكهف: 70).ولكن الأحداث توالت؛ فلم يصبر موسى؛ فقال له العبد الصالح: (هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) (الكهف: 78).

وهذا حكم أزلي بأن المرتاض للرياضة الروحية، ودخل مقام الإحسان لا يمكن أن يلتقي مع غير المرتاض على ذلك، وليلزم غير المرتاض الأدب مثلما يلتزم المرتاض الأدب، ويقدم العذر في أن ينكر عليه غير المرتاض معرفة ما لا يعرفه.

ولو أن المرتاض قد عذر غير المرتاض، ولو أن غير المرتاض تأدب مع المرتاض لاستقرَّ ميزان الكون.

والحق -سبحانه- يبيِّن لنا مقام الإحسان وأجر المحسنين، في قوله تعالى: (إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ) (الذاريات: 15-16).

ويبيِّن الحق -سبحانه- لنا مدارج الإحسان، وأنها من جنس ما فرض الله، في قوله -سبحانه-: (كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) (الذاريات: 17).

والحق -سبحانه- لم يكلف في الإسلام ألا يهجع المسلم إلا قليلاً من الليل، وللمسلم أن يصلي العشاء، وينام إلى الفجر.

وتستمر مدارج الإحسان، فيقول الحق -سبحانه-: (وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الذاريات: 18).

والحق -سبحانه- لم يكلِّف المسلم بذلك، ولكن الذي يرغب في الارتقاء إلى مقام الإحسان يفعل ذلك.ويقول الحق -سبحانه- أيضاً: (وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ) (الذاريات: 19).

ولم يحدد الحق -سبحانه- هنا هذا الحق بأنه حق معلوم، بل جعله حقاً غير معلوم أو محددٍ، والله -سبحانه- لم يفرض على المسلم إلا الزكاة، ولكن من يرغب في مقام الإحسان فهو يبذل من ماله للسائل والمحروم.

وهكذا يدخل المؤمن إلى مقام الإحسان، ليودَّ الحق -سبحانه- ولله المثل الأعلى: نحن نجد الإنسان حين يوده غيره؛ فهو يعطيه من خصوصياته، ويفيض عليه من مواهبه الفائضة، علماً، أو مالاً، فما بالنا بمن يدخل في ودٍّ مع الله -سبحانه وتعالى- ويقول الحق -سبحانه- بعد ذلك: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ...).



سورة هود الآيات من 111-115 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة هود الآيات من 111-115
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة هود الآيات من 076-080
» سورة هود الآيات من 001-005
» سورة هود الآيات من 081-085
» سورة سبأ الآيات من 16-20
» سورة يس الآيات من 06-10

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: هـود-
انتقل الى: