منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة هود الآيات من 001-005

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة هود الآيات من 001-005 Empty
مُساهمةموضوع: سورة هود الآيات من 001-005   سورة هود الآيات من 001-005 Emptyالإثنين 14 أكتوبر 2019, 6:23 am

سورة هود الآيات من 001-005 Untit389
http://ar.assabile.com/read-quran/surat-hud-11

خـواطـر فضيلة الشيخ: محمد متولي الشعراوي (رحمه الله)

(نال شرف التنسيق لهذه السورة الكريمة: أحمد محمد لبن)


سورة هود

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١)

تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)


وتبدأ الآية بحروف توقيفية مقطعة من الحروف التي تبدأ بها بعض سور القرآن الكريم، أي: أن كل حرف من تلك الحروف يُنطَق بمفرده، والحرف -كما نعلم- له اسم، وله مسمى، ونحن حين نكتب أو نتكلم نكتب أو ننطق بمسمى الحرف لا باسمه.


ولكن بعض سور القرآن الكريم تبدأ بحروف نقرأها باسم الحرف، وما عداها يُنطق فيها بمسميات الحرف.


وإن أردنا معرفة الفارق بينهما، فنحن نقرأ في أول سورة البقرة ونقول: "ألف. لام. ميم" رغم أنها مكتوبة: (الۤمۤ) (البقرة: 1).


إذن: فنحن ننطقها بمسميات الحروف عكس قراءتنا لقول الحق -سبحانه-: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (الشرح: 1).


ونحن ننطقها بأسماء الحروف.


لماذا؟


لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سمعها هكذا من جبريل عليه السلام، والقرآن أصله سماع، وأنت لا تقرأ قرآناً إلا إذا سمعت قرآناً؛ لتعرف كيف تقرأ الحروف المقطعة بأسماء الحروف، وتقرأ بقية الآيات بمسميات الحروف.


وكنا قديماً قبل أن نحفظ القرآن "نصحح" اللوح، أي: أن يقرأ الفقيه أولاً ليُعلمنا كيف نقرأ قبل أن نحفظ.


والذي يُتعب الناس أنهم يريدون أن يقرأوا القرآن الكريم دون أن يجلسوا إلى فقيه أو دون أن يستمعوا إلى قارىء للقرآن.


ونقول لهم: إن القرآن ليس كتاباً عادياً نقرأه، إن القرآن كتاب له خاصية مميزة، فَصُور الحروف تختلف، فمرة ننطق اسم الحرف، ومرة نقرأ مسمى الحرف.


وقول الحق -سبحانه-: (الۤر) في أول سورة هود؛ يجعلنا نلحظ أنه من العجيب في فواتح السور -التي بدأت بهذه الحروف- أن القرآن مبنيٌّ على الوصل دائماً، فأنت لا تأتي إلى آخر الآية وتقف، لا.


بل كل القرآن وَصْل، مثلما نقرأ قول الله -سبحانه-: (مُدْهَآمَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ) (الرحمن: 64-66).


وإن كان هناك فاصل بين كل آية وغيرها، إلا أن الآيات كلها مبنية على الوصل.


وفي آخر سورة يونس يقول الحق -سبحانه-: (وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ) (يونس: 109).


فلو لم تكن موصولة لنطقت الحرف الأخير مبنياً على السكون، ولكنك تقرأه منصوباً بالفتحة.


وهي موصولة بما بعدها (بسم الله الرحمن الرحيم).


ومن العجيب أن فواتح السور مع أنها مكونة من حروف مبنية على الوصل إلا أننا نقرأ كل حرف موقوفاً، فلا نقول: "ألفٌ لامٌ ميمٌ" بل نقول: "ألفْ لامْ ميمْ".


وكذلك نقرأ في أول سورة مريم "كافْ هاءْ ياءْ عينْ صادْ"، ولا نقرأ الحروف بتشكيلها الإعرابي، وهذا يدل على أن لها حكمة لا نعرفها.


وفي القرآن الكريم آيات بُدئت بحرف واحد مثل قول الحق -سبحانه-: (صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ) (ص: 1).


وقول الحق -سبحانه-: (قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ) (ق: 1).


وقول الحق -سبحانه-: (نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) (القلم: 1).


ونلحظ أن الحرف في هذه السور ليس آية، ولكنك تقرأ قول الحق -سبحانه-: (حـمۤ) (الشورى: 1).


وهي آية، وكذلك تقرأ قول الحق -سبحانه-: (عۤسۤقۤ) (الشوى: 2) كآية مع أنها حروف مقطعة.


وتقرأ قول الحق -سبحانه-: (كۤهيعۤصۤ) (مريم: 1) كآية بمفردها.


وتقرأ قول الحق -سبحانه-: (طه) (طه: 1) كآية بمفردها.


وكذلك تقرأ قول الحق: (يسۤ) (يس: 1) كآية بأكملها.


وتجد أيضاً: (الۤمۤصۤ) (الأعراف: 1) كآية.


و (طسۤمۤ) (الشعراء: 1 والقصص: 1) كآية.


وتجد أيضاً (الۤمۤر) (الرعد: 1) ملتحمة بما بعدها في آية واحدة.


وتقرأ في أول سورة النمل: (طسۤ) (النمل: 1) ملتحمة بما بعدها في آية واحدة.


إذن: فالمسألة لا نسق لها، ومعنى ذلك أن لكل موقف وكل حرف حِكمة، والحكمة نجدها حين نتأمل العالم المادي في الحياة، فنفطن إلى عبر الله -سبحانه وتعالى- في آيات الكون المحسَّة، ويجد الدليل على صدق  فيما لم نعلم.


ومثال ذلك: حين ينزل الإنسان في فندق راق فهو يجد لكل غرفة مفتاحاً، وهذا المفتاح لا يفتح إلا باب غرفة واحدة، ولكن في كل طابق من طوابق الفندق هناك مفتاح مع المسئول عن الطابق يسمى "سيد المفاتيح" وهو يفتح كل غرف الطابق، وقد صنعوا ذلك؛ حتى لا يفتح كل نزيل غرفة الآخر.


ومع التقدم العلمي جعلوا الآن لكل غرفة بطاقة الكترونية، ما إن يُدخلها الإنسان من فتحة معينة من باب الغرفة حتى ينفتح الباب، وكل غرفة لها بطاقة معينة، وأيضاً يوجد مع مسئول الطابق في الفندق بطاقة واحدة، تفتح كل غرف الطابق.


وأنت حين تقرأ فواتح السور فافهم أن كل آية لها مفتاح، وكل حرف في هذه الفواتح قد يشبه المفتاح، وإن لم يكن معك المفتاح ذو الأسنان التي تفتح باب الغرفة؛ فلن تنفتح لك السورة.


إذن: فكتاب الله له مفاتيح، ونحن نقرأ حروفاً مُقطَّعة على أنها آية، أو نقرأها كجزء من آية.


وتقول من قبل القراءة: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" لتخلص نفسك من الأغيار المناقضة لمنهج قائل القرآن، ثم تضع البطاقة الخاصة مثل قول الحق -سبحانه وتعالى-: (الۤمۤ) (البقرة: 1).


فينفتح لك باب القراءة.


وهكذا نعرف أن هناك مفتاحاً، وأن هناك فاتحاً.


وخذ فواتح السور على أنها مفاتيح، وكل مفتاح له شكل ونحت معين، إن نقلته لسورة أخرى فهو لا يفتحها.


وهنا يقول الحق -سبحانه وتعالى-: (الۤر) وهي مكونة من ثلاثة حروف، مثل (الۤمۤ)، وقد وردت في خمس سور من القرآن الكريم هي: يونس، وهود، ويوسف، وإبراهيم، والحجر.


ولكن (الۤمۤ) تقرأ كآية، ولكنها هنا في مقدمة سورة "هود" جزء من آية رغم أنك تقرأها مثلها مثل سورة يونس، وسورة هود، وسورة يوسف وسورة إبراهيم، وتقرأها كآية.


وايضاً (الۤمۤصۤ) هي أربعة حروف تقرأها آية في سورة الأعراف، وهناك أربعة حروف في أول سورة الرعد، وتقرأها كجزء من آية في سورة الأعراف.


إذن: فليس هناك قانون لهذه الحروف التي في أوائل السور، بل كل حرف له خصوصية لم تتكشف كل أسرارها بعد، لهذا ذهب بعض المفسرين إلى قولهم "الله أعلم بمراده".


وهنا يقول الحق -سبحانه وتعالى-: (الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ) (هود: 1).


والله -سبحانه- يقول مرة عن القرآن أنه: (كِتَابٌ) ومرة يقول: (قُرْآنٍ) (يونس: 61).


والقرآن يُقرأ، والكتاب يُكتب، وشاء الحق -سبحانه- ذلك؛ ليدُلَّك على أن الحافظ للقرآن مكانان: صدور، وسطور.


فإن ضَلَّ الصدر، تذكر السطر.


ولذلك حين أراد المسلمون الأوائل جمع القرآن، ومطابقة ما في الصدور على ما في السطور، وضعوا أسساً لتلك العملية الدقيقة، من أهمها ضرورة وجود شاهدين على كل آية، ووقفوا عند آخر آيتين في سورة التوبة، ولم يجدوا إلا شاهداً واحداً هو "خزيمة"، وصدَّقوا "خزيمة" وكتبوا الآيتين عنه؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان قد منحه وساماً، حين قال عنه: "من شهد له خزيمة فهو حسبه".


إذن: فإطلاق صفة الكتاب على القرآن، سببها أنه مكتوب، وهو قرآن؛ لأنه مقروء.


ولم تكن الكتابة في الأزمنة القديمة مسألة سهلة، فلم يكن يُكتب إلا النفيس من الأعمال، أو لأن القرآن كتاب؛ لأنه في الأصل مكتوب في اللوح المحفوظ.


وحين يقول الحق -سبحانه وتعالى- واصفاً القرآن: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ) (هود: 1).


ومادة الحاء والكاف والميم تدل على أمر مُحسٍّ وهو إتقان البناء، بحيث يمنع عنه الفساد؛ فلا خلل فيه، ولا تناقض، ولا تعارض ولا انهيار.


ولابد من توازن هندسي لكل فتحة في البناء؛ حتى لا تكون الفتحات التي في البناء متوازية على خط واحد، فتحدث شروخ في الجدران أو انهيار البناء كله.


هذا هو إحكام البناء في عالم المحسَّات.


وشاء الحق -سبحانه- أن يصف القرآن، وهو الجامع لكل المنهج بأنه: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ) (هود: 1).


فخذوا من هذا الإحكام ما يمنع فسادكم؛ لأن القرآن جاء على هيئة تمنع الفساد فيه، وعقد منع الفساد يكون الإصلاح والصلاح.


ولو نظرتَ إلى أن القرآن الكريم في اللوح المحفوظ ستجده قد نزل جملة واحدة، من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، وجاء الوحي بعد ذلك حسب الأحداث التي تتطلب الأحكام، وقد نثر الحق -سبحانه- في القرآن أحكاماً وفصولاً ونجوماً.


إذن: فالقرآن قد أحكِم أولاً، ثم فُصِّل.


ولذلك يقول الحق -سبحانه وتعالى-: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) (هود: 1).


والفواصل الكبيرة في القرآن هي السور، والفواصل الصغيرة هي الآيات، وأراد المسلمون أن يشجعوا حفظ القرآن، فقسموه إلى ثلاثين جزءاً، وكل جزء قسموه إلى حزبين، وكل حزب قسموه إلى أربعة أرباع، لكن التفصيل الذي جاء لنا من القرآن أنه سور، وكل سورة هي مجموعة من الآيات.


وقد يكون المعنى أن القرآن قد أحْكِمَ وفُصِّل؛ لأنه نزل منهجاً جامعاً من الله -سبحانه وتعالى- وحين تنظر إليه تجده مُنَّوعاً، فمرة يتكلم في العقيدة وقمتها، ومرة يتكلم في النبوة وموكبها الرسالي، والمعجزات، ومرة يتكلم في الأحكام، ومرة يتكلم في القصص، والأخلاقيات، والكونيات.


ومرة يتكلم في علم الفرائض.


إذن: فهو مفصل في اللفظ أو في المعنى، وهو يتناول معاني كثيرة، وكل معنى تتطلبه العقيدة، قمة في الشهادة بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويتناول الجزئيات حتى أدق التفاصيل.


أو أحكم نزولاً؛ لأنه قد نزل مرة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم فُصِّل حسب الحَوادث، وهذا أدْعَى إلى أن تتعلق النفس بكل نجم من نجوم القرآن حين ينزل وقت طلبه.


وأنت حين تُعِد لنفسك صيدلية صغيرة في البيت، قد تأتي فيها بكل الأدوية، لكن إن أصابك صداع، فقد تفتش عن أقراص "الأسبرين" فلا تجدها.


أما إذا أرسلت إلى الصيدلية الكبيرة، فسوف تجد "الأسبرين" حين تحتاجه.


وكذلك حين تكون ظمآن، قد تفتح ثلاجة بيتك فلا تجد زجاجة الماء رغم أنها أمامك، وذلك بسبب لهفة العطش.


إذن: فنزول القرآن منجماً شاءه الحق - -سبحانه- - لتنتعش النفس الإنسانية وهي تعشق استقبال القرآن.


ولذلك يقول الحق -سبحانه وتعالى-: (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً) (الإسراء: 106).


وقد جاء في القرآن على لسان الكافرين: (لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً) (الفرقان: 32).


فيكون الرد من الحق -سبحانه-: (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً) (الفرقان: 32).


ولو كان القرآن قد نزل مرة واحدة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما التفت الناس إلى كل ما جاء فيه، ولكن شاء الحق -سبحانه وتعالى- أن ينزل القرآن مُنجَّماً على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ليكون في كل نجم تثبيت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المواقف المختلفة، والرسول -صلى الله عليه وسلم- وكذلك أمته من بعده في حاجة إلى تثبيتات متعددة حسب الأحداث التي تعترضهم، ولذلك قال الحق -سبحانه-: (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً) (الفرقان: 32).


فساعة أن يسمع المؤمنون نجماً من نجوم القرآن، يكونون أقدر على استيعابه وحفظه وتطبيق الأحكام التي جاءت فيه.


ولم يُنزل الحق -سبحانه- آية واحدة، بل أنزل آياتٍ، بدليل أنهم إن جاءوا بحكم ما، فهو -سبحانه وتعالى- ينزل الحق في هذا الحكم وأكثر تفصيلاً؛ ولذلك يقول -سبحانه-: (وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) (الفرقان: 33).


ولو نزل القرآن جملة واحدة، فكيف يعالج أسئلتهم التي جاءت في القرآن: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ).


ويضرب الله مثلاً بالبعوضة، فيتساءلون ساخرين: كيف يضرب الله مثلاً بالبعوضة.


فينزل قول الحق -سبحانه-: (إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا) (البقرة: 26).


ولو كانوا عقلاء لتساءلوا: كيف ركَّب الحق -سبحانه- في هذا الكائن الضئيل -البعوضة- كل أجزاء الكائن الحي؛ من محلِّ الغذاء إلى قدرة الهضم، إلى محل التنفس، إلى محل الدم، إلى محل الأعصاب.


وكان يجب أن يأخذوا من هذا الخلق دلائل العظمة؛ لأن عظمة الصنعة تكون في أمرين: إما ضخامة الشيء المصنوع، وإما أن يكون الشيء المصنوع تحت إدراك الحس.


ومثال ذلك -ولله المثل الأعلى- أن الفنيين حين صنعوا ساعة "بج بن" التفت الناس إلى ضخامة تلك السَّاعة، ودِقَّة أدائها، وحين صنع الفنيون في "سويسرا" ساعة دقيقة وصغيرة جداً في حجمها، زاد إعجاب الناس بدِقَّة الصَّنعة.


وهكذا نجد أن القدرة تتجلى في صناعة الشيء الكبير في الحجم، أو صناعة الشيء الدقيق جداً؛ فما بالنا بخالق الكون كله، بأكبر ما فيه وأصغر ما فيه.


والحق -سبحانه وتعالى- يضرب المثل بالذبابة فيقول: (إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ) (الحج: 73).


فلو اجتمع الخلق المشركون أو المتجبرون وسألوا أصنامهم أن يخلقوا لهم ذبابة، أو حتى لو حاولوا هم خَلْق ذبابة لما استطاعوا، ولا يقتصر الأمر على ذلك العجز فقط، بل يتعدَّاه إلى عجز آخر: (وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ) (الحج: 73).


فإن جاءت ذبابة على أي طعام، وأخذت بعضاً من الطعام، فهل يستطيع أحَدٌ أن يستخلص من الذبابة ما أخذته؟


لا.


وكذلك نرى ضعف الاثنين: الطالب والمطلوب.


وهنا يقول الحق -سبحانه-: (الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (هود: 1).


فالإحكام لا يتناقض مع التفصيل؛ لأن الحق -سبحانه- هو الذي أحكم، وهو -سبحانه- الذي فصَّل، وهو -سبحانه- حكيم بما يناسب الإحكام، وهو -سبحانه- خبير بما يناسب التفصيل، بطلاقة غير متناهية.


وهو -سبحانه- حكيم يخلق الشيء مُحْكماً لا يتطرق إليه فساد، وهو -سبحانه- خبير عنده علم بخفايا الأمور.


ويقول الحق -سبحانه وتعالى- في آية أخرى: (لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَارَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ) (الأنعام: 103).


فالله -سبحانه- لا تدركه عين، وعينه -سبحانه وتعالى- لا تغفل عن أدق شيء وأخفى نية.


إذن: فقول الحق -سبحانه وتعالى-: (الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (هود: 1).


يبيِّن لنا أن القرآن كلام الله القدير الذي بُني على الإحكام، ونزل مُحْكماً جملة واحدة، ثم جاءت الأحداث المناسبة لينزل من السماء الدنيا نجوماً مفصلة تناسب كل حدث.


وإحكام الكتاب ثم تفصيله له غاية، هي الغاية من المنهج كله، ويبيِّنها الحق -سبحانه- في الآية التالية: (أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ...).       



سورة هود الآيات من 001-005 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة هود الآيات من 001-005 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة هود الآيات من 001-005   سورة هود الآيات من 001-005 Emptyالثلاثاء 15 أكتوبر 2019, 1:49 am

أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

إذن: فقد أحكمت آيات الكتاب وفصِّلت لغاية هي: ألا نعبد إلا الله.

والعبادة هي طاعة العابد للمعبود فيما أمر، وفيما نهى.

وهكذا نجد أن العبادة تقتضي وجود معبود له أمر وله نهي، والمعبود الذي لا أمر له ولا نهي لا يستحق العبادة، فهل مَنْ عَبَدَ الصنم تلقَّى من أمراً أو نهياً؟

وهل مَنْ عَبَدَ الشمس تلقَّى منها أمراً أو نهياً؟

إذن: فكلمة العبادة لكل ما هو غير الله هي عبادة باطلة؛ لأن مثل تلك المعبودات لا أمر لها ولا نهي، وفوق ذلك لا جزاء عندها على العمل الموافق لها أو المخالف لها.

والعبادة بدون منهج "افعل" و"لا تفعل" لا وجود لها، وعبادة لا جزاء عليها ليست عبادة.

وهنا يجب أن نلحظ أن قول الحق -سبحانه-: (أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ) (هود: 2).

غير قوله -سبحانه-: (ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ) (المائدة: 72).

ولو أن الرسل تأتي الناس وهم غير ملتفتين إلى قوة يعبدونها ويقدسونها لكان على الرسل أن يقولوا للناس: (ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ) (الأعراف: 59).

ولكن هنا يقول الحق -سبحانه-: (أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ) (هود: 2).

فكأنه -سبحانه- يواجه قوماً لهم عبادة متوجهة إلى غير من يستحق العبادة؛ فيريد -سبحانه- أولاً أن يُنهي هذه المسألة، ثم يثبت العبادة لله.

إذن: فهنا نفي وإثبات، مثل قولنا: "أشهد ألا إله إلا الله"، هنا ننفي أولاً أن هناك إلهاً غير الله، ونثبت الألوهية لله -سبحانه- وأنت لا تشهد هذه الشهادة إلا إذا وُجِد قوم يشهدون أن هناك إلهاً غير الله تعالى، ولو كانوا يشهدون بألوهية الإله الواحد الأحد -سبحانه-؛ لكان الذهن خالياً من ضرورة أن نقول هذه الشهادة.

ولكن قول الحق -سبحانه- (أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ) (هود: 2).

معناه النفي أولاً للباطل، وإذا نُفِي الباطل لابد أن يأتي إثبات الحق، حتى يكون كل شيء قائماً على أساس سليم.

ولذلك يقال: "درء المفسدة مقدَّم دائماً على جلب المنفعة" فالبداية ألا تعبد الأصنام، ثم وجِّه العبادة إلى الله -سبحانه- وما دامت العبادة هي طاعة الأمر، وطاعة النهي، فهي -إذن- تشمل كل ما ورد فيه أمر، وكل ما ورد فيه نهي.

وإنْ نظرت إلى الأوامر والنواهي لوجدتها تستوعب كل أقضية الحياة من قمة الشهادة بأن لا إله إلا الله، إلى إماطة الأذى عن الطريق.

وكل حركة تتطلبها الحياة لإبقاء الصالح على صلاحه أو زيادة الصالح ليكون أصلح، فهذه عبادة.

إذن: فالإسلام لا يعرف ما يقال عنه "أعمال دنيئة"، و"أعمال شريفة" ولكنه يعرف أن هناك عاملاً دنيئاً وعاملاً شريفاً.

وكل عامل يعمل عملاً تتطلبه الحياة بقاء للصالح أو ترقية لصلاحه وعدم الإفساد، فهذا عامل شريف؛ وقيمة كل امرىء فيما يحسنه.

وهكذا نجد أن كلمة العبادة تستوعب كل أقضية الحياة؛ لأن هناك أمراً بما يجب أن يكون، وهناك نهياً عما يجب ألا يكون، وما لم يرد فيه نهي لك الخيار في أن تفعله أو لا تفعله، فإذا نظرت إلى نسبة ما تؤمر به، ونظرت ألى ما تُنهى عنه بالنسبة لأعمال الحياة، لوجدت أنها نسبة لا تتجاوز خمسة في المائة من كل أعمال الحياة، ولكنها الأساس الذي تقوم عليه كل أوجه الحياة.

ولذلك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بُنِي الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان".

وأعداء الإسلام يحاولون أن يحددوا الدين في هذه الأركان الخمسة، ولكن هذه الأركان هي الأعمدة التي تقوم عليها عمارة الإسلام.

وأركان الإسلام هي إعلان استدامة الولاء لله تعالى، وكل أمر من أمور الحياة هو مطلوب للدين؛ لأنه يصلح الحياة.

وهكذا نجد أن العلم بالدين ضرورة لكل إنسان على الأرض، أما العلوم الأخرى فهي مطلوبة لمن يتخصص فيها ويرتقي بها ليفيد الناس كلهم، وكلما كان المتفوق من المسلمين كان ذلك تدعيماً لرفعة الإسلام.

إذن فالقاسم المشترك في الحياة هو العلم بالدين، ولكن يجب أن نفهم هذه القضية على قدرها، فلا يأتي إنسان لا يعرف صحيح الدين ليتكلم والعَوْل، والرد؛ لأن المسلم قد تمر حياته كلها ولا يحتاج رأياً في قضية التوريث، أو أن يتعرف على المستحقين للميراث وأنصبتهم، وغير ذلك.

وإن تعرَّض المسلم لقضية مثل هذه، نقول له: أنت إذا تعرضت لقضية مثل هذه فاذهب إلى المختصين بهذا العلم، وهم أهل الفقه والفتوى، لأنك حين تتعرض لقضية صحية تذهب إلى الطبيب، وحين تتعرض إلى قضية هندسية تذهب إلى المهندس، وإن تعرضت لعملية محاسبية تذهب إلى المحاسب، فإن تعرضت إلى أي أمر ديني، فأنت تسأل عنه أهل الذكر.

وأنت إذا نظرت إلى العبادة، تجد أنها تتطلب كل حركة في الحياة، وسبق أن ضربت لذلك مثلاً وقلت: هَبْ أن إنساناً يصلي، ولا يفعل شيئاً في الحياة غير الصلاة، فمن أين له أن يشتري ثوباً يستر به عورته ما دام لا يعمل عملاً آخر غير الصلاة، وهو إن أراد أن يشتري ثوباً، فلابد له من عمل يأخذ مقابله أجراً، ويشتري الثوب من تاجر التجزئة، الذي اشترى الأثواب من تاجر الجملة، وتاجر الجملة اشتراها من المصنع، في الدين؛ لأن العلم بالدين يقتضي اللجوء إلى أهل الذكر.

فإن قيل: الدين للجميع، نقول: صدقت بمعنى التدين للجميع، أما العلم بالدين فله الدراسة المتفقهة.

وأهل الذكر أيضاً في العلوم الأخرى يقضون السنوات لتنمية دراساتهم، كما في الطب أو الهندسة أو غيرهما، وكذلك الأعمال المهنية تأخذ من الذي يتخصص فيها وقتاً وتتطلب جهداً، فما بالنا بالذي يُصلح أسس إقامة الناس في الحياة، وهو التفقه في الدين.

لذلك يقول الحق -سبحانه-: (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة: 122).

فنحن لا نطلب من كل مسلم -مثلاً- أن يدرس المواريث ليعرف العَصبة وأصحاب الفروض، وأولي الأرحام، والمصنع قام بتفصيل الثياب بعد أن نسجها مصنع آخر، والمصنع الآخر نسج الثياب من غزل القطن أو الصوف.

والقطن جاء من الزراعة، والصوف جاء من جز شعر الأغنام.

وهكذا تجد أن مجرد الوقوف أمام خالقك لتصلي يقتضي أن تكون مستور العورة في صلاتك، هذا الستر يتطلب منك أن تتفاعل مع الحياة بالعمل.

وانظر لنفسك واسألها: ما أفطرتَ اليوم؟

وأقلُّ إجابة هي: أفطرت برغيف وقليل من الملح، وستجد أنك اشتريت الرغيف من البقال، وجاء البقال بالرغيف من المخبز، والمخبز جاء بالدقيق من المطحن، والمطحن أنتج الدقيق بعد طحن الغلال التي جاءت من الحقل.

وكذلك تمت صناعة ألات الطحن في مصانع أخرى قد تكون أجنبية.

وهكذا تمت صناعة الرغيف بسلسلة هائلة من العمليات، فهناك الفلاح الذي حرث، وهناك مصمم آلة الطحن الذي درس الهندسة، وهناك عالم "الجيولوجيا" الذي درس طبقات الأرض ليستخرج الحديد الخام من باطنها، وهناك مصنع الحديد الذي صهر الحديد الخام؛ ليستخلص منه الحديد النقي الصالح للتصنيع.

وهكذا تجد أن كل حركة في الحياة قد خدمت قضية دينك، وخدمت وقوفك أمام خالقك لتصلي، فلا تقل: "سأنقطع للعبادة" بمعنى أن تقصر حياتك على الصلاة فقط، لأن كل حركة تصلح في الحياة هي عبادة، وإن أردت ألا تعمل في الحياة، فلا تنتفع بحركة عامل في الحياة.

وإذا لم تنتفع بحركة أي عامل في الحياة، فلن تقدر أن تصلي، ولن تقدر أن يكون لك قوة لتصلي.

إذن فالعبادة هي كل حركة تتطلبها الحياة في ضوء "افعل" و"لا تفعل".

وهنا يقول الحق -سبحانه وتعالى-: (أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) (هود: 2).

والنذير: هو من يُخبر بشرٍّ زمنه لم يجيء، لتكون هناك فرصة لتلافي العمل الذي يُوقع في الشر، والبشير هو من يبشِّر بخير سيأتي إن سلك الإنسان الطريق إلى ذلك الخير.

إذن: الإنذار والبشارة هي أخبار تتعلق بأمر لم يجيء.

وفي الإنذار تخويف ونوع من التعليم، وأنت حين تريد أن تجعل ابنك مُجِداً في دراسته؛ تقول له: إن لم تذاكر فسوف تكون كابن فلانٍ الذي أصبح صعلوكاً تافهاً في الحياة.

إذن: فأنت تنذر ابنك؛ ليتلافى من الآن العمل الذي يؤدي به إلى الفشل الدراسي.

وكذلك يبشر الإنسان ابنه أو أي إنسان آخر بالخير الذي ينتظره حين يسلك الطريق القويم.

إذن: فالعبادة هي كل حركة من حركات الحياة ما دام الإنسان مُتَّبعاً ما جاء بالمنهج الحق في ضوء "افعل" و"لا تفعل"، وما لم يرد فيه "افعل" و"لا تفعل" فهو مباح.

وعلى الإنسان المسلم أن يُبصِّر نفسه، ومن حوله بأن تنفيذ أي فعل في ضوء "افعل" هو العمل المباح، وأن يمتنع عن أي فعل في ضوء "لا تفعل" ما دام الحق -سبحانه وتعالى- قد نهى عن مثل هذا الفعل، وعلى المسلم تحرِّي الدقة في مدلول كل سلوك.

ونحن نعلم أن التكليفات الإيمانية قد تكون شاقة على النفس، ومن اللازم أن نبيِّن للإنسان أن المشقة على النفس ستأتي له بخير كبير.

ومثال ذلك: حين نجد الفلاح وهو يحمل السماد العضوي من حظيرة البهائم؛ ليضعه على ظهر الحمار ويذهب به إلى الحقل؛ ليخلطه بالتربة، وهو يعمل هذا العمل بما فيه من مشقة انتظاراً ليوم الحصاد.

ويبيِّن الحق -سبحانه وتعالى- هنا على لسان رسوله أن الأمر بعدم عبادة أي كائن غير الله، هو أمر من الله -سبحانه-، وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو نذير وبشير من الله.

وقول الحق -سبحانه وتعالى-: (أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ) (هود: 2).

فيه نفي لعبادة غير الله، وإثبات لعبودية  وهذا يتوافق ويتسق مع الإنذار والبشارة؛ لأن عبادة غير الله تقتضي نذيراً، وعبادة الله في الإسلام تقتضي بشيراً.

ولأن الحق -سبحانه وتعالى- هو خالق الإنسان ويعلم ضعف الإنسان، ومعنى هذا الضعف أنه قد يستولي عليه النفع العاجل، فيُذهبه عن خير آجلٍ أطول منه، فيقع في بعض من غفلات النفس.

لذلك بيَّن الحق -سبحانه- أن من وقع في بعض غفلات النفس عليه أن يستغفر الله؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- لا يبخل برحمته على أحدٍ من خلقه.

وإن طلب العبد المذنب مغفرة الله، ف-سبحانه- قد شرع التوبة، وهي الرجوع عن المعصية إلى طاعة  ولا يقع عبد في معصية إلا لأنه تأبَّى على منهج ربه، فإذا ما تاب واستغفر، فهو يعود إلى منهج الله -سبحانه-، ويعمل على ألا يقع في ذنب جديد.

وهنا يقول الحق -سبحانه-: (وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ...).



سورة هود الآيات من 001-005 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة هود الآيات من 001-005 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة هود الآيات من 001-005   سورة هود الآيات من 001-005 Emptyالثلاثاء 15 أكتوبر 2019, 1:57 am

وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وهكذا يبيِّن الحق -سبحانه- أن على العبد أن يستغفر من ذنوبه السابقة التي وقع فيها، وأن يتوب من الآن، وأن يرجع إلى منهج ، لينال الفضل من الحق -سبحانه- المطلوب -إذن- من العبد أن يستغفر ، وأن يتوب إليه.

هذا هو مطلوب الله من العاصي؛ لأن درء المفسدة مقدَّم على جلب المصلحة، وحين يعجل العبد بالتوبة إلى  فهو يعلم أن ذنباً قد وقع وتحقق منه، وعليه ألا يؤجل التوبة إلى زمنٍ قادم؛ لأنه لا يعلم إن كان سيبقى حياً أم لا.

ولذلك يقول الحق -سبحانه-: (وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى) (هود: 3).

والحق -سبحانه- يُجمل قضية اتباع منهجه في قوله تعالى: (فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ) (طه: 123).

وقال في موضع آخر: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) (النحل: 97).

فالحياة الطيبة في الدنيا وعدم الضلال والشقاء متحققان لمن اتبع منهج  وظن بعض العلماء أن هذا القول يناقض في ظاهره قول النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" و "إن أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل".

وقال بعض العلماء: فكيف نقول: (يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً) (هود: 3).

هنا نقول: ما معنى المتاع؟

المتاع: هو ما تستمتع به وتستقبله بسرور وانبساط.

ويعلم المؤمن أن كل مصيبة في الدنيا إنما يجزيه الله عليها حسن الجزاء، ويستقبل هذا المؤمن قضاء  بنفس راضية؛ لأن ما يصيبه قد كتبه الله عليه، وسوف يوافيه بما هو خير منه.

وهناك بعض من المؤمنين قد يطلبون زيادة الابتلاء.

إذن: فالمؤمن كل أمره خير؛ وإياك أن تنظر إلى من أصابته الحياة بأية مصيبة على أنه مصاب حقاً؛ لأن المصاب حقاً هو من حُرِم من الثواب.

ونحن نجد في القرآن قصة العبد الصالح الذي قتل غلاماً كان أبواه مؤمنين، فخشي العبد الصالح أن يرهقهما طغياناً وكفراً، فهذا الولد كان فتنة، ولعله كان سيدفع أبويه إلى كل محرم، ويأتي لهما بالشقاء.

إذن: فالمؤمن الحق هو الذي يستحضر ثواب المصيبة لحظة وقوعها.

ومنَّا من قرأ قصة المؤمن الصالح الذي سار في الطريق من المدينة إلى دمشق، فأصيبت رِجْله بجرح وتلوث هذا الجرح، وامتلأ بالصديد مما يقال عنه في الاصطلاح الحديث "غرغرينة" وقرر الأطباء أن تُقطع رجله، وحاولوا أن يعطوه "مُرَقِّداً" أي: مادة تُخدِّره، وتغيب به عن الوعي؛ ليتحمل ألم بتر الساق، فرفض العبد الصالح وقال: إني لا أحب أن أغفل عن ربي طرفة عين.

ومثل هذا العبد يعطيه الله -سبحانه وتعالى- طاقة على تحمُّل الألم، لأنه يستحضر دائماً وجوده في معية الله، ومفاضٌ عليه من قدرة الله وقوته -سبحانه- وحينما قطع الأطباء رجله، وأرادوا أن يكفنوها وأن يدفنوها، فطلب أن يراها قبل أن يفعلوا ذلك، وأمسكها ليقول: اللهم إن كنت قد ابتليت في عضو، فإني قد عوفيت في أعضاء.

إذن: فصاحب المصيبة حين يستحضر الجزاء عليها، إنما يحيا في متعة، ولذلك لا تتعجب حين يحمد أناس خالقهم على المصائب؛ لأن الحمد يكون على النعمة، والمصيبة قد تأتي للإنسان بنعمة أوسع مما أفقدته.

ولذلك نجد اثنين من العارفين بالله وقد أراد أن يتعالم كل منهما على الآخر؛ فقال واحد منهما: كيف حالكم في بلادكم أيها الفقراء؟

والمقصود بالفقراء: هُمُ العُبَّاد الزاهدون ويعطون أغلب الوقت للعبادة، فقال العبد الثاني: حالنا في بلادنا إنْ أعطينا شكرنا، وإنْ حُرمنا صبرنا.

فضحك العبد الأول وقال: هذا حال الكلاب في "بلخ" أي: أن الكلب إن أعطيته يهز ذيله، وإن منعه أحد فهو يصبر.

وسأل العبد الثاني العبد الأول: وكيف حالكم أنتم؟

فقال: نحن إن أعطينا آثرنا، وإن حُرِمنا شكرنا.

إذن: فكل مؤمن يعيش في منهج الله -سبحانه وتعالى- فهو يستحضر في كل أمر مؤلم وفي كل أمر متعب، أن له جزاءً على ما ناله من التعب؛ ثواباً عظيماً خالداً من الله -سبحانه وتعالى- ولذلك يقول الحق -سبحانه-: (يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً) (هود: 3).

والحسن هنا له مقاييس، يُقاس بها اعتبار الغاية؛ فحين تضم الغاية إلى الفعل تعرف معنى الحسن.

ومثال ذلك: هو التلميذ الذي لا يترك كتبه، بل حين ياتي وقت الطعام، فهو يأكل وعيناه لا تفارقان الكتاب.

هذا التلميذ يستحضر متعة النجاح وحُسْنه ونعيم التفوق، وهو تلميذ يشعر بالغاية وقت أداء الفعل.

ويقول الحق -سبحانه- في نفس الآية: (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) (هود: 3).

أي: يؤتى كل ذي فضل مجزول لمن لا فضل له، فكأن الحق -سبحانه- يمنِّي الفضل للعبد.

ومثال ذلك: الفلاح الذي يأخذ من مخزن غلاله إردباً من القمح ليبذره في الأرض؛ ليزيده الله -سبحانه وتعالى- بزراعة هذا الإردب، ويصبح الناتج خمسة عشر إردباً.

والفضل هو الأجر الزائد عن مساويه، فمثلاً هناك فضل المال قد يكون عندك، أي: زائد عن حاجتك، وغيرك لا يملك مالاً يكفيه، فإن تفضلت ببعض من الزائد عندك، وأعطيته لمن لا مال عنده فأنت تستثمر هذا العطاء عند الله -سبحانه وتعالى- والحق -سبحانه وتعالى- قد يعطيك قوة، فتعطى ما يزيد منها لعبد ضعيف.

وقد يكون الحق -سبحانه- قد أسبغ عليك فضلاً من الحلم، فتعطي منه لمن أصابه السفه وضيق الخلق.

إذن: فكل ما يوجد عند الإنسان من خصلة طيبة ليست عند غيره من الناس، ويفيضها عليهم، فهي تزيد عنده لأنها تربو عند الله، وإن لم يُفِضْها على الغير فهي تنقص.

ولذلك يقول الحق -سبحانه-: (وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِندَ ٱللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ) (الروم: 39).

ويقول الحق -سبحانه وتعالى- في الآية التي نحن بصدد خوطرنا عنها: (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) (هود: 3).

وبعض من أهل المعرفة يفهم هذا القول الكريم بأن الإنسان الذي يفيض على غيره مما آتاه الله، يعطيه الحق -سبحانه- بالزيادة ما يعوضه عن الذي نقص، أو أنه -سبحانه وتعالى- يعطي كل صاحب فضلٍ فضل ربه، وفضل  فوق كل فضل.

ثم يقول الحق -سبحانه-: (وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) (هود: 3).

فإن أعرضوا عنك فأبلغهم أنك تخاف عليهم من عذاب اليوم الآخر، ويُوصف العذاب مرة بأنه كبير، ويوصف مرة بأنه عظيم، ويوصف مرة بأنه مهين؛ لأنه عذاب لا ينتهي ويتنوع حسب ما يناسب المعذب، فضلاً عن أن العذاب الذي يوجد في دنيا الأغيار هو عذاب يجري في ظل المظنة بأنه سينقضي، أما عذاب اليوم الآخر فهو لا ينقضي بالنسبة للمشركين بالله أبداً.

ويقول الحق من بعد ذلك: (إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ...).



سورة هود الآيات من 001-005 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة هود الآيات من 001-005 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة هود الآيات من 001-005   سورة هود الآيات من 001-005 Emptyالثلاثاء 15 أكتوبر 2019, 1:58 am

إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

أي: إلى الله مرجعكم في الإيجاد والإمداد، والبداية والنهاية، وبداية النهاية التي لا انتهاء معها وهي الآخرة، فيثيب المحسن على إحسانه، ويعاقب المسيء على إساءته، فيؤتي -سبحانه- لكل ذي عمل صالح في الدنيا أجره، وثوابه في الآخرة.

ومن كثرت حسناته على سيئاته دخل الجنة، ومن زادت سيئاته على حسناته دخل النار.

وفي الدنيا من زادت حسناته على سيئاته وعاش بين القبض والبسط.

والقبض والبسط هو إقبال على الله بتوبة وباعتراف بالذنب، والإقرار بالذنب هو بداية التوبة.

ومن كَثُرَتْ سيئاته على حسناته كان في ضنك العيش وقلق النفس.

ويُؤْتِي الحقُ -سبحانه- كل ذي فضل فضله، فمن عمل لله عز وجل؛ وفقه الله فيما يستقبل على طاعته، والذين أعرضوا يُخاف عليهم من عذاب يوم كبير.

(وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (هود: 4).

لأنه -سبحانه- القادر على الإيجاد وعلى الإمداد، وعلى البداية والنهاية المحدودة، وبداية الخلود إما إلى جنة وإما إلى نار، فهو القادر على كل شيء.

ويقول الحق -سبحانه- من بعد ذلك: (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ...).



سورة هود الآيات من 001-005 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة هود الآيات من 001-005 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة هود الآيات من 001-005   سورة هود الآيات من 001-005 Emptyالثلاثاء 15 أكتوبر 2019, 6:09 am

أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وإذا وجدت "ألا" في أول الكلام فأنت تعلم أنها للتنبيه، ومعنى التنبيه أنه أمر يوقظ لك السامع إن كان غافلاً؛ لأنك تحب ألا تفوته كلمة من الكلام الذي تقوله.

وحين تنبهه بغير أداء الأسلوب الذي تريده منه، هنا يكون التنبيه قد أخذ حقه، ومن بعد ذلك يجيء الكلام الذي تقوله، وقد تهيَّأ ذهن السامع لاستقبال ما تقول.

فـ "ألا" -إذن- هي أداة تنبيه؛ لأن الكلام ستار بين المتكلم والمخاطب، والمخاطب لا يعرف الموضوع الذي ستكلمه فيه، والمتكلم هو الذي يملك زمام الموقف، وهو يهيىء ذهنه لترتيب ما يقول من كلمات، أما المستمع فسوف يفاجأ بالموضوع؛ وحتى لا يفاجأ ولا تضيع منه الفرصة ليلتقط كلمات المتكلم من أولها، فهو ينبهه بأداة تنبيه ليستمع.

ويقول الحق -سبحانه- هنا: (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ) (هود: 5).

ويقال: ثنيت الشيء أي: طويته، وجعلته جزئين متصلين فوق بعضهما البعض.

وحين يثني الإنسان صدره، فهو يثنيه إلى الأمام ناحية بطنه، ويداري بذلك وجهه، والغرض هنا من مداراة الوجه هو إخفاء الملامح؛ لأن انفعال مواجيد النفس البشرية ينضح على الوجوه؟

وهم كارهون للرسول -صلى الله عليه وسلم-، وحاقدون عليه؛ ولا يريدون أن يلحظ الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما على ملامحهم من انفعالات تفضح مواجيدهم الكارهة.

ومثل ذلك جاء من قوم نوح عليه السلام، حين قال الحق -سبحانه- على لسان نوح: (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً) (نوح: 7).

ومن البداهة أن نعرف أن الإصبع لا تدخل كلها إلى الأذن، إنما الأنملة تسد فقط فتحة السمع، وعدَّل القرآن الكريم ذلك بمبالغة تكشف موقف نوح -عليه السلام-، فكل منهم أراد أن يُدخِل إصبعه في أذنه حتى لا يسمع أي دعوة، وهذا دليل كراهية، وهذه شهادة ضدهم؛ لأنهم يفهمون أنهم لو سمعوا فقد تميل قلوبهم لما يقال.

ولذلك نجد القرآن الكريم وهو ينقل لنا ما قاله مشركو مكة لبعضهم البعض: (وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ) (فصلت: 26).

فكأنهم تواصوا بالتشويش على القرآن، ثقة منهم في أن القرآن لو تناهى إلى الأذن فقد يؤثر في نفسية السامع؛ لأن النفس البشرية أغيار، وقد تأتي للنفس ما يجعلها تميل دون أن يشعر صاحبها.

ولو كان هذا القرآن باطلاً، فلماذا خافوا من سماعه؟

ولكنه الغباء في العناد والكفر.

وهنا يقول الحق -سبحانه وتعالى-: (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) (هود: 5).

وهم قد استغشوا ثيابهم ليغطوا وجوههم؛ مداراة للانفعالات التي تحملها هذه الوجوه، وهي انفعالات كراهية، أو أنها قد تكون انفعالات أخرى، فساعة يسمع واحد منهم القرآن قد ينفعل لما يسمع، ولا يريد أن يُظهر الانفعال.

إذن: فالانفعال قد يكون قسرياً، وكان كفار قريش رغم كيدهم وحربهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يتسللون ناحية بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- ليسمعوا القرآن، وكانوا يضبطون بعضهم البعض هنالك، ويدّعي كل منهم أنه إنما مرَّ على بيت النبي صلى لله عليه وسلم مصادفة.

وفي ذلك يقول الشاعر:
اذكُروهُمْ وقد تسلَّل كلٌّ بعدَ ما انفضَّ مجلسُ السُّمَّارِ
اختلاساً يسْعَى لحجرةِ طَهَ لسَماعِ التنزيلِ في الأسْحَارِ
عُذْرهم حُسْنُهُ فلمّا تَراءَوْا عَلَّلوها ببَارزِ الأعْذَارِ

وجاء الحق -سبحانه وتعالى- هنا في نفس الآية بـ "ألا" في قوله: (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ) (هود: 5).

فهم إن داروا على محمد -صلى الله عليه وسلم-، فهل هم قادرون على المداراة على رب محمد؟

والذي لا يدركه بصر محمد فربُّ محمد سيُعلمه به.

وما دام الحق -سبحانه- يعلم ما يسرون، فمن باب أولى أنه -سبحانه وتعالى- يعلم ما يعلنون.

والحق -سبحانه وتعالى- غيب، وربما ظن ظان أنه قد يفلت منه شيء، ولكن الحق -سبحانه- يُحصي ولا يُحصَى عليه، فإن ظن ظان أن الحق -سبحانه- يعلم الغيب فقط؛ لأنه غيب، فهذا ظن خاطىء؛ لأنه يعلم السر والعلن، فهو عليم بذات الصدور، وكلمة "عليم" صيغة مبالغة، وهي ذات في كنهها العلم.

وقول الحق -سبحانه-: (عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ) (هود: 5).

نجد فيه كلمة (ذَاتِ) وهي تفيد الصحبة، و (ذَاتِ الصُّدُورِ) أي: الأمور المصاحبة للصدور.

ونحن نعلم أن الصدر محل القلب، ومحل الرئة، والقلب محل المعتقدات التي انتُهي إليها، وصارت حقائق ثابتة، وعليها تدور حركة الحياة.

ويُقصد بـ (بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ) أي: المعاني التي لا تفارق الصدور، فهي صاحبات دائمة الوجود في تلك الصدور، سواء أكانت حقداً أو كراهية، أو هي الأحاسيس التي لا تظهر في الحركة العادية، سواء أكانت نية حسنة أو نية سيئة.

وكل الأمور التي يسمونها ذات الصدور، أي: صاحبات الصدور، وهي القلوب، وكأن الجِرْم نفسه وهو القلب معلوم للحق -سبحانه وتعالى-، فخواطره من باب أولى معلومة.

ويقول الحق -سبحانه- بعد ذلك: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ...).       



سورة هود الآيات من 001-005 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة هود الآيات من 001-005
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة هود الآيات من 026-030
» سورة هود الآيات من 106-110
» سورة هود الآيات من 031-035
» سورة هود الآيات من 111-115
» سورة يس الآيات من 66-70

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: هـود-
انتقل الى: