| الباب الأول: في بيان مراحل الْكِسْوَة في العصور المختلفة | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الباب الأول: في بيان مراحل الْكِسْوَة في العصور المختلفة الثلاثاء 06 أغسطس 2019, 5:17 pm | |
|
مدخل الْكِسْوَة لغة: الْكِسْوَة والْكِسْوَة بكسر الكاف وضمها: اللباس، واحدة الكُسَا، يُقال: كسوتُ فلانًا أكسوه كِسْوَة إذا ألبستَه ثوبًا أو ثيابًا فاكتسى، واكتسى فلان إذا لبس الْكِسْوَة، ويُقال: اكتَسَتِ الأرض بالنبات إذا تغطّت به، والكُسَا: جمع الْكِسْوَة.
وكَسَى فلان يكسي إذا اكتسى، وقيل: كَسِيَ إذا لبس الْكِسْوَة، واكتستِ الأرض: تَمَّ نَبَاتُها والتف حتى كأنها لَبِسَتْه.
والْكِسْوَة: ما يُتَّخَذُ من الثياب للستر والحلية والجمع: كُسا.
والْكِسْوَة في هذا البحث: هي ما تُكسى به الْكَعْبِة المُشَرَّفَة، وهو اللباس الّذي يُغَطَّى به ظاهر جُدران الْكَعْبِة الأربعة.
الباب الأول: في بيان مراحل الْكِسْوَة في العصور المختلفة وفيه اثنا عشر فصلاً الفصل الأول: أول مَنْ كسا الْكَعْبِة مطلقًا اختلفت الروايات حول أول من كساها، وقد دارت الروايات حول إسماعيل عليه السلام، وعدنان بن أد، وهو الجد الأعلى للرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأسعد الحميري، وهو تبع أبو كرب الحميري ملك اليمن.
وفيما يلي أسرد الروايات التي وردت في هذا الباب، مع ترجيح ما ترجح لدي بالأدلة: أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج قال: بلغنا أن تبعًا أول من كسا الْكَعْبِة الوصائل، فسترت بها، قال ابن جريج: وقد زعم بعض علمائنا إسماعيل -صلى الله عليه وسلم-، والله أعلم بالصواب.
وجاء في كتاب سمي بأخبار مَكَّة لمؤلف مجهول في رواية طويلة، وفيها: وأول من كسا البيت إبراهيم، ثم كساها إسماعيل بإشارة من زوجته الثانية الحميرية في قصة طويلة، إلا أننا لا نعتمد على هذه الرواية لجهالة المؤلف ولمخالفة هذه الرواية لجميع الروايات في هذا الباب، ويبدو من قراءة الكتاب أن مؤلفه شيعي.
وروى الأزرقي بطريقه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن سَبِّ أسعد الحميري وهو تبع، وكان هو أول مَنْ كسا الْكَعْبِة، وذكر هذه الرواية ابن الجوزي أيضًا.
وذكر الأزرقي أيضًا عن محمد بن إسحاق قال: بلغني عن غير واحد من أهل العلم أن أول من كسا الْكَعْبِة كِسْوَة كاملة تبع، وهو أسعد، أري في النوم أن يكسوها فكساها الأنطاع، ثم أري أن يكسوها، فكساها الوصائل، ثياب حبرة من عصب اليمن، وجعل لها بابًا يغلق...
وقال أسعد في ذلك: وكسونا البيت الذي حرم اللـ ـه مـلاءً معضدًا وبرودًا وأقمنا به من الشهر عشــرًا وجـعلنا لبابـه إقليــدا وخرجنـا منه نـؤم سـهيلاً قـد رفعنـا لواءنا معقودا
وروى الأزرقي أيضًا بسنده عن ابن جريج أنه كان يقول: أول من كسا الْكَعْبِة كِسْوَة كاملة تبع، كساها العصب، وجعل لها بابًا يغلق.
وروى أبو هلال العسكري بسنده عن حزام بن هشام عن أبيه قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يسب أسعد الحميري، وهو تبع، وقال: إنه أول من كسا البيت، وهو أول من جعل للبيت مفتاحًا.
وأقام الحافظ فصلاً في الفتح في معرفة بدء كِسْوَة البيت، ثم قال: روى الفاكهي من طريق عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه أنه سمعه يقول: زعموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن سب أسعد، وكان أول من كسى البيت الوصائل، رواه الواقدي عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة مرفوعًا.
أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عنه، ومن وجه آخر عن عمر موقوفًا، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: فذكر ما ذكرته من مصنفه في أول هذا البحث، ثم ذكر وحكى الزبير بن بكار عن بعض علمائهم أن عدنان أول من وضع أنصاب الحرم، وأول من كسا الْكَعْبِة أو كُسيت في زمنه، وحكى البلاذري أن أول من كساها الأنطاع عدنان بن أد.
وقال البلاذري: ويُقال: إن أول من كسى الْكَعْبِة عدنان، كساها أنطاع الأدم.
وهذه الروايات منقطعة وبعضها متصلة ولكنها ضعيفة لاتهام بعض رواتها بالكذب.
وفي مستدرك الحاكم حديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي في تلخيصه، وهذا الحديث يؤيد الرواية التي تقول: إن أول من كسا الْكَعْبِة هو تبع الحميري، والحديث ما رواه الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنه قال: أقبل تبع يريد الْكَعْبِة، حتى إذا كان بكراع الغميم بعث الله عليه ريحًا لا يكاد القائم يقوم إلا بمشقة، ويذهب القائم ثم يقعد، فيصرع، وقامت عليه، ولقوا منها عناءً، ودعا تبع حبْريه فسألهما: ما هذا الذي بُعث عليّ؟ قالا: أتؤمنّا؟ قال: أنتم آمنون. قال: فإنك تريد بيتًا يمنعه الله من أراده، قال: فماذا يذهب هذا عني؟ قالا: تجرد في ثوبين، ثم تقول: لبيك لبيك، ثم تدخل فتطوف بذلك البيت، ولا تهيج أحدًا من أهله. قال: فإن أجمعتُ على هذا، ذهبت هذه الريح عني؟ قالا: نعم، فتجرد ثم لبى. قال ابن عباس رضي الله عنهما: فأدبرت الريح كقطع الليل المظلم، قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي أيضًا.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال: بلغنا أن تبعًا سار إلى الْكَعْبِة وهو يريد هدمها، فذكر بنحو ما قدمنا من مستدرك الحاكم، وزاد فيه: فقال: فعاهد الله تبع لئن تُكْشَفَنّ عنه تلك الظلمة ليعظمن الْكَعْبِة، وليكسونّها، فكشف الله تلك الظلمة، فسار تبع حتى إذا بلغ أنصاب الحرم، نزل عن دابته، ثم خلع نعليه تعظيمًا للحرم وتوبة مما أراد، قال: حتى دخل مَكَّة راجلاً حافيًا، فطاف بالبيت وكسا الْكَعْبِة الوصائل، فَسُترَت بها، ثم أنزل ثقله ومطبخه في شعب عبد الله بن عامر ابن كريم... وجاء في آخر هذا البلاغ: وقد زعم بعض علمائنا أن أول من كسا الْكَعْبِة إسماعيل النبي -صلى الله عليه وسلم-، والله أعلم.
ورواية عبد الرزاق هذه وإن كانت منقطعة إلا أنه يستأنس بها بعد رواية المستدرك الصحيحة التي تقدمت، ومن المعقول جدًا أن تبعًا بعد أن أجلى عنه الله سبحانه ما كان فيه من العناء والمشقة؛ وقر في قلبه قداسة البيت وعظمته مما جعله يكسوها بالوصائل. والله أعلم.
وذكر الأزرقي هذه القصة بتفاصيل أكثر في كتابه فقال: ... وأما تبع الثالث الذي أراد هدم البيت فإنما كان أول زمان قريش، قال: وكان سبب خروجه ومسيره إليه: أنّ قومًا من هذيل من بني لحيان جاؤوا، فقالوا له: إن بمَكَّة بيتًا يُعظّمه العرب جميعًا، وتَفِدُ إليه، وتنحر عنده وتَحُجَّهُ وتعتمره، وإن قريشًا تليه فقد حازت شرفه وذكره، وأنت أولى أن يكون ذلك البيت لك، وشرفه وذكره لك، فلو سرت إليه وخربته وبنيت عندك بيتًا ثم صرفت حاج العرب إليه كنت أحق منهم، قال: فأجمع السير إليه.
ثم قال الأزرقي: حدثني جدي، حدثني سفيان بن عيينة، عن موسى بن أبي عيسى المديني، قال: لما كان تبع بالدُّفّ من جُمْدان بين أَمَجٍ وعُسْفان دفّت لهم دوابهم، وأظلمت عليهم الأرض، فدعا أحبارًا كانوا معه من أهل الكتاب، فسألهم فقالوا: هل هممت لهذا البيت بشيء؟ قال: أردت أن أهدمه، قال (قالوا:) فانو له خيرًا أن تكسوه، وتنحر عنده، ففعل، فانجلت عنهم الظلمة وإنما سُمِّيَ الدف من أجل ذلك، ثم رجع إلى حديث ابن إسحاق، قال: فسار حتى إذا كان بالدف من جمدان بين أمج وعسفان، دفت بهم الأرض، وغشيهم ظلمة شديدة وريح، فدعا أحبارًا كانوا معه من أهل الكتاب، فسألهم فقالوا: هل هممت لهذا البيت بسوء؟ فأخبرهم بما قال لهم الهذليون، وبما أراد أن يفعل، فقالت الأحبار: ما أرادوا إلا هلاكك وهلاك قومك، إن هذا بيت الله الحرام، ولم يُرده أحَدٌ بسوء قط إلا هلك، قال: فما الحيلة؟ قالوا: تنو له خيرًا؛ أن تعظمه وتكسوه وتنحر عنده وتحسن إلى أهله، ففعل، فانجلت عنهم الظلمة، وسكنت الريح، وانطلقت بهم ركابهم ودوابهم، فأمر تبع بالهذليين، فضربت أعناقهم وصلبهم، وإنما فعلوا ذلك حسدًا لقريش على ولايتهم البيت، ثم سار تبع حتى قدم مَكَّة، فكان سلاحه بقُعَيقِعان، فيقال: بذلك سُمِّىَ قعيقعان، وكانت خيله بأجياد، ويُقال: إنما سُميت أجياد أجيادًا بجياد خيل تبع، وكانت مطابخه بالشعب الذي يقال له: شعب عبد الله بن عامر بن كريز، فلذلك سُمِّيَ الشعب: المطابخ، فأقام بمَكَّة أيامًا ينحر في كل يوم مائة بدنة، لا يرزأ هو ولا أحد ممن في عسكره منها شيئًا، يردها الناس فيأخذون منها حاجتهم، ثم يقع الطير فتأكل، ثم تنتابها السباع إذا أمست، لا يصد عنها شيء من الأشياء إنسان ولا طائر، ولا سبع، يفعل ذلك كل يوم مقامه أجمع، ثم كسى البيت كِسْوَة كاملة كساه العصب، وجعل له بابًا يغلق بضبة فارسية.
قال ابن جريج: كان تبع أول من كسا البيت كِسْوَة كاملة، أري في المنام أن يكسوها فكساها الأنطاع، ثم أري أن يكسوها فكساها الوصائل؛ ثياب حبرة من عصب اليمن، وجعل لها بابًا يغلق، ولم يكن يغلق قبل ذلك، وقال تبع في ذلك وفي مسيره شعرًا.
وهذا الشعر قد ذكرناه من موضع آخر من تاريخ مَكَّة للأزرقي.
وقال ابن قتيبة: أول مَنْ كساه الأنطاع والبرود اليمانية أسعد أبو كرب الحميري.
وقال الحافظ ابن حجر بعد أن سرد الروايات في أول مَنْ كسا الْكَعْبِة: فحصلنا في أول من كساها مطلقًا على ثلاثة أقوال: إسماعيل، وعدنان، وتبع، وهو أسعد المذكور في الرواية الأولى.. ويجمع بين الأقوال الثلاثة إن كانت ثابتة بأن إسماعيل أول من كساها مطلقًا، وأما تبع فأول من كساها ما ذكر.
وأما عدنان فلعله أول من كساها بعد إسماعيل، وقال الحافظ أيضًا: ولا تعارض بين ما روي عنه (أي تبع) أي تبعًا أنه كساها الأنطاع والوصائل؛ لأن الأزرقي حكى في كتاب مَكَّة (تاريخ مَكَّة) أي تبعًا أري في المنام أن يكسو الْكَعْبِة فكساها الأنطاع، ثم أري أن يكسوها فكساها الوصائل...
هكذا حاول الحافظ ابن حجر أن يوفق بين الروايات المختلفة على طريقة المحدثين.
وقد ذكر العلامة أحمد عبد الغفور عطار في كتابه: "أن الشيء الذي اتفق عليه كتاب السير والمؤرخون أن أسعد ملك حمير هو أول من كسا الْكَعْبِة بعد أن زار مَكَّة ودخلها دخول الطائفين".
وقال محمد طاهر الكردي: وقد اختلفوا في أول من كساها، فقيل: إسماعيل عليه الصلاة والسلام، وقيل: عدنان ابن أد، وقيل: تبع الحميري، وهذا القول الأخير هو الشائع وهو ما نذهب نحن إليه أيضًا، ثم ذكر تعليله لترجيح هذا القول، فقال: إن إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين الصلاة والسلام لما بنى الْكَعْبِة مع ابنه إسماعيل بناه بالرضم حجارة بعضها فوق بعض بدون جص ولا نورة، ولم يجعل لها سقفًا ولا بابًا يفتح ويغلق، بل جعل في جهتها الشرقية مكانًا مفتوحًا علامة على الباب، وعلى أنه وجه الْكَعْبِة، وكذلك لم يجعل عليها كِسْوَة، والسبب في ذلك أولاً: لم يؤمر بذلك، ثانيًا: من أين يأتي بالقماش أو الجلد أو الخسف (الخصف) الكثير في ذلك الزمن الذي لم يكن بمَكَّة كلها سوى قبيلة من جرهم هذا ما نراه. والله أعلم.
فالشيء في ابتداء الأمر يقع على الفطرة، ثم يأخذ في التحسين تدريجيًا شيئًا فشيئًا، هذا هو سنة الكون، والقصد من تغطية الْكَعْبِة بالْكِسْوَة تكريمها وتجميلها.
ثم قال: إن ما عللنا لإبراهيم عليه السلام من عدم وضعه الْكِسْوَة على البيت نعلله أيضًا لابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام، ونعلله أيضًا لعدنان بن أد، فإن مَكَّة في تلك العصور الغابرة كانت قليلة السكان لا يرد إليها سوى قليل من المأكولات واللوازم الضرورية من جهة اليمن، فمن أين لهم القماش أو الحصير الكثير الكافي لستر الْكَعْبِة، إذن فالقول القائل بأن تبع الحميري هو أول من كسا البيت هو القول الأصح.
وقد تأثر تبع الحميري بزيارته هذه للكعبة تأثرًا بليغًا، ولذا أوصى قبل أن يغادر مَكَّة وقبل أن يرحل إلى بلاده اليمن ولاة مَكَّة من قبل جرهم بالعناية بالْكَعْبِة، وأمرهم بتطهيرها وأن لا يقربوها دمًا ولا ميتة.
وبعد أن أوصاهم عاد إلى بلاده، ومات بها، ولا ننسى مدى أثر زيارته لمَكَّة المكرمة، وما صحبها من نتائج أدت في النهاية إلى تركه هو وقومه عبادة الأصنام.
وقد عني بعض الناس على اختلاف طبقاتهم بكِسْوَة الْكَعْبِة تأسيًا بتبع، وأخذوا يهدون إليها الأكسية المختلفة فتتجمع لدى سدنة البيت وولاته من جرهم وخزاعة، فيحتفظون بها، فإذا بلي ثوب أبدلوه بثوب جديد آخر من خزانة الْكَعْبِة دون أن ينزعوا الثوب القديم، مما أدى إلى تراكم الأثواب على الْكَعْبِة المُشَرَّفَة واستمر الحال على ذلك إلى أن ساد مَكَّة قصي بن كلاب، الجد الرابع للرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكان من سادة العرب، فكانت لـه الحجابة والرفادة، والسقاية، والندوة، واللواء، والقيادة، فولي أمر الْكَعْبِة ومَكَّة، وصار له فيها ملكًا كبيرًا.
يقول أحمد عبد الغفور عطار: ومن أهم أعماله النظر في كِسْوَة الْكَعْبِة المُشَرَّفَة حيث عرض على القبائل المشاركة في إعدادها عن طريق الرفادة، وبذلك سنحت الظروف للقبائل العربية في المساهمة في ذلك العمل العظيم، وسيأتي بعد قليل تحت عنوان: كِسْوَة قريش. * * * |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الأول: في بيان مراحل الْكِسْوَة في العصور المختلفة الثلاثاء 06 أغسطس 2019, 5:19 pm | |
| الفصل الثاني: أول من كسا الْكَعْبِة الديباج (الحرير) اختلفت الروايات في أول من كسا الْكَعْبِة الديباج كما اختلفت في أول من كساها مطلقًا، فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن الأسلمي قال: أخبرني هشام بن عروة أن عبد الله ابن الزبير أول من كسا الْكَعْبِة الديباج، وهذه الرواية أخرجها الأزرقي أيضًا في تاريخ مَكَّة.
وفي رواية في مصنفه عن ابن جريج قال: وأخبرني غير واحد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كساها القباطي والحبرات وأبو بكر وعمر، وعثمان، وأن أول من كساها الديباج عبد الملك ابن مروان، وأن من أدركها من الفقهاء قالوا: أصاب، ما نعلم لها من كِسْوَة أوفق لها منه.
وقال الحافظ ابن حجر: وروى الفاكهي في كتاب مَكَّة من طريق مسعر عن جسرة قال:أصاب خالد بن جعفر بن كلاب لطيمة في الجاهلية فيها نمط من ديباج فأرسل به إلى الْكَعْبِة فنيط عليها، فعلى هذا هو أول من كسا الْكَعْبِة الديباج.
وأخرج الدارقطني: "أن أول من كسا الديباج نُتَيْلة بنت جَنَاب والدة العباس بن عبد المطلب، كانت أضلت العباس صغيرًا، فنذرت إن وجدته أن تكسو الْكَعْبِة الديباج".
وذكر الزبير بن بكار: أنها أضلت ابنها ضرار بن عبد المطلب شقيق العباس فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت فردَّه عليها رجل من جذام، فكست الْكَعْبِة ثيابًا بيضًا. وحمل الحافظ هذا على تعدد القصة.
وروى العسكري بسنده عن إسماعيل بن إبراهيم بن أبي ربيعة، عن أبيه قال: كُسي البيت في الجاهلية الأنطاع، ثم كساه النبي -صلى الله عليه وسلم- الثياب اليمانية، ثم كساه عمر وعثمان القباطي، ثم كساه الحجاج ديباجًا، والصحيح أن أول من كساه الديباج ابن الزبير، وقيل: يزيد بن معاوية، وقيل: عبد الملك.
وحكى الأزرقي: أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كساها كسوتين كِسْوَة عمر القباطي، وكِسْوَة ديباج.
وأخرج الواقدي عن إسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة، عن أبيه قال: كُسي البيت في الجاهلية الأنطاع، ثم كساها النبي -صلى الله عليه وسلم- الثياب اليماني، ثم كساها عمر وعثمان القباطي، ثم كساها الحجاج الديباج.
ويُقال: أول من كساه الديباج يزيد بن معاوية، ويُقال: ابن الزبير.
ويُقال: عبد الملك بن مروان.
وقد ذكر غالب هذه الروايات الحافظ في الفتح، وقال: "وحصلنا في أول من كساها الديباج على ستة أقوال: خالد أو نتيلة أو معاوية أو يزيد أو ابن الزبير أو الحجاج، ويجمع بينها بأن كِسْوَة خالد ونتيلة لم تشملها كلها، وإنما كان فيما كساها شيء من الديباج.
وأما معاوية فلعله كساها في آخر خلافته، فصادف ذلك خلافة ابنه يزيد، وأما ابن الزبير فكأنه كساها ذلك بعد تجديد عمارتها فأوليته بذلك الاعتبار لكن لم يداوم على كسوتها الديباج، فلما كساها الحجاج بأمر عبد الملك استمر ذلك فكأنه أول من داوم على كسوتها الديباج في كل سنة.
وقول ابن جريج: أول من كساها ذلك عبد الملك يوافق القول الأخير، فإن الحجاج إنما كساها بأمر عبد الملك. انتهى". * * * |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الأول: في بيان مراحل الْكِسْوَة في العصور المختلفة الثلاثاء 06 أغسطس 2019, 5:21 pm | |
| الفصل الثالث: كِسْوَة قريش سبق أن ذكرت أن الناس بدأوا يعتنون بكِسْوَة الْكَعْبِة تأسيًا بتبع، واستمر الحال على ذلك إلى أن ساد مَكَّة المكرمة قصي بن كلاب الجد الرابع للرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكان من سادة العرب، فكانت له الحماية والرفادة والسقاية، والندوة، واللواء والقيادة... الخ.
ومن أهم أعماله النظر في أمر كِسْوَة الْكَعْبِة المُشَرَّفَة، حيث عرض على القبائل المشاركة في إعدادها عن طريق الرفادة وبذلك سنحت الظروف للقبائل العربية في المساهمة في ذلك العمل العظيم.
روى الأزرقي بسنده عن ابن أبي مليكة قال: بلغني أن الْكَعْبِة كانت تكسى في الجاهلية كُسى شتى، كانت البدنة تجلل الحبرة والبرود والأكسية وغير ذلك من عصب اليمن، وكان هذا يهدى للكعبة سوى جلال البدن هدايا (هذا ما) من كُسى شتى، خز وحبرة، وأنماط فيعلق، فتكسى منه الْكَعْبِة، ويجعل ما بقي في خزانة الْكَعْبِة، فإذا بلي منها شيء أخلق عليها مكانه ثوب آخر، ولا ينـزع مما عليها شيء من ذلك، وكان يُهدى إليها خلوق ومجمر، وكانت تطيب بذلك في بطنها من خارجها.
وروى الأزرقي أيضًا عن ابن أبي مليكة قال: كانت قريش في الجاهلية ترافد في كِسْوَة الْكَعْبِة، فيضربون ذلك على القبائل بقدر احتمالها من عهد قصي بن كلاب حتى نشأ أبو ربيعة ابن المغيرة بن عبد الله ابن عمر بن مخزوم، وكان يختلف إلى اليمن يتجر بها فأثرى في المال، فقال لقريش: أنا أكسو وحدي الْكَعْبِة سنة، وجميع قريش سنة، فكان يفعل ذلك حتى مات، يأتي بالحبرة الجيدة من الجند (موضع باليمن) فيكسوها الْكَعْبِة، فسَمَّتْه قريش العدل؛ لأنه عدل فعله قريش كلها فسموه إلى اليوم العدل، ويُقال لولده بنو العدل.
وهذه الرواية تدل دلالة صريحة أن قريشًا كانت تكسو الْكَعْبِة كل سنة وتوارثوا هذا العمل حتى بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- والْكَعْبِة مكِسْوَة بالْكِسْوَة.
ولم تكن كِسْوَة قريش نوعًا خاصًا من الثياب، فقد روى الواقدي عن النوار بنت مالك أم زيد بن ثابت رضي الله عنه أنها قالت: رأيت قبل أن ألد زيدًا على الْكَعْبِة مطارف خز أخضر، وأصفر، وكرار، وأكسية من أكسية الأعراب وشقاق شعر.
وعن عمر بن الحكم السلمي قال: نذرت أمي بدنة.. وفي هذا الخبر والنبي -صلى الله عليه وسلم- يومئذ بمَكَّة لم يهاجر فنظرت إلى البيت يومئذ وعليه كسى شتى من وصائل وأنطاع وكرار، وخز ونمارق عراقية أي ميسانية، كل هذا قد رأيته عليه.
استمرت قريش بعد وفاة زعيمها قصي بن كلاب على نفس المنهج الذي رسمه لها في أمر كِسْوَة الْكَعْبِة المُشَرَّفَة حيث رأت أن ذلك واجبًا عليها ينبغي القيام به خير قيام فضلاً عن أن ذلك يزيد جمال الْكَعْبِة وعظمتها بين الأمم، فيزيد احترامها ويرتفع شأنها وكان لنظام الرفادة في كِسْوَة الْكَعْبِة أثره البالغ في تخفيف عبء النفقات عن كاهل قريش، كذلك أصبحت جميع القبائل تشعر بالمسؤولية تجاه الْكَعْبِة وحرمتها وتعظيمها وبالتالي احترام ولاتها.
وقَسّم قصي بن كلاب قبيل وفاته أمور مَكَّة بين ولديه عبد الدار وعبد مناف، فأعطى عبد الدار الحجابة والندوة واللواء، وأعطى عبدمناف السقاية والرفادة والقيادة.
وقد ظلت في يدهم حتى فتح مَكَّة فتولاها المسلمون بأنفسهم سوى الحجابة فقد بقيت في يد بني عبد الدار بعد ذلك واستمرت طوال العصور الإسلامية وحتى الوقت الحاضر والمعروفين لدى أهل مَكَّة والمسلمين جميعًا بآل الشيبي. * * * |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الأول: في بيان مراحل الْكِسْوَة في العصور المختلفة الثلاثاء 06 أغسطس 2019, 8:52 pm | |
| الفصل الرابع: الْكِسْوَة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن في وسع النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا في قدرة أصحابه المسلمين أن يكسوا الْكَعْبِة التي كانت تحت سيطرة المشركين قبل فتح مَكَّة، وكانوا لا يتركون المسلمين ورسولهم الكريم أن يقوموا بالعبادة بين يدي الْكَعْبِة، بل كانوا يُعَذِّبُونَ المسلمين بصنوف من العذاب وبلغ من اضطهادهم للمسلمين مبلغًا لم يؤثر في تاريخ الديانات إلا نادرًا.
فمن الطبيعي أنهم لم يكسوا الْكَعْبِة في هذه الفترة، ولم يشاركوا في كسوتها، وكانت الْكِسْوَة خلال هذه السنوات مما يقدمه غير المسلمين الممنوعين من دخول مَكَّة، فلما فتح الله مَكَّة على يد رسوله الكريم الرؤوف الرحيم لم يغير -صلى الله عليه وسلم- الْكِسْوَة، بل تركها على حالها.
ثم جاءت امرأة عام الفتح إلى الْكَعْبِة بمجمر تريد تجميرها وتبخيرها، وبينما هي تجمرها طارت شرارة إلى الْكِسْوَة التي كساها بها المشركون فاحترقت، فعريت الْكَعْبِة، فقام المسلمون بكسوها، ومنذ ذلك اليوم أي يوم فتح مَكَّة إلى يومنا هذا تفرَّد المسلمون بكِسْوَة الْكَعْبِة الْمُعَظَّمَة زادها الله شرفًا وتعظيمًا.
لم أعثر على حديث مرفوع صحيح أو حسن ولا على أثر من آثار الصحابة يدل دلالة صريحة على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كسا الْكَعْبِة بنفسه أو أمر بكسوتها في عهده.
والذي رواه العسكري في الأوائل وذكره الحافظ أيضًا في الفتح عن الواقدي عن إبراهيم بن أبي ربيعة قال: كسي البيت في الجاهلية الأنطاع ثم كساه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الثياب اليمانية، ثم كساه عمر وعثمان القباطي ثم كساه الحجاج الديباج.
فهذه الرواية مع كونها مرسلة، ضعيفة لضعف الواقدي.
وقال الحافظ أيضًا: وروى الفاكهي بإسناد حسن عن سعيد بن المسيب قال: "لَمَّا كان عام الفتح أتت امرأة تجمر الْكَعْبِة فاحترقت ثيابها، وكانت كِسْوَة المشركين فكساها المسلمون بعد ذلك، ففي مرسل سعيد هذا إشارة وتلميح إلى أنه من الممكن أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بكسوتها بعد هذا الاحتراق، وزاد على هذا ما رواه البخاري في صحيحه في كتاب المغازي، باب أين ركز النبي -صلى الله عليه وسلم- الراية يــوم الفتح من قول عروة بن الزبير الطويل وفيه يقول سعد بن عبادة: يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تُسْتَحَلُّ الْكَعْبِة... فلما مَرَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأبي سفيان قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة؟ قال: ما قال؟ قال: كذا وكذا، فقال: كذب سعد، ولكن هذا يوم يُعَظِّمُ الله فيه الْكَعْبِة، ويوم تُكْسَى فيه الْكَعْبِة" الحديث.
قال الحافظ في شرحه تعليقًا على قوله: ويوم تُكْسَى فيه الْكَعْبِة: قيل: إن قريشًا كانوا يكسون الْكَعْبِة في رمضان، فصادف ذلك اليوم، أو المراد باليوم الزمان كما قال يوم الفتح، فأشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أنه هو الذي يكسوها في ذلك العام ووقع ذلك.
فلو نظرنا إلى قـول النبي -صلى الله عليه وسلم- المذكور في معرض الرد على قول سعد بن عبادة: اليوم تُسْتَحَلُّ الْكَعْبِة، فقال: ليس الأمر كما زعم سعد، بل الْكَعْبِة تُعَظَّمُ اليوم وتُكرم وتُكْسَى في هذا اليوم كما كانت تُكْسَى سابقًا مع مصادفة احتراقها نتوقع أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- كساها أو أمر بكسوتها.
وأخرج الأزرقي عن محمد بن يحيى بن إبراهيم، عن محمد بن أبي يحيى، عن حبيب بن أبي ثابت قال: كسى النبي -صلى الله عليه وسلم- الْكَعْبِة، وكساها أبو بكر وعمر.
والرواية مرسلة ولكن يستأنس بها مع ما سبق من الأحاديث والآثار والقرائن. والله أعلم.
ويذكر الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار قصة فتح مَكَّة مع ما أعقبها من غزوة حنين ثم محاصرة الطائف، ثم عودته -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه إلى الجعرانة واعتمارهم منها ثم عودتهم إلى المدينة المنورة...
ثم يقول: وفي هذه الظروف لم يَكسُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- الْكَعْبِة، ولم يرو أحد أنه كساها وإنما رويت حادثة المرأة التي جاءت تجمر الْكَعْبِة، فاحترقت الْكِسْوَة وكساها المسلمون، والمسلمون أيام فتح مَكَّة لم يكونوا ليصنعوا شيئًا من تلقاء أنفسهم، بل هم ينتظرون في كل أمر من أمور دينهم ودنياهم وبخاصة فيما يتصل بالْكَعْبِة والمسجد الحرام أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وطبيعي أن ينتظروا أمره في كِسْوَة الْكَعْبِة بعد احتراقها.
فإذا ذكر المؤرخون أن المسلمين كسوا الْكَعْبِة بعد احتراق كسوتها فإنما هم كسوها بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وليس من تلقاء أنفسهم، فهم لا يعرفون رأي الإسلام فيما يصنعون، فهم حريون بانتظار ما يأمر به رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام.
وثابت أن الْكَعْبِة كسيت عام الفتح بعد احتراق كسوتها، ونحن نرى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو الذي كساها هذه الْكِسْوَة.
ومعروف أن الْكَعْبِة كانت تكسى غير مرة في السنة، وطبيعي أن الْكِسْوَة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمره، وكانت مستمرة في حياته، وطبيعي أنها كُسيت في السنة التاسعة وفي السنة العاشرة التي كانت فيها حجة الوداع، وإن لم يذكر ذلك المؤرخون.
والذي نراه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كسا الْكَعْبِة منذ عام الفتح حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى... * * * |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الأول: في بيان مراحل الْكِسْوَة في العصور المختلفة الثلاثاء 06 أغسطس 2019, 8:54 pm | |
| الفصل الخامس: الْكِسْوَة في عهد الخلفاء الراشدين لما ولي أبو بكر الخلافة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كان من جملة أعماله الجليلة الكثيرة أن قام بكِسْوَة الْكَعْبِة الْمُعَظَّمَة بالقُباطي.
فقد أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال: وأخبرني غير واحد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كساها بالقُباطي والحبرات، وأبو بكر، وعمر، وعثمان.
وذكر الأزرقي في تاريخ مَكَّة عن حبيب بن أبي ثابت قال: كسى النبي -صلى الله عليه وسلم- الْكَعْبِة وكساها أبو بكر وعمر.
ولما تولى عمر رضي الله عنه الخلافة بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعهد منه كسا الْكَعْبِة بالقباطي.
فقد روى الأزرقي عن ابن أبي مليكة قال: كانت على الْكَعْبِة كسا كثيرة من كِسْوَة أهل الجاهلية من الأنطاع، والأكسية، والكرار، والأنماط، وكانت ركامًا بعضها فوق بعض، فلما كسيت في الإسلام من بيت المال، كان يخفف عنها الشيء بعد الشيء، وكانت تكسى في خلافة عمر، وعثمان رضي الله عنهما القُباطي، يؤتى به من مصر، غير أن عثمان رضي الله عنه كساها سنة برودًا يمانية، أمر بعملها عامله على اليمن يعلى بن منبه فكان أول من ظاهر لها كسوتين.
وروى الأزرقي أيضًا عن ابن أبي نجيح عن أبيه قال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ينـزع كِسْوَة الْكَعْبِة في كل سنة فيقسمها على الحاج فيستظلون بها على السمر بمَكَّة.
وروى أبو هلال العسكري عن إبراهيم بن أبي ربيعة قال: كُسي البيت في الجاهلية الأنطاع، ثم كساه النبي -صلى الله عليه وسلم- الثياب اليمانية، ثم كساه عمر وعثمان القباطي... الخ.
ولم يؤثر عن الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب رضي عنه أنه كسا الْكَعْبِة، وليس ذلك تقصيرًا منه، بل كان مشغولاً بالحروب التي أجبر على خوضها من أجل ضمان وحدة المسلمين.
يقول يوسف بن أحمد: "ولم يذكر التاريخ شيئًا عن علي بن أبي طالب كرم وجهه، ولعل حروبه في تمهيد أمر الدولة قد شغلته عن ذلك".
ويزيد الكردي على ذلك ويقول: “ولهذا السبب نفسه لم يحج رضي الله عنه بالناس بعد الخلافة أيضًا".
وكان ابن عمر رضي الله عنه يكسو الْكَعْبِة من ماله في عهد الخلفاء الراشدين، فقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه فقال: كان ابن عمر يجلل بدنته قبل أن تكسى الْكَعْبِة الحلل والأنماط والقباطي، ثم ينـزعها قبل أن ينحرها، فيرسل بها إلى خزانة الْكَعْبِة كِسْوَة الْكَعْبِة، فلما كُسيت الْكَعْبِة ترك ذلك.
وروى الإمام مالك أن عبد الله بن عمر كان يُجلل بدنه القُباطي والأنماط، ثم يبعث بها إلى الْكَعْبِة فيكسوها إياها.
وأخرج الأزرقي بإسناده عن نافع، قال: كان ابن عمر يكسو بدنه إذا أراد أن يُحرم القباطي والحبرة الجيدة، فإذا كان يوم عرفة ألبسها إياها، فإذا كان يوم النحر نزعها، ثم أرسل بها إلى شيبة بن عثمان، فناطها على الْكَعْبِة.
وأخرج أيضًا بعد قليل بلفظ: كان ابن عمر يجلل بدنه بالأنماط، فإذا نحرها بعث بالأنماط إلى الحجبة، فجعلوها على الْكَعْبِة قبل أن تكسى الْكَعْبِة، يعني قبل أن تكسى من بيت المال.
ويبدو من تَتَبُّع الروايات أن فعل ابن عمر هذا وهو إكساء الْكَعْبِة كان في بداية عهد الخلفاء، ثم لما جرى عمل الخلفاء في كِسْوَة الْكَعْبِة من بيت المال لم يبق لابن عمر حاجة لكِسْوَة الْكَعْبِة، فقد روى مالك في الموطأ أنه سأل عبد الله بن دينار: ما كان عبد الله بن عمر يصنع بجلال بدنه حيث كسيت هذه الْكِسْوَة؟ فقال: كان يتصدق بها.
وأول مَنْ كسا الْكَعْبِة من بيت المال هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
يقول أحمد عبد الغفور العطار: "وكان من مآثر سيدنا عمر وأولياته عمل الدواوين وضبط أمور الدولة التي جد فيها كثير مما لم يكن معروفًا في عهد صاحبيه، وكان من هذه الأعمال الجديدة أن تكون كِسْوَة الْكَعْبِة من بيت مال المسلمين، ومن ذلك الحين صارت نفقات الْكِسْوَة على الحكومة إلا في سنوات معدودات كان يكسوها أفراد من الموسرين أو من ذوي المناصب الرفيعة أو حكام بعض الدول الإسلامية.
ومن أوليات أمير المؤمنين أنه كتب إلى مصر (أي إلى عامله بمصر) التي دخلت في عهده في الإسلام أن تُحَاكَ الْكِسْوَة في مصر، ثم ترسل إلى مَكَّة، وكانت من القباطي، وكانت الْكِسْوَة القديمة تنزع لترتدي الْكَعْبِة حلتها الجديدة، فيوزع عمر الْكِسْوَة القديمة على الحجاج".
ويقول أيضًا: "فلما تولى سيدنا عثمان بن عفان الخلافة بعد عمر رضي الله عنهما سار على سنة سلفه العظيم عمر، فكانت نفقات الْكِسْوَة من بيت المال مما يُحاك في مصر، وكان أول من قرر للكعبة كسوتين، الأولى بالديباج يوم التروية، وهو يوم الثامن من ذي الحجة، والأخرى بالقباطي يوم السابع والعشرين من رمضان".
وعمل سيدنا عمر هذا وبعده عمل سيدنا عثمان رضي الله عنهما من تصنيع كِسْوَة الْكَعْبِة من بيت المال يؤيده قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حينما سألتها أم علقمة: أنكسو الْكَعْبِة؟ فقالت: الأمراء يكفونكم ولكن طهرنه أنتن بالطيب.
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه.
وأخرج الأزرقي قول عائشة هذا بلفظ: كِسْوَة البيت على الأمراء.
وقول عائشة رضي الله عنها هذا؛ إذا قلنا إنه غير مدرك بالرأي فهو في حكم المرفوع، وإن قلنا إنه مدرك بالرأي فهو من اجتهاداتها الحسنة. * * * |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الأول: في بيان مراحل الْكِسْوَة في العصور المختلفة الثلاثاء 06 أغسطس 2019, 9:00 pm | |
| الفصل السادس: الْكِسْوَة في عهد بني أمية انتقلت الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عام 41هـ بعد أن تنازل لـه وبايعه سيدنا الحسن بن الإمام علي رضي الله عنهما ليحقن دماء المسلمين، وبذلك تحقق ما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يُصلح به بين فئتين من المسلمين عظيميتن) فتفرَّد بحكم المسلمين معاوية رضي الله عنه، فدانت لـه كل أقطارهم، وازدحم بيت المال بالأموال، وازدهرت الدولة الإسلامية في شتى المجالات، واتسعت رقعتها، وازداد ثراؤها، فاهتم الخليفة معاوية رضي الله عنه بأمر الْكِسْوَة اهتمامًا بالغًا، حيث يسر الله لـه المال الوفير، وبقيت الْكِسْوَة من مهام الدولة ينفق عليها من بيت مال المسلمين حيث سَنَّهُ الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فتبعه مَنْ جاؤوا بعده.
فاتخذ معاوية رضي الله عنه للكعبة كسوتين اقتداءً بسيدنا عثمان رضي الله عنه إلا أنه غَيَّرَ تاريخ إلباس الْكِسْوَة، فجعل الْكِسْوَة الأولى من الديباج وكانت تُلبس يوم عاشوراء والثانية من القباطي، وتُكسى بها في آخر شهر رمضان المبارك، وزاد معاوية رضي الله عنه في خدمة الْكَعْبِة، فأجرى لها الطيب وخصَّص العبيد لخدمتها، وهو أول مَنْ فعل ذلك في الإسلام، وكان يبعث بالطّيب مرتين، مرة في شهر رجب، والأخرى في موسم الحج، وأجرى الزيت أيضًا لقناديل المسجد الحرام من بيت المال.
وجاء بعد موت الخليفة معاوية ابنه يزيد عام 60هـ وبقي في الحكم إلى أن توفي سنة 64 هـ فقام بكِسْوَة الْكَعْبِة الْمُعَظَّمَة بالدِّيباج الخسرواني، وكذلك كان يفعل عبد الله ابن الزبير رضي الله عنه، فقد أخرج الأزرقي من طريق الواقدي عن أبي جعفر محمد بن علي قال: كان الناس يهدون إلى الْكَعْبِة كِسْوَة، ويهدون إليها البدن، عليها الحبرات، فيبعث بالحبرات إلى البيت كِسْوَة، فلما كان يزيد بن معاوية كساها الديباج الخسرواني، فلما كان ابن الزبير اتبع أثره فكان يبعث إلى مصعب ابن الزبير بالْكِسْوَة كل سنة، فكانت تكسى يوم عاشوراء.
ويقول باسلامة بعد أن ذكر الرواية المتقدمة: وهذه الرواية تدل على أن يزيد بن معاوية وعبد الله بن الزبير كانا يكسوان الْكَعْبِة الديباج المصنوع في خراسان، وذلك خلافًا لما عمله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتبعه الخليفة عثمان رضي الله عنه، كما جاء في الرواية المتقدمة، والظاهر أنهم كانوا ينظرون إلى المصلحة، فإن كان ما يحاك بمصر أجود مما يحاك بخراسان أتوا بالْكِسْوَة من مصر، وإذا كان ما يحاك بخراسان أجود أتوا بها منها، وهذا دليل على جواز عمل الْكِسْوَة في أي محل كان.
ويقول المؤذن: إن عثمان رضي الله عنه زاد بلدًا آخر، وهو اليمن، حيث كان يبعث إلى عامله فيها لإعدادها هناك، ثم قال: كانوا يفعلون ذلك لما تقتضيه المصلحة العامة وما تقتضيه الجودة.. ولظروف أخرى مثل بعد المسافات، وتأمين الطرق والفتن، والاضطرابات والمنازعات السياسية وغير ذلك مما أدى جواز صناعة الْكِسْوَة في أي مكان.
وذكر الكردي مِمَّنْ كَسُوا الْكَعْبِة في عصر بني أمية من الخلفاء والأمراء: 1 معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
2 عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.
قلت: وعبد الله بن الزبير ليس من بني أمية، ولكن خلافته تخللت في عهد خلافة بني أمية وذلك من سنة 64هـ وإلى سنة 73هـ وذكر الكردي أنه لما فرغ من بناء الْكَعْبِة المُشَرَّفَة سنة أربع وستين خلقها من داخلها وخارجها، ومن أعلاها إلى أسفلها وكساها القُباطي، وقيل: الديباج الخسرواني...
3 يزيد بن معاوية بن أبي سفيان: كساها الديباج الخسرواني أيضًا، وذكر أنه أخدم العبيد للكعبة كما أخدمهم أبوه معاوية رضي الله عنه.
4 الحجاج بن يوسف الثقفي: كساها الديباج الخسرواني أيضًا، ونقل عن صاحب المحمل والحج قال: ولعله فعل ذلك تكفيرًا عما أتاه من رميها بالمنجنيق في قتاله ابن الزبير.
5 عبد الملك بن مروان: ونقل الكردي عن الأزرقي قال: كان يبعث به أي بالديباج كل سنة من الشام، فيمر به على المدينة، فينشر يومًا في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الأساطين ها هنا وها هنا، ثم يطوى، ويبعث به إلى مَكَّة.
6 هشام بن عبد الملك: ونقل عن صاحب المحمل قال: "كساها هشام ديباجًا غليظًا، وأغلب كِسْوَة من كان قبله من متاع اليمن، قال: وقال الماوردي: وكساها بنو أمية في بعض أيامهم الحلل التي كانت على أهل (نجران) في جزيتهم والديباج من فوقها". * * * |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الأول: في بيان مراحل الْكِسْوَة في العصور المختلفة الثلاثاء 06 أغسطس 2019, 9:05 pm | |
| الفصل السابع: الْكِسْوَة في عهد العباسيين انتقلت الخلافة من بني أمية إلى بني العباس عام 132هـ، وذلك بتولي أبي العباس السفاح عرش الخلافة، وهو عبد الله بن محمد بن علي ابن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم، وهو أول خلفاء بني العباس، وقد قَدَّرَ اللهُ لهذه الدولة العباسية أن تعيش مدة طويلة أكثر من خمسة قرون وذلك من سنة 132هـ إلى سنة 656هـ، وخلفاء بني العباس في خلال فترة حكمهم الطويل لم يقصروا في خدمة الْكَعْبِة الْمُعَظَّمَة وكسوتها، بل اهتموا اهتمامًا كبيرًا في ذلك.
يقول أحمد العطار: "وخلال مدة حكمهم كانت عنايتهم بالْكِسْوَة عظيمة إلى حد بعيد، ولم نفتقد هذه العناية عند من سبقوهم، ولكن تطور فن النسج، والحياكة، والصبغ، والتلوين، والتطريز والطلاء بماء الذهب والفضة جعل الخلف يصلون إلى ما لم يصل إليه السلف الذين رجحوا في الإيمان والإخلاص لله ولرسوله وللمؤمنين ودينهم الحق عن غيرهم".
وبلغ من اهتمام الخلفاء العباسيين بالْكِسْوَة أن يبحثوا عن خير مَنْ يُحسنون صناعة النسيج والحياكة، فوجدوا (تنيس) المدينة المصرية التي اشتهرت في المنسوجات الثمينة الرائعة شهرة عظيمة، فوقع اختيارهم عليها، وصنعوا بها الْكِسْوَة الفاخرة من الحرير الأسود على أيدي أمهر الحاكة والنساجين.
وكانت قرية (تُونَة) من أعمال مدينة (تنيس) مشهورة بما اشتهرت به مدينة (تنيس)، فكانت الْكِسْوَة تصنع بها أيضًا.
وكما ذكرت أن عصر خلافة العباسيين طال أكثر من خسمة قرون وقد تناوب على عرش الخلافة في هذه المدة الطويلة (132 656هـ) سبعة وثلاثون خليفة، كلهم اهتموا بالْكَعْبِة وبكسوتها، كل حسب طاقته والظروف المهيأة لـه.
فلو تتبعنا تاريخ الْكِسْوَة في هذه الفترة الطويلة بالتفصيل من المراجع المختلفة يطول بنا البحث.
فلذا أكتفي بذكره من كتاب (المحمل والحج) ليوسف بن أحمد مع بعض الاختصار، مع ذكر بعض المصادر للبحث في الآخر: يقول صاحب (المحمل والحج): وفي سنة 159هـ أمر المهدي بصنع كِسْوَة من القباطي للكعبة، شاهدها الفاكهي، وقال عنها: ورأيت كِسْوَة من قباطي مصر، مكتوبًا عليها: (بسم الله، بركة من الله، مما أمر به عبد الله المهدي محمد أمير المؤمنين أصلحه الله محمد بن سليمان أن يصنع في طراز تنيس كِسْوَة الْكَعْبِة على يد الخطاب بن مسلمة عامله سنة تسع وخمسين ومائة (نقله من المقريزي).
"وفي سنة 160هـ نزع المهدي الْكِسْوَة التي كانت على الْكَعْبِة، وكساها كِسْوَة جديدة، وذلك لأن حجبة الْكَعْبِة أنهوا إليه أنهم يخافون على الْكَعْبِة أن تهدم لكثرة ما عليها من الْكِسْوَة، فأمر أن يكشف عنها ما عليها من الْكِسْوَة، حتى بقيت مجردة، ثم طلى البيت كله بالخلوق بالغالية والمسك والعنبر.. ثم أفرغ عليها المهدي ثلاث كسى من قباطي، وخز، وديباج، كما قسم المهدي في هذه السنة أموالاً كثيرة على أهل الحرمين من دنانير ودراهم وثياب”.
ونُقِلَ عن الفاكهي: رأيت أيضًا كِسْوَة لهارون الرشيد من قباطي مصر مكتوب عليها (بسم الله بركة من الله للخليفة الرشيد عبد الله هارون أمير المؤمنين أكرمه الله مما أمر به الفضل بن الربيع أن يعمل في طراز تونة سنة تسعين ومائة).
وذكر عن الفاكهي أيضًا أنه رأى كِسْوَة لهارون الرشيد سنة إحدى وتسعين ومائة أمر الفضل بن الربيع مولاه بصنعته في طراز شطا كِسْوَة الْكَعْبِة (نقله من المقريزي أيضًا).
ونقل عن الفاكهي أيضًا أنه قال: "رأيت كِسْوَة مما يلي الركن الغربي يعني من الْكَعْبِة مكتوبًا عليها: (مما أمر به السري بن الحكم وعبد العزيز بن الوزير الجروي يأمر الفضل ابن سهل ذي الرياستين وطاهر بن الحسين سنة سبع وتسعين ومائة (نقله من المقريزي أيضًا).
ثم إن المأمون بن هارون الرشيد أمر أن تُكْسَى الْكَعْبِة ثلاث مرات.
فتكسى الديباج الأحمر يوم التروية، والقباطي أول رجب، والديباج الأبيض في 27 رمضان، ابتدأه المأمون سنة 206 هـ حين قالوا لـه: الديباج الأحمر يتخرق قبل الْكِسْوَة الثانية، فسأل مبارك الطبري مولاه، وهو على بريد مَكَّة وصوافيها عن أحسن ما تكون فيه الْكَعْبِة؟ فقال له: في الديباج الأبيض، ففعله، وذكر أن في سنة 200هـ قدم مَكَّة (حسين بن حسن الأفطسي الطالبي) ففعله وملكها، ودخل الْكَعْبِة وجردها من جميع الكسى، وأخذ جميع ما كان عليها، وكساها ثوبين رقيقين من قز، أحدهما أصفر، والآخر أبيض، كان أبو السرايا بعث بهما إليها.
ثم رفع إلى جعفر المتوكل على الله في سنة 240 أن إزار الديباج الأحمر يبلى قبل هلال رجب من مس الناس وتمسحهم بالْكَعْبِة، فزادها إزارين مع الإزار الأول، فأذال قميصها الديباج الأحمر وأسبله حتى بلغ الأرض، ثم جعل الإزار فوقه في كل شهرين إزار.
ثم في سنة 243 أمر المتوكل بإذالة القميص القباطي حتى بلغ الشاذروان الذي تحت الْكَعْبِة.
ونقل عن الماوردي قال: ثم كسا المتوكل أساطينه الديباج، وقد عُدت الكساوي التي كسيت بها الْكَعْبِة من سنة 200هـ إلى سنة 244هـ فإذا هي (170) ثوبًا.
ثم عاد الخلفاء العباسيون ببغداد إلى شعارهم الأسود، فألبسوا الْكَعْبِة الديباج الأسود.
وذكر خلفاء مصر من الفاطميين أن كسوا الْكَعْبِة البياض أيام إمارة أبي الحسن جعفر من السليمانيين سنة 381هـ.
ثم نقل عن المسبحي في حوادث سنة 384: وفي ذي القعدة ورد يحيى بن اليمان من (تنيس) و(دمياط) و(الفرما) بهديته، وهي أسفاط وتخوت وصناديق مال وخيل وبغال وحمير وثلاث مظال وكسوتان للكعبة.
ثم ذكر: وفي سنة 397هـ كسا (الحاكم بأمر الله) الْكَعْبِة القباطي البيض، وبعث مالاً لأهل الحرمين.
وفي سنة 423 بعث (الظاهر لإعزاز دين الله) بكِسْوَة الْكَعْبِة، فكسيت.
ثم ذكر أن في سنة 455 دخل (علي بن محمد بن علي) أبو كامل الصليحي إلى مَكَّة وملكها، واستعمل الجميل مع أهلها... وكان متواضعًا، وكسا البيت الحرام بثياب بيض من الحرير الصيني، ورُد حلي البيت إليه، وكان بنو الحسن قد أخذوها وحملوها إلى اليمن، فابتاعها الصليحي منهم وأعادها، ونقل هذا من ابن الأثير وغيره.
وفي نفس السنة ورد إلى مَكَّة إنسان أعجمي يعرف بسالار من جهة جلال الدولة ملكشاه، ودخل وهو على بغلة بمركب ذهب، وعلى رأسه عمامة سوداء وبين يديه الطبول والبوقات، ومعه للبيت كِسْوَة ديباج أصفر، وعليها اسم (محمود بن سبكتكين) وهي من استعماله، وكانت مودعة بنيسابور من عهد (محمود) المذكور عند إنسان يعرف بأبي القاسم الدهقان، فأخذها الوزير نظام الملك، وأنفذها مع المذكور (نقلاً عن النجوم الزاهرة).
وفي سنة 532 كسا الحبرات الشيخ أبو القاسم رامشت صاحب الرباط المشهور بالمسجد الحرام (نقلاً من مرآة الحرمين).
وقال: ثم إن الناصر لدين الله أبا العباس أحمد كسا الْكَعْبِة في آخر أيامه الديباج الأسود، وكانت تكسى الديباج الأبيض من زمن المأمون، وكسيت في زمنه أيضًا كِسْوَة خضراء، ثم كِسْوَة سوداء.
انتهت خلافة بني العباس سنة 656هـ، وقد ضعفت في آخر أيامها، يقول أحمد العطار: "في أيام المقتفي الخليفة العباسي (530 - 555 هـ) كانت الخلافة العباسية ضعيفة وعرضة للفتن على الدوام، ولم تكن لديهم القدرة على الاستمرار في صنع الْكِسْوَة، فكان يقوم به غيرهم أحيانًا، ولم يكونوا من الأمراء والحكام، بل كان منهم من أفراد الأمة الموسرين، ثم ذكر نقلاً من البداية والنهاية من حوادث سنة ثنتين وثلاثين وخمسمائة، وفيها كسا الْكَعْبِة رجل من التجار يقال له "راشت" (وهو رامشت أبو القاسم المتقدم) الفارسي بثمانية عشر عشر ألف دينار، وذلك لأنها لم تأتها كِسْوَة في هذا العام لأجل اختلاف الملوك، ثم ذكر كِسْوَة شيخ الحرم المكي منصور بن منعة البغدادي التي كـانت سنة 643هـ، إلى أن قال العطار: ومرت سنوات عجاف بالْكِسْوَة حتى دالت دولة بني العباس سنة 656هـ، فبادر الملك المظفر ملك اليمن بكِسْوَة الْكَعْبِة سنة 659هـ". * * * |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الأول: في بيان مراحل الْكِسْوَة في العصور المختلفة الثلاثاء 06 أغسطس 2019, 9:07 pm | |
| الفصل الثامن: كِسْوَة الْكَعْبِة في عصر المماليك والشراكسة في كتاب (المحمل والحج): وفي سنة 666هـ كسا الْكَعْبِة السلطان الظاهر (بيبرس البندقداري) وعمل لبابها مفتاحًا، وسيَّر قافلة الحج من البر بدلاً عن صحراء (عيذاب) ولما حج في سنة 667هـ غسل الْكَعْبِة بيده بماء الورد، وقد رؤي بباب الْكَعْبِة محرمًا يأخذ بأيدي ضعفاء الرعية ليصعدوا، وعمل الستور والديباج للكعبة وللحجرة النبوية.
وذكر الكردي: الذين كسو الْكَعْبِة في عصر المماليك والشراكسة مرقمين من رقم (35) إلى (49) حيث قال: قال صاحب المحمل والحج نقلاً من كتاب ابن إياس، وفي سنة" 922هـ أرسل السلطان قانصوه الغوري الْكِسْوَة والصدقات لأهل مَكَّة والمدينة على يد الطواشي (مرهف) ولم يحج أحد من المصريين قاطبة بسبب فتنة ابن عثمان انتهى".
ويلاحظ أن الدولة المملوكية لم تتقاعس في أمر الْكِسْوَة الشريفة مع أنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، وقد استطاعت بذل شتى الطرق لإخراج الْكِسْوَة من مصر حتى تصل إلى مَكَّة المكرمة في موعدها المعتاد، ولم تمض أيام بعد هذا حتى وقعت الحرب بين الغوري آخر سلطان الدولة المملوكية وبين ابن عثمان في موقع (مرج دابق) انتهت بهزيمة السلطان الغوري وبوفاته في تلك المعركة انتهت الدولة المملوكية من مصر، ودخـلت مصر في حظيرة الدولة العثمانية في نهاية ذي الحجة سـنة 922هـ.
وبعد استيلاء الدولة العثمانية على مصر اختصت بإرسال كِسْوَة الْكَعْبِة الداخلية وكِسْوَة الحجرة النبوية الشريفة من مقرها باستنبول، واختصت مصر بإرسال كِسْوَة الْكَعْبِة الخارجية من أوقاف الْكَعْبِة بمصر.
واختصر العطار هذا العصر حيث قال: وفي سنة 661 كسا الْكَعْبِة الملك ظاهر بيبرس البندقداري (620 أو 625 – 676هـ) وهو أحد أعاظم سلاطين المماليك وحارب الصليبيين وهزمهم هزائم منكرة، وأخذ ملوك اليمن وملوك مصر يتعاقبون على كِسْوَة الْكَعْبِة، مرة أولئك ومرة هؤلاء، إلا أن الملك المظفر اليمني كسا الْكَعْبِة بضع سنوات دراكًا (أي متتابعة) ثم كان التعاقب حتى تفردت مصر بالْكِسْوَة.
وقال الكردي بعد أن ذكر رقم (50) من الذين كسوا الْكَعْبِة: ولا يخفى على المطلع في كتابنا عند كلامنا على كِسْوَة الْكَعْبِة أننا تركنا تعداد من كساها بعد رقم (50) أي من بعد إرسال السلطان سليم الْكِسْوَة اكتفاء بما تقدم وبما سنذكره الآن، ونحب أن ننبه القارئ الكريم أن لا يظن أن عدد كِسْوَة الْكَعْبِة المُشَرَّفَة يكون بعدد من كساها؛ كلا بل إن كل ملك وسلطان يكسوها كل عام مدة بقائه في الحكم، فعلى هذا يكون كل منهم يكسوها مرارًا عديدة... * * * |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الأول: في بيان مراحل الْكِسْوَة في العصور المختلفة الثلاثاء 06 أغسطس 2019, 9:13 pm | |
| الفصل التاسع: في الْكِسْوَة من مصر وكيف توقفت عنها في سنة (750هـ) وقف الملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر بن قلاوون ثلاث قرى من مصر على أن تصنع من ريعها كِسْوَة الْكَعْبِة والحجرة النبوية، وذكر إبراهيم رفعت باشا أن في سنة (751هـ) أراد الملك المجاهد أن ينـزع كِسْوَة الْكَعْبِة التي باسم المصريين، ويكسوها كِسْوَة من عنده، تكون باسمه، فأخبر صاحب مَكَّة المصريين، فقبضوا عليه.
وبعد هذا استقلت مصر بإعداد كِسْوَة الْكَعْبِة وإرسالها كل سنة من وقف الملك الصالح إسماعيل.
ويقول العطار تعليقًا على ما سبق: وتحديد سنة (750) بأنها السنة التي وقف فيها الملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر ثلاث القرى لصنع الْكِسْوَة الشريفة من ريعها مخالف كل المخالفة للحقيقة والتاريخ، فالواقف رحمه الله قد توفي قبل سنة (750هـ) بأربع سنوات.
قلت: وهو كما قال العطار، وقد ذكر الحسيني أيضًا في ذيل العبر وفاة الملك الصالح إسماعيل سنة ست وأربعين وسبعمائة.
فمن سنة 750هـ أو قبلها بأربع سنوات حسب رأي العطار استمرت سلاطين مصر ترسل كِسْوَة الْكَعْبِة في كل عام، وكانوا يرسلونها عند تجدد كل سلطان مع الْكِسْوَة السوداء التي تكسى من ظاهر البيت الشريف كِسْوَة حمراء لداخل البيت الشريف، وكِسْوَة خضراء للحجرة الشريفة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام مكتوب على كل من الْكِسْوَة السوداء والحمراء والخضراء: لا إله إلا الله محمد رسول الله دالات في قلب دالات.
يقول باسلامة نقلاً عن الفاسي: لم يكسها أحد من الملوك بعد ذلك أي بعد الوقف المذكور إلا أخوه الملك الناصر حسن، إلا أن كسوته لم تكن لظاهر الْكَعْبِة، وإنما هي لباطنها وهو الْكِسْوَة التي في جوفها الآن... وكان أرسل السلطان حسن بهذه الْكِسْوَة في سنة (761هـ) وبلغني أنه كان في جوف الْكَعْبِة قبلها كِسْوَة للملك المظفر صاحب اليمن، والملك المظفر أول من كسا الْكَعْبِة من الملوك بعد انقضاء دولة بني العباس من بغداد.
ويقول إبراهيم رفعت باشا: وكِسْوَة الْكَعْبِة من سنة (750) من الوقف الذي وقفه الملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر بن قلاوون على كِسْوَة الْكَعْبِة كل سنة، وعلي كِسْوَة الحجرة النبوية والمنبر النبوي في كل خمس سنين مرة، وهذا الوقف عبارة عن ثلاث قرى: بيسوس، وسندبيس، وأبي الغيط من قرى القليوبية اشتراها من بيت المال، ووقفها على كِسْوَة الْكَعْبِة والحجرة وقد اشترى السلطان سليمان بن السلطان سليم خان عدة قرى بمصر أضافها إلى القرى التي وقفها على الْكِسْوَة الملك الصالح.
وهذه القرى هي: 1 سلكه. 2 سروبجنجة. 3 قريش الحجر. 4 مايل وكوم رحان 5- بجام. 6 منيـة النصارى. 7 بطاليا.
ولم تزل موقوفة على ذلك حتى حَلَّ وقفها محمد علي باشا في أوائل القرن الثالث عشر الهجري، وتعهَّدت الحكومة بصنع الْكِسْوَة من مالها العام، ولا يزال دأبها الآن.
ثم ذكر نص الوقفية.
ويقول العلامة باسلامة معلقًا على حَلِّ محمد علي باشا هذا الوقف: كان هذا العمل من محمد علي باشا الخديوي السابق تعديًا على ذلك الوقف العظيم الذي مكث يدر إيراده على كِسْوَة الْكَعْبِة الْمُعَظَّمَة والحُجرة الشريفة بحسب شرط واقفه نحو أربعمائة سنة، حيث بعمله ذلك جعل الْكَعْبِة الْمُعَظَّمَة والحجرة النبوية عالة على الحكومة المصرية بعد أن سلبها حقهما الشرعي، وقد كانا في غني عن ذلك بأوقافهما المذكورة التي يكفي من إيرادها جزء بسيط لعمل كِسْوَة الْكَعْبِة سنويًا وعمل كِسْوَة الحجرة النبوية وخلافها في كل خمسة عشرة سنة مرة، حيث إن كِسْوَة الْكَعْبِة الخارجية لا تتكلف أكثر من أربعة آلاف جنيه سنويًا، ثم ذكر تفاصيل ذلك، وتفاصيل إيراد الوقوف المذكورة، ثم قال: قلنا: إنه يكفي لصنع كسوتي الْكَعْبِة والحجرة النبوية أقل من عشر إيرادها.
وقال أيضًا: وبذلك صار بعد أن حَلَّ محمد علي باشا خديوي مصر تلك الأوقاف، وأدخلها في خزينة الحكومة المصرية لا تُكسى الْكَعْبِة من داخلها ولا الحجرة النبوية إلا تبرعًا ممن يتولى السلطنة من آل عثمان، ثم ترك ذلك من زمن بعيد، وبقيت كِسْوَة الْكَعْبِة من داخلها وكِسْوَة الحجرة النبوية من خارجها منذ كساها السلطان عبد العزيز خان، حتى الآن لم تجدد، وسبب كل ذلك هو حل الأوقاف المذكورة، فلو بقيت أوقاف الْكِسْوَة على حكمها جارية، بحسب شروط واقفها.. لَمَا وقع مما وقع من امتناع الحكومة المصرية عن عمل الْكِسْوَة وإرسالها في أوقاتها حسب شرط الواقف في العصر الحاضر حيث لا مبرر لهذا الامتناع، إلا لكونها ترى أن ذلك هو تبرع وتفضل منها على الْكَعْبِة الْمُعَظَّمَة والحجرة النبوية، وأنه لها الحق في منع ذلك التفضل متى شاءت، وشاء لها الهوى.
لأن حل الوقف المذكور كان مبناه على منع إرسال الْكِسْوَة المذكورة متى أرادت حكومة مصر منعها، وفعلاً حصل هذا الامتناع منها في زمن حكومة الشريف الحسين بن علي بن عون، وفي حكومة جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعودالحالية، وذلك على قاعدة أن المتبرع لا يجبر على إنفاذ تبرعه لكونه بطبيعة الحال حر في تبرعه، إن شاء أنفذه، وإن شاء منعه، وهذه الحادثة هي من ضمن الحوادث المؤلمة التي أصيب بها الإسلام من المنتسبين إليه.
ويقول أبو القاسم زين العابدين: ويمكن تفسير هذا العمل بشيئين لا ثالث لهما: أولاً: أن الحاكم المصري رأى أن هذه الأموال أكثر من حاجة كِسْوَة الْكَعْبِة، وأن هذا الوقف يقيده، فأراد أن يطلق يده في الأموال الموقوفة مع التزامه بكِسْوَة الْكَعْبِة، وفعلاً قد كانت الْكَعْبِة تكسى من مصر بعد ذلك.
ثانيًا: أن يكون هذا العمل تمهيدًا لإلغاء الْكِسْوَة، وهذا مستبعد، وكيفما كان الأمر فإن كِسْوَة الْكَعْبِة قد أصبحت منحة من مصر ولم تكن حقًا كما هو الشأن عند وجود الوقوف. * * * |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الأول: في بيان مراحل الْكِسْوَة في العصور المختلفة الثلاثاء 06 أغسطس 2019, 9:14 pm | |
| الفصل العاشر: الْكِسْوَة في عهد سعود الكبير في اليوم الرابع من شهر المحرم سنة 1218هـ دخل الإمام سعود الكبير بن الإمام عبد العزيز مَكَّة المكرمة حرسها الله في عهد أبيه، ولم يدرك الحج ولا حفل كِسْوَة الْكَعْبِة، ولكنه علم ما يصحب الْكِسْوَة من بدع.
فكتب إلى السلطان سليم الثالث يطلب إليه منع قدوم المحمل المصري والمحمل الشامي مصحوبين بالطبول والزمور؛ لأن ذلك من البدع التي يجب منعها، وقال: عليك أن تمنع والي دمشق ووالي القاهرة من المجيء بالمحمل والطبول والزمور إلى هذا البلد المقدس، فإن ذلك ليس من الدين في شيء، فامتنع مجيء الْكِسْوَة من سنة 1221إلى 1227هـ حيث انتهى الحكم السعودي بعدها من الحجاز وعاد حكم العثمانيين.
وانقطعت الْكِسْوَة سبع سنوات، فكان الإمام سعود الكبير يتولى كِسْوَة الْكَعْبِة كساها سنة 1221هـ، من القز الأحمر، ثم كساها فيما تلاها من أعوام بالديباج الأسود والقيلان الأسود، وجعل إزار الْكِسْوَة وستارة باب الْكَعْبِة من الحرير الطبيعي الأحمر المطرز بالذهب والفضة.
ثم استرد العثمانيون حكم الحجاز من سعود الكبير عام 1227 فعادت الْكِسْوَة من مصر كما كانت ترد من قبل. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الأول: في بيان مراحل الْكِسْوَة في العصور المختلفة الثلاثاء 06 أغسطس 2019, 9:21 pm | |
| الفصل الحادي عشر: كِسْوَة الْكَعْبِة في عهد الملك حسين بن علي وبعد أن استرد العثمانيون حكم الحجاز عام 1227هـ عادت الْكِسْوَة من مصر كما كانت ترد من قبل، فلما تولى الشريف الحسين بن علي حكم الحجاز بأمر السلطان العثماني عبد الحميد سنة 1328هـ استمرت مصر بإرسال الْكِسْوَة دون انقطاع، فلما قامت الحرب العظمى الأولى بين ألمانيا وبريطانيا وحلفائها سنة 1332هـ لم تدخل تركيا إلى جانب ألمانيا، فجاءت الْكِسْوَة من مصر في موعدها.
ثم دخلت تركيا مع ألمانيا في الحرب سنة 1333هـ، فخشيت الحكومة التركية دخولها في الحرب مع ألمانيا ضد بريطانيا، أن يحول دون أن ترسل مصر الْكِسْوَة في موعدها؛ لأن مصر كانت خاضعة لبريطانيا، فلذا صنعت الحكومة التركية في الآستانة كِسْوَة فاخرة آية في الروعة والجمال بكل توابعها وصنعت أيضًا كِسْوَة لداخل الْكَعْبِة أيضًا كما صنعت كِسْوَة ثالثة للحجرة الشريفة أيضًا وأرسلتها برًا بالسكة الحديدية إلى المدينة المنورة، فوصلت إليها قبل الحج سنة 1333هـ إلا أن بريطانيا لم تحل دون إرسال مصر للكِسْوَة، فأرسلت مصر كِسْوَة الْكَعْبِة في موعدها، فحفظت ما أرسلتها الحكومة التركية في مستودع المسجد النبوي واستمرت مصر في إرسال الْكِسْوَة في موعدها دون أن تتأثر بالحرب، وذلك من سنة 1333هـ إلى سنة 1340هـ، ولم تتدخل بريطانيا في أمر الْكِسْوَة بل ساعدت أيام الحرب في إيصالها إلى جدة لأجل التقرب إلى العالم الإسلامي ضـد الحكومة التركية وإرضاء للملك الحسين بن علي.
وبعد سنة 1340هـ وقع خلاف بين الحكومة المصرية وبين ملك الحجاز الشريف الحسين بن علي سنة 1341هـ وذلك لما وصل المحمل المصري في باخرة خاصة إلي جدة يصحب معه كِسْوَة الْكَعْبِة وحنطة الجراية وحرس المحمل وبعثة طبية، فسمح الملك حسين بنـزول الْكِسْوَة وبعثتها وكل مَنْ أراد الحَجَّ من رُكَّابَها، ومنع البعثة الطبية الإضافية من دخولها إلى مَكَّة لأسباب سياسية، فأبى المسئولون المصريون إنزال الْكِسْوَة إلا إذا نزلت البعثة الطبية الإضافية، وتعنَّد المصريون، مع أن الملك سمح للجميع بالنـزول حتى أعضاء البعثة الطبية الإضافية أيضًا بصفة الحُجَّاج لا بصفة كونهم أعضاء البعثة الطبية، ولكنهم لم يرضوا، وتعنَّدوا وأعادوا الباخرة إلي السويس مع ما فيها، وفيها الْكِسْوَة، وذلك في آخر ذي القعدة، ولم يبق لموعد الْكِسْوَة الجديدة التي تُكسَى بها الْكَعْبِة إلا تسعة أيام، فأصاب القلق والهَمُّ الملك حسين، وشارك معه في القلق أهل مَكَّة والشيبيون أيضًا.
ولكنه استطاع إنقاذ نفسه بتوفيق من الله تعالى من الحَرَجِ أمام حُجَّاجَ بيت الله الحرام فتذكَّر الْكِسْوَة التي كانت أرسلتها الدولة العثمانية عام 1333هـ وكانت محفوظة في مستودعات المسجد النبوي، فأصدر أوامره إلى أمير المدينة بأن يُرسل إليه تلك الْكِسْوَة، وبالفعل تم نقلها بسرعة فائقة إلى ميناء رابغ ثم إلى ميناء جدة، فمَكَّة المُكَرَمَة فوصلت الْكِسْوَة المحفوظة في نفس اليوم الذي كانت تُكسَى فيه الْكَعْبِة المُشَرَّفَة، وهو اليوم العاشر من ذي الحجة وكُسِيَتْ بها الْكَعْبِة، وبذلك اندهشت الحكومة المصرية التي كانت تتعمَّد وضع الشريف حسين في وضع حرج.
وفي العام التالي سنة 1342هـ جهز الشريف حسين كِسْوَة الْكَعْبِة من القيلان، تم نسجها في العراق تَحَسُّبًا للظروف غير الملائمة، فربما تمنع مصر إرسال الْكِسْوَة في هذه السنة أيضًا، ولكن مصر أرسلتها في موعدها، فحفظت الْكِسْوَة العراقية القيلانية في مستودع الحرم المكي الشريف.
وفي عام 1343هـ نشبت الحرب بين الشريف حسين وبين جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، فاستولى جلالة الملك عبدالعزيز على مَكَّة المُكرَّمَة فامتنعت الحكومة المصرية عن إرسال كِسْوَة الْكَعْبِة العائدة لعام 1343هـ فكساها جلالة الملك عبد العزيز ذلك العام (الْكِسْوَة العراقية القيلانية) المحفوظة في مستودع الحرم المَكِّي، ويُقال إنه كساها هذا العام 1343هـ كِسْوَة من صُنع الإحساء بنجد.
وفي 20 جمادى الآخرة عام 1344هـ انتهت الحرب وانضمت الحجاز إلى الدولة السعودية إلا أن الحكومة المصرية أرسلت الْكِسْوَة في شهر ذي الحجة باسم الملك فؤاد الأول، وكُسِيَتْ بها الْكَعْبِة المُشَرَّفَة.
وهذه الْكِسْوَة التي جاءت من الحكومة المصرية جاءت مع المحمل وصحبه جنود مصريون مسلحون وضباط وقائد وفرقة من الموسيقى، وهم كانوا يعرفون أن الملك عبد العزيز وأعوانه لا يرضون بهذا، ولكن الملك عبد العزيز لم يُرد أن يُحْدِثَ أزمة، ولذا سمح للقوة العسكرية أن تنـزل ووصل ركب المحمل المصري مع توابعه المعروفة من جدة إلى مَكَّة بكل ترحاب وإيناس ونزل في مكانه المُعتاد، وقد زاره جلالة الملك مع أولاده وبعض حاشيته في نُزُلِهِ، ولكنه تَوَجَّسَ منه الحيفة، وقد حدث ما توقعه الملك عبد العزيز بمِنَى ليلة التاسع من ذي الحجة، وهي ما سُمِّيَتْ بحادثة المَحْمَل.
وكانت العلاقات بين الحكومة المصرية والحكومة السعودية متوترة من الأول، ولم تعترف الحكومة المصرية بالحكومة السعودية بعدُ، فحدثت حادثة المحمل فزاد الطين بِلَّةً، وتوترت العلاقات بينهما توترًا شديدًا بحيث امتنعت مصر من إرسال الْكِسْوَة سنة 1345هـ. * * * |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الأول: في بيان مراحل الْكِسْوَة في العصور المختلفة الثلاثاء 06 أغسطس 2019, 9:27 pm | |
| الفصل الثاني عشر: في بيان كِسْوَة الْكَعْبِة الداخلية، وتاريخها ولونها تبين مما تقدم أنّ الْكِسْوَة الخارجية لها تاريخ قديم جدًا وقد قيل إنّ إسماعيل بن إبراهيم عليه وعلى نبينا السلام أوّل من كسا الْكَعْبِة واستمر ذلك من عهده إلى عهد الجاهلية قبل الإسلام ثم في عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين ثم العصر الأموي والعباسي والمملوكي والعثماني إلى يومنا هذا، والْكِسْوَة مظهر من مظاهر التعظيم لبيت الله الحرام.
وقد تقدم من حديث عروة بن الزبير الطويل وفيه: كذب (أي أخطأ) سعد، ولكن هذا يوم يُعَظِّم الله فيه الْكَعْبِة، ويوم تكسى فيه الْكَعْبِة، ولذلك نجد أن كل من تعرض من المؤرخين لتاريخ الْكَعْبِة الْمُعَظَّمَة تعرض لذكر الْكِسْوَة الخارجية بينما لا نجد أي ذكر للكِسْوَة الداخلية لا في العصر الجاهلي ولا في صدر الإسلام ولا في عصور الخلفاء الراشدين والأمويين، وأوّل إشاره تشير إلى وجودها نجدها في العصر العباسي، وبالتحديد في عصر ابن جبير صاحب الرحلة (سنة 579) حيث ذكر في كتابه فقال: وسقف البيت مجلل بكساء من الحرير الملون، وظاهر الْكَعْبِة كلها من الأربعة الجوانب مكسو بستور من الحرير الأخضر.. ولم نعلم بداية وجود الْكِسْوَة الداخلية بالتحديد.
ولو تتبعنا تاريخ الْكِسْوَة الداخلية من أول ما عرفنا وجودها إلى يومنا هذا نجد أنها كانت تُغَيَّرُ على فترات متباعدة ويبدو أن السبب في ذلك أن الْكِسْوَة الداخلية وضعها غير وضع الْكِسْوَة الخارجية التي تكون كل سَنَةٍ وأحيانًا مرتين أو ثلاث مرات في السنة الواحدة.
يقول الدكتور محمد الخزيم: ولعل هذا يرجع إلى أنّ الْكِسْوَة الداخلية محفوظة داخل الْكَعْبِة، لا تتعرض لعوامل التعرية، فلا يصل إليها الغبار أو التراب ولا المطر ولا الشمس، فهي لا تبلى إلاّ بعد مرور زمن طويل عليها، ومن ثم فلا تُكْسَى الْكَعْبِة من داخلها إلاّ على فترات مُتباعدة جدًا، وبمناسبة تَوَلِّى ملك أو سلطان عرش دولته.
وقد ذكر الفاسي وابن إياس إشارات إلى هذه الْكِسْوَة الداخلية في فترات في كتابيهما، وقد رَتَّبَ الدكتور الدقن كلامهما في كتابه بأسلوب مفهوم.
ولذا فأنا أنقل ما يلي من كتابه بنصه مع ذكر المصادر الأصلية أيضًا فيقول: نجد إشارة إلى تلك الْكِسْوَة الداخلية التي كساها الملك المظفر صاحب اليمن سنة (659هـ) أي بعد سقوط الدولة العَبّاسيّة، والتي ظلت داخل الْكَعْبِة أكثر من مائة سنة إلى أن كسا الْكَعْبِة من الداخل الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون سنة (761هـ)، وقد ظلت كِسْوَة الناصر حسن في داخل الْكَعْبِة إلى أن كان عهد السلطان الأشرف برسباي، فـأمر بإزالتها وكسا جوف الْكَعْبِة كِسْوَة حمراء جديدة سنة (826هـ)، بالإضافة إلى الْكِسْوَة الخارجية السوداء، وقد جاء الركب المصري يحمل الكسوتين إلى الْكَعْبِة المُشَرَّفَة تحت إمارة المقر الأشرف الزينبي عبد الباسط ناظر الجيوش المصرية.
وقال أيضًا: استمرت كِسْوَة الأشرف برسباي الداخلية إلى سنة 848هـ حيث أرسل سلطان العجم شاه روخ مرزا كِسْوَة داخلية للكعبة بعد أن استأذن السلطان الظاهر جقمق، فكسيت بها مع كِسْوَة الأشرف برسباي، وظلت الكسوتان في جوف الْكَعْبِة إلى أن أمر السلطان الظاهر جقمق بأن ينـزع هاتين الكسوتين من داخل الْكَعْبِة المُشَرَّفَة، وتكسى بكِسْوَة جديدة له، وكـان ذلك في رمـضان سنة (856هـ).
وقال القطب النهرواني: استمرت سلاطين مصر من بعده ترسل كِسْوَة الْكَعْبِة في كل عام، وكانوا يرسلون عند تجدد كل سلطان مع الْكِسْوَة السود (السودآء) التي تكسى من جانب البيت الشريف كِسْوَة لداخل البيت الشريف...
وذكر الدكتور الدقن: أن الملك الناصر "أبا سعيد خشقدم" الذي اعتلى عرش مصر في رمضان سنة (865هـ) كسا الْكَعْبِة كِسْوَة داخلية في أول ولايته كالمعتاد. وذكر ابن فهد في حوادث سنة (883هـ) وفي يوم الأربعاء حمل إلى المسجد الحرام كِسْوَة الْكَعْبِة الشريفة التي تكساها من داخلها، أرسل بها سلطان الحرمين ومصر والشام الملك الأشرف أبو النصر قايتباي فنُشِرت بالمسجد، ثم حملت إلى جوف الْكَعْبِة، وشرع في تعليقها في محلها...
يقول الدكتور الدقن تعليقًا على ماسبق: وكانت هذه آخر كِسْوَة داخلية للكعبة المشرفة عثرت عليها فيما قرأت من كتابات المؤرخين في العصر المملوكي.
ثم قال: أمّا في العصر العثماني فلم أجد فيما قرأت من كتابات المؤرخين مايفيد أنّ أحدًا قد كسا الْكَعْبِة من داخلها قبل سليمان المشرع، فقد أبلغ هذا السلطان بأن ريع القرى الموقوفة على كِسْوَة الْكَعْبِة منذ عهد الملك الصالح إسماعيل لم يعد يقوم بتكاليف كِسْوَة الْكَعْبِة كل عام، فاشترى سبع قرى أخرى بمصر، وضمها إلى الوقف السابق، وخصَّص جزءًا من فائض إيرادها لعمل كِسْوَة داخلية للكعبة المشرفة مرة كل خمسة عشر عامًا.
ثم استطرد قائلاً: والجدير بالذكر أنه على الرغم من الوقف الذي خصصه السلطان سليمان المشرع لعمل الْكِسْوَة الخارجية كل عام والْكِسْوَة الداخلية والكساوى الأخرى كل خمسة عشر عاما – على الرغم من ذلك فإن سلاطين آل عثمان قد اختصوا أنفسهم بإرسال كِسْوَة داخلية للكعبة وكِسْوَة للحجرة النبوية الشريفة كلما اعتلى سلطان جديد عرش الدولة العثمانية بالإضافة إلى التي ترسل من مصر كل خمسة عشر عامًا وقد عهد إلى مصر مهمة صناعة قماش تلك الْكِسْوَة السلطانية كلما تولى سلطان جديد عرش الدولة العثمانية.
وظلت مصر تقوم بصناعة قماش الكسوتين الداخلية والخارجية إلى عام 1118هـ، حيث أمر السلطان أحمد الثالث بن محمد الرابع بحياكة كِسْوَة الْكَعْبِة الداخلية التي ترسل من قبل السلطان عام توليته الملك في استانبول فصنعت فيها، وأرسلت في العام التالي إلى مَكَّة المكرمة عن طريق مصر، ومنذ ذلك الوقت اختصت استانبول بحياكة الْكِسْوَة الداخلية للكعبة، واستمر سلاطين آل عثمان في إرسالها على النحو المذكور إلى عهد السلطان عبدالعزيز بن السلطان محمود الثاني، حيث انقطعت الدولة العثمانية عن إرسال الْكِسْوَة الداخلية للكعبة المشرفة.
وبقيت الْكِسْوَة التي أرسلها السلطان عبد العزيز عند توليته عام 1277هـ حتى بسط الملك عبدالعزيز آل سعود سلطانه على الحجاز.
والمعروف أن جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله ضم مَكَّة إلى دولته في 17 /3 /1343هـ الموافق 15/ 10/ 1924م.
وفي عهده استمرت الْكَعْبِة مَكْسُوَّة بالْكِسْوَة القديمة الداخلية التي أرسلها السلطان عبد العزيز بن السلطان محمود الثاني عام 1277هـ إلى سنة 1355هـ وفي هذه السنة تم استبدال تلك الْكِسْوَة بكِسْوَة أخرى أرسلها سلطان البهرة بالهند فقد ذكرت جريدة أم القرى أنّه تم في الساعة الرابعة من يوم أمس الخميس بحضور حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم وسمو ولي عهده وسمو الأمير فيصل وبعض أمراء الأسرة المالكة تعليق كِسْوَة داخلية تامَّة للكعبة المُطهرة في احتفال مهيب، وقد علمنا أنّ الْكِسْوَة المذكوره وصلت هدية من قبل حضرة السيد طاهر سيف الدين إمام الإسماعيلية، والْكِسْوَة المذكورة من الحرير الخالص، ولونها أحمر، ومنقوش عليها باللون الأبيض الشهادتين وآيات قرآنية كثيرة.
وبعد هذه الْكِسْوَة الداخلية أمر جلالة الملك بصنع كِسْوَة جديدة (أي داخلية) وتم تركيبها عام 1363هـ.
وظلت هذه الْكِسْوَة حتى أمر الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله بصنع كِسْوَة داخلية جديدة بمصنع الْكِسْوَة بأم الجود بمَكَّة المكرمة، وتم تركيبها عام 1403هـ في عهد الملك فهد حفظه الله.
واستبدلت في عام 1408هـ بكِسْوَة أخرى جديدة صنعت أيضًا بمصنع كِسْوَة الْكَعْبِة المُشَرَّفَة بأم الجود وأخيرًا وبعد أن تم ترميم الْكَعْبِة الْمُعَظَّمَة ترميمًا شاملاً في عهد خادم الحرمين الشريفين استبدلت الْكِسْوَة القديمة بأخرى جديدة، وكان ذلك عام 1417هـ. * * * |
|
| |
| الباب الأول: في بيان مراحل الْكِسْوَة في العصور المختلفة | |
|