الفصل الثاني: ما يتعـلّق بالعاقِّ ووقت الذبح
المبحث الأول: مَنْ يتولّى العقيقة؟ (مَنْ يعق عن المولود؟)
اختلف الفقهاء فيمن يتولى العقيقة على عدة أقوال...
القول الأول:
يعق عن المولود أبوه ولا يلزم أحداً من الأقارب غير الأب وهذا قول الحنابلة والمالكية (220).
قال المرداوي:
(لا يعق غير الأب على الصحيح في المذهب ونص عليه أكثر الأصحاب) (221)، ويستدل لهم بما ورد في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه عليه الصلاة والسلام قال: (من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فليفعل) قالوا هذا يقتضي أن العقيقة في مال الأب عن ابنه ولذلك قال: (فأحب أن ينسك عنه ولده فليفعل) فأثبت ذلك في جهة الأب عن الابن (222).
ونقل عن الإمام أحمد أنها على الأب: (قال إسماعيل بن سعيد الشالنجي: سألت أحمد عن الرجل يخبره والده أنه لم يعق عنه هل يعق عن نفسه؟ قال: ذلك على الأب) (223).
واحتجوا أيضاً بأن الأب هو المأمور بها في الأحاديث كما في قوه عليه الصلاة والسلام: (فأهريقوا عنه دماً) (224).
القول الثاني:
إن المولود إن كان له مال فهي في ماله فإن لم يكن له مال وله أب فهي على الأب فإن لم يكن له أب وله أم فهي على الأم وبهذا قال ابن حزم (225).
القول الثالث:
يعق عن المولود من تلزمه نفقته من مال العاق لا من مال المولود، هذا ما قاله الإمام النووي وهو مذهب الشافعية (226).
وهذا القول من الشافعية اقتضاهم أن يؤولوا ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه عق عن الحسن والحسين بعدة تأويلات ذكرها النووي بقوله: (قال الأصحاب وهو متأول على أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر أباهما بذلك أو أعطاه ما عق به، أو أن أبويهما كانا عند ذلك معسرين فيكونان في نفقة جدهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) (227).
وقد رد الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس هذه التأويلات فقال:
1. إن القول بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أباهما بالعقيقة مجرد دعوى تحتاج إلى برهان واحتمال بعيد بل معارض بما رواه البيهقي ومالك وأبو داود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى فاطمة أن تعق عن الحسن بقوله: (لا تعقي).
2. والقول أن أباهما كانا معسرين فيكونان في نفقة جدهما رسول الله دعوى تحتاج إلى بينة، والبينة قائمة على خلاف ذلك، فالحديث المتقدم عن أبي رافع ينص على أن فاطمة رضي الله عنها كانت تريد أن تعق عن الحسن فأمرها الرسول -صلى الله عليه وسلم- ألا تعق عنه…
3. والقول بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أعطى أباهما ليعق عنهما قول لا بينة عليه والدلائل والأخبار المتقدمة تدل على خلاف ذلك (228).
القول الرابع:
يعق عن المولود غير الأب وغير من تلزمه نفقة المولود وبه قال الحافظ ابن حجر والشوكاني والصنعاني (229)، وحجة هـؤلاء ما ورد في حـديث سمرة (تذبح عنه يوم سابعه) قال الحافظ ابن حجر: (وقوله: (تُذبح) بالضم على البناء للمجهول فيه أنه لا يتعيَّن للذابح) (230).
وقال الشوكاني:
(قوله: (يذبح عنه يوم سابعه) وفيه دليل على أنه يصح أن يتولى ذلك الأجنبي كما يصح أن يتولاه القريب عن قريبه) (231)، ويؤيد ذلك أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد عق عن الحسن والحسين.
مناقشة وترجيح:
إن الأمر متسع فيمن يتولى العقيقة وأولى الناس بالعق هو الأب أو من تلزمه نفقة المولود.
ولو رغب أحد الأقارب في تولي العقيقة فلا بأس في ذلك، فإذا عق الجد و الأخ أو العم أو الخال وإن لم تكن النفقة واجبة عليهم فيكون بعمله ذلك قد أصاب السُّنَّة إن شاء الله.