منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة النساء الآيات من 171-176

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 171-176 Empty
مُساهمةموضوع: سورة النساء الآيات من 171-176   سورة النساء الآيات من 171-176 Emptyالثلاثاء 11 يونيو 2019, 11:54 pm

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا [١٧١]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

يبدأ الحق بأمر موجه لأهل الكتاب: {لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ} والغلو هو الخروج عن حد الاعتدال في الحكم، لأن كل شيء له وسط وله طرفان، وعندما يمسك شخص طرفاً نطلب منه ألا يكون هناك إفراط أو تفريط.

وقد وقع أهل الكتاب في هذا المأزق، فلم يأخذوا الأمر بالاعتدال دون إفراط أو تفريط، لقد كفر اليهود بعيسى واتهموا مريم بالزنا، وهذا غلو في الكُرْه، وغالى النصارى في الحب لعيسى فقالوا: إنه إله أو ابن إله أو ثالث ثلاثة؛ وهذا غلو، ويطلب الحق منهم أن يقفوا من أمر الدين موقف الاعتدال: {لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ}.

إن أمر المنهج لا يحتاج إلى غلو، ولذلك جاء محمد -صلى الله عليه وسلم- من عند الله بالدين الوسط الذي يضع كل أمر في نصابه.

وشرح لنا بإخبارات النبوة وإلهامها ما سوف يحدث للإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وقد حدث ما تنبأ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فالخوارج كفَّروا علياً، والمسرفون بالتشيع قالوا: إنه نبي، وبعضهم زاد في الإسراف فجعله إلهاً.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعليّ -كرَّم الله وجهه-: "إن فيك من عيسى مثلاً، أبغضته اليهود حتى بهتوا أُمَّهُ، وأحبته النصارى حتى أنزلوه المنزل الذي ليس له".

وكما قال سيدنا علي -كرَّم الله وجهه-: "ألا وإنه يهلك فيّ اثنان: مُحِبٌ يُقرظني بما ليس فيّ، ومُبغضٌ يحمله شنآني على أن يبهتني، ألا إني لست بنبيٍّ ولا يُوحى إليَّ، ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة الله فحق عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم".

وقد أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- عليّاً أن المحب الذي يغالي في حبه ليس مع عليّ وكذلك الكاره المبغض؛ فالذي يحب عليا بغلو جعل منه إلهاً أو رسولاً، والذي أبغض علياً جعله كافراً.

وكذلك النصارى من أهل الكتاب جاءوا إلى عيسى فأحبوه بغلو وجعلوه إلهاً أو ابن إله أو ثالث ثلاثة، فيقول لهم الحق: {لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ}.

وقوله الحق: {عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ} رد على غلو اليهود الذين رفضوا الإيمان بعيسى، وقالوا في عيسى وأمَّهُ البهتان العظيم.

وقوله الحق عن عيسى ابن مريم: {رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} رد على غلو النصارى الذين نصبوه إلهاً أو جعلوه ابناً لله أو ثالث ثلاثة، فعيسى عليه السلام هو ابن مريم وعندما بشرها به الحق وقالت: {أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [آل عمران: 47].

قالت ذلك بفطنة الصديقية التي جعلتها تنبه إلى أنها لم يمسسها بشر، ومادام الحق قد نسبه إليها فليس له أب، سيولد عيسى دون أن يمسسها بشر، ويوضح سبحانه ذلك عندما يقول: {إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ}.

فعيسى روح من الحق؛ لأنه سبحانه قال: {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا} [الأنبياء: 91].

وما معنى "كلمته"؟.

هذا القول يدل على أن الروح نفخت ثم جاءت كلمة "كن" التي قال عنها سبحانه: {إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 47].

لقد احتاج وجود عيسى إلى أمرين: "روح" و"كن".

والشُّبهة عند النصارى مَرَدُّهَا إلى أن عنصر الذكورة لم يلمس مريم؛ وقالوا: مادام الله قد قال: إن عيسى روح منه فهو جزء من الله، ونسوا أن كل شيء من الله، وسبحانه القائل: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ} [الجاثية: 13].

فهل هذا يعني أن "الأرض" قطعة من الله وكذلك الشمس؟.

لا.

فإذا كانت الشُّبهة قد جاءت من غياب عنصر الذكورة مع وجود عنصر الأنوثة لكان من الواجب منطقياً أن تكون الشُّبهة في آدم قبل أن تكون الشُّبهة في عيسى؛ لأن آدم جاء من غير ذكورة ولا أنوثة؛ فلا أب ولا أم له؛ لقد قال القرآن بمنتهى البساطة ومنتهى الوسع: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [آل عمران: 59].

ولا يملك أحد القيد على فضل الله ووسعه، ومسألة آدم كانت أدق، لكن الله بتفضله يساوي بين خلق عيسى وخلق آدم، وهذا هو التلطف في الجدل.

وأخبرنا سبحانه عن عيسى أنه جاء بأمر منه، وقال في آدم: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} [الحجر: 29].

إذن فآدم قد احتاج إلى الأمرين نفسيهما: "كن"، و"النفخ فيه من الروح"، وعندما ننظر إلى هذه المسألة نجد أننا لابد أن نتعرض لقضية خلق آدم، حتى نعرف كيف تسلسلت مسألة الخلق، سواء أكان الخلق ملائكة أم خلق آدم أم خلق حواء أم غيرهم من الخلق، كذلك خلق عيسى.

لقد كان خلق آدم غيباً عن آدم، وليس لآدم نفسه ولا لِمَنْ جاء بعده أن يتكلّم كيف خُلق؛ لأن هذه المسألة لا دخل لأحدٍ بها، ويقول لنا الخالق مُحَذِّراً من أن نستمع إلى قوم يقولون بغير ذلك عن الخلق فقال: {مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً} [الكهف: 51].

ولا يمكن -إذن- أن نستمع إلى هؤلاء الذين افترضوا أن أصل الإنسان قرد أو غير ذلك؛ لأن الذي يتكلم عن الخلق بغير علم من عند الله، فهو يتكلم في أمر لم يشهده.

والخلق الأول أمر لا يمكن أن يدخل المعمل التجريبي؛ لأن المعمل التجريبي إنما يحلل مواد موجودة بالفعل.

إذن فالحكم على أمور بغَير ما أخبرنا بها الله أمر باطل.

ولم يكن هناك أحد مع الله ساعة خلق الخلق ليقول لنا كيف تم ذلك.

وعَلِمْنا هذه المسائل بإخبار الخالق لنا فهو الأعلم بنا، والخالق أخبرنا أنه خلقنا من ماء وتراب وطين وحمأ مسنون وصلصال كالفخار، وحدثنا بذلك في آيات متعددة.

والذين يريدون أن يُكَذِّبُوا القرآن يقولون: إن القرآن لم يأت بخبر واحد عن خلق الخلق، فمرة يقول إن الخلق كان من ماء ومرة كان من تراب، ومرة كان من طين، ومرة كان من صلصال.

ونقول: أحين يتكلم الحق عن مراحل الخلق فهل في هذا تضاد؟.

أصل الخلق ماء، خلطه الحق بتراب، وبعد وضع الماء على التراب صار الإثنان طيناً، ثم إذا تركنا الطين إلى أن يختمر، يصير حمأ مسنوناً، وبعد ذلك يصير صلصالاً، ومن بعد ذلك خلق منه الحق آدم.

إذن فكل شيء تكلم عنه سبحانه في خلق آدم إنما يتفق مع كل الآيات التي جاءت عن هذا الخلق.

وهو القائل عن آدم: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} [الحجر: 29].

وبعد صنع الله القالب الذي يشبه التمثال الذي نراه، ولكن تنقصه الحركة والحياة، فيأتي النفخ في الروح بكلمة "كن".

إذن نحن نحتاج إلى روح وإلى كلمة.

والروح عنصر وجودي.

وعندما تختلط بالقالب تحدث الحياة، ولابد من بعد ذلك من الإرادة بكلمة "كن".

ولذلك نجد الإنسان قد يصنع نفس خلطة الإنسان الكيماوية لكنها لا تصير إنساناً؛ لأن الأمر ينقص الإذْن بميلاد الإنسان.

وساعة يتكلم الحق عن خلق آدم وهو أمر لم نشهده، فذلك من رحمته بنا، ويترك لنا سبحانه في الكون دليلاً على صدقه عن خلق آدم، فإذا كنا لم نشهد خلق الحياة فنحن نشهد نقيض الحياة وهو الموت، الذي يحدث فيه أولاً خروج الروح، ومن بعد ذلك ينتفخ الجسم كأنه الحمأ المسنون، ثم يتبخر الماء، وبعد ذلك يتحلل إلى تراب.

هذه هي مراحل الموت التي تبدأ من خروج الروح ويتصلب الجسم إلى أن يَرِم ثم يتبخر الماء، وتبقى العناصر في الأرض.

وإذا كنا لم نعرف كيف بدأت الحياة، فنحن نعرف كيف انتهت الحياة أمامنا بالأمر المشهدي، وجعل سبحانه أمر انتهاء الحياة أمامنا دليلاً على صدقة في إخبارنا بالحياة وكيف بدأت؛ لأن نقض الحياة يكون بالموت، ونقض أي شيء إنما يتم على عكس طريقة بنائه.

وآخر أمر دخل في الإنسان هو الروح، ولذلك فهي أول ما يخرج من الإنسان عند الموت.

وبعد ذلك يتصلب الجسم، وبعد ذلك يصير رمة وهي الحمأ المسنون.

وبعد ذلك يتبخر الماء ويبقى أخيراً التراب.

وقد حللوا الإنسان حديثاً.

فوجدوا فيه عناصر كثيرة، ثم حللوا طينة الأرض الخصبة التي يخرج منها الزرع الذي يقتات منه الإنسان، فوجدوا هذه الطينة مكونة من هذه العناصر.

ومن العجيب أن العناصر المكونة للإنسان هي نفسها المكونة لطين التربة الخصبة، مما يدل على تأكيد الصدق في أن الله خلقنا من طين، وجعل استبقاء حياتنا مما يخرج من هذا الطين بعناصره المختلفة، حتى يمد كل عنصر من الطين كل عنصر من الوجود الإنساني.

ولما قاموا بتحليل الإنسان مقارناً بتحليل التربة وجدوا أن أضخم عنصر في تكوين الإنسان هو الأوكسجين ونسبته على ما أذكر سبع وستون بالمائة، وبعده عنصر الكربون، ونسبته على ما أذكر تسع عشرة بالمائة، إلى أن تنتهي العناصر المكونة للإنسان والتربة إلى المنجنيز ونسبته تقل عن واحدة بالمائة، وأهم هذه العناصر هو: الأوكسجين، الكربون، الهيدروجين، النتروجين، الكلور، الكبريت، الكالسيوم، والفوسفور، والبوتاسيوم، الصوديوم، الحديد، اليود، والسيلوز، والمنجنيز.

هذه هي أهم وأكثر العناصر المكونة لتركيب الإنسان وهي العناصر نفسها الموجودة في تركيبة الطين وبعضها عناصر مكونة للمركبات العضوية وبعضها عناصر غير عضوية وبعضها عناصر وظائفها ثابتة ومعروفة، ويسأل أهل الذكر في تفاصيل ذلك.

وبطبيعة الحال فالذين قاموا بتحليل التربة وعناصر الإنسان لم يكونوا علماء دين، ولم يكن في بالهم إقامة الدليل على صدق الله في القرآن، ذلك أن بعضهم يجهل مسألة القرآن كلها، ولكن الحق سبحانه وتعالى أجرى على لسان رسوله حديثاً يشرح لنا حقيقة إثبات صحة كل ما فيه ولو جاء على لسان رجل فاجر، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر).

فسبحانه -إذن- أراد أن ينصر الدين بالكافرين، وجعل بعضاً منهم يصلون إلى أشياء لو أنهم علموا أنها ستخدم قضايا الهدى لما أعلنوها.

ومن حكمة الله أن جعل الكافرين غير قادرين على إغفال نُصرة الدين، وجعل سبحانه بعضاً منهم يخدمون الدين على رغم أنوفهم.

ونريد أن نأخذ من هذه المسألة فهماً عميقاً، يتَّسم باللطف والسَّماحة، فإذا كان الله قد خلق الإنسان الأول من طين، وهناك آية أخرى قال عنها الحق: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} [الحجر: 29].

وآية ثالثة قال فيها سبحانه: {كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 47].

إذن فخلق آدم احتاج إلى أمرين: النفخ من روح الحق، والأمر "كن"، وهما الأمران أنفسهما في مسألة خلق عيسى، روح من الحق، وكلمته التي ألقاها إلى مريم، وهذه دليل صدق لقوله الحق: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ} [آل عمران: 59].

والحق قد قص لنا أنه خلق آدم من طين وصنع القالب وسواه بيديه: {قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ * قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [ص: 75-76].

فإذا كان الهيكل الذي خلقه الله ونفخ فيه الروح، ودَبَّتْ فيه الحياة ثم تناسل النَّسل من آدم إلى أن تقوم السَّاعة، فهل مجيء عيسى على الصورة التي جاء بها يكون أمراً عسيراً على الله؟.

لا.

وساعة أنجب آدم أول ذرية له؛ ألم يخرج لحظتها حيوان منوي من آدم إلى البويضة في رحم حواء؛ وأراد به الله ميلاد أول نسل من آدم وهو جزء من آدم، وهذا الحيوان المنوي له مادة وله حياة، ومادته معروفة، وحياة هذا الحيوان المنوي هي التي تسمح له بالحركة لتلقيح البويضة، هذه المادة مخلوقة من آدم، والحياة التي فيه من روح آدم، وآدم نفسه خلقه الله بيديه، وهذا إثبات أن الحيوان المنوي هو جزء مما خلقه الله بيديه وهو آدم، وفي الحيوان المنوي حياة مما نفخه الله من روحه، وانتقل إلى رحم حواء وأخصب البويضة وولدته حواء، واستمر ميلاد حيوانات منوية حية تخصب بويضات حية ليستمر الخصب والنسل والأحفاد.

إننا إذا سلسلنا نسل آدم إلى أن تقوم الساعة، فكل ذرة من ذرات من يوجد آخر الدنيا مكونة من شيء به خلق من خلق الله في القالب، وفيه شيء من نفخ الله في الروح؛ ولم يطرأ عليه موت أبداً؛ فلو طرأ عليه موت أو فناء لما صلح أن ينجب مثله.

وهكذا نعلم أن كل واحد فينا به جزء من القالب الذي صنعه الله بيديه، وفيه جزء من نفخ الروح.

وأكرر المثل الذي أضربُهُ دائماً ليستقر في أذهان الناشئة؛ لو جئنا بسنتيمتر مكعب من سائل ملون مركز، وأضفناه إلى لتر من الماء، ثم أخذنا قطرة من لتر الماء سنجد بها جزءا ضئيلاً من السنتيمتر المكعب الملون.

وإذا أخذنا هذه القطرة وأضفناها إلى برميل من المياه فيصير في البرميل جزء من السنتيمتر المكعب الملون.

وإذا أخذنا من البرميل قطرة من المياه، وأضفناها إلى البحر فإن جزءاً من السنتيمتر الملون يصير بالبحر.

إذن فكل نسل آدم -إلى أن تقوم الساعة- فيه جُزَيْء من آدم عليه السلام ونلحظ أن كثيراً من المفكرين والمثقفين في الغرب صاروا يبتعدون عن فكرة بنوة عيسى لله.

وعندما يدخلون في نقاش حول هذه المسألة يقولون: إنها بنوة حب.

وإذا كانت المسألة بنوة حب، فالله يحب جميع عباده ونصير نحن مثل المسيح ويصير المسيح مثلنا.

فالخلق كلهم عيال الله، والحديث القدسي يقول: (الناس كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم بعياله).

ولو أخذنا هذا القول بالدقة التجريبية المعملية نجد أن هذا القول صدق وحق؛ لأننا جميعاً قد صدرنا عن قدرة الله وإرادته وكل منا فيه شيء من صنع الله منذ بداية خلق آدم، إذن هو بشر مثلنا ويتميز عنا بأن السماء اختارته رسولاً.

أما القول بالثالوث.

فبعضهم يقول: نقصد بالثالوث ثالوث الصفات.

وهل ثالوث الصفات تأتي فيه إضافيات؟.

كالقول "بالأب والابن والروح القدس"؟

لن يوجد أب إلا إذا وُجد ابن، ولن يوجد ابن إلا إذا وجد أب.

إننا نعلم أن هناك حقائق ثابتة وهناك حقائق إضافية؛ فالإنسان يكون ابناً وأباً، فهو ابن بالنسبة لوالده، وهو أب بالنسبة لابنه، وكل هذه صفات إضافية، وصفات الحق يُفترض فيها أنها تجتمع لا أن تكون إضافية، وعندما يُقال: "الأب والابن والروح القدس" فهذا القول لا يحمل صفات إلهية، بل صفات إضافية، وحاول بعضهم أن يقول: "إن فاتحة الكتاب يوجد فيها التثليث؛ لأنكم تقولون بسم الله الرحمن الرحيم، أنتم تفتتحون القرآن بثلاث صفات هي الله والرحمن والرحيم" وقلت لهم: نحن نقول: "بسم الله الرحمن الرحيم" ولا نقول "بسم الله والرحمن والرحيم".

 وما الذي يجعل الحق يُنجب ابناً منذ أكثر من ألف وتسعمائة سنة؟.

ثم يترك سبحانه الأزمان السابقة على ميلاد المسيح محرومة من ميلاد ابن له؟.

لماذا يترك الله الأزمان كلها بدون ابن لله، ويختص البشرية بابن له منذ حوالي عشرين قرناً فقط؟.

ثم ما المدة الزمنية التي شرَّفها الله بابنه بأن أوجده فيها؟

أتكفي ثلاثة وثلاثون عاماً فقط -وهي عمر المسيح- لتشريف البشرية بوجود ابن الله؟.

ولماذا يحرم الله -إذن- بقية الأزمان من بدء الخليقة إلى يوم القيامة من هذا الشرف؟.

ونسأل أيضاً لماذا يريد أي كائن إنجاب ابن؟.

إنه يرغب ذلك ليضمن استبقاء الحياة؛ لأن الإنسان يعرف أنه سيموت، والحق سبحانه وتعالى هو الذي خلق الموت والحياة وهو الباقي أبداً، وليس في حاجة لاستبقاء حياته في أحد من البشر.

ويؤكد لنا ذلك في سورة الإخلاص.

{قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص: 1-4].

وهم يقولون: "إله واحد"، ومرة أخرى يقولون: "إله أحد".

وواحد لا تساوي "أحد" والدارسون للغة والمنطق يعرفون أن هناك شيئاً اسمه "الكل" وشيئاً اسمه "الجزء" وشيئاً اسمه "الكلي" وشيئاً اسمه "الجزئي".

"فالكلي" يُطلق على ما له أفراد مثل الإنسان: كخالد ومحمد وعليّ، و"الكل" يُطلق على ما له أجزاء، مثال ذلك الكرسي نجده مكوناً من أشياء؛ كالخشب والغراء والمسامير وغير ذلك من مواد.

فالكُرسي -إذن- "كُلٌّ" لأنه مصنوع من مواد كثيرة.

وحقيقة الخشب تختلف عن حقيقة المسمار؛ لذلك فالكرسي "كُلٌّ" لأنه مكون من أشياء كثيرة مختلفة الحقائق.

ولا يصح أن نطلق على أي شيء من مكونات الكرسي اسم "كُل".

فلا نقول: "المسمار كرسي" أو "الخشب كرسي"؛ لأن الكرسي يُطلق على مجموع الخشب والمسامير والغراء والطلاء في شكل وترتيب معين.

ومثالٌ آخر، كلمة: "إنسان" وهي كلمة تُطلق على كثيرين، ولأن الحقائق متفقة نطلق على الإنسان كلمة "كُلّي".

ويصح أن نطلق على أي كائن يتمتع بالصفات المتفق عليها للإنسان لقب إنسان، فنقول محمد إنسان وزيد إنسان، وعليٌّ إنسان.

"فالكل" له أجزاء، وللـ "كلي" جزئيات، ويكون الكل شيئاً واحداً ولكنه ذو أجزاء، فقد يكون عندنا كرسي واحد.

ولكن لهذا الكرسي أجزاء.

وهل نقول على الحق سبحانه وتعالى: انه "كل" أو "كلي"؟.

لا نقول على اسم الحق "كل" أو "كلي"؛ لأنه اسم لا يُطلق على كثيرين فليس كُليَّاً لأنه واحدٌ، وليس له أجزاء؛ لأنه أحَدٌ، وليس له أفراد لأنه واحدٌ.

فلا يُقال لله سبحانه وتعالى "كل" أو "جزء" أو "كلي" أو "جزئي"، فلو كان كُلٍّياً لكان -كما قلنا- له أفراد ولو كان "كُلاًّ" لكان له أجزاء، ولكن الله واحد لا أفراد له، وأحد لا أجزاء له.

ولذلك يَرُدُّ القرآن على أي قائل بغير هذا، فيقول: {قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1].

ويقول أيضاً: {وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ} [البقرة: 163].

وقد قلت كل ذلك لنفهم قوله الحق: {يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ ٱنتَهُواْ خَيْراً} [النساء: 171].

وقوله الحق: "انتهوا" أي اقضوا على كلمات الباطل، و"خيراً لكم" أي تمسكوا بكلمات الحق، وفي قوله: {ٱنتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ} تخلية وإبعاد لكلمات الباطل، نأخذ ذلك من قوله: (انتهوا) وتحلية لكلمات الحق ونأخذها من قوله -سبحانه-: {خَيْراً لَّكُمْ}.

ويقول الحق: {إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ} أي أنه سبحانه لا أفراد له، ويضيف: {سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ}، وساعة نسمع كلمة "سبحانه" فلنفهم أنها تنزيه للذات الخالقة.

ولذلك نجد كلمة "سبحانه" تأتي في الأمور العجيبة التي يقف فيها العقل، وعلى الرغم من وجود كفار في هذا الوجود، وعلى الرغم من وجود مجترئين على الله في هذا العالم، وعلى الرغم من وجود من ينعتون البشر بألفاظ الألوهية، إلا أن إنساناً واحداً لم يجترئ على أن يقول لمخلوق كلمة: "سبحانك"، ولذلك نقول لله عز وجل "سبحانك أيضاً في سبحانك".

كذلك لم نجد أحداً من أي ملة أو عقيدة أو دين قد سمى نفسه باسم "الله"، وهو سبحانه يتحدى به حتى الكفرة والملاحدة أن يسمى هذا الاسم لمسمى أي مسمى.

وبالله هل يوجد واحد من المتبجحين الكافرين يسمي ابناً له "الله"؟.

حتى هذه لم توجد؛ لأن هذا الكافر غير واثق أنه على حق.

ومن الجائز أن يفعل ذلك فتحدث له كارثة.

ولو كان هناك كافر واحد مؤمن بما يقول بأنه لا إله لهذا الكون لسمّى ابناً له "الله".

لكن أحداً لا يجترئ على هذه: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم: 65] وكان هذا التحدي موجوداً من قبل أن تنزل هذه الآية.

فماذا عن الذي جاء بعدها بزمن؟

وهل اجترأ أحد على أن يسمي ابناً له "الله"؟

لم يجترئ أحد على هذه أيضاً على الرغم من أنهم يسمون بكل شيء؛ وكان عندنا في القرية واحد أطلق على ابنته اسماً طويلاً عجيباً.

لقد سمّاها "ورد انتشي في دندشة روح الفؤاد والملك وفا" وهو حرّ في ذلك، لكن لم يجرؤ أحد على الإطلاق أن يسمي ابنه "الله"، وهذا دليل على أن الملاحدة والكفار على باطل.

ويخاف أي منهم أن يجترئ على هذه المسألة، ويتحدى الحق بسبحانك ويتحدى بالذات "الله"، ولذلك فليقل كل واحد "سبحانك" وهو مطمئن، "ولا تقال إلا لك"، واستقرئوا وتتبعوا المدائح التي قيلت للناس جميعاً، أقال واحد من البشر لواحد من البشر "سبحانك"؟

ما قالها أحد قط.

وهكذا يتحكم الله في أمر للإنسان اختيار فيه، ولا يجرؤ إنسان على إطلاق هذه الأسماء على أحد من البشر.

{إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ} و"الولد" كما نعلم يكون مما في السماوات أو مما في الأرض؛ فكيف يكون له وملكه، وهو ابنه؟

إن هذا الادعاء لا يستقيم أبداً، ولذلك يذيل الحق الآية: {وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً}.

ويقول الحق بعد ذلك: {لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ...}.



سورة النساء الآيات من 171-176 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 171-176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 171-176   سورة النساء الآيات من 171-176 Emptyالثلاثاء 11 يونيو 2019, 11:55 pm

لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا [١٧٢]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

مصدر الشرف للإنسان أن يحس ويشعر بتجلي الله عليه بعبوديته له، وسبحانه عندما أراد أن يتجلى على نبينا الخاتم -صلى الله عليه وسلم- ويسري به إلى المسجد الأقصى؛ قال: {سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1].

ولم يقل: "سبحان الذي أسرى برسوله" ولكنه قال: {سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ}؛ لأن "العبودية" عطاء علوي من الله، فكأن سيدنا محمداً -صلى الله عليه وسلم- عندما تناهى في العبودية لله نال تناهي الخير، فمن إذن يستنكف أن يكون عبداً لله؟

لا يستنكف المسيح ذلك، وكذلك الملائكة لا تستنكف أن تكون عبيداً لله.

{وَلاَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ} ويسمون ذلك ارتقاء في النفي، مثلما يقول فلاح: لا يستطيع شيخ الخفر أن يقف أمامي ولا العمدة.

إذن فالملائكة في الخلق أحسن من البشر.

 ولذلك قال الحق: {لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ وَلاَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ} وقال بعض العلماء: إن خواص البشر أفضل من خواص الملائكة، وعوام الملائكة أفضل من عوام البشر والأصل في اللغات أن توضع الألفاظ أولاً لمحسّات، ثم تنتقل من المحسّات إلى المعنويات؛ لأن إلف الإنسان في أول تكوين المدركات له إنما يكون بالحسّ، كما قال الحق: {وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].

إذن مادام سبحانه قد قال: {لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً} فالذي يأتي من بعدها إنما يأتي كوسيلة للعلم، وهي حواس السمع والإبصار والقدرة على تكوين الخبرة.

ومثال ذلك عندما ندرس في الفقه موضوع الغصب.

والغصب هو أن يأخذ أحد حق غيره قهراً وعلانية، وهو غير السرقة التي يأخذها السارق خفية.

وغير الخطف؛ لأن الخطف هو أن تمتد يد لتشد شيئاً من أمام صاحبه ويجري الخاطف بعيداً، أما الغصب فهو الأخذ عنوة.

 وكلها -الغصب، والسرقة، والخطف- هي أخذ لغير الحق، والغصب مأخوذ من أمر حسيّ هو سلخ الجلد عن الشاة.

وسُمِّيَ أخذ الحق من صاحبه غصباً، كأنه أخذ للجلد.

ونُقل المعنى من المُحسّات إلى المعنويات.

 وفي الآية التي نحن بصددها يقول الحق: {لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ وَلاَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ}.

و"يستنكف" مثلها مثل "يستفهم"، ومثل "يستخرج".

إذن فهناك مادة اسمها "نكف"، و"النَّكْف" عملية حسّية تتمثل في أن يزيل الإنسان دمعة العين بأصبعه.

ولنفرض أن إنساناً يعلم أن له كرامة في البيت وجاء له ظرف نفسي جعله يبكي، فدخل عليه ابنه أو زوجته، فهو يحاول إزالة الدمع بأصبعه.

"واستنكف" معناها أزال "النَّكْف".

والنكف معناه أن يزيل الدمع بأصبعه.

وإزالة الدمع بالأصبع تعني أن صاحب الدمع يستكبر أن يراه أحَدٌ باكياً لأنه مقهور على أمر قد كان، وهذه العملية لا تحدثُ إلا عندما يريد الإنسان أن يستر بكاءه عن أحد.

وانتقلت هذه الكلمة من المعنى الحسيّ إلى أي مجال فيه استعلاء، مثلما يستنكف إنسان أن يسير في طريق إنسان آخر، أو أن يجلس مع آخر، أو يجلس في مقعد أقل من مقعد آخر.

ويشرح ذلك المعنى الدارج بأن المسيح لا يجد غضاضة أن كان عبداً لله، ولا يستكبر على ذلك بل هو يُشَرَّفُ به.

والملائكة المُقرَّبُون أيضاً تتشرَّف بهذا الأمر، والملائكة المُقربون هم الذين لا يعلمون شيئاً عن هذا العالم وليس لهم عملٌ إلا التسبيح لله؛ لأنهم عرفوا العبودية لله.

وهي عبودية ليست لِمَنْ يَسْتَذِل، لكنها لِمَنْ يُعزّ، وليست عبودية للذي يأخذ ولكنها للذي يعطي.

والذي يستنكف من ذلك لا يعرف قيمة العبودية لله؛ لذلك لا يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله، ولا الملائكة المقربون.

ويضيف الحق: {وَمَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً} المستنكفون؛ أو الذين على طريقة الاستنكاف، ومن يشجعهم على ذلك، كل هؤلاء يصيرون إلى جهنم.

ويقول الحق بعد ذلك: {فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ...}.



سورة النساء الآيات من 171-176 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 171-176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 171-176   سورة النساء الآيات من 171-176 Emptyالثلاثاء 11 يونيو 2019, 11:56 pm

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا [١٧٣]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

لماذا لم يأت الله بشرط الآية الثاني الذي يتحدث عن المستنكفين والمستكبرين مقدماً على شطر الآية الأول؟.

ولماذا لم يواصل الحديث عن الذين استنكفوا واستكبروا ليستكمل ما جاء بشأنهم في الآية السابقة ويبينْ كيف أن مصيرهم إلى العذاب حيث لا يجدون من دون الله ولياً ولا نصيراً، ثم بعد ذلك يحدثنا عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات؟.

ذلك أن الحق ساعة يتكلم عن جماعة خرجت عن المنهج فهو لا يمنحهم ثواب هؤلاء الذين لم يخرجوا عن المنهج، فيأتي أوّلاً بثواب الطائعين ليستشرف إليه الخارجون عن طاعة الله، ثم يحرمهم من هذا الثواب لتكون حسرة الخارجين عن المنهج أشد.

"والضد يظهر حسنه الضد".

لقد قال الحق: {فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ} ونعلم أن الأجر على العمل.

لماذا الفضل إذن؟.

لقد عرفنا من قبل أن العمل جاء فيه حديث شريف: لن يُدخل أحداً عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: لا، ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة، فسدِّدُوا وقاربوا ولا يتمنَّيَنَّ أحدكم الموت، إما مُحسناً فلعله أن يزداد خيراً، وإما مُسيئاً فلعله أن يستعتب).

والحق قد قال: {قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} [يونس: 58].

وفطن الناس إلى ذلك فقالوا: "اللهم بالفضل لا بالعدل"؛ لأن الفضل هو الذي يعطينا المنازل المتميزة، وقد يضيعنا العدل.

ويقول الحق مرة أخرى عن هؤلاء الذين استنكفوا واستكبروا: {فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْتَنكَفُواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} أي أنهم لن يجدوا مَنْ يشفع لهم عند الله، ولا مَنْ ينصرهم ولا أحَدٌ بقادر أن يَرُدَّ عنهم العذاب.

وبعد ذلك يقول الحق: {يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ...}.



سورة النساء الآيات من 171-176 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 171-176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 171-176   سورة النساء الآيات من 171-176 Emptyالثلاثاء 11 يونيو 2019, 11:57 pm

يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا [١٧٤]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والبرهان هو الإعجاز الدال على صدق المبلغ الأخير عن الله، وهو الحجة الدامغة.

وقد يقول قائل: ما هو البرهان وما هو النور؟.

ونعلم أن كل رسول يأتي بمعجزة تثبت صدق بلاغه عن ربه قد تكون المعجزة بعيدة عن المنهج، ثم يعطيهم الرسول المنهج ببلاغ من الله؛ مثال ذلك أن معجزة سيدنا موسى كانت العصا لكن منهجه هو التوراة.

إذن فالمعجزة هي البرهان على صدق الرسول فيما بلغ عن ربه، وقد لا يكون للمعجزة صلة بالمنهج، فعيسى عليه السلام كانت معجزته إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله ومنهجه الإنجيل.

 أما رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو النبي الخاتم فقد تجلّت معجزته في أنها عين منهجه، إنّها القرآن ولم تنفصل المُعجزة عن المنهج؛ لأنه رسول عام إلى الناس كافة وإلى أن تقوم الساعة.

هذا هو البرهان.

أما "النور" فقد جاء أيضاً من أمر حسيّ؛ لأن النور يمنع الإنسان من أن يتعثر في مشيته أو أن يخطئ الطريق أو أن يصطدم بالأشياء فيؤذيها أو تؤذيه.

إذن النور الموجود في القرآن هو حقائق القيم، أما نور الله في الماديات فهو أمر معروف للكافة.

 ومن بعد ذلك يقول الحق: {فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ...}.



سورة النساء الآيات من 171-176 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 171-176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 171-176   سورة النساء الآيات من 171-176 Emptyالثلاثاء 11 يونيو 2019, 11:58 pm

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [١٧٥]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

لقد آمنوا بالله واعتصموا به، ما معنى الاعتصام؟.

قديماً كان الرجل عندما يقع في هوة يصرخ ليحذبه إنسان خارج الهوة بيده، وهذا هو الأصل في الاعتصام، أي يستمسك الإنسان بمن ينقذه من هاوية أو كارثة، والحق يعطي الأسباب، فإذا جاءت الشمس وسار فيها إنسان فقد أعطاه الله الشجرة ليستظل بها.

وإذا ما نزل المطر فيمكن أن نستتر منه بمظلة، وإذا عطش إنسان فالله يعطيه سبباً ليأخذ كوب ماء، والعاقل هو الذي يذكر عند كل سبب من أوجد السبب.

فإيَّاك أيها المؤمن أن تغتَّر بالأسباب؛ لأن عدم الاغترار بالأسباب يحمي الإنسان.

فعندما تأتيه أمور في ظاهرها شر، فمادام مجريها عليك هو الله فهي خير بالتأكيد، لكنك لا تعلم.

وما أضل علم الإنسان في كثير من المسائل؛ فالإنسان قد يحسب أمرا أنّه هو الحسن، فيظهر له بعد حين أنه السوء، وقد يعتبر إنسان أمرا هو السيئ، فيظهر له بعد حين أنه الحسن، ولا يوجد واحد منا إلا وفي حياته أشياء كان يظنها خيرا؛ فإذا بها شر، أو كان يظنها شراً فإذا بها خير.

والشر هو ما يأتيه الإنسان لنفسه بعمله، أما الأمور التي تقع على الإنسان فحكمتها تمشي على مقتضى علم الله لا على مقتضى هوى البشر.

 إننا نجد من يقول: إنني أدعو الله بكذا ولا يستجيب لي.

ونقول: إنك تدعو بأشياء تظنها الخير لك؛ لكن الله يعلم أن هذه الأشياء ليست هي الخير؛ لذلك لا يعطيها لك، فإن كنت مؤمناً بالله ومعتصماً به فأنت تهمس لنفسك: أَلِيَ في هذا الأمر مدخل أم لا مدخل لي فيه؟.

فإذا كان لك فيه مدخل فاللوم على نفسك.

وإن كان الله قد أجراه عليك فهو خير لك ولله حكمة في ذلك.

وحَظِّي من الدنيا سواء لأنني رضيت بحكم الله في العسر واليسر فإن أقبلت كان الجزاء على النجا وإن أدبرت كان الجزاء على الصبر.

{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا}.

وماداموا قد آمنوا بالله واعتصموا بالله واعتصموا به فسيهديهم صراطه المستقيم، وعاقبة الهداية وثمرتها فسرها وبيّنها قوله الحق: {وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ} [محمد: 17].

وقال لنا الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ عَمِلَ بما عَلِمَ ورَّثَهُ اللهُ عِلْمَ ما لم يَعْلَمْ).

أي يصير مأموناً على العلم؛ لأن العلم الذي أخذه عن الله وظَّفه في خدمة غيره، ولم يدخره أو يعطله.

ويختتم الحق سبحانه وتعالى سورة النساء بقوله: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ...}.



سورة النساء الآيات من 171-176 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 171-176 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 171-176   سورة النساء الآيات من 171-176 Emptyالثلاثاء 11 يونيو 2019, 11:59 pm

يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [١٧٦]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والاستفتاء هو طلب الفتيا.

ومعناها إرادة معرفة حكم شرعي لله في أمر لا يجد السائل علماً له فيه.

وكان الصحابة يستفتون رسول الله، مع أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لهم: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه).

وجاء القرآن في كثير من الآيات بـ "يسألونك".

كأن الحق يعلمنا أن الصحابة أرادوا أن يثبتوا أنهم أحبوا منهج الله فأرادوا أن يبنوا حياتهم كلها على منهج الله، ولو كانوا قد كرهوا منهج الله لما سألوا، لقد وجدوا أن الإسلام قد جاء، ووجد أشياء في الجاهلية وأقرها، ووجد أشياء قام بتغييرها؛ ولم يرد الصحابة أن يصنعوا الأشياء على أنّها امتداد لصنع الجاهلية، بل أرادوا أن يصنعوها على أنها حكم للإسلام؛ لذلك جاءت أسئلتهم الكثيرة.

والفتوى تكون في حكم.

والسؤال يكون في حكم وفي غير حكم.

وهم يطلبون الفتوى في الكلالة، ودقة القرآن في إيجاز السؤال: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ} وقد تقدم من قبل الحديث عن الكلالة: {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً} [النساء: 12] إلا أن الذي تقدم هناك كان عن الصلة من ناحية الأم، وسؤال جابر بن عبدالله كان عن الصلة من ناحية الأب.

فعن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: "مرضت مرضاً فأتاني النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وهما ماشيان فوجداني أغمي عليّ، فتوضأ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ثم صَبَّ وَضوءه عليَّ فأفقتُ فإذا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فقلت يا رسول الله كيف أصنع في مالي؟ كيف أقضي في مالي؟

فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية الميراث".

وفي رواية أخرى عن الإمام أحمد فقلت: إنه لا يرثني إلا كلالة، فكيف الميراث؟

فأنزل الله آية الفرائض.

وبعض العلماء قال: إن كلمة "كلالة" مأخوذة من كلال التعب؛ لأن الكلالة في الشرع هو مَنْ ليس له ولد ولا والد، والإنسان بين حياتين؛ حياة يعولها والد، وعندما يكبر ويضعف تصير حياته يعولها ولد؛ لذلك فالذي ليس له والد ولا ولد يعيش مرهقاً؛ فليس له والد سبق بالرعاية، وليس له ولد يحمله في الكبر؛ لذا سمي بالكلالة.

وبعضهم قال: إنها من الإكليل؛ أي التاج.

وهو محيط بالرأس من جوانبه والمقصود به الأقارب المحيطون بالإنسان وليس لهم به صلة أعلى أي من الآباء، أو من أدنى أي من الأبناء.

{إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ} أي أن الكلالة هي أن يموت أحد وله أخت شقيقة أو أخت من أب فهي ترث النصف؛ وإذا ماتت هذه الأخت فالأخ يرثها سواء أكان شقيقاً أم أخاً لأب.

وإن ترك الرجل الكلال أختين أو أكثر فلهما الثلثان مما ترك ذلك الأخ.

وإن كان له إخوة من رجال ونساء، فها هوذا قول الحق: {وَإِن كَانُوۤاْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنثَيَيْنِ}.

أي أن للذكر من الإخوة مثل حظ الأنثيين.

ويختم الحق الآية: {يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.

أي أنه الحق يُبَيِّنُ أحكامه خشية أن يُصيب القوم الضلال.

وقد علم سبحانه أزلاً بكل سلوك، وكل خافية، وهو العليم أبداً بما ينفع الناس جميعاً.

وبذلك انتهينا بعون الله من خواطرنا في سورة النساء.



سورة النساء الآيات من 171-176 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة النساء الآيات من 171-176
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة النساء الآيات من 076-080
» سورة النساء الآيات من 156-160
» سورة النساء الآيات من 081-085
» سورة النساء الآيات من 161-165
» سورة النساء الآيات من 006-010

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: النساء-
انتقل الى: