ولا تتسع أبداً يا أخي الكريم لمن:
(جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ).
ولا تتسع لمن:
(لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ).
ولا تتسع للذين:
(كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا).
لأنهم:
(لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ).
ساعة الصفر:
أخي... بعد ما تقدَّم... اعلم وفقك الله وحماك وعصمك... أن العبد مجزي بما عمل... مسئولٌ عمَّا أنفق... مُحَاسَبٌ على عُمُرِهِ.
أخي الحبيب...
دعني أعود بك قليلاً... وانقل خيال عقلك معي قليلاً.
نعم... اخرج بالخيال واخرق حجب الآفاق، وتصوَّر... وكلنا ذلك الإنسان الذي أساء وعصى... وكلنا ذوو أخطاء...
ولنستمع للشاعر وهو يُحدثنا عن حالنا في موقف عصيب...، موقف رهيب... عن موقف النقلة يتحدَّث شاعرنا... فاجعل نفسك على ذلك السرير... نعم... إنه سرير أبيض مُسَجَّى بعد أن نزع الموت منك كل مَنزع، وأخذ الكرب منك كل مَأخذ، ثم فاضت روحك...
فتصوَّر عندما:
يجتاح أهل الدار حزن بالغ واجتاح من حضروا من الجيران
فالبنت عبرى للفراق كئيبة والدمع يملأ ساحة الأجفان
والزوج ثكلى والصغار تجمعوا يتطلعون تطلع الحيران
والابن يدأب في جهازك كاتما شيئا من الأحزان والأشجان
وأتى المغسل والمكفن قد أتى ليجللوك بحلة الأكفان
ويجردوك من الثياب وينزعوا عنك الحرير وحلة الكتان
لتعود فردا لست حامل حاجة من هذه الدنيا سوى الأكفان
فلا إله إلا الله يوم أن واروك، وفي حفرة ظلماء تركوك، ذهبوا لفعالهم، وأنت تسمع قرع نعالهم.
إنها الدنيا:
أخي... أسألك بمَنْ شق فيك سمعك وبصرك... ألا تستوحش إذا خلوت مع نفسك في ليل مظلم.
فتخيَّل أنك اليوم بين أطباق الثرى، رهين قبرك وحليف عملك... تُمسى في ظلام دامس... فلا مصباح، ولا نور إلا عملك الصالح... فهل قدَّمت؟!
هذه الدنيا...
وهذا هو الموت...
وهذا الجزاء بعده...
فهل قدَّمت ليوم معادك من يوم معاشك؟.
هذه هي الدنيا:
غرارة لم تدم يوما على أحد ولا استقرت على حال لياليها
هذه هي الدنيا:
ظل زائل... وسراب بقيعة...
هذه هي الدنيا:
أمل وتسويف.
وهذا هو الموت:
تجيء به سكرة الحق.
وهذا هو الموت:
فهو باب وكل الناس داخله.
فليت شعري بعد الموت ما الدار.
وهذا هو الموت:
الذي ما منه فوت.
وهذا هو الجزاء فـ:
(لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).
وهذا هو الجزاء:
(لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ).
وهذا هو الجزاء لـ:
(يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
وبعد هذا كله... أخي الحبيب... اصغ لي سمعك... فإني ناصح... وأعطني قلبك قبل أذنك ليلامس كلامي شغافه قبل أن يصل إلى أذنك.
أخي...
إن الفوز والسعادة الحقيقية في رضا رب البرية.
إن الفوز الحقيقي يوم، أن تُزحزح عن النار وتُقرَّب من الجنة.
إن الفوز الحقيقي يوم أن تمتثل قول ربك سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
أتدري ما التقوى؟
إنها:
العمل بالمأمور وترك المحظور.
إنها:
أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية.
إنها:
الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل.
إنها:
ترك الذنوب كبيرها وصغيرها.
خل الذنوب كبيرها ذاك التقى واصنع كَمَاشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
إنها:
أن يكون الله نصب عينيك.
ولن تحصل على التقوى إلا بأمور... أمور... يتذكر بها الصالح، ويوعظ بها الغافل...، ويبصر بها السَّاهي اللاهي...
إنها أولاً:
مراقبة الله في السِّر والعلن.
ثانياً:
قِصَرِ الأمل في هذه الدنيا.
ثالثاً:
غلبة العقل على الهوى والشهوة.
ثم اعلم رعاك الله أن ربك غفور رحيم، أرحم من الوالدة بولدها، وصفحه عظيم... سبحانه من كريم.
يقبل العاصي...، ويتوب على من تاب، يؤمن الخائف، ويستر الفضائح، يجود فما لبحر جوده من ساحل، ولا لرحمته سبحانه من مقدار... قَسَّمَ الرَّحمَة مائة قِسْمٍ فجعل قسماً في الأرض... يتراحم به الناس وترفع الدَّابة حافرها عن ولدها وتَحِنُّ الأمُّ على رضيعها وأبقى عنده تسعة وتسعين قِسْماً... ليومٍ عصيب.
وكلنا عبيد عند ربنا وسيدنا...، والعبد إن أمره سيده امتثل، والله يقول: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا)، ويقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
وهو الذي ينزل كل ليلة في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا... فيقول سبحانه: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟.
عَجِّلْ ما دام الباب مفتوحاً:
إذن أخي... فعَجِّلْ... نعم... عجل مادام في الإمكان... قبل حلول ساعة لا تستطيع فيها التوبة إلى ربك... قبل أن يكون حالك كمَنْ إذا جاءه الموت: (قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) لماذا؟ لماذا تريد العودة؟ ألدُّور تعمُرها؟ أم لأولاد تُطعمهم؟ أم لمال تتَّجر فيه؟ أم لجاهٍ تفخر به؟.
لا... لا والله:
(لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ).
ثم يعقب سبحانه قائلاً:
(كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).
ولنبكِ على خطايانا بدموع التوبة... عَلَّ اللهَ جل وعز أن يغسل بدموعنا ذنوبنا، وأن يقبلنا في عِدَادِ التائبين، وأن يُسجلنا في سِجِلِ الصَّالحين، فنكون من أهل الصَّلاح والسَّعادة، وأهل الحُسنى وزيادة.
جمعني الله وإيَّاكم في دار لا ككل الدور، في دار نعيمُها لا ينفذ وقُرة العين فيها لا تنقطع:
«فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر»، (فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى).
فيها:
(حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ).
وأيضاً:
(لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ).
وأيضاً:
(مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ).
سامحا بالقليل من غير عذر ربما أنصف القليل وأجزى
وحمانا الله وإيَّاكم من دار حرُّها شديد، وقعرُها بعيد... ومقامعُها من حديد:
(عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).
فيها:
(نُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ).
وفيها:
(لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ).
فيها لمن يحملون الأوزار والخطايا:
(فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
فيها أخذ وغل و:
(سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا)، (وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا).
حمانا الله وإيَّاكم... وأجارنا بِمَنِّهِ ورحمته...
أخي... أختي... وبعد هذا أقول لكم نعم...
لكل واحد على حدة:
ألا فاسلك إلى المولى سبيلاً ولا تطلب سوى التقوى دليلاً
وسر فيها بجد وانتهاض تجد فيها المنى عرضا وطولاً
ولا تركن إلى الدنيا وعول على مولاك واجعله وكيلاً
ولا تفن شبابك واغتنمه ومثل بين عينيك الرحيلاً
ولنحرص جميعاً على الإنابة والإخبات لله جَلَّ شأنه... والتوبة والعودة إليه سبحانه.
ولا نكون كمَنْ قال فيه الأول:
أشبه مَنْ يتوب على حرام كبيض فاسد تحت الحمام
يطول عناؤه في غير شغل وآخره يقوم بلا تمام
إذا كان المقام على حرام فلا معنى لتطويل القيام
جمعني الله وإيَّاكم في جنَّتِهِ في بحبوحة فضلهِ ومِنَّتِهِ... والله تعالى يحفظكم ويرعاكم.
وأخيراً:
فغير تقي يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي الناس وهو سقيم
وإلى لقاءٍ قريبٍ... والله تعالى أعلى وأعلم ونسبة العلم إليه أسلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب
محمد بن سرار اليامي
وكان الفراغ منه في رياض نجد عمرها الله بالطاعة وحرسها من كل سوء:
6/10/1417هـ
ص ب: 122586
الرياض: 11731
نداء آلي: 115439504
مَنْ لا يشكر الناس:
أحبتي... وصلتني رسائل كتبها محبو الخير حفظهم الله ورعاهم ينبهون فيها على ما كان في الرسالة الأولى من رسائل غريب (من وحي الغربة) من ملاحظات... ووجهات نظر.
ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله... فشكر الله لهم... وكتب ما أوصوا به في موازين حسناتهم... ويعلم الله أنني أرقب المزيد... لأن المؤمن مرآة أخيه.
وقد قال الأول:
ليس عيباً أن نرى أخطاءنا عيبنا الأكبر أن نبقى نعاب
أخي الناصح:
قد تكتب الكلمة لعبد محتاج لها... ولا تلقي لها بالاً... فينفع الله بها وتكون مشعلاً يضيء دربه... سدد الله خطى الجميع والله خير حافظاً، وهو أرحم الراحمين. أ.هـ.
المحتويات:
إهداء.
تقديم.
ألم بعد أمل.
ثم ردوا إلى الله .
همسة في أذنك .
الحقيقة الكاسحة.
كلمة السر.
ساعة الصفر.
إنها الدنيا.
أتدري ما التقوى؟
عجل ما دام الباب مفتوحاً.
من لا يشكر الناس.
المحتويات.