مراسيم عاشوراء
بقلم: عـلي الكاش
مراسيم عاشوراء من شذوذ المازوخية:
وصف الشاعر العراقي المعروف معروف الرصافي شعائر عاشوراء بقوله:
فلو رأيت صدور القــوم حاسرة *** وكلهــم قـــام بالكفــين ملتـدم
لقلت قــول بريء من جهالتهم *** هذا لعمري بكاء أضحك الأمم
لا يختلف مراجع الشيعة الشعوبيين عن الكهنة في العصور القديمة من حيث المحافظة على مراسيم العبادات ورفض أية تغيرات يمكن أن تطرأ على طقوسهم فتؤثر على منزلتهم أو تقلل من مداخيلهم.
قارن بين محافظة المراجع على مراسيم التطبير والبكاء واللطم في عاشوراء باعتبارها من ضروريات المذهب حسب زعمهم، وبين ما يذكره المؤرخ ادولف ارمان في كتابه (ديانات مصر القديمة) بقوله" لم يكن الكهان ليسمحوا بإجراء أية تغييرات على المظاهر الشكلية للديانة، وتلك مهمة أساسية لرجال الدين يمارسونها في كل زمان ومكان".
وفي اليونان قديما كانوا يسردون على الأطفال حكاية (علي باشا في يانيا) وينسبون للباشا المجازر والفظائع والأهوال، مما يشيب الطفل في المهد ويزعج الميت في اللحد، كان الغرض منها شحن بطارية عقول الأطفال بكراهية الأتراك، فتنتحب النساء ويبكي الأطفال وتثار قلوب الرجال فيقومون باللطم وإيذاء أنفسهم برعونية وسفاهة لا حدود لها، كما هو حال الشيعة في عاشوراء تماما.
لكنهم من جهة أخرى يصورون مآثر اليونانيين وبطولاتهم في القتال ويمجدونهم رغم خسائرهم في الكثير منها.
الحقيقة سبق أن هذه الحالة سبق أن عشتها في أحدى الكافتريات اليونانية في أثينا، عندما طلبت فنجاناً من القهوة وقلت للنادل (قهوة تركية من فضلك!) بصورة عفوية بالطبع لا أقصد الإساءة مطلقاً.
فامتعض النادل من كلمة تركية وصححها حسب اعتقاده: تقصد قهوة سوداء (أي بلا حليب).
وسوف نستعرض أولاً رأي الدكتور علي شريعتي في أصول مراسيم عاشوراء لأنه فارسي ومتخصص في دراسة العقائد الدينية والمذهبية، وبعدها نناقش الظاهرة الشاذة بإمعان، فقد ذكر عن أصل هذه البدعة ومن أين أخذها الشيعة بقوله: "من القضايا الواضحة وجود ارتباط بين الصفوية والمسيحية، حيث تضامن الاثنان لمواجهة الإمبراطورية الإسلامية العظمى التي كان لها حضور فاعل على الصعيد الدولي أبان الحكم العثماني، وشكلت خطراً جديّاً على أوروبا، وقد وجد رجالات التشيّع الصفوي أنه لابدّ من توفير غطاء (شرعي) لهذا التضامن السياسي، فعملوا على تقريب التشيّع من المسيحية، وفي هذا الإطار عمد الشاه الصفوي إلى استرضاء المسيحيين من خلال دعوتهم للهجرة إلى إيران، وقد شيّد لمسيحيي (جلفا ) مدينة مستقلة قرب العاصمة وأخذ يتودّد إليهم ويصدر بيانات وبلاغات رسمية يعلن فيها عن تمتّعهم بحماية تامة وحرية كاملة في ممارسة طقوسهم الدينية، ومن جهته سعى رجل الدين الصفوي إلى تجميل صورة بعض الشخصيات المسيحية وإقحامها في المشاهد التمثيلية التي تقام إحياءً لذكرى عاشوراء، من ذلك أن رجلاً كرواتياً يحضر أحد هذه المشاهد فيتأثر بالمناخ الحزين فيقتحم المكان ببدلته الأنيقة ونظارتيه ويهاجم معسكر يزيد وأنصاره ويواسي الحاضرين بأجمل مواساة، بحيث ما أن يراه الناظر حتى يتيقن بأن كلب هذا المسيحي الإفرنجي أطهر من (السنّة) الذين قتلوا الحسين (عليه السلام)! ولاشك أن مُخرج المشهد المسرحي لا يريد غير ذلك" (راجع التشيع العلوي والتشيع الصفوي).
يضيف شريعتي:
"كل هذه المراسيم والطقوس الاجتماعية والعرفية هي صيغ مقتبسة مما هو عند النصارى في أوروبا، وقد بلغت هذه الظاهرة حداً من السذاجة بحيث أن الاقتباس يتم بصورة حرفية دون أدنى تغيير.
فقد استحدث الصفويون منصباً وزارياً جديداً باسم وزير الشعائر الحسينية، وقد قام هذا الوزير بجلب أول هدايا الغرب لإيران في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وكان هذا أول تماس حضاري بين إيران والغرب، لا كما يقال من أن هذا الارتباط والتماس حصل في القرن التاسع عشر من خلال استيراد المطابع والصحف والمؤسسات والشخصيات الثقافية كدار الفنون وحاجي أمين الضرب وأمير كبير.
ذهب وزير الشعائر الحسينية إلى أوروبا الشرقية وكانت تربطها بالدولة الصفوية روابط حميمة يكتنفها الغموض، وأجرى هناك تحقيقات ودراسات واسعة حول المراسم الدينية والطقوس المذهبية والمحافل الاجتماعية المسيحية وأساليب إحياء ذكرى شهداء المسيحية والوسائل المتبعة في ذلك حتى أنماط الديكورات التي كانت تزين بها الكنائس في تلك المناسبات، واقتبس تلك المراسيم والطقوس وجاء بها إلى إيران حيث استعان ببعض الملالي لإجراء بعض التعديلات عليها لكي يصلح استخدامها في المناسبات الشيعية، وبما ينسجم مع الأعراف والتقاليد الوطنية المذهبية في إيران، ما أدى بالتالي إلى ظهور موجة جديدة من الطقوس والمراسم المذهبية لم يعهد لها سابقة في الفلكلور الشعبي الإيراني، ولا في الشعائر الدينية الإسلامية.
ومن بين تلك المراسيم النعش الرمزي والضرب بالزنجيل والأقفال والتتبير واستخدام الآلات الموسيقية وأطوار جديدة في قراءة المجالس الحسينية جماعة وفرادى، وهي مظاهر مستوردة من المسيحية بحيث يستطيع كل إنسان مطلع على تلك المراسيم أن يشخّص أن هذه ليست سوى نسخة من تلك" (المرجع السابق).
عن النوائح وما يرافقها من شعائر ذكر شريعتي:
"أما النوائح التي تؤدى بشكل جماعي فهي تجسيد دقيق لمراسيم مشابهة تؤدى في الكنائس ويطلق عليها اسم (كر) كما أن الستائر ذات اللون الأسود التي توشح بها أبواب وأعمدة المساجد والتكايا والحسينيات وغالباً ما تطرز بأشعار جودي ومحتشم الكاشاني هي مرآة عاكسة بالضبط لستائر الكنيسة، مضافاً إلى مراسيم التمثيل لوقائع وشخصيات كربلاء وغيرها، حيث تحاكي مظاهر مماثلة تقام في الكنائس أيضاً.
وكذلك عملية تصوير الأشخاص رغم كراهة ذلك في مذهبنا، حتى هالة النور التي توضع على رأس صور الأئمة وأهل البيت هي مظهر مقتبس أيضاً، وربما امتدت جذوره إلى طقوس موروثة عن قصص أيزد ويزدان وغيرها من المعتقدات الزرادشتية في إيران القديمة" (للمزيد راجع المصدر السابق).
الحقيقة أن مراسيم عاشوراء وما يرافقها من أفعال سادية من قبل أتباع آل البيت بدعوى حب الحسين تشغل الحكومة والناس معاً.
فتكلف الأولى الكثير من المال والجهد، وتكلف الناس الكثير من الدماء والأذى والبذخ.
وتتم هذه المراسيم برعاية الحكومات الشيعية ورجال الدين معاً.
وترافقها غرائب وعجائب الأفعال التي تتنافي مع الدين والأخلاق العامة، من شق الرؤوس وضرب الظهور بالزناجير والشفرات، وتسيير المواكب ورفع الأعلام السوداء والخضراء فوق السطوح وأمور أخرى بعضها يثير الضحك مثل أن يلطم الأسد على الحسين.
وقد أعتبر بعض العلماء والزعماء هذه الأفعال مستحبة داعين أنصارهم بالتقيد بها، زاعمين إنها لا تشكل بدعة، ولا تتنافى مع تعاليم الدين الإسلامي بصورة مؤلمة تعبر عن جهل مدقع بأصول الدين الإسلامي!
يذكر عمار الحكيم زعيم ما يسمى بالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وهو أيراني الأصل والجنسية:
"إننا لا نتماشى مع أي نداء يريد تفكيك الشعائر الحسينية ويريد أن ينظر إلى الشعائر المبتكرة على أنها بدعة ولا تتمتع بالشرعية اللازمة لأدائها، إن من المعيب جدا التشكيك بالشعائر الحسينية لوجود خطأ هنا أو هناك ونسبة الخطأ موجودة في كل مكان وزمان.
أن ممارسة الشعائر الحسينية ليست بدعةً أو ابتكاراً أو مزاجاً كما يصفها البعض.
بعض الروايات التاريخية دلت على ضرورة الالتزام بالشعائر الحسينية في عاشوراء.
فهي ركيزة مهمة من ركائز الإسلام" (كلمة له بمناسبة عاشوراء عام 2014).
إذن هي ليست بدعة في نظره الخائب! بل ركيزة من ركائز الإسلام.
في حين ذكر السيد جواد مغنية بأن ما يفعله عوام الشيعة في عاشوراء:
"من لبس الأكفان وضرب الرؤوس والجباه بالسيوف في اليوم العاشر من محرم عادة مشينة وبدعة في الدين والمذهب، وقد أحدثها لأنفسهم أهل الجهالة دون أن يأذن بها إمام أو عالم كبير كما هو الشأن في كل دين ومذهب، ولم يجرأ على مجابهتها أحد في أيامنا إلا قليل من العلماء وفي طليعتهم المرحوم السيد محسن الأمين العاملي الذي ألّف رسالة خاصة في تحريم هذه العادة وبدعتها، وأسماها "(التنزيه لأعمال الشيعة).
لاشك أن قيمة عمار الحكيم الدينية والعلمية والثقافية تعادل الواحد من مائة بالنسبة لمغنية، مع هذا اعتقد مغنية إن هذه الظاهرة ستزول بمرور الأيام" (الجوامع والفوارق بين السنة والشيعة/184).
لكن خاب ظن العلامة!
لأنه تأثير نظام الملالي الحاكم في إيران، ومرجعية النجف وقم وأقزامهم من الشيعة العرب، قويت النزعة وتوسعت رقعتها الجغرافية.
بهذا الصدد ذكر آية اللّه المطهري:
"إننا وللأسف الشديد حرّفنا حادثة عاشوراء ألف مرة ومرة أثناء عرضنا لها ونقل وقائعها، حرّفناها لفظياً أي في الشكل والظاهر أثناء عرض أصل الحادثة، مقدمات الحادثة، متن الحادثة والحواشي المتعلقة بها.
كما تناول التحريف تفسير الحادثة وتحليلها.
أي أن الحادثة مع الأسف قد تعرضت للتحريف اللفظي كما تعرضت للتحريف المعنوي".
مشيداً بأحاديث الشيخ حسين النوري حول مسخ واقعة كربلاء بقوله حتّى أن هذا الرجل الكبير يصرّح: "من الواجب أن نقيم المآتم على الحسين (عليه السلام)، أما المآتم التي تقام عليه اليوم فهي جديدة، ولم تكن هكذا فيما مضى، وذلك بسبب كل تلك الأكاذيب التي ألصقت بحادثة كربلاء دون ان يفضحها أحد أننا يجب أن نبكي الحسين (عليه السلام) ولكن ليس بسبب السيوف والرماح التي استهدفت جسده الطاهر الشريف في ذلك اليوم التاريخي، بل بسبب الأكاذيب التي ألصقت بالواقعة" (اللؤلؤ والمرجان).
في حين روى علماء الاثني عشرية ومنهم الشيخ أبو الحسين ورام بن أبي فراس الأشري الحديث النبوي الشريف: "إذا رأيتم أهل البدع والريب من بعدي فأظهروا البراءة منهم، وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كي لا يطعموا في الفساد في الإسلام ويحذرهم الناس" (تنبيه الخواطر ونزهة المعروف بمجموعة ورام/162).