إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له...
أما بعد...
فلا شك ولا ريب أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قام خير قيام بما أمره الله سبحانه وتعالى من إبلاغ الرسالة، وتزكية أصحابه وتعليمهم وغير ذلك، ومن ثمار هذه التزكية تلك الخصال الحميدة التي أصبحت سجّية للصحابة رضي الله عنهم، فيكفي أنهم خير أمة أخرجت للناس.
قال الله تعالى:
"كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس" (آل عمران: 110).
وتأمل قوله سبحانه:
"أخرجت" مَنْ الذي أخرجهم وجعل لهم هذه المنزلة؟
والآيات التي أنزلها الله تعالى في وصفهم والثناء عليهم وذِكْرهم كثيرة جداً، يطول المقام بعدها، وليس هذا هو المقصود من هذه الرسالة، وإنما المقصود الحديث عن صفة مهمة من تلك الصفات الكثيرة التي اشتهروا بها.
أيها القارئ الكريم:
تذكَّر أن هؤلاء جيلٌ فريد حصلت لهم مزايا لا يمكن أن تحصل لغيرهم، فقد فازوا بشرف صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الذي ربّاهم وعلّمهم وأدبهم، وبهم جاهد الكفار، وهم الذين نصروه.
ونقف مع صفة واحدة من صفاتهم ينبغي أن تدرس وتشرح، ويسود ذكرها، وتصبح معلومة لدى المسلمين على اختلاف فرقهم وطوائفهم!
أتدري ما هي تلك الصفة؟
إنها الرحمة.
والسؤال: لماذا الحديث عن تلك الصفة؟
لا شك أن هناك أسباباً كثيرة للحديث عنها، ولكني أذكر هنا عدة أسباب بُغية الاختصار لهذه الرسالة.
أما السبب الأول:
فهو لذات الصفة وما فيها من معاني، وما ورد فيها من آيات وأحاديث وآثار عن سيد الأبرار صلوات الله عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار، فربنا سبحانه وتعالى هو الرحمن الرحيم .
وقال سبحانه في وصف الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم:
"لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم" (التوبة: 128).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"مَنْ لا يَرحم لا يُرحم" متفق عليه.
والحديث عن ذات الصفة يطول، والنصوص الواردة فيها كثيرة لا تخفى عليك.
السبب الثاني:
أن الله سبحانه وتعالى اختار هذه الصفة في الثناء على أصحاب رسول الله صلى الله عيه وآله وسلم وفي اختيار هذه الصفة دون غيرها حِكمٌ وفوائد بالغة الأهمية، بل إن من الإعجاز العلمي وصفهم بتلك الصفة؛ لأن فيها الرد على الطعون التي لم تكن قد ظهرت وسُطرت في الكتب، وأصبحت فيما بعد أحاديث القصاصين ومَن جاء بعدهم والله أعلم.
قال الله تعالى:
"مُحَمَّدٌ رسول الله والذين معه أشداءُ على الكفار رُحماء بينهم تراهم ركعًا سجدًا يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا سيماهم في وجوههم من أثر السجود" (الفتح: 29).
السبب الثالث:
أن تقرير حقيقة أن الصحابة رحماء بينهم، وأن صفة الرحمة متأصلة في قلوبهم هذه الحقيقة ترد الروايات والأوهام والأساطير التي صَوَّرت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهم وحوش فيما بينهم، وأن العداوة بينهم هي السائدة!
نعم، إذا تأصل لديك أن الصحابة رحماء بينهم، واستقر ذلك في سويداء قلبك اطمأن القلب، وخرج ما فيه من غلِّ للذين أمر الله تعالى بالدعاء لهم.
قال الله تعالى:
"والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا ربنا إنك رءوفٌ رحيمٌ" (الحشر: 10).
السبب الرابع:
أن كثيرا من الباحثين قد غفل عن معارضة الروايات التاريخية لقطعيات القرآن، كهذه الآية الكريمة، فكان لابد من دراستها لبيان سقوط ووهن تلك الروايات.
أيها القارئ الكريم:
قبل أن تحكم، وتتعجل في توزيع الاتهامات والأحكام معتمداً على رصيدك التاريخي والمعلومات الأسرية بل والشحن العاطفي، تمهل وطالع الأدلة التي ذكرتها هنا في وضوحها، وقربها، وقوة معانيها، ودلالاتها وردد معي آخر آية في سورة الفتح: "مُّحَمَّدٌ۬ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ ۥۤ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَہُمۡۖ تَرَٮٰهُمۡ رُكَّعً۬ا سُجَّدً۬ا يَبۡتَغُونَ فَضۡلاً۬ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٲنً۬اۖ سِيمَاهُمۡ فِى وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ذَٲلِكَ مَثَلُهُمۡ فِى ٱلتَّوۡرَٮٰةِۚ وَمَثَلُهُمۡ فِى ٱلۡإِنجِيلِ كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطۡـَٔهُ ۥ فَـَٔازَرَهُ ۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِہِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنۡہُم مَّغۡفِرَةً۬ وَأَجۡرًا عَظِيمَۢا (٢٩)" (الفتح: 29).
اتل الآية، وتأمل في معانيها يا رعاك الله.
* دلالات مهمة:
1- دلالة التسمية:
الاسمُ له إشارة على المسمى، وهو عنوانه الذي يُميزه عن غيره، ولا يشك عاقل في أهمية الاسم، ويفنى الإنسان ويبقى اسمه، والاسم مشتق من السمو، بمعنى العلو، أو من الوَسْم، وهو العلامة، وكلها تدل على أهمية الاسم للمولود.
أهمية الاسم في الإسلام:
يكفي لمعرفة أهمية الاسم اهتمام الشريعة بالأسماء، فقد غيَّر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أسماء بعض الصحابة من الرجال والنساء، ونهى عن التسمي ببعض الأسماء، وأرشد الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم إلى التسمية باسم عبد الله وعبد الرحمن ونحوهما الذي فيه إشعار المسمى بعبوديته لله عز وجل، وكذلك تعبيد المرء لله عز وجل.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن".
أيها العاقل:
هل سمعت بأن النصارى أو اليهود تسمي أولادها بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، أو يسمي المسلمون أولادهم باللات والعزى إلا من شذ؟!
لا تعجل ولا تستغرب، بماذا تسمي ولدك؟ هل تختار لولدك اسماً له معنى محبب عندك، وهل تسمي ولدك بأسماء أعدائك؟
لا شك أن الجواب معروف لدى كل عاقل، فإذا كان الأمر كذلك، فهل كان الصحابة الكرام في معزل عن هذا الأمر حتى أن الواحد منهم كان يسمي أبناءه بأسماء أعدائه، هل تصدق ذلك؟ والأدهى من ذلك أن تكون هذه التسمية في وقت ذروة العداوة -هكذا زعموا-.
بعد ذلك إليك المقصود:
1، 2، 3 - سيدنا علي رضي الله عنه من فرط محبته للخلفاء الثلاثة قبله سمى بعض أولاده بأسمائهم وهم: أبو بكر بن علي بن أبي طالب، وعمر بن علي بن أبي طالب، وعثمان بن علي بن أبي طالب، وكلهم شهداء في كربلاء مع أخيهم الحسين رضي الله عنهم.
4، 5، 6 - سمى الحسن رضي الله عنه أولاده بأبي بكر بن الحسن، وبعمر بن الحسن، وطلحة بن الحسن، وكلهم شهدوا كربلاء مع عمهم الحسين رضي الله عنه.
7 - والحسين رضي الله عنه سمى ولده عمر بن الحسين.
8 ، 9- سيد التابعين علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنه سمى ابنته عائشة، وسمى عمر، وله ذرية من بعده.
وكذلك غيرهم من آل البيت من ذرية العباس بن عبد المطلب، وذرية جعفر بن أبي طالب، ومسلم بن عقيل، وغيرهم، وليس هنا محل استقصاء الأسماء، بل المراد ذِكر ما يدل على المقصود.
وقد يقول قائل:
إن علياً وأولاده -رضي الله عنهم- لم يسموا أولادهم بهذه الأسماء، وهذا صنيع من لا عِلم له بالأنساب والأسماء، وصلته بالكتب محدودة، وهم قلة ولله الحمد، وقد رد على هذا الكلام كبار الأئمة، لأن الأدلة على وجود هذه الأسماء قطعية من الواقع، ومن وجود ذرياتهم، بل حتى الروايات في مأساة كربلاء تذكر أن من الذين استشهدوا مع الإمام الحسين: أبو بكر بن علي بن أبي طالب، وكذلك أبو بكر بن الحسن بن علي عليهم السلام، ومن سبق ذكرهم، وكان عمر بن علي بن أبي طالب وعمر بن الحسن من الفرسان المشهود لهم بالبلاء في هذا اليوم.
المهم أن علياً وأبناءه سمُّوا أولادهم بأبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وغيرهم من كبار الصحابة، هذه المسألة لا نجد لها جواباً شافياً مقنعاً عند البعض، فلا يمكن أن نجعل الأسماء لا دلالة لها ولا معنى، ولا يمكن أن نجعل المسألة (دسيسة)؛ لأن معنى ذلك الطعن في جميع الروايات في كل الكتب، فكل رواية لا تُعجب طائفة يمكن أن يقولوا (هي دسيسة وكذب) وهذا لا ضابط له، بل إن من الطرائف المضحكة المبكية أنه قيل بأن التسمية بأسماء كبار الصحابة الذين تقدم ذكرهم لأجل سبّهم وشتمهم!
وقيل بأن التسمية لأجل كَسْب قلوب العامة، فعلي رضي الله عنه سمى أولاده لكي يشعر الناس بمحبته للخلفاء ورضاه عنهم (أي تقية).
يا سبحان الله هل يجوز لنا أن نقول بأن علياً يفعل أعمالاً يغرر أصحابه وعامة الناس بها؟ وكيف يقوم الإمام بالإضرار بذريته لأجل هذا؟ ومن هم الذين يداريهم علي بهذه الأسماء؟ تأبى شجاعته وعزته -رضي الله عنه- أن يهين نفسه وأولاده لأجل بني تيم أو بني عدي أو بني أمية.
والدارس لسيرته يدرك حق اليقين بأنه من أشجع الناس بخلاف الروايات المكذوبة التي تجعل منه جباناً لا يثأر لدينه ولا لعرضه ولا لكرامته، وما أكثرها للأسف الشديد.
5 ونتيجة ما سبق نقول:
إن ما قام به علي وبنوه من أقوى الأدلة العقلية والنفسية والواقعية على صدق محبة آل البيت للخلفاء الراشدين وسائر أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنت بنفسك تعيش هذا الواقع فلا مجال لرده.
وهذا الواقع مصدّق لقوله تعالى: "مُّحَمَّدٌ۬ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ ۥۤ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَہُمۡۖ تَرَٮٰهُمۡ رُكَّعً۬ا سُجَّدً۬ا يَبۡتَغُونَ فَضۡلاً۬ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٲنً۬اۖ سِيمَاهُمۡ فِى وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ (٢٩)" (الفتح: 29).
أيها القارئ الكريم -غير مأمور-:
أعد تلاوة الآية وتدبر في معانيها، وتأمل في صفة الرحمة.
2- دلالة المصاهرة:
أيها القارئ الكريم:
هل ترضى أن تجعل ابنتك فلذة كبدك، وثمرة فؤادك عند فاجر مجرم، بل قاتل أمها أو أخيها؟ ماذا تعني لك كلمة صهري، نسيبي؟
المصاهرة لغةً:
صاهر مصدر، يقال: صاهرت القوم إذا تزوجت منهم، فصهر الرجل قرابة امرأته، وصهر المرأة قرابة زوجها، وقد جعل الله سبحانه وتعالى ذلك من آيات.
قال الله تعالى:
"وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ مِنَ ٱلۡمَآءِ بَشَرً۬ا فَجَعَلَهُ ۥ نَسَبً۬ا وَصِهۡرً۬اۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرً۬ا" (الفرقان: 54).
تأمل في الآية وانظر كيف جعل الله تعالى المصاهرة قرين النسب، وهذا له دلالات عظيمة فلا تغفل عنها.
المصاهرة تاريخياً:
للمصاهرة عند العرب منزلة خاصة، فهم يرون التفاخر بالأنساب، ومنه التفاخر بأزواج بناتهم ومنزلتهم، والعرب لا يزوّجون من يرونه أقل منزلة منهم، وهذا المشهور عنهم، والعرب تغار على نسائها مما قاد بعضهم إلى وأد بناته الصغيرات خوفاً من العار، وكانت تراق الدماء وتنشب الحروب لأجل ذلك.
وهذه إشارة تغني عن طول العبارة.
المصاهرة في الإسلام:
جاء الإسلام فقرر معالي الأمور والصفات الحميدة ونهى عن القبيح، وبيَّن الله سبحانه وتعالى أن العبرة بالتقوى، وقد بحث الفقهاء موضوع الكفاءة في الدين والنسب والحرفة وما يتعلق بها في مباحث مطولة، وأما مسألة صيانة العِرض والغيرة على النساء، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل المقتول دون عرضه شهيدا، وقاد الحرب بنفسه عليه السلام لأجل المرأة التي عبث اليهود بسترها والقصة مشهورة، ثم تأمل في بعض الأحكام الشرعية مثل اشتراط الولي في عقد النكاح والإشهاد عليه، بل وحد القذف والزنا، وغيرها من الأحكام التي فيها حفظ العِرض.
وبعد كل ذلك، تأمَّل معي فيما يلي:
علي البطل الشجاع يزوج ابنته أم كلثوم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فهل نقول بأن علياً رضي الله عنه زوج ابنته خوفاً من عمر؟! أين شجاعته؟ وأين حبه لابنته؟ أيضع ابنته عند ظالم؟ أين غيرته على دين الله؟ أسئلة كثيرة لا تنتهي، أم نقول بأن علياً زوّج ابنته لعمر رغبة بعمر وقناعة به، نعم، تزوج عمر ببنت رسول صلى الله عليه وآله وسلم زواجاً شرعياً صحيحاً لا تشوبه شائبة، ويدل هذا الزواج على ما بين الأسرتين من تواصل ومحبة، كيف لا وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوجاً لبنت عمر، فالمصاهرة قائمة بين الأسرتين قبل زواج عمر بأم كلثوم.
ومن الأقوال المؤيدة لثبوت هذا الزواج، ما نقله صفي الدين محمد بن تاج الدين -المعروف بابن الطقطقي الحسني ت 709 هـ، نسابة ومؤرخ وإمام- في ذكر بنات أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأم كلثوم أمها فاطمة بنت رسول الله تزوجها عمر بن الخطاب فولدت له زيداً ثم خلف عليها عبد الله بن جعفر )الأصيلي في أنساب الطالبيين ص: 58).
ومثال آخر:
يقول جعفر الصادق رضي الله عنه: "ولدني أبو بكر مرتين" هل تعرف من هي أم جعفر؟ إنها فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، لماذا قال جعفر أبو بكر ولم يقل محمد بن أبي بكر؟ لأن البعض ينكر فضل الصديق، وأما ابنه محمد فالكل متفقون على فضله، فبالله عليك بمن يفتخر الإنسان؟!بمن يحبه ويجله، أو بمن يبغضه ويعاديه؟
أدع الجواب لك أخي القارئ.
إن التداخل بين أنساب الصحابة من المهاجرين والأنصار يعرفه كل من له اطلاع على أنسابهم، حتى الموالي منهم تزوجوا من سادات قريش وأشرافهم، فهذا زيد بن حارثة رضي الله عنه يتزوج من زينب بنت جحش، وهذا أسامة بن زيد زوجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بفاطمة بنت قيس وهي قرشية، والحديث عن المصاهرة بين الصحابة يطول جداً.
أخي القارئ الكريم:
دع عنك وسوسة الشياطين، عليك بالتفكير الجاد والعميق، وترك التقليد والحذر أن يعبث العابثون بعقلك.
أيها القارئ الحبيب:
هل ترضى أن يُسب أبوك وأجدادك، وأن يقال بأن سيدة نسائك تزوجت بالقوة بالرغم عن أنوف عشيرتك كلهم؟ هل ترضى أن يقال بأن ذلك فَرج غصبناه؟ الأسئلة لا تنتهي، أي عقل يرضى بهذا الهراء وأي قلب يقبل هذه الرواية! نسأل الله أن لا يجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا اللهم ارزقنا محبة الصالحين من عبادك أجمعين، اللهم آمين يا رب العالمين.
والخلاصة:
أن المصاهرة بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غاية الوضوح، لاسيما بين ذرية علي وذرية الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وكذلك المصاهرة مشهورة بين بني أمية وبين بني هاشم قبل الإسلام وبعده، وأشهرها زواج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من بنت أبي سفيان رضي الله عنهم أجمعين، والمقصود هنا الإشارة إلى شيء من الآثار النفسية والاجتماعية الناجمة من المصاهرة والتي من أعظمها المحبة بين الصهرين، وإلا فإن الآثار كثيرة، وبالله التوفيق.
3- دلالة الثناء:
أيها القارئ الكريم:
هل عشت في غربة مع رفقةٍ من أهلك وعشيرتك بل من قريتك؟ كيف عشتم سنوات الغربة؟ هل عشت في فقر واضطهاد مع أصحابك الذين اجتمعت معهم برباط عقائدي يجمع بين العقل والعاطفة؟ ما رأيك فيمن عاش هذه المواقف كلها؟ وكانوا كلهم رفقة أصحاباً في السراء والضراء، هؤلاء هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
لعلك وأنت تقرأُ هذه الأسطر تنتقل معي إلى أعماق التاريخ، لما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة في دار الأرقم والدعوة سرية، ثم لمّا ظهر الإسلام هناك، ثم لما هاجر أصحابه الكرام إلى الحبشة بلاد الغربة وبعدها إلى المدينة، وتركوا الأهل والأموال والوطن، تأمل حالهم في الأسفار البعيدة الشاقة وهم على الإبل وسيراً على الأقدام، عاشوا جميعاً الخوف والحصار في المدينة في غزوة الخندق، وقطعوا البيداء والقفار في غزوة تبوك، عاشوا مرحلة الانتصارات في بدر، والخندق، وخيبر، وحُنين وقبلها مكة وغيرها.
تأمل كيف تكون المودة والصحبة بينهم، ولا يغب عن ذهنك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معهم، وهو القائد لهم والمربي والمعلم، وليكن حاضراً في ذهنك أن القرآن ينزل من رب السماوات والأرض إلى قائد هذه المجموعة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تأمل في هؤلاء، اجتمعت قلوبهم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تأمل في الآثار النفسية بمجموعةٍ تآلفت قلوبهم واجتمعت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتربيتهم وعاش معهم والقرآن ينزل عليهم، لا شك أن الوفاق والوئام والمحبة هي السائدة بينهم.
قال الله تعالى:
"وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعً۬ا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءً۬ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦۤ إِخۡوَٲنً۬ا" (آل عمران: 103).
هذه مِنَّةٌ من الله تعالى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -، فما يضرك أن تؤمن بهذا، وأن تحسن الظن بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فربهم سبحانه يَشْهَد لهم وَيُذَكِّرهُم بفضله عليهم، وأنهم أصبحوا إخوة قلوبهم صافية، استقر بها التآلف والمحبة والوئام، ومع ذلك تتكرر الأساطير والأخبار بأن العداوة بينهم قائمة!!
لقد جاءت آيات كثيرة في الثناء على الصحابة رضي الله عنهم، وآيات في ذكر أوصافهم وأفعالهم، ومنها الإيثار الناتج عن المحبة.
قال الله تعالى:
"لِلۡفُقَرَآءِ ٱلۡمُهَـٰجِرِينَ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمۡ وَأَمۡوَٲلِهِمۡ يَبۡتَغُونَ فَضۡلاً۬ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٲنً۬ا وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ۥۤۚ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ (٨) وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَـٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ يُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَيۡہِمۡ وَلَا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمۡ حَاجَةً۬ مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِہِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِہِمۡ خَصَاصَةٌ۬ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ" (الحشر: 8-9).
وكما لا يخفى عليك فإن الإيثار، والأخوة، والموالاة، وألفة القلوب، كل هذه المعاني وردت فيها نصوص قرآنية وهي تؤكد على صفة المحبة التي كانت سائدة بين أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
واستمع إلى هذا الثناء العاطر من علي رضي الله عنه على أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتعلم مدى المحبة التي كانت تجمعهم، يقول رضي الله عنه: )لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فما أرى أحداً يشبههم منكم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً وقد باتوا سجداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب، ورجاء للثواب(.
فما عسى القارئ أن يقول بعد سماعه لهذا الكلام؟!
وختاماً:
فبعد أن عشنا مع آل رسول الله الأطهار عليهم صلوات الله وسلامه، وأصحابه الأخيار عليهم رضوان الله تعالى، بعد أن عشنا معهم وأدركنا تراحمهم وما بينهم من صلة رحم ومصاهرة، ومودة، وأخوة، وتآلف قلوب، ذكرها الله في القرآن الكريم ..
فعلينا أن نجتهد في دعاء رب العالمين أن يوفقنا لما يُحب ويرضى، وأن يجعلنا من الذين قال فيهم في كتابه الكريم - بعد أن أثنى على المهاجرين والأنصار...
قال سبحانه:
"والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا ربنا إنك رءوفٌ رحيمٌ".
وكما قال زين العابدين عليه السلام:
"جاء إلى الإمام نفر من العراق، فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما فرغوا من كلامهم قال لهم: ألا تخبرونني؟ أأنتم المهاجرون الأولون؟ "الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون" قالوا: لا، قال: فأنتم الذين؟ "تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" قالوا: لا، قال: أما أنتم قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم: "يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا" اخرجوا عني، فعل الله بكم .ا.هـ" (كشف الغمة ج 2 ص 78 ط إيران).
إنه مهما ظهرت البينات ووضحت الحجة، فإن الإنسان لا يستغني عن مولاه عز وجل، فعلينا أن نجتهد في الدعاء وطلب التوفيق والثبات على الحق واتباعه أينما كان؛ لأن الهداية من الله عز وجل، وتذكر أنك مطالب بما أمرك الله به، والله محاسبك على ذلك.. فاحذر أن تقدم كلام أي أحد من البشر على كلام الله سبحانه وتعالى، واعلم أن حساب الخلق كلهم على الله سبحانه وتعالى وليس لبشر ذلك، فعلينا أن نبتعد عن التطاول على المولى سبحانه، وتعالى والحكم على عباده.
إنه لا يضرنا أن نحب آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبقية أصحابه رضي الله عنهم أجمعين، بل هذا هو الموافق للقرآن الكريم، والموافق للروايات الصحيحة.. فتأمَّل.
أسأل الله تعالى أن ينزع ما في قلوبنا من كراهية لهم، وأن يبصرنا بالحق، وأن يعيننا على أنفسنا وعلى الشيطان.. إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
مبرة الآل والأصحاب
ضاحية عبد الله السالم - قطعة 1 - شارع أحمد الهندي - منزل 21
هاتف: 2560203 فاكس:2560346
الخط الساخن: 9184333
ص. ب:12421 الشامية
الرمز البريدي 71655 الكويت.
www.almabarrah.net Email:almabarrh@gmail.com