أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الحياة البيتية للنبي (صلى الله عليه وسلم) السبت 25 أغسطس 2018, 12:02 am | |
| فأم حبيبة -رضي الله عنها- اسمها: رملة، وقيل: هند، لكن الصحيح المشهور: رملة، بنت أبي سفيان صخر بن حرب القرشية الأموية، أسلمت إبَّان مُكث النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة بعد ابتعاث الله له، وقد هاجرت إلى الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش، الذي كان مسلماً، ثم تَنَصَّر هناك ومات عنها.
ولَمَّا ضاق بها الأمر واشتدَّت عليها الحال جاءها البشير بخطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- لها، موكلاً عمرو بن أمية الضمري، وقدَّم صداقها ودفعه لها النجاشي من عنده بِرّاً ومحبة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان قدره أربعمائة دينار، مع أشياء من الهدايا وطيب الحبشة وعودها ونحو ذلك.
فكانت بذلك أكثر نساء النبي صداقاً.
ووليَ نكاحها عثمان بن عفان، وقيل: خالد بن سعيد بن العاص.
ولما بلغ الخبر أبا سفيان بمكة امتدح النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه كفء كريم لا يُرد، قال ذلك وهو على كفره، وأصدق الثناء ما قاله الأعداء.
وبقيت حبيبة بالحبشة هي وابنتها بنت عبيد الله بن جحش بضع سنين، وقدمت إلى المدينة النبوية المنورة سنة سبع من الهجرة مع مَنْ قدم من مُهاجرة الحبشة، مع سفير النبي -صلى الله عليه وسلم- شرحبيل بن حسنة الذي توجَّه إلى هناك ليعود بِمَنْ بقيَ في الحبشة من المُهاجرين الأولين، حيث حملهم في سفينتين.
فقرت عينها وابتهجت نفسها وسُرَّ خاطرها برؤية الرسول الأمين والزوج الكريم -صلى الله عليه وسلم-.
وهكذا انضمت أم المؤمنين أم حبيبة لكنف البيت النبوي وهي تدنو من عامها الأربعين زوجة للنبي -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة، وأمَّاً للمؤمنين، وكانت وفاتها في خلافة أخيها معاوية -رضي الله عنه-.
كانت -رضي الله عنها- من سيدات النساء حُرْمَةً وجَلالاً ووقاراً ودِيناً.
روت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- خمسة وستين حديثاً.
وكانت معلمة للناس مبلغة لهم ما سمعت.
روى البخاري ومسلم عن زينب بنت أم سلمة أنها قالت: دخلت على أم حبيبة حين توفي أبوها أبو سفيان فدعت أم حبيبة بطيب فيه صُفرة -خلوق أو غيره- فدهنت منه جارية، ثم مسَّت بعارضيها، ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على المنبر: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تَحُدُّ على مَيِّتٍ فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربع أشهر وعشراً».
وروى مسلم عنها قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَنْ صلّى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة، بني له بيت في الجنة»، قالت أم حبيبة: فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، رضي الله عنها وأرضاها، ووفقنا جميعاً لما فيه رضاه. التعامل بين الزوجين مع مقتطف بهيج من بيت النبوة، وذكر ما فيه من فوائد ودروس وعبر.
ونستهله بما رواه أبو داود وغيره بسند صحيح عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأى في يدي فتخات من وَرِق "وهي خواتم كبيرة من فضة يتختم بها النساء" فقال عليه الصلاة والسلام: «ما هذا يا عائشة؟» فقلت: صنعته أتزين لك يا رسول الله، قال: «أتؤدين زكاتهن؟» قلت: لا، أو ما شاء الله، قال: «هو حسبك من النار».
هذا الحديث فيه بيان لجانب من الحياة البيتية للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد تضمن عدداً من المسائل والفوائد،
ومن ذلك: * فيه بيان ما كانت عليه أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- من الحرص على مراعاة جانب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وألا يجد منها إلا كل جميل وطيب، ولذا كانت تحرص على أن تتزين لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما جرت عادة النساء أن يتزين به.
وفي هذا تنبيه للمتزوجات أن يحرصن على التَّزين لأزواجهن بما أباح الله، وكان من نصيحة أم المؤمنين لامرأة سألتها عن التزين للزوج أن قالت: أميطي عنك الأذى، وتصنعي لزوجك كما تصنعين للزيارة، وإذا أمرك فتطيعينه، وإذا اقسم عليك فأبري به، ولا تأذني في بيته لمن يكره"، رواه عبد الرزاق في "المصنف".
وبالجملة: فالذي ينبغي على المسلم والمسلمة أن يراعيا ويعتنيا بالنظافة الشخصية والهيئة الحسنة والرائحة الطيبة.
وقد يغفل بعض الناس عن هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في محبته الرائحة الحسنة الطيبة في الجسد واللباس، فقد كان عليه الصلاة والسلام يكره أن يجد منه أحد رائحة كريهة، ولذلك فإنه -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا أكل عند زوجته حفصة -رضي الله عنها- عسلاً ذا رائحة، غار بعض أزواجه وكررن عليه أنهن وجدن منه رائحة متغيرة -وكن يعلمن كراهته لذلك- ولكن حملتهن الغيرة على هذا القول، فحرَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- العسل على نفسه لأجل قول نسائه، فأنزل الله عليه قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ) الآية، وهذا ثابت في "صحيح البخاري" وغيره.
وفي "صحيح مسلم" عن شريح بن هانئ قال: قلت لعائشة: بأي شيء كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبدأ إذا دخل بيته؟ قالت: "بالسواك".
والذي ينبغي على المسلم والمسلمة العناية بهذا الأمر، حتى لا يوجد منه ما يجعل جلساءه ينفرون منه ويستقذرونه، لأن بعض الناس يمكث أياماً والسواك وفرشاه الأسنان لا يعرفان لفمه طريقاً فيورثه ذلك رائحة كريهة وبخراً قبيحاً.
والأمر كذلك بالنسبة لنظافة الشخص وهيئته ينبغي ملاحظته واختيار الحسن الجميل بلا تكلف، ومن عناية الإسلام بذلك أمره بالوضوء للصلوات، والغسل كل جمعة، ولبس الجديد أو النظيف لها.
ومن أدلة العناية بذلك ما رواه الإمام أحمد في "المسند" عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «حُبِّبَ إليَّ من دُنياكُمْ النساء والطيب، وجُعِلَتْ قُرَّةُ عيني في الصَّلاة».
وهكذا ما جاء بيانه في سنن الفطرة من الاستحداد ، ونتف الإبط، وحف الشارب، والاستنجاء، وغسل البراجم ، وقص الأظافر وتقليمها.
وفيما يتأكد على الزوجين في هذا الباب ما ذكره الحافظ ابن كثير عند تفسير قول الله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) إذ قال: أي طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله" اهـ.
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: إني لأحب أن أتزين لزوجتي كما أحب أن تتزين لي، لأن الله تعالى يقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ).
ذكر بعض أصحاب كتب الأدب والسلوك أن امرأةً ذهبت إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تطلب طلاقها من زوجها، ولما استدعاه للوقوف على سبب طلب زوجته، ولعله أن يصلح بينهما، وجده أشعث أغبر غير مُعْتنٍ بهندامه ولا هيئته، فعرف عمر ما كرهت زوجته منه، فأشار إلى رجل أن اذهب به وقُصَّ شعره وقلّم أظافره وألبسه حسناً وائتني به، فذهب وفعل ذلك، ثم أتاه، فأومأ إليه أن خُذ بيدها، فأخذ بيدها ولم تعرفه، فقالت: يا عبد الله، سبحان الله، أبين يدي أمير المؤمنين تفعل هذا؟! فلمَّا عرفته ذهبت معه، فقال عمر: هكذا فاصنعوا معهن، فو الله إنهن ليحببن أن تتزينوا لهن، كما تحبون أن يتزين لكم.
وقال أبو الفرج ابن الجوزي -رحمه الله- منبهاً النساء إلى ما ينبغي عليهن في هذا الباب: "إن المرأة تحظى عند الرجل بعد تمام خُلُقها وكمال حُسنها بأن تكن مواظبة على النظافة والزينة، عالمة بما يزيد في حسنها من أنواع الحلي واختلاف الملابس ووجوه التزين، وما يوافق الزوج ويستحسنه في ذلك كله، ولتحذر كل الحذر من أن يقع بصره على شيء يكرهه من وسخ أو رائحة مستكرهة، أو تغير من شعث وغيره.
وقال بعض أصحاب كتب الأدب والسلوك: ينبغي على المرأة أن تتجمل لبعلها، وتزيد في تحسين نفسها ما أمكن ذلك، بتنظيف البشرة وتنقية المنافذ، وتزيين الألوان في البدن وما أحاط به.
أما في البدن: فبتبييض البشرة وتوريدها، وبتسويك الأسنان وتخليلها، وتنقية العين وتكحيلها، وتقليم الأظافر وتسويتها.
وأما الثياب: فبدوام نظافتها بحسب الوقت وعادة الزمان "مما جرت به عادة النساء المسلمات".
فالمرأة الفطنة الحسنة التَّبعُّل تراعي جميع ذلك وما سواه مما تتم به سعادة الزوج ومتعته، وتحرص على ألا يسبق طرف بعلها أو أنفه لحالة يذمها أو يكرهها من أجلها.
وخاصة في الأوقات التي يعتاد قربه منها.
والناظر في أحوال كثير من النساء اليوم يجد غالب تزينهن إنما هو عندما يردن الخروج لمناسبة أو زيارة ونحو ذلك.
حتى إن زوجاً خاطب زوجته أن تتجمل له وتهتم به مثلما تفعل إذا أرادت الخروج، فردت عليه مندهشة: أأنت غريب عني أيها الرجل؟.
وفي هذا الباب يقع من كثير من المسلمات مخالفات شرعية متنوعة، وأنبه لبعض منها هنا باختصار،
فمن ذلك: أن بعضهن يلبسن الثياب الضيقة أو غير الساترة، ويخرجن بها إلى الأسواق، وربما زدن على ذلك كشف وجوههن أو بعض الوجه مع ظهور زينتها من كحل وغيره من طيب وعطر ونحو ذلك، وهذا نوع من التبرج المحرم.
والعجب من بعض الأزواج وأولياء الأمور أنهم لا ينكرون ذلك، مع مخالفته للستر والحشمة.
وهكذا لبس بعض النساء ملابس غير ساترة عند النساء بحيث تكشف ما جرت عادة النساء المسلمات بستره، متحججات بأنهن عند نساء مثلهن، والذي دلت عليه النصوص الشرعية أن الضيق والعاري لا يجوز لبسه حتى عند النساء، لما فيه من الفتنة، ولكونه مخالفاً لما جاءت به الشريعة من الحشمة والعفاف والحياء.
وهكذا تشبه بعض المسلمات في لبسهن بالكافرات، مما ينبغي على المسلمة أن تحذره، فقد جاء فيه الوعيد الشديد، ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: «من تشبه بقوم فهو منهم».
وهذا التشبه يورث الميل إلى الكافرات ويُفضي إلى محبتهن، وهذا يعرضها لأن تحشر معهن يوم القيامة، لما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «المرء مع من أحب».
وهذا عام في الرجال والنساء، وعام في محبة أهل الإيمان والصلاح وأهل الكفر والفسوق.
ومما يُحزن أن تلك المظاهر تقع من بعض أخواتنا المسلمات العفيفات، اللاتي يؤمل منهن الصلاح والإصلاح، ونأمل لنا ولهن السعادة في الدنيا والآخرة.
ولو أن الواحدة منهن قارنت بين تلك المظاهر المحرمة وبين لحظات تشييعها إلى قبرها حين تلبس تلك الثياب المتواضعة وتلف فيها، والقلوب من حولها خاشعة والعيون دامعة، ولا تدري على أي حال تكون في ذلك المثوى العظيم.
روى البخاري وغيره عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها: يا وليها، أين يذهبون بها، يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمع الإنسان لصعق».
وعوداً على الزينة والتزين فإنهما محبوبان للنفس إذا كانا بما أحل الله، وعند من أحل الله له الاطلاع عليها، قال الله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)، ثم قال سبحانه: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) إلخ الآية.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله جميل يحب الجمال».
وخير ما يتجمل به الشخص تقوى الله وعبادته، والأخلاق الكريمة، والمعاملة الحسنة.
وفقنا الله جميعاً لما فيه الخير. * * * نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- وأثرهن في نقل كثير من الأحكام الشرعية للأمة: كنا قد ذكرنا غير مرة أن لتعدد زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- حكماً عديدةً وعظيمة، فقط كن أمهات المؤمنين معلمات ومفتيات لنساء الأمة ورجالها في القضايا النسائية والأحكام الشرعية والآداب الزوجية والحكم النبوية.
وكن قدوة صالحة في الخير والبر والإحسان، كما كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنةً لهن في حسن الخلق والطيب العشرة.
وفيما يلي سوف نستعرض -بعون الله- بعضاً من اللمحات والدلائل التي تبين عظيم أثر أمهات المؤمنين في نقل جوانب عديدة من سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وتشريع الأحكام الشرعية وتبليغها للأمة، وخاصة مما لا يطلع عليه من قبل كل أحد.
كان نساء النبي -صلى الله عليه وسلم-، -أمهات المؤمنين- موئلاً ومرجعاً لكثير من القضايا التي يهتم لها المسلمون وخاصة ما له صلة بأهليهم وما يتعلق بالحياة البيتية.
ومن تلك القضايا: ما رواه البخاري في "صحيحه" أن رفاعة طلق امرأته، فتزوجها بعد الرحمن بن الزبير القرظي، فجاءت تشكو إلى عائشة حالها مع زوجها الآخر، قالت عائشة: وعليها -أي تلك المرأة- خمار أخضر، فشكت إليها، وأرتها خضرة بجلدها ـ تعني بسبب ضرب زوجها، فلما جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، -والنساء ينصر بعضهن بعضاً- قالت عائشة: ما رأيت مثل ما يلقى المؤمنات، لجلدها أشد خضرة من ثوبها. إلخ الحديث.
فتبين من خلال هذا الموقف أن أمهات المؤمنين كن يستمعن إلى ما يردهن من استفتاءات وشكاوى يعرضنها على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن لهن أثراً عظيماً في نشر العلم والاهتمام بما ينفع المسلمين والمسلمات، وهكذا ينبغي أن تكون كل مسلمة متطلعة إلى معالي الأمور وبما يعود عليها وعلى أسرتها ومجتمعها بالنفع الديني والدنيوي.
وروى أبو داود وابن ماجه وغيرهما عن إياس بن عبد الله -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تضربوا إماء الله» فجاء عمر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ذَئِرْنَ النساء على أزواجهن "أي اجترأن ونشزن"، فرخص في ضربهن "يعني إذا دعت الضرورة ولكن ضرباً غير مبرح" فأطاف بآل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، "يعني أحاط النساء بيوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشكون أزواجهن عند أمهات المؤمنين" فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لقد أطاف بآل بيت محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم».
وهذا يدل أيضاً على أثر أمهات المؤمنين في رفع المعاناة عن غيرهن.
وفيه دلالة على النهي عن الجور والتعدي على الزوجة، وأن من استقصى في التغليظ على أهله فقد جانب وصف الخيرية.
ومما عني أمهات المؤمنين به وبتبليغه للأمة: كثير من مسائل الطهارة عموماً، والمسائل النسائية خصوصاً.
ومن ذلك: ما رواه مسلم في "صحيحه" عن عائشة -رضي الله عنها- أن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- كان يأمر النساء "أي يفتيهن" إذا اغتسلن "يعني من الجنابة" أن ينقضن رؤوسهن، فقالت: يا عجباً لابن عمرو هذا؟! يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن! أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن، لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد، ولا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات.
وأكدت هذا الحكم وزيادة أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها- إذ قالت: قلت يا رسول الله، إني امرأة أشد ضَفْرَ رأسي. أفأنقضه للحيضة والجنابة "يعني عند الاغتسال منهما"، فقال: «لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين».
ومما نقله أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن- من العلم: ما رواه البخاري ومسلم عن معاذة بنت عبد الله أن امرأة قالت لعائشة: أتجزي إحدانا صلاتها إذا طهرت؟ فقالت: أحرورية أنت؟ كنا نحيض مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يأمرنا به، أو قالت: قلا نفعله.
وفي رواية قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة".
وإنما نسبتها إلى حروراء لأنها مكان تجمع الخوارج ولهم آراء مبتدعة ضالة، ومنها أنهم يرون أن على الحائض قضاء الصلاة وذلك على أصلهم في رد السنة.
وكان نساء الصحابة يكثرن من استفتاء أمهات المؤمنين وخاصة في مسائل الطهارة, وكن يرسلن إلى عائشة ليتبين الطهر، كما نقل ذلك البخاري في "صحيحه" عن عائشة.
وبيَّن أمهات المؤمنين جوانب من هديه -صلى الله عليه وسلم- في بيته وتعامله مع أهله، ومن ذلك ما رواه مسلم عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي -صلى الله عليه وسلم- فيضع فاه على موضع فِيَّ فيشرب، وأتعرَّق العرق وأنا حائض "أي تأكل اللحم من العظم بأسنانها" ثم أناوله النبي -صلى الله عليه وسلم- فيضع فاه على موضع في.
وهذا يوضح مدى تلطفه -صلى الله عليه وسلم- بأهله، خاصة وأن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجالسوها في البيوت.
ولما بلغ اليهود هذا الهدي قالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه.
وأوضحت عائشة -رضي الله عنها- ما يكون من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما يكون في بيته، وبينت قيامه الليل وصلاته وتهجده، وبينت جوانب عظيمة من تعامله -صلى الله عليه وسلم-.
ومن ذلك ما رواه البخاري عنها أنها سُئِلَتْ: ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله -تعني خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة".
قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله- في شرحه: وفيه الترغيب في التواضع وترك التكبر، وخدمة الرجل أهله.
وترجم عليه المؤلف الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الأدب من "صحيحه" فقال: كيف يكون الرجل في أهله.
وروي عن عائشة أنها وصفت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: "كان ألين الناس، وأكرم الناس، وكان رجلاً من رجالكم، إلا أنه كان بسَّاماً".
إن هذه اللمحات من هديه -صلى الله عليه وسلم- في معاملة أهله وعيشه معهم لتبين بجلاء الأخلاق الإسلامية التي ينبغي أن يكون عليها كل مسلم.
لقد عاش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أهله عيش المحب لهم الحريص على إدخال السرور على أنفسهم، وإيصال كل نفع وخير إليهم، فوجدوا من غبطة العيش وسروره وأنسه وفرحه ما لا يمكن وصفه على الكمال ولا الإحاطة به على التمام.
وهذه دعوة لكل زوج وكل أسرة أن تتبصر في هذا الهدي الكريم، وأن تجعله نبراساً لها تسير من خلاله في دروب الحياة المتنوعة، وسيجد الناس من آثار الخير والبركة ما لا يخطر على البال ولا يحده الخيال.
وصدق الله رب العالمين إذ قال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).
صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد. وعلى آله وأزواجه، ورزقنا حسن الاقتداء به. آمين.
الفهرس: مقدمة. كيف كان عيش النبي -صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته؟. أم حبيبة تعرض على النبي -صلى الله عليه وسلم- الزواج بأختها. التعامل بين الزوجين. نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- وأثرهن في نقل كثير من الأحكام الشرعية للأمة. الفهرس. مقتطفات من بيت النبوة. صدر للمؤلف. * * * مقتطفات من بيت النبوة 1- الطفولة في حياة المعصوم -صلى الله عليه وسلم-. 2- لمحات من حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- مع بناته. 3- لمحات من الحياة البيتية للنبي -صلى الله عليه وسلم-. 4- لمحات من زواج المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بأمهات المؤمنين.
صدر للمؤلف التحقيق: 1- مختصر سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسيرة أصحابه العشرة، للحافظ المقدسي. 2- تهذيب السيرة النبوية، للإمام النووي. 3- شرح ستة مواضع من السيرة النبوية، للشيخ محمد بن عبد الوهاب. 4- القوادح في العقيدة ووسائل السلامة منها، لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز. التأليف: 1- استدراك وتعقيب على الشيخ شعيب الأرنؤوط في تأوليه بعض أحاديث الصفات. 2- الستر على أهل المعاصي، ضوابطه وعوارضه. 3- مباحث في بعض مشاهد القيامة. 4- مسائل في عذاب القبر ونعيمه والحياة البرزخية. 5- من أحوال الناس بعد الموت. 6- أسباب تحقيق العفاف. 7- القنوات الفضائية وآثارها العقدية والاجتماعية والأمنية. 8- العيد .. آداب وأحكام. * * * |
|