والكفاءة تشمل:
1. الكفاءة في الدين:
وهي معتبرة في النكاح، بل هي شرط في صحته باتفاق أهل العلم، فلا يجوز للمرأة أن تتزوج كافراً بالإجماع، فالمسلمة لا يكافئها إلا مسلم، والكفاءة في الدين معتبرة بالإجماع.
وكذلك لا ينبغي للمسلم أن يُزوِّج وليته الصالحة من رجل فاسق، فقد قال تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} (12) [النور: 26].
وإن كان هذا لا يشترط في صحة العقد إلا أنه من الأهمية بمكان.
فإن الرجل يدفع بوليته إلى فاسق، ويقدِّمه على صاحب الدين، ويكون الدافع لذلك؛ إما لكثرة ماله؛ وإما لمنصبه، وربما كانوا أصحاب وظائف محرمة ومُعْرِضون عن طاعة الله (عَزَّ وَجَلَّ)، ومُضيِّعون لأوامره، وهؤلاء الأولياء سيُسألون أمام الله (عَزَّ وَجَلَّ) عن تضييعهم لبناتهم.
- وروى ابن حبان عن أنس (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه أَحَفِظَ ذلك أم ضيَّعه؟ حتى يُسأل الرجل عن أهل بيته؟".
قال ابن رشد كما في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (2/16): "ولم يختلف المذهب (المالكي) أن البكر إذا زوَّجها الأب من شارب الخمر وبالجملة من فاسق أن لها أن تمنع نفسها من النكاح، وينظر الحاكم في ذلك فيُفرِّق بينهما، وكذلك إذا زوَّجها ممَّن ماله حرام، أو ممَّن هو كثير الحلف بالطلاق".
2. الكفاءة في النسب:
وهي معتبرة عند جمهور العلماء خلافاً للإمام مالك.
ومعنى كونها معتبرة، فحاصله: أنهم يعتبرون للهاشمي الحق في أن لا يزوج ابنته إلا بهاشمي.
3. الكفاءة في المـال:
قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].
وهي معتبرة عند الحنفية، والحنابلة، وقول عند الشافعية.
فقد أخرج الإمام أحمد بسند حسن من حديث بريدة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (رحمه الله): "إن أحساب أهل الدنيا هذا المال".
4. الكفاءة في الحرية:
وهي معتبرة عند الجمهور، خلافاً لمالك.
5. الكفاءة في الصنعة والمهنة:
وقد اعتبرها الحنفية والشافعية والحنابلة.
6. السلامة من العيوب (أي العيوب الفاحشة)
وهي معتبرة عند المالكية، والشافعية، وابن عقيل من الحنابلة.
واستدلوا بحديث:
"فِر من المجزوم فرارك من الأسد".
وحديث:
"لا يوردن ممرض على مصح".
لكن هناك سؤال:
هل الكفاءة شرط في صحة النكاح؟
اختلف أهل العلم على قولين:-
القول الأول:
إن الكفاءة ليست شرطاً في صحة النكاح (وهو القول الراجح).
وهو قول جمهور العلماء منهم: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد في رواية، وهو مروي عن عمر وابن مسعود (رضي الله عنهما)، ومما يدل على ذلك:
1. تزويج النبي (صلى الله عليه وسلم) زينب بنت جحش (وهي أسدية من أعلى العرب نسباً) بزيد بن حارثة (رضي الله عنه) وهو مولى، وقصتها في كتاب الله (عَزَّ وَجَلَّ)، فقال الله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37].
2. تزويج النبي (صلى الله عليه وسلم) (وهو هاشمي) ابنتيه بعثمان بن عفان
(وهو قرشي) وقد قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيما أخرجه الإمام مسلم: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم"، فالهاشمي أعلى درجة في الشرف من القرشي، ومع هذا تم الزواج وصحَّ.
3. تزويج النبي (صلى الله عليه وسلم) أسامة بن زيد
(وهو مولى) بفاطمة بنت قيس (وهي قرشية) والحديث في "صحيح مسلم" عندما جاءت تستشير النبي (صلى الله عليه وسلم) في زواجها من معاوية وأبي جهم، فقال لها النبي (صلى الله عليه وسلم): "أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فرجل لا يضع عصاهُ عن عاتقه، ولكن انكحي أسامة".
4.أن الفخر في الأحساب من أمر الجاهلية:
- فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي مالك الأشعري (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:
"أربع من أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة".
5. قال تعالى:
{وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى (13) مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور: 32].
فالفقر في الحال لا يمنع التزويج؛ لاحتمال حصول المال في المآل.
6. أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد (رضي الله عنه):
"أن زينب امرأة ابن مسعود قالت: يا نبي الله إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حُلِيٌ لي فأردت أن أتصدَّقَ بها، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحقَّ مَن تصدقتُ عليهم فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): صَدَق ابن مسعود زوُجكِ وولدُك أحق مَن تصدَّقتِ به عليهم". فدلَّ على أنها كانت أثري منه بكثير. والله أعلم.
- وكذلك زوَّج النبي (صلى الله عليه وسلم) رجلاً فقيراً لا يملك إلا إزاراً بالمرأة التي جاءت تهب نفسها للنبي (صلى الله عليه وسلم).
- وتزوج بلال (رضي الله عنه) أخت عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه).
7. ومن هذه الأدلة ما أخرجه البخاري من حديث سهل بن سعد الساعدي (رضي الله عنه) أنه قال:
"مَرَّ رجل على النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقال لرجلٍ عنده جالس: ما رأيك في هذا؟ فقال: رجلٌ من أشرافِ الناس هذا والله حريٌ (14) إن خطب أن يُنكحَ، وإن شفعَ أن يُشفَّع، قال: فسكت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ثم مرَّ رجلٌ آخرُ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ما رأيك في هذا؟ فقال: يا رسول الله هذا رجلٌ من فقراء المسلمين هذا حريٌ إن خطب أن لا يُنكحَ، وإن شفع أن لا يُشفَّع، وإن قال أن لا يُسمَع لقوله، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): هذا خيرٌ من ملءِ الأرض مِثل هذا".
8. أخرج أبو داود من حديث أبي هريرة (رضي الله عنه):
"أن أبا هندٍ حَجَّم النبي (صلى الله عليه وسلم) في اليافوخ، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): يا بني بياضة أنكحوا أبا هندٍ وانكحوا إليه".
وأبو هند هو مولى بني بياضة وليس من أنفسهم ثم هو يعمل حجَّاماً وقد كانت هذه الصناعة من أحقر الصناعات في زمانهم، وهذا ما ذهب إليه أبو حنيفة، حيث قال: إن هذا ليس بنقص.
9. أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة (رضي الله عنها) قالت:
"اشتريت بريرة فاشترط أهلها ولاؤها، فذكرتُ ذلك للنبي (صلى الله عليه وسلم)، فخَيَّرها من زوجها، فقالت: لو أعطاني كذا وكذا ما ثبتُّ عنده".
- وفي رواية أخرى عند البخاري من حديث ابن عباس (رضي الله عنهما):
"أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لها: لو راجعتِهِ، قالت: يا رسول الله تأمرني؟، قال: إنما أنا أشفع، قالت: لا حاجة لي فيه".
ولا يشفع إليها النبي (صلى الله عليه وسلم) أن تنكح عبداً إلا والنكاح صحيح إن تمّ، ورضيت بريرة بالزواج منه. والله أعلم.
فهذا هو القول الأول:
وهذه هي أدلتهم على أن الكفاءة ليست شرطاً في صحة النكاح.
والقول الثاني:
أن الكفاءة شرط في صحة النكاح (وهو المرجوح)
وهو مذهب الإمام أحمد في الرواية المشهورة عنه، والثوري، وبعض الأحناف، واستدلوا بجملة أدلة لا يثبت منها شيء، وما ثبت منها فليس صريحاً في الشرطية، ولا يقوى على معارضة ما تقدَّم من النصوص.
والتحقيق في المسألة:
أن الإسلام لم يشترط الكفاءة بين الزوجين إلا في الدين والخُلق.
كذلك من شروط الكفاءة:
السلامة من العيوب المُخلة بأغراض النكاح في الإسلام، كأن يكون الزوج عِنيناً أو حصوراً لا يأتي النساء أو خنثى.
• فلم يشترط الإسلام الكفاءة في النسب، وقد مرَّ بنا طرفاً من ذلك، وكذلك فالنبي تزوَّج صفية بنت حُيي (رضي الله عنها) وهي يهودية، وتزوَّج جويرية بنت الحارث (رضي الله عنها) وأسرتها مُشرِكَة، وزوَّج أبا العاصي بن الربيع زينب (رضي الله عنها) (بنت النبي (صلى الله عليه وسلم)).
• وقد تزوَّج الحسين بن علي (رضي الله عنهم) أعجمية من الفُرس؛ فولدت له علي زين العابدين.